بواسطة باحث قانوني
يســم الله الرحمــن الرحيــم
– تعريف الغلط: هو توهم يصور للعاقد غير الواقع واقعاً ويدفعه للتعاقد. وهناك نظريتان في تعريف الغلط: تقليدية وحديثة.
أ- النظرية التقليدية: تقسم الغلط إلى ثلاثة أنواع، وهي:
– الغلط المانع: وهو الذي يمنع الانعقاد لأنه يقدم الرضا، ويقع إما في ماهية العقد،كأن يعطي شخص لآخر مبلغاً من المال على سبيل القرض، واعتقد الآخر بأنه هبة. أو فيمحل العقد،كما لو باع شخص لآخر أحد السيارتين اللتين يملكهما، واعتقد المشتري أنه يشتري الأخرى. أو في سبب الالتزام، كما لو تصالح الوارث مع الموصى له عن الوصية على مبلغ من المال، ثم تبين بأن الوصية ملغاة. أو في نقل إرادة أحد المتعاقدين، إذا حرفها الرسول الناقل. ويخرج هذا النوع عن نطاق الغلط كعيب من عيوب الرضا.
– غلط لا يؤثر في صحة العقد: ويقع في شخص المتعاقد أو صفته عندما لا تكون شخصيته محل اعتبار. وفي صفة غير جوهرية للشيء المعقود عليه. وفي قيمة الشيء، كمن باع قطعة أثرية بمبلغ معتقداً أنه قيمتها الحقيقية، فيتبين أنها تساوي أكثر منه. وفي الوقائع المادية، كالخطأ الحسابي. وفي الباعث على التعاقد، كمن اشترى جهاز هاتف نقال لاعتقاده بأن جهازه القديم قد ضاع، فتبين خلاف ذلك. وأخيراً في القانون.
– غلط يعيب الرضا ويجعل العقد قابلاً للإبطال: ويقع في الحالات الآتية: الغلط في مادة الشيء، كمن اشترى قطعة على أنها من الذهب، ثم تبين أنها من النحاس. والغلط في شخص المتعاقد عندما تكون شخصيته محل اعتبار، كما هو عليه الحال في عقود التبرع والشركة. والغلط في صفة جوهرية للشيء، كمن اشترى ساعة على أنها أثرية، فتبين عكس ذلك. والمعيار الذي تأخذ به هو معيار مادي.[1]
أ- النظرية الحديثة:
ويرجع الفضل في ظهورها إلى القضاء الفرنسي. وترى هذه النظرية بأن النظرية التقليدية هي ضيقة وجامدة، ولا تتماشى مع المرونة التي تتطلبها الحياة العملية، ولا تراعي إرادة المتعاقدين. فلا تكون العبرة للغلط في مادة الشيء دون قيمته، فقد يكون الغلط في مادة شيء أقل شأناً في نظر العاقد من الغلط في قيمته. وما يجب أخذه بالحسبان هو أن يقع الغلط في أمر جوهري بالنسبة للعاقد، بحيث يكون هو الدافع إلى التعاقد. فلا يجب أن يكون هناك أحوال محددة يؤثر فيها الغلط، وأحوال أخرى لا يؤثر فيها. وإنما يجب حسبان كل الحالات متى وقع الغلط في أمر جوهري هام بالنسبة للعاقد وكان هو الدافع إلى التعاقد. ولا فرق في أن يكون الغلط في مادة الشيء أو في الشخص أو في القيمة أو في الباعث أو في القانون. وبالتالي فإن النظرية الحديثة أخذت بمعيار شخصي، وهو معيار مرن. وحتى يكون هذا الغط سبباً لإبطال العقد يجب أن يكون مشتركاً، أي وقع المتعاقد الآخر أيضاً فيه، أو كان هذا الأخير سيء النية.[2]
2- شرائط الغلط في القانون السوري:
تنص المادة /121/م. سوري على أنه:
((إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد، إن كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في هذا الغلط، أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه)).
ويستخلص من ذلك أنه يشترط في الغلط المعيب للإرادة شريطتان، وهما:
1ً – أن يكون الغلط جوهرياً: لا يعيب الغلط الإرادة إلا إذا كان جوهرياً، وعندئذ يؤدي إلى إبطال العقد. أما إذا كان الغلط غير جوهري فلا يعيب الإرادة، ولكن متى يكون الغلط جوهرياً؟ المادة /122/، فقرة 1، م.س. تجيب عن هذا التساؤل بقولها: (يكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة، بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد، لو لم يقع في هذا الغلط).
يستخلص من ذلك أن معيار التفرقة بين الغلط الجوهري والغلط غير الجوهري هو معيار ذاتي، وذلك لأن الدافع إلى التعاقد يختلف من شخص إلى آخر.[3]
وبينت الفقرة الثانية من المادة /122/نفسها حالات الغلط الجوهري، حيث جاء فيها: ((ويعتبر الغلط جوهرياً على الأخص:
أ- إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولما ينبغي في التعامل من حسن النية.
ب- إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد)).
وقد ذكرت هذه الحالات على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وهذا ما يستفاد من مقدمة هذه الفقرة. ويستخلص من ذلك أن المشرع السوري لم يقيد الغلط في حالات معينة، وذلك لأنه لم يأخذ بالحسبان ما يرد عليه الغلط، وإنما أخذ بالحسبان أثر الغلط في دفع الإرادة إلى التعاقد.
وبالتالي فإن الغلط المعيب للإرادة في القانون السوري يمكن أن يقع في صفة للشيء، أو شخص المتعاقد، أو في قيمة محل العقد، أو في الباعث.
– الغلط في صفة الشيء: ومثال ذلك إذا اشترى شخص لوحة على أنها من صنع الرسام الشهير بيكاسو، ثم تبين أنها مجرد تقليد أو أنها من صنع رسام مغمور. وكذلك الحال إذا اشترى شخص آنية على أنها أثرية وكانت هذه الصفة هي التي دفعته للتعاقد، ولكنه يعتقد في الآن ذاته أنها مصنوعة من الذهب، ثم تبين بعد ذلك أن الآنية هي أثرية ولكنها مصنوعة من البرونز، فهنا الغلط لا يبطل العقد، لأنه لم يقع في صفة جوهرية دفعت المتعاقد الذي وقع في الغلط إلى التعاقد.[4]
– الغلط في شخص المتعاقد: لا يكون الغلط في شخص المتعاقد سبباً لإبطال العقد إلا في العقود التي تعد فيها شخصية المتعاقد أو صفته محل اعتبار. وغالباً ما يكون شخص المتعاقد محل اعتبار في عقود التبرع، وكذلك في العقود التي ينظر فيها إلى شخصية المتعاقد. ومثال ذلك تعاقد شخص مع فنان مشهور لأحياء سهرة فنية، ثم تبين خلاف ذلك. أو أن يتعاقد شخص مع طبيب بحسبانه الجراح الشهير، ثم تبين خلاف ذلك. وكذلك الحال إذا أجر شخص منزله لامرأة على أنها حسنة السيرة، ثم تبين أنها فاسدة السلوك.[5]
– الغلط في الباعث: ومثال ذلك أن يبيع شخص في مرضه جميع أمواله معتقداً أنه في مرض الموت، ثم شفي بعد ذلك، فيكون الباعث الدافع للتعاقد مغلوطاً، وبالتالي يحق له أن يطالب بإبطال العقد. وكذلك الحال إذا اشترى شخص سيارة معتقداً أن سيارته احترقت، ثم تبين عدم صحة ذلك.
– الغلط في القيمة: ومثال ذلك أن يبيع شخص شهادة استثمار يملكها بقيمة ألف ليرة سورية، ثم تبين أن هذه الشهادة قد ربحت جائزة مقدارها مليون ل. س قبل بيعها، وكان صاحبها يجهل ذلك. فهنا يحق له أن يتمسك بالغلط في القيمة ويطلب إبطال البيع. أما الغلط في الحساب فلا يؤثر في صحة العقد ولكن يجب تصحيحه، طبقاً لما نصت عليه المادة 124م.س.
ولا يجوز لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية. ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذه، وفقاً لما جاء في المادة 125م.س. ويستخلص من ذلك أنه إذا اشترى شخص لوحة على أساس أنها أصلية، ثم تبين بعد ذلك أنها تقليد، لا يجوز له أن يتمسك بالإبطال إذا عرض عليه البائع أن يسلمه اللوحة الأصلية، وذلك لأنه إذا تمسك بالإبطال في مثل هذه الحال كان ذلك مخالفاً لما يقضي به حسن النية[6].
2ً- أن يعلم المتعاقد الآخر بالغلط:
وهذا ما نصت عليه المادة 121م.س. وبالتالي لا يكفي أن يكون الغلط جوهرياً حتى يؤدي إلى إبطال العقد، وإنما يجب أيضاً، بالإضافة إلى ذلك، أن يكون المتعاقد الآخر قد وقع في الغلط ذاته، أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يكتشفه. فإذا اشترى شخص ساعة على أنها أثرية، ثم تبين خلاف ذلك، فيكون المشتري قد وقع في غلط في صفة جوهرية للشيء. وإذا وقع البائع في الغلط ذاته، فيمكن إبطال العقد. وكذلك الحال، إذا لم يقع البائع في الغلط، وإنما كان عالماً بغلط المشتري، فحسن النية يوجب عليه أن يعلم المشتري بالغلط الذي وقع فيه، فإذا سكت عن ذلك، عد سيئ النية، وبالتالي جاز إبطال العقد جزاءً لسوء نيته. وكذلك الحال، إذا كان البائع يتاجر بالآثار حصراً، وبالتالي كان من السهل عليه أن يعلم ما إذا كانت الساعة أثرية، فإذا قصر بذلك، جاز للمشتري إبطال العقد.[7]
3- الغلط في القانون:
أجاز المشرع إبطال العقد ليس فقط في حالة الغلط، وإنما أيضاً في حالة الغلط في القانون، طبقاً لما نصت عليه المادة 123 م.س. والغلط في القانون هو توهم قاعدة قانونية على خلاف حقيقتها. ومن أمثلته: بيع الزوجة حصتها في تركة زوجها، وهي تعتقد بأنها ترث الثمن فيها، وفي حين أن نصيبها هو الربع لأن الزوج لم يترك أولاداً. وهو غلط في القيمة. وإقرار شخص بدين في ذمته وهو يعتقد بأنه دين مدني ملزم له قانوناً، ثم يتبين بعد ذلك أن هذا الدين ما هو إلا دين طبيعي لا يجبر على الوفاء به وهو غلط في صفة جوهرية في الشيء. وتبرع الزوج بماله لزوجته وهو يعتقد بان عقد الزواج بينهما صحيح، ثم يتبين بعد ذلك أن عقد الزواج باطل. وهو غلط في شخص المتعاقد.[8]
ويشترط للتمسك بالغلط في القانون:
1ً- أن يكون من شأن التمسك به تطبيق حكم القانون لا استبعاده ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 228، فقرة، 1، م.سوري والتي جاء فيها: ((يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على معدل آخر للفوائد سواء أكان ذلك في مقابل تأخير الوفاء أم في أية حالة أخرى تشترط فيها الفوائد، على ألا يزيد هذا المعدل على تسعة في المئة فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا المعدل وجب تخفيضها إلى تسعة في المئة وتعين رد ما دفع زائداً على هذا المقدار)).
وبالتالي لا يجوز للمقرض في مثل هذه الحال أن يحتج بجهله بهذه القاعدة ويطلب إبطال العقد من أجل تفادي إنقاص الفائدة إلى الحد الجائز.
2ً- أن يقع الغلط في قاعدة قانونية صريحة منصوص عليها في التشريع أو مجمع عليها في القضاء.
3ً- ألا يكون هناك نص يمنع التمسك بالغلط في القانون. ومثال ذلك نص المادة 524 م. سوري والتي جاء فيها أنه: ((لا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون.[9]))
اترك تعليقاً