التراضي بين الزوجين على الطلاق
نصت المادة 114 من مدونة الأسرة على الطلاق الاتفاقي حيث : “يمكن للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية دون شروط أو بشروط لا تتنافى مع أحكام هذه المدونة, ولا تضر بمصالح الأطفال…”وقد وسعت هذه المادة من حق المرأة في طلب إنهاء العلاقة الزوجية بالاتفاق مع الزوج تحت مراقبة القضاء، وهو ما يعتبر مظهر من مظاهر المساواة بين الزوجين في ممارسة حق الطلاق (الفقرة الأولى) بمنحها لإرادة الزوجين معا، دور أساسي في مجل العلاقات الأسرية عند انحلال الرابطة الزوجية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المساواة بين الزوجين في الطلاق
إن التطور البارز الذي عرفه المغرب في مجال حقوق الإنسان يكمن أساسا في الحرص على تحديد وترشيد الوسائل العملية، لجعل الحقوق الإنسانية المتعرف بها دوليا، أمرا واقعيا ومجسدا بكيفية ملموسة في الأنظمة الداخلية[1].
ولعل ما نص عليه المشرع المغربي من خلال مقتضيات قانون الأسرة يعكس لنا بوضوح الموازنة بين الالتزام بأحكام الشرع مع الاستشهاد بما تقتضيه روح العصر والتطور، التي تجسدت في إيجاد وسيلة تجمع بين منظومة القيم ومنظومة الحقوق، من اجل تكريس التوازن خاصة عند انحلال الرابطة الزوجية.
وبهذا حاول المشرع المغربي تكريس مبدأ المساواة بين الزوجين, الذي أقره ميثاق الأمم المتحدة، وتم التأكيد عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث نصت المادة 16 على ما يلي :
“للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ, حق التزوج وتأسيس أسرة, دون قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين, وهما معا يتساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله”[2].
و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, الذي عبر بشكل صريح على المساواة بين الزوجين إذ نصت المادة 23 :
“على تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
وفي حالة الانحلال يتوجب اتخاذ تدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حالة وجودهم”[3].
مما يوضح، إقرار الاتفاقية الدولية العامة, لمبدأ المساواة بين الزوجين وعلى ضرورة أن تتوفر حرية الإرادة الكاملة لدى طرفي الزواج, سواء خلال عقد الزواج أو عندما يتعلق الأمر بانحلال الرابطة الزوجية.
غير أن مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة [4], تعتبر نقلة نوعية في إطار الاعتراف بحقوق المرأة خاصة ما تضمنته بنود المادة 16 من الاتفاقية التي من بين ما نصت عليه، ما يلي:
أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:
ج- نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه[5].
غير ان تحفظ المغرب على هذه الاتفاقية اعتبرته لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، مخالفا لموضوع الاتفاقية وغير منسجم مع القانون الدولي, ولا يترك أي مجال لتطوير المفاهيم النابعة من الشريعة الإسلامية.
وهذا ما حاول المغرب تجاوزه, ذلك أن أغلب التحفظات والتصريحات التي قدمها بخصوص الاتفاقية وبالأخص ما نصت عليه المادة 16 منها، أضحت دون جدوى, بعد إصلاح قانون الأسرة, و الاتجاه نحو تكريس المساواة التدريجية بين الجنسين اعتمادا على المرجعتين الإسلامية والكونية. مما يستدعي ضرورة إقدام المغرب على رفع التحفظات ومراجعة التصريحات التي أبداها.
فقد تضمنت مدونة الأسرة مقتضيات تعكس رغبة المشرع المغربي في خلق نظام اسري يقوم على احترام حقوق المرأة وصيانة كرامة الرجل وحماية حقوق الطفل.
ولعل ما توفره مؤسسة الطلاق الاتفاقي من ميكانيزمات أقرتها المدونة، تجسد لنا الفلسفة الجديدة التي أطرتها ثقافة المساواة والعلاقة التشاركية بين الزوجين عند انحلال الرابطة الزوجية.
فإذا كانت إرادة الزوجين هي التي أبرمت عقد الزواج بالتراضي فيما بينهما, فإن الأولى أن تحترم هذه الإرادة عند الرغبة في إنهاء هذا العقد، بعد التأكد من استحالة العشرة إعمالا لقوله تعالى “وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما”[6].
ان اتفاق الزوجين على الطلاق وما يحققه من مساواة بينهما, في إطار الروابط الأسرية الدولية، آلية تمكن المغاربة المقيمين في المهجر من تجاوز الإشكاليات العملية التي يطرحها الطلاق بإرادة الزوج المنفردة, دون الزوجة, الأمر الذي يعتبر مخالفا للنظام العام الدولي.
ذلك أن مؤسسة الطلاق الاتفاقي تتأسس على بعض المبادئ التي تم التنصيص عليها في بعض الاتفاقيات الإقليمية والدولية, كالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تنص على حق الرجل والمرأة في التمتع بنفس الحقوق والواجبات” و البرتوكول 7 الملحق بالاتفاقية الذي نص في المادة 5 على أن “يتمتع الزوجان بالمساواة في الحقوق والالتزامات التي من طابع القانون الخاص، وذلك فيما بينهما، وفي علاقاتهما بأولادهما عند الزواج وأثناء الزواج وعند انحلال الرابطة الزوجية”.
وقد كانت هذه الاتفاقية و البرتوكول الملحق بها تعتبر وسيلة يتم من خلالها استبعاد تطبيق القانون المغربي المختص, أو كآلية يلجا إليها القضاء الأجنبي لعدم الاعتراف بالأحكام الصادرة بالمغرب, على اعتبار أن الطلاق الذي يقع في المغرب يخالف النظام العام الدولي الذي يقر بالمساواة بين الزوجين.
غير أن المشرع المغربي وإن سعى إلى تكريس مبدأ المساواة بين الزوجين عند انحلال الرابطة الزوجية فيما بينهما بالاتفاق على الطلاق, مع ايلاء بطبيعة الحال، مصالح الأطفال الاعتبار الأول, إلا أننا نجد أن هذه المساواة تبقى نسبية مقارنة مع ما ذهبت إليه بعض التشريعات العربية.
حيث نص المشرع التونسي في الفصل 31 من المجلة التونسية على انه :
“يحل الطلاق :
-بتراضي الزوجين
-بناء على طلب احد الزوجين بسبب ما حصل له من ضرر
-بناء على رغبة الزوج إنشاء الطلاق أو مطالبة الزوجة به.. .”
فالمشرع التونسي دأب منذ اليوم الأول للاستقلال يفكر في الوسيلة الناجعة التي من شانها التخفيف من قضايا الطلاق, وان كان ولا بد منه بحكم السنة البشرية وباعتباره ابغض الحلال إلى الله, فليقع تنظيمه وتحديد ما عليه بطريقة سلمية إلى ابعد حد لذلك أول ما بدر به يوم إصدار مجلة الأحوال الشخصية في 13 غشت 1958 هو أن جعل الطلاق لا يقع إلا عن طريق المحكمة (الفصل30من المجلة )[7], ثم حدد الفصل 31 الصور التي يمكن على أساسها الطلاق حيث جعل الحق في الطلاق يمارسه كلا الزوجين سواء عن طريق الاتفاق أو من طرف احد الزوجين مقررا بذلك مساواة تامة بينهما في اللجوء إلى هذه مسطرة.
بخلاف ما تضمنته مدونة الأسرة التي وان جعلت الطلاق يتم تحت مراقبة القضاء وباستدعاء الزوجة للاستماع إليها, فان الطلاق ظل حقا بيد الزوج لا يتطلب سوى الإذن به من طرف القاضي ولا يحق للزوجة اللجوء إليه إلا في حالة الطلاق الاتفاقي أو إذا ملكها الزوج منه.
كما أن مبدأ تقاسم الوالدين المسؤولية المشتركة تجاه أطفالهما من حيث الرعاية والحماية والإعالة عند الطلاق غير معترف به في القانون المغربي، إذ مازالت هناك بعض المقتضيات القانونية التي تولي الاعتبار الأول للأب كالولاية القانونية على أموال الأبناء وسقوط حضانة الأم في حالة زواجها بأجنبي وهو ما يعد انتهاكا مضاعفا لحق الأم في الحضانة وحقها المدني في الزواج[8].
في حين نجد أن المشرع التونسي قد ذهب بعيدا في هذا الإطار حيث سوى حقوق الزوجة بحقوق الزوج، فلكل واحد منهما الحق في طلب الطلاق ومن تعسف في طلبه يعوض الطرف الآخر، كما اتجه إلى إقامة مساواة تامة في الحقوق بين الأم والأب بعد التعديلات التي أدخلت على المجلة سنة 1999.
فعدم وجود مساواة بين الأب والأم في إطار القانون المغربي, يمكن أن يثير تدخل النظام العام الدولي من جديد, القائم على مبدأ المساواة التامة بين الجنسين في جميع الحقوق والواجبات بما فيها السلطة الأبوية.
وكان على المشرع المغربي إقرار المساواة التامة بين الزوجين في ممارسة الحقوق والمسؤوليات المشتركة من خلال المؤسسات القانونية المتصلة بالنيابة الشرعية والقوامة والحضانة وترك الإرادة الحرة للزوجين الحق في تنظيمها تحت مراقبة القضاء, على الأقل عندما يتعلق الأمر بالطلاق الاتفاقي.
الطلاق الاتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة
اترك تعليقاً