رقابة تطبيق قواعد عقد العمل محدد المدة في القانون الجزائري
لم يترك المشرع عقد العمل محدد المدة وسيلة يستعملها المستخدم كيفما يشاء لإختيار طريقة التعاقد، و إنما أحاطه بنصوص قانونية و آليات ترتب جزاءات على مخالفتها، و تأتي هذا الجزاءات إما في صورة جزاء مدني ينصب أساسا على تغيير طبيعة العقد، و إما أن يأتي في صورة عقوبات جزائية سواء كانت عقوبات سالبة للحرية أو غرامات.
ولقد أناط بمفتشية العمل مراقبة تطبيق الأحكام القانونية و التنظيمية الخاصة بالعمل, منها التأكد بأن عقد العمل المحدد المدة الذي يربط العامل بالمستخدم قد أبرم من أجل الحالات المنصوص عليها بالمادة 12 من القانون (90-11) و لم يأتي مخالفا لها.
هذا و غني عن البيان أن القضاء يلعب دورا مهما في الرقابة على تطبيق قواعد عقد العمل محدد المدة بمناسبة نظره في النزاعات التي تثار بشأنه, و ما للقضاء من سلطة في تكييف حالات إبرام العقد و خاصة و أن المحاكم الفاصلة في القضايا الإجتماعية تضطر إلى تفسير أو تأويل القاعدة القانونية أو النص وفقا لقناعتها و فهمها لها حتى تتمكن من تطبيقها[1].
المطلب الأول : رقابة مفتشية العمل
تنص المادة 12 مكرر من القانون (90-11) و التي أضيفت بموجب الأمر 96-21 على أن “يتأكد مفتش العمل المختص إقليميا، بحكم الصلاحيات التي يخولها إياه التشريع والتنظيم المعمول بهما، من أن عقد العمل لمدة محددة أبرم من أجل إحدى الحالات المنصوص عليها صراحة في المادة 12 من هذا القانون, و أن المدة المنصوص عليها في العقد موافقة للنشاط الذي وظف من أجله العامل”.
كما تنص المادة 12 من القانون (90-03) المؤرخ في 06 فبراير 1990 المتعلق بمفتشية العمل على ما يلي”إذا إكتشف مفتش العمل خرقا سافرا للأحكام الأمرة في القوانين
والتنظيمات، يلزم المستخدم بإمتثالها في أجل لا يمكن أن يتجاوز 08 أيام، و إذا لم ينفذ المستخدم هذا الإلتزام خلال الأجل المحدد له يحرر مفتش العمل محضرا و يخطر بذلك الجهة القضائية المختصة, التي تبت خلال جلستها الأولى بحكم قابل للتنفيذ، بصرف النظر عن الإعتراض أو الإستئناف”.
من خلال المادتين المذكورتين، يتبين أن مفتش العمل يقوم بتحريات ذات طابع مدني وتحريات ذات طابع جزائي.
الفرع الأول : التحريات ذات الطابع المدني
إستنادا لنص المادة 12 مكرر المذكور سابقا يتضح أن مفتش العمل يقوم بإجراءات المراقبة و التي تتعلق أساسا بمسألتين و هما:
– مدي تطابق العقد المحدد المدة مع الحالات المنصوص عليها بالمادة 12.
– مدي تطابق المدة المحددة في العقد مع الحالة التي أبرم من أجلها.
أولا : التحقق من توافر الحالات المنصوص عليها بالمادة 12
من ذلك يتمتع مفتش العمل بسلطات قانونية كرسها القانون (90-03) و منها زيارة أماكن العمل التي توجد في دائرة إختصاصه, لمراقبة ألتزام المستخدم بتطبيق القواعد القانونية
و التنظيمية الخاصة بالعمل، و في ذلك يمكنه الإطلاع على أية وثيقة أو دفتر[2] منصوص عليه في تشريع العمل, بغية الحصول على المعلومات الخاصة بتطبيق التشريع و التنظيم المتعلقين بالعمل.
و أن أي عرقلة يتعرض لها مفتش العمل عند أدائه لمهامه يشكل جريمة يعاقب عليها القانون بغرامة مالية تتراوح ما بين 2000 – 4000 دج، و بالحبس من ثلاثة أيام إلى شهرين أو بإحدى هاتين العقوبتين طبقا للمادة 24 من القانون (90-03).
ثانيا : التحقق أن المدة المحددة في العقد تتطابق مع النشاط الذي أبرم من اجله العقد
تقضي المادة 12 مكرر من القانون (90-11) بأن مفتش العمل يتحقق مما إذا كانت المدة التي تعاقد العامل المستخدم عليها تتطابق والنشاط الذي وظف من أجله العامل. و هنا لا يخرج الأمر من إفتراضين إثنين هما:
– إما أن تكون المدة التي تم الإتفاق عليها أطول من مدة النشاط المعني, و في هذه الحالة يعتبر هذا التعاقد مخالفا لشروط العقد المحدد المدة.
– وإما أن تكون المدة التي تم الإتفاق عليها أقل من مدة النشاط المعني، ففي هذه الحالة لا يوجد أي إشكال بإعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين طالما لم تقع فيه أي مخالفة للقانون و لا يمنع ذلك من أن يتم تجديد العقد, لتغطية مدة النشاط المبني على الحالات المنصوص عليها بالمادة 12.
أما ما يتعلق بالإجراءات التي يقوم بها مفتش العمل عندما يعاين المخالفة المرتكبة فإنه وطبقا للمادة 12 من القانون (90-03)، يقوم مفتش العمل بإلزام المستخدم بالكف عن المخالفة في أجل لا يتجاوز 08 أيام.
الفرع الثاني : التحريات ذات الطابع الجزائي
طبقا للمادة 12 مكرر المذكورة سابقا فإذا رفض المستخدم الإمتثال للقانون بعد أن يمهله مفتش العمل، فإن هذا الأخير يحرر محضرا و يرسله إلى الجهة القضائية المختصة و المقصود بها هنا وكيل الجمهورية الذي يوجد في دائرة إختصاصه مفتشية العمل
لكن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد ما هي القيمة الثبوتية للمحاضر التي يحررها مفتش العمل؟
تنص المادة 14 من القانون (90-03) على “تتمتع محاضر مفتشي العمل بقوة الحجية ما لم يطعن فيها بالإعتراض”
إن المحاضر التي يحررها مفتشوا العمل تسري عليها مقتضيات قانون الإجراءات الجزائية[3].
و تعطى لهذه المحاضر قيمة أكبر من تلك التي يمنحها القانون لمحاضر ضباط الشرطة القضائية[4].
المطلب الثاني : الرقابة القضائية
لا تتمثل رقابة إحترام قواعد و احكام عقد العمل المحدد المدة في دور مفتش العمل
و لكنها تظهر أكثر في دور قاضي المسائل الإجتماعية, بمناسبة فصله في النزاعات التي تثور بين العامل و المستخدم.
و تنصب رقابة القاضي على شروط شكلية يخضع لها عقد العمل المحددة المدة بحكم طبيعته المؤقتة و شروط موضوعية, تتمثل خاصة في السبب الذي أبرم العقد من أجله, و مدى إنطباقه مع الوقائع المطروحة أمامه, ففي هذه الحالة الأخيرة القاضي يقوم برقابة حقيقية حول مدى ملائمة اللجوء إلى إبرام عقد العمل المحدد المدة.
لذلك سنتناول هذه الرقابة فيما يلي :
الفرع الأول : الرقابة القضائية على عقد العمل المحدد المدة من حيث الشكل
يتحقق القاضي من توافر شروط شكلية خاصة بعقد العمل محدد المدة, و المتمثلة في الكتابة و العلم و التوقيع، و تخلفها يرتب أثارا على طبيعة العقد.
أولا : الكتــابة
تنص المادة 11/02 من القانون (90-11) على “…و في حالة إنعدام عقد عمل مكتوب يفترض أن تكون علاقة العمل قائمة لمدة غير محدودة”.
يتبين من الفقرة المذكورة أن المشرع وضع قرينة بسيطة على إنعدام الكتابة يترتب على إنعدامها إفتراض أن عقد العمل مبرم لمدة غير محدد و قد جاء في قرار[5]للمحكمة العليا
“الوجه الأول المأخود من القصور في التسيب:
ذلك أن الحكم لم يسبب بصفة دقيقة و واضحة و مقنعة و لم يجب على الدفوع و الطلبات والمواد القانونية التي استندت عليها المدعية عندما أكدت أن الخدمة التي قام بها المدعي عليه هي خدمة عرضية و تدخل في إطار عقد المقاولة.
و لكن حيث أنه عكس ما تدعيه المدعية فإن الحكم المطعون فيه قد أجاب بما فيه الكفاية عن دفع المدعية لما اعتبرت أن المدعي عليه متعاقد مع الطاعنة ويعمل لصاحبها بموجب عقد شفهي مما يجعل العلاقة بين الطرفين هي علاقة عمل بمفهوم المادة 8 من قانون 90-11 وليس عقد مقاولة فإن الوجه في غير محله و هو مرفوض…”
و من ثمة فمن يدعي خلاف ذلك فعليه يقع الإثبات، ذلك أن القانون (90-11) أجاز قيام علاقة العمل بعقد شفوي أو عقد مكتوب, و ذلك بصريح نص المادة 08 منه و التي تنص على “يمكن إثبات عقد العمل أو علاقته بأية وسيلة للإثبات”
و إفتراض المشرع أن عقد العمل مبرم لمدة غير محددة عند إنعدام الكتابة يرجع إلى كونه أراد التخفيف عن العامل و ذلك بعدم إلقاء عبئ الإثبات عليه هذا من جهة, و من جهة اخرى فإن إنعدام الكتابة يجعل من الصعب مراقبة سبب إبرام العقد المحدد المدة
و كذلك مدة التجربة و مدة العقد.
و لقد ورد في الاجتهاد القضائي الجزائري أن مجرد المراسلة بين البنك و المديرية العامة لا تكون عقدا بين المستخدم و العامل[6].و قد جاء في قرار[7] المحكمة العليا
“الفرع الأول مخالفة المادة 12 من القانون 90-11
… ذلك أنه في أسوء الأحوال أن الوقائع تطبق عليها المادة 12 مقطع 2و3 من القانون 90-11 المؤرخ في 21/04/1990 فإن المشرع سمح لصاحب العمل أن يشغل عمال مؤقتين و عند الرجوع إلى موضوع النزاع المزعوم و مسايرة لزعم المدعي عليه فإنه يقع تحت طائلة هذه المادة.
و لكن حيث أن نص المادة 12 المذكورة لا يعفي المستخدم الذي يريد تشغيل عمال مؤقتيتن من إبرام عقد عمل بينه و بين العامل و يكون هذا العقد مكتوبا متضمنا بدقة مدة علاقة العمل و أسباب المدة المقرر و أن كل عقد أبرم خلافا لما ينص عليه القانون المذكور, و لمدة محدودة يعتبر عقد عمل لمدة غير محدودة, و أن الحكم الذي قضى حسب ذلك لا يخالف المادة المعتمد عليها مما يجعل الوجه غير مؤسس”.
ثانيا : العلم و التوقيع
العلم عنصر من عناصر الرضا في التعاقد و يستشف علم العامل بطبيعة العقد الذي يربطه بالمستخدم من خلال توقيعه عليه، غير أنه يطرح السؤال هل أن عدم توقيع العامل للعقد يعتبر بمثابة إنعدام للكتابة؟
لم ينص القانون الجزائري على إجراءات خاصة لتبليغ أو تسليم العقد، و لكن إعتبر الاجتهاد القضائي أن عدم التوقيع يعد بمثابة انعدام للكتابة.
و تجدر الاشارة إلى أن القانون الفرنسي إشترط أن يرسل العقد في ظرف يومين على الأكثر من تاريخ التشغيل, و ذلك عن طريق رسالة مضمنة الوصول أو بالتسليم مقابل إيصال.
و قد اعتبر الاجتهاد القضائي الجزائري أن علاقة العمل تعتبر غير محددة المدة مادام أن عقد العمل محدد المدة لم يبلغ للعامل و من ذلك جاء في قرار[8] صادر عن المحكمة العليا: “ولكن حيث أن المحكمة لما استبعدت العقد الذي تمسك به الطاعن، إعتبرت أن علاقة العمل غير محدودة المدة استنادا إلى محضر التنصيب المؤرخ في 14/09/1994 و هو المحضر الذي لم ينازع فيه الطاعن، و بالتالي فإن المحكمة أعطت أساسا قانونيا لحكمها لما قضت بإلغاء قرار التسريح المستند إلى عقد العمل المحددة المدة الذي لم يبلغ للمدعي…”
الفرع الثاني : الرقابة القضائية على عقد العمل محدد المدة من حيث الموضوع
يمكننا أن نقسم هذه الرقابة إلى رقابة تنصب على مدى إحترام طرفي العقد للقواعدالقانونية التي تحكم عقد العمل محدد المدة بشكل صريح, ورقابة ملائمة تنصب على مسائل لم يتم تنضيمها بشكل صريح من قبل المشرع وسنتناول ذلك فيمايلي:
أولا : رقابة تطبيق القواعد الصريحة في عقد العمل محدد المدة
نقصد بها تلك الرقابة التي تتعلق بمدي مطابقة العقد المبرم بين العامل و المستخدم للنصوص القانونية التي تحكم علاقة العمل المحددة المدة، و من ذلك نذكر ما يلي :
1- نوجب المادة 12 من القانون (90-11) ذكر سبب اللجوء إلى إبرام عقد محدد المدة، و تبين المادة 14 من نفس القانون أن ابرام عقد العمل محدد المدة خلافا لما تنص عليه المادة 12 يؤدي إلى إعتبار أن العقد غير محدد المدة، فسواء لم يتم ذكر سبب ابرام العقد المحدد المدة أو أبرم خارج الحالات المنصوص عليها بالمادة 12 فطبيعة العقد بعدما كانت مؤقتة تصبح دائمة.
و قد جاء في القرار[9]رقم 188773 بتاريخ 14/03/2000 في القضية بين (م.و.ن) ضد (ع.ع.أ) عن الوجه الأول :
“…كما أن قاضي الموضوع اعتمد على نص المادة 12 من القانون 90-11 لتبرير قضائه بقوله أن نوعية النشاط الذي تم تشغيل المدعي عليه فيه هو وظيفة مستمرة و غير مؤقتة خاصة و أن نفس المادة في فقرتها الأخيرة تسمح للمستخدم في حالة زيادة حجم العمل أن تبرم عقودا محددة المدة و هو الأمر المتوفر في قضية الحال.
لكن حيث يتبين عكس ما يدعيه الطاعن فالحكم المطعون فيه وقف عند نص المادة 12 من القانون 90-11 حيث عاين العمل المبرم بين الطرفين لم يتضمن مدة علاقة العمل و لا الأسباب و نوعية النشاط والذي تم تشغيل المطعون ضده من اجله ذو طبيعة مستمرة غير مؤقتة.
و حيث أنه من الثابت فقها و قضاءا أن العقود المبرمة لمدة محدودة مخالفة لنص المادة 12 من القانون 90-11 تتحول إلى عقود غير محدودة المدة وفقا لما نصت عليه المادة 14 من نفس القانون و من ثم النعي بخلاف ذلك في غير محله”
2- تطرح فترة التجربة تساؤلا في مجال التعاقد لمدة محددة وهو هل يمكن أن يحتوى عقد العمل محدد المدة على فترة التجربة؟
إنه بالرجوع إلى القانون (90-11) المتضمن علاقة العمل الفردية لا نجد حكما خاصا بفترة التجربة في عقد العمل المحدد المدة، غير أننا نجد نصا عاما و المتمثل في نص المادة 18 التي تقضي بأنه “…يمكن أن يخضع العامل توظيفه لمدة تجريبية لا تتعدي ستة أشهر…” أنه بالنظر إلى عمومية النص، فإنه لا شيء يمنع من المرور على فترة التجربة بالنسبة للعقود المحددة المدة[10]، هذا وسيما أن القانون يترك تحديد فترة التجربة لكل فئة من فئات العمال عن طريق التفاوض الجماعي، وهذا نظرا لاختلاف متطلبات وخصائص كل نشاط. الشيء الذي جعل تحديد هذه المدة من بين العناصر والمواضيع الأساسية التي تتضمنها الإتفاقيات الجماعية للعمل.
غير أنه و كما سبق ذكره, لا يوجد مانع من إجراء فترة التجربة في عقود العمل المحددة المدة لأن هذا الرأي ينسجم و تفسير القانون.
إلا أنه من الناحية الواقعية يصبح إجراء فترة التجربة قليل الأهمية بإعتبار أن عقد العمل المحدد المدة يكون في اغلب الأحيان قصير المدة، إذ قد تنطبق مدته مع مدة التجربة، و هذا ما قد ينجر عنه تعسف المستخدم في إنهاء عقد العمل قبل انقضاء مدته بداعي عدم كفاءة العامل و عدم نجاحه في فترة التجربة.
إضافة إلى ذلك فإن العامل في هذه الفترة لا يمكن أن يستفيد من بعض الوضعيات التي يستفيد منها العمال الآخرين مثل وضعية الانتداب، الاستيداع, إلا ما كان منها بحكم القانون كحالة الإلتحاق بالخدمة الوطنية[11].
3- لقد ألزم القانون (90-11) ذكر المدة التي أبرم العقد من أجلها و ذلك ما تقضي به المادة 12 منه, إذ كرس الإجتهاد القضائي أن عدم تحديد المدة بدقة يترتب عليه إعادة تكييف عقد العمل المحدد المدة إلى عقد غير محدد المدة، و مثال ذلك ذكر المدة بعبارة “نهاية الورشة”[12].
كما أن القانون (90-11) في مادته 12 يوجب تسبيب المدة، و تجدر الإشارة إلى أن القانون لم يحدد الحد الأدنى و لا الحد الأقصي لمدة العقد المؤقت.
و قد جاءفي الاجتهاد القضائي[13] للمحكمة العليا “عن الوجه الوحيد المأخوذ من انعدام الأساس القانونية بدعوى أن المدعي عليه في الطعن تم تشغيله كعون بموجب عقد محدد المدة إبتداءا من 24/06/1996 على غاية 23/11/1996 و بسبب إنشاء وحدة خاصة بالأمن, أخطر بضرورة الإلتحاق بها و لما رفض الالتحاق طرد من عمله.
و حيث أنه ردا على الوجه فإن الحكم المطعون فيه لم يأتي بشيء يخالف المادة 12, وأن المحكمة صرحت بخرق العقود المبرمة المقدمة للنقاش أحكام هذه المادة, بسبب أنها لا تتضمن المدة المتفق عليها كما فرضته الفقرة الأخيرة منها, مما يتبين أن الأسباب المقدمة من طرف الطاعنة في الوجه المثار, و أن تكون هي الدوافع التي جعلتها تبرم العقد المحدد المدة فإنها بعدم ذكرها في العقود جعلت تلك العقود مخالفة للمادة المذكورة و من ثمة تتحول إلى عقود غير محدودة المدة طبقا للمادة 14 من قانون 90-11، و هذا بالضبط ما جاء به الحكم الذي طبق المادة 12 تطبيقا سليما، و منه فالوجه غير مؤسس و يرفض”.
4- أما ما يتعلق بإستمرار العامل في مزاولة عمله بعد إنتهاء أجل العقد، فإستنادا إلى الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون (90-11), و التي تقضي بإفتراض قيام علاقة عمل غير محدد المدة في حالة انعدام العقد المكتوب.
و كذلك إستنادا إلى المادة 14 من نفس القانون المذكور و التي تقضي بإعتبار عقد العمل المحدد المدة عقدا غير محدد المدة و هذا في حالة مخالفته لأحكام قانون علاقات العمل و الأحكام الأخرى الواردة في القانون.
فإنه بناء على ذلك يتحول عقد العمل محدد المدة إلى عقد غير محدد المدة، هذا و أن الإجتهاد القضائي إستقر على أن استمرار العامل في منصبه بالرغم من إنتهاء أجل العقد يدل على إرادة الطرفين في إبرام عقد غير محدد المدة[14].
و هذه الحالة اكثر شيوعا من الناحية الميدانية، ذلك أن المستخدمين، و رغم إنتهاء أجل العقد إلا انهم يغضون الطرف إما عمدا أو عن غير عمد على تجديد العقد أو إنهائه، مما إنجر عنه أن المحاكم تعتبر الأمر متعلقا بتجديد ضمني، و لكن بموجب عقد غير مكتوب، و هذا ما يترتب عليه إعادة تكييف العقد إلى عقد غير محدد المدة و قد جاء في الإجتهاد القضائي في قرار[15] للمحكمة العليا “حيث أنه بمراجعة وثائق الدعوي و حيثيات الحكم المطعون فيه يتبين أن عقد العمل الذي كان يربط الطرفين انتهي في 01/02/1996، و بعد هذا التاريخ لم يتم تجديد العقد بينما المدعي استمر في العمل دون عقد إلى غاية تسريحه في 30/04/94 و عليه فإن علاقة العمل تغيرت إلى علاقة عمل غير محدودة المدة عملا بأحكام المادة 11 من قانون 90-11 المؤرخ في 21/04/1990، و هذا ما أشار إليه قاضي الحكم المطعون فيه، و عليه فإن النعي بقصور الأسباب في غير محله مما يجعل الوجه غير مؤسس…”.
ثانيا : رقابة الملائمة
يقصد برقابة الملائمة التي يتمتع بها القاضي تلك الرقابة التي لا تنصب على الأحكام
و القواعد التي تضمنها القانون أو الأتفاقيات الجماعية، و لكن تنصب على مدي ملائمة اللجوء إلى إبرام عقد محدد المدة، ذلك أنه قد يرد العقد مكتوبا و متضمنا لحالة من الحالات المذكورة بالمادة 12، إلا أن ذلك لا يعني بصفة مطلقة أن العقد لا يخلو من تعسف, من جانب المستخدم وسنتناول من ذلك بعض الحالات.
1- حالة لجوء المستخدم إلى التجديد المستمر للعقد المحدد المدة.
لم ينص القانون (90-11) على فكرة تجديد العقد أكثر من مرة، و هذا عكس ما تضمنه القانون 82-06 المتعلق بعلاقات العمل الفردية و الملغي بالقانون (90-11) و الذي كان يقضي بأنه لا يمكن أن تجدد علاقة العمل أكثر من مرة، و إذا جددت أكثر من مرة أصبحت غير محددة المدة.
غير أنه و ما دام أن القانون (90-11) سكت عن هذه المسألة. و أستنادا إلى المبادئ العامة للقانون، فإن طرفي العقد يمكنهما أن يبرما عقودا أخرى محددة المدة، و لقد كرس الإجتهاد القضائي الجزائري ذلك في أن التجديد ممكن دون تحديد عدد مراته، و لكن في حدود يجب أن تكون معقولة، و بذلك فهو خاضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع[16]
و اعتبر الاجتهاد القضائي أن تجديد العقد لا يعطي له طابع الاستمرارية لينقلب إلى عقد غير محدد المدة و قد جاء في قرار[17] صادر عن المحكمة العليا:
“و حيث أن عقد العمل المحدد المدة ولو جدد مرة أخرى في ظل التشريع الجديد فلا يعطي له طبيعة الإستمرارية ليصبح عقدا محـدد المدة كما كان الشأن في ذلك في ظل التشريع القديم قانون 82/06…”.
و يمكن الإشارة إلى أن القضاء في مصر ذهب إلى أن إنصراف نية المتعاقدين منذ بدء التعاقد إلى تجديد العقد المحدد المدة مرات متوالية, لم يحدد عددها يجعل هذا التعاقد منذ بدايته غير محدد المدة[18].
و يمكننا أن نتساءل متي يكون التجديد المستمر للعقد خاضعا للسلطة التقديرية للقاضي؟
إن العقد المحدد المدة الذي يرتبط به العامل مع المستخدم ينتهي بإنتهاء المدة, التي أبرم من أجلها طالما جاء موافقا للأحكام المنصوص عليها قانونا، و مع ذلك لا يمنع أن يرتبط العامل مع المستخدم بعقود متتالية و محددة المدة تتضمن نفس النشاط.
و لكن إذا كانت هذه العقود المتتالية يوجد بينها فارق زمني مبررة من حيث قيام السبب الموجب لها، فإن العقود المتتالية التي لا يفصل بينها فارق زمني معتبر غير مبررة, على أساس أن السبب الذي يؤدي إلى إبرامها يصبح متسما بالديمومة, مما يجعله خارج الحالات المنصوص عليها بالمادة 12.
و مثال ذلك أن يبرم عقد عمل محدد المدة بسبب تزايد العمل، و كلما إنتهت مدته تم تجديده مرة أخري و بنفس المدة.
ففي هذه المثال، و إن كان سبب العقد الأول مبرر فإن تواصل السبب و إبرام عقود أخرى محددة المدة و متوالية غير مبررة، بإعتبار أن ذلك سيخرج عقد العمل المحدد المدة من كونه نظام إستثنائي ليصبح القاعدة، ثم أن خضوع التجديد المستمر للسلطة التقديرية للقاضي، و ذلك برقابة القاضي لمدى ملائمة السبب الذي ينتج عنه التجديد المستمر للعقد يحد من إلتجاء المستخدمين إلى فكرة التجديد المستمر لعقود العمل المحددة المدة.
2- فيما يخص مسألة إنطباق مدة العقد مع السبب المذكور في العقد, لم يأتي القانون و لا التنظيم بأية أحكام تبين مدة العقد الموافقة لكل حالة من الحالات, التي تكون محلا للعقد المحدد المدة كما أنه لم يتم النص على أية معايير يمكن الإهتداء بها. و من ثمة تصبح خاضعة لتقدير القاضي
كما يجب الاشارة أن عدم تطبيق قواعد العمل محدد المدة قد ينتج عنه عقوبات جزائية و قد نصت المادة 146 مكرر من القانون 90-11 و التي أدرجت بموجب الأمر 96-21 على “يعاقب على كل مخالفة لأحكام هذا القانون المتعلقة باللجوء إلى عقد العمل ذي المدة المحددة خارج الحالات و الشروط المنصوص عليها صراحة في المادتين 12 و 12 مكرر من هذا القانون بغرامة مالية من 1000 دج – 2000 دج مطبقة حسب عدد المخالفات”.
أما ما يتعلق بأركان هذه الجريمة فإنه بقيام الركن المادي, و هو إبرام عقد عمل محدد المدة خارج الحالات المنصوص عليها بالمادة 12, يكفي لقيام الجريمة ذلك أن الجريمة هي مخالفة وأن إثباتها بمحاضر يعتبر دليل إثبات إلى أن يقوم الدليل العكسي و هذا ما نصت عليه المادة 400 من قانون الإجراءات الجزائية و الاختصاص يعود إلى قسم المخالفات و قد نصت المادة 139 من القانون 90-11, على حالة العود و قضت على انه تضاعف الغرامة في حالة العود فيما يخص المخالفات و يعتبر عودا, إذا أدين المخالف بسبب مخالفة مماثلة خلال الإثني عشر شهرا السابقة للواقعة اللاحقة.
نصت المادة 139 من القانون (90-11) على حالة العود, وقضت أنه تضاعف الغرامة في حالة العود فيما يخص المخالفات, ويعتبر عودا إذا أدين المخالف بسبب مخالفة مماثلة خلال الإثني عشرة شهرا السابقة للواقعة اللاحقة.
[1] أحمية سليمان، تنظيم و تسيير المحاكم الخاصة بمنازعات العمل في الوطن العربي, بحث مقارن في تشريعات العمل العربية، المعهد العربي للثقافة العمالية، و بحوث العمل بالجزائر (بدون سنة)، ص 145.
[2] أنظر المادة 156 من القانون 90-11، و كذلك المرسوم التنفيذي رقم 96-98 المؤرخ في 6 مارس سنة 1996 يحدد قائمة الدفاتر و السجلات الخاصة التي يلزم بها المستخدمون و محتواها جريدة رسمية رقم 17 سنة 1996.
[3] أنظر المواد 13، 27 من قانون الاجراءات الجزائية.
[4] ذيب عبد السلام، قانون العمل الجزائري و التحولات الاقتصادية، مرجع سابق، ص 323.
[5] قرار 194972 بتاريخ 11 أفريل 2000 -غير منشور.
[6] قرار رقم 158393 مؤرخ في 14/04/1988 مذكور في مؤلف ذيب عبد السلام، المرجع السابق، ص 103.
[7] قرار رقم 194972 بتاريخ 11 أفريل 2000 – غير منشور.
[8] قرار رقم 156816 بتاريخ 10/02/1998 مذكور في مؤلف ذيب عبد السلام، قانون العمل والتحولات الاقتصادية, المرجع السابق، ص 105.
[9] قرار صادر عن المحكمة العليا منشور بالمجلة القضائية العدد 02 لسنة 2001، ص 172.
[10] ذيب عبد السلام، قانون العمل الجزائري و التحولات الاقتصادية، مرجع سابق، ص 106.
[11] أنظر المادتين 43، 44 من القانون النموذجي لعمال الإدارات العمومية.
[12] بن صاري ياسين، المذكرة السابقة، ص 68.
[13] قرار رقم 193817، بتاريخ 11 أفريل 2000 – غير منشور.
[14] ذيب عبد السلام، قانون العمل الجزائري و التحولات الاقتصادية، مرجع سابق، ص 119.
[15] قرار رقم 174041 بتاريخ 09/03/99 -غير منشور.
[16] ذيب عبد السلام، قانون العمل الجزائري و التحولات الاقتصادي، مرجع سابق، ص 111.
[17] قرار رقم 191290 بتاريخ 11 أفريل 2000، غير منشور.
[18] عصمت الهواري، قضاء النقض في منازعات العمل و التأمينات الاجتماعية، دار الكتاب الحديث، الجزء الأول(بدون سنة)، ص19
من إعداد الطالب القاضي
الحمـزة جيـهاد
اترك تعليقاً