التعليق على مقترح القانون الرامي إلى تعديل أحكام
الظهير الشريف رقم 1.60.305 الصادر في 20 فبراير 1961
بشأن استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية
مادة فريدة
تغير وتتمم على النحو التالي أحكام الفصلين الأول والثاني من الظهير الشريف رقم 1.60.305 الصادر في 04 رمضان 1380 (20 فبراير 1961) بشأن استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية :
الفصل الأول :
إن تنفيذ جميع الأحكام أو القرارات النهائية الصادرة بأداء مبلغ مالي يمكن أن يتابع عن طريق الإكراه البدني.
غير أنه لا يجوز إيداع شخص بالسجن على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي فقط.
الفصل الثاني :
يطبق الإكراه البدني وفق القواعد و الكيفيات المحددة في المواد من 633 إلى 647 من الظهير الشريف رقم 1.02.255 الصادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.
1- تقديم: نشرت مجلة المحاكم المغربية في عددها الثالث بعد المئة، نص مقترح قانون رام إلى تعديل بعض المقتضيات المنظمة للإكراه البدني في القضايا المدنية(1). و دون الإطناب في التقديم، فالنص المذكور يثير الملاحظات الموالية.
2- تعديل الظهير و تعويضه: اعتمد المقترح تقنية تعديل القانون الأصلي و تتميمه، عوض نسخه و تعويضه بنص جديد. و المنطق أن لا يلجأ إلى التقنية المعتمدة، إلا إذا كانت التغييرات المرتقب إدخالها على النص القانوني قليلة من حيث الكم، حتى لا يضطر المشرع إلى إعادة وضع و صياغة ذات الأحكام القانونية دون فائدة. و معنى ذلك، أن نسخ ظهير 20 فبراير 1961 يكون أفضل من تعديله و تتميمه، خاصة:
+ أن التغيير عم ثلثي الظهير، على أساس أنه مكون من ثلاثة فصول. بحيث يبقى الفصل الثالث وحده دون تغيير. و أكثر من هذا، فوجود الفصل الثالث كعدمه، بل إلغاؤه أفضل من بقائه لأنه قام بنسخ مقتضيات قانونية سبق إلغاؤها من طرف المشرع المغربي، و يتعلق الأمر بأحد أحكام قانون المسطرة الجنائية لعام 1959.
+ و أن الفقرة الأولى من الفصل الأول من الظهير، و هي الوحيدة التي لم تتغير في المقترح، تحتاج بدورها إلى تغيير نظرا لعدم دقة صياغتها الراجعة ربما إلى ترجمتها الحرفية من اللغة الفرنسية بالنظر لتاريخ وضع النص. و لعل مرد ذلك:
· أن الأصل في اللغة العربية أن تكون الجمل فعلية لا إسمية؛
· و أن الفصل لا يميز في ظاهره بين الأحكام و القرارات، و يقيد الثانية بصدورها عن محكمة الاستئناف. في حين كان من الأمثل أن يستعمل المشرع مصطلحا واحدا يجمع الأحكام و القرارات(2).
+ و أن الظهير برمته يحتاج إلى التغيير:
· شكلا، لأن ديباجته تشير إلى ثلاثة قوانين إجرائية ملغاة، و هي قانون المسطرة المدنية لعام 1913، و قانون المسطرة المدنية لطنجة، و قانون المسطرة الجنائية لعام 1959. و السلامة الشكلية تقتضي أن تتم الإحالة على القانون النافذ، أو على الأقل على قانون المسطرة المدنية دون تحديد مراجعه، بحيث تظل الملاءمة متوفرة رغم تعديل النصوص المعتمدة في ظهير الإصدار. هذا من جهة. و من جهة ثانية، فالظهير المذكور مقسم إلى “فصول”، فيما يتوجه التشريع المغربي حاليا إلى تضمين الأحكام القانونية في “مواد”. و يقتضي المنطق هنا أيضا أن تجعل صناعة التشريع توحيد تقنياته و تحقيق الانسجام بينها، هدفا أساسيا ترمي إليه؛
· و موضوعا، لأن نطاقه محدود في القضايا المدنية. منطقي أن صدور قوانين المحاكم الإدارية و التجارية لاحقا على قانون استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية، لن يمنع من استعماله فيما يصدر من مقررات قضائية عن المحاكم المذكورة، بناء على كون المقصود من عبارة “المدنية” في تاريخ صدور ظهور 20 فبراير 1961، يحدد عن طريق مفهوم المخالفة لعبارة “الزجرية”. و لكن هذا المنطق قد يتغير بتدخل المشرع لتعديل قانون 1961 في 2006، دون المساس بالمصطلح المستعمل للدلالة على طبيعة القضايا التي يمكن اللجوء فيها للإكراه البدني قصد الإجبار على التنفيذ، على أساس إقصاء القضايا الإدارية في 1993 و التجارية في 1996 من دائرة القضايا المدنية.
3-المقترح و المادة 11 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية:إذا ارتأى المشرع المغربي التدخل لتعديل قانون 20 فبراير 1961، فلا لشيء سوى لأجل ملاءمته مع المادة 11 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية المعتمد من طرف الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 16 دجنبر 1966(3)، و الذي صادق عليه المغرب …. (4). و الملاحظ بهذا الشأن:
+أن القضاء قد فصل في الجدل المثار حول ذلك الموضوع. و لا شيء يمنع التعديل و تقنين الاجتهاد القضائي، بل ذلك أمر محمود، لأن مقتضيات التشريع أيسر استقصاء من اجتهادات القضاء، و لأن التطبيقات القضائية غير مؤتمنة النتيجة دائما.
+أن المقترح غير في الفقرة الثانية من الفصل الأول للظهير صياغة المادة 11. و الملاحظة الأساسية بالنسبة لهذا التغيير، هو إضافة كلمة”فقط”في نهاية الفقرة. و لا يبدو ما لهذه الإضافة من معنى و لا فائدة، اللهم ما كان من تشويش على فهم النص و تعقيد لمعناه. إلا إذا بدا للمشرع معنى آخر، فالمرجو من الأعمال التحضيرية، في حالة وجودها، توضيحه و بيان مقصوده.
+أن المقترح بقي محدود الرؤية عندما تقيد بحكم المادة 11 دون أن يتجاوزها. فلماذا الاقتصار على منع اللجوء للإكراه البدني في الديون التعاقدية دون غيرها؟ يقتضي المنطق أن ضمان الحقوق و الحريات، كان هو الموجه الأساسي في صياغة المنع المنصوص عليه في التعديل. فيكون “العجز عن الأداء” أو “العسر”، هو المعيار الواجب اعتماده في التشريع. أما قصر تطبيق الإعفاء على الديون التعاقدية، فينقل المعيار من “العسر” بصفة عامة، إلى “العسر” بالنسبة لفئة معينة من الأشخاص، و هم القادرون على التعاقد. و هذا، ربما، أمر غير مقبول بالنسبة للنظرة التي يجب أن تتصف بها حقوق الإنسان، و التي تقوم أول ما تقوم، على المساواة قبل أي اعتبار آخر.
4- الإحالة على قانون المسطرة الجنائية:حسنا فعل المشرع بتعديل الفصل الثاني من ظهير 1961 حتى تتم الإحالة على القانون النافذ عوض الإحالة على قانون ملغى. و لكن المقترح أحال على الظهير الشريف 1.02.255 المؤرخ في 3 أكتوبر 2002. في حين أن الظهير المذكور لا يعدو أن يكون أكثر من مجرد نص إصدار القانون 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية. و هذا النص الأخير، أي القانون 01-22، هو الذي يتضمن المواد من 633 إلى 647، وهو الذي ينظم الإكراه البدني، و هو الذي تتعين تبعا لكل ذلك الإحالة عليه.
5- دخول القانون حيز التطبيق:لم يتضمن المقترح من بين مقتضياته الأحكام الخاصة بتنازع القوانين من حيث الزمان(5). و بعبارة أخرى، فالمقترح لم يحدد وضعية الأشخاص الخاضعين للإكراه البدني في تاريخ دخوله حيز التنفيذ؟ فهل سيتم إطلاق سراحهم على أساس تطبيقه بأثر رجعي؟ أم أنهم سيستمرون تحت الاعتقال إلى نهاية مدة الإكراه البدني تطبيقا لمبدأ عدم الرجعية؟ فإذا كان المنطق يقتضي تطبيق هذا القانون المرتقب بأثر رجعي، فإن أحكام القانون، تشريعا و فقها و قضاء، قد لا تسعف في ذلك بدون نص تشريعي صريح لسببين:
+أن المبدأ في القانون المغربي، و بنص دستوري، هو عدم رجعية القوانين؛
+و أن الاستثناء التشريعي المتمثل في “رجعية القانون الأصلح للمتهم”، لا يمكن تطبيقه بالنسبة للإكراه البدني، لعلة بسيطة و هي أن الخاضع لهذا الأخير ليس متهما و لا مجرما. اللهم إلا إذا تم اللجوء إلى القياس، عبر إسقاط حكم العقوبة الزجرية السالبة للحرية، على حالة الإكراه البدني لاتحاد العلة فيهما، و المتمثلة في تقييد حرية الخاضع لهما.
6- مقترح:بناء على كل تلك الملاحظات، يقترح مبدئيا أن يكون النص المعروض على البرلمان كما يلي:
مقترح قانون استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية و التجارية و الإدارية
المادة 1:
يمكن أن تنفذ (أو يمكن أن يتابع تنفيذ) جميع المقررات القضائية الصادرة بأداء مبلغ مالي
عن طريق الإكراه البدني.
غير أنه لا يجوز إيداع شخص في السجن على أساس عدم قدرته على الوفاء بأحد التزاماته.
المادة 2:
يطبق الإكراه البدني وفق القواعد و الكيفيات المحددة في المواد من 633 إلى 647 من القانون 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية الصادر الأمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم 1.02.255
الصادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002).
المادة 3:
يطبق هذا القانون بأثر رجعي على كل المساطر الرائجة عند دخوله حيز التنفيذ.
كما يخلى سراح الخاضعين للإكراه البدني في التاريخ المذكور.
المادة4:
تلغى و تنسخ كافة المقتضيات القانونية المخالفة لأحكام هذا القانون، و خاصة مقتضيات الظهير الشريف
رقم 1.60.305 المؤرخ في 4 رمضان 1380 موافق 20 يبراير سنة 1961.
7- تبرير:كانت تلك بعض الملاحظات الموجهة لمقترح القانون نظرا لما فيه من شوائب يرجى منع تسربها للنص النهائي الذي سيعتمده المشرع. ملاحظات، الأكيد، أن مقترح البرلمان يثير غيرها مما تعذر على هذه الأسطر بلوغه. و كان بعد الملاحظات، مقترح على ضوئها، الأكيد أنه بدوره معيب و ناقص. و كانت أخيرا هذه الوريقات، بملاحظاتها و مقترحها، دلالة على الرغبة في عدم الاضطرار إلى انتقاد المشرع بعد اعتماد المقترح و المصادقة عليه، و برهانا على أنه إذا ما قدر للقانون المرتقب أن ينتقد لنفس الأسباب المشار إليها أعلاه، فإن أي نقد مقصود لذاته لا لهدفه، سيكون مبررا لا محالة./.
—————-
هوامش:
1- ظهير شريف رقم 1.60.305 المؤرخ في 20 يبراير 1961 بشأن استعمال الإكراه البدني في القضايا المدنية – الجريدة الرسمية عدد 2523 بتاريخ 3 مارس 1961.
2- الملاحظ أن المشرع المغربي استعمل مصطلحالمقررات القضائيةفي المادة 364 ق.م.ج للدلالة على كل ما يصدر عن الهيئات القضائية من أحكام و قرارات و أوامر.
3-العهد الدولي منشور باللغة العربية على الأنترنت في:http://suwera.org/arabic/covenant_civil_political_rights.htm
4- تنص المادة 11 على ما يلي: ” لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي “.
5-وهذه في الحقيقة إحدى العيوب السائدة في التشريع المغربي الذي لا يكترث بتحديد القواعد المطبقة على تنازع القوانين من حيث الزمان بمناسبة تعديل التشريع.
اترك تعليقاً