مفهوم المصلحة في التأمين و جزاء تخلفها
لابد من وجود مصلحة لشخص المؤمن له من سلامة المال المؤمن عليه، فهذه المصلحة هي التي تدفع الشخص المؤمن له لإبرام عقد التأمين وذلك للحصول على مبلغ التأمين كتعويض له بحال تحقق الخطر المؤمن ضده، وسنحاول من خلال هذا المطلب التطرق لمفهوم المصلحة في عقد التأمين (الفقرة الأولى)، والجزاء المترتب في حالة تخلفها في العقد (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : مفهوم المصلحة في التأمين
يقوم عقد التأمين أساسا على حماية مصلحة المستأمن والمستفيد، وبذلك لابد أن يكون للمتعاقد مصلحة شخصية في الشيء موضوع التأمين، ويمكن تعريف المصلحة بأنها كل منفعة جدية ومشروعة يهدف المستأمن الحصول عليها من عدم تحقق الخطر المؤمن منه.
ولقد تطرق المشرع المغربي للمصلحة في التأمين في المادة 40 من مدونة التأمينات حيث نص على أنه : ” يمكن لكل شخص له مصلحة في الاحتفاظ بشيء أن يقوم بتأمينه .
يمكن التأمين على كل مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في عدم وقوع خطر.”
والمصلحة لغة هي المنفعة والفائدة، وقد عرفها المشرع الفرنسي في المادة 32 من قانون التأمين لسنة 1930 على أن كل مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في عدم تحقق خطر ما يجوز ان تكون محلا للتأمين، ومن هذه المادة نرى أن المشرع قد أكد على وجوب توافر المصلحة التأمينية لصحة عقد التأمين، وهذه المصلحة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، أي أنه أجاز التأمين على الربح المنتظر أيضا بصفتها مصلحة غير مباشرة.
ونلاحظ أن المشرع المغربي هو الآخر، قد أراد أن يتوسع لتشمل المصلحة القابلة للتأمين ليس فقط ضياع الشيء المؤمن، ولكن أيضا الربح الذي فقده المؤمن له أو الربح المنتظر، ومن تطبيقات هذا الاخير نذكر مثلا التأمين من فقدان الأكرية خلال المدة التي يتم فيها إعادة بناء هلك بسبب الحريق.
أما المشرع الأردني فلم ينص صراحة وبشكل مباشر على المصلحة في التأمين، وهذا على خلاف ما ذهب إليه المشرع المصري الذي اشترط في المادة 749 من القانون المدني على أنه تكون محلا لعقد التأمين كل مصلحة اقتصادية مشروعة تعود على شخص من عدم وقوع خطر معين.
أما فيما يتعلق بالتعريف الفقهي للمصلحة، فقد عرفها بعض الفقه بأنها” القيمة المالية التي يملكها الشخص على شيء معين، والعلاقة بين شخص المؤمن له وبين شيء معين وهو ما يرد عليه التأمين ”، وقد عرفها فقيه آخر بأنها : ” حق الفرد أو المؤسسة القانونية في التأمين ويشترط أن تكون هناك علاقة قانونية بين الفرد والشيء موضوع التأمين، وهذا يعني أن يتحمل الفرد خسارة أو مسؤولية قانونية نتيجة حدوث ضرر أو خسارة للشيء موضوع التأمين وأن ينتفع ماديا نتيجة بقائه على ما هو عليه”.
ومن خلال هذه التعريفات يتبين أن التعريف الأول قد جاء مؤكدا على أن تكون المصلحة ذات قيمة مادية (مالية)، وبذلك يكون قد سار مع القول الذي ينفي وجود المصلحة في التأمين على الأشخاص لانتفاء المصلحة المادية، أما التعريف الآخر فقد بين أن هذه العلاقة قانونية أي أوجدها وأكدها ووضحها القانون كأن تكون علاقة ملكية أو مسؤولية قانونية تربطه بالمال محل عقد التأمين، فالمصلحة هي مناط عقد التأمين.[4]
وبالتالي نستنتج شروط المصلحة التأمينية وهي كالآتي:
1-أن يكون الشيء المؤمن عليه مشروعا وغير مخالف للقانون ، فلا يجوز التأمين على الأموال المسروقة.
2-أن يكون للشخص ( المؤمن له ) مصلحة مادية في الشيء المؤمن عليه ، أي أن المؤمن له يكون له مصلحة من بقاء ذلك الشيء المؤمن عليه سالما ، والعكس صحيح ، أي أن المؤمن له سوف يتضرر عند تعرض الشيء المؤمن عليه للخطر ،مثل صاحب سيارة الأجرة الذي يبقى بدون عمل لفترة من الزمن عند تعرض سيارته للخطر حتى لو حصل على التعويض .
وتتجلى أهمية المصلحة في التأمين في كونها وسيلة لتمييز عقد التأمين عن العقود الاحتمالية الأخرى كالمقامرة والرهان، فالذي يبرم عقد تأمين يبحث عن مواجهة ما قد ينجم عن واقعة ما من آثار مضرة، أما المراهن أو المقامر فليست له أي علاقة بالشيء المؤمن عليه، فهو يؤدي ”الأقساط” غير مبال بوقوع الخطر لأنه لا يمس أمواله، وهو يراهن على الصدفة من أجل الحصول على ربح. فالتمييز بينهما يتوقف على توافر أو عدم توافر المصلحة. ويكون العقد تأمينا عندما يرمي إلى حماية مصلحة، وإلا فإنه يكون قمارا أو رهانا يرمي إلى تحقيق ربح، ومن أجل ذلك قد يتعمد المقامر أو المتراهن إتلاف الشيء من أجل الحصول على مبلغ ”التأمين”.
الفقرة الثانية : جزاء تخلف المصلحة في التأمين
يعتبر ركن المصلحة من النظام العام ، وهو متطلب كشرط لانعقاد العقد بداية واستمراره كذلك، ويترتب على عدم وجود المصلحة وقت التعاقد بطلان عقد التأمين، كما تنتهي معه بمجرد زواله ، أما إذا لم تكن هناك مصلحة أو رابطة للمؤمن له في المحافظة على المال المؤمن عليه من الأخطار المؤمن ضدها، فإننا سنكون أمام عقد مقامرة وليس عقد تأمين ، بحيث يربح المؤمن له إذا وقع الخطرالمؤمن ضده، ويخسر إذا لم يقع، ومن هنا تكون مصلحته بوقوع الخطر وليس بعدم تحققه .
والمشرع المغربي لم ينص على أي جزاء في حالة غياب المصلحة في التأمين، وقد نصت العديد من التشريعات المقارنة على بطلان عقد التأمين الذي لا يتوفر فيه عنصر المصلحة وقت ابرام العقد، مبررة ذلك بأن المصلحة إذا انتفت عن العقد، انتفى فيه عنصر الخطر القابل للتأمين، مع العلم أن الخطر يعتبر عنصرا أساسيا لإبرام عقد التأمين .
ومن التشريعات التي تميل إلى هذا الرأي نجد القانون المدني بالكبيك والقانون المدني الايطالي وقانون اللوكسومبورج.
وعندما ينعدم في العقد عنصر المصلحة، وتكيف المحكمة هذا التصرف على أنه قمار أو رهان، فإن مثل هذا الاتفاق لا يمكن أن ينفذ لأن المؤمن لا يسمح له بإجراء القمار أو الرهان، وبالتالي فإن هذا العقد يكون باطلا[10].
أما بالنسبة للمشرع الأردني فيرى أن عنصر المصلحة التأمينية يعد عنصرا أساسيا في عقد التأمين ، ويشترط وجود هذه المصلحة عند انعقاد العقد وأثناء سريانه وحتى يتحقق الخطر المؤمن منه أي أنها تعد شرط بدء واستمرارية فإذا انعقد العقد بدون مصلحة ترتب على ذلك بطلانه بطلانا مطلقا بحيث يرد المؤمن الأقساط للمؤمن له وإذا تحقق الخطر لا يلتزم بدفع مبلغ التأمين ، أما إذا تخلفت المصلحة أثناء سريان العقد فان العقد ينفسخ من وقت تخلفها بأثر فوري بحيث يحتفظ المؤمن بالأقساط التي دفعت عن الفترة السابقة لتخلف المصلحة ولا يأخذ أقساطا عن الفترة التي تلت تخلف المصلحة ولا يدفع مبلغ التأمين حال تحقق الخطر المؤمن ضده .
وبالتالي نلاحظ ضرورة توفر المصلحة التأمينية لمنع عمليات المقامرة أو المراهنة، ففي ظل عدم وجود هذه المصلحة سيُفسح المجال ليتحول عقد التأمين إلى ساحة من المراهنة والمقامرة، مما يخالف أحكام ديننا الشريف ويضر بالصالح العام. ففي عصور مضت كان يتم اللجوء في بعض الدول الغربية إلى عقود التأمين كغطاء وستار لعمليات المقامرة والمراهنة، بحيث كان بإمكان الشخص التأمين على ممتلكات غيره، كأن يؤمِّن على سفينة في عرض البحر أو قافلة في طريقها لمالكها، وينتظر خبر غرق تلك السفينة أو هلاك تلك القافلة ليحصل على قيمة تأمينها. وقد كان هذا السبب أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت ببعض المجتمعات قديماً للمناداة بضرورة توافر المصلحة التأمينية في عقود التأمين.
اترك تعليقاً