يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
القاضي الشيخ محمد أحمد عساف
المحاكم الشرعية السنية في لبنان
الرضاع سبب من أسباب تحريم الزواج ، فكما أن النسب سبب من أسباب تحريم الزواج من الأخت، فكذلك يحرم الزواج من الأخت بالرضاعة، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:
“الرضاع يؤثر في تحريم النكاح ، وثبوت المحرمية المفيدة لجواز النظر والخلوة دون سائر أحكام النسب، كالميراث، والنفقة، والعتق بالملك، وسقوط القصاص، ورد الشهادة وغيرها ، وهذا كله متفق عليه”.
قال السرخسي في المبسوط [ 5/132 ] معللا ذلك : ” وإنه – أي الرضاع – بمنزلة النسب في ثبوت الحرمة ، لأن ثبوت الحرمة بالنسب لحقيقة البعضية أو شبهة البعضية ، وفي الرضاع شبهة البعضية بما يحصل باللبن الذي هو جزء الآدمية في إنبات اللحم وإنشاز العظم، وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم ” وفيه دليل على أن الحرمة بالرضاع كما تثبت من جانب الأمهات تثبت من جانب الآباء وهو الزوج الذي نزل لبنها بوطئه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهه بالنسب في التحريم، والحرمة بالنسب تثبت من الجانبين فكذلك بالرضاع” .
وحرمة الزواج بسبب الرضاعة هي حرمة مؤبدة، أي مثلها مثل حرمة الزواج بسبب القرابة والمصاهرة، قال الكاساني في البدائع: “إن المحرمات نكاحا على التأبيد أنواع ثلاثة: محرمات بالقرابة، ومحرمات بالصهرية، ومحرمات بالرضاع”.
ولما لهذا الموضوع من أهمية، وحيث أن له تشعبات كثيرة يصعب على الكثير إدراكها، لذلك سوف أقسم محاضرتي هذه إلى عدة أقسام أبين فيها تعريف الرضاع لغة واصطلاحا، ودليل التحريم من الرضاع، وأركان الرضاع، عدد الرضعات التي يترتب عليها التحريم، وما هو المعتبر في تعدد الرضعات، والمدة التي يثبت فيها الرضاع شرعا، والمحرمات من الرضاع، وهل يثبت الرضاع بالشك.
أولا : تعريف الرضاع لغة واصطلاحا :
الرضاع لغة: بالفتح أو بالكسر، وهو من الرضع، قال ابن فارس: ” الراء والضاد والعين أصل واحد، وهو شرب اللبن من الضرع أو الثدي”.
وفي الاصطلاح: قال الجرجاني في التعريفات: “الرضاع : مص الرضيع من ثدي الآدمية في مدة الرضاع”، وقال الكمال ابن الهمام في الفتح: “مص الرضيع اللبن من ثدي الآدمية في وقت مخصوص” . وقال النسفي في طِلبة الطَلبة: ” الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم، أي ما حصل به النماء والزيادة بالتربية” .
ثانيا : دليل التحريم من الرضاع :
ثبت التحريم من الرضاع بالكتاب والسنة والإجماع .
قال الله تعالى: { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم الاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم الاتي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلا بكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما }. النساء 23 . وفي الآية الكريمة دليل على تحريم الأمهات والأخوات من الرضاعة، قال ابن الجوزي في زاد المسير [ 2/46 ] : ” إنما سميت أمهات لموضع الحرمة” .
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” يَحرُم من الرضاع ما يَحرُم من النسب ” رواه النسائي وابن ماجه ، ورواه احمد في مسنده بزيادة في آخره ” من خال أو عم أو أبن أخ ” . وفي رواية : ” يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة ” .
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب ” رواه الترمذي وقال : ” وفي الباب عن عائشة وابن عباس وأم حبيبة ، وقال في هذا الحديث : ” حديث علي حسن صحيح ، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لا نعلم بينهم في ذلك اختلافا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : ألا تتزوج ابنة حمزة ؟ قال : إنها ابنة أخي من الرضاعة ” رواه البخاري . وفي رواية أخرى أيضا في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” قال النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة لا تحل لي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب هي بنت أخي من الرضاعة ” ، وعند النسائي وابن ماجه والإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُريد على بنت حمزة بنت عبد المطلب ، فقال : ” إنها ابنة أخي من الرضاعة ، وإنه يَحرُمُ من الرَضاعة ما يَحرُمُ من النسب ” .
و عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ” أن أفلح أخا القُعَيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب ،فأبيت أن آذن له ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت ، فأمرني أن آذن له ” رواه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ .
وعلى ذلك وقع الاجماع : قال ابن قدامة المقدسي في المغني : ” واجمع علماء الأمة على التحريم بالرضاع ” .
ثالثا : أركان الرضاع :
وهي ثلاثة :
الركن الأول : المرضِع : ولها ثلاثة شروط :
– الشرط الأول: المرأة : قال الامام النووي رحمه الله تعالى: ” كونه امرأة، فلبن البهيمة لا يتعلق به التحريم، فلو شربه صغيران لم يثبت بينهما أخوة”.
– الشرط الثاني: كونها حية : فلو ارتضع من ميتة، أو حلب لبنها وهي ميتة لم يتعلق به تحريم، هذا عند الشافعي، وعند الحنفية والمالكية والحنابلة تثبت الحرمة، قال السرخسي في المبسوط [ 5/139 ] : “وكذلك لو حلب اللبن من ثديها بعد موتها فأوجر الصبي تثبت به الحرمة ” وقال أيضا: ” وإذا حلب اللبن من ثدي امرأة ثم ماتت ، فشربه صبي تثبت به الحرمة لحصول المعنى الموجب للحرمة بهذا اللبن، ولا معتبر بفعلها في الإرضاع “، وقال ابن قدامة المقدسي في العمدة ص 377 : ” أن يكون لبن المرأة بكرا كانت أو ثيبا في حياتها أو بعد مماتها “.
– الشرط الثالث : كونها محتملة للولادة : ” فلو ظهر لصغيرة دون تسع سنين لبن لم يحرم، وإن كانت بنت تسع وإن لم يحكم ببلوغها ، لأن احتمال البلوغ قائم ، والرضاع كالنسب فكفى فيه الاحتمال”. كذا في الروضة، وفي المبسوط: ” وإذا نزل للمرأة لبن وهي بكر لم تتزوج فأرضعت شخصا صغيرا فهو رضاع لأن المعنى الذي يثبت به حرمة الرضاع حصول شبهة الجزئية بينهما ، والذي نزل لها من اللبن جزء منها ، سواء كانت ذات زوج أو لم تكن ولبنها يغذي الرضيع فتثبت به شبهة الجزئية ” .وبه قال مالك أيضا ، جاء في المدونة الكبرى: ” وقال مالك المرأة التي قد كبرت وأسنت أنها إن درت فأرضعت فهي أم فكذلك البكر ” .
الركن الثاني : اللبن : قال النووي رحمه الله تعالى : ” ولا يشترط لثبوت التحريم بقاء اللبن على هيئته حالة انفصاله عن الثدي ، فلو تغير بحموضة ، أو انعقاد ، أو إغلاء ، أو صار جبنا ، أو زبدا، أو مخيضا، وأطعم الصبي حرم لوصول اللبن إلى الجوف ، وحصول التغذية . ولو خلط اللبن بماء فإن كان الماء هو الغالب لا تثبت به الحرمة ، وإن كان اللبن هو الغالب تثبت به الحرمة ، وفي الذخيرة : ” إذا استهلك اللبن أو صار مغلوبا بطعام أو دواء لم يُحرِم ” .
الركن الثالث : المحل : وهو معدة الصبي الحي ، أو ما في معنى المعدة ، سواء دخل اللبن إلى المعدة عن طريق الفم أو الأنف أو أنبوب ، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : ” والوَجور كالرضاع ، وكذلك السَعوط لأن الرأس جوف ” ، وقال ابن قدامة في العمدة : ” والمحرم من الرضاع ما دخل الحلق من اللبن سواء دخل بارتضاع من الثدي ، أو وجور ، او سعوط ” ، وقال في الكافي : ” ويثبت التحريم بالوجور : وهو أن يصب اللبن في حلقه ، لأنه ينشز العظم وينبت اللحم ، فأشبه الرضاع ، وبالسعوط : وهو أن يصب في أنفه ، لأنه سبيل لفطر الصائم فكان سبيلا لتحريم الرضاع كالفم ” .
رابعا : وقت الرضاع التي يثبت بها التحريم :
الوقت الذي تحرم فيه الرضاع ما كان في حال الصغر عند جمهور الفقهاء ، وخالفهم في ذلك عدد قليل من الفقهاء ، قال الكاساني : ” فالرضاع المحرم ما يكون في حال الصغر ، فأما ما يكون في حال الكبر فلا يحرم عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم “.
ومع ذلك فقد اختلف الفقهاء فيما بينهم في مدة الرضاع إلى عدة أقوال :
القول الأول : ثلاثون شهرا ، وهو قول الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، قال الكاساني في البدائع :” قال أبو حنيفة رضي الله عنه ثلاثون شهرا ، ولا يحرم بعد ذلك سواء فطم أو لم يفطم”، دليله على ذلك قوله تعالى { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وفي المبسوط : ” وظاهر هذه الإضافة يقتضي أن يكون الجمع المذكور مدة لكل واحد منهما ، إلا أن الدليل قام على أن مدة الحبل لا تكون أكثر من سنتين ، فبقي الفصال على ظاهره ” .
القول الثاني : حولان ، ولا يحرم بعد ذلك فطم أو لم يفطم ،وهو قول أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد ، لقوله تعالى: { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } قال الكاساني : ” جعل الله تعالى الحولين الكاملين تمام مدة الرضاع ، وليس وراء التمام شيء ” ، وفي المبسوط : ” ولا زيادة بعد التمام والكمال “، ولقوله تعالى : { وفصاله في عامين } ، فمدة الحمل أدناها ستة أشهر ، فبقي للفصال وهي مدة الإرضاع سنتان ، قال السرخسي : ” ولا رضاع بعد الفصال ولأن الظاهر أن الصبي في مدة الحولين يكتفي باللبن ، وبعد الحولين لا يكتفي به ، فكان بعد الحولين بمنزلة الكبير في حكم الرضاع ” ، ويدل على ذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يُحرِم من الرَضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي ، وكان قبل الفطام ” رواه الترمذي وقال : ” هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، أن الرضاعة لا تُحرِم إلا ما كان دون الحولين ، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يُحرِم شيئا ” .
القول الثالث : ثلاثة أحوال ، وهو قول زفر من الحنفية ، لأن الحول حسن للتحول من حال إلى حال ، ولا بد من الزيادة على الحولين .كذا في الفتح [ 3/ 442 ] .
القول الرابع : رواية عن مالك سنتان وشهر، وفي أخرى شهران ،كذا في المدونة الكبرى [ 2/289 ] ، قال ابن القاسم : ” إنما قال ذلك في الصبي إذا وصل رضاعه بالشهر والشهرين ولم يفصل “، وفي أخرى ما دام محتاجا إلى اللبن غير مستغن عنه .
القول الخامس : لا حد له ، فيثبت التحريم ولو في حال الكبر مستدلين بحديث عائشة رضي الله عنها انها قالت : جاءت سهلة بنت سهيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة الكراهية من دخول سالم علي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارضعيه قالت : كيف ارضعه وهو رجل كبير ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ” قد علمت انه رجل كبير ” ففعلت ، فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ما رأيت في وجه أبي حذيفة شيئا أكرهه بعد وكان شهد بدرا ” رواه ابن ماجه ورُد على الاستدلال في هذا الحديث أن هذا كان خصوصية لسالم وحده لما رواه ابن ماجه : ” ان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كلهن خالفن عائشة ، وأبين أن يدخل عليهن أحد بمثل رَضاعة سالم ، مولى أبي حذيفة ، وقلن : وما يدرينا ؟ لعل ذلك كانت رخصة لسالم وحده ” ورواه مسلم بلفظ آخر ، وقال النووي رحمه الله تعالى : ” وحملوا حديث سهلة على أنه مختص بها وبسالم ، وقد روى مسلم عن أم سلمة وسائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهن خالفن عائشة في هذا والله أعلم ” .
خامسا : عدد الرضعات التي يترتب عليها التحريم :
اختلف الفقهاء في عدد الرضعات التي يترتب عليها التحريم إلى عدة أقوال :
القول الأول : لا يشترط عدد الرضعات ، بل مطلق الرضاع يحرم كذا في الذخيرة [ 4/274 ] وبه قال الحنفية ومالك ورواية عن أحمد، روي عن علي وعبد الله بن مسعود و عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا : ” قليل الرضاع وكثيره سواء ” وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ” الرضعة الواحدة تحرم ” ، قال ابن الجوزي : ” فنقل حنبل عن أحمد : أنه يتعلق التحريم بالرضعة الواحدة ، وهو قول عمر وعلي وابن عباس وابن عمر و الحسن وطاووس والشعبي و النخعي والزهري والأوزاعي والثوري ومالك وأبي حنيفة وأصحابه ، ودليلهم قوله تعالى { وأمهاتكم الاتي أرضعنكم } قال السرخسي : ” أثبت الحرمة بفعل الإرضاع، فاشتراط العدد فيه يكون زيادة على النص ، ومثله لا يثبت بخبر الواحد ” . وقال الترمذي : ” وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : يُحرِم قليل الرضاع وكثيره إذا وصل إلى الجوف ، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ووكيع وأهل الكوفة ” .
القول الثاني :لا يتعلق التحريم إلا بخمس رضعات متفرقات ، وهو قول الشافعي وأحمد وقال المقدسي في العدة : ” هذا الصحيح من المذهب وروي عن جماعة من الصحابة ” و قال في الكافي : ” وهي ظاهر المذهب ” .وقال ابن قدامة في المغني : ” وروي ذلك عن عائشة وابن مسعود وابن الزبير وعطاء وطاووس وهو قول الشافعي ” ،قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : ” ولا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات متفرقات ، وذلك أن يرضع المولود ثم يقطع الرضاع ثم يرضع ثم يقطع الرضاع ، فإذا رضع في واحدة منهن ما يعلم انه قد وصل إلى جوفه ما قل منه وكثر فهي رضعة ، وإذا انقطع الرضاع ثم عاد لمثلها أو أكثر فهي رضعة ” الأم [ 5/23 ] . ودليلهم على ذلك ما جاء أن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ” أُنزل في القرآن عشر رضعات معلومات ، فنسخ من ذلك خمس رضعات معلومات ، فتوفي رسول الله عليه وسلم والأمر على ذلك ” رواه مسلم و الترمذي وأبو داود ، “وقال الترمذي : ” هو قول الشافعي واسحق ، وقال أحمد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يحرم المصة ولا المصتان ” وقال : إن ذهب ذاهب إلى قول عائشة في خمس رضعات فهو مذهب قوي ، وجَبُنَ عنه أن يقول فيه شيئا ” سنن الترمذي [ 3/456 ] . وكذلك استدلوا بحديث أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرضاع فقال : ” لا تُحرِم الاملاجة ولا الاملاجتان ، وقال قتادة المصة والمصتان ” رواه النسائي وابن ماجه ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تُحرِم المصة و المصتان ” رواه مسلم و أبو داود .
القول الثالث : ثلاث رضعات : وهو رواية عن أحمد وبه قال أبو ثور وأبو عبيد وداود وابن المنذر ” ، كذا في المغني [ 9/193 ] .
سادسا : ما هو المعتبر في عدد الرضعات :
لا يقصد في عدد الرضعات تعدد المجالس ، بل لو رضع في مجلس واحد خمس رضعات متفرقات عند من قال أن خمس رضعات يحرمن ، أو ثلاث رضعات يحرمن ، وقع بذلك التحريم، قال النووي في الروضة : ” ولو ارتضع ثم قطع إعراضا واشتغل بشيء آخر ، ثم عاد وارتضع ، فهما رضعتان ، ولو قطعت المرضعة ثم عادت إلى الإرضاع ، فهما رضعتان على الأصح ، كما لو قطع الصبي ، ولا يحصل التعدد بأن يلفظ الثدي ، ثم يعود إلى التقامه في الحال، ولا أن يتحول من ثدي إلى ثدي ، أو تحوله لنفاذ ما في الأول ، ولا بأن يلهو عن الامتصاص والثدي في فمه ، ولا بأن يقطع التنفس ، ولا بأن يتخلل النومة الخفيفة ، ولا بأن تقوم وتشتغل بشغل خفيف ، ثم تعود إلى الارضاع ، فكل ذلك رضعة واحدة ” .
وخالف في صفة ذلك الحنابلة ، قال ابن قدامة المقدسي في الكافي : ” متى شرع في الرضاع، وخرج الثدي من فيه ، فهي رضعة ، سواء قطع اختيارا أو لعارض من تنفس ، أو أمر يلهيه ، أو انتقال من ثدي إلى آخر ، أو قطعت المرضعة عليه ، فإذا عاد فهي رضعة ثانية ” .
سابعا : بيان من يحرم من الرضاع :
1- يحرم من الرضاع أصوله من الرضاعة : فيحرم عليه أمه التي أرضعته وجداته وإن علين سواء كن من جهة الأب أو من جهة الأم ، هذا بالنسبة للصبي ، وفي البنت يحرم عليها أبيها من الرضاعة وأجدادها من الرضاعة وإن علين سواء كن من جهة الأب أو من جهة الأم .
2- فروعه من الرضاع : فيحرم عليه ابنته من الرضاع ، وابنة ابنته من الرضاع ، وابنة ابنه من الرضاع ، وكذلك يحرم على الأم المرضعه ابنها من الرضاع ، وابن ابنها من الرضاع ، وابن ابنتها من الرضاع .
3- فروع أبويه من الرضاعة وإن نزلن : أي بنات الأم من الرضاعة ، وهن أخواته من الرضاعة ، وبنات أخواته من الرضاعة ، وبنات أخواته من الرضاعة،هذا في الصبي ، وإذا كانت الرضيعة بنتا فيحرم عليها أبناء أخواتها من الرضاعة ، وأبناء أخوتها من الرضاعة ، قال الكاساني : ” سواء كن من صاحب اللبن أو من غير صاحب اللبن من تقدم منهن ومن تأخر لأنهن أخواته من الرضاعة ، وقد قال الله عز وجل : { وأخواتكم من الرضاعة } أثبت تعالى الأخوة بين بنات المرضعة وبين المرضع والحرمة بينهما مطلقا من غير فصل بين أخت وأخت ، وكذا بنات بناتها ، وبنات أبنائها ، وإن سفلن لأنهن بنات أخ المرضع وأخته من الرضاعة وهن يحرمن عليه من النسب كذا من الرضاعة ” .
4- فروع أجداده من الرضاعة إذا انفصلن بدرجة واحدة : لأنهن خالاته من الرضاعة، أو عماته،هذا في الصبي ، وفي البنت يحرم عليها عمها من الرضاعة، وخالها من الرضاعة .
5- فروع زوجته من الرضاع إذا كان قد دخل بها : فتحرم عليه بنات زوجته رضاعا وبنت بنتها من الرضاعة وبنت ابنها من الرضاعة.
6- زوجة أصله من الرضاعة : فلا يحل له أن يتزوج زوجة أبيه من الرضاعة ، وكذلك البنت لا يحل لها أن تتزوج زوج أمها من الرضاعة.
7- زوجة فرعه من الرضاعة : فلا يحل له أن يتزوج زوجة ابنه من الرضاعة ، ولا زوجة ابن ابنه، ولا زوجة ابن ابنته ، وكذلك البنت لا يحل لها أن تتزوج زوج بنتها من الرضاعة ، ولا زوج بنت بنتها ، ولا زوج بنت ابنها .
8- الأصول الرضاعية لزوجته : فتحرم عليه أم زوجته رضاعة ، وجدتها رضاعة ، سواء كانت أم أمها رضاعة أم أم أبيها ، وسواء أدخل بزوجته أم لم يدخل ، لأن الرضاع في المصاهرة كالنسب فيها . ( أنظر الأحوال الشخصية للشيخ محمد أبو زهرة ص 75 ) .
قال القرطبي رحمه الله تعالى [5/109 ] : ” فإذا أرضعت المرأة طفلا ، حرمت عليه لأنها أمه ، وبنتها لأنها أخته ، وأختها لأنها خالته ، وأمها لأنها جدته ، وبنت زوجها صاحب اللبن لأنها أخته ، وأخته لأنها عمته ، وأمه لأنها جدته ، وبنات بنيها وبناتها لأنهن بنات اخوته وأخواته ” .
وقد نصت المادة /377/ من الأحوال الشخصية لقدري باشا : ” يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب والمصاهرة ، فلا يحل للرجل أن يتزوج أصوله وفروعه من الرضاع ، وأخته الشقيقة رضاعا ، وأخته من أبيه وأخته من أمه ، وبنت أخته ، وعمته ، وخالته ، وحليلة ابنه رضاعا ، وحليلة أبيه كذلك ، ولو لم يدخل بها .
ويحل له أن يتزوج من الرضاع : أم أخيه ، وأخت ابنه ، وأخت ابنته ، وجدة ابنه ، وجدة ابنته ، وأم عمه ، وأم عمته , أم خاله ، وأم خالته ، وعمة ابنه ، وعمة ابنته ، وبنت عمة ابنه ، وبنت عمة بنته ، وبنت أخت ابنه ، وبنت أخت بنته ، وأم ولد بنته ، وأخت أخيه وأخت أخته ، ويحل للمرأة من الرضاع : أبو أخيها ، وجد ابنها ، وأبو عمها ، وأبو خالها ، وخال ولدها ، وابن خالة ولدها وابن أخت ولدها .
ثامنا: هل يثبت الرضاع بالشك :
الشك في الإرضاع لا يثبت به الحرمة، قال الكمال ابن الهمام في الفتح: [ 3/438-439 ] أما لو شك فيه، بأن أدخلت الحلمة في فم الصغير وشكت في الارتضاع، لا تثبت الحرمة بالشك، وهو كما لو علم أن صبية أرضعتها امرأة من قرية ولا يدري من هي فتزوجها رجل من أهل تلك القرية صح لأنه لم يتحقق المانع من خصوصية المرأة “. وكذلك لو وقع الشك في عدد الرضعات، قال النووي في الروضة : ” لو شك هل أرضعته خمس رضعات ، أم أقل ، أو هل وصل اللبن جوفه أم لا ، فلا تحريم ، ولا يخفى الورع ، ولو شك هل أرضعته الخمس في الحولين، أم بعضهما، أو كلها بعد الحولين، فلا تحريم على الأظهر أو الأصح” .
اترك تعليقاً