الإنهاء التعسفي لعقد العمل وفقا لقانون العمل العماني
بعد أن بينا في الورقة الماضية مصادر قانون العمل ، نتناول اليوم موضوع الإنهاء التعسفي والإنهاء المبرر في قانون العمل العماني ،فمن المؤكد بأن هناك تساؤلات تطرح عن : متى يكون الإنهاء تعسفيا ؟ ومتى يكون الإنهاء مبررا ؟ وما هو المعيار المعتمد به في تقديره ؟ وكيف يتم تقدير شرعيته ؟ وما موقف المشرع والقضاء العماني من إنهاء عقد العمل لأسباب اقتصادية ؟
أسألك اللهم التوفيق والسداد ، وعليه نبدأ ….
إذا كان لكل متعاقد في عقد العمل غير محدد المدة الحق في إنهائه بعد إخطار الطرف الآخر كتابة على النحو المبين بالمادة (37) من قانون العمل العماني ، فإنه لا يكفي لشرعية الإنهاء مجرد الإخطار في الميعاد المحدد قانونا ، وإنما جرى القضاء العماني والمقارن على أن يكون الإنهاء بمبرر وإلا أعتبر الذي أنهاه متعسفا في استعمال حقه والتزم بتعويض الطرف الآخر عما يصيبه من ضرر نتيجة لذلك .
ماهية التعسف في الإنهاء ونطاقه ومعياره
1- التعسف في استعمال حق الإنهاء :-
من المقرر أن لكل من طرفي عقد العمل غير محدد المدة الحق في إنهائه وفقا لما نصت عليه المادة (37) من قانون العمل العماني ، وهي إخطار الطرف الآخر قبل الإنهاء في الميعاد الذي حدده القانون . ويضيف التشريع والقضاء المقارن إلى ذلك ، أن يكون الإنهاء بمبرر ، فإذا أغفل أحد الطرفين مراعاة القيدين المذكورين عند قيامه بإنهاء عقد العمل التزم بتعويض الطرف الآخر .
كما تنص المادة (106/4) ، من قانون العمل على أنه ” وإذا تبين للمحكمة أن فصل العامل من عمله أو إنهاء خدمة كان تعسفا أو مخالفا للقانون فإنه يجوز لها الحكم إما بإعادة العامل إلى عمله ، أو بإلزام صاحب العمل بأن يدفع له تعويضا عادلا … ” .
فالمشرع العماني بالنصين المذكورين قد أخذ بنظرية الإنهاء التعسفي لعقد العمل وقرر حق الإنهاء لطرفي العقد ، صاحب العمل والعامل ، وإن كانت أهميته في الغالب من الأمر تقتصر على إنهاء العقد من جانب صاحب العمل , وإن كانت أهميته في الغالب من الأمر تقتصر على إنهاء العقد من جانب صاحب العمل ، حيث يفقد العامل عمله ومورد رزقه .
فما هو المبرر الذي يسوغ معه إنهاء العقد ولا يكون الإنهاء تعسفيا ؟ وهل يمثل وجود هذا المبرر قيدا إيجابيا على حق الإنهاء يتعين توافره قبل ممارسته ؟
من المعلوم أن لكل حق وظيفة اجتماعية ويتقيد في استعماله بالحدود والمقتضيات التي تفرضها الوظيفة وباعتبار أنه يستهدف في نهاية المطاف خدمة المجتمع كله ، ومن ثم فإذا خرج به صاحبه على مقتضى وظيفته الاجتماعية اعتبر متجاوزا ووقع فعله بالتالي آثما خاطئا .
2- نطاق الإنهاء التعسفي :-
وعلى ذلك فإن المبرر المشروع الذي يسوغ معه إنهاء عقد العمل غير محدد المدة هو أمر وثيق الصلة بالوظيفة الاجتماعية للحق والغاية من تقريره ومن ثم يبدو الانحراف عن تلك الغاية موجبا لقيام التعسف في استعمال حق الإنهاء .
ومن حيث أن النظام القانوني المعمول به في السلطنة لم يضع للتعسف في استعمال الحقوق نظرية متكاملة كما فعلت بعض التشريعات المقارنة ( كالقانون المصري ) .
3- معيار التعسف في الإنهاء :-
أ- قيود استعمال الحق في الإنهاء :
تعود نظرية التعسف في استعمال الحق في نشأتها الحديثة إلى الشريعة الإسلامية , حيث ترتكز على قاعدة سد الذرائع ، وهي قاعدة تقوم على النظر إلى مآلات الأفعال ونتائجها ، كما يرتبط التعسف بفكرة الحق وطبيعته ، فالحق مقيد في استعماله بما قيدته الشريعة من حدود ، وأهم هذه الحدود هي أن الشريعة وضعت لمصالح العباد ، ومن ثم ينبغي أن يتجه قصد المكلف إلى قصد الله في التشريع ، كما ينبغي النظر إلى مآلات الأفعال ، إلا هذه المآلات معتبرة ومقصودة شرعا ، وهذه المآلات تقيد استعمال الحق وتجعل شرعيته رهنا بتحقيق الغاية من شرعيته ، فلا يكون العمل مناقضا من حيث المآل والثمرة للأصل الذي قامت عليه الشريعة من جلب المصالح ودرء المفاسد .
فالتشريع الإسلامي يهدف في جملته إلى غايتين أساسيتين في تنظيم شئون الحياة والمجتمع ، وهي مصالح الأفراد ومصالح الجماعة ، وتقديم الأخيرة عند تعارضها لما لها من أهمية على الأولى .
وفي ضوء ما تقدم ، فإن معيار التعسف في استعمال الحقوق في الشريعة يتقيد بحدوده الغائية ، وأن هذه الغاية تتمثل في تحقيق المصلحة التي تتفق مع مقاصد المشرع ، أي بالمصلحة المشروعة وأن تبلغ هذه المصلحة درجة عالية ، أو راجحة ، وهكذا يمكن القول بأن الاستعمال المشروع للحق يجد معياره في قيام المصلحة الجادة ، والمشروعة والحقيقية ، وتبعا لذلك فأن معيار التعسف يجد صورة إزاء غيبة أحد هذه الضوابط .
ب- موقف القانون والقضاء العماني :-
أخذ القانون العماني بالتعسف كقيد على إنهاء عقد العمل وفصل العامل ، أو وقوعه مخالفا للقانون ، وسواء كان هذا العقد محدد المدة أو غير محدد المدة ، وإن أكثر حدوثا بالنسبة للعقد غير محدد المدة ، وهذا ما تفيده صياغة نص المادة (32) من قانون العمل العماني ، في اعتبار عدم قيام صاحب العمل بإعادة العامل الموقوف عن العمل في حالة اتهامه بارتكاب جناية أو جنحة داخل مكان العمل ، إذا رأت السلطة عدم تقديمه إلى المحاكمة أو انتهت مدة الإيقاف أو قضي ببراءته . وكذلك نص المادة (106) من قانون العمل والتي جاء بها ” … وإذا تبين للمحكمة أن فصل العامل من عمله أو إنهاء خدمته كان تعسفيا أو مخالفا للقانون ، فإنه يجوز لها الحكم إما بإعادة العامل إلى عمله ، أو بإلزام صاحب العمل بأن يدفع له تعويضا عادلا … ” .
وتجري أحكام القضاء العماني على اعتماد هذا الفهم للتعسف ، من ذلك ما قضت به المحكمة التجارية من اعتبار تسريح العامل تعسفيا إذا امتنع صاحب العمل عن إعادته إلى عمله بعد أن انتهت السلطة المختصة إلى عدم تقديمه إلى المحاكمة بعد اتهامه بارتكاب جنحة داخل مكان العمل ( إتلاف سيارات الشركة عمدا ) ، أو فصله تعسفيا بغير مبرر استنادا لغيابه أكثر من سبعة أيام على الرغم من تخلف السند القانوني لذلك ، وأن تحقيق الشركة لخسارة في إحدى السنوات لا يكفي مبررا للاستغناء عن عمالها مما يجعل فصلهم تعسفيا ، وأن استناد صاحب العمل إلى إعادة تنظيم منشأته لإنهاء خدمة العامل ثم تبين عدم صحة السبب يجعل هذا الإنهاء تعسفيا ، وأن فصل العامل لصغر سنه على الرغم من اجتيازه الاختبار يجعل الفصل تعسفيا ، وأن فصل العامل لغيابه يكون تعسفيا وغير مبرر إذا كان الغياب بسبب مشروع وهو المرض وتحقق علم صاحب العمل به ، وأن عجز صاحب العمل عن تقديم مبررات فصل العامل ، يجعل فصله تعسفيا ، وأن عرض صاحب العمل على العامل العودة إلى العمل بعد فصله تعسفيا لا ينفي التعسف ، ولا يرتفع هذا الوصف عن مسلك صاحب العمل إذا كان العمل المعروض على العامل أقل ميزة لما يتضمنه من تعديل لشروط عقد العمل .
الإنهاء المبرر
أ- ماهية مبرر الإنهاء :-
من المعلوم أن عقد العمل غير محدد المدة ينتهي انتهاء عاديا بإنهائه بالإرادة المنفردة لأحد طرفيه ، شأنه في ذلك ، شأن غيره من العقود غير محددة المدة . والقول بغير ذلك ، أي بتوقف إنهاء العقود على رضا الطرفين معا يؤدي إلى تأبيدها تأبيدا يقضي على الحرية الفردية .
ومن وجهة أخرى ، فإن عدم تحديد العاقدين مدة للعقد ، مقتضاه رضاهما سلفا بالترخيص لأي منهما بوضع حد لعلاقته بالأخر وقتما يشاء . وهو ما تحرص قوانين العمل على النص عليه ، وقرره المشرع العماني في المادة (37) من قانون العمل بنصه على حق كل من الطرفين في العقد غير محدد المدة في إنهائه بعد قيامه بإعلان الطرف الأخر كتابة .
وإذا كان إنهاء العقد غير محدد المدة بالإرادة المنفردة يحقق ميزة لطرفيه ، حيث يتاح للعامل الحصول على عمل أفضل أو أجر أكبر ، كما يمكن صاحب العمل من تحقيق صالح العمل وصالح المنشأة ومواجهة مختلف الظروف الاقتصادية وتطور طرائق الإنتاج التي قد تقتضي الاستغناء عن بعض العمال .
غير أن مخاطر هذا الإنهاء ليست ضئيلة ، خاصة بالنسبة إلى العامل ، حيث قد يدفع به إلى التعطل وهو إنما يعتمد في حياته ورزقه على عمله وما يكتسبه منه من أجر . كما أن الإنهاء قد يصيب صاحب العمل نفسه بالضرر ، فقد يحرمه من عامل ذي كفاءة عالية ، وقد يؤدي إنهاء عقود عدد كبير من العمال في نفس الوقت أو في أوقات متقاربة إلى إشاعة الاضطراب في سير العمل في المنشأة .
لذلك سعى القضاء جاهدا إلى التوفيق بين حق العاقد في إنهاء العقد ، ومصلحة العاقد الآخر ، على الأخص العامل في بقائه .
وكانت فكرة التعسف سبيلا لتحقيق هذا التوازن بما تستلزمه من وجود مبرر مشروع لإنهاء العقد .
ب- شروط مبرر الإنهاء :-
وإذا كنا قد أوضحنا ماهية المبرر المسوغ لإنهاء العقد غير محدد المدة فهل يلزم أن يكون موجودا وحقيقيا وصحيحا وجديا وأن يستهدف تحقيق مصلحة حقيقية ومشروعة ؟
(1)- وجود المبرر الصحيح والمشروع :-
أرسى القضاء في تطبيقه للضوابط السالف ذكرها والمتعلقة بالتعسف في استعمال حق الإنهاء ، والكثير من القواعد التي تعين في استجلاء ماهية الإنهاء المبرر غير المشوب بالتعسف .
ومن تطبيقات القضاء في هذا الخصوص ، ما قضى به من أن فصل العامل في غير الحالات التي أوردها قانون العمل ، ولا يدل بمجرده على أنه فصل تعسفي بل يجب أن يقوم الدليل على صحة المبرر الذي استند إليه صاحب العمل في فسخ العقد ، وأن يثبت أن الفصل كان تعسفيا .
كما أن فصل العامل لأسباب لا تتعلق بشخصه – كسلوك أحد أقاربه – أو نتيجة فقد الثقة فيه من قبل صاحب العمل تعتبرا تعسفا نظرا لعدم قيامها على أسباب موضوعية .
ولذلك يتعين أن يكون مبرر الإنهاء موجودا وحقيقيا وصحيحا ، كأن يكون تنفيذا لنص قانوني . كما أن لصاحب العمل قانونا السلطة في تنظيم منشأته باعتبار أنه المالك لها والمسئول عنها وعن إدارتها ، وأنه لا معقب على تقديره إذا رأى لأزمة اقتصادية ظهر أثرها عليه ، أو كارثة مالية توشك أن تنزل به ، تضييق دائرة نشاطه ، أو ضغط مصروفاته أو إغلاق احد فروع المنشأة أو أحد أقسامها ، بما يجعل له الحرية تبعا لذلك في اتخاذ ما يراه من الوسائل الكفيلة بتوقي الخطر الذي يهدده ، والمحافظة على مصالح المشروع ، بما في ذلك الاستغناء عن خدمات بعض العاملين لديه .
(2)- جدية المبرر :-
لم يستوجب المشرع العماني في مبرر الإنهاء أن يكون جديا ولكن القضاء قد استقر على ضرورة أن يكون المبرر جديا ومتناسبا مع النتائج والأضرار التي تترتب عليه بالنسبة للعامل . فالمبرر الجدي يستبعد الأوهام والشعور الشخصي ويفترض أن الباعث على الإنهاء يمثل ” حقيقة محسوسة ومادية ” , والمبرر الجدي يكون على درجة من الجسامة تؤثر في علاقات العمل ، ويتعذر معه ، دون ضرر يلحق بالمنشأة ، واستمرار العامل في خدمتها ، ويجعل بالتالي إبعاده عنها ضروريا لحسن سيرها .
ويقصد بجدية المبرر أن يبلغ درجة من الأهمية بحيث يجعل الإنهاء مما تقتضيه مصلحة العمل بالمشروع أو يجعل الإبقاء على العامل مما يضر بمصلحة العمل بالمشروع . والمبرر الجدي هو الذي تحركه مصلحة جدية أو حقيقية ، أي مصلحة هامة وذات قيمة معينة ، فجدية المصلحة هي التي تبرر استعماله وبقاءه مشروعا بعيدا عن التعسف . كما أن جدية المصلحة تستوجب فرض درجة شديدة من الرقابة على استعمال الحق . فلا يكفي أن تكون المصلحة مشروعة ، وإنما ينبغي أن تكون على درجة معينة من الأهمية ، أي أن تكون جدية . وهذا السبب الجدي قد يرتبط تارة بمسلك العامل وتارة بالمشروع وتنظيمه .
– الإنهاء المستند إلى مبرر جدي يتصل بمسلك العامل :
فإذا استند فصل العامل إلى غيابه ، تعين أن يسانده ثبوت غياب العامل بعد إنذاره عشر أيام . وتطبيقا لذلك قضي بأنه إذا عجز صاحب العمل عن إثبات غياب العامل ، كان فصله تعسفيا ، وإذا كان فصل العامل لخطأ وقع منه ، يجب أن يكون خطؤه على شيء من الجسامة يبرره ، فإذا لم يبلغ خطأ العامل هذه الدرجة كان قرار الفصل تعسفيا .
– الإنهاء المستند إلى مبرر جدي يتصل بتنظيم المنشأة :-
قد ترجع أسباب فصل العامل إلى تنظيم العمل أو إعادة تنظيمه ، وفي هذه الحالة لا تقتصر سلطة القاضي على التثبت من حقيقة المبرر ، ليترك لصاحب العمل حرية مطلقة في تقدير ملائمة فصل العامل بناء عليه ، بل يتعين عليه أن يراقب تقدير صاحب العمل ، وما إذا كان المبرر الذي يحتج به ، يفرض عليه فصل العامل ، أم كان يستطيع بإجراء آخر كتخفيض ساعات العمل للإبقاء عليه عنده .
(3)- تحقيق مصلحة حقيقية ومشروعة :-
وفضلا عن وجود المبرر المشروع ، فإنه يتعين أن يستهدف الطرف الذي قام بالإنهاء تحقيق مصلحة حقيقية ومشروعة من إنهاء العقد . فإذا كان توافر الثقة بين العامل وصاحب العمل شرطا لازما لوجود علاقة العمل واستمرارها ، ومن ثم فإذا انعدمت هذه الثقة لأسباب ترجع إلى العامل كان ذلك إخلالا منه بالتزام جوهري ، ومبررا لإنهاء عقده . ذلك أن عقد العمل ملزم لطرفيه ويرتب في ذمتهما التزامات متبادلة تسوغ لأحدهما التحلل من رابطة العقد إذا امتنع الطرف الأخر عن تنفيذ التزامه أو أخل به بشرط أن يكون ذلك راجعا إلى خطئه سواء عن عمد أو لمجرد إهمال . ومفاد ذلك أن لصاحب العمل فسخ عقد العمل لإخلال العامل بأحد التزاماته الجوهرية المترتبة على هذا العقد .
الإنهاء التعسفي
قدمنا أن المشرع العماني في المادة (106) من قانون العمل أخذ بنظام الفصل التعسفي بمفهومه الواسع المحتوي على مخالفة القانون ، وأن القضاء وضع قيدا موضوعيا على حق العاقد في إنهاء العقد ذي المدة غير المحددة ، وهو أن يكون الإنهاء بمبرر ، وعرضنا لتطبيقات القضاء في طبيعة المبرر لإنهاء العقد ، ورأينا أن هذا المبرر حتى يستقيم سندا لإنهاء العقد لا بد وأن يكون قائما وموجودا وصحيحا وجديا ومتناسبا مع الأضرار التي تصيب المتعاقد الآخر نتيجة لإنهاء العقد ، وألا يتضمن مناهضة للوظيفة الاجتماعية للحق في الإنهاء أو انحرافا عن غايته .
غير أن المبرر الذي يستند إليه العاقد في إنهاء العقد قد يفقد إلى جل هذه الخصائص أو بعضها ، وعندئذ يقع إنهاء العقد غير مبرر موصوفا بالتعسف ، وهذا ما نص عليه المشرع صراحة في المادة (106) المشار إليها بقوله ” … وإذا تبين للمحكمة أن فصل العامل من عمله أو إنهاء خدمته كان تعسفيا أو مخالفا للقانون فإنه يجوز لها الحكم إما بإعادة العامل إلى عمله ، أو بإلزام صاحب العمل بأن يدفع له تعويضا عادلا ، وذلك بالإضافة إلى …”
والغرض من إيجاب اشتراط مبرر إنهاء عقد العمل غير محدد المدة هو توفير الاستقرار لعلاقات العمل وذلك بإلزام العاقد الذي ينهى عقد العمل بتقديم مبررات الإنهاء وإلا أعتبر متعسفا في استعمال الحق المخول له بموجب نص المادة (37) من قانون العمل .
وعلى الرغم من أن نظرية عدم التعسف في استعمال الحق – وعلى ما سبق أن أوضحنا – هي في الأصل نظرية قضائية وأن مختلف الدول قد أخذت بها ورددتها في تشريعاتها ، وأن هذه النظرية قد وضعت معايير للتعسف تمثل تطبيقات للنظرية وردت على سبيل المثال لا الحصر وزخرت المجموعات القضائية بتطبيقات عديدة لها ، فإن المشرع العماني قد أورد بعض التطبيقات للإنهاء التعسفي مما يغني القاضي حينئذ عن تكييف الإنهاء فيها .
ولذلك فإننا نتناول فيما يلي بيان حالات الإنهاء التعسفي التي نص عليها قانون العمل ، ثم نعقبها ببيان بعض التطبيقات القضائية للإنهاء التعسفي .
أولا : التطبيقات التشريعية للإنهاء التعسفي
إذا كان إنهاء عقد العمل غير محدد المدة حقا مقررا لكل من طرفي عقد العمل وفقا لنص المادة (37) من قانون العمل ، وأن هذا الإنهاء يكون تعسفيا إذا تخلف مبرره على النحو المتقدم ، وكان المستقر عليه استقلال القضاء بتقدير شرعية مبرر الإنهاء أو عدم شرعيته ، فإن المشرع قد أضفى وصف التعسف على بعض حالات الإنهاء من جانب صاحب العمل . ومؤدى ذلك أن المشرع أقام قرينة على ثبوت وصف التعسف في الحالات التي نص عليها قانون العمل . وهذه الحالات هي :-
1- امتناع صاحب العمل عن إعادة العامل إلى عمله بعد وقفه احتياطيا :
إذا نسب إلى العامل ارتكاب جناية أو جنحة في دائرة العمل ، فقد أجاز المشرع لصاحب العمل وقفه احتياطيا عن العمل من تاريخ إبلاغ الحادث إلى السلطة المختصة ، وذلك لحين صدور قرار منها في شأنه ، وهذا ما نصت عليه المادة (32) من قانون العمل في فقرتها الأولى بقولها ” إذا نسب إلى العامل ارتكاب جناية أو جنحة داخل مكان العمل جاز لصاحب العمل وقفه عن العمل لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ إبلاغ السلطة المختصة بالحادث ” .
والمقصود بالوقف في هذا المقام ، هو الوقف الاحتياطي ، أي الوقف الذي يقوم صاحب العمل باتخاذه عند اتهام العامل بارتكاب جناية أو جنحة في مكان العمل ، وهو إجراء وقائي أو تحفظي حتى يتحدد مصير هذا الاتهام . وهو بهذا المعنى يتميز عن الوقف التأديبي الذي يوقع كجزاء تأديبي على مخالفة يرتكبها العامل والمنصوص عليه في المادة (31) من قانون العمل باعتباره عقوبة تأديبية .
والوقف المنصوص عليه في المادة (32) من قانون العمل ليس إجراء وجوبيا يتعين على صاحب العمل اتخاذه في حالة ارتكاب العامل جناية أو جنحة في مكان العمل ، بل هو رخصة قررها القانون لصاحب العمل كإجراء وقائي ، إن شاء استعملها ، وإن شاء استعمل حقه العام في إنهاء العقد بإرادته المنفردة ، فأن استعمل صاحب العمل رخصة الإيقاف ، تعين وقف العامل بقوة القانون عن عمله ودون حاجة إلى قرار بذلك من السلطة المختصة.
ويفيد عموم نص المادة (32) المشار إليها ، انصراف حكمه على الجنايات وجميع الجنح التي تقع داخل مكان العمل . فلا يجوز وقف العامل احتياطيا إلا إذا كان الفعل المنسوب إلى العامل ارتكابه يعتبر جريمة وفقا لقانون العقوبات ( الجزاء ) والقوانين المكملة له . وعلى ذلك فمهما ارتكب العامل من أفعال لا يعاقب عليها القانون ، فلا يجوز وقفه احتياطيا ، ولو كان وجه الخطأ في عمله ظاهرا .
ولم يستوجب المشرع في المادة (32) أن تكون الجنايات أو الجنح مخلة بالشرف أو الأمانة ، إلا أن المشرع اعتبر ارتكاب العامل لها وإدانته فيها بمقتضى حكم قضائي نهائي موجب لفصله وفقا لنص المادة (40/6) من قانون العمل والتي يجوز لصاحب العمل بموجبها فصل العامل بدون سبق إخطار وبدون مكافأة نهاية الخدمة .
وإذا ما تم وقف العامل على اثر ارتكابه جناية أو جنحة داخل مكان العمل ، فإن هذا الوقف يبقى قائما لمدة ثلاثة أشهر من تاريخ إبلاغ السلطة المختصة بالحادث .
وعلى مقتضى قرار السلطة المختصة في شأن الحادث ، يكون البت في مصير العامل الموقوف احتياطيا ، ولا يخرج الأمر عن أحد احتمالات ثلاثة ، إما أن ترى السلطة المختصة حفظ التحقيق وعدم تقديم العامل للمحاكمة . ومن المعلوم أن قرار النيابة العامة ( أو الإدعاء العام ) بحسبانها سلطة تحقيق بحفظ التحقيق – أيا كان سببه أو مضمونه – لا يكتسب أية حجية أمام القاضي المدني ، لأن القرارات الصادرة من سلطة التحقيق لا تفصل في موضوع الدعوى بالبراءة أو الإدانة ، وإنما تفصل في توافر أو عدم موضوع الدعوى بالبراءة أو الإدانة ، وإنما تفصل في توافر أو عدم توافر الظروف لإحالتها إلى المحكمة للفصل في موضوعها . وعلى ذلك فإن من حق القاضي المدني الذي ينظر دعوى الفصل المقامة من العامل ، أن يقضى بتوفير الدليل على وقوع الجريمة أو على نسبتها إلى المتهم (العامل) على خلاف القرار الصادر من سلطة التحقيق والتي تصدر أوامر وليست أحكاما ، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بأنه لم يلتزم حجية الأمر الصادر من مستشار الإحالة يكون على غير أساس .
وقد يكون قرار السلطة المختصة ، وهو تقديم العامل للمحاكمة وصدور الحكم ببراءته .
وقد يستند قرار سلطة التحقيق بالحفظ وعدم تقديم العامل للمحاكمة إلى عدم الأهمية أو عدم كفاية الأدلة ، وقد يستند حكم البراءة إلى بطلان إجراءات التفتيش ، أو لعدم كفاية الأدلة ، أو لسقوط الدعوى العمومية بالتقادم ، أو لانعدام القصد الجنائي أو لعدم تكوين الفعل لجريمة جنائية ، أو لاعتبارات إنسانية ، كقيام العامل المختلس بإعادة الأموال المختلسة .
2- مدى جواز فصل العامل الموقوف احتياطيا :
في مثل هذه الحالات التي يتحقق فيها إخلال العامل بالتزاماته الجوهرية التي يرتبها على عاتقه عقد العمل ، وعلى الرغم مما قرره المشرع في قانون العمل من وجوب إعادة العامل إلى عمله وإلا اعتبر امتناعه فصلا غير مشروع ، فهل يمتنع على صاحب العمل فصله على الرغم من ذلك ؟
يذهب الفقه إلى أن هذه الأحكام مبعثها الخشية من تدبير صاحب العمل للإيقاع بالعامل ، وذلك باتهامه بجريمة بغية التخلص منه ، ومن ثم فهي تتأسس على سوء النية ، ومن شأنها الإخلال بالتوازن الذي يجب أن يسود العلاقات بين أصحاب الأعمال والعمال ، لمصلحة هؤلاء الآخرين وحدهم .
من أجل ذلك فقد سعى القضاء جاهدا إلى إعادة التوازن الذي أفقدته النصوص في نطاق علاقات العمل إلى نصابه ، ذلك أن التطبيق الحرفي لنص المادة (32) يؤدي إلى نتائج يأباها المنطق القانوني ، ولا توفر الاستقرار والاطمئنان في مجال علاقات العمل ، إذ يتعين على صاحب العمل إعادة العامل الموقوف إلى عمله ، ولو حفظت الدعوى العمومية ضد العامل ، أو تأسس حكم البراءة على عدم الأهمية أو عدم كفاية الأدلة .
ومن تطبيقات القضاء في هذا الخصوص ، ما قضى به من المادة (30) من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 ( المقابلة للمادة (67) من قانون العمل المصري الحالي والمادة (32) من قانون العمل العماني ) ” إذ أجازت وقف العامل ، عند اتهامه في الحدود المرسومة بها ، فإنها لم توجب على صاحب العمل اتخاذ هذا الإجراء ، ولم تسلبه حقه في فصل العامل مباشرة ” فهي بهذا الوصف لا تخرج عن كونها ترخيصا لصاحب العمل ، إن شاء استعمله ، وأن شاء استعمل حقه العام الوارد في المادة (37) ” التي تقرر حقه في إنهاء العقد بإرادته المنفردة ” .
كما قضى بأن المشرع لم يقصد في المادة (27) من القانون رقم (41) لسنة 1944 ( المقابل لنص المادة (67) من قانون العمل المصري والمادة (32) من قانون العمل العماني ) ، ” أن تفرض على صاحب العمل التبليغ كلما نسب إلى العامل جناية أو جنحة ” لأن هذا مؤداه أن ” يضع صاحب العمل في مركز حرج ، فيلزمه أن يختار أحد أمرين كلاهما ضار به ، إما أن يقوم بالتبليغ ، وفيه قضاء على سمعته التجارية وإضعاف لثقة العملاء فيه ، وإما أن يقبل العامل رغم ما أرتكبه من جرم يتعارض والتزاماته الجوهرية المترتبة على عقد العمل ” ويكون قصده ” أن صاحب العمل إذا ما رأى مصلحته في التبليغ عن واقعة ارتكبها العامل ، وأبلغ عنها ، وحكم ببراءة العامل ، فإنه في هذه الحالة وحدها يجب إعادته إلى عمله ، لأنه المفروض أن الحكم الجنائي حجة على الكفاية ” ، أما إذا راى صاحب العمل رعاية لمصلحته عدم التبليغ ” فليس ثمة مانع يمنعه ، إذا كانت الأفعال المنسوبة إلى العامل تعتبر إخلالا بالتزاماته الجوهرية المترتبة على عقد العمل ، أن يفصله دون مكافأة ” .
3- قرينة عدم مشروعية الفصل :
ويتضح مما تقدم أنه إذا لم يتوافر لصاحب العمل مبرر مشروع لإنهاء أو فسخ عقد العامل الموقوف احتياطيا أو فصله في حالة انتهاء السلطة المختصة إلى عدم تقديم العامل للمحاكمة أو صدور الحكم ببراءته فإنه يتعين عليه إعادة العامل إلى عمله ، وإلا أعتبر عدم إعادته فصلا تعسفيا . وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (32) بقولها ” فإذا رأت السلطة المختصة عدم تقديم العامل للمحاكمة أو انتهت مدة إيقافه عن العمل أو قضي ببراءته وجب إعادته إلى عمله مع رد ما سبق وقف صرفه من الأجر إليه ، فإذا أمتنع صاحب العمل عن ذلك أعتبر عدم إعادته فصلا تعسفيا ” .
فالمشرع في هذه المادة يقيم قرينة قانونية لصالح العامل ، مؤداها اعتبار قرار صاحب العمل برفض إعادة العامل على الرغم من عدم تقديمه للمحاكمة أو صدور الحكم ببراءته ، فصلا تعسفيا .
ويهدف المشرع من تقرير هذه القرينة لصالح العامل ، إقالته من عبء إقامة الدليل على عدم مشروعية قرار صاحب العمل بفصله ، والاكتفاء بإثباته رفض صاحب العمل إعادته إلى عمله .
ويتعين لاستفادة العامل من هذه القرينة واعتبار فصله تعسفيا ، أن يثبت أنه كان موقوفا احتياطيا لاتهامه بارتكاب جناية
أو جنحة داخل مكان العمل ، وأن السلطة المختصة قررت عدم تقديمه للمحاكمة أو حاكمه القضاء وقضى ببراءة ساحته ، وأن صاحب العمل قد رفض إعادته إلى عمله .
4- آثار الوقف الاحتياطي :
والوقف الاحتياطي ، وإن كان غير متوافر على معنى العقوبة كالوقف التأديبي ، إلا أنه يضر بالعامل .
من أجل ذلك حرص المشرع على وضع حد أقصى له وجعله ثلاثة أشهر من تاريخ إبلاغ السلطة المختصة ويتعين معه رفع هذا الوقف في حالة انتهاء مدته أو عدم تقديم العامل للمحاكمة أو قضي ببراءته مع وجوب إعادة العامل إلى عمله مع رد ما سبق وقفه من الأجر إليه .
غير أن المشرع قد نص على تنظيم أجر العامل الموقوف احتياطيا وذلك بحرمانه من أجره الشامل عن الشهر الأول وصرف نصف هذا الأجر في الشهرين الثاني والثالث ، فهل يستحق العامل الموقوف إجازة عن مدة الوقف ؟ الراجح أن العامل الموقوف احتياطيا لا يستحق إجازة عن مدة الوقف ، لأن الإجازة السنوية حق أوجبه المشرع سنويا للعامل لاستعادة نشاطه وقواه المادية والمعنوية تنمية للإنتاج ، ومن ثم تدور مع الحكمة التي دعت إلى تقريرها ، فلا يستحقها العامل إذا لم يباشر عملا خلال السنة التي تستحق عنها الإجازة .
والاحتمال الثالث الخاص بوقف العامل احتياطيا ، هو صدور حكم بإدانة العامل ، وفي هذه الحالة ، فإن صاحب العمل يملك فصله أو الإبقاء عليه .
5- تقييد حق صاحب العمل في إنهاء العقد في حالة وجود العامل في إجازة أو عطلة رسمية :
من المقرر أن حق العامل في الحصول على إجازته – أيا كانت – هو حق أصيل كفله قانون العمل بنصوص صريحة ، توخي المشرع من تقريره أن يستعد العامل قدراته وطاقاته التي استنزفها العمل صونا للقوى البشرية الإنتاجية من أن تصير بددا . كما أن إجازات العامل بكافة أنواعها عزيمة من المشرع دعت إليها اعتبارات من النظام العام وأنه لا يجوز في غير الأحوال المقررة في القانون وبغير مقتضيات العمل إبدالها بأيام أخرى أو الاستعاضة عنها بمقابل نقدي وإلا فقدت اعتبارها وتعطلت وظيفتها ولم تحقق الغرض منها .
فالإجازة ، فضلا عن موجباتها القانونية ، فإن لها فوائدها الاجتماعية في تمكين العامل من الترويح عن نفسه وتجديد نشاطه ، لذلك فقد قيد المشرع حق صاحب العمل في إنهاء العقد ، أثناء المدة التي يكون فيها غائيا في الإجازة السنوية أو الإجازات الأخرى وهو ما نصت عليه المادة (38) من قانون العمل صراحة وذلك بنصها على أنه ” لا يبدأ سريان الإخطار الصادر من صاحب العمل إلى العامل بإنهاء العقد في حالة وجود العامل في إجازة أو عطلة رسمية إلا من اليوم التالي لإنهاء الإجازة أو العطلة ” .
وعلى ذلك فإذا خالف صاحب العمل نص المادة (38) المشار إليها كان تصرفه غير مشروع . ويكفي العامل لإثبات عدم مشروعية الإنهاء أن يثبت قيامه بإحدى الإجازات المقررة قانونا ، لينتقل عبء الإثبات على عاتق صاحب العمل .
6- عدم جواز فصل العاملة لغيابها بسبب المرض نتيجة الحمل أو الوضع :
حظر المشرع في المادة (84) من قانون العمل العماني فصل العاملة أثناء تمتعها بإجازة الحمل والولادة .
وهذا الحظر وإن كانت تستوجبه اعتبارات إنسانية ويؤكد حماية المشرع للمرأة العاملة مراعاة لأمومتها ، فإن واقع حال المرأة في حالات الحمل أو الولادة يفرضه . وفضلا عن ذلك فإنه في حالتي الحمل والولادة ، فإنه من غير المنطقي أن يقرر المشرع للمرأة العاملة الحق في الحصول على إجازة بهدف تمكينها من الحصول على القسط اللازم من الراحة لتجاوز ظروف الوضع وتداعياته ورعاية مولودها وتهيئتها للعودة لعملها ، ويرخص لصاحب العمل بفصلها خلال تمتعها بإجازة تستلزمها ظروفها وحالتها .
ولعل المشرع إدراكا منه لمدى حاجة المرأة للراحة في حالات الحمل والوضع ، فقد رخص لها بالحصول على إجازة مدتها ستة أسابيع .
غني عن البيان أن حظر فصل العاملة وفقا لنص المادة (84) على النحو المتقدم ، هو حظر عام يسري أيا كانت طبيعة العلاقة التي تربطها بصاحب العمل سواء أكانت ترتبط بعقد محدد المدة أم عقد غير محدد المدة ، وعلى ذلك فإن قيام صاحب العمل بفصل العاملة على خلاف الأحكام المتقدمة يجعله مسئولا عن تعويضها باعتبار فصلا تعسفيا وينهض سببا لإعفائها من عبء الإثبات .
ثانيا : بعض التطبيقات القضائية للإنهاء التعسفي :-
إذا كانت الغاية من إنهاء خدمة العامل ، حالة قيام المبرر ، على ما قدمنا ، تمكن في تحقيق مصلحة المنشأة التي يعمل بها وذلك لضرورة اقتصادية أو فنية توجبه ، أو لخطأ ، أو عدم كفاية ، بدر من العامل يقتضيه ، فإن إنهاء خدمة العامل يقع تعسفا ، إذا لم تفرضه الضرورات الاقتصادية ، أو الفنية للمنشأة أو لم تبرره أسباب تتصل بشخص العامل ، ويكون صاحب العمل قد انحرف في استعمال حق الإنهاء عن غايته .
وتزخر التطبيقات القضائية في الغالب بحالات للإنهاء التعسفي لعقد العمل من جانب صاحب العمل ولا تخص الإنهاء الصادر من العامل إلا في النادر ، ويعود ذلك إلى قلة وقوع الإنهاء من جانب العامل وشيوعه من جانب صاحب العمل ، وإلى ندرة تعقب صاحب العمل للعامل أمام القضاء فيما لو أقدم الأخير على الإنهاء على عكس الغالب من تعقب العامل لصاحب العمل بدعوى تعسفه في الإنهاء .
ولعل في تغاير المركز الاقتصادي بين العامل وصاحب العمل ما يفسر هذه الظاهرة ، فضعف المركز الاقتصادي للعامل عموما يجعله مترددا أصلا في إنهاء العقد على خلاف صاحب العمل الذي يجنبه مركزه الاقتصادي مثل هذا التردد ، واختلاف المركز الاقتصادي على هذا النحو يجعل تضرر العامل عند إنهاء العقد من جانب صاحب العمل اكبر من تضرر الأخير من إنهاء العقد من جانب العامل .
هذا فضلا عن غلبة ملاءة صاحب العمل وقلة ملاءة العامل أو انعدامها ، مما يجعل العامل يحرص على تعقب أي مظنة للتعسف من جانب صاحب العمل طمعا في الحصول على تعويض منه .
ومن تطبيقات القضاء العماني للفصل غير المشروع قيام صاحب العمل بدفع العامل إلى الاستقالة بمعاملته الجائرة له ، ووقفه عن العمل على غير أساس على الرغم من قيام العامل بتأدية عمله بكفاءة وإخلاص ، أو فصل العامل استنادا لغيابه على الرغم من مشروعية سبب الغياب وهو مرض العامل ، أو عجز صاحب العمل عن إثبات سبب فصل العامل مما يجعل فصله غير مبرر ، أو لارتكاب العامل خطأ بسيطا لا يتناسب مع جسامة الفصل .( كل هذه أحكام صدرت عن المحكمة التجارية ) .
ثالثا :- موقف المشرع والقضاء العماني من الإنهاء لأسباب اقتصادية :
لم ينص المشرع العماني في قانون العمل صراحة وبشكل مباشر على مبدأ إنهاء عقود العمل لأسباب اقتصادية ، ولكن بعض النصوص تضمنت إشارات تفيد إقراره لهذا المبدأ بمعناه العام أو الواسع ، فإغلاق المنشأة أو تصفيتها أو إدماجها أو حلها أو غير ذلك من التصرفات التي نصت عليها المادة (47) من قانون العمل ، بما يؤدي إليه من المساس بحجم العمالة بها ، يفيد أن الإنهاء يكون جماعيا وليس فرديا .
غير أن المشرع في الفقرة الثانية من المادة (47) نص على حالات ثلاث ، وهي التصفية والإفلاس والإغلاق الكلي المرخص به ، يبقى عقد العمل فيما عداها قائما ، وهو ما يفيد انتهاء العقد في هذه الحالات الثلاث .
ولعل أبرز هذه الحالات اتصالا بإنهاء عقد العمل لأسباب اقتصادية ، حالة الإغلاق الكلي المرخص به حين يستند إلى أسباب اقتصادية ،ولذلك فإن الإنهاء الجماعي للعمال يكمن خارج سلوك العمال أو كفايتهم المهنية ويرجع إلى أسباب اقتصادية أو مالية أو فنية .
ويمارس القضاء رقابته على أسباب إنهاء عقد العمل ولا تقتصر هذه الرقابة على مجرد التحقيق من الوجود المادي للأسباب والدوافع الاقتصادية التي أدت إلى التقدم بطلب الإغلاق الكلي للمنشأة – التي تستقيم أسبابا للإنهاء في حالة الموافقة عليها – وإنما تتجاوزها إلى رقابة تقدير جدية مشروعية الأسباب كمبررات للإنهاء ، دون أن تتجاوزها إلى تقدير ملائمة القرارات التي يتخذها صاحب العمل لمواجهة الظروف الاقتصادية .
غنى عن البيان أن الإغلاق لسبب اقتصادي المنصوص عليه في المادة (47) يختلف عن الإغلاق الكلي أو الجزئي الذي يتم توقيعه طبقا للمادة (90) من قانون العمل في حالة عدم التزام المنشأة باتخاذ تدابير السلامة والصحة المهنية بالتطبيق للمادة (89) .
اترك تعليقاً