بحث قانوني هام حول الإعسار و الإفلاس
تمهيد في تعريف الإعسار والفرق بينه وبين الإفلاس
المطلب الأول : تعريف الإعسار في اللغة والفقه الإسلامي والنظام :
الإعسار لغة : مصدر من الفعل أعسر أي أضاق وافتقر ، والعسر ضد اليسر وهو الضيق والشدة والصعوبة ، والعسرة هي قلة ذات اليد وكذلك الإعسار
الإعسار عند الفقهاء :
المعسر عند الحنفية : من عُدِمَ المال أصلاً
وعند المالكية : هو الذي ليس عنده ما يباع
وأورد الشافعية له تعريفات منها :
من لا يملك شيئاً من المال
الذي لا يملك زيادة على كفاية يوم وليلة
من ليس عنده فاضل عما يترك للمفلس
وعند الحنابلة : من لا شيء له ولا يقدر على شيء ولهم تعريف آخر وهو أنه : من لا يقدر على النفقة لا بماله ولا بكسبه
وبتمعن هذه التعريفات نرى أن معظمها غير دقيق ، فتعريف الحنفية والمالكية ، وتعريفا الشافعية والحنابلة الأولان غير جامعة ، لأن الإنسان قد يملك ما يعدّ مالاً أو ما يمكن بيعه ويبقى مع ذلك معسراً كمن لا يملك سوى ثياب بدنه أو متاع بيته الضروري فإنها أموال وأشياء يمكن بيعها ومع ذلك لا تخرجه عن حد الإعسار ، وتعريفا الشافعية والحنابلة الثانيان يصدقان على المعسر بالنفقة ، وأقرب التعريفات في نظري هو تعريف الشافعية الثالث لكن يلاحظ عليه أن معرفة معنى المعسر فيه متوقف على معرفة معنى المفلس وما الذي يترك له ولا يعرف الشيء بما يساويه في الخفاء .
وعليه اخترت تعريفاً للمعسر أرى أنه هو الأنسب في حد المعسر بالدين .
فالمعسر هو المدين الذي لا يملك فاضلاً عن حاجته .
وأقصد بحاجته لابد له منه ليعيش حياة كريمة كملبس ومطعم ومسكن ومتاع بيت بقدر ما يكفيه هو ومن يعول ، ومركب معتاد لمثله إن كان محتاجاً إليه وأدوات حرفة وكتب علم لطالب العلم ، وكل ما يلحق بفقده حرج ومشقة كبيرة ، وأرى أن يكون مرد ما يُعد محتاجاً إليه عائداً للعرف .
الإعسار في النظام :
تطرقت المادتان 230 ــ 231 من نظام المرافعات الشرعية السعودي ولوائحه التنفيذية لبعض إجراءات إثبات الإعسار ، ولكنها لم تنص على تعريف له ، وبالرجوع لكتب القانون نجد أن رجال القانون يقسمون الإعسار إلى قسمين :
إعسار فعلي : وهو عدم كفاية أموال المدين للوفاء بديونه الحالة والمؤجلة .
وإعسار قانوني : وهو عدم كفاية أموال المدين للوفاء بديونه المستحقة الأداء
ويترتب على هذا الفرق عندهم بعض الآثار القانونية ، ونلاحظ أن تعريف القانونيين للإعسار يصدق على ما يعرف بالإفلاس عند الفقهاء كما سيأتي قريباً.
المطلب الثاني : الفرق بين المفلس والمعسر في الفقه والنظام :
قبل بيان الفرق بينهما يحسن أن أبين من المفلس في الفقه الإسلامي والنظام باختصار؟
المفلس في الفقه الإسلامي :
المفلس عند الفقهاء : هو من عليه ديون حالة زائدة على ماله
المفلس في النظام :
جاء في نظام المحكمة التجارية السعودي تعريف المفلس بأنه من استغرقت الديون جميع أمواله فعجز عن تأديتها .
ونلاحظ أن هذا التعريف موافق لتعريف الفقهاء للمفلس ، ويتفق أيضاً مع تعريف المعسر في القوانين المدنية الحديثة .
في حين ذهب أغلب واضعي القوانين التجارية الحديثة إلى اعتبار التاجر مفلساً متى توقف عن الوفاء بدين عليه في الميعاد المحدد
وعليه فلا اعتبار عندهم لكون التاجر المدين معسراً بالفعل حال كزن ديونه أكثر من موجوداته أم لا ، كأن لديه موجودات تزيد على ديونه ولكن لا تتوفر لديه سيولة كافية للسداد مثلاً .
الفرق بين الإعسار والإفلاس في الفقه الإسلامي :
من الفقهاء من لا يرى فرقاً بين الاثنين وأنه لا مسوغ للفرق بينهما في الشرع ولا في اللغة ، إذ المعسر من يتعسر عليه قضاء دينه ، والمفلس من أفلس من قضاء دينه ، فهما من هذه الحيثية متحدان لأن معناهما ، يرجع إلى شيء واحد
وذهب جمهور الفقهاء إلى الفرق بينهما في الاصطلاح ، فالمفلس عنده أصل مال ، ولكنه لا يفي بسداد كافة ديونه ، وأما المعسر فهو من لا مال له فاضلاً عن حاجته الضرورية كما بينا ، ولكن قد يؤول حال المفلس إلى الإعسار إذا صرف ماله في سداد يدنه ولهذا يتجوز بعض الفقهاء ويطلق لفظ المفلس على المعسر ، ولهذا قال ابن شرد رحمه الله ، ( الإفلاس يطلق على معنيين : أحدهما أن يستغرق الدين مال المدين فلا يكون في ماله وفاء بديونه ، والثاني ألاّ يكون له مال معلوم أصلاً .
والصحيح أن المفلس أعم من المعسر ، فكل معسر يصدق عليه أنه مفلس ، ولا عكس ، ومن أبرز الفروق بينهما ما يلي :
1 ــ أنه ينبني على تفليس المدين منعه من التصرف في ماله ، والحجر عليه فيه ، غذ التفليس هو النداء على المفلس وشهرته بصفة الإفلاس ، وأما الإعسار فبخلاف ذلك ، إذ لا يمنع المعسر من الاكتساب ليحصل ما يسد به دينه .
2 ــ أنه ينبني على التفليس بيع أموال المدين وتصفية موجوداته وتوزيعها على الغرماء ورجوع الإنسان في عين ماله ، وأما الإعسار فليس كذلك إذ ليس للمعسر ما يباع .
3 ــ أن دعوى إثبات الإعسار تكون بطلب المدين غالباً ، أما دعوى التفليس فلا تكون إلا بطلب الغرماء عند جمهور العلماء ، خلافاً للشافعية
4 ــ أن إثبات إعسار المدين لا اثر له في حلول الديون المؤجلة التي لم يحل موعد سدادها باتفاق الفقهاء ، أما حلول الديون الآجلة بسبب التفليس فقد قال به المالكية وهو قول عند الشافعية
الفرق بين الإعسار المدني والإفلاس التجاري :
كلا النظامين يعدان وسيلة لإجبار المدين على السداد ويهدفان إلى تصفية أموال المدين لتوزيعها على الدائنين حسب حصة كل منهم ، ويفترقان في الآتي :
1 ــ نظام الإعسار خاص بالمدينين غير التجار ومحله القانون المدني ، أما الإفلاس فيختص بالتجار ومحله القانون التجاري
2 ــ أنه لا يوجد في الإعسار المدني تصفية جماعية يقوم بها ممثل الدائنين كما في الإفلاس التجاري ، بل يبقى أمر التنفيذ على أموال المدين موكلاً إلى إجراءات فردية يقوم بها كل دائن باسمه الخاص .
3 ــ أنه يجوز شهر إفلاس المدين مهما بلغ من اليسار إذا توقف عن دفع دين مستحق الأداء ، أما الإعسار فلا يشهر إلا إذا لم تف أموال المدين بسداده ديونه
المبحث الأول حالات مدعي الإعسار والتحقق من ذلك
المطلب الأول : حالات مدعي الإعسار :
بتأمل الواقع وبالتدقيق فيما ذكره الفقهاء يتضح أن مدعي الإعسار لا يخلو من الأقسام الآتية :
القسم الأول : أن يدعي المدين الإعسار ويصدّق الدائن دعواه .
اتفق الفقهاء على أن من ادعى الإعسار وصدقه الدائن فإنه لا يحبس ، بل يجب إنظاره إلى ميسرة لقوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ) ولقول النبي ص لغرماء الذي كثر دينه ( خذوا ما وجدتم ـ ليس لكم إلا ذلك ) ولأن الحبس إما أن يكون لإثبات عسرته أو لقضاء دينه ، عسرته ثابتة بإقرار خصمه والقضاء متعذر فلا فائدة في الحبس .
لكن يحسن هنا أن يتنبه القاضي إلى أمور :
الأول : إيضاح معنى الإعسار الشرعي للدائن حتى لا يصادق على إعسار المدين ظاناً أنه معسر وهو في الحقيقة غير معسر شرعاً .
الثاني : أن يفطن القاضي ويتحقق إن كان ثمة تواطؤ على إثبات الإعسار بتحقيق غرض ما .
الثالث : أن يكون ثبوت الإعسار هنا في مواجهة الدائن الحاضر ويكون هذا الإقرار قاصراً على صاحبه لا يتعداه إلى غيره من الدائنين .
القسم الثاني : أن ينكر الدائن ذلك :
إذا أنكر الدائن عسر المدين فمن الذي يقدم قوله ومن الذي يتحمل عبء الإثبات ؟ هل هو الدائن فيطالب بإثبات ملاءة ويسر المدين أم يطالب المدين بإثبات عسره ؟ للإجابة على ذلك أقول : إن مدعي الإعسار في هذا القسم لا يخلو من حالات :
الحالة الأولى : أن يكون معلوم الملاء :
بأن يكون ظاهر اليسر وله أموال ظاهرة معروفة ، وألحق به المالكية من يأخذ أموال الناس للتجارة ويدعي ذهابها ولم يظهر ما يصدقه من احتراق أو سرقة .
حكمه : القول قول الدائن ، وله حبسه حتى يبرأ من الدين بأداء أو إبراء أو حوالة ، فإن ادعى التلف فعليه البينة باتفاق ، ونقل ابن فرحون وابن تيمية اتفاق فقهاء المذاهب الأربعة على أن للحاكم تعزيره بالضرب
الدليل : قوله ص ( لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ) )
هل للحاكم بيع ما ظهر من أمواله إذا امتنع من بيعها بنفسه ؟
في هذه المسألة ثلاثة أقوال :
القول الأول : ليس للحاكم أن يبيع بلا إذنه ، بل يضيق عليه بالحبس والضرب حتى يبيع .
وهذا مذهب الحنفية ، والمالكية ، ووجه عند الحنابلة
والتعليل : لأنه رشيد لا ولاية عليه ، فلم يجز بيع ماله بغير إذنه .
القول الثاني : إذا احتاج الحاكم إلى بيع ماله في قضاء دينه باعه وقضى دينه ، هذا مذهب الحنابلة
الدليل : لأن النبي ص حجر على معاذ وباع ماله في دينه ، ولما روي عن عمر ر أنه خطب الناس وقال: ألا إن أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته بأن يقال : سبق الحاج ، فادّان معرضاً ، فأصبح وقد رين به ، فمن كان له عليه مال فليحضر غداً فإنا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه )
القول الثالث : أن القاضي مخير بين بيع ماله وبين إكراهه على البيع ، وهذا مذهب الشافعية
والراجح في نظري مذهب الشافعية وأن ذلك يختلف بحسب الأحوال ، فإن علم لدد المدين وتحمله السجن وكان الغرماء بحاجة للمال باع عليه ، وإن علم أن المصلحة في سجنه حتى يبيع بنفسه وأن هذا أحظ للغرماء استمر في سجنه ، ويحمل ما استدل به الحنابلة على أن البيع كان أحظ للغرماء .
الحالة الثانية : أن يكون مظنون الملاء :
وهو الذي لم تعلم ملاءته ولكن يظن به الملاء كمن عرف له أصل مال قبل دعوى الإعسار والغالب بقاءه
حكمه : القول قول الدائن وله حبسه إلى أن يبرأ من الدين بأداء أو إبراء أو حوالة أو يقيم البينة على تلف المال أو الإعسار أو يأذن الدائن في إخراجه ، وهذا محل اتفاق في الجملة لكن عند المالكية : إن طلب المدين مهلة أيام معدودة قدروها من اثنين إلى خمسة لإثبات عسره أمهله القاضي ولم يحبسه بشرط أن يحضر من يضمنه .
الدليل : لأن الأصل بقاء ماله فيحبس حتى يعلم ذهابه .
الحالة الثالثة : أن يكون مجهول الحال
كأن لم يعرف لمدعي الإعسار مال سوى هذا الدين المطالب بسداده ، أو عرف له مال سابق ويغلب على الظن ذهابه إما لقلته أو لبعد عهده أو لغير ذلك من قرائن الأحوال ، فعلى القاضي أن ينظر في هذا الدين المطالب بقضائه لأنه لا يخلو من صورتين :
الصورة الأولى : أن يكون هذا الدين بدل مال كالبيع والقرض .
حكمه : اختلف الفقهاء في هذه الصورة على قولين :
القول الأول : القول قول الدائن وله حبسه حتى يبرأ من الدين أو يثبت إعساره أو يأذن الدائن في إخراجه .
هذا هو المعتمد عند الحنفية ) ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة
التعليل : لأن الأصل بقاء ما بيده مما وقعت عليه المعاوضة ، ومدعي خلاف الأصل عليه البينة ، وللقاضي حبسه حتى يستظهر حاله .
القول الثاني : القول قول المدين بيمينه ، وهو رواية عند الحنفية واختيار ابن القيم .
فإذا حلف المدين أنه معسر أخلي سبيله ولم يحبس حتى يثبت الدائن أنه موسر .
التعليل : لأن الأصل هو العسرة ، إذا الآدمي يولد ولا مال له والدائن يدعي اليسر وهو أمر عارض ، والقول قول من تمسك بالأصل حتى يظهر خلافه .
ولأن الحبس عقوبة والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق سببها ، وهي من جنس الحدود فلا يجوز إيقاعها بالشبهة .
الترجيح :
الذي يظهر رجحان مذهب الجمهور لأن الأصل الذي يتمسك به المخالف قد زال بحصول المال الناتج عن المعاوضة المالية في ملكه ووجب استصحاب حال الغنى حتى يعلم زواله ، ولأن ظاهر أحوال الناس عدم العسر ، والقول بأن سجنه هنا من جنس إقامة الحدود ولا يجوز إيقاعها بالشبهة بعيد ، إذ الأصل في الحدود أنها حق الله ، وقد جاء النص بدرئها ، بالشبهة والدين هنا حق للمخلوق ، وحقوق الخلق مبنيّة على المشاحة .
الصورة الثالثة : أن يكون هذا الدين في غير مقابلة مال ، بأن يكون لحقه في غير معاوضة مالية ، وهذه الصورة لها حالتان :
الحالة الأولى : أن يلزمه هذا الدين باختياره كالمهر والكفالة وعوض الخلع
حكمه : اختلف العلماء في هذه الحالة على قولين :
القول الأول : المقدم قول الدائن وله حبسه حتى يبرأ من الدين أو يثبت إعساره أو يأذن الدائن في إخراجه .
وهذا مذهب الحنفية في المعتمد عندهم وهو وجه مقابل الأصح عند الشافعية ، ومقابل الصحيح عند الحنابلة .
التعليل : لأن التزامه بذلك دليل القدرة على الأداء ، إذ العاقل لا يلتزم ما لا قدرة له عليه .
القول الثاني : يقدم قول المدين بيمينه ، فإذا حلف أنه معسر أخلي سبيله ولم يحبس إلا أن يثبت الدائن أنه موسر .
وهو رواية عند الحنفية ووجه هو الأصح عند الشافعية والصحيح عند الحنابلة واختاره ابن القيم .
التعليل : لأن الأصل هو العسرة والدائن يدعي اليسر وهو أمر عارض والقول قول من تمسك بالأصل حتى يظهر خلافه .
الترجيح : الذي يظهر لي قوة القول الأول وأن الغالب في هذه الحالة ــ وهو أن العاقل لا يلتزم ما لا قدرة له عليه ــ مقدم على الأصل ــ وهو العسرة وعدم الملك ــ ولأن في هذا حفظاً لحقوق الناس من الضياع والمماطلة خاصة في هذا الزمن ؟
الحالة الثانية : أن يلزمه هذا الدين بغير اختياره كقيمة متلف وأرش جناية خطأ ونفقة قريب وزوجة.
حكمه : اختلف العلماء في هذه الحالة على قولين :
القول الأول : المقدم قول المدين بيمينه فإذا حلف أنه معسر أخلى سبيله ولم يحبس إلا إذا أثبت الغريم عسره .
وهذا هو الصحيح عند الحنفية والحنابلة والأصح عند الشافعية
التعليل : أن الأصل العسر ، ولا نعلم ما ينقل عن هذا الأصل .
القول الثاني : المقدم قول الدائن ، وله حبس المدين إلى أن يبرأ من الدين أو يثبت إعساره أو يأذن الدائن في إخراجه ، وهذا وجه ضعيف عند الشافعية والحنابلة
التعليل : لأن الظاهر أن الحر يملك شيئاً فيقدم الظاهر هنا على الأصل .
الترجيح : الذي يظهر لي قوة القول الأول ، لأن المدين في هذه الصورة باق على أصل العسر إذ لم يعرف له سابق مال ولا ما يدل عليه ، ولأن الحبس عقوبة ولا ذنب له ليعاقب وللدائن أن يثبت يسره .
القسم الثالث : أن يدعي الإعسار ولا يعرف الدائن حاله :
إذا ادعى المدين الإعسار وقرر الدائن أنه لا يعلم حقيقة حال المدين هل هو معسر أم لا ؟ وهذا لا يتصور فيمن علمت ملاءته .
الحكم : اتفقوا ــ في الجملة ــ على أن المدين إن ادعى علم الدائن بحاله وطلب تحليفه أنه لا يعلم عسره أو تلف ماله أجيب إلى ذلك ، فإن حلف الدائن بأنه لا يعلم عسر المدين أو تلف ماله حبس المدين حتى يبرأ من الدين أو يُثبِت إعساره ، فإن نكل الدائن عن هذه اليمين ردت على مدعي الإعسار فإن حلف لم يحبس وإن نكل حبس ، لكن نقل عن ابن عرفة المالكي قوله : كان بعض قضاة بلدنا لا يحكم بهذه اليمين وهو حسن فيما لا يظن به علم حال المدين لبعده عنه .
ولم أعرف وجه عدم الحكم بهذه اليمين حال بعد المدين وظن عدم علم حاله ، لأن الدائن سيحلف على عدم علمه بحال المدين لا على علمه بعدم الإعسار .
أما إذا قرر الدائن أنه لا يعلم إعسار المدين أو عدمه ،و لم يدع المدين علم الدائن بإعساره ، فلم أجد للفقهاء نصاً صريحاً في هذه الصورة ، والذي يظهر أن الحكم فيها كالحكم فيما لو أنكر الدائن إعساره وهذا يمكن تخريجه على بعض ما جاء من النصوص الفقهية .
قد جاء في رد المحتار قوله ( يحبسه بما يرى إنما هو حيث كان حاله مشكلاً ) وجاء في التاج والإكليل ( حبس لثبوت عسره إن جهل حاله )
والمدين في هذا القسم يصدق عليه أنه مجهول الحال ، وكذلك سبق أن نقلت اتفاق الفقهاء على أن المدين لو طلب إحلاف غريمه أنه لا يعلم عسره فله ذلك ، وهذا يبين أن مردّ الأمر هو على عدم علم الإعسار لا على العلم باليسر ، والدائن في هذا القسم يصدق عليه أنه لا يعلم عسره ، ثم إن واقع الناس اليوم من انتشار المماطلة وتضييع الحقوق واستسهال اليمين الفاجرة يقوي هذا القول ، وهو أن للقاضي حبس المدين في هذه الصورة استظهاراً لحاله ، لكن ينبغي أن يبحث القاضي ويتحرى عن حال المدين ومدى إعساره أو عدمه ،و سيأتي مزيد بحث لهذه المسألة في المطلب التالي .
الموازنة بالنظام :
لم يتطرق نظام المرافعات الشرعية السعودي ولوائحه التنفيذية أو التعاميم الوزارية المتعلقة بالإعسار لهذا الموضوع ، ومرد ذلك أن اختصاص هذا النظام والتعاميم يتعلق بالنواحي الإجرائية دون غيرها .
أما نظام المحكمة التجارية السعودي فقد تناولت المواد 104 ــ 107 منه بيان أنواع الإفلاس وحالات المفلسين وأنها ثلاث : أولها : المفلس الحقيقي وهو الذي اشتغل في التجارة برأس مال معلوم كاف عرفاً لما اشتغل فيه ، وله دفاتر منظمة ولم يبذر في مصرفه ووقع على أمواله حرق أو غرق أو خسارات ظاهرة .
والحالة الثانية : المفلس المقصر وهو التاجر المبذر في مصاريفه ولم يبين عجزه في وقته واستمر حتى نفد رأس ماله وإن وجدت له دفاتر منظمة .
الحالة الثالثة : المفلس الاحتيالي وهو من استعمل ضروب الحيل والدسائس في رأس ماله أو قيد في دفاتره ديوناً بصورة كاذبة أو أفرغ أمواله وعقاره للغير أو أخفى شيئاً من أمواله واشتغل في التجارة بطريق الاحتيال بأي صورة كانت سواء أكان مبذر أم لا أو لم توجد له دفاتر أو وجدت غير منظمة .
المطلب الثاني : التحري على حال مدعي الإعسار :
الأصل أن الدائن هو المطالب ببيان ما للمدين من أموال إذا توجه عليه عبء إثبات الملاءة ، وأن مدعي الإعسار هو المطالب بإثبات إعساره بالبينة إذا توجه عليه عبء الإثبات ، ولكن هل هذا يعفي القاضي وغيره من الجهات المختصة من مهمة البحث والتحري عن حال المدين عسراً أو ملاءة .
بعد البحث القاصر في كتب الفقهاء المتقدمين لم أقف على من نص على أنه يجب على الحاكم ــ أياً كان ــ أن يبحث عن حال مدعي الإعسار ، بل لا تكاد تجد لهذه الجزئية ذكراً في كتب الفقهاء إلا النزر اليسير .
فنص الحنفية على أن القاضي أن يسأل ــ احتياطاً لا وجوباً ــ الثقات أو الجيران عن حال مدعي الإعسار إذا سجن .
وجاءت إشارة إلى نوع من عملية البحث والتحري ذكرها الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير بقوله ( إن سأل الطالب الحاكم تفتيش دار المدين لعله أن يجد فيها شيئاً من متاعه يباع له ففي إجابته لذلك وعدم إجابته تردد )
وفي كشاف القناع ( وإن ادعى من عليه الدين الإعسار وأنه لا شيء معه يؤديه في الدين فقال المدعي للحاكم : المال معه وسأل تفتيشه وجب على الحاكم إجابته إلى ذلك )
ولعل مردّ عدم ذكر الفقهاء لدور الحاكم في البحث والتحري عن حال مدعي الإعسار هو بساطة الحياة في وقتهم وسهولة الكشف عن الأموال من جهة ، ولعدم تمرس الناس في التحايل والمماطلة من جهة أخرى .
أما في وقتنا الحاضر فقد توسعت البلاد وكثر العباد وتنوعت وسائل الدخل ومصادر الثروة مما يصعب معه على الفرد العادي إثبات ما بيد مدينه من أموال ، وبالتالي فإن عدم تنظيم عملية البحث والتحري عن أموال مدعي الإعسار والإهمال في ذلك يؤدي إلى أحد أمرين : إما أن يضيع حق الدائن لعدم قدرته على إثبات ما لمدينه من أموال ، أو بقاء المدين في السجن إذا كان القول قول الدائن ولم يستطع المدين إثبات عسره .
ونظراً لأن الشريعة جاءت لحفظ مصالح العباد ولأن القاضي مكلف بإحقاق الحق ونصرة المظلوم وإعطاء كل ذي حق حقه ، ولأن هذا الواجب في هذا العصر لا يتم على وجهه الصحيح إلا بالبحث والتحري الدقيق عن حال مدعي الإعسار ولأن القاعدة الشرعية أن ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو الواجب )
فالذي يظهر أنه يجب تنظيم عملية البحث والتحرى عن أموال المدين بما يكفل حفظ الحقوق .
الموازنة بالنظام :
نصت المادة 231/12 من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية السعودي على أن تقوم الجهات الإدارية المعنية بالتحري عن أموال المدين قبل النظر في دعوى الإعسار .
في حين أناط نظام المحكمة التجارية السعودي مهمة التحقق من حال المفلس بالمحكمة عن طريق الإعلان عن التفليس في الأماكن العامة والصحف كما في المادة 111 من النظام .
ومن هنا يظهر أن هناك قصوراً في بيان آلية البحث والتحري عن حال مدعي الإعسار وما الإجراءات التي تتخذ لذلك والجهة المختصة ؟ وباستقراء الواقع نجد أن هذه الإجراءات تختلف من حيث الدقة والشمول من منطقة لأخرى ، كما نلاحظ وجود ثغرات كبيرة في عملية البحث عن حال مدعي الإعسار ، فعلى سبيل المثال عندما يتم التحري عن أرصدة المدين في البنوك تتم الإفادة عن أرصدته الحالية فقط دون بيان لحركة حساباته لمدة سابقة كافية ، ومن البديهي أن مدعي الإعسار لن يجعل في حسابه شيئاً يذكر ، كما أن البحث لا يشمل ما يملكه مدعي الإعسار من عقارات أو أسهم وفي أحيان كثيرة لا يتم الكشف عما لديه من مؤسسات وأيد عاملة وسيارات وغير ذلك ، ولئن عذرنا الفقهاء المتقدمين في عدم الاهتمام بهذا الجانب فلا أجد عذراً للجهات المختصة الآن في عدم وضع آلية دقيقة ومنظمة وموحدة للبحث والتحري عن أموال المدين تضمن عدم التحايل من جهة وعدم تطويل الإجراءات من جهة أخرى
المبحث الثاني البينة على الإعسار
المطلب الأول : عدد الشهود :
اختلف العلماء في العدد المشترط في الشهادة على الإعسار ، وهل يقبل في الإعسار شهادة النساء والشاهد واليمين ؟ على أقوال :
القول الأول : لابد من ثلاثة ذكور ، وهو وجه عند الشافعية ورواية عند الحنابلة وهو اختيار مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها الأسبق محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله .
والدليل : قول النبي ص لقبيصة بن المخارق ( لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة : رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصابت فلاناً فاقة ..)
القول الثاني : لابد من شاهدين ذكرين ، وهو مذهب المالكية والشافعية في الأصح والصحيح عند الحنابلة .
الدليل : لعموم النصوص الدالة على أن الشهادة تكون باثنين كقوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } ، وقوله ص ( شاهداك أو يمينه ) متفق عليه .
واشترط الذكورة لأن الأصل شهادة الرجال ، واستثني قبول شهادة المرأة في الأموال لكثرة وقوع أسبابها ، فيلحق الحرج بطلب رجلين في كل حادثة ، والعادة أن يوسع فيما يكثر وقوعه ، والإعسار مما لا يكثر وقوعه وهو مما لا يطلع عليه إلا الرجال غالباً ، فلم تقبل شهادة النساء فيه .
القول الثالث : يكفي رجل وامرأتان : وهو مذهب الحنفية(69) ، ووجه مقابل الأصح عند الشافعية ، ويتخرج رواية عند الحنابلة .
والدليل : عموم قوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء }
القول الرابع : يثبت بشاهد ويمين المدعي : وهو وجه عند الشافعية .
التعليل : لأن الأموال وحقوقها تثبت بشاهد ويمين لحديث أبي هريرة ر قال ( قضى رسول الله ص باليمين مع الشاهد الواحد .
الترجيح :
البينة هي ما أبان الحق وأظهره ، ولهذا على القاضي أن يحكم بموجب البينة التي تظهر له الحق وتبين معالمه ، والغالب من حال البينة أن تكون شهادة العدلين لقوله تعالى { واشهدوا ذوي عدل منكم } وقوله ص ( شاهداك أو يمينه ) ولكن ليس معنى هذا أنه لا يجزئ في الشهادة على الإعسار إلا شهادة الرجلين ، فقد تستدعي بعض الظروف قبول شهادة رجل وامرأتين كما لو كان مدعي الإعسار امرأة مثلاً ، ولا يوجد من الرجال العدول العالمين بباطن حالها من يشهد لها ، مع أنه ليس في النصوص الشرعية ما يمنع شهادة النساء في الحقوق المالية ، والمرأة من أهل الشهادة فيها بنص الآية { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } وقد يضطر القاضي إلى الحكم بشهادة رجل ويمين المدعي كما لو كان المدعي غريباً ولا يعرف حاله في البلد إلا هذا الشاهد فيكتفى به مع يمينه ، وقد ثبت أن النبي ص قضى بالشاهد مع اليمين ، وقد يرى القاضي زيادة الاستيثاق بطلب ثلاثة شهود إذا كانت دعوى الإعسار مثلاً مبنية على سبب ظاهر ينبغي أن يكون مشتهراً كحريق أو آفة مثلاً ، أو كانت مبالغ الدين كبيرة أو لم يكن الشهود على أكمل درجة من العدالة ، ويستأنس في هذا بحديث قبيصة بن المخارق السابق ، والمقصود أن يترك تحديد البينة الموصلة لاجتهاد القاضي حسبما يراه محققاً العدالة .
المطلب الثاني : هل من شرط شاهد الإعسار الخبرة الباطنة ؟
هل يشترط فيمن يشهد بإعسار شخص أو تلف ما بيده من مال أن تكون له خبرة بباطن حال المشهود له ؟ علماً بأن هذه الخبرة الباطنة لا تحصل إلا بطول مجاورة أو مخالطة مالية وغيرها ، أم يكفي العلم بظاهر حال المشهود له ؟
نقول : إن الشهادة إما أن تكون على الإعسار أو على تلف المال أو على كليهما :
فالحالة الأولى : أي الشهادة على الإعسار ، يشترط في الشاهد أن يكون ذا خبرة باطنة بحال المشهود له وهذا فيما أعلم محل اتفاق بين الفقهاء .
الدليل قول النبي ص ( على مثل الشمس فاشهد … ) ولأنها شهادة على نفي قبلت للحاجة فاشترط لها الخبرة الباطنة ، ولأن المال قد يخفى فلا يجوز الاعتماد على ظاهر الحال .
أما الحالة الثانية : وهي أن تكون الشهادة على تلف المال فقط فقد نص الشافعية والحنابلة على أنه تشترط الخبرة الباطنة في ذلك ، لأن التلف يطلع عليه كل أحد من أهل الخبرة أو غيرهم .
لكن هذا يحمل ــ والله أعلم ــ على إذا لم يكن لمدعي الإعسار إلا عين واحدة فشهد الشهود على تلف هذه العين ، وفي هذا الحال لابد من إثبات أن مدعي الإعسار لا يملك إلا هذه العين ، وهذا لا يمكن أن يشهد به إلا من له خبرة باطنة .
أما الحالة الثالثة : فترجع إلى الحالة الأولى لأن جزءاً من الشهادة منصب على إثبات الإعسار ، وعليه فالذي يظهر أنه لا تقبل الشهادة على الإعسار إلا ممن كانت له خبرة باطنة بحال المشهود له ، فإن لم يعلم القاضي أن الشاهد بهذه الصفة فقد نص بعض الفقهاء على أنه إن كان الشاهد فقيهاً يغلب على الظن أنه لا يشهد إلا بعد تقدم خبرة فله أن يستفسره أو لا يستفسره ، أما إن استجهله وارتاب فلابد من سؤاله واستفصاله ، وله اعتماد قول الشاهد أنه ذو خبرة باطنة بحال المشهود له ، وهذا يتجه بشرط أن يوضح القاضي للشاهد معنى الخبرة الباطنة .
المطلب الثالث : صيغة الشهادة على الإعسار :
اختلف الفقهاء في الصيغة التي تكون بها الشهادة على الإعسار ، وأنا أذكر هنا أهم الصيغ التي أوردها الفقهاء في كتبهم .
عند الحنفية : ورد في كتب الحنفية التي وقفت عليها صيغتان للشهادة على الإعسار .
الأولى : نشهد أنه فقير لا نعلم له مالاً ولا عرضاً من العروض يخرج بذلك عن حالة الفقر .
الثانية : نشهد أنه مفلس معدم لا نعلم له مالاً سوى كسوته التي عليه وثياب ليله ، وقد اختبرنا أمره في السر والعلانية .
عند المالكية : وقفت على صيغتين متقاربين للشهادة عندهم :
الأولى : أننا لا نعرف له مالاً ظاهراً ولا باطناً .
الثانية : نشهد أنا نعرف فلان بن فلان معرفة صحيحة وأنه من أهل الفقر والعدم ، وما علمنا أن له مالاً حاضراً أو غائباً ولا ريعاً ولا عرضاً ولا شيئاً يعدى عليه فيه .
لكنهم قالوا : إن كان مدعي الإعسار معلوم الملاء أو أقر بقدرته على دفع الحق وملائه قبل ذلك فلابد أن تشهد البينة مع ذلك على ذهاب ما بيده .
عند الشافعية : ورد في كتب الشافعية ــ التي وقفت عليها ــ عدة صيغ للشهادة على الإعسار :
الأولى : أشهد أنه معسر لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه .
الثانية : أشهد أنه معدم أو مقتر أو معسر ، وإن أضاف : أنه مستحق الصدقة جاز .
الثالثة : أشهد أنه معسر عاجز العجز الشرعي عن وفاء شيء من هذا الدين ، وقال بعضهم : إن أضاف الشاهد : ,أنا خبير بباطن حاله فحسن ، وخاصة إن ارتاب الحاكم فيه واستجهله .
عند الحنابلة : لم أقف على نص معين عندهم في صيغة الشهادة ولكن جاء في كشاف القناع ( يكفي في الحالين أي في حال شهادتها بالتلف وحال شهادتها بالإعسار أن تشهد بالتلف أو أن تشهد بالإعسار ، وفي التلخيص : لا يكفي بالشهادة بالإعسار بل لابد من الشهادة بالتلف والإعسار معاً ، وفي الرعايتين والحاويين والفائق تشهد بذهابه وإعساره لا أنه لا يملك شيئاً )
والذي يظهر أنه متى علم الشهود معنى الإعسار الشرعي جاز أن يشهدوا بأي صيغة تدل عليه لعدم ورود نص بصيغة محددة ، لكن يجب على القاضي الاستيثاق من معرفة الشهود لمعنى الإعسار .
المطلب الرابع : تحليف مدعي الإعسار مع البينة :
إذا أقام مدعي الإعسار بينة تشهد بإعساره هل للقاضي أن يحلفه مع هذه البينة بأنه ليس له مال ظاهر ولا باطن أو لا يشرع تحليفه ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يشرع للقاضي تحليفه مطلقاً : وهذه اليمين تسمى عند بعضهم يمين القضاء أو الاستبراء ، وهي من آداب القضاء ، والمرجع فيها لرأي القاضي واجتهاده ، وهذا مذهب المالكية ووجه مقابل الأصح عند الشافعية ووجه ضعيف عند الحنابلة .
التعليل : لأن البينة تشهد على العلم لا على القطع ، ويحتمل أن يكون له مال في الباطن ، ولأن القاعدة الفقهية تنص على أن كل بينة شهدت بظاهر فإنه يستظهر بيمين الطالب على باطن الأمر .
واختلفوا بعد ذلك هل هذه اليمين على البت أو على نفي العلم ؟ وجه الأولى أنه يحلف على نفسه ووجه الثانية لاحتمال أن يكون له مال لا يعلم به كإرث أو وصية .
القول الثاني : لا يشرع الحلف مع البينة ولو طلب المدعي ذلك : وهذا مذهب الحنفية وهو الصحيح عند الحنابلة إذا شهدت البينة بالإعسار لا بتلف المال أو نفاده .
التعليل : لأن في ذلك جمعاً بين البينة واليمين وذلك غير جائز ، ولأن في الحلف مع البينة تكذيباً لها .
القول الثالث : يجب تحليف مدعي الإعسار إذ طلب الخصم ذلك :
وهو الأصح عند الشافعية وأضافوا : أنه لو كان الحق لمحجور عليه أو غائب أو جهة عامة لم يتوقف التحليف على الطلب .
التعليل : لاحتمال أن يكون له مال باطن لا يعلمه الشهود .
الترجيح : الذي يظهر قوة القول الأول احتياطاً لحقوق الناس ولاحتمال وجود مال لا تعلمه البينة ولأن الحالف يحلف على شيء هو أعلم الناس به .
ويمكن أن يجاب عما استدل به أصحاب القول الثاني والثالث بما يلي :
أن القول بأن في التحليف جمعاً بين البينة واليمين غير صحيح ، لأن شهادة البينة تنفي ما ظهر من المال واليمين تنفي ما خفي ، فصار المنفي بالبينة غير المنفي باليمين كما لو ادعى مع البينة أنه لم يبرئه ، ولا يكون ذلك جمعاً بين البينة واليمين ، أما قولهم إن في الجمع بينهما تكذيباً للبينة فغير صحيح ، ويجاب عنه بمثل الجواب المتقدم .
أما القول الثالث فيجاب عنه بأن بعض الغرماء قد لا يعلم أن له حق تحليف خصمه فيترك طلب اليمين جهلاً ، وهذا مما قد يضيع عليه فوجب الاحتياط من القاضي لحقوق الناس .
فظهر بذلك قوة القول الأول ، لكن ينبغي التنبه إلى أن التحليف وإن كان مرده لنظر القاضي واجتهاده إلا أنه يجب أن يحلف مدعي الإعسار إن كان الحق لقاصر أو يتيم أو مجنون أو غائب أو جهة عامة أو وقف ، أو ادعى رب الدين أن لمدعي الإعسار مالاً باطناً أو سمعت الدعوى في مقابلة بعض الغرماء لأن حفظ حقوقهم منوط بالقاضي .
المطلب الخامس : تعارض البينات :
إذا أحضر مدعي الإعسار بينة تشهد بإعساره وأحضر الدائن بينةتشهد بيسار المدين فأي البينتين يقدم ؟
اجتهدت في ترتيب وتقريب أقوال الفقهاء في هذه المسألة فظهر أنها لا تخلو من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : ألا تبين أيّ من البينتين سبباً لما تشهد به .
فلا تبين بينة اليسار نوع المال الذي يخرج به المدين عن حد الإعسار أو مقداره ، ولا تبين بينة الإعسار السبب الذي صار به المدين معسراً .
وقد اختلف العلماء في هذه الحالة على أربعة أقوال :
القول الأول : تقدم بينة اليسار :
وهو المذهب عند الحنفية ، وقول عند المالكية ، ذكر الدسوقي أن العمل عليه .
التعليل : لأن اليسار أمر عارض والبينات لإثبات خلاف الظاهر ، ولأن معها زيادة علم .
القول الثاني : تقدم بينة الإعسار .
وهو قول عند المالكية ، وذكر الدسوقي أنه الراجح ، ويمكن أن يخرج قولاً عند الشافعية بناء على ما نص عليه القفال في فتاويه من أنه ( إذا شهد على مفلس بالغنى فلابد من بيان سببه ، لأن الإعدام لما لم يثبت إلا من أهل الخبرة كذلك الغنى )
التعليل : لأن بينة العدم ناقلة وبينة الملاء مستصحبة للظاهر ، والبينة الناقلة عن الأصل تقدم .
القول الثالث : يعمل بالمتأخر منهما وإن تكرر إذا لم ينشأ من تكرارها ريبة .
وهو قول لبعض الشافعية .
القول الرابع : التفصيل :
فإن كان الدين ملتزماً بمقابلة مال أو بعقد فتقدم بينة الإعسار لإثباتها خلاف الظاهر هنا وهو اليسر ، أما إن كان الدين مستحقاً بغير عقد ولا مقابلة مال فتقدم بينة اليسار لإثباتها خلاف الظاهر هنا وهو العسر ، وهذا التفصيل نص عليه ابن عابدين من الحنفية وهو تفصيل وجيه .
الحالة الثانية : أن تبين كل بينة سبب ما تشهد به ، فالذي يظهر أنه ترجح بينة اليسار لأن معها زيادة علم إلا إن ذكرت بينة الإعسار سبباً يفيد أنه أعسر بعد يساره فتقدم ، لأن معها علماً بأمر حادث .
الحالة الثالثة : أن تبين إحداهما سبباً دون الأخرى ، فالذي يظهر أنه تقدم البينة التي بينت السبب لأن معها زيادة علم ما لم يظهر للقاضي خلاف ذلك بعد النظر في القرائن وتفحص الأسباب .
المطلب السادس : هل تسمع البينة على الإعسار قبل الحبس :
هل يصح سماع بينة الإعسار قبل حبس المدين استظهار لحاله أو أثناء المدة التي قررها القاضي لحبسه ؟
القول الأول : أنها لا تسمع
وهو رواية عند الحنفية ، قال الزيلعي عليها عامة المشايخ ، ونُسب هذا القول للمالكية .
التعليل : لأنها بينة على النفي فلا تقبل ما لم تتأيد بمؤيد وهو الحبس .
القول الثاني : أنها تسمع
وهو رواية عند الحنفية ومذهب الشافعية والحنابلة .
الترجيح :
الذي يظهر لي أن الأمر مفوّض إلى رأي القاضي واجتهاده بعد النظر في حال المدين وسبب الدين ومقداره وحال الزمان والله أعلم.
الموازنة بالنظام : لم يتعرض نظام المرافعات السعودي ولوائحه التنفيذية ولا نظام المحكمة التجارية لما يتعلق بالبينة على الإعسار من حيث عدد الشهود أو صفتهم أو صيغة الشهادة أو تعارض البينات أو وقت سماع البينة ، ولكن تطرقت المادتان 109 ــ 110 في نظام المحكمة التجارية إلى أن على المفلس أن يقدم دفاتره وسندات الديون وجدولاً يوضح رأس ماله من حين اشتغل بالتجارة إلى يوم إفلاسه للمحكمة لتقوم بتدقيق ذلك وتقرر ما تراه.
المبحث الثالث حبس مدعي الإعسار
سأتناول بين يدي هذا المبحث حكم الحبس في الدين مطلقاً باختصار شديد .
اختلف العلماء في مشروعية الحبس في الدين على قولين :
القول الأول : مشروعية الحبس في الدين ، وأنه قد يجب في بعض الأحوال كما لو كان الامتناع بغير عذر الإعسار أو لكذب مدعي الإعسار في دعواه ، وقد يجوز ، أو يفوّض الأمر للقاضي إن كان مجهول الحال حسب التفصيل الذي ذكر في المبحث الأول ، وإليه ذهب جماهير العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة لقوله ص ( لي الواجد يبيح عرضه وعقوبته ) ولقوله ص( لصاحب الحق اليد واللسان )
القول الثاني : أنه لا يحبس أحد في دين وإنما يباع ماله في هذه الحالة ويقضى منه دينه.
وهذا مروي عن عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد ، وحجتهم في ذلك أن رسول الله ص ما حبس في دين قط .
والذي يظهر رجحانه هو القول الأول لقوة أدلتهم ، ويمكن أن يجاب عما استدل به أصحاب القول الثاني بأن عدم حبس النبي في الدين لعدم ظهور مماطلة المدين أو لعلم النبي ص بعسرته وإلا فقد روي ( أن النبي ص حبس رجلاً في تهمة )
المطلب الأول : مدة الحبس :
كم المدة التي يقضيها المدين مدعي الإعسار في السجن في الحالات التي وضحنا أن للقاضي حبسه فيها ؟
للجواب عن ذلك نقول : إن حبس مدعي الإعسار له سببان :
الأول : أن يكون حبس عقوبة ، وذلك إذا ثبت أن مدعي الإعسار مليء إما بالمشاهدة بأن تعلم له أموال ظاهرة أو شهادة الشهود.
ففي هذه الحالة يجب حبس المدين حتى يبرأ من الدين أو تشهد بينة بذهاب ماله ولو طال حبسه ، وهذا محل اتفاق لقوله ص ( لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته ) وقال وكيع ــ يرحمه الله ــ ( عرضه : شكواه وعقوبته : حبسه )
الثاني : أن يكون حبس استظهار واختبار : وذلك في حال جهل حال مدعي الإعسار لأن الحبس مدعاة إلى الضجر ، وتعطل المصالح ، فيستعان بالحبس على استظهار حقيقة مدعي الإعسار إذ لو كان عنده مال لأخرجه وأظهره لينجو من الحبس ، وفي هذه الحالة اختلف العلماء في مدة الحبس على قولين :
القول الأول : تحديد مدة الحبس :
وهذا قول بعض الحنفية وبعض المالكية بناء على روايات عن الإمام أبي حنيفة وبعض أصحابه ، فقيل : يحبس شهراً ، وقيل اثنين ، وقيل ثلاثة ، وقيل ستة أشهر ، ونقل عن ابن الماجشون ــ من فقهاء المالكية ــ أنه يحبس في الدريهمات اليسيرة قدر نصف شهر ، وفي كثير من المال قدر أربعة أشهر ، وفي المتوسط منه شهرين .
القول الثاني : أن تقدير مدة الحبس عائد لاجتهاد القاضي .
وهذا مذهب الجمهور وهو الصحيح عند الحنفية .
وهذا القول أظهر والله أعلم لعدم الدليل على التحديد ولأن تقدير مدة الحبس لا يتوقف على مقدار الدين فقط ، بل لابد من مراعاة أمور أخرى كسبب الدين وحال المدين وحال الزمان وظروف المدين الاجتماعية والأسرية ونحو ذلك .
الموازنة بالنظام :
نصت الأنظمة في المملكة العربية السعودية على جواز سجن المدين عند الاقتضاء لاستظهار حاله دون أن تحدد فترة محددة للسجن ، وهي بذلك أخذت برأي الجمهور ، فقد نصت المادة 231/11 من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية على أن للقاضي الأمر بسجن المدين عند الاقتضاء استظهاراً لحاله وبحثاً عن أمواله .
ولا مانع ــ في نظري ـ من تقييد ولي الأمر لسلطة القاضي بجعل حد أعلى أو أدنى لمدة السجن وضبط ذلك ببعض الضوابط ضماناً لتحقيق أكبر قدر من الانسجام في الأحكام وتحقيق العدالة .
كما نص نظام المحكمة التجارية السعودي على عقوبات خاصة بالمفلس المحتال والمقصر فقد نصت المادة 136 على أن المفلس المحتال ومن ثبت أنه شريك في إخفاء أمواله وترتيب حيله يعاقب بالحبس ثلاث سنوات إلى خمس سنوات ، كما نصت المادة 37 على أن المفلس تقصيراً يعاقب بالحبس ثلاثة أشهر إلى سنتين وكذا المفلس الحقيقي إذا امتنع عن تقديم ما لزمه بموجب المادة 109 .
المطلب الثاني : توقف الحبس على طلب الدائن :
إذا ادعى المدين الإعسار وأنكر الدائن ذلك فهل يتوقف حبس المدين عقوبة أو استظهاراً على طلب الدائن أم للقاضي أن يوجه بحبس المدين مباشرة ولو لم يطلب الدائن ذلك ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أن الحبس يتوقف على طلب الدائن ، وهذا مذهب جماهير الفقهاء .
التعليل : لأن الحبس لاستيفاء حق المدعي فيتوقف على طلبه .
القول الثاني : للقاضي حبس مدعي الإعسار بغير طلب الدائن ، وهذا القول المنقول عن القاضي شريح .
الدليل : قوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ، والممتنع من السداد مخالف لأمر الله هذا .
الترجيح : والذي يظهر لي رجحانه هو القول الأول ، لأن الحق لصاحب الدين وقد لا يرغب في سجن مدعي الإعسار مراعاة لحاله أو لأن حبسه قد يمنعه من التكسب وسداد الدين وليس في الآية دليل على حبس مدعي الإعسار ابتداء .
المطلب الثالث : حبس الوالدين بدين الولد :
مرّ معنا أن الصحيح هو مشروعية الحبس في الدين حتى لا تضيع الحقوق ولكن هل يسري هذا الحكم على الوالدين أو أحدهما مع ولده ؟
تحرير محل النزاع : ذهب جماهير الفقهاء إلى أنه لا يحبس الوالدان بدين لولدهما لأن الحبس نوع عقوبة فلا يستحقه الولد على والده كالحدود والقصاص ولأن الله حرم التأفيف والحبس أعظم من ذلك ولقول النبي ص (أنت ومالك لأبيك ) واختلفوا في حبس الوالد إذا امتنع من الإنفاق على ولده على أقوال :
القول الأول : لا يحبس وهو الأصح عند الشافعية .
التعليل : لأنه لا فرق بين دين النفقة وغيرها .
القول الثاني : يحبس ، وهو مذهب الحنفية والمالكية ووجه مقابل الأصح عند الشافعية .
التعليل : لأن في عدم الإنفاق عليه تعريضاً له للهلكة .
والذي يترجح لي : جواز حبس الوالد إذا امتنع من الإنفاق على ولده مع يسره ومقدرته ، لأن في عدم الإنفاق تعريضاً للولد للضرر وإلجاء له أو لأهل البيت للبحث عن مصدر للرزق بوسائل محرمة قد تجرهم و المجتمع إلى ما لا تحمد عقباه .
المطلب الرابع : حبس المرأة
إذا ثبت الدين على المرأة وامتنعت من سداده مع يسرها أو كان القول لصاحب الدين فهل تحبس المرأة وأين تحبس ؟
بتتبع أقوال الفقهاء في هذه المسألة نجد الآتي :
نص الحنفية على أنه ينبغي أن يجعل للنساء سجن على حدة نفياً للفتنة .
وإلى قريب من هذا ذهب المواق من المالكية فقال إن المرأة تحبس بموضح لا رجال فيه .وجاء في مختصر خليل المالكي وشروحه أن المرأة تحبس في الدين وغيره عند أمينة منفردة من الرجال أو عند امرأة ذات رجل أمين معروف بالخير والصلاح ، أما عند الشافعية فقد جاء في مغني المحتاج ( لا يحبس المريض والمخدرة وابن السبيل بل يوكل بهم ولا الصبي والمجنون وأبو الطفل والوكيل والقيم في دين لم يجب بمعاملتهم ) فنصهم على عدم حبس مخدرة يفهم منه أن البرزة التي تخرج للأسواق وتخالط الرجال تحبس وفي الحاوي ( وإذا وجب الحبس على امرأة حبست عند نساء ثقات أو عند ذي محرم .
والذي يظهر أنه لا مانع من حبس المرأة في الدين إذا ظهر للقاضي مماطلتها لعموم قول ص ( لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته ) على أن يكون ذلك في سجن مأمون خاص بالنساء وذلك بعد استيفاء كافة الوسائل الممكنة لحملها على السداد .
المبحث الرابع آثار ثبوت الإعسار ومسائل أخرى
المطلب الأول : آثار ثبوت الإعسار :
إذا ثبت عسر المدين عند القاضي ترتب على ذلك عدة أمور :
أولاً / إخراجه من السجن إن كان مسجوناً :
فلا يجوز حبسه مع ثبوت عسره عند المذاهب الأربعة لقوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى مسيرة } فحبسه مع استحقاق النظرة للميسرة ظلم وهو محرم شرعاً
وجهة نظر : أقول : ما ذهب إليه فقهاؤنا وجيه سديد صيانة لكرامة الإنسان وحفظاً لذاته من العقوبة بلا سبب شرعي ، وهذا الحكم وجيه فيمن أعسر بغير تفريط بيّن أو تعد ظاهر ، أما من أعسر بأموال الناس تبذيراً منه أو بصرفها على ملذاته وشهواته أو قصد إضاعة حقوق الناس وأكل أموالهم أو فرط في حفظها فلا أرى مانعاً من سجنه ، بل هو المتوجب عقوبة له ، لأن تضييع أموال الناس حرام لقوله ص ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ولنهي النبي ص عن إضاعة المال لاسيما إن كان مع إضاعتها تغرير بالناس والله أعلم .
ثانياً : عدم ملازمته أو التضييق عليه :
فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى : أنه ليس للدائن ملازمة مدينة إن ثبت عسره فيرافقه في ذهابه ومجيئه ليتأكد من أنه لم يحصل في يده شيء ، لقوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } والملازمة تمنع من إنظاره ، ولقول النبي ص لغرماء الذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه ( خذوا ما وجدتم ، ليس لكم إلا ذلك ) بل الواجب إمهاله حتى يوسر
في حين ذهب الحنفية إلى أن لرب الدين ملازمة المدين المعسر في مقامه وقعوده وخروجه من منزله نهاراً ، وله أن يلازمه بنفسه وإخوانه وولده لقوله ص ( لصاحب الحق اليد واللسان ) ولإمكان أن يحصل للمدين مال فيخفيه فيلازمه كي لا يخفي ماله .
الترجيح : الذي يظهر لي أن مذهب الجمهور أقرب للصواب ، لأن مقتضى إنظار المعسر هو إمهاله ، والحديث الذي احتج به الحنفية محمول على المدين الموسر بدليل قول النبي ص لغرماء الذي أصيب في ثمار ابتاعها ( خذوا ما وجدتم ، ليس لكم إلا ذلك ) ثم إن في القول بالملازمة انتهاكاً لخصوصية المدين وإضجاراً له من قبل شخص قد لا يحسن الأدب معه .ولكن مع هذا لا مانع من أن تقوم الجهات المختصة بمتابعة أوضاع المدينين المعسرين والتحري عن نشاطاتهم وإفادة الجهات القضائية بذلك لأنه قد يوسر المدين ويخفي ذلك
ثالثاً : عدم مطالبة المدين بالسداد إلا إذا علم يُسره :
فالمعسر لا يطالب بسداد ما عليه إلا إذا علم رب الدين يسره للآية الكريمة ، فإن طالبه وادعى أنه موسر وصادقه المدين وجب إلزامه بدفع ما في ذمته ، وإن أنكر المدين أنه صار موسراً فعلى رب الدين إثبات يسره ببينة ، فإن لم تثبت البينة يساره فالقول قول المدين مع يمينه أنه معسر.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا يترتب على ثبوت الإعسار تأخير استحقاق الدين ، فالدين يظل مستحق الأداء في ذمة المدين ، فمتى أيسر به أو ببعضه وجب عليه ديانة أداؤه ولو لم يحكم بذلك قضاء ، ومتى ثبت للدائن قدرة المدين على الوفاء جاز أن يطالبه بذلك .
المطلب الثاني : تحديد مدة الإعسار بأجل :
هل يجوز للقاضي إذا أثبت الإعسار أن يحدد أجلاً محدداً تنتهي آثار ثبوت الإعسار ببلوغه ؟
بعد تتبعي لمدونات الفقهاء لم أجد من تطرق لمثل هذا الرأي ، ويتفق الجميع على أن إنظار المعسر يكون إلى الميسرة للآية الكريمة .
والذي يظهر لي : أنه لا مانع من تحديد الإعسار بأجل ينتهي إليه ، بل هو الواجب إن خشي القاضي ضياع حق الدائن لظهور أمارات سوء النية من المدين أو غلب على ظنه قدرة المدين على الوفاء في أجل معين .
وهذا الرأي وإن لم أقف على قائل به من أهل العلم المتقدمين إلا أن له ما يسوغه ويقويه وهو الآتي :
أولاً : أن تحديد أجل لنظرة الميسرة لا يتعارض مع الآية الكريمة ، إذ معنى الآية أنه يجب إنظار المعسر إلى الوقت الذي يمكنه أن يوفي الدين فيه وهو حالة اليسر ، وهذه الحالة يمكن للقاضي أن يستشرفها ويغلب على ظنه بلوغها في أجل معين فيحدده ، إذ المراد بالإنظار الإمهال ، والأصل فيه أن يكون لأجل ، ولعل في التعبير القرآني بكلمة { نظرة } بدل إنظار ما يدل على ذلك .
ثانياً : أن سبب نزول هذه الآية يشهد لهذا الفهم فقد أورد الواحدي في سبب نزول هذه الآية ( أنه لما نزلت آية تحريم الربا قالت بنو عمر بن عمير لبني المغيرة : هاتوا رؤوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم ، فقالت بنو المغيرة : نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة فأبوا أن يؤخروهم فأنزل الله { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } .
ثالثاً : أن القياس يشهد لهذا أيضاً ، فإن سبب منح نظرة الميسرة للمدين المعسر هو الرفق وعدم الإضرار به ، وإذا كان الأمر كذلك فإن الرفق بالدائن ، وهو صاحب الحق أولى ، لأن في عدم تحديد أجل للسداد إضراراً بالدائن ، ولا يقال هذا قياس في مقابلة النص ، بل هو يتمشى مع النص كما بينا .
رابعاً : القواعد الفقهية تشهد لهذا أيضاً ، فإذا كان في إنظار المدين المعسر رفع للضرر عنه فإن في عدم تحديد أجل محدد للوفاء إضراراً بالمدين صاحب الحق ، والقاعدة الفقهية تنص على أن ( الضرر لا يزال بالضرر ) .
فكان الصواب هو الإنظار إلى أجل محدد معقول يرفع الضرر عن المدين المعسر ولا يضر كثيراً بالدائن صاحب الحق .
خامساً : أن من مقاصد الشريعة حفظ الضرورات الخمس ومنها المال ، وفي عدم تحديد أجل لإنظار المعسر تعريض لهذا الحق للإهداء أو المماطلة .
سادساً : أن مراعاة أحوال الناس وفساد أهل الزمان وصلاحهم معتبر شرعاً ، ولهذا تغيرت فتاوى العلماء في بعض الأمور تبعاً لتغير أحوال الناس وفساد ذممهم كما في مسألة تضمين الصناع وإيقاع طلاق الثلاث ، ونحو ذلك ، ولا يخفى حال أهل هذا الزمان من رقة الدين وفساد الذمم والمماطلة في أداء الحقوق ، وفي عدم تحديد أجل لنظرة الميسرة إعانة للناس على مثل هذا .
سابعاً : أن في تحديد أجل لإنظار المعسر حثاً على بذل الجهد واستفراغ الوسع في تحصيل ما يقضي به الدين قبل انتهاء الأجل ، وفي عدم إلزام المدين بوقت محدد للسداد مع علمه بأنه ليس لغريمه مطالبته أو حبسه تشجيعاً له على التكاسل وعدم الحرص على السداد وإغراء لغيره من ضعفاء النفوس في الحذو حذوه ، وقد قيل : من أمن العقوبة أساء الأدب .
ثامناً : أن عدم تحديد أجل معين لنظرة الميسرة مدعاة لتجدد الخصومة ، إذ قد يدعي الدائن يسر المدين بعد مدة يسيرة ، فإذا أنكر المدين ذلك فقد يعود الدائن لمثل هذا كلما عنّ له ذلك أو توقع حدوث مال بيد مدينه ، وهذا مما يحوج الناس للمشاكاة ويشغل الجهات المختصة وفي التحديد بأجل قطع لذلك .
ومما تقدم من أدلة يظهر لي مشروعية تحديد أجل معين لإنظار المعسر بل هو الذي ينبغي المصير إليه في بعض الحالات وأن على القاضي أن يفهم الخصوم بذلك حال الحكم به ، فإن حل الأجل وثبت للقاضي استمرار عسر المدين بالطرق المعتبرة شرعاً منحه أجلاً آخر متى اقتنع القاضي بذلك عملاً بعموم الآية الكريمة { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلي ميسرة } .
كيفية تحديد الأجل :
الذي يظهر لي بعد التأمل أنه يمكن تحديد ذلك بإحدى طريقتين :
الأولى : باتفاق الطرفين على الأجل ، وهذا هو الأولى .
الثانية : أن يحدد القاضي أجلاً معقولاً ، ومراعياً في ذلك كل الجوانب المؤثرة كمعرفته لموارد المدين المالية والمتوقعة والظروف الاقتصادية المحيطة والأسباب التي أفضت لإعسار المدين وسبب استحقاق الدين كما ينبغي أن يراعي في هذا الأجل ألا يضر بالدائن صاحب الحق ضرراً جسيماً .
المطلب الثالث : إجبار المدين مدعي الإعسار على العمل والاكتساب :
هل يلزم المدين المعسر إن كان ذا حرفة وقدرة على العمل أن يعمل ويكتسب ويؤاجر نفسه لرب الدين أو غيره ليسدد الدين ، وإن لم يفعل ذلك هل يعد آثماً شرعاً ؟ وهل للقاضي أن يلزمه بذلك قضاء ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنه يلزمه الاكتساب شرعاً ، ويجبر عليه قضاء في حدود ما يليق بمثله ، وهذا مذهب الحنابلة ، وهو قول الليث بن سعد ونقله ابن عابدين عن بعض الحنفية .
الدليل : قصة سرّق وهو رجل دخل المدينة ، وذكر أن وراءه مالاً فداينه الناس وركبته ديون ولم يكن وراءه مال فسمي سرقاً ، وباعه النبي ص في دينه بخمسة أبعرة ، والحر لا يباع فعلم أنه باع منافعه ، ولأن الإجارة عقد معاوضة فأجبر عليها كبيع ماله ، وقياساً على إجباره على الاكتساب لنفقة نفسه وقريبه والدين أقوى من النفقة لأنها تسقط بمضي الزمان بخلافه .
القول الثاني : لا يلزمه ذلك شرعاً ولا يجبر عليه قضاء :
وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ، لكن قال بعض الشافعية ،: إن كان سبب وجوب الدين معصية كإتلاف مال الغير عمداً وجب عليه الاكتساب .
الأدلة : قوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى الميسرة } فأمر بإنظاره ولم يأمر باكتسابه ، ولقوله ص لغرماء من كثر دينه ( خذوا ما وجدتم ليس لكم إلا ذلك ) ولم يأمره بالاكتساب أو تأجير نفسه ، ولأن الدين إنما تعلق بذمته ولم يتعلق ببدنه .
وأجابوا عن أدلة الفريق الأول بأن الحديث ضعيف ، وعلى فرض صحته فالذي يظهر أن هذا الرجل كان عبداً ، ولذلك أورده الدارقطني في كتاب المكاتب أو أن ذلك محمول على بدايات الإسلام جرياً على ما كانت عليه الجاهلية من بيع الرجل المعسر بالدين لرب الدين ثم نسخ ذلك .
وأما القياس على النفقة فلا يصح ، لأن قدر النفقة يسير والنفقة فيها إحياء بعضه فلزمه الاكتساب بخلاف الدين .
الترجيح : الذي يظهر لي : بعد تأمل ما سبق من أقوال واستدلالات وبالنظر للأصول الشرعية هو قوة القول الأول ، لأنه لا يتعارض مع آية انتظار المعسر لأن المدين القادر على التكسب يأخذ حكم الموسر بدليل حرمانه من الزكاة وسقوط نفقته عن قريبه ووجوب نفقة قريبه عليه ، بل الآية توجب إجباره على التكسب فبالله كيف يوسر الشخص إذا لم يعمل ويكتسب ثم إن الإنظار لا ينافي الإجبار على التكسب حيث إنه يجبر على العمل و التكسب و ينظر إلى أن يوسر بالتكسب أو غيره , وليس في حديث معاذ ما يتعارض مع هذا القول ، فقد يكون النبي ص قد علم من معاذ أنه لا حرفة له يكتسب بها ، ثم إنه ورد في بعض الروايات أنه بذل وسعى في السداد وجمعت له أموال لكنها لم تف بكل الدين .
ثم إنه لو فتح للناس هذا الباب لأقدم كل واحد على أخذ أموال الناس وقعد في بيته عالة على المجتمع ( والنبي ص دخل المسجد يوماً فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال يا أبا أمامة ، مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاة ؟ فقال : هموم لزمتني وديون ، قال : أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك ، قال بلى يا رسول الله ، قال : قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ) فكيف يصح الأمر بالاستعاذة من العجز والكسل كل صباح وكل مساء مع جلوس المدين القادر على التكسب في بيته والله أعلم .
المطلب الرابع : ما جاء في فضل إنظار المعسر :
بعد هذا التطواف في الأحكام الفقهية المتعلقة بالإعسار نورد بعض الأحاديث النبوية الحاضة على إنظار المعسر ترقيقاً للقلوب وتذكيراً بما جاء في ذلك من الثواب .
فعن أبي هريرة ر عن النبي ص أنه قال ( كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله يتجاوز عنا ، فتجاوز الله عنه )
وعن حذيفة رعن النبي صلى اللع عليه وسلم ( أن رجلاً أتى به الله عز وجل فقال : ماذا عملت في الدنيا ؟ فقال الرجل : ما عملت مثقال ذرة من خير أرجوك بها ، فقالها ثلاثاً وقال في الثالثة أي رب كنت أعطيتني فضلاً من المال في الدنيا فكنت أبايع الناس فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر ، فقال تبارك وتعالى : نحن أولى بذلك منك ، تجاوزا عن عبدي فغفر له ) .
وعن أبي هريرة ر عن النبي ص قال ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسّر على معسر في الدنيا يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) .
وعنه قال : قال رسول الله ص( من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ) .
وعن ابن عباس ر قال : خرج رسول الله ص إلى المسجد وهو يقول هكذا ، وأومأ أبو عبد الرحمن بيده إلى الأرض ، ومن أنظر معسراً أو وضع له وقاه الله من فيح جهنم ) .
وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: من أنظر معسراً فله كل يوم مثله صدقة ) ثم سمعته يقول: ( من أنظر معسراً فله كل يوم صدقة ) فقلت يا رسول الله سمعتك تقول: ( من أنظر معسراً فله كل يوم مثله صدقة ) ثم سمعتك تقول ( من أنظر معسراً فله كل يوم مثليه صدقة ) قال ( له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين ، فأنظره فله كل يوم مثليه صدقة ) .
وورد في ذلك أحاديث وآثار أخرى ، لكن اقتصرت منها على ما يحقق الغرض والله أعلم.
خاتمة بأهم نتائج البحث
بهد هذه الدراسة للأحكام المتعلقة بالإعسار في الفقه الإسلامي وموازنة ذلك بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية خلصت إلى نتائج الآتية :
1 ــ أن المدين المعسر هو المدين الذي لا يملك فاضلاً عن حاجته .
2 ــ أن المدين المفلس هو المدين الذي لا تفي أمواله بسداد ديونه الحالة .
3 ــ أن المعسر عند رجال القانون هو المفلس في اصطلاح الفقهاء .
4 ــ أن رجال القانون يقصرون مصطلح المفلس على التاجر المعسر قانونياً .
5 ــ أن من ادعى الإعسار وصدقه الدائن على ذلك لم يجز حبسه ووجب إنظاره إلى ميسرة .
6 ــ أن المدين المليء إذا ادعى الإعسار لم يلتفت لقوله ، وللقاضي أن يبيع من أمواله ما يفي بدينه أو يحبسه حتى يؤدي ما عليه .
7 ــ أنه إذا جهل حال مدعي الإعسار وكان دينه عن معاوضة مالية أو لزمه باختياره فالقول قول الدائن في عدم الإعسار وله حبسه حتى يبرأ من الدين أو يثبت إعساره .
8 ــ أنه إذا جهل حال مدعي الإعسار وقد لزمه الدين بغير اختيار منه فالقول قوله أنه معسر بيمينه وعلى الدائن إثبات أنه موسر .
9 ــ أن للمدين تحليف الدائن أنه لا يعلم عسره ، فإن حلف فله حبس المدين حتى يبرأ من الدين أو يثبت إعساره ، وإن نكل ردت اليمين على مدعي الإعسار .
10 ــ أنه يجب على القاضي ــ بمساندة الجهات المختصة ــ استفراغ الوسع في التحري عن حال مدعي الإعسار بكل وسيلة ممكنة .
11 ــ أن الإعسار يثبت بالبينة الدالة عليه ، والأصل في ذلك شهادة رجلين عدلين ، وللقاضي عند الاقتضاء أن يثبته بشهادة ثلاثة عدول أو يكتفي برجل وامرأتين أو بشاهد ويمين المدعي .
12 ــ أنه يشترط فيمن يشهد بالإعسار أن يكون مع العدالة ذا خبرة باطنة بحال المشهود له .
13 ــ أنه تصح الشهادة على الإعسار بكل صيغة تدل عليه بعد استيثاق القاضي من علم الشهود بحقيقة معنى الإعسار .
14 ــ أنه يشرع للقاضي أن يطلب يمين مدعي الإعسار مع البينة ، بل يجب ذلك في بعض الصور .
15 ــ أنه إذا تعارضت بينة الإعسار مع بينة اليسار قدمت البينة التي تبين السبب ، فإن لم تبينا سبباً قدمت بينة من يقدم قوله في الإعسار أو عدمه ، وإن بينتا جميعاً السبب قدمت بينة اليسار ما لم تشهد بينة الإعسار بعسر حادث بعده .
16 ــ أن وقت سماع البينة على الإعسار منوط باجتهاد القاضي سواء أكان قبل السجن أم أثناءه أم بعده .
17 ــ أن تقدير مدة حبس مدعي الإعسار استظهاراً لحاله منوط باجتهاد القاضي ، ولا مانع أن يقيد ولي الأمر سلطة القاضي في ذلك ببعض الضوابط والقيود ضماناً لانسجام الأحكام .
18 ــ أنه لابد في حبس مدعي الإعسار من طلب الدائن .
19 ــ أن الوالد لا يحبس لولده إلا إذا امتنع عن الإنفاق على ولده الذي تلزمه نفقته مع القدرة عليها .
20 ــ أنه يجوز حبس المرأة المماطلة في سداد الدين ، على أن يكون ذلك في سجن خاص بالنساء متقيد فيه بالضوابط الشرعية بعد استيفاء الوسائل الممكنة لحملها على السداد .
21 ــ أنه ينبني على ثبوت الإعسار إخراج المعسر من الحبس وعدم ملازمته أو التضييق عليه من قبل الدائن وعد مطالبته بالسداد ما لم يوسر إلا أن ذلك لا يمنع من متابعة أحوال المعسرين من الجهات المختصة .
22 ــ أنه ينبغي معاقبة من أعسر بتفريط منه أو تعد .
23 ــ أنه يجوز للقاضي أن يحدد للمدين المعسر أجلاً تنتهي فيه آثار الإعسار ، وله أن يجدد إثبات إعساره مرة أخرى عند الاقتضاء .
24 ــ تحديد الأجل الذي ينتهي به ثبوت الإعسار يكون باتفاق الطرفين أو باجتهاد القاضي بعد مراعاة الجوانب المؤثرة في تحديد هذا الأجل .
25 ــ أن الشريعة الإسلامية حثت على إنظار المعسر ورغبت في ذلك .
26 ــ أن الشريعة الإسلامية في معالجتها لمشكلة الإعسار وازنت بين الرفق بالمدين المعسر وعدم الإضرار بالدائن ، وأن الفقهاء المتقدمين عالجوا كثيراً من أحكام الإعسار في ضوء فهمهم للنصوص الشرعية المتناسب مع عصرهم ، وأننا بأمس الحاجة لتجديد الاجتهاد الفقهي المنضبط بالنص الشرعي دون إغفال للمقاصد الشرعية مع الاستفادة من تجارب الآخرين .
27 ــ أن الأنظمة الخاصة بالإعسار والإفلاس المعمول بها في المملكة العربية السعودية مستقاة في الجملة من أحكام الشريعة الإسلامية ، ولا تخالف شيئاً منها ، وإن كانت بحاجة لاستكمال بعض جوانب النقص التنظيمية .
وفي الختام أسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يجزي خيراً كل من أعانني في إعداده وإخراجه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أنتهى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب : دكتور / أحمد بن عبد الله الجعفري – الإعسار -في الشريعة الإسلامية ونظام القضاء السعودي ..
اترك تعليقاً