حوار قانوني
سألت أخت فاضلة هذه الأسئلة , و كان التالى هو رد إحدى القانونيين:
كما تعلمين أنه فى المسائل القانونية, لا يوجد ابيض و أسود, و إلا لما كانت هناك محاكم إستئنافية, و محاكم نقض, و محاكم دستورية.
سأحاول الإجابة على السؤال بحيث يستفيد من الإجابة الشخص العادى, الذى ليس له معرفة أكاديمية بالقانون, و طبعا , هذا هو الغرض من إنشاء هذا القسم.
تملك كل حكومة ثلاثة سلطات,( و يسميها البعض ” أذرع” )
و الأذرع الثلاثة ( أو السلطات الثلاث) هى:
1_السلطة التشريعية, و لها مسميات مختلفة, مثل برلمان… مجلس تشريعى… مجلس شعب….. الكونجرس… الخ
و مهمة هذه السلطة هى” سن” القوانين عن طريق ( التشريع) إى صناعة و خلق القانوانين.
2- السلطة القضائية, وهى السلطة المناط بها النظر فى القضايا المرفوعة أمامها, و التى تفسر القانون الصادر من السلطة التشريعية, و تطبقه.
3- السلطة التنفيذية, و يشار اليها عامة بتلك الكلمة المطاطة, ألا وهى كلمة ” حكومة” , علما أن الحكومة فى المفهوم القانونى هى جميع السلطات المشار اليها عليه.
تقوم السلطة التشريعية بسن القوانين التى ترى الحكومة ( بمفهومها كذراع تنفيذى) أنها لازمة لحفظ الأمن, أو لحل مشاكل سياسية, أو إجتماعية, إقتصادية, أو أمنية, أو دفاعية …… الخ.
متى أقر المُشرع ( السلطة التشريعية) قانونا جديدا, فإن هذا القانون يكون دائما تحت المجهر عند تطبيقه أول مرة.
و هذه ” أول مرة” تكون عندما تأتى قضية أمام المحاكم , تستلزم تطبيق القانون الجديد.
وظيفة الذراع التنفيذى هى تحديد من خالف القانون, و بالتالى , تقوم بإحالته إلى المحاكمة.
هنا يأتى دور المحكمة,( أى القضاء), الذى يختص بنظر القضية, و مهمته البحث عن القانون الواجب تطبيقه على المخالف, ثم إصدار قرار بأن المدعى عليه, أو المتهم قد إرتكب فعلا الفعل الذى نسب إليه, و أنه يستحق الجزاء
( و ليس بالضرورة عقوبة طبقا لما إذا كانت القضية جنائية أو مدنية حيث أن هناك فرق بين التعريفين سوف أشرحه فى مقال مستقل).
وظيفة القاضى هنا هى تفسير القانون, لأن المُشرع عندما سن القانون, أورد كلمات تحمل معان مختلفة , و مواقف كثيرة, و لكن مهما حاول المشرع, فستكون هناك فجوات فى التشريع, أو كلمات قد تحمل أكثر من معنى.
و هنا , قد يرى القاضى أن كلمات القانون, سوف تجهض العدالة إذا تم تطبيقها حرفيا كما كتبها المشرع, و هنا, يكون أمام القاضى حلين:
الحل الأول: وهو تطبيق القانون تطبيقا حرفيا أعمى.
الحل الثانى, تطبيق القانون موضوعيا, أى واضعا فى الإعتبار السبب فى إنشاء القانون أساسا, و يسمى هذا الخيار الثانى ” الخيار الليبرالى”
و لكى أشرح الفرق بين التفسيرين, فسوف أعرض قضية خيالية, يمكن من خلالها تصور الفرق بين التفسيرين,
نتخيل أننا فى حديقة عامة, بها أحواض زهور, و مقاعد, و نجيل, و مكان للعب الأطفال, و مكان لركن السيارات,
و للمحافظة على البيئة, و جمال و رونق الحديقة, وضعت البلدية يافطات تقول ” ممنوع إستعمال المركبات الموتورية على المساحات المغطاة بالحشيش ( الجازون)”.
و صادف أن زار الحديقة إنسان مُقعد, يستعمل كرسى متحرك, يعمل بموتور كهرباء, و وصل هذا الزائر إلى منطقة المقاعد, و إضطر , لكى يجلس على المقعد, أن يترك كرسيه الكهربائى على المنطقة الخضراء( المغطاة بالحشيش)
نتخيل أيضا أن موظفى البلدية, أو سلطات الأمن الخاصة بالحديقة, رأت أن صاحب هذا الكرسى المتحرك, و الذى يعمل بموتور كهربائى, قد خالف القانون, ( الذى يقول: ” ممنوع إستعمال المركبات الموتورية على المساحات المغطاة بالحشيش ( الجازون)”.
و بالتالى يستحق دفع غرامة ألف جنيه., و هى الغرامة المقررة, لمنع الزوار من وضع سياراتهم فى المكان الغير المخصص لها, مما يؤدى إلى إتلاف الأرض المغطاة بالحشيش,
نتخيل أن هذه القضية وصلت إلى المحكمة, و أصرت النيابة أن المتهم قد خالف صريح القانون, و سار, و ركن مركبته الموتورية, على الأرض المزروعة بالحشيش, مما يؤدى إلى تلف البقعة الخضراء, لذا , لزم معاقبته طبقا للقانون.
هذا طبعا هو النص الجاف للقانون, و لكن القاضى عليه أن يسأل نفسه بعض الأسئلة:
سؤال :
ما هو الغرض من القانون؟
الرد :
حماية البيئة,
سؤال:
كيف؟
الرد:
بمنع السيارات من السير على الحشيش, و الضوضاء المصاحبة لذلك, و تلف المزروعات…. الخ
سؤال:
هل يمكن أن يحدث كل هذا نتيجة إستعمال كرسى متحرك يدور بموتور كهربائى, لا يحدث صوت, و لا يلوث البيئة, و لا يتلف المزروعات؟
الرد:
هذا هو ما يقوله القانون.
سؤال:
أليس الغرض من إنشاء الحدائق أن يتمتع بها الجميع, و على وجه الخصوص الإنسان المقعد الذى يحتاج لرعاية خاصة؟ هل إستعمال هذا المقعد الكهربائى كان من ضمن الأمور التى فكر المشرع فيها؟
بعد هذه التساؤلات, فالقاضى يمكنه أن يتجاهل الجانب الإنسانى, و لا يكلف نفسه البحث عن الغرض الأساسى الذى من أجله تم سن القانون,
أو أن يقرر أن صانعى القانون لم يقصدوا بسن هذا القانون أن يمنعوا الإنسان المقعد, الذى يستعمل مركبة تدور بموتور كهربائى, و لكنها ليست السيارة أو اللورى, الذى كان فى بال المشرع؟
إذا اختار القاضى الحل الثانى, فهو لم يخالف القانون, بل طبق روحه, أى الغرض من سنه, بدلا من نصه, الذى لم يكن واضاحا شاملا لجميع الإحتمالات.
و حتى لو وجد القاضى أن المذنب قد ارتكب خطأ ما, فإن هناك مبدأ يسمى” تفريد العقوبة” أى أن العقوبة لا تطبق تطبيقا أعمى, حيث أن القانون يعطى القاضى حدودا أدنى, و أقصى عند توقيع العقوبة,
فمثلا إذا أسرع شخص بالسيارة لأنه تأخر عن ميعاد حبيبته, يختلف هذا عن حال شخص أسرع بالسيارة لأن زوجته الحامل على وشك الوضع.
اترك تعليقاً