حكم تمييز (هتك العرض بالاكراه)
محكمة التمييز
الدائرة الجزائية
جلسة 27/ 1/ 2004
برئاسة السيد المستشار/ كاظم محمد المزيدي – رئيس الجلسة
وعضوية السادة المستشارين/ محمود دياب ونجاح نصار ومصطفى كامل وعبد الرحمن أبو سليمة
(13)
(الطعن رقم 445/ 2002 جزائي)
1 – محكمة الموضوع (سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى) و(في وزن أقوال الشهود) – إثبات (شهود) – تمييز (سبب غير مقبول) – حكم (تسبيب غير معيب).
– استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى ووزن أقوال الشهود – حق لمحكمة الموضوع – أخذها بأقوال المجني عليه وشهود الإثبات – مفاده: إطراح جميع الاعتبارات لحملها على عدم الأخذ بها – عدم التزامها بسرد روايات الشاهد إذا تعددت – حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداها وأن تأخذ بأقواله في أية مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة دون أن تبين العلة أو تحديد موضع الدليل في أوراق الدعوى ما دام له أصل في الأوراق.
2 – هتك عرض – جريمة (الركن المادي) – إثبات (خبرة) – تمييز (سبب على غير محل).
– الركن المادي لجريمة هتك العرض – لا يشترط لتوافره أن يترك الفعل أثرًا بالمجني عليه – مثال.
3 – إجراءات المحاكمة – حكم – قضاة – عدم صلاحية – معارضة (نظرها والحكم فيها) – تمييز (سبب على غير محل).
– نظر محكمة أول درجة معارضة الطاعن في الحكم الغيابي الصادر منها ضده – مصدره القانون – النعي بعدم صلاحية الهيئة التي أصدرت الحكم – لا سند له – علة وأساس ذلك.
4 – جريمة (أنواع الجرائم) – هتك عرض – صلح – عفو فردي – قانون (تطبيقه) – تمييز (سبب غير مقبول).
– جريمة هتك العرض بالقوة والتهديد – ليست من الجرائم التي يجوز فيها الصلح والعفو الفردي من المجني عليه – النعي بأن الحكم لم يعمل أثر تنازل والد المجني عليه – غير مقبول – أساس ذلك.
5 – عقوبة (توقيعها) – محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير موجبات الرأفة) – تمييز (سبب غير مقبول) – ظروف مخففة ومشددة.
– تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون وتوافر موجبات الرأفة أو عدم توافرها – من سلطة محكمة الموضوع – النعي بعدم استجابة المحكمة لطلب الامتناع عن النطق بعقاب الطاعن – غير مقبول.
1 – من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعهما، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بها ما دام استخلاصها سائغًا، له أصله الثابت في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب، وأنها متى أخذت بأقوال المجني عليه وشهود الإثبات، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت، وبيان أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداها، ولها في ذلك أن تأخذ بأقواله في أية مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة دون أن تبين العلة في ذلك، ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل في الأوراق.
2 – لا يشترط لتوافر الركن المادي في جريمة هتك العرض، أن يترك الفعل أثرًا بالمجني عليه، فإن ما ينعاه الطاعن بِشأن التناقض بين الدليل القولي والدليل الفني بشأن خلو التقرير الطبي الشرعي مما يفيد هتك عرض المجني عليه، يكون لا محل له.
3 – إذ كان الثابت من محضر جلسة 28/ 9/ 2002، أمام محكمة الاستئناف – التي صدر في ختامها الحكم المطعون فيه – أنه بعد أن قدم محامٍ الطاعن مذكرة بدفاعه، قرر صراحة أنه يتنازل عن طلب سماع الشهود، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماعهم، ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن إدانة محكمة أول درجة له – حرجًا من إدانة المتهم الآخر في كافة مراحل الدعوى – وهو ما يلمح به إلى عدم صلاحية الهيئة التي أصدرت الحكم في معارضة الطاعن في الحكم الغيابي الصادر ضده – والذي دان المتهم الآخر أيضًا – مردودًا بما نصت عليه المادة (187) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية من أن تجوز المعارضة من المحكوم عليه حكمًا غيابيًا في الجنح والجنايات، وتكون المعارضة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي، وأكدته المادة (190) من ذات القانون، بما نصت عليه من أن (على رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم أن يأمر بتحديد جلسة لنظر المعارضة…..) ومن ثم فإن نظر محكمة أول درجة معارضة الطاعن في الحكم الغيابي الصادر منها ضده يكون مصدره القانون، فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون لا سند له.
4 – جريمة هتك العرض بالقوة والتهديد التي دين بها الطاعن، ليست من الجرائم التي ورد ذكرها على سبيل الحصر في المادة (240) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية والتي يجوز فيها الصلح والعفو الفردي من المجني عليه، فإن النعي بأن الحكم لم يعمل أثر تنازل والد المجني عليه لا يكون مقبولاً.
5 – تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون، وتقدير توافر موجبات الرأفة أو عدم توافرها من سلطة محكمة الموضوع، فإن ما ينعاه الطاعن بشأن عدم استجابتها لطلبه التقرير بالامتناع عن النطق بعقاب الطاعن، يكون غير مقبول.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر – سبق الحكم عليه – بأنهما في يوم 9/ 11/ 1997 بدائرة شرطة الأحداث: – هتكا عرض المجني عليه……… بالإكراه والتهديد، بأن اقتاداه عنوة إلى دورة مياه المدرسة وهدداه بالقتل، وحسرا عنه ملابسه، ولامسا دبره كل بقضيبه وذلك على النحو الوارد بالتحقيقات وطلبت عقابهما بالمادة 191/ 1 من قانون الجزاء رقم 16/ 1960 المعدل بالقانون رقم 62/ 1976، والمواد (1 (أ)، (ب))، (3)، (14 (ب))، 27/ 1 من القانون رقم 3 لسنة 1983 في شأن الأحداث. ومحكمة الاحداث حكمت حضوريًا قبل الطاعن والمحكوم عليه الآخر – وهو في حقيقته حكم غيابي بالنسبة للطاعن – بحبس كل منهم ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ، وأمرت بإبعادهما عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة. استأنفت النيابة العامة قبل المتهمين للخطأ في تطبيق القانون للنزول بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر قانونًا، واستأنف المحكوم عليه الآخر، ومحكمة الاستئناف حكمت في 8/ 5/ 1999 بقبول استئناف المحكوم عليه الآخر والنيابة العامة ضده شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وبوقف نظر استئناف النيابة العامة ضد الطاعن لحين صيرورته جائزًا النظر فيه بفوات ميعاد المعارضة أو التقرير بها والفصل فيها. عارض الطاعن في الحكم الغيابي الصادر قبله، وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. استأنف، ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 28/ 9/ 2002 بقبول استئناف النيابة العامة والطاعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فقرر المحكوم عليه الأخير الطعن في هذا الحكم بطريق التمييز.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة هتك العرض بالاكراه قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوي على الإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه اعتنق تصوير المجني عليه لواقعة الدعوى رغم تعدد أقواله وتناقضها في هذا الصدد واختلافها مع أقوال شهود الإثبات الذين تضاربت أقوالهم وتعارض هذا التصوير مع ما ثبت من التقرير الطبي الشرعي من خلوه مما يفيد هتك العرض، واطرح الحكم حقيقة الواقعة بأن الطاعن ضبط المتهم الأول يفسق بالمجني عليه في دورة مياه المدرسة وأن اتهامهما له كان بسبب إبلاغه عنهما،
وأن المتهم الأول لم يذكر بالتحقيقات ارتكاب الطاعن ما أسند إليه، كما عول على أقوال الشاهد……. الأخصائي الاجتماعي بالمدرسة رغم التراخي في إدلائه بها وعدم اختصاصه بالتحقيق مع الطاعن والمحكوم عليه الآخر، فلا يعتد بالإقرارين المحررين من الطاعن والمتهم الآخر أمامه وحال أن إقرار الطاعن لا يدينه، هذا إلى أنه صمم في مذكرات دفاعه أمام محكمتي الموضوع على أن تجري كل منهما تحقيق الواقعة بنفسها وسماع الشهود ورغم كل ذلك، فقد التفتت المحكمتان كلية عن الرد على أوجه دفاعه، ودانه الحكم الابتدائي حرجًا من إدانة المحكوم عليه الآخر في كافة مراحل الدعوى، وأخيرًا لم يعمل الحكم أثر التنازل من والد المجني عليه، كل ذلك يعيب الحكم ويوجب تمييزه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما حاصلة أن المجني عليه……. حال خروجه من الفصل بمدرسته قابله المحكوم عليه الآخر، وأنهى إليه أنه يريد التحدث معه واصطحبه إلى دورة مياه المدرسة حيث كان الطاعن متواجدًا، وأنهما قاما بإدخاله عنوة إلى دورة المياه وأغلقا بابها وحسرا عنه بنطاله وسرواله على غير إرادته وقام كل منهما بهتك عرضه بإدخال قضيبه بدبره وهدداه بالذبح إذا ما أبلغ عنهما إلا أنه أبلغ ناظر المدرسة بالواقعة بعد أن اصطحبه مدرس اللغة العربية……… إليه ومعهما الطاعن والمحكوم عليه الآخر، وقد أحالهم الناظر للأخصائي الاجتماعي،
حيث أقر له المتهمان بارتكاب الواقعة وحرر كل منهما إقرارًا بذلك، وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة استمدها من أقوال المجني عليه وناظر المدرسة……… والمدرس……… والأخصائي الاجتماعي………، وما ثبت من التقرير الطبي الشرعي وإقراري الطاعن والمحكوم عليه الآخر – بما تضمناه من اتهام كل منهما للآخر – وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعهما، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بها ما دام استخلاصها سائغًا، له أصله الثابت في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب، وأنها متى أخذت بأقوال المجني عليه وشهود الإثبات، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها،
وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت، وبيان أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداها، ولها في ذلك أن تأخذ بأقواله في أية مرحلة من مراحل التحقيق والمحكمة دون أن تبين العلة في ذلك، ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل في الأوراق، كما أنه من المقرر أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره – بفرض صحته – لا يعيب الحكم، ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصًا سائغًا بما لا تناقض فيه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – وكان من المقرر كذلك أن تأخر الشاهد في أداء شهادته لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد اطمأنت إليها، فإن ما يثيره الطاعن فيه هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا في تقدير الدليل، وفي سلطة محكمة الموضوع في استنباط معتقدها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة التمييز.
لما كان ذلك، وكان لا يشترط لتوافر الركن المادي في جريمة هتك العرض، أن يترك الفعل أثرًا بالمجني عليه، فإن ما ينعاه الطاعن بشأن التناقض بين الدليل القولي والدليل الفني بشأن خلو التقرير الطبي الشرعي مما يفيد هتك عرض المجني عليه، يكون لا محل له. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة 28/ 9/ 2002، أمام محكمة الاستئناف – التي صدر في ختامها الحكم المطعون فيه – أنه بعد أن قدم محامٍ الطاعن مذكرة بدفاعه، قرر صراحة أنه يتنازل عن طلب سماع الشهود، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماعهم، ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن إدانة محكمة أول درجة له – حرجًا من إدانة المتهم الآخر في كافة مراحل الدعوى – وهو ما يلمح به إلى عدم صلاحية الهيئة التي أصدرت الحكم في معارضة الطاعن في الحكم الغيابي الصادر ضده – والذي دان المتهم الآخر أيضًا – مردودًا بما نصت عليه المادة (187) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية من أن تجوز المعارضة من المحكوم عليه حكمًا غيابيًا في الجنح والجنايات، وتكون المعارضة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي،
وأكدته المادة (190) من ذات القانون، بما نصت عليه من أن (على رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم أن يأمر بتحديد جلسة لنظر المعارضة…..) ومن ثم فإن نظر محكمة أول درجة معارضة الطاعن في الحكم الغيابي الصادر منها ضده يكون مصدره القانون، فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون لا سند له. لما كان ذلك، وكانت جريمة هتك العرض بالقوة والتهديد التي دين بها الطاعن، ليست من الجرائم التي ورد ذكرها على سبيل الحصر في المادة (240) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية والتي يجوز فيها الصلح والعفو الفردي من المجني عليه، فإن النعي بأن الحكم لم يعمل أثر تنازل والد المجني عليه لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون، وتقدير توافر موجبات الرأفة أو عدم توافرها من سلطة محكمة الموضوع، فإن ما ينعاه الطاعن بشأن عدم استجابتها لطلبه التقرير بالامتناع عن النطق بعقاب الطاعن، يكون غير مقبول. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.
اترك تعليقاً