دراسة قانونية متميزة حول شرط الاحتفاظ بالملكية
شرط الاحتفاظ بالملكية
مقــــدمة:
من خصائص الحياة التجارية أنها تقوم على السرعة والائتمان، ووجود الائتمان يفترض أن يكون أداء أحد طرفي العقد ممتدا في الزمان، وقد كان لذلك أثره في ضرورة البحث عن وسيلة للضمان لمواجهة هذه المخاطر.
وإذا كانت القواعد العامة توفر بعض الضمانات للبائعين مانحي الائتمان تمكنهم من حماية حقوقهم إلا أن العمل قد كشف عن قصور هذه الضمانات في تحقيق الفعالية المطلوبة.
فالواقع أن المشتغلين بالتجارة والصناعة لا ينتظرون من الضمانات ما توفره من أولوية وتتبع، وإنما ينظر هؤلاء إلى الضمانات نظرة اقتصادية تقوم على إلغاء أو تقليل المخاطر التي يتعرضون لها في سبيل استيفاء حقوقهم.
وفي هذا السياق فرضت فكرة الملكية نفسها كضمانة فعالة لحماية حقوق البائع – في البيوع الائتمانية – توقيه من خطر عدم استيفاء حقه في الثمن في ميعاد استحقاقه من خلال ما درج التجار على تسميته بشرط الاحتفاظ بالملكية. وبناء على ما سبق، رأينا أن يتناول هذا البحث المتعلق بشرط الاحتفاظ بالملكية وفق التصميم التالي :
الفصل الأول : الطبيعة القانونية لشرط الاحتفاظ بالملكية.
المبحث الأول: الاتجاهات الفقهية والقضائية لطبيعة شرط الاحتفاظ بالملكية
المبحث الثاني : الطبيعة القانونية لشرط الاحتفاظ بالملكية في القانون الوضعي
الفصل الثاني : آثار شرط الاحتفاظ بالملكية.
المبحث الثاني : آثار شرط الاحتفاظ بالملكية في مواجهة الغير.
المبحث الأول: أثار شرط الاحتفاظ بالملكية فيما بين الأطراف
الفصل الأول: الطبيعة القانونية لشرط الاحتفاظ بالملكية
دراسة شرط الاحتفاظ بالملكية تقتضي البحث عن الطبيعة القانونية لهذا الشرط وهد ما سنحاول العمل عليه من خلال التطرق لمختلف الاتجاهات الفقهية والقضائية التي حاولت تحديد الطبيعة القانونية لشرط لاحتفاظ بالملكية تم موقف التشريع من هذا الشرط.
المبحث الأول: الاتجاهات الفقهية والقضائية لطبيعة شرط الاحتفاظ بالملكية
المطلب الأول: الاتجاهات الفقهية من الشرط
الاتجاه الأول: بيع معلق على شرط واقف
مفاد هذه النظرية أن البيع المعلق على شرط الاحتفاظ بالملكية هو بيع معلق على شرط واقف يتمثل في وفاء المشتري بكامل الثمن.
فشرط الوفاء بكامل الثمن هو شرط واقف بمعنى أنه يتوقف على تحققه وجود البيع ذاته ولا ينعقد البيع قبل الوفاء بكامل الثمن ويظل البائع مالكا للمبيع ولا تنتقل الملكية للمشتري قبل الوفاء بكامل الثمن.
واعتبار شرط الاحتفاظ بملكية بأنه شرط واقف هذا يجعل الالتزام الموقوف عليه لهو البيع التزام موجود ولكنه غير نافد .
وذلك يرتب مجموعة من النتائج تختلف من كونه غير نافد إلى كونه موجود
غير نافد يعني:
– التزام غير مستحق ومن تم فهو غير قابل للتنفيذ الجبري
– لا يخضع للتقادم المسقط.
موجود يعني:
– للدائن الحق في اتخاذ جميع الإجراءات التحفظية لحفظ حقه الفصل 126 من ق،ل،ع.
– للدائن بشرط واقف أن يتصرف بحقه لكن هذا التصرف يجب أن يكون تحت ذلك الشرط الواقف.
– وفاة الدائن (البائع) تحت هذا الشرط لا تنقضي حقوقه والتزاماته بل تنتقل إلى ورثته لأن هذا الالتزام هو موجود وقد تكتمل حياته بمجرد تحقق الشرط.
هنا يمكن التساؤل حول إلى أي مدى يمكن اعتبار الالتزام كامل إذا كان غير قابل للتنفيذ؟.
هذا يؤدي إلى القول بأن البيع المعلق على شرط الاحتفاظ بالملكية بيع مكتمل يرتب جميع أثاره لكن تنفيذه موقوف إلى حين تحقق الشرط ويؤكد هذا أن انعقاد العقد حين أداء الثمن يكون بأثر رجعي أي من يوم الاتفاق وليس من يوم أداء كامل الثمن وهذا الذي قد يفرقه على الوعد بالبيع.
هذا الاتجاه وجهت له عدة انتقادات منها:
1-رغم ما لهذه النظرية من إيجابيات في تفسير شرط الاحتفاظ بالملكية بكونه شرط واقف فإنها تبقى عاجزة عن تفسير أساس التزام البائع بالتسليم في بعض الأحيان، ذلك أنه في الواقع لا يوجد أي التزام بالتسليم قبل تحقق الشرط الواقف الذي علق عليه البيع أكثر من ذلك أن إعمال قواعد البيع يؤدي إلى عدم إلى عدم إلزام البائع بتسليم المبيع طالما المشتري لم يدفع الثمن.
2-لا يمكن اعتبار الوفاء بالثمن هو التزام رئيسي ناتج عن البيع بل هو فقط شرطا لانعقاد يؤدي هذا التناقض إلى منتج إرادة الأطراف التي تتجه فقط إلى تحصين البائع ضد عدم تنفيذ البيع . ولا يجوز اختيار تنفيذ أحد الالتزامات الرئيسية لعقد البيع كالوفاء بالثمن لكي يكون شرط لصحته.
3- الفقه يرفض دائما القول بأن عدم تنفيذ أحد طرفي العقد لالتزاماته يعد شرطا واقفا لانعقاد العقد ذاته لأن عدم التنفيذ يخول ببساطة الطرف الأخر الامتناع بدوره عن تنفيذ التزاماته ومن ثم فإن تنفيذ العقد يكون في هذه الحالة خاضعا لمطلق إرادة أحد الطرفين أي العقد معلق على شرط إرادي محض.
الاتجاه الثاني: يعتبر شرط الاحتفاظ بالملكية بيع معلق على شرط فاسخ
مفاد هذه النظرية أن البيع مع الاحتفاظ بالملكية هو بيع معلق على شرط فاسخ وهذا الشرط هو عدم الوفاء بالثمن في الميعاد المتفق عليه في العقد، هذا يعني أن للمشتري التملك وبكيفية تامة للشيء لكن حقه هذا يظل مهدد بالزوال طيلة المدة المتفق عليها لأداء الثمن بحيث إدا تم أداء الثمن أصبح البيع تام ولم يبقى مهدد بالزوال أما عدم أداء الثمن يؤدي إلى زوال حق المشتري في المبيع وبأثر رجعي وبقوة القانون دون حاجة إلى حكم من القضاء.
وهذا الاتجاه ما يمكن القول عنه هو أنه على الأقل يفسر انتقال حيازة الشيء محل عقد البيع من طرف المشتري واستعماله والتصرف فيه إطار من الاستقلالية عن البائع لأن الالتزام تحت شرط فاسخ موجود ونافد ويضح ذلك من الفصل 121من ق.ل.ع الذي ينص على أنه “الشرط الفاسخ لا يوقف تنفيذ الالتزام” ولكن هذا لا يمنع البائع من القيام بمجموعة من الإجراءات التي تحافظ له على ضمان حقه في أداء الثمن لأن البيع لازال مقيد بشرط فاسخ قد يعيد حيازة الشيء محل البيع إلى البائع لهذا له حق التتبع ضمان أداء الثمن (الفصل 126 من ق.ل.ع).
كما أن تصرفات المشتري في الشيء يجب أن تكون تحت هذا الشرط.
هذا الاتجاه هو الذي كان سائد في الفقه والقضاء قبل صدور قانون 12ماي 1980 في فرنسا .
لكن هذا لا يعني أن شرط الاحتفاظ بالملكية هو شرط فاسخ كما جاء به هذا الاتجاه فهذا ليس دائما لأن وكما سبقت الإشارة إلى ذلك هذا الشرط ما هو إلا ضمانة لتنفيذ الالتزامات الملقاة على عاتق المشتري في عقد البيع وخاصة أداء الثمن الذي يعتبر في ذات الوقت شرط لانعقاد عقد البيع.
أن فكرة الشرط هذه سواء كان فاسخا أو واقف تثير نوع من عدم الدقة لأن الشرط بالمعنى الفني الدقيق للكلمة لا يتوقف تحقيقه على إرادة أي من الأطراف وهذا ما نص عليه قانون الالتزامات والعقود المغربي من خلال فصله 107 والدي جاء فيه ” الشرط تعبير عن الإرادة يعلق على أمر مستقبل وغير محقق الوقوع، إما وجود الالتزام أو زواله”.
الشرط واقعة خارجة عن إرادة الأطراف بينما تنفيذ العقد من خلال دفع الثمن ونقل الملكية المحتفظ بها فهو يتوقف على إرادة المشتري في حالة التنفيذ الاختياري والبائع في حالة التنفيذ الإجباري.
وقد سبق أن قرر فقهاء القرن 19 بمناسبة التعرض على صحة شرط الاحتفاظ بالملكية، أن الصفة المباشرة لنقل الملكية ليست من جوهر عقد البيع بل من طبيعته فقط، وانتهوا بلا تردد إلى أن يجوز للأطراف الاتفاق على إرجاء هذا الانتقال. وانحصر النقاش فقط في الصفة المباشرة لنقل الملكية، أما الانتقال في ذاته كهدف ضروري ونهائي من العملية، فلم يكن مطلقا محل نقاش فلأمر لم يتعلق سوى بمجرد تأخير أو بعبارة أخرى بأجل .
خلاصة القول فاعتبار شرط الاحتفاظ بالملكية شرط فاسخ في عقد البيع يمكن أن يتنافى وروح هذا الشرط ذاتها، لمادا؟ لأن الاحتفاظ بالملكية ما هي إلا ضمانة تقرر أتناء التعاقد لكي تحصن حقوق المالك الأصلي والدي يبقى ملتزما طيلة المدة المتفق عليها بنقلها حين وفاء الطرف الأخر بالتزاماته.
الاتجاه الثالث: شرط الاحتفاظ بالملكية هو بيع مضاف إلى أجل واقف
مفاد هذه النظرية أن البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية هو بيع مضاف إلى أجل واقف لتنفيذ بعض الالتزامات حيث يتفق الأطراف فيه على إرجاء تنفيذ العقد إلى حين حلول الأجل وهو الموعد المحدد لدفع الثمن.
بالنسبة للالتزامات المتبادل بين البائع والمشتري في الفترة قبل حلول الأجل تنشأ عن اتفاق إضافي ينظم العلاقة بينهما في هذه المرحلة، والطبيعة القانونية لهذا الاتفاق تتوقف على ما هي شروطه وأحكامه .فقد يتفق البائع مع المشتري بأن يلتزم هذا الأخير بدفع مبالغ معينة في مواعيد محددة على سبيل الوديعة على أن يكون المبلغ الأخير في موعد أداء كامل الثمن، ويلتزم البائع من جهة بتسليم الشيء محل عقد البيع على سبيل الوديعة أي الحيازة دون الحق في التصرف والاستعمال، أو على سبيل الإيجار لمدة محددة يعني ذلك الانتفاع دون الحق في التصرف. وبطبيعة الحال فقبل حلول الأجل المتفق عليه للوفاء بكامل الثمن ليس للبائع أن يطالب باسترداد المبيع وفي المقابل ليس للمشتري الحق في المطالبة باسترداد الأقساط التي تم دفعها .
والمنادون بهذه النظرية حاولو ا أن يعتمدوا في تبرير موقفهم هذا على قانون 1980/5/12 وذلك بقولهم أن هذا لقانون جاء بعبارة محايدة تقضي بأن شرط الاحتفاظ بالملكية يوقف نقل الملكية إلى أن يتم الوفاء بكامل الثمن la clause suspend”le transfert de propriété au paiement integral du prix” وهذا يعني أن للبائع أن يشترط الاحتفاظ بالملكية حتى الوفاء بكامل الثمن.
يضيف هذا الاتجاه على أنه لو كان الأمر يتعلق بشرط لكانت الصياغة على الشكل التالي: لا تنقل الملكية إلى المشتري إلا إدا دفع الثمن “la propriété ne serait transféré que si il payait le prix” .
لكن اعتماد هذا الاتجاه على قانون 1980/5/12 الفرنسي يمكن القول أنه ليس في محله لأن هذا القانون يتعلق بالبيع الائتماني وهو يختلف على هذا الشرط الذي قد يرد في عدة صور ولكل صرة وضع قانوني خاص بها وفي كل صورة أثار تختلف حسب التنظيم القانوني الخاص بها.
المطلب الثاني:موقف القضاء من شرط الاحتفاظ بالملكية
بالرجوع إلى القضاء الفرنسية لابد من الوقوف عند موقف محكمة النقض الفرنسية الذي اعتبرت بأن البيع المعلق على شرط الاحتفاظ بالملكية هو بيع معلق فيه انتقال الملكية على الوفاء بكامل الثمن أي أن ذلك يتعلق فقط بانتقال الملكية أي أننا أمام شرط واقف لنقل الملكية وليس لتكوين العقد وسندها في ذلك أن نقل الملكية من طبيعة عقد البيع وليس من جوهره وهذا الاتجاه يزيد بالقول أن هذا التفسير هو الذي يتفق مع ظروف القانون والتطور القضائي من جهة بالإضافة إلى أن نقل الملكية هو أمر لا يتعلق بالنظام العام من جهة أخرى هذه النظرية تقوم على فصل العقد على نقل الملكية العقد صحيح ونقل الملكية يبقى معلق على أداء كامل الثمن.
تبدوا أهمية هذه النظرية في أن البيع المعلق على شرط واقف لا ينعقد قبل تحقق الشرط بالتالي لا يرتب الآثار المعروفة في عقد البيع ونفس الشيء تقريبا في حالة إذا كانت أثار البيع مؤجلة لحين الوفاء بكامل الثمن يؤدي إلى إنهاء الروابط القانونية الناتجة عن العقد وذلك ذلك دون حاجة إلى أي إجراء آخر.
أما إذا تم الإقرار بأن البيع منعقد ومرتب لكل أثاره ماعدا نقل الملكية فإن استرداد الشيء المبيع من طرف البائع يتطلب اتخاذ مجموعة من الإجراءات للوصول إلى تلك النتيجة وتتمثل في القيام برفع دعوى الفسخ أو الشرط الفاسخ الصريح وقد يتضمن الشرط الجزائي، لهو الاحتفاظ بالأقساط المدفوعة من الثمن في حالة تقاعس المشتري عن أداء باقي كامل الثمن، والدي عن طريقه يمكن تسوية حكم أقساط الثمن المدفوعة.
وموقف محكمة النقض هذا يتجلى من خلال حكم يتعلق ببيع تجهيزات إلى شركة مع شرط الاحتفاظ بالملكية، وقائع هذا الحكم تتجلى في أن شركة طلبت من أخرى مجموعة معدات يشكل كل جزء منها ثمنا مستقلا، احتفظت الشركة الموردة بملكية البضاعة لحين الوفاء بكامل الثمن، تم تسليم كل المعدات وتثبيتها لدى الشركة المشترية، شب حريق قبل الانتهاء من اللمسات الأخيرة للتركيب وتجربة المعدات فقض تماما على التجهيزات المقامة بما في ذلك البضاعة المحتفظ بملكيتها طلبت الشركة الموردة الجزء المتبقي من الثمن، رفضت الشركة المشترية الدفع بل طلبت استرداد الفرق بين الجزء المدفوع من الثمن ومبلغ التعويض الذي تقاضته من المؤمن.
عرض الأمر على محكمة “ستراسبورغ ” التي قضت طبقا لنصوص العقد بتحمل المشتري للمخاطر والتزامه بدفع كل الثمن تم تأييد الحكم من محكمة الاستئناف “بكولمار” واستندت في ذلك على كون البيع معلق على شرط فاسخ وبالتالي فالمشتري كلن مالك لحظة الهلاك وبالتالي عليه تحمل تبعة المخاطر ويلتزم بدفع كل الثمن وفوائده.
نقضت محكمة النقض الحكم مقررة أن شرط الاحتفاظ بالملكية ليس شرطا فاسخ، بل أنه يعني بوضوح تعليق انتقال الملكية على الوفاء بكامل الثمن، وأحالت الدعوى إلى محكمة الاستئناف “ميتد” للفصل فيه من جديد فاتجهت هذه المحكمة نفس الاتجاه وقررت إلزام البائع برد الجزء من الثمن المدفوع بالإضافة إلى الفوائد منقوصا منه التعويض الذي حصل عليه المشتري من المؤمن .
ما يمكن أن تتم ملاحظته على هذا الموقف هو أنه إذا رتب أثر الهلاك على البائع المحتفظ بالملكية هذا يعني أن عقد البيع لازال غير موجود لكن مادا عن واقعة التسليم والحيازة؟ تم أن المشتري استفاد من التعويض عن الخسارة من شركة التأمين عن المعدات التي ليست في ملكه وهذا يدفع إلى القول أن شركة التأمين عليها التدخل لإرجاع المبالغ المدفوع لأنها عوضت البائع يكون غير مؤمن ولا يجود غي عقد التأمين المبرم بين المشتري وشركة التأمين؟.
المبحث الثاني : الطبيعة القانونية لشرط الاحتفاظ بالملكية في القانون الوضعي
سنتناول هذه النقطة من خلال القانون الفرنسي والقانون المصري باعتبارهما قانونين أثر بشكل كبير في القانون المغربي ثم سنحاول معرفة هذه الطبيعة في القانون المغربي.
القانون الفرنسي:
بالرغم من أن قانون 12 مايو 1980 هو الذي يتعلق بتنظيم أثار شرط الاحتفاظ بالملكية في عقود البيع فإن نطاق تطبيقه ليس بهذا الاتساع فهو لا ينظم أثار الشرط فيما بين الأطراف، بل فقط بالنسبة للغير في إطار الإجراءات الجماعية للتسوية القضائية أو لتصفية الأموال.
حيث أن عنوان هذا القانون يتضمن كلمة شروط الاحتفاظ بالملكية في عقود البيع مما يحمل على الاعتماد بوجود عدة أنوع من الشروط بينما لا تتكلم المادة الأولى إلا على الشرط الذي يوقف نـقل الملكية على دفع كامل الثمن بحيث هذا الذي يعطي للشراح صعوبة في دراسة هذا الشرط.
لكن هذا يعطي انطباع إلى الدارس لهذا لشرط بأن المشرع الفرنسي كان يتجه نحو اعتباره بأنه شرط واقف أي أن شرط الاحتفاظ بالملكية ما هو إلا وقف انتقال الملكية إلى أن يتم الوفاء بكامل الثمن وجاء تجسيدا لموقف محكمة النقض الفرنسية في القضية السابقة الإشارة إليها.
كما يذهب البعض إلى أن المشرع بتبنيه تلك الصياغة يكون قد انحاز إلى الاتجاه القائل بالأثر الواقف لشرط الاحتفاظ بالملكية دون الأثر الفاسخ.
الفقه واعتمادا على قانون 12 مايو 1980 خاصة الأعمال التحضيرية منه توصلوا إلى نتيجة وهي أن المشرع الفرنسي بسنه لهذه القانون كانت الفائدة من منه تقصير بلا شك على طائفة الشروط التي توقف نقل الملكية دون تلك التي تقضي بفسخ البيع في حالة عدم الوفاء بالثمن ، ويتضح ذلك من خلال المناقشات والتحليلات والتقارير المقدمة أمام الجمعية الوطنية الفرنسية .
وهذا الموقف للقانون الفرنسي قد اتقد بنفس الانتقادات الموجهة للاتجاه الفقهي الأول الذي اعتبر شرط الاحتفاظ بالملكية شرط واقف.
من بين الإشكالات التي يطرحها اتجاه القانون الفرنسي، هل القانون المذكور يقتصر تطبيقه على حالة الشرط الذي يوقف الملكية فقط أم يمتد تطبيقه إلى الشرط الذي يوقف انعقاد العقد ككل؟
في هذه المسألة مادام النص الفرنسي جاء بصيغة الجمع غامضة فإن تحديد ما إذا اتجهت إلى وقف نقل الملكية فقط أم إلى وقف انعقاد ذاته.
وفي الأخير فإن هذا الشرط موجود فقط في قانون 12 ماي 1980 فقط دون أن يكون في القانون المدني الفرنسي .
القانون المصري:
القانون المصري فهو قانون كان صريح وواضح أكثر من القانون الفرنسي بحيث نصت المادة 430/1 قانون مدني على أنه «إذا كان البيع مؤجل الثمن جاز للبائع أن يشترط أن يكون نقل الملكية ‘لى المشتري موقوفا على استيفاء الثمن كله ولو تم التسليم».
هذا القانون أو بالأحرى هذا النص فهو أوقف نقل الملكية حتى ولو تمت واقعة التسليم على أداء كامل الثمن هذا من طبيعة الحال فهو شرط تمت إجازته بالنسبة للبائع وذلك من أجل المحافظة على الضمانة الكافية لاستخلاص باقي الثمن وهذا النص فهو قد خص هذا الشرط فقط في عقد البيع دون الإشارة الأخرى لباقي العقود الأخرى الناقلة للملكية ويمكن اعتبار ذلك من بين الملاحظات التي تعطي حتى للقانون الفرنسي.
بالإضافة إلى أن القانون الفرنسي حصر شرط الاحتفاظ بالملكية فقط في بيع المنقول دون العقار في حين أن القانون الفرنسي حصر شرط الاحتفاظ بالملكية فقط في بيع المنقول دون العقار مع أن القانون المصري جاءت العبارة أكتر عموما وهذا يجعل إسقاطها حتى على بيع العقار.
لكن شرط الاحتفاظ بالملكية في القانون المصري رغم ذلك التنصيص فهو يمكن اعتباره عديم الأهمية لأن اللجوء إليه يكون قليلا لأنه عديم الأثر في بعض الأحيان المثال على ذلك وجوده مع الائتمان الإيجاري كما أن القضاء المصري يرفض إعماله في حالة الإفلاس للمشتري بحيث يسقط حق البائع في استرداده خاصة إذا تعلق بالشيء حقوق عينية وكان هذا الدائن الأخير حسن النية.
بالإضافة إلى كونه عديم الأهمية، فإعماله لا يحقق الغاية المتوخاة منه دائما خاصة إذا تم التسليم لأن ذلك يؤدي إلى تطبيق مجموعة من المبادئ تغطي عليه، كالحيازة في المنقول سند الملكية كما أن هذا الشرط لا يعرف إشهار معين وبالتالي الدائنين الآخرين في الغالب لا يكون على علم به وبالتالي يتشبثون أن ذلك الشيء يكون ضمان لديونهم ويقعوا في تزاحم مع المالك الحقيقي في حالة المطالبة بالاسترداد، ويكون هذا الأخير صعب ويتطلب رفع دعوى وكما سبقت الإشارة فالقضاء في مصر في الغالب يرفض الأخذ بهذا الشرط .
القانون المغربي:
بالرجوع إلى قواعد قانون الالتزامات والعقود خاصة منها المتعلقة بعقد البيع نجد المشرع المغربي لم يشر إلى هذا الشرط على الإطلاق وهذا يدفعنا إلى القول أن المشرع المغربي إما أنه لم ينتبه لهذا الشرط وإما أنه أراد إخضاعه للقواعد العامة للشرط بحيث إذا تم اعتباره شرط فاسخ يخضع لأحكامه وإذا تم اعتباره شرط فاسخ خضع لأحكامه وإذا اعتبر بيع مضاف إلى أجل خضع إلى هذه الأحكام.
إن القواعد العامة لعقد البيع تقرر أن انتقال الملكية في البيع يكون بقوة القانون بمجرد تراضي طرفيه، وبالتالي فإن إعمال هذا الشرط فيبدو في الوهلة الأولى أنه مخالف لهذه القواعد، لكن مادام هذا الشرط لا يؤثر في عقد البيع ولا يخالف النظام العام، كما أن المشرع أعطى الصلاحية للمتعاقدين أن يتفقوا على ما يشاءوا من شروط شريطة أن لا تختلف مع روح القانون والنظام العام.
لكن هذا لا يقر بأن القانون المغربي لا يشر بتاتا لهذا الشرط على الإطلاق بل وبالرجوع إلى الفصل 14 من الظهير الشريف رقم 72.277 بتاريخ 29 دجنبر 1972 بمثابة قانون يتعلق بمنح بعض الفلاحين أراضي فلاحية أو قابلة للفلاحة في ملك الدولة الخاص ، على أن القطع الموزعة بموجب ظهير الشريف هذا غير قابلة للقسمة والتفويت ماعدا إذا كان ذلك لفائدة الدولة كما أنها غير قابلة للحجز وتعتبر القيود المبرمة خلافا لهذه المقتضيات باطلة . فهذا التقيد رغم عدم وضوحه وعدم توفره على الشرط بصراحة فيبقى له بعض المبررات التي تجعل القول أن هذا الشرط كتوفر لكن بكيفية غير مباشرة وبمثابة تقنية أخرى تشبه وأكتر ضمانة منه.
يبدو من خلال بعض النصوص القانونية أن شرط الاحتفاظ بالملكية كضمان يمتاز بفعالية إلا أنه غير مضمون، فمن حيث الفعالية يمكن البائع أو من يقوم مقامه باسترداد المبيع تلافيا للمتبعات الفردية ضد المدين، وبالتالي قد يفسر هذا التصرف بأنه وفاء ينقضي الالتزام به.
طبقا للفصل 321من ق.ل.ع الذي ينصص على أن “ينقضي الالتزام أيضا إدا رضي الدائن أن يأخذ استيفاء لحقه شيئا أخر غير الشيء الذي ذكر في الالتزام، وهذا الرضا يفترض موجودا إذا أخد الدائنين بدون تحفظ شيئا أخر غير الذي كان محلا للالتزام.
أما بخصوص غير مضمون بالجوع إلى القانون التجاري قد نصت المادة 57 من خلال فقرتها الثانية على أنه “يجب على المتعاقد أن يفي بالتزاماته رغم عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها السابقة لفتح المسطرة. و لا يترتب عن عدم تنفيذ هذه الالتزامات سوى منح الدائنين حق التصريح بها في قائمة الخصوم.”
لكن شرط الاحتفاظ بالملكية تجد له مكانة خاصة في قانون التجاري من خلال المادة 672 التي تنص على أنه “يمكن أيضا استرداد البضائع المبيعة تحت شرط الأداء الكامل للثمن مقابل نقل ملكيتها، إذا كانت هذه البضائع موجودة بعينها وقت فتح المسطرة. هذا الشرط الذي يمكن أن يرد في محرر ينظم مجموعة من العمليات التجارية المتفق عليها بين الأطراف، يجب أن يكون متفقا عليه كتابة على الأكثر حين التسليم”.
هذه المادة تعطي انطباع على أن المشرع المغربي أعطى لهذا الشرط أهمية في المعاملات التجارية نظرا لأهمية في هذا الميدان رغم أن فعاليته قيد فعاليته في التسوية التصفية القضائية بمجموعة من الشروط وهي
– أن تكون البضاعة المبيعة تحث شرط الاحتفاظ بالملكية لازالت موجود بعينها وقت فتح المسطرة .
– أن يرد هذا الشرط في محرر ينظم المعاملات التجارية المتفق عليها بين الأطراف.
– ويجب أن يكون متفق عليه كتابة.
– وهذا الاتفاق يجب أن يكون قبل التسليم أو أثنائه
تحديد هذه الطبيعة من خلال الفقه والقضاء والقانون نعطي انطباع أن هذا الشرط رغم شيوعه وأهمية اللجوء إليه في حالات عدة خاصة البيع المؤجل الثمن لم يلقى الدراسة الكافية وتحديد طبيعته تبقى غير واضحة في حين أنها قد تختلف من عقد بيع إلى أخر أو بالأحرى من وضعية قانونية إلى أخرى.
لقد دهب الدكتور محمد الفروجي إلى القول أن الاتفاق على شرط احتفاظ مورد المعدات والأدوات بملكيتها إلى حين أداء صاحب الأصل التجاري ثمنها كاملا، فيجب التأكيد بهذا الخصوص على الأمر يختلف في هذه الحالة عن وجود هذا الشرط العقد الذي يجمع بين التاجر ومورد البضائع .
كل هذا لأن المعدات يمكن أن تكون ضمان لديون لمشتري رغم عدم ملكيته لها لأن هذا الشرط لا يشهر وقد لا يعلمه الدائن وبدالك قد تتار إشكالية تزاحم الدائنين على ملك الغير.
الفصل الثاني : آثار شرط الاحتفاظ بالملكية
تختلف هذه الآثار حسب ما إذا كان الأمر يتعلق مابين الأطراف أو الأغيار.
المبحث الأول: أثار شرط الاحتفاظ بالملكية فيما بين الأطراف
يترتب على شرط احتفاظ البائع بملكية المبيع إلى حين استفاء كامل الثمن عدم انتقال الملكية للمشتري قبل الوفاء بجميع عناصر الثمن المتفق عليه، يظل البائع الذي لم يستوفي كل حقه المالك الوحيد للمبيع رغم تسليمه إلى المشتري الذي يعتبر مجرد حائز عرضي له وهذا الموقف فهو خاص يختلف في أبعاده ومضمونه عن العلاقة العادية التي تتولد عن عقد البيع العادي أو بالأحرى عن طرق انتقال الملكية بصفة عامة بالطرق العادية وفق القواعد المخصصة لذلك.
الاتفاق على هذا الشرط داخل العقد المنظم لتفويت الملكية قد يكون مصاحب بالإتفاق على الأتار المترتبة على ذلك في ما يخص العلاقة بين الأطراف وقد يتم إدراج هذا الشرط ودون أي تنظيم وهذا ما يخلق نوعا من الغموض في حالة وقوع أي حادث وبالتالي يتم الرجوع إلى القواعد العامة في ذلك وتطبيق هذه القواعد يجرنا للحديث على ثلاث محاور.
– المحور الأول: نقل الملكية.
– المحور الثاني: تحمل مخاطر تبعة مخاطر هلاك المبيع.
– المحور الثالث: مصير شرط الاحتفاظ بالملكية
المطلب الأول:اثر الشرط على نقل ملكية المبيع بين البائع والمشتري
إن مصير الملكية بين البائع والمشتري في حالة وجود شرط الاحتفاظ بالملكية قد يبدو أمرا يسيرا من الناحية النظرية، إلا أن المسألة تتسم، في الواقع العملي بالكثير من الغموض ونوع من التعقيد نظرا لكون القواعد العامة لم تنظم ذلك بشكل مفصل بالإضافة إلى وجود قواعد خاصة تتدخل فيما بينها لهذا سنتناول المسألة من الناحية النظرية والعملية.
أولا:من الناحية النظرية
أتجه الفقه في هذه المسألة إلى القول بأن البيع المعلق على شرط الاحتفاظ بالملكية يظل فيه البائع المالك الوحيد إلى حين الوفاء بكامل الثمن من طرف المشتري وهذا الوضع يبدو أكتر بساطة خاصة إذا كانت حيازة المبيع في يد البائع فيجمع بين يديه كل عناصر الملكية، التصرف، الاستغلال والاستعمال. بحيث أي تصرف أو استعمال أو استغلال في المبيع لا يقع تحت العقاب الجنائي لأنه يتصرف في نطاق ملكيته لكنه قد يتعرض للجزاء المدني والذي يرتكز على الإخلال بالتزام تعاقدي (الفسخ، التعويض).
من حيث القواعد العامة لا يلتزم مادام هو المالك الوحيد فله الحق في التصرف وأن تصرفه الثاني لا يعطي حق المشتري الأول باسترداد هذا المبيع لأنه لا يملك شيء على هذا المبيع لكن هذا لا يمنع المشتري من متابعة البائع خاصة إذا كان اتفاق بين الأطراف تابت بينهم .
ونجد أيضا أن دائني البائع لهم الحق في التعرض على البيع ولهم الحق في استعمال حق مدينهم في المطالبة بالثمن ويمكنهم كذلك الحجز عن الثمن المستحق بين يدي المشتري، وإذا تخلف هذا الأخير عن أداء الثمن يحق لهم التنفيذ على المبيع بدعوى أنه مازال مملوك لمدينهم لكن تحقق الشرط يرتب جميع أثار البيع بأثر رجعي حيت يمتلك المشتري المبيع من العقد وتزول الآثار التي ترتبت عليها.
انتقال الحيازة إلى المشتري من الناحية النظرية يبقى الأمر غير مختلف عن سابقه كون أن الحيازة لا يمكن التملك بها خاصة في العقود الشكلية لكن هناك قاعد عامة تقول الحيازة في المنقول سند الملكية إذن فالتصرف في المبيع خاصة إذا كان منقول من طرف المشتري كونه حائز بشراء قد يجعل تصرفه صحيح وتبقى للمشتري الحق فقط في المطالبة بالثمن دون الاسترداد وهذا الذي يجعل لهذا الشرط دون جدوى خاصة إذا كان المشتري الثاني حسن النية.
لكن وجوده يعطي للبائع صلاحيات كبير على المبيع بالتالي فتصرف المشتري في المبيع قد يعرضه للجزاء المدني (الفسخ، التعويض) دون الجزاء الجنائي لأن البيع ليس من عقود الأمانة.
ثانيا: من الناحية العملية
لا تتفق النتائج النظرية السابقة لشرط الاحتفاظ بالملكية مع مقاصد الطرفين في البيع الائتماني حيث يكمن جوهر هذا البيع في تسليم المبيع للمشتري العاجز عن الدفع الفوري لكل الثمن لانتفاع به، وتدخل المشرع في هذا ونظم عقد الائتمان الإيجاري بكيفية محكمة في الغالب يتضمن شرط الاحتفاظ بالملكية رغم عدم أهميته.
في الغالب اللجوء إلى هذا الشرط يدفع الأطراف إلى تنظيم العلاقة في ما بينهم بالطريقة التي تحقق الغاية من البيع وتناسب مصلحة أطراف التعاقد وذلك بإدراج بعض الشروط التكميلية لشرط الاحتفاظ بالملكية لتحديد أثاره ونطاق إعماله وفي الغالب تتمثل في تحويل إلى المشتري الاستفادة من حقوق التي تخولهما الملكية كحق الاستعمال والاستغلال، والتصرف المادي تحت بعض الضمانات والشروط التي تضمن للبائع استرداد المبيع بسهولة أو تضمن له استيفاء باقي الثمن دون أي ازدحام مع باقي الدائنين الآخرين.
ورغم ذلك فإن حق البائع في استرداد المبيع الذي يحتفظ بملكيته يصطدم عمليا بعدة عقبات، أهمها منازعة المشتري التي تستوجب الحصول على حكم بفسخ البيع، تغيير حالة المبيع عن طريق تحويله أو إدماجه في مادة أخرى، استهلاك المبيع كالمواد الأولية، والتصرف فيه إلى الغير حسن النية وهنا يصطدم بواقع انتقال الملكية إلى شخص لا تربطه أية رابطة قانونية وهذا ما يعقد الوضع.
المطلب الثاني:أثر الشرط على تبعة هلاك المبيع
البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية في الغالب تنتقل الحيازة إلى المشتري وتبقى الملكية الفعلية في البيع يد البائع وهذا الوضع يطرح إشكالية هامة تتمثل في تحمل تبعة هلاك الشيء المبيع هل تبقى على عاتق المشتري باعتباره الحارس على الشيء أم أنها تبقى على المالك الحقيقي إلى حين اكتمال الملكية وانتقالها إلى المشتري وهذا ما سنعالجه من نقطتين الأولى قواعد تحمل تبعة هلاك المبيع والنقطة الثانية أثر شرط الاحتفاظ بالملكية على تبعة الهلاك.
أولا: قواعد تحميل تبعة هلاك المبيع
تبعة هلاك المبيع تعني تحميل نتائج هلاك أو فقد الشيء المبيع بصفة نهائية دون إمكانية الرجوع على شخص أخر وبحدث ذلك في حالة الفقد الناجم عن القوة القاهرة والحادث الفجائي, إما إذا نتج عن فعل أحد طرفي العقد فالذي تسبب فعله في ذلك فهو الذي يتحمل تبعة الهلاك, كقاعدة عامة.
فتبعة الهلاك في التشريع المغربي ترتبط بواقعة التسليم بحيث أن المشتري يصبح مسؤولا عن هلاك الشيء المبيع أو تعيبه و لا يكون البائع مسؤولا وفقا للفصل 273 إلا عما يصيب المبيع نتيجة تدليسه أو خطأه الجسيم بالإضافة إلى ذلك فإن البائع لا يلزم إلا برد الثمار التي جناها فعلا أثناء مطل المشتري بل إن له من ناحية أخرى الحق في استرداد المصروفات الضرورية التي اضطر إلى إنفاقها لحفظ الشيء وصيانته وكذلك مصروفات العروض المقدمة منه, وذلك وفقا لما ينص عليه الفصل 274 من.ق.ل.ع .
دهب التشريع الفرنسي خلاف التشريع المغربي حيث أنه حمل المشتري تبعة الهلاك ابتداءا من انتقال الملكية سواء تم التسليم أم لم يتم لكن البائع عليه المحافظة على الشيء المبيع الذي يوجد بين يديه.
إن موقف المشرع المغربي يتسم بالمنطقية حيث ربط تبعة الهلاك بالتسليم في العقود الناقلة للملكية كالبيع والشركة ومن تم تقع تبعة هلاك المبيع قبل التسليم على البائع ولو كانت ملكيته قد انتقلت إلى المشتري قبل الهلاك فالعبرة بالتسليم الذي يتم به نقل الحيازة فإذا انتقلت الحيازة إلى المشتري بالتسليم كان الهلاك عليه ولو لم تنتقل الملكية.
ثانيا: أثر شرط الاحتفاظ بالملكية على تبعة هلاك المبيع
فبعد أن رأينا قواعد تحمل تبعة الهلاك فما أثر شرط الاحتفاظ بالملكية على الهلاك هل تؤثر فعلا أم أنها لا تؤثر بل يجب اعتبار المسألة عادية وتبقى دائما واقعة التسليم وانتقال الحيازة هي المحددة لتبعة الهلاك.
من خلال قواعد تبعة الهلاك بالنسبة للقانون المغربي فهلاك الشيء المبيع تحت شرط الاحتفاظ الملكية لا يثير أي صعوبة لأن كما سبقت الإشارة تبعة الهلاك تكون بالتسليم لا انتقال الملكية وبالتالي إذا هلك المبيع الذي يحتفظ البائع بملكيته قبل تسليمه فالمشتري له الحق في تحميل البائع تبعة الهلاك، بحيث ينفسخ البيع ويسقط على المشتري التزام دفع باقي الثمن كما يمكنه المطالبة بإرجاع ما دفعه.
والعكس صحيح إذا كان المبيع قد تم تسليمه فعلا رغم احتفاظ البائع بملكيته فتبعة الهلاك تقع على المشتري لا البائع وبالتالي للبائع المطالبة بأداء الثمن أو ما تبقى منه.
ويجب الإشارة إلى الاستثناءات التي يمكن أن تزيل المسؤولية كالهلاك بفعل الغير أو القوة القاهرة أو الحادث الفجائي بحيث في هذه الحالة يتعين الرجوع إلى النصوص المنظمة لذلك لتحديد المسؤولية.
وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أن مصير شرط الاحتفاظ بالملكية يتوقف على الهدف من وجوده بحيث أنه في الغالب يتمثل في الضمان فعقد البيع يتوقف وجوده على ضمان استيفاء كامل الثمن المؤجل أو الأقساط المتبقية منه لذلك يختلف حكم الشرط حسب الزمن الموجود فيه، قبل حلول الأجل وبعد حلوله.
– حكم الشرط قبل حلول الأجل وبعده
رغم وجود هذا الشرط فالبيع يبقى تام مرتب جميع الآثار التي يرتبها البيع العادي وكل ما في الأمر أن الالتزام بنقل الملكية يتراخى تنفيذه إلى حين سداد كامل الثمن فالبيع ليس موقوف على شرط الوفاء بكامل الثمن وإنما معلق على الثمن.
أما مصيره عند حلول الأجل يتوقف على قيام المشتري بالوفاء بالثمن من عدمه أداء الثمن يزول بأثر رجعي ولا تبقى له قيمة، لكن عدم الوفاء بالثمن هنا يعطي مفعوله بحيث يخول البائع ممارسة السلطة على المبيع باعتباره المالك الحقيقي والوحيد وقد يضطر إلى مطالبة المشتري بالثمار التي جناه أثناء الاحتفاظ بحيازة المبيع وقد يطالبه بالتعويض عن الإخلال بالتزام تعاقدي إن اقتضى الحال ذلك، خاصة إذا كان شرط الاحتفاظ بالملكية معزز بالشرط الجزائي.
إن تدخل الغير في انتقال الملكية مع وجود هذا الشرط يزداد الوضع تعقيدا وهذا ما سنحاول التطرق له في المبحث الموالي.
المبحث الثاني : آثار شرط الاحتفاظ بالملكية في مواجهة الغير.
لا تقتصر آثار شرط الاحتفاظ بالملكية على طرفي العقد فحسب وإنما تمتد هذه الآثار حتى بالنسبة للغير الخارج عن العلاقة العقدية. حيث تكمن أهمية الشرط المذكور وفعاليته في إمكانية الاحتجاج على الغير سواء كان دائنا للمشتري المفلس، أو متصرفا إليه في المبيع ذاته. وأخيرا فإن شرط الاحتفاظ بالملكية يمكن أن ينتقل إلى الغير على سبيل الضمان.
ولدراسة آثار شرط الاحتفاظ بالملكية في مواجهة الغير سوف نتطرق إلى نقطتين اثنتين وهما :
أولا : آثار شرط الاحتفاظ بالملكية قبل الدائنين.
ثانيا : آثار شرط الاحتفاظ بالملكية قبل الغير المتصرف إليه.
المطلب الأول : آثار شرط الاحتفاظ بالملكية قبل الدائنين.
وفي هذا المطلب سوف نتطرق أولا إلى مدى نفاذ شرط الاحتفاظ بالملكية قبل الدائنين (الفقرة الأولى) وثانيا إلى دعوى الاسترداد والأحكام المتعلقة بها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : مدى نفاذ شرط الاحتفاظ بالملكية قبل الدائنين.
وتثور الصعوبة هنا في حالة توقف المشتري عن الدفع بسبب الإفلاس، حيث تتعارض مصلحة البائع في استرداد المبيع مع مصلحة باقي الدائنين في اعتباره أحد عناصر الذمة المالية للمشتري للتنفيذ عليه.
ولحل هذا الإشكال ذهب القانون المصري إلى عدم الاحتجاج بشرط الاحتفاظ بالملكية في مواجهة جماعة الدائنين لأن الدائنين عولوا على هذا المبيع الذي تسلمه المشتري ودخل ضمن أصوله باعتباره أحد عناصر الضمان العام .
أما بالنسبة للقانون الألماني والفرنسي فإن البائع المحتفظ بملكية المبيع يتمتع بمركز قانوني قوي. لعل أهم مظاهر هذه القوة هو سريان شرط احتفاظه بملكية المبيع قبل جماعة الدائنين فبالإضافة إلى حقه في معارضة الحجز الذي يوقعه دائنو المشتري على المبيع، يكون للبائع حق سحبه من تفليسة المشتري. أما المشرع المغربي فقد ساير نفس الموقف الذي ذهب إليه كل من القانونين الألماني والفرنسي ويتجلى ذلك من خلال المادتين 667 و672 من مدونة التجارة، حيث يمكن للبائع استرداد المبيع شريطة احترام مجموعة من الشروط وهي :
أن يمارس حق الاسترداد داخل أجل 3 أشهر التالية لنشر الحكم القاضي لفتح التسوية أو التصفية القضائية.
أن تكون البضائع لا زالت موجودة بعينها.
أن يكون الشرط متفقا عليه كتابة على الأكثر حين التسليم.
ويثير التساؤل في هذا المقام حول الحكمة التي دفعت المشرع المغربي إلى الخروج على القواعد العامة التي ترتكز على نظرية الوضع الظاهر ومبدأ المساواة بين الدائنين، حيث يحق للدائنين التعويل على كل ما يوجد لديه من منقولات عند التعامل معه وبالتالي إدخالها ضمن الضمان العام لهم ؟
يمكن القول بأن الحكمة التي دفعت المشرع المغربي إلى الخروج على القواعد العامة هي تقوية شرط الاحتفاظ بالملكية وبالتالي تدعيم الائتمان والحد من حالات الإفلاس ويستتبع ذلك بالضرورة الازدهار الاقتصادي وهبوط التضخم والحيلولة دون تعرض المشروعات الاقتصادية لصعوبات مالية.
الفقرة الثانية : شروط ممارسة البائع لحق الاسترداد.
إن منح البائع دعوى استرداد المنقول المبيع المحتفظ بملكيته من المشتري المتقاعس عن الوفاء بالثمن يعد أمرا طبيعيا في حالة يسار هذا الأخير أي تمتعه بضمان عام قوي.
أما في الحالة التي يشكل فيها ممارسة تلك الدعوى مساسا بالضمان العام للدائنين الذين عولوا على وجود المبيع كعنصر هام من عناصره، فإن ذلك يعد تفضيلا لحق البائع على حقوقهم وخروجا على القواعد العامة في الإفلاس التي تقوم على حماية الوضع الظاهر من جهة والمساواة بين الدائنين من جهة ثانية. وإذا كان المشرع المغربي قد منح البائع الحق في ممارسة دعوى الاسترداد في مواجهة المشتري، فإنه أحاط إعمالها بضمانات قوية حتى لا تنطوي ممارستها على غش أو إضرار حقوق الدائنين وحتى تحقق الهدف المقصود من وراء تقريرها. يمكن حصر تلك الضمانات في عدة شروط هي : وجود اتفاق مكتوب على شرط الاحتفاظ بالملكية قبل تسليم البضاعة، ورفع الدعوى خلال مدة معينة، بقاء المبيع على حالته العينية. وسوف نتطرق لكل منها على التوالي :
أولا : أن يكون شرط الاحتفاظ بالملكية مدرجا في محرر مكتوب.
كما هو الأمر بالنسبة للمشرع الفرنسي، نص المشرع المغربي صراحة على أنه لا يجوز للبائع طلب استرداد المبيع في مواجهة جماعة الدائنين إلا إذا كان هناك اتفاق مكتوب على الشرط قبل تسليم المبيع للمشتري (م 672 م ت).
ويعد هذا النص استثناء هاما على القواعد العامة والعرف التجاري القائمين على مبدأ الرضائية. لكن السؤال الذي يطرح هو : ما هي الطبيعة القانونية للكتابة المنصوص عليها ؟
نبادر إلى القول بأن الكتابة مشروطة فقط لقابلية شرط الاحتفاظ بالملكية للاحتجاج به في حالة تطبيق إجراء جماعي على المشتري، فهي غير لازمة لصحة الاتفاق على الشرط المذكور وقد اكتفى النص القانوني بتطلب كتابة الشرط، دون بيان لطبيعة وشكل الكتابة، ومن تم يكون تفسيرا مضيقا بعبارة النص الرأي الذي يذهب إلى أن القانون يتطلب مستندا عقديا، يتضمن بشكل خاص شرط الاحتفاظ بالملكية ويكون موقعا من قبل المتعاقدين فمثل هذا التفسير لا يتفق وما تتطلبه حاجات التجارة من تسيير وتبسيط للأنظمة القانونية التي يحكمها . فأي مستند يستعمله المتعاملون في النشاط التجاري، يكون محررا مكتوبا في حكم المادة 672 المذكورة.
والواقع أن تطلب الكتابة أمر قصد به تنبيه الأطراف إلى الطبيعة الاستثنائية لشرط الاحتفاظ بالملكية وآثاره التي تعد خروجا على القواعد العامة ووجوب التدقيق في الاتفاق على هذا الشرط وبيان أحكامه فالشرط المذكور من شأنه أن يحمل البائع تبعة هلاك المبيع رغم تسليمه للمشتري، ويقيد الأخير في استغلاله والتصرف فيه، ويجيز للبائع استرداده في حالة عدم استيفاء الثمن مهما كان ضئيلا. كما أن الكتابة شرط لنفاذ الشرط المذكور قبل دائني المشتري وذلك بقصد تجنب الغش بقصد الإضرار بحقوقهم.
ثانيا : رفع دعوى الاسترداد خلال مدة معينة.
طبقا للمادة 667 م.ت لا تقبل دعوى استرداد المنقول إلا خلال مدة ثلاثة أشهر من تاريخ نشر الحكم بفتح إجراءات التسوية أو التصفية القضائية.
والجدير بالذكر أن مدة ثلاثة أشهر هي ميعاد سقوط، يسقط بمروره الحق في مباشرة دعوى الإسترداد، ويسقط حقه في التقادم كدائن عادي بدين الثمن ضمن جماعة الدائنين إذا لم يكن قد تقدم إلى التفليسة في المواعيد المقررة .
ثالثا : احتفاظ المبيع بطبيعته.
يشترط لقبول دعوى استرداد البائع للمبيع في حالة عدم استيفاء الثمن، احتفاظ هذا المبيع بطبيعته أي بقاءه على حالته العينية، أما إذا فقدت المنقولات المبيعة طبيعتها الذاتية نتيجة تصنيعها أو تحويلها إلى منتج آخر، فلا محل لاسترداها، لعدم توافر شرط وجود المبيع بعينه .
المطلب الثاني : آثار شرط الاحتفاظ بالملكية قبل الغير المتصرف إليه.
يتحقق الضمان الذي يوفره شرط الاحتفاظ بالملكية لبائع المنقولات عندما تظل هذه المنقولات تحت يد المشتري إلى حين سداد ثمنها بالكامل للبائع، لكن هذا الفرض نادر الوقوع، إذ غالبا ما يقوم المشتري بإعادة التصرف ثانية في الشيء المبيع الأمر الذي قد يؤدي إلى المساس بضمان البائع.
لذلك وتفاديا لهذه المشاكل العملية، ذهب الفقه والقانون المقارن إلى إيجاد مجموعة من الحلول تدعيما لضمان البائع من جهة وتلبية لحاجات المشتري الاقتصادية، وتتمثل هذه الحلول فيما يلي :
1/ تمديد شرط الاحتفاظ بالملكية.
2/ الاعتراف للبائع بحق على الثمن المستحق للمشتري من البيع الثاني.
الفقرة الأولى : تمديد شرط الاحتفاظ بالملكية.
إن الضرورات الاقتصادية قد تدفع البائع إلى الترخيص للمشتري في إمكانية التصرف في المنقولات قبل استيفاء ثمنها بالكامل.
وخشية أن يرى البائع نفسه في نهاية الأمر – مجردا تماما من الضمان الذي كان يخوله له شرط الاحتفاظ بالملكية قد يقرن هذا الترخيص بتمديد شرط الاحتفاظ بالملكية إلى المشتري الثاني. وغني عن البيان أن هذا التمديد يجب أن يتفق عليه – صراحة – البائع والمشتري ويأخذ شرط الاحتفاظ بالملكية – في العمل – إحدى صورتين :
في الصورة الأولى يتفق البائع والمشتري على أن يكون تصرف هذا الأخير في المنقولات المحملة شرط الاحتفاظ بالملكية مقرونا بنقل هذا الشرط إلى البيع الثاني. ونطلق على شرط الاحتفاظ بالملكية في هذه الحالة الشرط المنقول أو المتحرك.
أما في الصورة الثانية يتفق البائع والمشتري على الترخيص لهذا الأخير في بيع المنقولات المحملة بشرط الاحتفاظ بالملكية. على أن يكون البيع الثاني مشروطا فيه أيضا شرط الاحتفاظ بالملكية لصالح المشتري – البائع. ونطلق على شرط الاحتفاظ بالملكية – في هذه الحالة – شرط الاحتفاظ بالملكية المضاعف .
الفقرة الثانية : حق البائع في المطالبة بالثمن المستحق للمشتري في ذمة الغير.
إن رجوع البائع مباشرة على الغير مطالبا بالثمن المستحق في ذمته يجد أساسه في أحد نظامين : إما حوالة الحق وإما الدعوى المباشرة.
أما حوالة الحق فتتمثل في اتفاق الدائن مع أجنبي على أن يحيل له حقه الموجود في ذمة مدين معين وتتم الحوالة دون حاجة إلى رضاء المدين، إلا أنها لا تكون نافذة قبل المدين أو قبل الغير إذا قبلها المدين أو أعلن بها. وأن يكون هذا القبول ثابت التاريخ .
أما بخصوص الدعوى المباشرة فقد تضمن القانون الفرنسي – على خلاف القانون المغربي – نصا يجيز للبائع حق الرجوع مباشرة على مدين مدينه ليطالبه بما هو مستحق في ذمته كله أو بعضه .
خـــــــــــاتمة :
تبين لنا من البحث أن شرط الاحتفاظ بالملكية يثير الكثير من الجدل حول محاسنه ومساوئه بل وحول طبيعته وآثاره القانونية لذا تتأرجح أحكامه في التشريع والقضاء بين الثبات والتطور طبقا للنظام القانوني السائد في الدولة وظروفها
الاقتصادية.
اترك تعليقاً