بحث هام عن حكمة ضمان الفعل الضار و أثرها في تحديد موجباته في الفقه الإسلامي
مؤلـــف البحث:
د. أيمن علي صالح
إسم المجلة : مجلة مؤتة للبحوث والدراسات نوع المجلة : سنوية رقم العدد : 4 رقم الصفحة : 119 الدولة : المملكة الأردنية الهاشمية
الملخص
يهدف هذا البحث إلى تحديد الأفعال الموجبة لضمان الفعل الضار وضبطها، وذلك عن طريق إستثمار القاعدة الأصولية القاضية بشرطية كون سبب الحكم مظنة لحكمته. ومن هنا فقد قام الباحث:
أولا :بإثبات عدم انضباط سبب الضمان في الممارسة الفقهية.
ثانيا:بالبحث عن حكمة الحكم بالضمان بالمسالك الأصولية.
ثالثا:بتطبيق قاعدة لزوم كون سبب الحكم مظنة لحكمته.
رابعا:بالوصول إلى رأي في عدد من الأفعال التي اختلف الفقهاء في كونها توجب الضمان على فاعلها أو لا.
Abstract
This research aimed to marking out and adjusting the actions that cause the Satisfaction Guaranty of Trespass (Daman Al-Odwan), by utilizing the usouly foundation that says, it’s a condition for the cause of the judgment to be an object of the judgment interest. Therefor the researcher did the following:
Firstly: proving that the cause of the Daman judgment is not regulated in the juristic practice.
Secondly: looking for the interest that obtained from the Judgment of Daman by the usouly ways. Thirdly: applying the foundation that says it’s a condition for the cause of the judgment to be an object of the judgment interest.
Fourthly: establishing an opinion about some actions, which Islamic Jurists have been disagreed about their requirement of Daman.
المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:
فإن مما تفتقر إليه كثير من الأبحاث الفقهية، قديما وحديثا، رد المسألة أو المسائل، محل البحث، إلى جذرها الأصولي الذي تنبثق منه، وتقوم عليه. وهذا ما جعل هذه الأبحاث تتسم بطابع “التفريع” على حساب طابع “التأصيل”، وجعلها تزج بكاتبها ومطالعها، على حد سواء، في متاهة “الجزئيات” التي لا تنتهي، من غير أن تردهما إلى معتصم جامع من “الكليات” الهادية إلى سواء السبيل.
ولست في هذا الكلام أقلل من شأن “التفريع”، إذ هو الفقه نفسه، وهو الغاية من البنيان التشريعي كله. وإنما ألفت النظر إلى أن “التفريع” لا بد أن يكون مقرونا بـ “التأصيل”، وصادرا عنه، وإلا لم ينضبط، ولم يوقف فيه على معيار يرشد المتصدي للإجتهاد إلى الحكم الملائم للفرع الطارىء أو الواقعة الجديدة المعروضة، بظروفها المختلفة، ولم يوقف فيه كذلك على ضابط يلم شتات الفروع، بالنسبة لذلك المقلد الباحث عن وسيلة فعالة للفهم والحفظ.
ومن هنا، فقد قالها القرافي بصراحة: “كل فقه لم يخرج على القواعد فليس بشيء”(1).
ولئن كان الفقه القديم بكافة أطواره، إبتداء من فقه الفتاوى في عهد الصحابة والتابعين، رضوان الله تعالى عليهم، ومرورا بفقه المسائل كما هو عند أبي حنيفة ومالك، رحمهما الله تعالى، ثم بفقه الكتب والأبواب كما هو عند الشافعي، رحمه الله تعالى، ومن بعده، وإنتهاء بفقه المتون والشروح والحواشي عند المتأخرين – أقول: لئن كان الفقه القديم، بكافة أطواره تلك قد نحا نحو العرض الفروعي للمادة الفقهية لأسباب تاريخية وإجتماعية وعلمية خاصة، فإن هذا لا يقتضينا، هذه الأيام، أن نسير على النهج نفسه.
ذلك أن البحث التشريعي في العالم أجمع، خطا من حيث الترتيب والتنظيم وربط الجزئي بالكلي، خطوات هائلة ومتقدمة، تقتضينا مواكبتها أن نطور من طريقة عرضنا للمادة الفقهية كي نلبس لكل عصر لبوسه، ونأخذ لكل شأن عدته، وإلا كنا كمن يقارع الصاروخ بالسيف، ويسابق الطائرة بالحصان. هذا إذن نحن أردنا: أن نساير تقدم الزمن، وأن نمارس “التقاط الحكمة” الذي نُدبنا إليه، وأن نتقدم بما لدينا من تشريع راقٍ وتراث خصب للناس جميعا عن طريق مخاطبتهم بما يعقلون.
وصياغة الفقه الإسلامي في “ثوب جديد” هو ثوب “النظريات الحقوقية العامة” – كما دعا إليه ومارسه بالفعل الأستاذ مصطفى الزرقاء رحمه الله تعالى(2) – ما هو، في رأيي، إلا خطوة أولى فقط نحو “تجديد الفقه” الذي نصبو إليه. ولن نصل إلى موقع متقدم في هذا التجديد إلا بالإستثمار الصحيح والفعال للتراث “الأصولفقهي” الإسلامي، لا سيما في مجال “مسالك التعليل”، لـ “تقصيد الفقه”، أي للبحث عن المقاصد المصلحية للأحكام والأبواب الفقهية، وذلك على النحو الذي بدأ به الشيخ العلامة الطاهر بن عاشور، رحمه الله تعالى، في كتاب الفذ “مقاصد الشريعة”.
وذلك لأن “تنظير” الفقه الإسلامي، أو قُل: صوغه على شكل نظريات عامة – بالطريقة التي قدمها الكثير من المعاصرين، وإن كان يقدم توصيفا جيدا لموضوع النظرية، محل البحث، في الفقه الإسلامي، إلا انه، في الغالب، وعلى غرار البحث الفقهي التقليدي نفسه، لم يكن ليهتم، بالقدر المطلوب، بإناطة حلول النظرية – التي لا تعدو كونها أحكاما فقهية – بعللها ومقاصدها المصلحية، والتي لا غنى عنها في بيان المدى الفروعي الواقع والمتوقع الذي تبلغه وتنطبق عليه هذه الحلول، مما ولّد حيرة وخلافا جماً في كثير من الفروع والوقائع من حيث شمول النظرية، بحلولها، لهذه الفروع والوقائع أم لا.
وعليه، فـ “تجديد الفقه الإسلامي” المأمول في هذا العصر لغايات الإجتهاد، والتعليم، والدعوة، لا بد أن يتسم، من حيث الشكل والمضمون، بسمتين:
الأولى: ربط الجزئي بالكلي. وهذا ما تفي به الصياغة النظرية والقواعد للفقه كما أشار إليه الأستاذ الزرقاء.
الثانية: ربط حلول واحكام النظريات الفقهية. بمقاصدها المصلحية الخاصة والعامة، لتتخذ – هذه المقاصد – منارا يضيء الطريق أمام المجتهد في سعيه لإنزال حلول وأحكام النظريات على الوقائع المعروضة بظروفها المختلفة، ومقياسا دقيقا يحدد به المساحة الفروعية الممكنة التي تغطيها وتنطبق عليها هذه الحلول والأحكام.
وما هذه الدراسة المعنونة بـ” حكمة ضمان الفعل الضار وأثرها في تحديد موجباته في الفقه الإسلامي” إلا خطوة في هذا الإتجاه، في مجال “نظرية الضمان في الفقه الإسلامي” خاصة. إذ أنها تحاول تحديد “حكمة الحكم بضمان الفعل الضار” من خلال الأدوات الأصولية، مع التنويه، من خلال هذا التحديد، بالمدى الفروعي الذي يمكن لحكم النظرية هذا – وهو الحكم بالضمان – أن يتناوله وينطبق عليه.
هذا، ولم تظفر حكمة الحكم بالضمان أو مقاصد الضمان ببحث مستقل في كتب الفقه قديمها وحديثها، وحتى الكتب المختصة بالضمان، كـ “الضمان في الفقه الإسلامي” للخفيف، “ونظرية الضمان” للزحيلي لم تفرد حكمة الضمان بعنوان مستقل ولو جانبيا. وكل الذي وجدناه في المسألة سطر أو سطور من هذا الكتاب أو ذاك، اللهم إلا ما افدناه من كتاب الدكتور محمد سراج، “ضمان العدوان في الفقه الإسلامي”، حيث تطرق إلى مقاصد الضمان في مقدمات كتابه.
ولقد جاءت دراستنا هذه في مطالب ثلاثة وخاتمة:
المطلب الأول: التكييف الأصولي للضمان.
المطلب الثاني: تحديد حكمة الحكم بالضمان.
المطلب الثالث: النتائج المترتبة على القول بالحكمة المختارة للضمان.
خاتمة: فيما أردناه من هذا البحث.
المطلب الأول التكييف الأصولي للضمان
وسنتناول هذا المبحث ضمن المقاصد الأربعة التالية:
أولا: المقصود بالضمان.
ثانيا: البنية الأصولية لحكم الضمان.
ثالثا: عدم انضباط سبب الضمان.
رابعا: السبيل لضبط سبب الضمان.
أولا: المقصود بـ “الضمان”:
الضمان، لغة، هو الكفالة والغرامة. قال إبن منظور: “ضمن الشيء وبه ضمنا وضمانا: كفل به. وضمنه إياه: كفله… وضمنته الشيء تضمينا فتضمنه عني: مثل غرمته”(3).
أما في الاصطلاح، فمن خلال تتبع مصطلح “الضمان” في لسان الفقهاء يتضح – كما يقول الأستاذ علي الخفيف أحد رواد الكتابة في نظرية الضمان في الفقه الإسلامي – “أنهم يريدون به على العموم: شغل الذمة بواجب يطلب الوفاء به إذا توافرت شروطه”(4). أو بعبارة أخرى، “هو شغل الذمة بما يجب الوفاء به من مال أو عمل”(5). وعليه، فالضمان في معناه العام– بحسب الإطلاق في تعريف الخفيف– يكاد يوازي الإلتزام عند القانونيين الذين يجعلونه ناشئا عن أحد مصادر خمسة: العقد أو الإرادة المنفردة أو العمل غير المشروع أو الإثراء بلا سبب أو القانون.
ولسنا نريد بالضمان في لغة هذا البحث هذا المعنى العام. وإنما نريد به معنى خاصا هو الذي يجعله موازيا لـ: الإلتزام الناشىء عن “الفعل الضار”، أو بالتعبير القانوني، “الفعل غير المشروع”(6)، أو بتعبير بعض الفقهاء، “العدوان” أو “التعدي”(7). ولذا قيدنا الضمان في عنوان البحث خاصة بأن أضفناه إلى الفعل الضار– وهو أدق التعبيرات– حتى لا يختلط بالأنواع الأخرى من الضمان التي قد تنشأ عن أسباب أخرى غير الفعل الضار. والضمان بهذا المعنى هو الذي عرّف به الأستاذ الزرقاء حين قال: “الضمان: هو إلتزام بتعويض مالي عن ضرر للغير”(8). وكذا الدكتور الزحيلي حين قال: الضمان: “هو الإلتزام بتعويض الغير عما لحقه من تلف المال أو ضياع المنافع، أو عن الضرر الجزئي أو الكلي الحادث بالنفس الإنسانية”(9).
ثانيا: البنية الأصولية لحكم الضمان:
ينسب إلى الغزالي، رحمه الله تعالى، القول بأن الضمان هو: “واجب رد الشيء، أو بدّله، بالمثل أو القيمة”(10). وهو في هذا عرف الضمان بذات الحكم الذي أنشأه، وهو الإيجاب في الإطلاق الأصولي أو الوجوب في الإطلاق الفقهي. وقال البركتي: “الضمان: عبارة عن رد مثل الهالك أن كان مثليا أو قيمته أن كان قيميا”(11). وعرفت المجلة الضمان بأنه: “إعطاء مثل الشيء أن كان من المثليات أو قيمته أن كان من القيميات”(12). ونلاحظ على هذين التعريفين أنهما لم يعرفا الضمان بحكمه الذي هو الإيجاب، كما فعل الغزالي، وإنما عرفاه بمتعلق حكمه من فعل المكلف وهو الرد أو الإعطاء للمثل أو القيمة.
وكلا الإتجاهين في تصوير حقيقة الضمان قد خالف الصواب فيما نرى، وذلك لأن الضمان ليس هو خطابا للشارع حتى يعرف بذات حكمه وهو الإيجاب، كما صنع الغزالي. ثم أن الضمان واقع وثابت في ذمة المكلف إذا سبب ضررا للغير قبل أن يقوم بعملية الرد أو الإعطاء للمثل أو القيمة. وعليه لا يصح تعريفه بكونه نفس الرد أو الإعطاء للمثل أو القيمة كما فعل البركتي.
والذي نقوله، وهو المنسجم مع اللغة والشرع والمنطق: أن الضمان “إلتزام”، أو قُل: “إنشغال للذمة”، ناجم عن خطاب الشارع أو حكمه بوجوب تعويض الغير عما ألحق به من ضرر بإعطائه المثل أو القيمة. وبهذا نجد أن الضمان نفسه ليس حكما ولا متعلقا فعليا لهذا الحكم، بل هو أثر ينجم عن الحكم ثم ينجم عن هذا الأثر فعل المكلف بإعطاء المثل أو القيمة. فالضمان، على هذا، يقع بين الحكم وبين فعل الإعطاء، وليس هو أيا منهما. ومن هنا فقد أحسن الأستاذ الزرقا عندما أعرض عن التعريفات المذكورة للضمان وعرفه بكونه: “إلتزاما بتعويض مالي عن ضرر للغير”(13).
وعلى أية حال، فضمان الفعل الضار أثر لحكم شرعي نوعه الإيجاب، ومتعلق هذا الحكم من فعل المكلف هو الأداء أو الإعطاء أو الرد للمثل أو القيمة.
وكأي حكم يقوم “الحكم المنشىء للضمان” أو قل، إختصارا: “حكم الضمان” على سبب موجب له هو “التعدي المسبب لضرر الغير”، أو كما قال الكاساني: “سبب وجوب الضمان هو: التعدي بالتسبيب إلى الإتلاف”(14).
وبإعتماد الضمان على هذا السبب العام قال الفقهاء بأن الضمان هو من قبيل خطاب الوضع لا من قبيل خطاب التكليف.
وبتحليل هذا السبب المركب للضمان نجده يضم أوصافا ثلاثة هي:
أولا: التعدي.
وثانيا: حصول الضرر للغير.
وثالثا: علاقة السببية بينهما، أي بين التعدي وحصول الضرر، بحيث يكون الضرر ناجما عن فعل التعدي نفسه لا عن سبب آخر. ويطلق الحقوقيون على هذه الأوصاف الثلاثة – من حيث كان لا بد من توافرها لإيجاب الضمان– “أركان الضمان”(15).
أما الفقهاء فيقتصرون، في الغالب، على ذكر وصف التعدي أو العدوان من بين الأوصاف السالفة الذكر سببا للضمان(16)، بل إنهم يضيفون الضمان إليه مفرقين بينه وبين انواع الضمان الأخرى(17). أما وصفا الضرر والسببية فالذي لا شك فيه – من خلال النظر في التفريعات الفقهية – أنهما معتبران عندهم في إيجاب الضمان. وبما أن الفقهاء لا يذكرونهما إلا نادرا ويكتفون بذكر التعدي، فيمكن تكييفهما على أنهما عندهم شرطان في التعدي الذي هو سبب الضمان. قال إمام الحرمين: “ما اشتهر كونه شرطا في العلة (السبب(18)) جاز ذكره وتركه، بل تركه أولى، لأن ذكره يعد عيّا في النظر من المناظر”(19)، كما هو الحال في الزكاة إذا إنهم يطلقون القول بأن النصاب هو سبب وجوبها أما مضي الحول فهو شرط في السبب، وكذا الزنا هو سبب للرجم لكن بشرط كون الزاني محصنا(20). ويستهدف حكم الضمان مصلحة–سنأتي على تحديدها لاحقا– هي الغاية أو الحكمة من إيجاب الضمان.
وعليه، فالبنية الأصولية لحكم الضمان تتركب من الأجزاء التالية:
أولا: نوع الحكم، وهو الإيجاب.
ثانيا: متعلق الحكم من فعل المكلف، وهو الأداء أو الإعطاء للمثل أو القيمة.
ثالثا: سبب الحكم، وهو التعدي المسبب للضرر بالغير.
رابعا: حكمة أو مقصد الحكم. وسنأتي على بيانها فيما بعد.
ثالثا: عدم إنضباط أو سيولة “سبب” الضمان:
قلنا: أن سبب الضمان يقوم على أوصاف ثلاثة هي: التعدي، والضرر، والعلاقة بينهما. والملاحظ على هذه الأوصاف أن ثلاثتها عامة وغير منضبطة بالقدر المطلوب. ولذا فمن الممكن أن يندرج تحتها ما لا يحصى من الصور الجزئية المتباينة. ونتيجة لذلك فقد نشب الخلاف بين الفقهاء، قديما وحديثا، في كثير من هذه الصور نتيجة لإختلافهم في تحقق سبب الضمان الذي هو “التعدي المسبب لضرر الغير” في هذه الصور أم لا. ولو كان هذا السبب أكثر انضباطا مما هو عليه لما كان الخلاف بهذا الحجم.
فقد إختلفوا، على سبيل المثال، من جهة ما يتعلق بتحقق وصف التعدي في الفعل المستلزم للضمان، في الضمان بفعل المضطر(21)، وفي الضمان بالتعسف في إستعمال الحق(22)، وفي ضمان غير المميز(23)، وفي ضمان العجماء(24)، وفي ضمان العاقلة لخطأ الشخص في نفسه(25).
وفيما يتعلق بالضرر، إختلفوا، على سبيل المثال، في ضمان منافع المغصوب(26)، وفي ضمان الضرر المنجبر تلقائيا(27)، وفي ضمان الضرر المعنوي أو الأدبي(28). وفيما يتعلق بعلاقة السببية، اختلفوا في الضمان في كثير من صور تعارض السبب مع المباشرة كالمكره مع المستكره مثلا(29).
رابعا: السبيل لضبط “سبب” الضمان:
والحل، في رأيي، لضبط سبب الضمان، وبالتالي الخروج بحكم صحيح في المسائل آنفة الذكر وغيرها – ولا سيما أن النصوص الشرعية الجزئية في مسائل الضمان معوزة جدا –هو الإستهداء بحكمة الحكم بالضمان، والتي هي الغاية أو الحكمة أو المصلحة أو المقصد من تشريعه. وذلك عن طريق إستثمار القاعدة الأصولية القائلة بشرطية كون سبب الحكم “مظنة” للحكمة التي شرع من أجلها، أو بعبارة اخرى، شرط تحقق الحكمة غالبا في السبب الذي أوجب الحكم. قال الآمدي رحمه الله تعالى: “إذا كانت العلة في أصل القياس بمعنى الباعث، كما قررناه، فشرطها أن تكون ضابط الحكمة المقصودة للشرع من اثبات الحكم أو نفيه، بحيث لايلزم منه اثبات الحكم مع تيقن انتفاء الحكمة في صورة، وإلا كان فيه إثبات الحكم مع انتفاء الحكمة المطلوبة منه يقينا. وهو ممتنع”(30). ودليل هذه القاعدة أمران، كما يستفاد من كلام الشاطبي، رحمه الله تعالى:
“الأول: أن أصل السبب قد فرض انه لحكمة، بناء على قاعدة إثبات المصالح، كما هو مبين في موضعه، فلو ساغ شرعه مع فقدانها جملة لم يصح أن يكون مشروعا، وقد فرضناه مشروعا. هذا خلف.
والثاني: أنه لو كان كذلك لزم أن تكون الحدود وضعت لغير قصد الزجر، والعبادات لغير قصد الخضوع لله، وكذلك سائر الأحكام. وذلك باطل بإتفاق القائلين بتعليل الأحكام”(31).
فعن طريق هذه القاعدة يمكننا النظر الدقيق في الفعل المختلف في التضمين به، هل هو محل لتحقق حكمة الضمان أو، على الأقل، مظنة لتحققها أم لا. فإن كان محلا أو مظنة لها أوجبنا الضمان على فاعله وإلا فلا. وبذا يمكننا وضع ضوابط ومحددات، من خلال الحكمة، تحكم سبب الضمان، وتخلصه، إلى حد ليس بالهين، من عموم أوصافه المغرقة في المرونة وعدم الإنضباط.
ومما تجدر الإشارة إليه هو أن القول بلزوم كون سبب الحكم مظنة لحكمته ليس هو موضوع التعليل بالحكمة المختلف فيه عند الأصوليين. فالتعليل بالحكمة هو إناطة للحكم مباشرة بحكمته من غير توسط السبب كمن ينيط حكم الفطر في السفر بالمشقة لا بالسفر أو المرض فيبيح للمقيم الصحيح الفطر في حالة حصول مشقة غير معتادة له، كأن يكون أجهد في عمل ما أو غيره. أما مسألة إشتراط كون السبب مظنة لحكمته فهي لا تقتضي إناطة الحكم بحكمته بل بنفس سببه أو علته لكن بشرط ترتب الحكمة على هذا السبب في الغالب. وإن تخلفت الحكمة عن بعض أفراد السبب فهذا لا يضر، كما هو الحال في الملك المرفه إذ يسافر، لأن العبرة بالغالب.
المطلب الثاني تحديد حكمة الحكم بالضمان
إذا أردنا أن نقف على حكمة الضمان، أو على المصلحة المحددة التي شرع الضمان من أجل تحقيقها، لم يكن لنا غنى عن إستخدام الأدوات الأصولية الخاصة في الحصول على هذا الغرض، وهي المسالك والطرق التي وضعهاالأصوليون لإستنباط العلة. ومن هذه المسالك ثلاثة أساسية لا يلجأ الفقيه إلى غيرها إلا إذا تعذر إستخدامها هي: النص، والإيماء، والمناسبة.
فإن قيل: هذه المسالك هي مسالك العلة لا مسالك الحكمة، فكيف استخدمت مسالك العلة في الوصول إلى الحكمة؟!
فالجواب هو أن العلة عند الاصوليين أعم من الحكمة؛ إذ العلة لها إطلاقات ثلاثة:
فتطلق على السبب الموجب للحكم التكليفي، كما يقال: السفر علة القصر، والقتل علة القصاص، والزنا علة الجلد أو الرجم.
وتطلق على المعنى المناسب المنضبط الذي يلزم عن الحكم التكليفي أو يترتب عليه، كقولهم: السكر علة تحريم الخمر، وتشوش الفكر هو علة تحريم قضاء القاضي وهو غضبان.
وتطلق على المصلحة المترتبة أو الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، كقولهم: الزجر هو علة القصاص، وايقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله هو علة تحريم الخمر، ورفع المشقة هو علة القصر، ومنع النزاع هو علة تحريم بيع المجهول.
قال الغزالي رحمه الله تعالى: “الفقهاء يطلقون اسم العلة على العلامة الضابطة لمحل الحكم، وقد تطلق على الباعث الداعي إلى الحكم، وهو وجه المصلحة، وقد تطلق على السبب الموجب للحكم”(32). وبما أن الأمر كذلك فمسالك العلة تضم في ذاتها مسالك الحكمة، وليس للحكمة مسالك خاصة غير مسالك العلة.
وقد جاء هذا التحديد لحكمة الضمان في مقصدين:
المقصد الأول: مسلكا النص والإيماء وحكمة الضمان.
المقصد الثاني: مسلك المناسبة وحكمة الضمان.
المقصد الأول مسلكا النص والإيماء وحكمة الضمان
وقد وقع البدء بهذين المسلكين لأنهما أقوى المسالك ولا يلجأ الفقيه إلى غيرهما من المسالك في حال توفره عليهما. أما مسلك النص، والمقصود به أن ينص الشارع على العلة الموجبة للحكم صراحة، أي: بلفظ يفيد التعليل لغة(33)، فلا نجده – بعد النظر في الأدلة التي يسوقها الفقهاء على حكم الضمان(34) – متيسرا، إذ لا نجد نصا شرعيا صريحا على حكمة من الحكم بالنسبة لحكم الضمان.
أما قوله تعالى في شأن جزاء صيد الحرم: “ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مسكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره”المائدة: 95، والذي فيه تنصيص واضح على أن حكمة إيجاب الجزاء، وهو المثل، هي الزجر والعقوبة “ليذوق وبال امره”،فيمكن القول بشأنه: أن جزاء الصيد خارج عن معنى ضمان الفعل الضار الذي نحن بصدده؛ لأن ما نحن بصدده هو ضمان العدوان على حق العباد، أما جزاء الصيد فهو ضمان عدوان على حق خالص للشارع سبحانه، ومن هنا كان المقصود فيه هو الزجر أساسا كما هو الحال في كل الجرائم التي تمثل إعتداء على حق الشارع؛ ولذا فإن الفقهاء لا يطبقون أحكام الضمان العامة في التعويض بالمثل أو القيمة على جزاء الصيد بل يفردونه بنظام خاص من التعويض. بل أن الشارع سبحانه شرع الإطعام والصيام كبديل لهذا النوع من الضمان وهذا لا يوجد في ضمان العدوان على حق العباد.
وأما مسلك الإيماء، والمقصود به أن يشير الشارع، لا صراحة، إلى العلة الموجبة للحكم(35)، فيمكننا من خلال النظر في الأدلة المسوقة للضمان القول أن أوثق الأدلة النصية التي تساق في صدد إثبات الضمان– كقوله تعالى: “فمن إعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم”البقرة: 194، وكقوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به”النحل: 126، وكقوله تعالى: “وجزاء سيئة سيئة مثلها”الشورى: 40، وكقوله، صلى الله عليه وسلم: لعائشة لما كسرت إناء صفية: “طعام بطعام وإنا بإناء”(36)، تومىء إلى المعنيين التاليين:
أولا: معنى الجبر، وذلك من خلال النص على اشتراط المثلية في الجزاء، وذلك في الأدلة المسوقة كلها، ولا يفهم من المثلية إلا قصد الشارع إلى إعادة الوضع قبل حصول الضرر إلى ما كان عليه، لا زائدا ولا ناقصا. وهذا دال على توجه إرادته إلى جبر الزجر.
ثانيا: معنى الزجر، وذلك من خلال تعبير الشارع عن إستيفاء الضمان بلفظ الإعتداء، والعقاب، والسيئة، فكلها ألفاظ موحية، بقوة، إلى إرادة الزجر. وقول المفسرين: أن التعبير عن إستيفاء الحق في هذه الآيات بمثل هذه التعبيرات إنما جاء على عادة العرب في المشاكلة بين الألفاظ – على فرض القول به(37) – لا يقدح فيما قررنا، لأن المشاكلة نفسها لا تراد عبثا وإنما لمعنى، هو في حالتنا هذه معنى الزجر والجزاء الذي هو من *** العمل.
وأما الحديث: “طعام بطعام وإناء بإناء”، فقد جاء في بعض طرقه ما يدل على أنه جاء في معنى العقوبة، وهو قول عائشة رضي الله عنها، بعد أن كسرت الصحن: “يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ قال: إناء كإناء وطعام كطعام”(38). فقولها: “ما كفارة ما صنعت؟” – والكفارة تحمل، من ضمن ما تحمل، معنى الزجر لأن التكفير في الأصل إنما يقابل الذنب – ورده، صلى الله عليه وسلم، على سؤالها بإيجاب الضمان، دليل بين على قصد معنى الزجر بهذا الإيجاب. فإذا تقرر هذا الذي ذكرنا، تبين لنا أن نصوص إيجاب الضمان تومىء إلى أن الحكمة أو الغاية أو المصلحة الباعثة عليه هي مجموع وصفي الزجر والجبر.
الإعتراضات الواردة على أدلة الضمان المذكورة
لكن هيهات تصفو لنا هذه النتيجة، مع الإعتراضات القوية التي يمكن إيرادها على أدلة الضمان آنفة الذكر من حيث دلالة هذه الأدلة على حكم الضمان نفسه:
فأما الآيات فكلها نازلة في إيجاب القصاص، أو رد العدوان بالمثل. وإذا كانت كذلك فلا يسوغ الاستدلال بها على الضمان، لأن القصاص إتلاف للمثل، والضمان تعويض بالمثل، وشتان بين الأمرين.
أما كونها نازلة في إيجاب القصاص، وأنه هو المعني بها، فيظهر ذلك من خلال السياق – وهو ضروري في توجيه النص(39) – أو من خلال سبب النزول. وإليك البيان:
أما قوله تعالى: “من إعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم”البقرة: 194، فبعض آية مجتزأ من آية مطلعها: “الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص” البقرة: 194. وهذه الآية مسبوقة بقوله تعالى:”وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين” البقرة: 193. وهذا دال على انها جاءت في سياق الجهاد والقتال، وقد كان يشترط فيه، في إبتداء شرعه، أن يكون مقابل العدوان لا غير.
وأما قوله تعالى: “وجزاء سيئة سيئة مثلها”الشورى: 40، فكسابقتها، إذ قد سبقت بقوله تعالى: “والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون” الشورى: 39، وجاء بعدها قوله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه أولئك ما عليهم من سبيل الشورى: 41، وكل هذا آت في سياق العقوبة والاخذ بها أو العفو عنها، وهذا لا يستقيم والضمان، إلا إذا قلنا: إنه، أي الضمان، عقوبة خالصة شرعت للزجر. وهذا لا يقول به أحد، أعني من فقهاء الإسلام.
وأما قوله تعالى: “وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به” النحل: 126، فقد نزل عقب غزوة أحد وتمثيل المشركين بالشهداء، فقال الصحابة: “لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم”(40)، ولذا فالآية بينة في أنها نزلت في الإقتصاص والعقوبة بالمثل. والضمان ليس من هذا الأمر بسبيل.
وأما الحديث: “طعام بطعام وإناء بإناء”(41) فقد وجه للإستدلال به على الضمان نقدان:
أحدهما: ما قاله البيهقي عن بعض أهل العلم: أن “الصفحتين جميعا كانتا للنبي، صلى الله عليه وسلم، في بيتي زوجتيه، ولم يكن هنا تضمين إلا أنه عاقب الكاسرة بترك المكسورة في بيتها ونقل الصحيحة إلى بيت صاحبتها”(42). أي أن القصعتين: المكسورة، وبديلتها، كليهما تعود ملكيتهما إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم. وعليه، لم يكن هناك ثمة طرفان ضامن ومضمون له حتى يستدل بهذا الحديث على حكم الضمان.
والنقد الآخر: هو أن الطعام ليس من المثليات حتى يضمن بالمثل، لا سيما أن في بعض طرق الحديث ما يشير إلى أن الطعامين كانا مختلفين كما يقول الحافظ إبن حجر، رحمه الله تعال(43). ومن هنا، كان الحديث مشكلا على مذهب الفقهاء، إذ أنهم لا يضمنون ما لم يكن مثليا إلا بالقيمة. وعليه، كان ما حكاه البيهقي متوجها بأن ليس في الحديث ثمة تضمين بل عقاب.
وبالإمكان مناقشة هذه الإعتراضات الواردة على أدلة الضمان جميعها بالقول: أن العبرة هي لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وبالتالي فلا يسلم تخصيص عموم هذه الأدلة بالسياقات المقالية والحالية المحتفة بها. لكن،مع ذلك لا يمكننا الإعتماد على هذه الأدلة –وهي موضع جدل– في إستنباط حكمة الضمان.
المقصد الثاني مسلك المناسبة وحكمة الضمان
وإذا لم يفلح مسلكا النص والإيماء في الكشف عن حكمة الضمان، فلا بد من اللجوء إلى مسلك المناسبة، والذي هو معول الفقهاء في معظم تعليلاتهم(44). ومن خلال الخوض في إستخدام هذا المسلك ستتضح لنا معالم نظرية الضمان ومحدداتها.
فبالنظر العقلي يبدو لنا أن المعنى المقصود من مشروعية الضمان هو واحد من الاحتمالات الثلاثة الآتية:
1. أما مجرد زجر الناس عن إلحاق الأضرار بالآخرين، وذلك لأن علم الشخص بترتب تعويض مادي عليه نتيجة لفعله الضار – عامدا كان أو غير عامد – سيجعله متحرزا عن هذ الفعل، وعن الأفعال التي قد تقضي إليه، وبهذا تقل الأفعال الضارة العمدية وغير العمدية في المجتمع. ولنسم هذا المعنى بـ “الزجر المحض”.
2. وإما مجرد جبر ضرر الشخص المتضرر، وهذا الجبر يتخذ شكلين:
أحدهما: الجبر المادي، وذلك عن طريق التعويض بالمثل أو القيمة، وفي هذا الجبر مصلحة ظاهرة للمتضرر.
والشكل الآخر: الجبر المعنوي، وذلك عن طريق شفاء غيظ هذا الشخص المتضرر؛ وفي هذا النوع من الجبر مصلحتان: مصلحة نفسية خاصة للمتضرر بسكون نفسه وهدوء ثائرته، ومصلحة عامة باستتباب الأمن والتوقف عن الفعل ورد الفعل، أو الثأر، المؤدي إلى مفاسد متضاعفة. ولنسم معنى الجبر هذا، بشقيه المادي والمعنوي، بـ “الجبر المحض”.
3. وإما مجموع وصفي الزجر والجبر، بأن يكون كلا المعنيين مقصودا للشارع من شرع
الحكم بالضمان. ولنسم هذا المعنى بـ “الزجر والجبر معا”.
وعليه، فحكمة الضمان، بالتقسيم والنظر العقلي، تدور حول معنيين، هما الزجر والجبر: أما بإنفراد كل واحد منهما على حدة، وإما بمجموعهما. ودورنا الآن بعد الوفاء بمهمة “التقسيم”، أن نمارس مهمة “السبر”(45) لفحص اي من هذه الأوصاف المناسبة يصلح، من الوجهة الشرعية، أن يكون حكمة للضمان.
“سبر” الحكم المناسبة المحتملة لحكم الضمان:
أولا: حكمة الزجر المحض.
أن القول بأن الضمان شرع لحكمة “الزجر المحض” يقتضي أن يكون الضمان مجرد عقوبة(46).
ومن عدم الصواب القول بأن هذه الحكمة هي مقصود الشارع من الحكم بالضمان، وذلك للأسباب التالية:
أولا: للإتفاق على وجوب الضمان على المخطىء. قال إبن حزم: “لا يختلف إثنان من الأمة في أن من رمى سهما يريد صيدا فأصاب إنسانا أو مالا فأتلفه فإنه يضمن”(47). وقد دل النص القرآني على وجوب الضمان على المخطىء، وذلك في قوله، تعالى: “ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة وديّة مسلمة إلى أهله”النساء: 92. فلو كان المقصود من الضمان هو الزجر المحض لما وجب على المخطىء، إذ الخطأ مرفوع شرعا لقوله، صلى الله عليه وسلم: “أن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما إستكرهوا عليه”(48)، فليس فيه عقاب، ولا عنه زجر.
ثانيا: للإتفاق على تضمين الصبي المميز، وهو ليس من أهل العقوبة كذلك. قال النووي، رحمه الله تعالى: ” أن غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالإجماع، بل لو أتلف الصبي أو المجنون أو الغافل وغيرهم ممن لا تكليف عليه شيئا وجب ضمانه بالإتفاق”(49).
ثالثا: لوجوب الضمان على المضطر عند جمهور العلماء(50)، كما هو في حالة من يضطر إلى أكل مال الغير للإبقاء على نفسه، مع أن المضطر ليس من أهل العقوبة الذين يستحقون الزجر، بل هو قائم بواجب أوجبه عليه الشرع هو الإبقاء على نفسه. قال الآمدي: “لا نسلم أن الضمان من حيث هو ضمان عقوبة، ولهذا يجب في مال الصبي والمجنون وليسا أهلا للعقوبة. وكذلك يجب على المضطر في المخمصة إذا أكل مال غيره مع أن الأكل واجب عليه حفظا لنفسه، والواجب لا عقوبة على فعله. وكذلك يجب الضمان على من رمى إلى وصف الكفار فأصاب مسلما، مع انه مأمور بالرمي وهو مثاب عليه”(51).
رابعا: لورود النص وحصول الإجماع على أن ديّة القتل الخطأ تجب على عاقلة القاتل لا على القاتل نفسه. قال إبن قدامة: “لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن ديّة الخطأ على العاقلة. قال إبن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه أهل العلم. وقد ثبت الأخبار عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة، وأجمع أهل العلم على القول به”(52). ولو كان وجوب هذه الديّة لمحض الزجر لوجبت على القاتل فقط، كما هو الحال في ديّة القتل العمد.
خامسا: للإتفاق على أن الضمان ودفع الديّة إنما يكون للمتضرر أو لأهل المقتول، لقوله تعالى: “وديّة مسلمة إلى أهله”النساء: 92، لا لبيت المال. ولو كانت الديّة للزجر المحض لكان يجب دفعها إلى بيت المال كما هو الحال في العقوبة بأخذ المال عند القائلين بجوازها.
سادسا: لقول اكثر الفقهاء بأن الضمان –سواء أكان للنفس أو المال– لا يتعدد بتعدد المتسببين في الضرر أو اشتراكهم، فلو إشترك خمسة في قتل شخص لوجبت عليهم ديّة واحدة لا خمس ديّات(53). ولو كان المقصود بالضمان الزجر لتعدد بتعدد المتسببين بالضرر حتى يحصل الزجر لكل واحد منهم.
فإذا تقرر ما قلنا لم يصح القول بأن الضمان شرع لحكمة الزجر المحض. فلننظر في الحكمة الثانية وهي:
ثانيا: حكمة الجبر المحض:
والقول بهذه الحكمة يقتضي تحميل الضمان لا للمتسبب فيه، وإنما للجهة التي هي أقدر على تحمله، كالمؤسسة، أو المصنع، أو الدولة. وهذا بالفعل ما أخذت به بعض الدول كنيوزيلندا وبعض الولايات الأمريكية في مجال الإصابات البدنية. ويقوم النظام النيوزيلندي على تصنيف المستفيدين منه إلى ثلاثة أصناف:
الأول: العاملون في الدولة والقطاع الخاص، ومن يعولهم، ويجب على هؤلاء تمويل تكلفة تعويضاتهم بالتكافل فيما بينهم.
والثاني: المصابون في حوادث الطرق ومن يعولهم ممن يجري تعويضهم من حصيلة التأمين الجبري المفروض على أصحاب المركبات.
والثالث: المصابون الآخرون من غير الشرائح الإجتماعية السابقة، كربات البيوت، وغير العاملين، والسياح، ومن يعولونهم، وهؤلاء تتحمل الدولة تعويضاتهم من خزانتها العامة(54).
وهل هذه الحكمة – الجبر المحض– هي المقصودة شرعا؟ … في هذا مجال للنظر، ويمكن أن يستدل لذلك بمايلي:
أولا: إيجاب الشارع الديّة على العاقلة لا على المتسبب في الضرر، وقد ورد بذلك النص، ووقع عليه الإجماع كما قلنا سابقا. وهذا يدل على قصد الجبر المحض، وإلا فلو قلنا: إنه جبر وزجر، أو جبر مشوب بالزجر، لما وجب إلا على الذي ارتكب الخطأ نفسه، لقوله تعالى: (ول تزر وازرة وزر أخرى)(فاطر: 18).
ثانيا: نقل سيدنا عمر، رضي الله عنه، الديّة من العاقلة إلى أهل الديوان(55) يدل على إلتفاته إلى هذا المعنى؛ لأن أهل الديوان أقدر على تحمل الضمان من العاقلة.
ثالثا: إيجاب جماهير سيدنا عمر، رضي الله عنه، ديّة من أصاب نفسه خطأ على عاقلته لورثته(56)، وهو ما ذهب اليه الأوزاعي وأحمد في رواية وإسحاق(57)، دال أيضا على معنى الجبر المحض.
رابعا: إيجاب جماهير الفقهاء الضمان على الصغير، والمجنون، والمخطىء، والنائم، وغير هؤلاء ممن لا يستحقون الزجر.
خامسا: إيجاب جماهير الفقهاء، أيضا، الضمان على المضطر، منطلقين في ذلك من القاعدة: الإضطرار لا يبطل حق الغير(58).
سادسا: تصريح كثير من الفقهاء والأصوليين بهذه الحكمة من الضمان ولم يذكروا غيرها. فمن ذلك على سبيل المثال: قول العز بن عبد السلام: بأن الضمان شرع لـ”جبر ما فات من مصالح حقوق الله وحقوق عباده، ولا يشترط في ذلك أن يكون من وجب عليه الجبر آثما، ولذلك شرع الجبر مع الخطأ والعمد والجهل والعلم والذكر والنسيان وعلى المجانين والصبيان”(59).وقول السرخسي: “الضمان إنما يجب جبرانا للفائت”(60). وقول الكاساني: “ضمان الغصب لا يخلو: أما أن يكون ضمان زجر، وإما أن يكون ضمان جبر، ولا سبيل إلى الأول؛ لأنه يجب على من ليس من أهل الزجر؛ ولأن الانزجار لا يحصل به فدل أنه ضمان جبر”(61). وقول إبن مفلح: “القصد بالضمان جبر حق المالك بإيجاب قدر ما فوت عليه”(62). وقول إبن قدامة: “المقصود بالدية جبر المفوت”(63). وقول عبد العزيز البخاري: “ولهذا تعددت الكفارة بتعداد الأفعال مع اتحاد المحل كالجناية على الصيد في الإحرام، بخلاف الديّة فإنها وجبت بدلا عن المحل بطريق الجبر ولهذا وجبت ديّة واحدة على الجماعة وإن تعددت الجناية”(64).
ثالثا: حكمة الزجر والجبر معا:
ومقتضى هذه الحكمة المركبة إرتفاع التضمين عن كل فعل لا يكون مظنة لتحقق وصفي الحكمة كليهما: الزجر والجبر. فأما الجبر، فقد سيقت الأدلة عليه آنفا، بل يكاد لا يوجد خلاف في أن الجبر هو المقصود الأساس من الضمان، ولكن هل هو متمحض، أم يرافقه ويتبعه معنى الزجر؟ هذا هو محل الخلاف.
وتكمن فائدته في أنه هل يصح القول بالضمان في عدد من الصور – سنأتي على بعضها – من الممكن أن ينتفي فيها وصف الزجر، المقابل للخطأ، بالكلية أم لا؟
ما أُرَجِحَهُ هو أنهُ لابد من وجود عنصر “الخطأ” أو “العدوان” في الفعل الموجب للضمان، وبالتالي، فالزجر عن هذا الخطأ أو العدوان مقصود بالضمان بلا بد. وذلك ممايلي:
أولا: أن كون الشخص الذي وقع عليه الضرر متعديا عند إلحاق الضرر به – كالصائل مثلا – مسقط لضمان ضرره. فلو كان المقصود هو الجبر المحض، من غير ما زجر، لترتب الضمان في هذه الحالة لأن الضرر حاصل. ويدل على سقوط الضمان في هذه الحالة، فضلا عن أدلة هدر دم الصائل الكثيرة، دليلان صريحان:
أحدهما: ما روى الشيخان عن عمران بن حصين: أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فمه فوقعت ثنيتاه، فإختصموا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: “يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، لا ديّة له”(65). فالحديث واضح في أن المعتدي إذا ناله الضرر نتيجة لإعتدائه فلا ضمان له.
والدليل الثاني: ما روى الشيخان، عنه، صلى الله عليه وسلم، قال: “لو أن إمرأ إطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح”(66). وفي روايات للحديث عند غير البخاري: “ما كان عليك من ذلك من شيء”، و”فلا ديّة ولا قصاص”، و”فهو هدر”(67).
فنجد من خلال هذين الدليلين أن عنصر الضرر المستلزم للجبر قد تحقق، ولكن عنصر الخطأ أو العدوان المستلزم للزجر لم يتحقق، فانتفى الضمان. ولو كان وصف الجبر متمحضا في القصد لما إنتفى الضمان في مثل هذه الحالة.
ثانيا: أن الدواب لا يضمن صاحبها بإطلاق الحالات، بل حالة ما إذا قصر أو أهمل فقط، وذلك لقوله، صلى الله عليه وسلم: “العجماء عقلها جبار”(68). ولو كان المقصود الجبر المحض لضمن صاحب العجماء مطلقا، كما ينادي به أصحاب نظرية تحمل التبعة.
ثالثا: أن هناك أفعالا زاد الشارع في قيمة أو كيفية ضمانها نتيجة لعظم الجرم أو قبحه، وذلك مثل:
أ- تغليظ الديّة في العمد وشبهه مطلقا.
ب- تضعيف العزم على سارق الثمر المعلق.
ج- إيجاب الديّة على الجاني لا العاقلة في القتل العمد.
وهذا كله دال على أن الضمان قد يتأثر بنوع الجريمة الموجبة له مما يعني أنه لا يقصد به الجبر المحض وإنما الجبر المشوب بالزجر.
وأما الرد على أدّلة القول بأن الحكمة هي الجبر المحض فأجملها فيمايلي:
أما قولهم: بأن الشارع أوجب الضمان على العاقلة في القتل الخطأ، وأن عمر، رضي الله عنه، أوجبه على أهل الديوان. وهذا يتنافى مع إرادة الزجر.
فالجواب عنه: هو أن هذا الأمر إنما كان من الشارع إستثناء في حالة القتل الخطأ خاصة. وذلك لأن فقد النفوس ليس كفقد الأموال، وهذا معلوم من المشاهد في اطراد العادات، فالناس، في اغلبهم، لا يستبدلون، لو خيروا، مال الدنيا بميتهم، ولا مساواة أو تماثل أصلا بين نفس الإنسان والمال بالغا ما بلغ هذا المال. ونظرا لذلك فإن الشارع أراد أن يضمن – بأفضل وسيلة وأسرعها– حصول المواساة لأهل القتيل بمبلغ جيد من المال تخفيفا لألمهم، ومنعا لإستعال ثائرة الإنتقام في نفوسهم. فعدل عن معنى زجر الجاني في هذه الحالة لهذه المصلحة التي هي اكبر من الزجر. واناط الضمان بجهة هي أقدر على دفعه، لا سيما وهو مبلغ كبير نسبيا لا يقوى الجاني، غالبا، على دفعه وحده.
إذن، إيجاب ضمان النفس في القتل الخطأ وجب على العاقلة لا على الجاني، إستثناء من قاعدة الضمان لأحكام متعددة منها:
أ- ضمان وصول التعويض لأهل المقتول بأسرع وسيلة وأوثقها، تخفيفا لمصابهم، وإطفاء لثائرة الإنتقام في نفوسهم.
ب- أن ديّة القتل الخطأ كبيرة نسبيا إذا ما قيست بضمان باقي المتلفات، ولذا لا يقوى الفرد على أدائها فوجبت على العاقلة.
وفي هذا الصدد يقول إبن القيم، رحمه الله تعالى: “العقل فارق غيره من الحقوق في أسباب اقتضت إختصاصه بالحكم، وذلك أن ديّة المقتول مال كثير، والعاقلة إنما تحمل الخطأ، ولا تحمل العمد بالإتفاق، ولا شبهه على الصحيح. والخطأ يعذر فيه الإنسان، فإيجاب الديّة في ماله ضرر عظيم عليه من غير ذنب تعمده. وإهدار دم المقتول من غير ضمان بالكلية فيه إضرار بأولاده وورثته، فلا بد من إيجاب بدله. فكان من محاسن الشريعة وقيامها بمصالح العباد أن اوجب بَدلّه على من عليه موالاة القاتل ونصرته، فأوجب عليهم إعانته على ذلك. وهذا كإيجاب النفقات على الأقارب وكسوتهم … وكإيجاب فكاك الأسير من بلد العدو؛ فإن هذا أسير بالدية التي لم يتعمد سبب وجوبها، ولا وجبت بإختيار مستحقها… وليست قليلة، فالقاتل في الغالب لا يقدر على حملها. وهذا بخلاف العمد؛ فإن الجاني ظالم مستحق للعقوبة ليس أهلا أن يحمل عنه بدل القتل. وبخلاف شبه العمد؛ لأنه قاصد للجناية متعمد لها، فهو آثم معتد. وبخلاف بدل المتلف من الأموال، فإنه قليل في الغالب لا يكاد المتلف يعجز عن حمله. وشأن النفوس غير شأن الأموال… والمقصود أن حمل الديّة من *** ما أوجبه الشارع من الحقوق لبعض العباد على بعض، كحق المملوك والزوجة والأقارب والضيف، وليست من باب عقوبة الإنسان بجناية غيره، فهذا لون وذاك لون. والله الموفق”(69).
وما تضمنه كلام إبن القيم هذا – وقد سبقه اليه شيخه إبن تيمية رحمه الله تعالى(70)– من أن وجوب ديّة القتل الخطأ على العاقلة لا على القاتل، بخلاف ضمان باقي المتلفات، إنما كان لارتفاع قيمة الديّة بخلاف ضمان باقي المتلفات من الأموال في الغالب، ليس دقيقا؛ إذ هو معارض بكون الفقهاء لم يجعلوا على العاقلة ديّة النفس فحسب، بل وكذلك ديّة ما دون النفس– إذا كان إتلافها خطأ طبعا– مهما قَلّت قيمتها عند الشافعي، وإذا بلغت ثلث الديّة عند مالك واحمد، وإذا بلغت نصف العشر عند أبي حنيفة(71). وبهذا نجد أن الحكمة من تضمين العاقلة دون القاتل لا تعود إلى إرتفاع قيمة الديّة فحسب كما يمكن استخلاصه من كلام إبن القيم، بل وإلى ما ذكرناه من تميز الإصابة البدنية بأنها لا تعوض، وان مال الدنيا كله لا يساوي فقدان النفس أو جزء منها – قال السرخسي: “إنه لا مماثلة بين الآدمي والمال صورة ولا معنى”(72) – ولهذا احتاج الأمر إلى آلية تضمن سرعة الدفع والثقة به كبحاً لنفوس أهل القتيل وتخفيفا مباشرا لمصابهم، فكانت الديّة على العاقلة.
ومن الدليل، أيضا، على تميز حكم ضمان النفس عن باقي المضمونات، أن الشارع أوجب على القاتل خطأ، بالإضافة إلى الديّة، الكفارة، ولم يوجبها في فعل آخر من موجبات الضمان. وما ذلك، في رأيي، إلا تتميما للزجر الذي فات في الضمان بتحمل العاقلة له.
وفوق هذا كله، فإن الأصوليين إذا ارادوا أن يمثلوا لما ورد على خلاف القياس لذلك بتحمل العاقلة للدية، قال إلكيا الهراسي: “ومنه (اي من المعدول به عن سنن القياس) الديّة على العاقلة، فإنها أثبتت على خلاف قياس المضمونات، وكل قياس يتضمن إبطال هذا الإختصاص مردود”(73). وقال العزبن عبد السلام: “واما النفوس فإنها خارجة عن قياس جبر الأموال والمنافع والأوصاف؛ إذ لا تجبر بأمثالها ولا تختلف بإختلاف الأوصاف في الحسن والقبح والفضائل والرذائل، وتختلف بإختلاف الأديان والذكورة والأنوثة، فيجبر المسلم بمائة من الإبل، والمسلمة بخمسين من الإبل، ويجبر اليهودي والنصراني بثلث ديّة المسلم، وتجبر اليهودية والنصرانية بسدس ديّة المسلم، ويجبر المجوسي بثمانمائة درهم، والمجوسية بأربعمائة درهم، ولا عبرة في جبر الأموال بالأديان، فيجبر العبد المجوسي الذي يساوي ألفا بألف، ويجبر العبد المسلم الذي يساوي مائة بمائة؛ لأن المجبور هو المالية دون الأديان”(74).
ومن المفروغ منه اصوليا أن الوارد على خلاف القياس لا يرد نقضا على العلل ولا يجوز الإستمساك به(75). فوهن بهذا البيان الدليل الأساس للقول بحكمة الجبر المحض.
وأما قولهم: بأن عمر، رضي الله عنه، قد أوجب ديّة قاتل نفسه خطأ على عاقلته. فيجاب عنه بما سبق، وهو أن ديّة القتل الخطأ بالذات ثابتة على خلاف قياس باقي المضمونات فلا يصح الإستمساك بها في القول بأن حكمة الضمان مطلقا هي الجبر المحض. ثم إنه قد ثبت أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يضمن عاقلة قاتل نفسه خطأ كما في صحيح البخاري(76). وما روي عنه، صلى الله عليه وسلم، أولى بالقبول مما روي عن عمر، رضي الله عنه. ومع هذا فإنك لا تعدم مخرجا فقهيا لفعل عمر هذا؛ لأنه من الممكن القول: أن عمر، رضي الله عنه، كلفهم ديّة المقتول من باب التكافل لا من باب الضمان.
وتقديره التكافل بقدر الديّة إنما كان قياسا على ما يجب في القتل الخطأ عموما. وهذا نوع من القياس الشبهي يستخدمه الفقهاء في بعض الأحيان. والله أعلم.
واما قولهم: بأن جماهير الفقهاء اوجبوا الضمان على الصغير، والمجنون، والمخطىء، والنائم. فسأجيب عن ذلك، حالة حالة. ومن خلال الجواب سيظهر لنا أثر حكمة الضمان، كما قررناها، على الأفعال الموجبة له عموما:
أما الصغير، وهو من يبلغ سن البلوغ فقسمان، مميز، وغير مميز.
فأما المميز: فإيجاب الضمان عليه في ماله لا ينافي الزجر ولا ينقضه لأنه من أهل المؤاخذة عموما لأن له إدراكا. وهو أن لم يكن من أهل الحدود والقصاص، فقد نص الفقهاء على مؤاخذته تأديبيا في غير ما موضع(77). وإنما قلنا بتضمينه مع أن ادراكه ناقص لأنّا افترضنا بأن المقصود الأصلي هو الجبر، وتابعية الزجر تتأتى مع الإدراك الناقص.
وأما غير المميز، ومثله المجنون، فتضمينها مُشكِلٌ حقا. ولكني اقول: قد نلتزم القول بعدم ضمانهما كما هو رأي جماعة من السادة المالكية قياسا لهما على الدابة العجماء(78). وحتى لو التزمنا القول بضمانهما كما هو رأي الجمهور –وهذا هو الأسلم– فيمكن القول بإستثناء هذه الحالة من حكمة الضمان استحسانا؛ لأنّا إذا أسقطنا الضمان عنهما وعن وليهما إذا لم يثبت تقصيره فحينئذ سنجعل الضرر، وهو أما في المال أو البدن، مهدورا، مع أن العدل يقضي بأن يتحمل كل إنسان نتيجة فعله إذا كان قادرا على تحملها، كما هو في حال الضمان الذي يجب في مال الصبي والمجنون إذا كان لهما مال، ويدفعه من مالهما الولي.
وأما المخطىء والنائم، فالزجر في حقهما ليس في مقابلة الفعل الضار نفسه، لأن إثمه مرفوع شرعا، وإنما على ترك التبصر أو الإهمال في أخذ الاحتياطات قبل القيام بالفعل الضار أو اثناءه. ومن هنا اشترط الفقهاء في تضمين المعتدي أن يكون فعله بحيث ينسب إلى الإهمال والتقصير عرفا، أو على الأقل أن يكون فعله مظنة لهما، كما لا يخفى ذلك على من طالع ما يوردونه من أمثلة توجب الضمان.
وأما قولهم: بأن الضمان وجب على المضطر وليس هو آثما ولا معتديا حتى يستحق الزجر.
فالجواب عنه: أن هذا ليس متفقا عليه؛ إذ قد ذهب البعض إلى أن المضطر لا يضمن، وعليه فالمسألة في محل الإجتهاد. وفضلا عن ذلك أقول: حتى مع القول بتضمين المضطر فإن ذلك لا يتنافى وحكمة الزجر. وذلك، لأن المرء لا يدخل نفسه، غالبا، في مواطن الضرورة إلا نتيجة لقلة التبصر والنظر في العواقب قبل حصول هذه الضرورة. وعليه، فالمضطر في مظنة التقصير، ومن هنا وجب عليه الضمان زجرا عن تقصيره هذا. وبذا يدرك سر تفريق أكثر الفقهاء بين المضطر بفعله – كمن يزلق في النهر فيمسك بشجرة لينجو فيتلفها – وبين المضطر بفعل غيره–كدافع الصائل– حيث اوجبوا الضمان في الحالة الأولى دون الثانية، لأن المضطر بفعله في مظنة التقصير، وأما المضطر بفعل غيره فليس كذلك كما قلنا.
وأما قولهم: بأن الفقهاء، إذ ذكروا الضمان فإنما قرنوه بحكمة الجبر، ولم يذكروا معه الزجر.
فالجواب عنه: أن ذلك إنما كان تغليبا للمقصد الأصلي من الضمان وهو الجبر، ثم أن ذكرهم للجبر إنما كان أكثره في باب ديّة الخطأ، وقد أسلفنا بأن لهذه الديّة خصوصية ما، ثم أن بعضهم ذكر الزجر كحكمة للضمان: قال إبن عابدين فيمن جرح غيره فبرىء جرحه: “قال أبو يوسف: عليه أرش الألم. وقال محمد: عليه أجرة الطبيب وثمن الأدوية، وهو رواية عن أبي يوسف، زجرا للسفيه، وجبرا للضرر”(79). وعلى كل تقدير فليست الحجة في نصوص الفقهاء – وان كانت نصوصهم فوق الرأس والعين – وإنما لقول الله تعالى، ولقول رسوله، صلى الله عليه وسلم، ولما يدل عليه الدليل المعتبر.
والذي نخلص له بعد كل ما سبق: هو أن حكمة الضمان، بالسير الأصولي، إنما هي – فيما رجحناه – مجموع وصفي الزجر والجبر على أن الجبر مقصودا اولا والزجر مقصود تابع. وهذا فيما عدا ضمان الإصابات البدنية بالفعل الخطأ، فالمقصود بضمانها هو الجبر المحض.
المطلب الثالث النتائج المترتبة على القول بالحكمة المختارة للضمان
الحكمة المختارة للضمان هي، كما أسلفنا، الجبر والزجر معا، فيما عدا الإصابات البدنية بالفعل الخطأ ويترتب على القول بها أمور:
أولا: لا نراه يصح شرعا القول بإلغاء عنصر الخطأ أو التعدي كوصف أساسي من أوصاف سبب الضمان، والاعتماد على وصف الضرر وحده بإلقاء مسؤولية الضمان، لا على المخطىء، وإنما على الجهة الأكثر قدرة على تحمله كالدولة أو المؤسسة أو المصنع.
ولكن يمكن، كحل وسط، أن ننقل عبء إثبات الخطأ أو عدم الخطأ إلى المؤسسة أو المصنع في حالة حدوث ضرر مالي بسبب أحد العمال؛ لأنهم في العادة أضعف قدرة على إثبات خطأ المؤسسة، أو إثبات عدم حصول خطأ من قبلهم، كما أنهم أضعف قدرة على دفع أجور المحامين. ومستند ذلك هو نفسه مستند تضمين الأجير المشترك الذي قال به الصحابة ومن بعدهم، وهو المصلحة العامة، وحفظ الحقوق. ويمكن كذلك التوسع في أنظمة التكافل الاجتماعي، والتأمين التعاوني كعنصر رديف للضمان– لا بديلا له(80)– في جبر أضرار المتضررين.
هذا في حكم الضمان عموما، وأما فيما يتعلق بضمان الإصابات البدنية خاصة، والتي تحدث عن طريق الخطأ فحسب. فنراه من الجائز، بل ربما المحبذ، إيجاد تنظيم – كالنظام النيوزيلاندي مثلا – يحمل الضمان لجهة أكثر قدرة على تحمله، كالمصنع، أو المؤسسة، أو حتى الدولة. لا سيما أن نظام العاقلة في هذا العصر لم يعد فعالا. وذلك اقتفاء بسيدنا عمر، رضي الله عنه، إذ نقل الديّة من العاقلة إلى أهل الديوان لما ذكرناه من المعنى.
والمسوغ المصلحي لما قلناه من أولوية عدم إلغاء الخطأ، واعتباره وصفاً جوهرياً في الأفعال الموجبة للضمان، هو ما يولده اطراحه من روح اللامبالاة، وعدم الإكتراث، من قبل العمال والتابعين، وبالتالي كثرة الأخطاء والأضرار. وهو ما لايرغبه الشارع. هذا فضلا عن أن أصحاب المؤسسات والمصانع سينقلون تكلفة الضمان التي يتحملونها عن العمال نتيجة لأخطائهم، إلى المستهلكين عن طريق رفع أسعار السلع والخدمات. وبالتالي سيكون المتضرر الأول والأخير هو مجموع الناس، لا هؤلاء الأغنياء من ذوي رؤوس الأموال. وتضرر الناس هذا لن يكون نتيجة خطأ منهم. وإنما نتيجة خطأ من غيرهم.وهذا مجاف للمنطق والعدالة.
الأمر الثاني: في مجال التضمين – فيما عدا الإصابات البدنية – لا نراه من الصواب إيجاب الضمان على اي شخص، لا يتحقق فيه ركنا الخطأ المادي والمعنوي كليهما، لأنه إذا غاب اي عنصر من هذين العنصرين لم يتحقق الزجر الذي هو مقصود من الضمان تبعا كما قررنا.
والركن المادي للخطأ يتحقق بأمور:
1. أن يكون الفعل الذي ترتب عليه الضرر محظورا. كمن يسرق مالا للغير ثم يتلفه، فعليه الضمان.
2. أن يكون الفعل الذي ترتب عليه الضرر في نفسه وظاهره، جائزا، سواء أكان مكروها، أم مباحا، أم مندوبا، أم واجبا، لكن صحبه من الظروف والملابسات والقرائن ما دل على أن صاحب الفعل:
أ- كان متعمدا لإلحاق الضرر بالغير. كمن يحفر بئرا في ارضه في جهة ما منها، ويقوم الدليل على انه قصد بذلك سحب الماء الذي في بئر جاره.
ب- أو كان مقصرا أو مهملا أو غير متخذ للاحتياطات التي يتطلبها الوضع الطبيعي. كالنائم يقع على الشيء فيتلفه، أو كالمضطر بفعل نفسه كما سبق لنا توضيحه، أو كالسائق الذي يلحق الأضرار بالاخرين لسرعته أو لعدم اجرائه ما يلزم عند القيادة. أو كالمجاهد في سبيل الله يرمي رصاصته فإذا هي في ظهر مجاهد آخر كان قد حمل على صفوف المشركين.
ج- أو هو في مظنة احدى النقطتين السابقتين.
واما الركن المعنوي للخطأ فيتحقق بالإدراك وأقله التمييز، وعليه لا نرى القول بتضمين الصبي غير المميز وكذا المجنون في مطلق الأحوال صوابا، بل الذي يضمن هو وليهما إذا كان في مظنة الإهمال أو التقصير من حيث رعايته لهما، أما إذا لم يكن مهملا أو مقصرا فحينئذ يمكن التخلي عن ركن الإدراك والتمييز، والقول بضمان الصبي والمجنون صونا للأضرار عن الهدر.
الأمر الثالث: الذي يترتب على القول بأن حكمة الضمان هي الجبر والزجر معا. يبدو لنا فيما يتعلق ببعض المسائل التي اختلف الفقهاء في حكم الضمان بشأنها كما اوردناها في المبحث الأول من هذه الدراسة(81):
1. أن لا ضمان على الضرر المنجبر تلقائيا، كمن قلع سنا لحيوان أو انسان فنبتت أخرى محلها، لأن إيجاب الضمان في هذه الحالة لن يحقق عنصر الجبر، إذ الجبر حاصل، بل يحقق الزجر فقط، ولم يشرع الضمان لأجل الزجر فحسب. وفي هذه الحالة يجب التعزيز فقط.
2. أنه يجب ضمان منافع المغصوب على الإطلاق، لأن في مثل هذا الأمر تحقيقا لوصفي الجبر والزجر معا.
3. وكذلك يجب الضمان على المتعسف في استعمال حقه، لكن بأحد شرطين:
الأول: ثبوت نية الإضرار لديه، ولو ظنا.
والثاني: أن يكون فعل استعمال حقه بحيث ينسب إلى التقصير في التحرز عن ايقاع الضرر على الآخرين حتى لو لم تتوافر لديه نية الإضرار. فمن أشعل نارا في ارضه في وقت هبوب ريح فطارت شرارة وأحرقت أرض جاره مقصر؛ لأن الوضع الطبيعي يقتضي منه التحرز عن إشعال النار في وقت هبوب الريح. أما لو اشعل نارا في ارضه لمقصد صحيح ولم يكن في الجو ريح لكن هبت زوبعة فجأة فنقلت شيئا من النار إلى ارض جاره فلا ضمان.
وقيدا نية الاضرار، والتقصير أو مظنته، ضروريان في إيجاب الضمان في مثل هذه الحالات بناء على تقريرنا لحكمة الضمان لأن فقدهما يؤدي إلى إيجاب الضمان لأجل الجبر المحض دون الزجر؛ لأن الزجر لا يكون إلا في مقابلة الخطأ، وإذا لم توجد نية الإضرار ولا التقصير أو مظنته فأين الخطأ؟
4. وكذلك لا يجب الضمان على الضرر المعنوي، لأنه غير قابل للجبر المادي، ومن
الدليل على ذلك افتقاده للتماثل مع قيمة الضمان؛ فما من ضابط يمكن الرجوع إليه في ذلك، وعليه فإيجاب الضمان عليه محقق لحكمة الزجر دون الجبر، وفي هذا خروج عن مقصد الضمان، والواجب في مثل هذه الحالة تعزيز فحسب، والله اعلم.
5. لا يجب الضمان على المستكرة على اتلاف المال؛ لأنه لا يوجد تقصير من قبله إذ
يجوز له اتلاف المال حفاظا على نفسه، فهو كالمضطر بفعل غيره، وإنما الضمان على المكره تحقيقا لحكمة الزجر والجبر معا.
الخاتمة
وبعد: فالذي أردناه من هذا البحث أمران:
أحدهما: أن نضع معيارا عاما، لضبط الأفعال الموجبة للضمان، لا سيما أنه تعسر الإحاطة بهذه الأفعال بأفرادها، إذ هي كثيرة ومتناثرة ومتشعبة ومدار خلاف في كتب الفقه الإسلامي التقليدية. وقد كان ذلك عن طريق الوقوف على حكمة الحكم بالضمان بالمسالك الأصولية تم إستثمار هذه الحكمة بأعمالها في السبب الموجب للضمان، عن طريق القول بأنه لابد لكل فعل يوجب الضمان أن يكون مظنة لتحقق حكمة الضمان فيه.
والأمر الآخر: أن نعرض امام الباحثين الجادين والمنفتحين والمؤمنين بضرورة الفقه الإسلامي نموذجا تطبيقيا يبرز أهم معالم التجديد الذي ندعو إليه، وهي:
1. العرض القواعد للفقه أو تنظير المادة الفقهية.
2. التوسع في النظر إلى العلل أو قل: “مقاصد الأحكام” بالاستنباط أولا، وبالتوظيف ثانيا. واعني بالتوظيف: إعمال الحكمة في تحديد المدى الفروعي الذي يتناوله وينطبق عليه الحكم.
3. نبذ التقليد والتعصب والتقديس لآراء القدماء مع تقديرنا الكامل لهذه الآراء وأصحابها.
الهوامش
1. القرافي: شهاب الدين أبو العباس احمد بن ادريس الصنهاجي، الذخيرة، تحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، الدار البيضاء، ط1، 1994م، ج1، ص55.
2. الزرقاء: مصطفى احمد، المدخل الفقهي العام، دار الفكر، دمشق، ط10، 1387هـ=1968م، ج1، ص13.
3. إبن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1388هـ=1968م، ج13، ص257، المادة ضمن.
4. الخفيف: علي، الضمان في الفقه الإسلامي، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1971م، ص3،4.
5. المرجع السابق، ص5.
6. كما هو الحال في القوانين، المصري والعراقي والسوري. أنظر: الزرقاء: مصطفى، الفعل الضار والضمان فيه، دار القلم، دمشق، ط1، 1409هـ=1988م، ص61.
7. قال الدكتور وهبة الزحيلي: “التعدي، لغة، تجاوز الحد، ويراد به عند الفقهاء: معنى الظلم والعدوان ومجاوزة الحق، وضابطه هو انحراف عن السلوك المألوف للرجل المعتاد، أو انه العمل الضار بدون حق أو جواز شرعي، كما قال إبن نجيم في الأشباه”. ثم نقل الزحيلي عن مخطوط للدكتور فوزي ضيف الله قال فيه بأن التعدي هو: “مجاوزة ما ينبغي أن يقتصر عليه شرعا أو عرفا أو عادة”. الزحيلي: وهبة، نظرية الضمان أو أحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه الإسلامي، دار الفكر، دمشق، 1982م=1402هـ، ص18. وجاء في الموسوعة الفقهية: “التعدي في اللغة، التجاوز. وفي الإصطلاح هو مجاوزة ما ينبغي أن يقتصر عليه شرعا أو عرفا أو عادة. وضابط التعدي هو: مخالفة ما حده الشرع أو العرف. ومن القواعد المقررة في هذا الموضوع: أن كل ما ورد به المشرع مطلقا، ولا ضابط له فيه، ولا في اللغة، يرجع فيه إلى العرف. وذلك مثل: لحرز في السرقة، والإحياء في الموات، والاستيلاء في الغصب، وكذلك التعدي في الضمان، فإذا كان التعدي مجاوزة ما ينبغي أن يقتصر عليه، رجع في ضابطه إلى عرف الناس فيما يعدونه مجاوزة وتعديا، سواء أكان عرفا عاما ام خاصا. ويشمل التعدي: المجاوزة والتقصير، والإهمال، وقلة الاحتراز، كما يشتمل العمد والخطأ”. حرف الضاد، المادة ضمان، ص222.
8. الزرقاء، المدخل الفقهي العام، ج2، ص1032، ف648.
9. الزحيلي، نظرية الضمان، ص15.
10. نقله عن كتابه “الوجيز” الزحيلي، نظرية الضمان، ص14. وقد رجعت للوجيز فلم أجد التعريف بنصه في مظانه من الكتاب، فالله اعلم به.
11. البركتي: محمد عميم الإحسان المجددي، قواعد الفقه، الصدف ببلشرز، كراتشي، ط1، 1407هـ=1968م، ص359.
12. جمعية المجلة، مجلة الأحكام العدلية، تحقيق نجيب هواويني، كازخانة تجارت كتب، ص80، المادة 416.
13. الزرقاء، المدخل الفقهي العام، ج2، ص1032، ف648.
14. الكاساني: أبو بكر علاء الدين بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتاب العربي، بيروت ط2، 1982م، ج7، ص283.
15. أنظر: عامر: حسين، المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية، مطبعة مصر، ط1، 1376هـ=1956م، ص159. والركن، في المصطلح الأصولي والفقهي، لا يستخدم في اجزاء الحكم المفرد، وإنما في أجزاء العبادة أو المعاملة التي تتركب من أحكام عدة، وبما أن الضمان حكم مفرد كما اوضحنا، فلا يسوغ، اصوليا وفقهيا، أن نخلع على فرد من مكوناته وصف الركن. ولا مشاحة في الاصطلاح.
16. قال الشاطبي: “كما أن الأسباب المشروعة يترتب عليها أحكام ضمنا، كذلك غير المشروعة يترتب عليها ايضا أحكام ضمنا: كالقتل يترتب عليه القصاص والدية… وكذلك التعدي يترتب عليه الضمان والعقوبة، والسرقة يترتب عليها الضمان والقطع”. [الشاطبي: ابراهيم بن موسى الغرناطي، الموافقات، تحقيق وشرح عبدالله دراز، دار المعرفة، بيروت، ج1، ص258]. وقال إبن عابدين: “الحكم، وهو الضمان أو عدمه يدار على السبب، وهو التعدي أو عدمه”. [إبن عابدين: محمد أمين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، دار الفكر، بيروت، 1386هـ، ج3، ص664]. وقال الشوكاني: “التعدي سبب مستقل للضمان”. [الشوكاني: محمد بن علي، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، تحقيق محمود زايد، دار الكتب العلمية،بيروت، ط1 1405هـ، ج4، ص494].
17. أنظر: الشربيني: محمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الفكر، بيروت، ج3، ص84. والغزالي، الوسيط، تحقيق احمد ابراهيم ومحمد تامر، دار السلام، القاهرة، ط1، 1417هـ، ج4، ص187. وابن نجيم: زين الدين بن ابراهيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، دار المعرفة، بيروت، ج6، ص173. وابن عابدين، حاشية بن عابدين، ج6، ص515. والشاطبي، الموافقات، ج3، ص159.
18. السبب يكافىء العلة في اصطلاح الإمام، قال رحمه الله تعالى: “السبب هو الوصلة: وهو ما يتوصل به إلى المقصود … والسبب هو العلة، سيما في العقليات”. الجويني: إمام الحرمين عبد الملك بن عبدالله، الكافية في الجدل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1420هـ=1999م، ص40.
19. المرجع السابق، ص118.
20. ذهب الزحيلي في تكييفه لسبب الضمان إلى أن الإعتداء والضرر هما معا سبب الضمان. أما الرابطة السببية فهي “من قبيل عدم وجود المانع للسبب، والمانع للسبب هو الأمر الذي يلزم من وجوده عدم تحقق السبب” [الزحيلي، نظرية الضمان، ص1]. وهذا التكييف غير دقيق لأمرين: أحدهما : أنه سوى بين التعدي والضرر في كونهما معا سبب الضمان، مع أن الضرر لا يكافىء التعدي من وجهين: الأول: في اللغة الفقهية، حيث يذكر الفقهاء التعدي كسبب للضمان ولا يذكرون الضرر إلا نادرا، والوجه الآخر: في الواقع، حيث أن الضرر هو لازم أو نتيجة ناجمة عن التعدي، وعليه فالتعدي اسبق منه، لأن المعلول لا يتقدم علته، فكان الأولى أن ينفرد التعدي بكونه سببا، ويكون الضرر شرطا في هذا السبب. والأمر الآخر: انه كيف الرابطة السببية على انها من قبيل عدم وجود المانع للسبب. ولست اعلم وجها لهذا التكييف، لأن الرابطة السببية هي وصف وجودي وقد جعله الزحيلي عدميا، ولأن الوصف الذي يتمثل في عدم وجود المانع هو الشرط نفسه، فإنك قد تقول الحيض مانع من صحة صوم المرأة، أو تقول: عدم وجود الحيض، اي الطهارة، هو شرط لصحة صومها. فكان الأولى به بدل هذا التعقيد أن يقول بأن الرابطة السببية هي شرط في التعدي بحيث يكون التعدي مسببا للضرر أو هي شرط في الضرر بحيث يكون الضرر مسببا عن التعدي. والله أعلم.
21. المقصود به من يضطر إلى اتلاف مال الغير ابقاء على نفسه، فذهب الأكثرون إلى انه يضمن وخالف في ذلك بعض الظاهرية وبعض المالكية. أنظر: النووي: أبو زكريا يحيى بن شرف، المجموع شرح المهذب، تحقيق محمود مطرحي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1417هـ=1996م، ج9، ص47. وابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري، الكافي في فروع المالكية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1407هـ، ص188.
22. كمن يحفر بئرا في ارضه، فيتسرب اليها ماء بئر الجار، أو كمن يشعل نارا في ارضه فتنتقل شرارة منها عن طريق الريح فتحرق ارض الجار. وقد اختلف الفقهاء في التضمين في مثل هذه الفروع، فلم يقل أبو حنيفة والشافعي بالضمان، وقال به الصاحبان في حالة كون الضرر فاحشا، وقال به مالك واحمد مطلقا، لا سيما، إذا دلت القرائن على قصد الإضرار. أنظر: الزحيلي، نظرية الضمان، ص21.
23. إتفقوا على ضمان الصبي المميز، أما غير المميز فقال الجمهور بضمانه، وخالف في ذلك بعض المالكية. أنظر: الدردير: أبو البركات سيدي احمد، الشرح الكبير، دار الفكر، بيروت، ج3، ص443.
24. قال إبن رشد: “إختلف العلماء في القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة اقوال: احدها: أن كل دابة مرسلة فصاحبها ضامن لما افسدته. والثاني: أن لا ضمان عليه. والثالث: أن الضمان على ارباب البهائم بالليل ولا ضمان عليهم فيما افسدته بالنهار. والرابع: وجوب الضمان في غير المنفلت ولا ضمان في المنفلت. وممن قال يضمن بالليل ولا يضمن بالنهار مالك الشافعي. وبأن لا ضمان عليهم أصلا قال أبو حنيفة واصحابه، وبالضمان بإطلاق قال الليث، إلا أن الليث قال لا يضمن اكثر من قيمة الماشية. والقول الرابع مروي عن عمر، رضي الله عنه”. إبن رشد: أبو الوليد محمد بن احمد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر، بيروت، ج2، ص242.
25. ذهب الجمهور إلى عدم وجوب الديّة في هذه الحالة وخالف في ذلك الأوزاعي، وأحمد في رواية، وإسحاق، وهو مروي عن عمر، حيث قالوا بأن العاقلة تتحمل ديّة قاتل نفسه خطأ لورثته. أنظر: إبن قدامة: عبد الله بن احمد المقدسي، المغني، دار الفكر، بيروت، ط1، 1405هـ، ج8، ص303.
26. قال إبن قدامة: “متى كان للمغصوب أجر فعلى الغاصب أجر مثله مدة مقامه في يديه، سواء استوفى المنافع أو تركها تذهب. هذا هو المعروف في المذهب، نص عليه احمد في رواية الأثرم، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة لا يضمن المنافع، وهو الذي نصره اصحاب مالك [على تفصيل عندهم]”. إبن قدامة، المغني، ج5، ص169.
27. كمن قلع سنا لحيوان أو انسان فنبتت اخرى مكانها، فقد قال أبو حنيفة بسقوط الضمان وخالفه الصاحبان؛ لأن السن الجديدة نعمة مبتدأة. أنظر: إبن نجيم، البحر الرائق، ج8، 387.
28. كالطعن في الشرف أو السمعة أو تسبيب الحزن وما إلى ذلك، والذي يظهر من تفريعات قدماء الفقهاء أنهم لا يقولون بضمان هذه الأضرار، وذهب بعض المحدثين – كالزحيلي وفوزي فيض الله – إلى مشروعية القول بضمانها وخالفهم البعض الآخر كالأستاذ الزرقاء. أنظر تفصيلا طيبا في هذه المسألة: الزرقاء، الفعل الضار، ص121.
29. كمن أكره غيره على إتلاف مال لشخص ثالث، فقد ذهب الحنفية والحنابلة وبعض الشافعية إلى أن الضمان على المكره، وذهب المالكية والظاهرية وبعض الشافعية إلى أن الضمان على المستكره. أنظر: الزحيلي، نظرية الضمان، ص73.
30. الآمدي: سيف الدين علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1404هـ، ج3، ص262. ومصطلح العلة في عبارة الآمدي آنفة الذكر أوسع من السبب إذ هي تشمل العلة بمعنى السبب الظاهر المنضبط الموجب للحكم كالسفر الموجب لإباحة الفطر، وكذلك تشمل العلة بمعنى المعنى المناسب الذي يترتب على الحكم، كالسكر اللازم عن شرب الخمر الموجب لتحريمها.
31. الشاطبي، الموافقات ج1، ص250.
32. الغزالي، شفاء الغليل، ص537.
33. كاللفظ “من أجل” في قوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا …) [المائدة: 32] وكاللفظ “كي” في قوله تعالى: (كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم) [الحشر: 7].
34. وقد جمعها وزاد عليها الأستاذ الزرقاء في كتابه: الفعل الضار. أنظر: الزرقاء: الفعل الضار، ص17-57. وانظر، ايضا: الزحيلي، نظرية الضمان، ص16، 17.
35. وتتعدد طرق الإيماء عند الأصوليين ويجمعها القول بأنها طرق تتحد في كون الشارع لم يستخدم فيها ألفاظا موضوعة لغة للتعليل. وذلك كترتيب الحكم على وصف مباشرة، من غير حرف تعليل، كقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما) [المائدة: 38]. أنظر: الزركشي: محمد بن بهادر، البحر المحيط، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، طبعة مصورة، ج5، ص197.
36. الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى، السنن، ترقيم احمد محمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، رقم (1359)، كتاب الأحكام عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء فيمن يكسر له الشيء ما يحكم له من مال، وقال حسن صحيح. والحديث بمعناه في البخاري: محمد بن اسماعيل، الصحيح، ترقيم مصطفى ديب البغا، دار إبن كثير واليمامة، بيروت، ط3، 1407هـ=1987م، رقم (4972)، كتاب النكاح، باب الغيرة.
37. قال: الألوسي، في قوله تعالى: “فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) [النحل: 126]: “اي مثل ما فعل بكم، وقد عبر عنه بالعقاب على طريقة إطلاق اسم المسبب على السبب، نحو: كما تدين تدان، على نهج المشاكلة. وقال الخفاجي: أن العقاب في العرف: مطلق العذاب ولو إبتداء، وفي اصل اللغة: المجازاة على عذاب سابق. فإن اعتبر الثاني فهو مشاكلة، وإن اعتبر الأول فلا مشاكلة”. الألوسي: شهاب الدين محمود، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار الفكر، بيروت، 1408هـ، م7، ج14، ص257.
38. أبو داود: سليمان بن الأشعث، السنن، ترقيم محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، رقم (3568)، كتاب البيوع، باب من أفسد شيئا يغرم مثله. والنسائي: أحمد بن شعيب، السنن الصغرى – المجتبى، ترقيم عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط2، 1406هـ=1986م، رقم (3957)، كتاب عشرة النساء، باب الغيرة. وقال الحافظ إبن حجر: إسناده حسن. أنظر: إبن حجر: أحمد بن علي العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ=1986م، ج5،ص149.
39. افضنا الكلام في السياق: معناه وضابطه ومستوياته ومباحثه وتأثيره على دلالة النص … الخ في رسالتنا الدكتوراه أنظر: صالح: ايمن علي عبد الرؤوف، 2001م، القرائن المحتفة بالنص وأثرها على دلالته، رسالة دكتوراه، الجامعة الأردنية، الأردن، ص162-182.
40. الترمذي، السنن، رقم (3129)، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النحل، وقال: حسن غريب.
41. الترمذي، السنن، برقم (1359)، كتاب الأحكام عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء فيمن يكسر له الشيء ما يحكم له من مال، وقال حسن صحيح. والحديث بمعناه في البخاري، الصحيح، رقم (4927)، كتاب النكاح، باب الغيرة.
42. البيهقي: أبو بكر احمد بن الحسين، السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ= 1994م، ج6، ص96.
43. إبن حجر، فتح الباري، ج5، ص150.
44. قال الزركشي في “المناسبة”: “هي من الطرق المعقولة، ويعبر عنها بالإخالة، وبالمصلحة، وبالاستدلال، وبرعاية المقاصد، ويسمى استخراجها تخريج المناط لأنه ابداء مناط الحكم. وهي عمدة كتاب القياس وغمرته ومحل غموضة ووضوحه”. وقيل في تعريف الوصف المناسب: “هو الملائم لأفعال العقلاء في العادات”. وقيل: “هو ما يجلب للإنسان نفعا أو يدفع عنه ضرر”. وقال الدبوسي: “هو ما لو عرض على العقول تلقته بالقبول”. أنظر: الزركشي، البحر المحيط، ج5، ص206.
45. قال الأستاذ علي حسب الله: “إذا وجد [المجتهد] في الفعل عدة أوصاف مناسبة كان سبيله إلى تعيين احدها: “التقسيم والسبر”. أما التقسيم: فهو حصر الأوصاف المناسبة التي تصلح علة الحكم الأصل في نظر المجتهد. وأما السبر فهو بحث كل وصف من هذه الأوصاف واختباره، ليصل المجتهد إلى إبطال بعضها، ولو بدليل ظني، فيسلم له منها وصف من هذه الأوصاف واختباره، ليصل المجتهد إلى إبطال بعضها، ولو بدليل ظني، فيسلم له منها وصف لا يحتمل الإبطال فيكون هو العلة”. حسب الله: علي، أصول التشريع الإسلامي، دار المعارف، مصر، ط5، 1396هـ=1976م، ص157.
46. وقد مالت إلى ذلك بعض التشريعات الوضعية، كالقانون العرفي الإنجليزي في مرحلة من مراحل التطور التاريخي له، إذ لم يكن يوجب الضمان على الشخص إلا إذا توافر لديه القصد السيء أو التعمد. أنظر: سراج: محمد أحمد، ضمان العدوان في الفقه الإسلامي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1414هـ=1993، ص80.
47. إبن حزم: أبو محمد علي بن أحمد، المحلى بالآثار، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ج11، ص2.
48. إبن ماجة: محمد بن يزيد، السنن، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، (2043)، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، وغيره، حسنه النووي وصححه الحاكم، وضعفه أحمد وابن ابي حاتم ومحمد بن نصر. أنظر: إبن حجر: أحمد بن علي العسقلاني، تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، تحقيق ونشر عبد الله هاشم، المدينة المنورة، ج1، ص281.
49. النووي: أبو زكريا يحيى بن شرف، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1392هـ، ج5، ص186.
50. أنظر: النووي، المجموع، ج9، ص47.
51. الآمدي، الإحكام، ج3، ص19.
52. إبن قدامة، المغني، ج8، ص297.
53. أنظر: الصنعاني: محمد بن اسماعيل الأمير، سبل السلام شرح بلوغ المرام، تحقيق محمد الخولي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط4، 1379هـ، ج3، ص243.
54. أنظر: سراج، ضمان العدوان، ص34.
55. قال إبن عبد البر: “أجمع أهل السير والعلم بالخبر أن الديّة كانت في الجاهلية تحملها العاقلة فأقرها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك حتى جعل عمر الديوان”. إبن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار، ط1، دار الوغى، حلب والقاهرة، 1414هـ، ج25، ص221.
56. روى عبد الرزاق عن إبن جريج قال: “قلت لعطاء: الرجل يصيب نفسه بالجرح خطأ؟ قال: يعقله عاقلته. يقال: يد من أيدي المسلمين. ثم أخبرني بينا رجل يسير على دابته ضربها فرجعت ثمرة سوطه ففقأت عينه، فكتب فيها عمرو بن العاص إلى عمر، فكتب عمر: أن قامت البينة أنه أصاب نفسه خطأ فليود. قال عمر: يد من أيدي المسلمين”. وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: “أن رجلا فقأ عين نفسه فقضى له عمر بن الخطاب بعقله على عاقلته”. الصنعاني: أبو بكر عبد الرزاق بن همام، مصنف عبد الرزاق، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403هـ، ج9، ص415، 330.
57. أنظر: إبن حجر، فتح الباري، ج12، ص228.
58. المجلة، ص19.
59. العز بن عبد السلام: أبو محمد عز الدين بن عبد العزيز السلمي، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص150.
60. السرخسي: أبو بكر محمد بن أحمد، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1406هـ، ج11، ص74.
61. الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص143.
62. إبن مفلح: أبو اسحاق ابراهيم بن محمد بن الأكمل، المبدع شرح المقنع، المكتب الإسلامي، بيروت، ج5، ص163.
63. إبن قدامة، المغني، ج7، ص746.
64. البخاري: علاء الدين عبد العزيز بن أحمد، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1414هـ، 1994م، ج4، ص256.
65. البخاري، الصحيح، (6497)، كتاب الديات، باب إذا عض رجلا فوقعت ثناياه. ومسلم بن الحجاج، الصحيح، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (1673)، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه إذا دفعه المصول.
66. البخاري، الصحيح، (6506)، كتاب الديات، باب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا ديّة له. ومسلم، الصحيح، (2158)، كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره.
67. أنظر هذه الروايات ورواتها عند إبن حجر، فتح الباري، ج12، ص255.
68. البخاري، الصحيح، (6515)، كتاب الديات، باب العجماء جبار. ومسلم، الصحيح، (1710). كتاب الحدود، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار.
69. إبن القيم: محمد بن ابي بكر الجوزرية، اعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق طه سعيد، دار الجيل، بيروت، 1973م، ج2، ص36، 37.
70. أنظر: إبن تيمية: تقي الدين أبو العباس احمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى، جمع وتحقيق عبد الرحمن العاصي، مكتبة إبن تيمية، 20ج، ص553.
71. أنظر في ذلك: الشيرازي، أبو اسحاق ابراهيم بن علي، المهذب، دار الفكر، بيروت، ج2، ص211. والبهوتي: منصور بن يونس بن ادريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، تحقيق هلال مصيلحي، دار الفكر، بيروت، 1402هـ، ج6، ص62. وابن عبد البر، الكافي، ص 595. والكاساني، بدائع الصنائع، الفكر، بيروت، 1402هـ، ج6، ص62. وابن عبد البر، الكافي، ص595. والكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص255.
72. السرخسي: أبو بكر محمد بن احمد، اصول السرخسي، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، دار المعرفة، بيروت، 1372هـ، ج1، ص57، 58.
73. نقله عنه، الزركشي، البحر المحيط، ج5، ص96.
74. العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، ج1، ص56، 57.
75. أنظر: الزركشي، البحر المحيط، ج5، ص271.
76. قال البخاري، كتاب الديات، باب إذا قتل نفسه خطأ فلا ديّة له، (6496)، حدثنا المكي بن ابراهيم حدثنا يزيد بن ابي عبيد عن سلمة، قال: خرجنا مع النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى خيبر. فقال رجل منهم: أسمعنا يا عامر من هنيهاتك فحدا بهم. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: من السائق؟ قالوا: عامر. فقال: رحمه الله. فقالوا يا رسول الله هلا أمتعتنا به. فأصيب صبيحة ليلته. فقال القوم: حبط عمله قتل نفسه. فلما رجعت وهم يتحدثون أن عامر حبط عمله، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، نفسه. فلما رجعت وهم يتحدثون أن عامرا حبط عمله، فجئت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا نبي الله، فداك أبي وامي، زعموا أن عامرا حبط عمله. فقال: كذب من قالها. أن له لأجري اثنين، إنه لجاهد مجاهد، وأي قتل يزيده عليه. وانظر: إبن حجر، فتح الباري، ج12، ص227.
77. أنظر مثلا: الحطاب: محمد بن عبد الرحمن المغربي، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، دار الفكر، بيروت، ط2، 1398هـ، ج5، 374.
78. أنظر: الدسوقي: محمد عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، تحقيق محمد عليش، دار الفكر، بيروت، ج3، ص296.
79. إبن عابدين: الحاشية، ج6، ص586.
80. إذا قلنا بجواز عقد التأمين، بالقيود الشرعية، فإنه يجدر أن يكون ضمن هذه القيود ما يحدد مجال التأمين بما عد الأضرار الناجمة عن الأخطاء البشرية المتعمدة وغير المتعمدة – فيما عدا الإصابات البدنية طبعا – وذلك لأن اجازة التأمين في مثل هذه الحالة ستدفع الناس إلى التهاون وقلة التحرز عن الخطأ، إذ سيكون التأمين المفتقد – إلى حد بعيد – لمعنى الزجر رافعا وبديلا عن حكم الضمان المتضمن لهذا المعنى.
اترك تعليقاً