الأحكام البديلة
هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها ولن تكون الأخيرة حتى يتم اعتماد نظام “الأحكام البديلة” للسجن. و”الأحكام البديلة” تبدأ من الغرامة المالية كعقوبة بديلة للسجن.. وهناك عقوبات الخدمات الاجتماعية.. كأن يعاقب الجاني بالاشتراك في شق طريق أو تنظيف مسجد الحي لفترة محددة، أو نظافة الشارع الذي يسكن فيه، وهناك عقوبة الحرمان من بعض الحقوق.. كأن يمنع من قيادة السيارة لفترة، بعد أن تسحب منه رخصة القيادة، أو المنع من حضور مباريات كرة القدم – إذا كان من هواة مشاهدة مباريات كرة القدم. هناك بدائل كثيرة يمكن تحديدها وصياغتها في قانون يحكم به القاضي بدلاً من الأحكام التعزيرية التي تؤدي إلى السجن ولا تحل المشكلة، إنما تصنع مشكلات، مشكلات للدولة، ومشكلات للمجتمع، ومشكلات للفرد نفسه، فالمخطئ الذي يحكم عليه بالسجن ولو لفترة بسيطة سوف يخرج من السجن شخصاً آخر، شخصاً ناقماً على المجتمع مما يصيبه في السجن من تعاملات مع الإدارة أو المسجونين أنفسهم. وهناك الكثير من الدراسات التي تشجع على الأخذ ببدائل عقوبات السجن، وتحث القضاة على استبدال عقوبة السجن على مرتكبي المخالفات البسيطة لأول مرة، والتي لا تشكل خطراً على المجتمع، بل تحمي الشباب من تداعيات دخولهم السجن.. لمخالفة بسيطة. إن هذا المخطئ لا يحتاج إلى أكثر من التحذير أو لفت النظر حتى لا يعود لفعله مرة أخرى.
وهذه طريقة إنسانية، فالأصل في الإنسان أنه بريء وليس مجرماً، وعندما يخطئ خطأ لا يشكل خطراً على المجتمع، فهو فعلاً لا يحتاج إلى أكثر من لفت نظر، لأننا بالأحكام البديلة، نحمي المجتمع من صناعة مجرم جديد.. يضاف إلى المجرمين الذين تزدحم بهم السجون المكتظة بالمساجين، وكذلك نخفف من وطأة الهموم والأعباء الملقاة على كاهل الدولة والجهات المعنية بالسجون في المملكة، ونفيد المجتمع من جهة أخرى، إضافة إلى تقويم المخطئ الشاب من جهة ثالثة.. والقضاء في أصله قائم على حماية المجتمع.. وعندما يتم الحكم على مخطئ بالسجن في واقعة لا تضر المجتمع، فنحن ندفع بالمخطئ إلى أحضان الجريمة.. فهو في السجن يختلط بالمجرمين، ويتعامل معهم.. فكأننا نقوم بتلقينه أصول الجريمة. وأضم صوتي إلى ما قاله اللواء الدكتور “علي بن حسين الحارثي”.. المدير العام للسجون لصحيفة “سبق”: “إن السجون السعودية تسعى حالياً لتطبيق الأحكام البديلة، ونطالب بإلزام القضاة بها لمنع تكدس المساجين.. وقال سعادته إن الإدارة العامة للسجون تنتظر إصدار دليل استرشادي لتطبيق عقوبات بديلة عن السجن، بهدف الحد من تأثيرات السجن السلبية في صحة ونفسيات نزلاء الإصلاحيات وعلاقاتهم بالمجتمع”.. نعم آن الأوان لاعتماد الأخذ بالأحكام البديلة عن عقوبة السجن.. وإلا فإننا كمن يشترك في صناعة مجرم جديد.. وكان الله في عون المديرية العامة للسجون في مواجهة التكدس الحاصل اليوم في السجون.
اترك تعليقاً