صياغة العقود التجارية الدولية
بواسطة باحث قانوني
كتابات متميزة عن صياغة العقود التجارية الدولية
تم الإستعانة بالعديد من المواقع القانونية المتميزة ( منتدى شؤون قانونية )
من خلال هذا الموضوع سأتطرق إلى أهمية صياغة العقد الذي يبرم بين المتعاقدين، ليكون بمثابة دليل عملي لهما، فيبدأ بمقدمة تشير إلى كيفية تعامل محترفي التجارة الدولية ومدى تأثير إرادتهم عند إببرم عقودهم بحيث عدت العقود الطليقة، القسم الاول بعنوان الصياغة شكلا، إذ تضمن تأثير إستخدام الحاسوب على كتابة العقود، والنصائح التي تقدم إلى المكلف بالصياغة، وتميز العقد عن محاضر التفاوض، واما القسم الثاني، فعنوانه هو ” الصياغة من حيث المضمون ” فقد تم التركيز على تحديد محتوياتها بموجب انواع الصياغة، أولاً وضمانات العقد ثانيا، والإعفاءات ثالثا وشرط التحكيم رابعا، ثم انتهى البحث إلى تمييز عقد التجارة الدولية عن العقود المحلية لا سيما ضرورة تضمينه قواعد لتفسيره بموجبها.
صياغة عقود التجارة الدولية : مقدمة
ذهب بعض الكتاب إلى القول، بعدم اخضاع عقد التجارة الدولية لأي احكام قانونية، يكون مصدرها النظم القانونية الوطنية، أو القانون الدولي العام. إذ كشفت دراساتهم الحديثة ذات الصبغة الواقعية، عن وجود جماعات من المتعاملين، على النطاق الدولي، تقوم بمزاولة التجارة الدولية، بل واحتكارها في كثير من الاحيان، على اساس قواعد من صنعها، فصارت ملزمة لأعضاء الجماعة في معاملاتهم الدولية، دون تدخل من جانب السلطات في مختلف الدول، فلم تقم الحاجة إلى ان تقوم الدولة بسنها بتشريع أو بنظام ولم تقم الحاجة إلى ان تقوم السلطة بوضع ما يضمن تنفيذها والإلتزام بها، وعلى ذلك فإن عقدا من عقود التجارة الدولية، قد يخضع في جميع اجزائه، للقواعد المرعية بين اعضاء الجماعة، كما لو كانت الجماعة متألفة من المقرضين والمقترضين، أو من العاملين في صناعة البترول، دون الحاجة في ذات الوقت، لأن يكون العقد خاضعا في الوقت ذاته، لنظام قانوني تفرضه احدى الدول بسلطتها المنفردة أو بنتيجة إتفاق دولي (1)، حيث يشبه العقد الدولي بالنسبة للمتعاقدين، كالقانون الصادر من البرلمان بالنسبة للمخاطبين بأحكامه، فهو اشبه بعملية تشريعية .
والشروط التعاقدية، تشكل في مجموعها، قانونا خاصا، يحكم كافة جوانب العقد، دون حاجة إلى قانون المشرع … “، وسبق ان اشار إلى هذه الظاهرة العميد الاستاذ هنري باتيفول بقوله ” إن شيوع إستعمال هذه الصيغ النموذجية دفع إلى القول بأن الراي العام تنبه منذ خمسين عاما إلى مظاهر الحياة القانونية خارج النطاق الحكومي، في النمو الاقتصادي والاجتماعي الذي نشأ عقب الثورة الصناعية التي انبثقت عن التقدم العلمي احدث احتياجات قانونية جديدة وعاجلة لم يتمكن المشرع الحكومي من تلبيتها وانما ظهرت بوادرها في العقود النموذجية والإتفاقات الجماعية والأعراف التجارية … “.
وهذا ما يتفق وقول الاستاذ بورتاليس احد و اضعي القانون المدني الفرنسي بقوله ” بأن القوانين عبارة عن الإرادات ” وان تعدد القضايا الحديثة لا سيما في القانون التجاري يؤدي بانتظام إلى ايجاد حلول عقدية قبل تدخل المشرع والمحاكم كما قيل بأن القانون ينطوي على إرادة وتحديد هدف وبحث عن الوسائل، ويتجه الرأي القانوني المعاصر نحو التأكيد على هذه الظاهرة الخاصة بالقانون، ويعد نجاح لفظة (فني) بالرغم من التباساتها دليلا على هذه الظاهرة لأن القصد هو إدراك نتائج محددة بوسائل خاصة(2).
وفي هذا عود واضح لمبدأ سلطان الإرادة، الذي ازدهر في بداية القرن العشرين، وعندما بدأ يتراجع هذا المبدأ في مجال العقود تحت تأثير تدخل الدولة، اكد القضاء في ميدان عقود التجارة الدولية على ان هذه العقود تخضع للقانون الذي يختاره الأطراف ويخضعون لاحكامه بمحض ارادتهم، فالقوانين الوطنية التي كانت تتلائم قديما مع العقود الدولية البسيطة، اصبحت غير متمشية مع العقود الدولية الحديثة المركبة والتي لا تعرف القوانين الوطنية لها قرينا وهنا استشعر رجال التجارة الدولية الحاجة إلى قواعد قانونية جديدة اكثر إتفاقا ومناسبة والتي تقوم على اساس الإرادة الحرة للأطراف، فبدلا من ان تلعب الإرادة دورها كقاعدة اسناد في تحقيق التنسيق بين سيادات الدول والتعايش بين النظم القانونية الوطنية،
فإن سلطان الإرادة يظهر كوسيلة دفاعية عن النظام القانوني الدولي في مواجهة النظام القانوني الداخلي(3)،وبهذا يمكن القول أن الحقوق توجد قبل القانون وإستقلالا عنه، وبذلك ظهرت تسمية خاصة بهذا النوع من العقود هي العقود الطليقة، ولو ان هذا النوع من العقود غالبا ما يكون من عقود الدولة، أي يكون طرفها دولة، والطرف الآخر شركة أجنبية، كالعقد المبرم بين دولة الكاميرون واحدى شركات البحث عن البترول، فقد نص على أنه ” لا يمكن ان تطبق على الشركة، بدون موافقتها المسبقة، التعديلات التي تطرأ على القوانين النافذة حين إبرام العقد، وما جاء بالعقود المبرمة بين تونس واحدى شركات البترول الامريكية عام 1978، على أنه يكون واجب التطبيق، على العقد، القانون التونسي الساري في تاريخ توقيع العقد، وهذا يعني تجميد القانون من حيث الزمان، بحيث لا يسري على العقد، إلا القانون الذي كان ساريا عند ابرامه، لأن الافضلية تعطى أولاً، لما يصوغونه من قواعد وشروط وفقا لمبدأ سلطان الإرادة، ولا يلجأون للقانون إلا على سبيل الاحتياط، وهذا الاتجاه هو الذي يدفع المتعاملين في التجارة الدولية إلى تحرير عقودهم بشكل تفصيلي، لتكون وحدها وبقدر المستطاع، قانونهم ومستقلا عن قانون أي دولة (4)، ويلاحظ هذا الاتجاه الذي يآخذ بمبدأ التجميد الزمني لقانون العقد ولو في العقود التي يكون أطرافها من الاشخاص العاديين وان المبرر لمثل هذه العقود، يتمثل في الحرص على استقرار الرابطة العقدية وحفظ توقعات الأطراف(5)، ويشير بعضهم إلى ان فكرة العقد الطليق ليست جديدة، وانما ترتد جذورها إلى سنة 1877، فقد اصدرت جمعية لندن لتجارة الحبوب، القواعد الموحدة، مستهدفة اخراج عقود التجارة الدولية للحبوب، من الخضوع لقانون الدولة (6)، ومع ذلك يشير البعض، إلى ان التجار ليس بمقدورهم دوما تضمين عقودهم نصا يستبعد تطبيق القوانيين الوطنية، بصورة مطلقة، بإعتبار ان هذا العقد الدولي، لا يعتبر بمثابة معاهدة دولية، اضافة إلى ان القوانين الوطنية تتضمن بعض القواعد الامرة، كالمتعلقة بسقوط الحق وتقادم الدعوى ولا تكون هذه القدرة بالمخالفة إلا عندما تكون الدولة طرفا في العقد، بإعتبار شخصا عاما (7)، فمن خلال ما تقدم، تبدو الأهمية في صياغة مثل هذه القواعد، وعدم إمكان تصورها إلا بإفراغها كتابة، بصرف النظر عن نوع هذه الكتابة ووسيلتها فهذه العقود تبقى مصدرها الفذ، ما تصنعه إرادة المتعاقدين ومن هنا الاهمية القصوى في كيفية تحريرها ووضوح معانيها(8) ولصياغة مثل هذه العقود عملت لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للامم المتحدة منذ عام 1981 على اعداد دليل قانوني لصياغة مثل هذه العقود وانتهت منه عام 1987 وتم نشره في نيويورك عام 1988، فمثل هذه العقود تسبقها عادة مفاوضات، فلا يتوقف إبرام العقد على مشيئة احد المتعاقدين، فلا يوجد إيجاب قائم وملزم، فينعقد على مشيئة إرادة القابل، كما هو الشأن عادة بل ان عقود التجارة التي تتمخض عن المفاوضات، تودي إلى وضع تصور مشترك لكل الموضوعات التي جرت مناقشتها، ومن ثم تسفر عن صياغة مشروع للعقد، وهو ما يمكن إعتباره بمثابة ايجاب مشترك اسفرت عنه إرادة الطرفين معا أي أنهما يوجبان على نفسيهما الإلتزام بالعقد النهائي(9) وللمساهمة في تحقيق هذا المطلب، نبحث صياغة هذه العقود من ناحيتين، الصياغة من حيث الشكل أولاً، والصياغة من حيث الموضوع ثانيا.
الصياغة شكلا
لكتابة بمعناها التقليدي :
الكتابة هي رموز تُعبر عن الفكر والقول، وليس في القانون، أو في اللغة ما يلزم بالاعتقاد إنها لا تكون إلا فوق الورق، ولكن جرت العادة كذلك، وتم إستعمالها في العقود، مدنية كانت ام تجارية، وبالرغم من ان القاعدة في القوانين التجارية، هي مبدأ الرضائية وحرية الاثبات إلا إنها تشترط في بعض الحالات، الكتابة كركن شكلي للانعقاد، كما هو الحال في عقود الشركات التجارية، وعقود شراء السفن والطائرات والاسناد التجارية، زيادة على ان الكتابة في مجتمع التجارة الدولية، هي الشائعة الإستعمال، فتتضمن عقودها الشروط العامة والخاصة(10)، فنراها متبعة لدى كثير من التجمعات المهنية مثل جمعية لندن للقمح وان لجنة القانون التجاري الدولي (الانسترال) تؤيد هذا الاتجاه وهو امر مرغوب فيه في ميدان التجارة الدولية، ونفس الشيء بالنسبة لغرفة التجارة الدولية في القواعد الخاصة بالبيوع التجارية الدولية، فالشروط العامة ليست عقدا متكاملا، انما مجموعة احكام يستعين بها المتعاقدون حيث يدرجونها ضمن عقودهم التي يستكملونها بعد ذلك بالشروط الخاصة التي يتفقون عليها(11).
وان مثل هذه العقود يحتاج تنفيذها مدة من الزمن، وفيها رسوم وخرائط وتعليمات وملاحق، ولا سيما في عقود نقل التكنولوجيا وعقود شرط تسليم المفتاح، فدون هذه الكتابة، لا يمكن للمتعاملين تمشية أمورهم، وتنظيم علاقاتهم بعضهم مع بعض الآخر، وبقيت أهمية الكتابة بالرغم من إستعمال أجهزة الحاسوب، ولكن تعاظمت المشكلة التي كان التجار يعانونها من إستعمال الكتابة على الورق بإستعمال هذه الأجهزة، فقد كانت المشكلة في التخزين والإسترجاع عند الحاجة وعند إستعمال اجهزة الحاسوب، صار الورق يخرج منها بكميات ضخمة ولا يوجد في الصفحة الواحدة، سوى سطر أو سطرين وعند كتابة كل الصفحة أو عدة صفحات، وأردنا نسخة نسخة طبق الاصل، فإن استخراجها يعتمد حسب ذاكرة الحاسوب، ووضع ختم وتوقيع عليها بأنها صورة طبق الاصل، بالرغم من عدم وجود اصل ورقي لما اخرجه الحاسوب.
أثر إستخدام الحاسوب على الكتابة التقليدية :
أدى إستخدام الحاسوب، إلى الاستغناء عن إستعمال الورق وذلك من خلال الخزن في ذاكرته، ولكن تبقى الحاجة إلى الورق، عند استخراجنا لما هو مخزون في هذه الذاكرة، فصار لدينا نوعين من المحررات النوع التقليدي والنوع الثاني، هو المحررات المتمثلة في التلكسات والفاكسات، فهذه محررات مكتوبة، ولكن لا تحمل التوقيع بالصورة التي تجيزها التشريعات، وهي التوقيع بالامضاء، أو الختم، أو البصمة، ان تعدد صور التوقيع تلك، يقر مبدءا، لا يمكن نكرانه، هو لا مانع من وجود صورة رابعة وخامسة حسب التطور الجاري، وتأكيدا لهذا المعنى، نرى كثيرا من الإتفاقيات الدولية، تؤكد ذلك وعلى سبيل المثال ما يلي :
إتفاقية نيويورك لعام 1958، بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الاجنبية وتنفيذها، فقد نصت مادتها (2/2) على ان شرط التحكيم، يمكن ان يرد في عقد أو إتفاق، موقع عليه، أو في تبادل خطابات أو برقيات .
إتفاقية نيويورك، بشأن التقادم في البيوع الدولية للبضائع لعام 1972 والتي تشير إلى ان مصطلح الكتابة، ينصرف ايضا إلى المراسلات الموجهة في شكل برقية أو تلكس(12).
إتفاقية فينا لعام 1980، والخاصة بالبيع الدولي للبضائع، والتي تنص مادتها(13) بأنه يشمل مصطلح الكتابة في حكم هذه الإتفاقية الرسائل والبرقية والتلكس، وبذلك تكون هذه الكتابة معتبرة ولو بالنسبة للدول التي تحفظت عند تصديقها الإتفاقية، والتي تشترط قوانينها الوطنية على إعتبار الكتابة شرط انعقاد خلافا لما تنص عليه هذه الإتفاقية في مادتها (11)، بنصها على لا يشترط ان يتم انعقاد عقد البيع أو اثباته كتابة، ولا يخضع لاي شروط شكلية، ويجوز اثباته بأي وسيلة، بما في ذلك الاثبات بالبينة .
الاصول والاعراف الموحدة للإعتمادات المستندية التي وضعتها غرفة التجارة الدولية المنشورة في كراسها رقم 400 لسنة 1983 في مادتها (12) والتي تنص على ” يجوز للمصرف الفاتح للإعتماد، ان ينقل التعليمات للمصرف الاخر، بإحدى طرق الاتصال الالية ولا يرسل أي اخطار تعزيز، إلا إذا وردت في طريقة الاتصال تلك عبارة ” التفاصيل سترد لاحقا ” أو أية عبارة ذات مفعول مماثل “، كما نصت مادتها (22/ ج) على ” مالم يرد غير ذلك في الإعتماد فإن المصارف تقبل كمستندات اصلية، المستندات البادية على إنها منتجة :
أولاً : بواسطة انظمة الإستنساخ .
ثانيا : بواسطة أنظمة آلية أو معلوماتية أو كمحصلة لهذه الأنظمة .
ثالثا : على شكل اشارة أو مستندات أصلية على أن يجري التصديق عليها، كلما اقتضى الأمر ذلك .
وقد جاءت نفس هذه القواعد بموجب التعديل الجديد المنشور في النشرة رقم (500) لسنة 1993 والتي تنص في مادتها (20/ب) على ” فما لم ينص الإعتماد على خلاف ذلك، تقبل المصارف ايضا كمستند، مستندات اصلية، المستند، المستندات المستخرجة أو يبدو إنها مستخرجة . بنظم الإستنساخ أو النظم الممكنة أو النظم المحوسبة . كنسخ كربونية، شريطة ان يؤشر عليها بأنها اصلية وعند الاقتضاء تبدو إنها موقعة .
إتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع لسنة 1978 (إتفاقية هامبورج)، فقد نصت في مادتها الأولى بندها الاول على ان (يشمل مصطلح ” كتابة ” فيما يشمل البرقية والتلكس).
وقانون الأوراق المالية الأردني رقم 23 لسنة 1997 والذي نص في مادته (24 – بندها ” ب ” على ان ” تعتبر القيود المودنة في سجلات البورصة وحساباتها سواء كانت مدونة يدويا أو الكترونيا واي وثائق صادرة عنها، دليلا قانونيا على تداول الاوراق المالية المبينة فيها بتاريخ تلك السجلات أو الحسابات أو الوثائق مالم يثبت عكس ذلك) وقد كرر نفس الحكم في مادته 30 البند ” ب” منه فيما يتعلق بالقيود التي تدون لدى مركز إيداع الأوراق المالية، ونص أيضا في مادته 72 البند “ج” على ان ” على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر، يجوز الاثبات في قضايا الأوراق المالية بجميع طرق الاثبات بما في ذلك البيانات الإلكترونية أو الصادرة عن الحاسوب وتسجيلات الهاتف ومراسلات اجهزة التلكس والفاكس ميلي”.
إتفاقية الامم المتحدة للكمبيالات الدولية والسندات الأذنية الدولية والتي نصت في مادتها ” د/ك” على ان ” التوقيع يقصد به التوقيع بخط اليد ” الامضاء ” أو بصورة لهذا التوقيع مأخوذه بطريقة التصوير البرقي أو بأي وسيلة اخرى لها الحجية نفسها(12)فيجوز إذا ان يكون التوقيع على المستند بخط اليد أو التوقيع بالتخريم أو بالختم أو بالرمز أو بأي وسيلة ميكانيكية أو الكترونية اخرى من وسائل التوثيق “(13).
صياغة عقود التجارة الدولية : الصياغة
الصياغة هي الاداة التي يجري بمقتضاها، نقل التفكير القانوني من الحيز الداخلي إلى الحيز الخارجي، فهي ببساطة أداة للتعبير عن فكرة كامنة لتصبح هكذا حقيقة اجتماعية، يجري التعامل على اساسها، وتطبيقا لذلك فإن الصياغة تعني في التحليل الاخير، التعبير عما يريده أطرافه بطريقة تنقل المعنى المراد بشكل مكتمل ودقيق مما يقيم تواصلا بحيث لا تظهر النزاعات بينهم، وتنعدم الحاجة إلى اللجوء إلى وسائل لتسويتها، وهذا لا يكون إلا بمراعاة ما يلي :
لعل أول ما يقوم به المكلف بالصياغة، هو التعرف على رغبة العميل، تمهيدا للتفكير في انسب الحلول المحققة لهذه الرغبة، فإذا كان موضوع العقد المطلوب صياغته، هو توزيع سلعة معينة في بلد معين، فيجب ان يحصل القائم بالصياغة، على معلومات من طرفي العقد، لتحديد القالب القانوني الملائم لوضع هذا الغرض موضع التنفيذ، ففي هذه الحالة، يمكن اختيار عقد الوكالة التجارية أو عقد التمثيل التجاري، واذا كان المطلوب هو صياغة عقد شركة فيجب ان يستعلم منهما، هل هي شركة مساهمة ام ذات مسؤولية محدودة ام تضامن ام توصية بسيطة ام محاصة مثلا، وفي عقود نقل التكنولوجيا يجب معرفة هل هو تنازل ” بيع ” أو مجرد عقد ترخيص صناعي(14) .
إستخدام الفواصل بين الجمل : يلاحظ ان المدرسة اللاتينية في الصياغة حالها حال اللغة العربية، تحرص على إستخدام الفواصل بين الجمل، في حين أنه من الممكن ان تجري صياغة نصف صفحة وربما صفحة كاملة بدون فواصل، إذا ما قام بالصياغة رجل قانون يعمل تحت مظلة مدرسة القانون العام، وهناك مثال طريق يشير اليه الكتاب لجملة فرنسية، يمكن ان يتغير معناها بحسب موضوع الفواصل وهي : Le professeur dit, linspecteur, est gentil ومعناها قال الاستاذ : المفتش طيب والصورة الثانية للجملة ذاتها مع تغير موقع الفواصل وهي :Le professeur, dit linspecteur, EST gentil ومعناها يكون، قال المفتش الاستاذ طيب (15).
تجنب إستعمال صيغة المبني للمجهول : وبصفة خاصة فيما يتعلق بتحديد المتعاقد الذي يقع عليه عبء تنفيذ الإلتزام محل الصياغة، مثل ” يتم عمل كذا، كاستخراج التراخيص من دون بيان الطرف المكلف بهذا العمل(16).
إستعمال الكلمات المناسبة : وتتطلب الصياغة من القائم بها، ان يضع في إعتباره، المعاني المختلفة للكلمات التي يستعملها القانوني عند أداء مهنته، قياسا للمحاسب، فأداته هي الارقام، وللكيميائي هي الرموز، وللمصمم هي الخطوط وللرسام هي الالوان، وللموسيقار هي النوته الموسيقية، واما بالنسبة لرجل القانون، فهي الكلمات والجمل وعلامات فصل الكلام، فالبطلان والانعدام والانفساخ والفسخ، فهذه كلها كلمات تشير إلى زوال التصرف القانوني، ولكن كل كلمة منها تحقق اثارا تختلف في معناها عن الكلمة الاخرى(17) ونفس الشيء بالنسبة للخطأ فهو غير الغلط، والضمان هو غير التضامن، ومحل التصرف هو غير مكانه .
تجنب إستعمال الكلمات ذات المعاني المتعددة أو غير المألوفة في لغة رجال الاعمال، واذا تطلب الامر إستعمال عبارة متداولة معروفة للطرفين، لكنها غير مألوفة في التعامل، فيجب ايضاحها، واما من الناحية الفنية فيجب التأكد من ان المصطلح الفني يعطي نفس المعنى عند كل من الطرفين فإذا تعدد المعنى، وجب بيان المعنى المتفق عليه بوضوح(18) وقد يكون من المستحسن ان يحرر القائم بالصياغة، قائمة بهذه المصطلحات، يلحقها بالعقد، أو ان يخصص لها بندا في مطلعه، من اجل التعريف بها ويشير بعضهم إلى ان المنظمات الدولية المعنية، يحسن بها ان تضع دليلا للمصطلحات الذائعة الإستعمال في المعاملات الصناعية الدولية، اسوة بدليل المصطلحات التجارية المعروفة بالانكوتيرمز، ليحتوي هذا الدليل المقترح على تلك المصطلحات كالمقصود من المصاريف العامة، ومصطلح رقم الاعمال، لان نظام المحاسبة المعتمد لدى كل متعاقد طرف في عقد تجارة دولية، قد يؤدي إلى مفهوم يختلف عما هو لدى الطرف الاخر(19).
عدم إستعمال العبارات التي تلزم العميل بشيء لا يريده الطرف الاخر، فإن كانت الحاجة مثلا تقضي بإبرام عقد شراء حبوب ولا يهم المشتري طريقة النقل، سواء اكانت بالسيارات ام بالسكك الحديد، فلا توجد مصلحة له في تحديد واسطة النقل بالسيارات مثلا، ما دام العقد يتناول جدولا تنفيذيا مبرمجا من حيث الزمان، ففي هذه الحالة، لو تعذر النقل بالسيارات فلا يمكن إلزام المورد بالتنفيذ بواسطة نقل اخرى وان كان النقل بها ممكنا(20)، ويمكن تقديم مثال آخر مستمدا هذه المرة من القضاء الاردني حيث تتلخص القضية بأن تعاقدت وزارة التموين الاردنية مع شركة لتزويدها بلحوم مستوردة من اوروبا الشرقية و تركيا ولدى التنفيذ جاءت اللحوم من بلغاريا وقبلتها الوزارة ولكن الشركة تأخرت عن تنفيذ إلتزامها حسب الجدول المثبت محتجة بتساقط الثلوج في بلغاريا مما يشكل قوى قاهرة، إلا ان الوزارة ردت بأن الشركة بإمكانها أن تأتي باللحوم من غير بلغاريا، لأن العقد لم يحصرها بهذه الجهة فاحتجت الشركة ان قبول الوزارة بجهة بلغاريا يعني تعديل العقد غير ان محكمة البداية حكمت لصالح الوزارة وصودق قرارها استئنافا وتمييزا(21) .
تجنب إستعمال العبارات المطاطية، كما لو نص العقد على ” التأمين ضد الاخطار المألوفة ” أو عبارة (التي يتم التأمين عليها عادة أو الاخطار التقليدية)، إذ يمكن للمصارف بالنسبة للإعتمادات المستندية مثلا، ان تقبل أي وثيقة تأمين من دون ان تتحمل المسؤولية(22) أو يتضمن عقد الإعتماد عبارة لا يصرف الإعتماد إلا بعد ابراز المستندات الرسمية والاصولية أو ” معروفة ” أو” مؤهلة ” فإن مثل هذه العبارات، لا تلزم المصرف بشيء(23) وعموما، يمكن القول في حالة عدم وجود مثل هذه النصوص القانونية الخاصة، فإن ورود أي كلمة في العقد، لا بد إنها تعطي معنى معينا بالنسبة لرجل القانون، وليس من السهل، ان تسلم بأن الكلمة وردت في العقد، اعمالا لمتطلبات البلاغة، أو جمال الكلام، وتطبيقا لذلك، لو نص العقد على أنه ابرم نظرا لشهرة المتعاقد، وخبرته في موضوع التعاقد فلا يجوز لهذا المتعاقد ان يتمسك بأن ما ورد في العقد بشأن خبرته، وانما كان على سبيل الاطراء، وذلك ان المقرر في قواعد التفسير، أنه إذا احتمل بند في العقد، معنيين، فيجب الاخذ بالمعنى الذي يجعل للعقد اثرا وبالتالي طرح المعنى الاخر الذي لا يجعل للعقد اثر(24)، ولو تضمن العقد اقرارا من المتعاقد بعلمه بالمزايا التقنية للمنتجات ووسيلة إستخدامها ونظام تركيبها، وتغليفها وتسليمها، ان مثل هذه الصياغة تحول دون التمسك بوقوع المتعاقد في غلط جوهري ليعدل عن اقراره هذا(25).
——————
اترك تعليقاً