الاحتيال بقصد الزواج
تتغير القيم الأخلاقية فى المجتمعات بسبب التقدم الحضاري ، الذي من بين سلبياته خلق هوة بين الأشخاص فى علاقاتهم ونوع من الفتور والبرود حتى لم نعد نتعرف على جوهرنا إلا بالمعاشرة والاتصال المباشر ، وهذا قد يكون له تأثير سلبي على الإنسان ، ومن القيم السلبية عدم المصداقية فى التعريف بأنفسنا أو استغلال أسماء أشخاص أو عائلات معروفة للوصول إلى أهدافنا ومن بينها الزواج الذي من شروط ديمومته الصدق والوضوح لأن البناء غير السليم سيكون له نتائج سيئة ولو على المدى البعيد ، ومن تلك الظواهر أن ينتحل الإنسان صفة غيره لاعتقاده أنه لن يكون مقبولا لشخصه أو أن نسبة نفسه للغير سيكون مدعاة لقبوله والثقة فيه ، وأحيانا كثيرة لا يكون لهذا الشخص علاقة مباشرة بأولئك الأشخاص أو قد تكون علاقته بهم عابرة بسبب العمل أو طبيعة التواصل الحياتي اليومي وما تستدعيه من تعارف على الآخرين بصورة رسمية ، ومن المعضلات التي تواجه الزواج أن البعض لم يعد أمينا فى إجابته عندما يتم سؤاله عن سلوكيات الفتاة أو الفتى وأخلاقياتهما ، ولعل لذلك مبررا إذا كان الفتى أو الفتاة قد مروا بفترة مراهقة صعبة ، ولكنهما لم يقدما على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية ، أو أصيبا بمرض عضال يجب أن يعلم به الطرف الأخر ، وللأسف إن بعض العائلات لا تمانع فى تزويج أبنها أو أبنتها وهى تعلم إصابته أو إصابتها بمرض عضال وتخدع الطرف الآخر ، إلا أن هذا الاحتيال الذي يستخدمه البعض لتدليس الحقائق والإدلاء بمعلومات غير حقيقية والذي يعد من قبيل الغش قد لا تتحقق به جريمة النصب المؤثقة بموجب المادة ( 461) عقوبات إذا لم تتوافر أركانها القانونية ، ومنها أن الشخص الذي انتحل شخصية الغير أو أوهم عائلة الزوجة أنه يعمل مع صاحب نفوذ أو مكانة اجتماعية ليحفزهم على القبول به كزوج ، أراد وهدف من الزواج بالفتاة تحقيق مصلحة مادية كاستغلال ثروة تملكها أو استغلال مرتبها إذا كانت تعمل لاستنزافه وهو ما تتحقق به النتيجة المؤثمة قانونا ، وهى تحقيق نفع غير مشروع وهو ما ينطوي بذاته على عنصر الإضرار بالزوجة المستقبلية التي خدعت وتضررت بسبب التدليس والغش ، وإذا ما تكاملت هذه العناصر وهى تدليس الحقائق وإيقاع الغير فى غلط ، ولو كانت مجردة بالنسبة لمن ينتحل صفة اجتماعية ، أما فى الصور الأخرى للسلوك الإجرامي فأن الفعل لا يتحقق به الاحتيال إلا إذا أفتعل الشخص سلوك يدعم به كذبه بوسائل مادية لإظهار نفسه كصاحب أعمال كإقامته بفندق أو قيادته سيارة ضخمة ، فى حين أن مجرد الإدعاء بأن له صفة اجتماعية أو وظيفة ما مثال ذلك تقديم نفسه كرجل شرطة أو ضابط أو ادعائه بأنه على معرفة وثيقة بشخص معروف بالمجتمع مما تقوم به جريمة النصب إذا كانت الغاية من هذا المسلك لا مجرد الزواج بل الحصول على نفع غير مشروع من الزوجة أو عائلتها .
ولا أهمية لنوع المنفعة المراد تحقيقها من الزواج ، والتي لا تقتصر على نية الارتباط بفتاه من عائلة كريمة والذي لاتقوم به الجريمة الجنائية كما ذكرنا، بل يتجاوزه إلى تحقيق النفع الذي يستوي أن يكون نفعا مادي أو معنوي ، ولقاضي الموضوع تقدير الضرر الذي لحق بالمجني عليه أو عليها جراء هذا الارتباط.
ويتعين الذكر أن الزواج وهو عقد تراضى بين طرفين يمنح من وقع فى غلط بسبب التدليس والغش المتعمد الذي ارتكبه الطرف الأخر لتسهيل الزواج أن يلجأ للقضاء المدني للمطالبة بالتعويض عما لحق به من ضرر كما للزوجة أن تطلب الفرقة إذا تبين لها بعد الارتباط أنها كانت ضحية احتيال ولأن الزوج لم يهدف إلى تحقيق منفعة غير مشروعة بل إلى الارتباط بها والفوز بها ، فأن الفعل لا يتحقق به جريمة ولكن الضرر وقع ولها أن تصفح أو تلجأ للقضاء لأنها كانت ضحية للخداع والغش وهو ما وقع فى حادثة كانت ضحيتها أستاذة أوهمها من ارتبطت به أنه ضابط شرطة وطيلة مدة زواجهما كان يرتدى هذا الزى ويخرج رفقة أصدقائه ويذهب للعمل فى الساعات المقررة إلا أنها فوجئت بأنها ضحية للخداع لأن الزوج عاطل عن العمل وكان يستغلها ويستنزف مرتبها ويستغل نفوذ عائلتها وهو ما دفع بها لرفع دعوى فرقة لطلب الطلاق وقدم للمسألة عن جريمة نصب لأن احتياله كان يهدف تحقيق نفع غير مشروع وتسبب فى الإضرار بالمجني عليها.
اترك تعليقاً