الاعمال التجارية والعولمة وحقوق الإنسان
لقد أدت العولمة إلى تغيير العالم الذي نعيش فيه بشكل كبير، حيث طرحت تحديات جديدة ومعقدة لحماية حقوق الإنسان. واكتسب اللاعبون الاقتصاديون، ولا سيما الشركات التي تعمل عبر الحدود الوطنية (الشركات متعددة الجنسيات) سلطة ونفوذاً غير مسبوقين في اقتصاد العالم.
بيد أن ذلك لم يكن دائماً مفيداً للمجتمعات التي تعمل فيها. وقد أظهرت البحوث التأثير السلبي الذي يمكن أن تحدثه الشركات على الحقوق الإنسانية للأفراد والمجتمعات التي تتأثر بعملياتها.
ويمكن للشركات أن تسبب الأذى، إما بانتهاك حقوق الإنسان بشكل مباشر، أو بالتواطؤ مع جهات أخرى تنتهك حقوق الإنسان. وعلى الرغم من احتمال التسبب بأذى كبير، فإن ثمة عدداً قليلاً من الآليات الفعالة على المستويين الوطني والدولي لمنع انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي الشركات، أو لمحاسبة هذه الشركات.
وقد تركت تلك الشركات أولئك المتأثرين بعملياتها- وهم أصلاً من المهمشين والمستضعفين – بلا حول أو قوة، ومن دون توفير الحماية التي يستحقونها، أو تمكينهم من الحصول على العدالة الحقيقية.
المعايير العالمية المتعلقة بالاعمال التجارية وحقوق الانسان
يقع الالتزام الرئيسي بضمان شمولية التمتع بحقوق الإنسان على عاتق الحكومات. وهذا يشمل الالتزام بحماية جميع الأفراد من الأفعال الضارة التي يرتكبها الآخرون، ومن بينهم الشركات.
ومع ذلك، غالبا ما تفشل الحكومات في التحكم في تأثير الشركات على حقوق الإنسان، او ضمان الوصول الى العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الانسان التي تنطوي على الاعمال التجارية.
حتى الآن تعتبر مشاركة الشركات التي لديها مسؤوليات في مجال حقوق الإنسان تكون عن طريق القوانين والمبادرات الطوعيه. وفي حين أن بعض المبادرات الطوعية لها دورا تؤديه، فإن التطوع بحد ذاته لا يمكن أن يكون بديلاً للمعايير العالمية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.
وينبغي أن تتناول المعايير العالمية مسؤوليات الدول والشركات على حد سواء تجاه حقوق الإنسان. وينبغي أن يتمثل الحد الأدنى من الشروط في أن جميع الشركات يجب أن تحترم جميع حقوق الإنسان، بغض النظر عن القطاع أو البلد أو السياق الذي تعمل فيه.
ما الذي تقوم به منظمة العفو الدولية؟
لقد تطور عمل منظمة العفو الدولية بشأن اللاعبين الاقتصاديين، بمن فيهم الشركات المتعدية الجنسيات والمنظمات المالية الدولية، بالاعتراف بالسلطة والنفوذ اللذين تمارسهما على الدول والمؤسسات الدولية، والتأثير الذي تُحدثه على أوضاع حقوق الإنسان.
وتهدف منظمة العفو الدولية، من خلال البحث والتحليل، إلى إبراز انتهاكات حقوق الإنسان التي تتورط فيها الشركات، وكيف تفشل الحكومات في منع هذه التجاوزات أو مساءلة الشركات عنها عندما تقع.
وتناضل المنظمة من أجل المعايير العالمية المتعلقة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان وتقوية الأطر القانونية على المستويين الوطني والدولي لمساءلة الشركات على التأثير الذي تحدثه في أوضاع حقوق الإنسان.
وتطلب منظمة العفو الدولية من الشركات تعزيز احترام حقوق الإنسان، عن طريق:
استخدام نفوذها لدعم حقوق الإنسان،
تضمين بيانات المبادئ وقواعد السلوك التي تتبناها التزاماً محدداً بحقوق الإنسان،
وضع سياسات صريحة بشأن حقوق الإنسان، وضمان إدماجها ومراقبتها ومراجعتها في مختلف عملياتها، وعبر الحدود الوطنية،
وضع الأنظمة الإدارية الداخلية الضرورية لضمان العمل بموجب سياسات حقوق الإنسان.
كما تدعو منظمة العفو الدولية الشركات إلى جعل احترام حقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من عملياتها التجارية، بما فيها معاملاتها مع الشركات الأخرى والشركاء والفروع التابعة والموزعين والموظفين الحكوميين.
ويأتي في صلب بواعث قلق منظمة العفو الدولية الفرد الذي ربما تتعرض حقوق الإنسانية للتهديد من جراء أفعال اللاعبين الاقتصاديين أو تقاعسهم عن الفعل.
أعطِ سبباً واحداً لضرورة عمل منظمة العفو الدولية في هذا المجال؟
قضى أكثر من 7,000 شخص نحبهم نتيجةً لتسرب الغازات السامة من مصنع للمواد الكيميائية في بوبال بالهند في العام 1984، وتوفي نحو 15,000 شخص آخر في السنوات التالية.
ولا يزال نحو 100,000 شخص يعانون من أمراض مزمنة ومنهكة سبَّبها تسرب الغاز. وقد تُراكت أكوام النفايات السامة في الموقع المهجور، من دون أن تقوم الشركة أو الحكومة الهندية، حتى هذا اليوم، بتنظيف الموقع لمنع حدوث المزيد من التلوث.
وعلى الرغم من التأثير المدمر الذي خلَّفته الحادثة على حياة الناس، فإن أحداً لم يخضع للمساءلة عن تسرب الغاز وما أسفر عنه من تلوث.
إن عدم وجود أنظمة فعالة للتنظيم والمساءلة أدى إلى إطالة أمد القضايا المرفوعة أمام المحاكم، واستمرت الشركات وقادتها في التهرب من المساءلة عن آلاف حالات الوفاة وتردي الحالة الصحية على نطاق واسع، واستمرار الأضرار التي لحقت بوسائل العيش.
وبعد مرور أكثر من عقدين، لا يزال الناجون من حادثة بوبال بانتظار الحصول على العدالة الحقيقية، من دون توفر خيارات قانونية وطنية أو عابرة للحدود الوطنية.
وما لم يتم ضمان تنظيم تأثير الشركات على أوضاع حقوق الإنسان بشكل فعال على المستوى الوطني وخارج الحدود، وما لم يتم وضع نظام يكفل المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، ويتيح للضحايا إمكانية الحصول على العدالة بصورة فعالة، فإن فشل العدالة الخطير الذي شهدناه في حالة بوبال وغيرها سيستمر في أماكن أخرى.
اترك تعليقاً