المحاماة في الإسلام
بقلم : صالح عينر
.. توازن الشريعة الإسلامية بين الروح والمادة ؛ وتربط برباط وثيق مقدس بين العمل المادي والقيم الإسلامية ؛ فهي شريعة وسط ؛ إذ الوكيل بالخصومة عندما يقبل وكاله فإنه لابد أن يضع نصب عينه ومليء قلبه تلك المحكمة الإلهية التي سوف يقف أمامها يوم القيامة ؛ قاضيها علام الغيوب يعلم السر وأخفى ؛ وسوف يسأله سـبحانه وتعالى عمن ظلمه أو أعان غيره ليأكل حقه ؛ إنها محكمة إلهية ليس لها إستئناف أو نقض أو ثمة مطعن ؛ لأن قاضيها علام الغيوب ؛ الذي يعلم خفايا النفوس ؛ لا يعزب عنه مثقال حبه من خردل من علم ؛ ليس كمثله شيء وهو الخبير العليم الحكيم ؛ فليعد نفسه كل من وكل بالخصومة ليقف أمام هذه المحكمة بادياً حجته ومعداً دفاعه ؛ يوم لاينفع مال ولا بنون ؛ إلا من أتى الله بقلب سليم ..
۞مهنة المحاماة جائزة ..
يصب كثير من الناس جآم غضبهم هذه الأيام على مهنة المحاماة والمحامين ؛ وكثيراً ما يوصف المحـامى بأنه ذلك الرجل الحـدق الفهلوي الـ .. ؛ وهو ما تصر في العقود الماضية أجهزة الأعلام على إختلافها وتنوعها على توكيده في غير مناسبة بأسـاليب شتى ؛ وتقوم بعرضه بطريقة أو أخرى بصورة محزنة مقززة تثير الضجر والحزن والأسى لدى كل محـام يحترم مهنته ويحبهـا ؛ وهو ما يجعل المرء مضـطراً للتوقف لتوضيح حكـم مهـنة المحـامـاة في الإسـلام ؛ قبل أن ننطـلق لنتوقف مع نقابة المحامين في العصر الحديث .
إذ الهجوم على بعض التصرفات الخاطئة لبعض المحامين يجب ألا يكون على الإطـلاق والتعميم ؛ وإذا صـح الوصف السىء على بعض المحامين وسوء تصرفاتهم وخطأ أفعالهم ؛ فلا شك أنه لا يصح على آخرين ؛ وحاجة الناس إلى وكلاء الخصومة أو المحامين لا تنكر ؛ وخاصة في الأزمنة المتأخرة التي تتعدد فيها أوجه الظلم وإنتشارها في وقت لم نعد نفرق فيه فى أحيان كثيرة بين ظلم السلطة التنفيذية بمحاضر جمع الاسـتدلالات ؛ أو بعض وكـلاء النيابة المتجـاوزين ؛ أو ربما ندرة بعض القضاة الذين تأخـذهم العزة بالإثم فيتحفزون بإطـلاق أحكامهم بلا تروى أو حكمة قضاء ؛ أو ربما في أحيان أخرى تأثراً بكثير من الأمور التي لا يجب أن يتأثروا بها .
وليس كل إنسان يستطيع الدفاع عن نفسه ؛وإذا كان يستطيع ؛ فليس كل الناس بدرجة واحدة من الإتقان والترتيب والرقى ؛ وكم من محام دافع عن مظلومين فأنقذهم من براثن وكيل نيابة ظالم ؛ أو ضابط شرطة ملفـق ؛ أو قاض جائر أطلق حكمه ؛ متخلياً عن حكمة وسياسة العقاب ؛ وربما مجاملاً أو متخطيا أدنى قواعد العدالة .
۞ جواز التوكيل بالخصومة ..
أجاز فقهاء الشريعة الإسلامية التوكيل في الخصومة ؛ وذلك لحاجة الناس الشديدة إلى ذلك ؛ وهناك أثار كثيرة وردت في ذلك عن السلف ؛ تثبت جواز التوكيل بالخصومة .
فمن ذلك ما رواه الإمام البيهقى عن عبد الله بن جعفر قال :
” كان على بن أبى طالب يكره الخصومة ؛ فكان إذا كانت له خصومة وكل فيها عقيل ابن أبى طالب ؛ فلما كبر عقيل وتقدم به السن وكلني ”
وقد روى البيهقى أيضا ؛ عن على بن أبى طالب انه وكل جعفر بن أبى طالب بالخصومة وقال :
” إن للخصومة لقحماً . والقحم هو المهالك ”
وليس معنى ذلك أن الإسـلام يشجع على الخصومات ؛ ولكنها ضرورة حياتية ؛ إذ أن البشر ليسواْ سواء ً في توضيح البيان والفصاحة وطريقة العرض وسـياق الحجج ؛ وهو أمر لو تم من المحـامين بوازع من دين أو ضمير كـانت فيه جم إفـادة للمتخاصمين وللقضاء والناس وخـدمة العدل والحقيقة .
ولقد حذر النبي r من اللحن في القول بأن يقلب المسلم الباطل حقاً أو الحق باطلاً ؛ إذ قال r :
” إنى بشر وإنكم تتحاكمون إلى ؛ ورب أحدكم ألحن بحجته من الأخر ؛ فأحسب أن الحق له ؛ فأقضى له على حسب ما أسمع ؛ فمن قضيت له بغير حقه ؛ فإنما أقضى له بقطعة من نار فإن شآء أخذها وإن شآء تركها “هكذا يحذر النبي r من يجيدون عرض الحجج ؛ وترتيب الأمور تقديماً وتأخيراً ؛ ونسج الخيال وخلطة بالواقع ليأخذواْ ما ليس لهم ؛ فيخبرهم النبي r بأن ذلك إنما يكون قطعة من نار . والنبي r أو اى قاض يقضى بما سمع أو فهم أو عرض عليه وهو يسعى ليصل إلى الحقيقة ؛ ولكن مع ذلك فإن النبي r نفسه يقول أنه ربما سمع من الخصوم ؛ فيقوم كل منهم عن طريق عرض حجج قد تكون غير واقعية أو مختلقة ؛ فيقضى النبي r لشخص قد لا يكون هو صاحب الحـق ؛ فعليه ألا يأخذه ؛ لأنه قطعة من النار .
۞لا يجوز للمحامى أن يتوكل عن الباطل ..
غير أنه يجب على وكيل الخصومة – المحامى – أن يكون رفداً للعدالة ومساعداً لإظهار الحق ؛ فإذا علم أن موكله على باطل فعليه أن يتخلى عن وكالته ولا يتمادى في الدفاع عنه إذا علم بطلان دعواه ؛ قال الله تعالى :
” وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً “سورة النساء الاية 105
وهذه الآية في منتهى الصراحة والوضوح في كون النيابة أو المحاماة أوالدفاع عن الباطل لا تجوز في شرع الله ؛ ولا يجوز لأحد أن يدافع عن أحد إلا بعد أن يعلم انه محق ؛ وفى الحديث الشريف :
” من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله”
وقد إتفق الفقهاء على أنه يجب على الوكـيل في الخصومة أن يتحفظ بدينهُ وألا يقـبل وكالة إلا عندما يعلم أن صاحبهـا محق ؛ ولا يجوز له أن يقبل وكاله أحد هو عالم أنه على غير حق ؛ بل لو إقتنع الوكيل أن موكله على غير حق لم تجز الوكالة شرعاً .
وهكذا توازن الشريعة الإسلامية بين الروح والمادة ؛ وتربط برباط وثيق مقدس بين العمل المادي والقيم الإسلامية ؛ فهي شريعة وسط ؛ إذ الوكيل بالخصومة عندما يقبل وكاله فانه لابد أن يضع نصب عينه ومليء قلبه تلك المحكمة الإلهية التي سوف يقف أمامها يوم القيامة ؛ قاضيها علام الغيوب يعلم السر وأخفى ؛ وسوف يسأله سـبحانه وتعالى عمن ظلمه أو أعان غيره ليأكل حقه ؛ وهى محكـمة إلهية ليـس لها إسـتئناف أو نقض أو ثمة مطعن لأن قاضيها علام الغيوب ؛ الذي يعلم ما نظهر وما نضمر ؛ لا يعزب عنه مثقـال حبه من خردل من علم ؛ ليس كمثله شيء وهو الخبير العليم الحكيم .
وقد نهى المولى سـبحانه وتعـالى عن أكـل أمـوال الناس بالباطل ؛ فقال جل شأنه :
” وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ” سورة البقرة الاية 188
ومن يدافع عن ظالم يعلم كونه ظالم ؛ فإن ما يأخذه منه من أموال مقابل هذه الوكالة هو مال حرام لا يجوز .
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم قول النبي r:
” طلب الحلال فريضة على كل مسلم ” رواه الامام مسلم
وقالr:
” من سـعى على عـياله من حله فهـو كـالمجـاهد في سـبيل الله ومن طـلب الدنيا حـلالاً في عفاف كـان في درجة الشهداء ” أخرجه الطبرانى فى الاوسط من حديث أبى هريرة
بل ذهب بعض العلماء الى أن من ظن ظلم موكله فلا يجوز له أن يدافع عنه فكيف بمن يعلم وتيقن أن موكله على باطل ؛ بل كيف بمن يخطط لموكله أن يأكل أموال الناس بالباطل فيكون له سنداً وظهيراً للظلم والجور .. ؟!
بل إن نظام التقادم في القانون الوضعي لابد أن يقف عنده أهل المروءة والمحافظة على دينهم طويلاً ؛ لأنها حقوق وهى وإن سقطت في القانون الوضعي فان ذلك لا يلزم كونها حلال أو أن يكون الدفاع عن مسقطها جائز ؛ بل لابد أن يقوم بأدائها المدين بها لأن الله سوف يسأله يوم ألقيامه عن هذه الأموال التي أخذها دون وجه حق وذلك بإسقاطها بالتقادم .
( إحـياء علوم الدين – لأبى حـامد محمد بن محمد الغـزالي – طبعة دار التقوى – الجزء الثاني – صفحة 123 – باب فضيلة الحلال ومذمة الحرام )
۞قانون الإجراءات الجنائية الإسلامي ..
ولكن هـناك بعض المسـائل قد تثير كـثير من اللبس في ذهـن بعض الناس ؛ وقد أثارهـا بعض المحـامين الذين يسعون للحافظ على المكـسب الحلال ؛ وهى أمور يجب التوقف عندها برهة ..
فلو تم ضبط جريمة أو محاولة ضبطها بطريقة غير شرعية مخالفة لما نص عليه الشرع ؛ بمعنى أن طريقة ضبط الجريمة تخالف قواعد صريحة في الشرع حتى لو كان المتهم مرتكب هـذه الجريمة فعلاً ؛ فهل يجـوز للمحـامى الدفاع عن هذا المتهم ؟
قبل الإجابة يجب أن نتوقف مع هذه الأمثلة :
المثال الأول :
إثبات الزنا في الشريعة الإسلامية لابد أن يكون بناء على شهادة أربعة شهود كما قال الحق تبارك وتعالى في سورة النور :
“لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ
فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ ” سورة النور الاية 13
فالجريمة تثبت في الإسلام بطريقتين :
الأولى : إقرار يصر عليه الزاني رجلاً أو امرأة على نفسه بعد مراجعه المحقق أو القاضي أو أولى الأمر .
والثانية : أربعة شهود ؛ فان كانواْ ثلاثة شهود فقط لم تثبت الجريمة .
جاء عمر بن الخطاب يوما – وهو أمير المؤمنين – يسأل الصحابة عن رؤيته بصفته الحاكم والأمير لجريمة الزنا منفرداً : هل يستطيع إقـامة الحد بناء على ذلك بعد أن رأى بعينه الجريمة وهو يمثل رأس الدولة .. ؟
قال الامام علي بن أبى طـالب يسـأله : أمع أمـير المؤمنين ثلاثة شـهود آخرين ؟ فيقول عمر : لا . قال على بن أبى طالب :إذن يقام عليك حد القذف يا أمير المؤمنين ؛ فقد تطلب الله أربعة شهود ..!
الإسلام ليس متعطش لسرعة إقامة الحدود ؛ لذا حتى لو جاء من يقر على نفسه بهذه الجريمة فعلى المحقق أو القاضي أن يراجعه مراراً ؛ ويستوثق من وقوعها كاملة ؛ وإلا لا يجوز إقامه الحد عليه ؛ وهذا ما كان من النبي r نفسه ؛ فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال :
” لما أتى مـاعـز بن مـالك النبي r قـال له : لعلك قلبت أو غمزت أو نظرت ؟ ..” فتـح الباري بشرح صحيح البخـاري – بن حجر العسقلانى – طبعة دار التقوى – للتراث – الجزء الثاني عشر – كتاب الحدود – باب هل يقول للمقر : لعلك لامست أو غمزت – صفحة 149 .
ومن ثم فقد راجع النبي r ” ماعز ” مرات عديدة رغم إقراره بارتكاب الزنا ؛ فيرده عن الإعتراف ويقول : لعلك قبلت ؛ لكن ماعز يعود ليعترف فيقول له النبي r : لعلك غمزت ؛ لكن ماعز يصر على الإعتراف ؛ فيقول له النبي r : لعلك نظرت ..”
وفى كل مرة لو رجع ماعز لأوقف النبي r إقامة الحد .
المثال الثاني :
خرج عمر بن الخطاب في ليلة مظلمة يتفقد رعيته بنفسه ؛ فرأى ضوء في بيت ؛ ثم سمع أصوات ؛ إقترب يتجسس .. رأى من فتحة بالباب عبد أسود أمامه إناء فيه ما يشبه الخمر .. وحوله جماعة يشربون معه .. حاول عمر الدخول من الباب فلم يقدر لشدة تحصينه .. تسور سطح البيت ونزل إليهم ومعه السوط الذي يضرب به .. فلما رأوه همواْ بفتح الباب ليفرواْ ؛ أمسك عمر بالرجل الأسود .. قال الرجل : إن كنت أنا قد أخطأت فأنا تائب فاقبل توبتي .. قال عمر : بل الحد . قـال الرجـل : لا .. فإن كنت أنا أخطـأت في واحـدة فقد أخطـأت أنت في ثـلاث ؛ فـان الله يقول :
ﭽ ﭝ ﭞ ﭼوأنت قد تجسست . والله يقول : ﭽﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﭼ وأنت أتيت من السـطح . والله يقول : ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼﭼوأنت دخـلت ما سلمت ولا استأذنت . أنا أقـول لك هـذه بتلك ؛ لكنني تائب الى الله . قام عمر بأخذ العهد عليه وإستحسن كلامه .إذن هـناك جريمة وقعت ؛ ولها عقوبة يقينية في الشريعة الإسلامية ومتعارف عليها بين الصحابة ؛ ألا وهى الجلد وهو حد من الحدود المعروفة بل أن الذي ضبط الجريمة هو أكبر رأس في الدولة الإسلامية ؛ أمير المؤمنين نفسه ؛ الفاروق عمر بن الخطاب ؛ الذي قال له النبي r ذات يوم لو كان من بعدى أنبياء لكنت أنت يا عمر ؛ وقال عنه أيضاً إن الشيطان لو رآه في طريق لسلك طريق أخر ؛ إذن عمر بن الخطاب غير متهم في دينه ؛ والقصة واقعية لا يتطرق إليها شك ؛ وضبط الجريمة كان عن طريق أكبر رأس الذى يعادل قاضى القضاة ؛ ودفاع المتهم لم يتناول التشكيك في الواقعة ؛ أو المادة الموجودة بالإناء ؛ أو عدم علمه بكونها تسكر ؛ أو مناقشة العقوبة ؛ لكنه تناول كيفية ضبط الجريمة ؛ أي إجراءات الوصول لكشف الجريمة ؛ وعمر إزاء سعيه لضبطهم يشربون الخمر؛ ومحاولة وصوله للجريمة إرتكب ثلاث أخطاء تخالف حرمات وقدسيات هي في كتاب الله – كما قالها الرجل وفهمها عمر – أهم من تطبيق حد من حدود الله ؛ ألا وهي حريات الأفراد وحصانتهم داخلبيوتهم .
( قصص العرب – الجـزء الثالث – محمد احمد جاد وأخـرين – طبعة المكتبة العصرية – صيدا – لبنان صفحة 18 والواقعة مطابقة المعنى وارادة أيضاً فى المستطرف فى كل فن مستظرف – شهاب الدين محمد أحمـد أبى الفتح ألابشيهى – طبعة دار الكتب العلمية – بيروت ؛ و هى كذلك معلومة بالتواتر من كتب الفقه .)
..
هكذا أقام هذا الرجل الأسود صاحب البيت الحجـة على عمر – وعمر هـنا ممثل السلطة التنفيذية ( ضبط الجريمة ) وممثل المحقـق ( في حواره معهم ) وممثل القضاء أيضـاً الذي كـان يريد تطبيق الحـد بضربهم بـ ” السوط ” الذي يحمله لضربهم ؛ و أقام الرجل حجته ؛ وبنى مرافعته عن طريق قانون الإجراءات الجنائية الإسلامي منطلقاً من كتاب الله تعالى ؛ ولم يكابر الأمير الذي كان وقافاً مع كتاب الله دستور الأمة الإسلامية ؛ بل وجد حجة الرجل تتفوق على الجريمة وعلى إقامة الحد ؛ والرجل تاب ويتعهد ألا يعود إلى الجريمة مرة أخرى ؛ والرجل قد فعل ذلك ؛ واعتقد عمر أنه صادق ومحق ولا يمارى . لكن هب حتى أن الرجل يقول ذلك للتخلص من عمر بن الخطاب والموقف فليس أمام عمر بن الخطاب أمير المؤمنين آنذاك ؛ إلا أن يتوقف مع كتاب الله الذي يبنى الرجل دفاعه عليه . إذن قام عمر بوقف تطبيق حد شرب الخمر لأنه إقتنع بوجود مخالفات صريحة مع دستور الدولة الإسلامية ” القرآن الكريم ” فلم يطبق عمر الحد عليهم لبطلان إجراءات ضبط الجريمة..
( بتصرف – مجلة الأمة – رئاسـة المحاكم الشرعية والشـئون الدينية – دولة قطر – العدد السابع والثلاثون – أكتوبر 1982م – قضية للمناقشة – عبد القادر العمارى .& روح الإسلام – محمد عطية الابراشى – مكتبة الأسرة – العدالة فى الإسلام – صفحة 211 .)
وجـاء في ” نيل الأوطار ” للإمام الشوكانى ” في هذا الشأن :{وعلى هـذا بوب المصنف : فيكـون فيه دليل على أنه لا يجب على الإمام أن يقيم الحـد على شخـص بمجـرد إخبار الناس له أن هـذا الشخـص قد فعل }.والجدير بالذكر أن الإمام الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والشعبي وابن أبى ليلى والأوزاعى قالواْ : لا يجوز للحاكم أن يقضى بعلمه في الأموال والحدود ( وهناك من العلماء من يقول بخلاف ذلك .)
وجاء أيضاً في ” نيل الأوطار للإمام الشوكانى ” ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه تعليقاً : ” أن عمر قال لعبد الرحمن : لو رأيت رجلاً على حد ؟ قال عبد الرحمن : أرى شهادتك شهادة رجل من المسلمين . فقال له عمر : أصبت ”
( نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار – الإمام محمد بن على بن محمد الشوكانى – المجلد الرابع – الجزء السابع – الطبعة الأولى دار الحديث – بالقاهرة – باب من وجد منه سكرا أو ريح خمر ولم يعترف فقرة رقم 3179 .)
ومن هذا يتضح أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ؛ على الرغم من كونه أمير المؤمنين ورأس الدولة ؛ إلا انه في هذا الموقف شاهد واحد فلا يعتد برأيه وحده لإقامة الحد ؛ حتى وإن كان عمر على رأس الدولة الإسلامية ..
فهل في مثل هذه الحالات يجوز للوكيل أن يدافع عن المتهم ..؟
ليس لكون المتهم لم يرتكب الجرم ؛ ولكن لكون العقاب لا يقع لبطلان إجراءات الضبط .. ؟
ومن ثم فان عمل الوكيل لا ينفى الجريمة .. ؟
بل ينفى صحة إثباتها و إمتناع توقيع العقاب .. ؟
وما هي مدلولات وقف تطبيق الحـد من أمير المؤمنين عمر بن الخطـاب لحد من حدود الله ..؟! بعد قيام الرجـل المتلبس بشرب الخمر بإقناع عمر ابن الخطاب ببطلان إجراءات ضبط هذه الجريمة ..؟
۞الفارق بين عمل المحامى والشفاعة ..
الفـارق بين عمل الوكـيل أو المحـامى المقبول شرعاً ؛ وبين الشفاعة غير المقبولة ؛ أن الوكيل بالخصـومة يجـوز لـه أن يمـارس عمله في الحـدود والقصاص قبل ثبوت الجريمة ؛ ويفند أدلتها ؛ بما في ذلك طرق ضبطها حسـب قانون الإجراءات الجنائية الإسلامي ؛ وهى حينئذ عمل مقبول موافق الشرع .
أما بعد ثبوت الجريمة كإقرار السارق بأنه سرق ؛ دون ضغط أو إكراه من أحد ؛ فان عمل المحامى حينئذ يجب أن يتوقف .
ومن ثم حينما أقرت المرأة المخزومية بالسرقة ؛ وقام أهلها بالسـعي لإيقاف
الحد قبل أن يطبق عليها ؛ وذهبواْ الى أسامة بن زيد لأنهم يعلمون أنه حب وابن حب النبي r ؛ وأخبروه بما يريدون ؛ ووافق أسامة بن زيد ؛ وذهـب أسـامة يشفع في عدم تطـبيق الحد .. هـذا ما رفضـه الرسول r لأنه لا يجوز شرعاً ؛ حتى قـال مقولته r :
” والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ”
والمقصود بعد ثبوت الجريمة ؛ حتى لو بإقرار بين المحامى والمتهم فقط ؛ وبعيداً عن الناس أو السلطات ؛ فان وكيل الخصومة أو المحامى لا يجوز له الدفاع عن هذا المتهم ؛ لأن الوكيل حينئذ يكون قد علم يقيناً بما لا يدع مجالاً لأدنى شك ببطلان وكالته ودفاعه عن هذا المتهم .
۞هل يجوز توكيل غير المسلم ..؟!
الواقع أن الإسلام ليس شرطاً في الوكالة ؛ بل تجوز وكالة الكافر وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء في الشريعة الإسلامية :
الشافعية والحنابلة :
قالوا : تجوز وكالة الكافر ولو كان حربي ؛ وقد إستدلواْ بحديث في صحيح الإمام البخاري أن عبد الرحمن بن عوف قد كتب إلى أمية بن خلف وهو كافر في دار الحرب لينظر كل منهما فيما يتعلق بالأخر ؛ وكان ذلك بإطلاع النبي r ولم ينكره النبي r ؛ ومن ثم دل ذلك على جواز توكيل المسلم للكافر حتى ولو كان حربي ؛ وبالعكس .
الأحناف :
قالوا : يجوز توكيل الذمي ؛ ولا يجوز توكيل الكافر .
المالكية :
أما المالكية فقد أباحواْ توكيل الكافر في البيع والشراء والقبض ولم يجيزواْ توكيله في سائر الأمور الأخرى .
رأى جمهور الفقهاء :
أما رأى الجمهور فقد أجازواْ توكيل الكافر بالخصومة ؛ لأن العدالة ليست شرطاً في الوكيل ؛ وأن الوكيل لو كان مسلم فارتد لم تبطل وكالته ؛ وسواء أكان الوكيل في دار لحرب أم دار الإسلام . وخلاصة قول جمهور الفقهاء أنه تجوز وكالة الكافر لأن العدالة ليست شرط في الوكالة .
( فتـح الباري بشـرح صحيح البخــاري – للإمام الحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى – طبعة دار التقوى للتراث – الجزء الثاني عشر – كتاب الحدود – صفحة 64 – باب الزنا وشرب الخمر .& إحياء علوم الدين – للإمام أبى حامد محمد بن محمد الغزالي – طبعة دار التقوى للتراث – الجزء الثاني – صفحة 123 – كتاب الحلال والحرام . & مجلة الأمة – رئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية – دولة قطر – العدد السابع والثلاثون – أكتوبر 1982م – قضية للمناقشة – عبد القادر العمارى . & روح الإسلام – محمد عطية الابراشى – مكتبة الأسرة – العدالة في الإسلام – صفحة 211 & الفقه على المذاهب الأربعة – عبد الرحمن الجز يرى – المجلد الرابع – الحدود – الشهادة في الزنا – صفحة 55 . )
۞المحاماة وعلم الأخلاق ..
إذا كان علم الأخلاق من العلوم التي تعالج موقف الإنسان من الخير ؛ والنفع والضمير ؛ والسلوك القويم ؛ والسعـادة ..للفرد والمجتمع . فلابد أن يكون هذا العلم ذو صلة وثيقة بفن وقواعد ممارسة مهنة أو رسالة المحاماة التي طالما جسدت مفاهيم الخير والخلق القويم والنجدة والشجاعة والمثابرة والدفاع عن المظلومين والمفاهيم الأخلاقية السامية .
ولاشك أن علماء علم الأخلاق يبذلون جهداً مضنياً مطرداً لعبور جميع مجالات المناخ الحضاري في شتى مجالات المدنية الحديثة من أجل الوصول إلى الأسس الحقيقية لترسيخ الحكم الاخلاقى . ولقد أصبحت الإنسانية اليوم أقوى شعوراً مما كانت في الماضي بصعوبة تحديد أساس نظام أخلاقى شامل لا يختلف عليه في الشرق عنه في الغرب على الرغم من حاجة الإنسانية إلى ذلك . ولكن مهنة المحاماة تحتاج إلى وضع مفهوم للحكم الأخلاقى والقواعد التي تحكم ممارسة مهنة المحاماة من خلال أسس علم الأخلاق .
وتكمن العلاقة الوطيدة بين علم الأخلاق ومهنة المحاماة في خطورة دور المحاماة في المجتمع ؛ أو إن شئت فقل الأهمية القصوى التي تقوم بها رسالة المحاماة والمحامى للمجتمع ؛ فالمحامى يؤثر أيما تأثير في المجتمع الذي يؤدى مهنته فيه ؛ وأداء المحامى الفكري والسلوكي ينجم عنه أعظم الآثار في التأثير والتأثر بعلم الأخلاق .
فإذا كان المحامى مرتبط بقواعد علم الأخلاق وثيق الصله دائماً بقواعده ؛ ويستطيع أن يميز أثناء ممارسته لمهنته فيما يكون للمجتمع من حقوق ؛ مفرقاً بين الخير والشر ؛ والنافع والضار ؛ والحق والباطل ؛ والصواب والخطأ فإن دور المحامى الذى يؤثر فى المجتمع ابان أداء عمله وعلاقاته الإنسانية والإجتماعية يشكل صميم المجال الذى يبحث فيه علم الأخلاق .
۞الأمية الأخلاقية ..
كما أن هناك أمية تعليمية ؛ هناك أمية أخلاقية أيضاً ؛ وهذه ألامية الأخلاقية غير مرتبطة بدرجة الحصول على شهادات كمستندات تدل على تجاوز حاملها لقسط من التعليم ؛ فقد يكون المرء حاملاً للدكتوارة ؛ وتبوأ أسمى المناصب وعلى رأس المراكز الحساسة السامية ؛ لكنه يعانى من الأمية الأخلاقية أيما معاناة ؛ رغم إرتدائه أفخر الثياب ؛ ورغم ثرائه الفاحش ؛ ورغم حمله المستندات الدالة على حصوله على الدرجات والشهادات العلمية إلا انه تنعدم عنده أدنى القواعد الأخلاقية ؛ وتغيب عنه أبسط قواعد التفرقة بين الخير والشر ؛ النافع والضار ؛ والصواب والخطأ .
والواقع الذي نعيشه اليوم في ظل المدنية الحديثة يؤكد ذلك ؛ فكم من مسئول فى مركزه خاصة في دول العلم الثالث تولى المناصب الرسمية السامية والمراكز الحساسة فإرتكب كثير من الجرائم الأخلاقية بجانب كونها جرائم حسب القانون الوضعي ؛ وليست العبرة بوقوع الجريمة تحت طائلة القوانين الوضعية ؛ فإذا إستطاع المرء الفرار من قواعد القوانين الوضعية تحت أي مسمى أو بند من البنود فان ذلك لا ينفى وقوع وإرتكاب جرائم أخلاقية .
وكلما إرتقى الإنسان فى سلم الحضارة ؛ وتقنيات المدنية الحديثة ؛ ومعطيات العلم والتكنوجيا فى العصر الحديث كلما تضاعفت أهدافه وتزايدت إحتياجاته تعقيداً فأدخل فى تسلسل إحتياجاته من الأشياء وطمح فى إقتناء ما يسطره فى بنود إحتياجاته على كونه أساسى فى حياته ؛ فسعى للوصول إليها بشتى الطرق ؛ وبمساعى عدة ؛ بغض الطرف عن كون وسائل الوصول إليها أخلاقية أم لا .. صواب أم خطأ .
وعلم الأخلاق يهتم بالطبيعة البشرية التى تقوم على عنصرين متميزين : عنصر الفرد ؛ وعنصر الجماعية ؛ ويعالجهما معاً .
فإذا لم يتم معالجتهما معاً ؛ وفى آن واحد ؛ فلا يمكن أن يصل علم الأخلاق
إلى نظرة شاملة للمشكلات الأخلاقية التى واكبت الحضارة والمدنية الإنسانية الحديثة التى أمست اليوم تقدم أسمى وأعظم التقنية فى العلم والتكنولوجيا ؛ بينما تنـزوى عل هذه المدنية الحديثة رويداً رويداً قواعد الأخلاق والفضيلة حتى يجد الانسان المتمسك بقواعد الفضيلة صعوبة بالغة فى التمسك بقواعد علم الأخلاق والفضيلة ؛ ومن ثم تجد انه يوصف بكونه ” طيب ” ويقصد بهذا اللفظ أنه ساذج سطحى لا يفهم الحياة على أصولها .. أو انه ” خام ” أو ” يعيش فى الأحلام ” أو ” الأوهام ” .. حتى صار الصواب خطأ ؛ والخطأ صواب ؛ وأمست صفات الرذيلة من الكذب والخداع والإحتيال ؛ صفات جاذبة للأفراد والجماعة ؛ وهذا المورث الأخلاقى الفاسد ؛ وتلك الممارسة الخاطئة هى التى يقاومها علم الأخلاق بأساليب شتى ؛ من تنمية قوة الضمير ؛ والخير ؛ والنافع داخل الإنسان بغض الطرف عن دينه أو عقيدته أو مهنته .
۞دور علم الأخلاق ..
وكما أسلفنا فإن إهتمام علم الأخلاق بالعنصرين معاً ؛ عنصر الفردية وعنصر الجماعية ؛ إذ هو يركز الضوء على ما يمكن أن يسمى بالنشاط الواعى عند كل فرد أو محام من أفراد الجماعة ؛ بما يجب أن يحتم عليه سلوكه من مستوى يحقق الخير والسعادة ؛ وأن يكون أداء مهنة الشخص أو المحامى فى إطار الصواب والضمير والأخلاق ؛ حتى لو أدى هذا السلوك إلى إهدار بعض رغبات الفرد أو متعته الشخصيه طالما كانت هذه الرغبات تصطدم مع الأخلاق والخير والصواب . وبهذا يمهد علم الأخلاق للمحامى الطريق لكى يختار ما يتراءى له من نشاط صواب ؛ ثم يوفر علم الأخلاق للمحامى وازع ورقيب على سلوكه الذهنى والبدنى من ضميره ؛ فيتوقف عن الخطأ ويمتنع عن الضار ؛ واضعاً فى عقيدته أن الرزق سوف يأتيه طالما يأخذ بالأسباب في إطار الصواب عبر وسائله الأخلاقيه ؛ وأن هذا الرزق مضمون بعد الأخذ بالأسباب .
وتبدو أهمية علم الأخلاق وتتزايد بالنسبة للمحاماة كلما ارتبط سلوك المحامى بالمنهج العلمي الذي يساعد المحامى على أن تكون له دراساته التى تعينه وتساعده على التقدم فى مهنته ؛ وتعلى من شأنه إبان ممارسته لمهنته ؛ وتفتح أمامه أسبابا للرزق وهى تضاف إلى قدراته البشرية ومواهبه .
والمحاماة كمهنة حديثة تؤمن بإستحالة وضع القدرات البشرية فى إطار جامد صارم لا يعرف المرونة والتطور ؛ وتؤمن بوجوب توفير حياة كريمة للمحامى ؛ حياة تليق به وبمكانته التى يجب أن تكون فى المجتمع ؛ والمحاماة بهذا تشترك مع علم الأخلاق الذى يفهم الحاجات الأساسية للطبيعة البشرية من أجل الوصول للقيم الأخلاقية البشرية التى تعد الشرط الأساسى لتحقيق التطور والتكامل والتقدم والرفاهية فى حياة المجتمع ؛ والمحامى يتخذ جميع الأساليب ووسائل العلم والتكنولوجيا ومعطيات العصر ويفلسف ذلك وينزله تطبيقاً على أرض الواقع ممارسة لمهنته ؛ ولكن يجب أن يكون ذلك فى إطار علم الاخلاق والفضيلة والخير ؛ وبما يطوع ذلك فى إطار أداء دوره كمحامى ضمن قواعد مهنة المحاماة ؛ لتكون رساله تخدم المجتمع بجانب كونها وسيلة من وسـائل كسب الرزق للمحامى .
ولقد كانت نقابة المحامين دائماً والأباء المؤسسين لمهنة المحاماة على صلة وثيقة بعلم الأخلاق ؛ وهو ما أوجزه فى كلمات قليلة جدير بها أن تؤلف لها مجلدات مطوله النقيب والمؤرخ والأديب والمحلل السياسى عبد الرحمن الرافعى حينما عرف المحاماة بحروف من نوركما سنرى من خلال واقع عملى لأبناء مهنة المحاماة وروادها والأباء المؤسسين لها خلال تاريخها الطويل .
علم الأخلاق عند الفاربى ..
(الفاربى : فيلسوف مسلم أجمع المؤرخون على أنه تركى الأصل – وفارب هى مدينة تركية – واسمه : أبو نصر محمد بن محمد ابن طرخان بن أوزلغ – وقد لقب الفاربى بالمعلم الثانى ؛ والمعلم الأول هو أرسطو ؛ وقد أقر ابن سينا باستاذية الفاربى فى بعض مؤلفاته ؛ المصـدر : الإنسـان فى الفلسفة الإسلامية ” نموذج الفاربى ” د . إبراهيم عاتي – طبعة مكتبة الأسرة – صفحة 28 . )
وعلم الأخلاق عند الفاربى : هو العلم الذى يبحث فى الأفعال الجميلة ؛ ومصدر تلك الأفعـال وأسبابها ؛ وكيف تتحول إلى ملكة عند الانسان . إذ يقول : ” هو علم الأخلاق الجميلة والأفعال التى تصدر عنها الأفعال الجميلة ؛ والقدرة على أسبابها ؛ وبه تصير الأشياء الجميلة ملكة لنا ”
ويقول الفاربى أن علم الأخلاق يشمل السياسة والأخلاق . وأن علم الأخلاق هو العلم الذى يبحث عن السعادة ويميز بين السعادة الحقيقية والسعادة الزائفة ؛ ويبين أن الخير والفضيلة هى التى تؤدى إلى السعادة الحقيقية ؛ أما الافعال الشريرة والقبيحة فهى وإن كان فى ظاهر بعضها نوع من السعادة إلا أن مآلها إلى الآلم والخسران والندم والحسرة ؛ وعنده ان هذه الحقيقة لاتحتاج إلى تبيان ؛ حيث يقول :” السعادة غاية ما يتشوقها كل إنسان ، وأن من ينحو بسعيه نحوها فإنما ينحو على أنها كمال ما ؛ فذلك ما لا يحتاج فى بيانه إلى قول ؛ إذ كان فى غاية الشهرة ؛ وكل كمال غاية يتشوقها الإنسان ؛ فإنما يتشوقها على أنها خير ما ؛ فهو لا محالة مؤثر ؛ ولما كانت الغايات التى تشوق على أنها خيرات مؤثرة ؛ كانت السعادة أجدى الغايات المؤثرة “
وغاية علم الأخلاق هو الحصول على السعادة ؛ والسعادة الحقيقية مرتبطة بالمعرفة ؛ وتتحقق بعمل الخير وإكتساب الفضائل والبعد عن الرذائل . وعنده أن الأخلاق لا تقتصر على إصلاح الفرد بل لابد أن تشمل إصلاح الجماعـة ؛ سوآء جماعة معينة ؛ أو مدينة ؛ أو بيئة ؛ ومدى تأثر الناس بهذه الأخلاق ؛ ومن هنا كان الارتباط الوثيق بين علم السياسة وعلم الأخلاق عند الفاربى . والسعادة عند الفاربى إصطلاح يتساوى تماماً مع الخيرات ؛ وهى مطلوبة لذاتها ؛ اذ يقول ويؤكد على هذا المعنى ؛ اذ يقول: ” السعادة هى الخير المطلوب لذاته ؛ وليست تطلب لينال بها شىء اخر ؛ وليس وراءها شىء يمكن ان يناله الانسان أعظم منها ”
وهذا ما ذهب اليه النقيب الفيلسوف والمؤرخ عبد الرحمن الرافعى فى تعريفه للمحاماة ؛ وهو تعريف يكفى لنسوقة بهذا الصدد ليكون خير دليل على إرتباط المحاماة بعلم الأخلاق أو السعادة ؛ وهو معنى يؤصل فلسفة الفاربى فى كل كلمة ؛ إذ يقول النقيب الرافعى : ” إن المحاماة خلق ؛ ونجدة ؛ وشجاعة ؛ وثقافة ؛ وتفكير؛ ودرس ؛ وتمحيص ؛ وبلاغة ؛ ومثابرة ؛ وجلد ؛ وثقة بالنفس ؛ واستقلال في الرأي والحياة ؛ وأمانة ؛ وإخلاص في الدفاع ” ومن ثم فهو تعريف يؤكد على أن المحاماة فى رؤية النقيب الرافعى هى تحقيق السعادة عن طريق أسباب يمتطيها المحامى اثناء ممارسته لمهنته وأدائه لرسالته لتحقيق هذه السعادة ؛ بالخلق القويم والنجدة التى مطيتها المروءة ؛ والشجاعة التى مطيتها الجرأة ؛ والثقافة التى مطيتها العلم ؛ والتفكير الذى مطيته الفلسفة والمنطق ؛ والدرس الذي مطيته التفرغ لتحصيل العلم ؛ والتمحيص الذى مطيته التدبر ؛ والبلاغة التى مطيتها التمكن من اللغة ؛ والمثابرة التى مطيتها القناعة بالقضية ؛ والجلد الذى مطيته قوة التحمل ؛ والثقة بالنفس التى مطيتها شخصية مقتنعة بما تمارس من رسالة وإستقلال الرأى والحياة الذى مطيته شخصية قيادية لها تفسراتها الذاتية التى تعين المحامى على قلب الاخطاء وتحويل مسارها لتصب في نهر الحياة الصحيح ؛ والأمانة التى مطيتها مراقبة الله والضمير ؛ والإخلاص فى الدفاع الذى مطيته التفانى فى أداء المحاماة على كونها رسالة بجانب كونها مهنة ؛ ولمصلحة المجتمع .
((( مبحث من كتاب : نقابة المحامين عبر موكب الزمان – صالح عبد الرحمن عينر – صدرت طبعته الاولى يوليو 2009 – وهوكتاب تاريخى عن نقابة المحامين – ومودع برقم ايداع بدار الكتاب برقم 13359 لسنة 2009م وسوف تصدر طبعته الثانية ان شاء الله تعالى فى ستمائة وثلاثون صفحة فى مئوية نقابة المحامين باذن الله تعالى وهدى من نوره )))
اترك تعليقاً