دراسة و بحث عن التداخل بين الدية و التعويض
مقدم من القاضي الشرعي الدكتور محمد عبدالجواد النتشة
رئيس محكمة جنوب عمان الشرعية 2007
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، إمام المرسلين، وخاتم النبيين، المبعوث رحمة للعالمين بأحسن تشريع للدنيا والدين وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فإن المؤمل اليوم، هو توسيع المدارك واستيعاب الأفكار المطروحة والخروج من النفق الذين تعيشه هذه الأمة في أفكارها ونظامها بمزيد من التقدم في تشريعاتها واحترام الذات والانطلاق بالإسلام ليكون سبيل الخلاص.
فلم تعد القوانين الوضعية مبهرة، ولم تعد التنظيمات والتشريعات العقلية حلولاً، لقد ثبت عوارها وظهر الحق المبين أن السبيل الواضح هو سبيل الله وأن المشرع الحكيم العالم بالنفس الإنسانية وما يصلح لها وما يضرها أولى بالاتباع وأصلح للانقياد.
لقد عبث الغرب بمقدرات هذه الأمة حين استعمرها، لكنه تغول على أفكارها وتشريعاتها في غفلة منها وأضعف ثقتها بها وأحل محلها قوانين بشرية ما لبثت أن فسدت عندما رأت الشمس وظهرت الحاجة إلى العودة إلى أحكام الشرع.
وهذه المسألة (التداخل بين الدية والتعويض) مثال حي على إحلال القوانين الوضعية محل أحكام الشريعة وما ولده من إشكاليات، ومنها تستشعر الدهاء الذي مورس من قبل الغرب تدريجياً لتتخلى هذه الأمة عند أحكام دينها.
والبحث له تداعيات وشجون فكرية لو كان المقام يتسع لها، إلا أن الاهتمام في الجزئية موضع البحث أولى خاصة مع كونها موضع تطبيق فعلي الآن.
وإن المبادرة بعقد مؤتمر القضاء الشرعي لأول مرة في المملكة الأردنية الهاشمية فيه إنعاش للفكر القضائي ورفع للشرع وتعزيز لمن يتوقون إلى التظلل بفيء أحكام الشريعة.
وأخيراً.. فهذا بحث كتبته مع قصور الهمة.. وكثرة الشغل.. لم أبلغ به مبتغاي ولكنه لبنة في البناء ومحاولة.. فما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان على أنني أرجو لقاء الله مؤمناً بأحكام الشرع وصلاحيتها لكل زمان ومكان منافحاً عن الإسلام عقيدة وشريعة.
نطاق البحث
لقد تداخلت المطالبات المالية وتشعبت فيما يتعلق بالأضرار الواقعة على النفس وتجاذبتها ثلاث اتجاهات:
الأول: الدية.
الثاني: التأمين.
الثالث: التعويض.
فالدية أمر مقرر في الشرع ويتبعها الأروش وهي محل التطبيق منذ أيام النبوة وبدء التشريع وقد أسندت إلى المحاكم الشرعية بموجب المادة 105 من الدستور الأردني ومحلها وقوع الضرر على المجني عليه وتحكمها قواعد رفع الضرر ضمن أحكام خاصة مفصلة كماً وكيفاً.
والتأمين ودعاويه من اختصاص المحاكم النظامية، وهو من المسؤولية العقدية فهو تنفيذ للعقد المبرم مع شركة التأمين تجبر به الضرر الواقع على المؤمن ولا تقاطع بين الدية والتأمين ولا صلة أو اشتباه بينهما فالدية من المسؤولية التقصيرية والتأمين من المسؤولية العقدية ولا يرتبط أحدهما بالآخر بوجه( ).
أما التعويض المدني فيشابه الدية، وهو البديل في الأحكام الوضعية عن الدية، فإن به معانٍ تتصل بالقانون المدني وأخرى بالجنايات وعندما حلت قوانين العقوبات المستمدة من القوانين الفرنسية محل الحدود أُبقي على القصاص والديات وتدريجياً ألغي القصاص وشرعت أحكام بديلة كما أخذت القوانين المدنية من الغرب وبقيت الديات لصيقة بأحكام الأحوال الشخصية والأوقاف مسندة إلى المحاكم الشرعية.
وحصلت الازدواجية حتى تعذر تقنين الديات كون مبناها على أحكام الجنايات والقصاص ويتطلب تقنينها إعادة تكييف الجنايات وفق النظرة الشرعية وتداخلت المطالبة بين التعويض والدية.
فإن قال قائل يكتفي بالتعويض دعا إلى إلغاء أحكام الشريعة في الديات وإن قال قائل بالجمع بينهما تضاعف الجزاء على الجاني فتولدت إشكالية يظهر أن حلها بالرجوع إلى أحكام الشرع وما سار عليه المسلمون في تاريخهم الطويل وكان عليه التطبيق.
وعلى ذلك فنطاق البحث في التداخل بين الدية والتعويضات الأخرى يتطلب بحث ما يلي:
1- ما يؤخذ زيادة عن الدية، ومدى شرعيته.
2- أوجه الشبه والاختلاف بين الدية الشرعية والتعويض المدني.
3- اتجاهات ومسالك إزالة التداخل بين الدية والتعويض.
على أن موضوع الدية يحتاج إلى مزيد توضيح من حيث الماهية والطبيعة، ودراستها وتأصيل الموضوع في ضوء ما سنته القوانين الوضعية يحتاج إلى عمق واستنارة وإجراء المطابقات وتكييف الأحكام ورصد الظاهرة والتحولات وتسجيل الأحداث التي تحيط بالموضوع. وكل ذلك يحتاج إلى جهد كبير وكتابة جادة في سفر عظيم، إلا أنني ضمن شروط المؤتمر قد حصرت البحث في الجزئية موضع الحاجة لما عليه العمل في المحاكم الشرعية واتجهت إلى توضيح الفكرة وتعزيز الموقف.
فإن كانت هناك ازدواجية بين التعويض والدية فالحل ليس بالتضييق على الدية وإقصاءها جانباً وتهميشها من حيث التطبيق والكم بل ينبغي تعزيز موقف الشرع والنأي جانباً عن القوانين الوضعية إن هي زاحمت أحكام الشريعة.
المبحث الأول مدى التداخل بين الدية والتعويض
المطلب الأول: ما يؤخذ زيادة على الدية.
المطلب الثاني: الفرق بين الدية والتعويض.
المطلب الأول ما يؤخذ زيادة على الدية
يجوز الصلح على القصاص باتفاق الفقهاء، ويسقط به القصاص سواء أكان الصلح بأكثر من الدية أم بمثلها أم بأقل منها وسواء أكان حالاً أم مؤجلاً ومن جنس الدية ومن خلاف جنسها بشرط قبول الجاني؛ لأن الصلح ليس مالاً. أما الصلح على الدية فلا يجوز بأكثر من الدية حتى لا يقع المتصالحان في الربا( ).
فإذا تقرر هذا، فهل يجوز أخذ الزيادة على الدية من قبيل التعويض وما إليه:
اختلف الباحثون المعاصرون في المسألة على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الجواز
وإليه ذهب د. محمد فوزي فيض الله( ) والشيخ علي الخفيف( ) و د. محمد أحمد سراج( ).
النصوص التي اعتمد عليها أصحاب هذا الاتجاه:
1- جاء في المبسوط( ): (وقد روي عن محمد في الجراحات التي تندمل على وجه لا يبقى لها أثر تجب حكومة بقدر ما لحقه من الألم وعن أبي يوسف رحمه الله يرجع على الجاني بقدر ما احتاج إليه من ثمن الدواء وأجرة الأطباء حتى اندملت، وأبوحنيفة رحمه الله قال: لا يجب شيء لأنه لا قيمة لمجرد الألم ألا ترى أن من ضرب ضربة تألم بها ولم يؤثر فيه شيء لا يجب شيء أرأيت لو شتمه شتيمة أكان عليه أرش باعتبار إيلام حل فيه.
2- جاء في المغني( ): (وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما نص عليه أحمد رحمه الله وروي نحو هذا الشعبي والنخعي والشافعي وقال مالك والثوري إن ذهب اللبن وجبت ديتهما وإلا وجبت حكومه بقدر شينه) أي: بقدر العيب الجسدي الذي يصيب المرأة.
3- جاء في الدر المختار( ): (.. أو التحم شجه أو التحم جرح حاصل بضرب ولم يبق له أثر فإنه لا شيء فيه. وقال أبويوسف: عليه أرش الألم وهي حكومة عدل.
4- جاء في فتح الوهاب( ): (.. فإن لم ينقص إلا حال سيلان الدم ارتقينا إليه واعتبرنا القيمة والجراحة سائلة فإن لم ينقص أصلاً فقيل يعزز فقط إلحاقاً للجرح باللطم والضرب للضرورة وقيل يفرض القاضي شيئاً باجتهاده ورجحه البلقيني).
5- جاء في البحر الزخار( ): (وفي الألم حكومة.. في الإيلام حكومة).
وفيه (ولا شيء في قطع طرف الشعر، ولا يؤثر في الجمال، فإن أثر بأن أخذ النصف فما فوقه فحكومه لما فيه من الزينة) ( ).
أولاً: رأي د. محمد فوزي فيض الله( ).
إمكان قبول فكرة التعويض المالي عن الضرر في إطار الفقه الإسلامي استناداً إلى:
أ- أن الشريعة قد أقرت التعزيز عن الضرر الأدبي.
ب- أن للحاكم أن يلجأ في أساليب التعزير إلى ما يراه أقمع للفساد وأبلغ في الإصلاح.
جـ- في زماننا يكون التعزير بأخذ المال في الأضرار الأدبية والمعنوية أمضى في العقاب وأحسن في تحقيق النتائج الأدبية. فليكن حق الله بالعقوبات الواقعة على الجسم والنفس على حسب الأحوال وليكن حق العبد بفرض الغرامات المالية.
ثانياً: رأي الشيخ علي الخفيف( ).
إن الديات والأروش ليست تعويضاً كاملاً، وإنما هي تعويض عن حق الحياة الذي يتساوى جميع الناس في التمتع به. وهذا لا يمنع القول بان ينال المجني عليه تعويضاً مالياً ينظر فيه إلى تعويض ما حدث.
يؤيد ذلك:
1- ما ذهب إليه بعض الفقهاء من جواز زيادة التعويضات المقدرة من الشارع بطريق التعزير إذا اقتضت مصلحة المجتمع ذلك، إذا لم يكن تقديرها مانعاً من الزيادة عليها عندئذ.
2- إذا رؤي أن ثمة ضرراً كبيراً نزل بالمجني عليه بسبب هذه الجريمة فليس من العدل عدم مراعاته والتسوية في الجزاء بين جريمتين أحدهما لم تحدث ضرراً ذا بال وأخرى أحدثت ضرراً عظيماً وكيف يمكن حينئذ أن نتصور التماثل في الصورتين بين الجريمة والجزاء في حين أن الجزاء فيما واحد والجريمة مختلفة ومتفاوتة وكذلك ضررها تفاوتاً عظيماً.
3- أن التعويض بالمال في الفقه الإسلامي قد قام على أساس المبادلة والمعاوضة بين المال الفاقد والجزاء، فإنه يجب لذلك أن ما يدفع من المال تعويضاً مضافاً إلى الديات والأروش مقابلاً بضرر مالي يجوز الاعتياض عنه.
4- أن التعويض يجب أن يكون عن ضرر مالي يتمثل في فقد مال كان قائماً وذلك ما لا يتحقق غالباً في الأحوال التي تجب فيها الديات والأروش وهذا ما تقضى به نظرية الضمان في الفقه الإسلامي ولكن إذا أمكن إقامة الضمان على نظرية أخرى هي تخفيف الألم عن المصاب وإرضاء نفسه واعتلال الغل والحقد من قلبه وذلك ما يقوم به المال يدفع إليه إرضاءً له أمكن حينئذ على هذا الأساس القول بجواز التعويض عن ضرر لم يلاحظ في فرض الدية وتقديرها.
5- إن الشريعة حين أقرت الدية في وسط البادية حيث يعيش أهلها من الرعي ونتاج الحيوانات والنعم وثمار النخيل وما أشبه ذلك أقرتها دون نظر إلى الصناعة والعمل على مستوى الناس جميعاً إذ لم يكن ضرر الجرائم في هذا الوسط يتعدى إلى غير الألم الجسماني أو النفسي الذي يعتاض عنه بالديات، أما في عصرنا هذا فقد تضاعفت فيه متطلبات الحياة وحقوقها وواجباتها وتكاليفها مما جعل غالب الناس يعيش من عملهم وكان ضرر الجريمة لا يقف عند الأضرار الجسمانية أو النفسية بل كثيراً ما يتجاوزها إلى أضرار مادية تحول دون العمل وكسب المال مما كان متوافراً للمجني عليه من قبل، وفي مثل هذه الأحوال قد يرى من العدل أن يكون لمن أصابته تلك الأضرار أن يطالب بتعويض عنها فوق ما يعطاه من الدية.
ثالثاً: رأي د. محمد أحمد سراج( ).
إن الدية تمثل الحد الأدنى للغرامة التي قدرها الشرع في إتلاف النفس أو المعاني القائمة بها، وفي هذا يستوي الناس جميعاً لا فرق بين كبيرهم وصغيرهم وشريفهم ووضيعهم أما الزيادة على هذا الحد لوجود سبب يبيح هذه الزيادة وفق القواعد الشرعية للمسؤولية فهو الذي يحقق مبدأ العدالة بالتناسب بين الضرر والواجب واستحسن ترك أسباب التغليظ وتقدير الواجب بكل سبب للقضاة لتمكينهم من مراعاة الظروف المتنوعة للمتقاضين وأنواع الأضرار وقوة العدوان.
فالدية تنصرف إلى تأكيد معنى المساواة بين الناس جميعاً في التعويض عن الأضرار المتعلقة بالنفس الإنسانية ومعانيها على حين ينصرف التغليظ إلى تأكيد معنى العدالة.
مؤيدات جواز الزيادة:
1- قاعدة عموم رفع الضرر.
2- اعتبار فقهاء الأحكام الألم من الأضرار التي يجوز للقاضي تعويضها( ).
الاتجاه الثاني: المنع.
وإليه اتجه الأستاذ مصطفى الزرقا رحمه الله( ).
وخلاصة رأيه أن الشريعة حسمت الخلاف وحددت مقدار الدية في الجناية على النفس وفي إضافة تعويض آخر لا حدود له فوق الدية مخالفة شرعية صارخة.
ذلك:
1- أنه يخالف أحكام الإرث الشرعية بترك القاضي يوزع التعويض على أحظ أفراد العائلة من الحزن والفجيعة.
2- إن الشريعة أخذت في مبدأ الزجر على المعتدين على أعراض الناس وسمعتهم بعقوبة التعزيز لا بالتعويض المالي في الضرر الأدبي.
3- أن الأخذ بالتعويض نقل غير حكيم عن الآراء الأجنبية( ).
المناقشة:
وقد أخذ الأستاذ الزرقا( ) على رأي د. محمد فوزي فيض الله المآخذ التالية:
1- الأمثلة الفقهية جميعاً التي استشهدوا بها على التعويض عن الضرر الأدبي ليست من الضرر الأدبي في شيء، فالألم، والشين، وفوات الزينة الطبيعية بفقدان الشعر كلها أضرار مادية لا نزاع في جواز التعويض المالي عنها ولا تصلح بحال للاحتجاج شرعاً على التعويض المالي عن الضرر الأدبي، على أنه يلاحظ أن بعض ما يوصف تساهلاً بأنه ضرر أدبي هو في حقيقته ضرر مادي يمكن تعويضه وفق القواعد الشرعية في تعويض الأضرار المادية ومن ذلك:
– إيقاع الألم بالضرب أو اللطم ولو لم يترك أثراً.
– نقص جمال عضو من الأعضاء.
– الضرر الأدبي الذي له انعكاسات مالية يقبل التعويض كأي ضرر مالي، ومثاله: اتهام طبيب بالجهل بالطب، أو اتهام تاجر بأنه عديم الأمانة أو أنه على وشك الإفلاس.. إلخ، مما يصرف الناس عن التعامل معه ويضر بمورده المالي.
2- لقد تضافرت النصوص الشرعية على تأكيد شدة تحريم الشريعة للإضرار الأدبي وأن حد القذف في الشريعة مثال واضح على ذلك، لكن الأسلوب الذي اتبعته الشريعة في معالجة الإضرار الأدبي إنما هو التعزيز الزاجر، وليس التعويض المالي، إذ لا تعد الشريعة شرف الإنسان وسمعته مالاً متقدماً يعوض يمال آخر إذا اعتدى عليه.
3- لو سلمنا بالتعزيز المالي لمن أضرّ بغيره أدبياً لوجب أن يذهب المال إلى خزانة الدولة لا إلى جيب المتضرر. وهذا لا يقولون به، وليس هو مراد المستدلين بجواز التعزير المالي شرعاً.
الترجيح:
يترجح لدى الباحث المنع من أخذ الزيادة على الدية من قبيل التعويض لقوة أدلة القائل بالمنع من جهة ومن جهة أخرى فإن مرجعية المجيزين التمسك بالدية مع الأخذ بالقوانين الوضعية في التأمين المدني إلا أنهم تجشموا مشقة إثبات وجود الزيادة من كتب الفقه المذهبية لهدف مطابقة القوانين الوضعية مع أن الأحرى بالمسلم التمسك بأحكام الشريعة ومنها الدية بكل أحكامها ونبذ الأحكام الوضعية.
المطلب الثاني الفرق بين الدية والتعويض
ذهب فريق من الباحثين إلى القول بأن الدية تعويض مدني( )، معللين رأيهم بما يلي:
1- أن الدية لا تدخل في الخزانة العامة كمال الغرامات.
2- يختلف مقدارها تبعاً لجسامة الإصابات ويختلف كذلك بحسب تعمد الجاني للجريمة وعدم تعمده لها.
3- إنها مال خالص للمجني عليه لقوله تعالى: ﴿ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ ( ) وفي التعويض المدني يحكم وينفذ ويسلم إلى أهل القتيل يداً بيد عوضاً عن دمه أو حقهم فيه.
4- إن الدية في الغالب يتحملها عاقلة الجاني، ولذلك لا يمكن اعتبارها عقوبة لمخالفة ذلك للآية الكريمة ﴿ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﴾( ).
إلا أنه وبالرغم من وجود تشابه بينهما إلا أنهما يفترقان في عدة أمور:
أولاً: أن الدية تجب على الجاني لمجرد المساس بالحق في السلامة الجسدية دون حاجة لإثبات ضرر آخر( ).
ثانياً: إن الدية ترجع إلى إطفاء الألم والغيظ في نفس المجني عليه وذويه فهي ترضيه لهم بشكل محدود وفيها تعويض للآلام النفسية التي تصيب المجني عليه، فهي تعويض عن الضرر المعنوي، الأدبي.
أما التعويض المدني فهو يشمل رفع ما أصاب الإنسان عن ضرر أياً كان مادياً أو معنوياً( ).
ويرى الأستاذ الزرقا( ) أن الدية عوض قدرته الشريعة عن الضرر الذي يلحق أولياء القتيل وورثته، ومن العسير التسليم بأنه ضرر أدبي بل الأوجه أن يوصف بأنه ضرر مادي ومالي.
ثالثاً: أن الدية والأرش تعويض موضوعي، فمنطق الشريعة في جنايات النفس هو التسعير الشرعي للوحدة الأساسية في حساب الضمان أو التعويض المالي. فهما لا تتأثران بمنزلة الجاني أو المجني عليه ولا بالرغبة في الانتقام أو التشفي ولا بمدى جسامة الفعل الموجب للدية( ).
رابعاً: أن الدية توزع وفق أحكام الأرث فيما يوزع التعويض على أحظ أفراد العائلة من الحزن والفجيعة( ). فيشمل التعويض شخص أو أسرة لا قرابة بينه وبينهم حتى لو كان يعول أشخاصاً على سبيل الإحسان أو الصدقة وحرموا من النفقة بالجناية عليه وهذا لا حدود له يقف عندها الضمان أو التعويض( ).
خامساً: أن الشارع قد توصل إلى تقرير الدية لا لأنها تصلح كمماثلة للآدمي وإنما لصون الدم عن الهدر، فيجد في تحملها المصيب زاجراً له ويجد فيها المصاب ما يعوضه عما قاس بسبب الجريمة.
والدية على هذا الاعتبار تشبه الغرامة من جهة والتعويض من جهة أخرى.
تشبه الغرامة لأنها فيها معنى الزجر للجاني بحرمانه من جزء من ماله، ولأن قيمتها قد قدرها الشارع لكل حالة كما هو الحال في الغرامات.
وتشبه التعويض لأنها ترمي إلى أن تعوض إلى حد ما المجني عليه عما أصابه من الجريمة. ولكنها مع ذلك تختلف كثيراً عن كل من هذين( ).
سادساً: إن الدية محددة ويتساوى فيها الجميع أما التعويض المدني فتدخله الشخصية والاعتبارات التي تزيد منه وتجعله متفاوتاً من شخص إلى آخر.
المبحث الثاني مسالك إزالة التداخل بين الدية والتعويض
المطلب الأول: الجمع بين الدية والتعويض.
المطلب الثاني: الأفراد بين الدية والتعويض.
المطلب الأول الجمع بين الدية والتعويض
تطبيقه القوانين الوضعية في البلاد الإسلامية وإحلالها مكان أحكام الشريعة الإسلامية تدريجياً كانت وراء فكرة الجمع بين الدية والتعويض.
ففي مصر والسودان سن قانون الجزاء الهمايوني عام 1855م ليعطل الحدود الشرعية والذي استمد أحكامه من قانون العقوبات الفرنسي الصادر عام 1810م ومع ذلك فقد استمرت أحكام الشريعة في القصاص والديات في التطبيق إلى جانبه وكذلك بعد استبداله بالقوانين الأهلية عام 1883م.
فقانون العقوبات المختلط الصادر عام 1875م والذي يتكون من قانون جنائي وآخر مدني جاء في المادة 227 منه (في جميع الأحوال المبينة في هذا الباب تقدر الدية بحسب الشريعة الإسلامية للأشخاص السارية عليهم أحكام تلك الشريعة أو التضمينات المدنية المقررة بحسب الأحكام والإجراءات الواردة في القانون العام) وهذا النص نقل إلى قانون العقوبات الأهلي لعام 1904م. ومن هنا اختلط الأمر على شراح قانون العقوبات فاتجه البعض إلى القول بجواز الجمع بين أخذ الدية وفقاً للشريعة والتعويض وفقاً للقانون المدني لاختلاف طبيعتها إذ الدية بدل النفس والتعويض بدل الضرر( ).
يقول أحمد فتحي بهنسي( ) في سرد آراء فقهاء القانون الجنائي المصري: (وعلى ذلك فالظاهر أنه إذا طالب الإنسان بالدية فإن ذلك لا يمنع من أن يطالب بالتعويض عن الأضرار المادية التي أصابته خصوصاً إذا احتفظ لنفسه بالحق في ذلك، وإذا طالب بالتعويض المدني كاملاً أي عن الضرر المادي والأدبي وقضى له به فليس له أن يطالب بالدية).
أما في الأردن فقد ظل يطبق النظام القضائي العثماني منذ عام 1916م وشكلت بعد ذلك المحاكم العشائرية عام 1946 وبعدها صدر الدستور الأردني عام 1952م فتبدل القضاء العثماني بالقضاء الأردني وقسمت المحاكم إلى أنواع واختصاصات معينة، وهي القوانين المعمول بها حالياً بعد التعديلات الجارية عليها( ) وقد عولج الموضوع في مادتين من القانون المدني الأردني( ):
المادة (273): ما يجب من مال في الجناية على النفس وما دونها ولو كان الجاني غير مميز هو على العاقلة أو الجاني للمجني عليه أو ورثته الشرعيين وفقاً للقانون.
المادة (274): رغماً عما ورد في المادة السابقة كل من أتى فعلاً ضاراً بالنفس من قتل أو جرح أو إيذاء يلزم بالتعويض عما أحدثه من ضرر للمجني عليه أو ورثته الشرعيين أو لمن يعولهم وحرموا من ذلك بسبب الفعل الضار.
جاء في موسوعة شرح القانون المدني( ): رؤي التفريق بين المال الذي يجب بسبب الجناية، وهو الدية، أو الأرش أو حكومة العدل وبين التعويض عن الضرر، ففي الحالة الأولى إنما يستحق الدية عن النفس أو ما دونها المجني عليه أو الورثة الشرعيين حسب الأحكام الشرعية وفي الحالة الثانية يجوز للمتضررين المشار إليهم ولو من غير الورثة أن يطالبوا بالتعويض على قدر ما أصابهم من ضرر حسبما ذكر في المادة (267) من هذا المشروع رعاية لقاعدة المصالح المرسلة.
وقد استقر اجتهاد محاكم الاستئناف الشرعية في المملكة الأردنية الهاشمية على نظر دعاوى الدية الشرعية بالرغم من ورود دفوع بحصول المدعين على تعويض من المحاكم النظامية ومن الأمثلة على ذلك.
أولاً: قرار محكمة استئناف إربد الشرعية رقم 293/ 2004- 293 تاريخ 5/5/ 2004 وموضوعه دية شرعية بسبب القتل بالتسبب.
جاء في (اخطأت المحكمة عندما قالت أن المستأنفين قد حصلا على التعويض من الجهة المستأنف عليها ولم تراعي أن الدية من وظائف المحاكم الشرعية وأن التعويض مختلف عن الدية.. وأن الضمان غير الدية فالمادة (273) من القانون المدني جعلت ما يجب من مال في الجناية على النفس وما دونها ولو كان الجاني غير مميز هو على العاقلة والمقصود بذلك الدية بينما المادة (274) نصت على أنه رغماً عما ورد في المادة السابقة كل من أتى فعلاً من قتل أو جرح أو إيذاء يلزم بالتعويض عما أحدثه من ضرر للمجني عليه أو ورثته الشرعيين فالمشرع جعل التعويض غير الدية وحيث أن موضوعنا هو الدية وهو من وظائف المحاكم الشرعية عملاً بالمادة 105 من الدستور( ).
ثانياً: قرار محكمة استئناف عمان الشرعية رقم 1059/ 2004- 60356 تاريخ 15/ 2004 وموضوعه دية.
السبب الرابع (من أسباب الاستئناف): أن الدية الشرعية هي نوع من أنواع التعويض وليست عقوبة ولا فرق بين الأمرين وقد حكم للمستأنف عليهم بتعويض على المستأنفة من قبل المحاكم النظامية لوفاة مورثهم لذا فإنه لا يجوز لهم استيفاء الحق مرتين.
جواب محكمة الاستئناف عن السبب الرابع: فإن الدية ليست تعويضاً وإنما هي عقوبة في مقابل النفس وتعويض معاً، كما أن التعويض المحكوم به للمستأنف عليهم بدية مورثهم على المستأنفة والمصدق تمييزاً لا يمنع القضاء للمستأنف عليهم بدية مورثهم في دعوى شرعية أمام المحاكم الشرعية ولا يعتبر الحكم بتعويض لهم دفعاً لاستحقاقهم الدية حيث نصت المادة (273) من القانون المدني الأردني »..« في حين نصت المادة (274) منه ».. « وجاء في المذكرة الإيضاحية لهاتين المادتين رؤي التفريق بين المال الذي يجب بسبب الجناية وهو الدية أو الأرش وبين التعويض عن الضرر ففي الحالة الأولى إنما يستحق الدية على النفس أو ما دونها المجني عليه أو ورثته الشرعيون حسب الأحكام الشرعية وفي الحالة الثانية يجوز للمتضررين المشار إليهم ولو من غير الورثة أن يطالبوا أما بالتعويض على قدر ما أصابهم من ضرر حسبما ذكر في المادة (267) من هذا القانون رعاية للمصالح المرسلة.
ومؤدى هذا أن التعويض غير الدية وأن الحكم بالتعويض لا ينافي المطالبة بالدية والحكم له( ).
ثالثاً: قرار محكمة استئناف عمان رقم 2200/ 2004- 61497 تاريخ 26/ 12/ 2004.
موضوعه طلب دية أعضاء وارش وجروح.
السبب الرابع (من أسباب الاستئناف): إن المستأنف حصل على تعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بالطفل قيس نتيجة الحادث مصالحه واستلم مبلغ ثلاثة عشر ألفاً وخمسماية دينار أردني.
جواب محكمة الاستئناف عن السبب الرابع: فإن هناك فرقاً بين التعويض المدني عن الضرر وبين الدية الشرعية أو الأرش فقد قررت المادة (273) من القانون المدني (…) وورد في المادة (274) من القانون المدني (.. ) وقد وضحت المذكرة الإيضاحية ما المقصود من هاتين المادتين وهو أن المقصود بالأولى الدية للورثة والمقصود بالثانية التعويض للورثة ولسائر المتضررين ولما جرى عليه العمل في هذه المحكمة الاستئنافية( ).
كما نص القانون المدني الكويتي رقم 67 لسنة 1980 صراحة على الجمع بين التعويض والدية في المادة (259) منه حيث نصت على أنه (لا يحول استيفاء الدية باعتبارها ضماناً عن أذى النفس دون حق المضرور بالتعويض عن المضار الأخرى على من يلتزم به وفقاً لأحكام المسئولية عن العمل غير المشروع ما لم يثبت أنه نزل عن حقه فيه) في حين نصت المادة (258) منه على أنه (يقتصر ضمان أذى النفس على الدية كلها أو جزء منها وفقاً لأحكام الشرع الإسلامي وما تضمنه جدول الديات المشار إليه في المادة 251 مع مراعاة تحديد مقدار الدية الكاملة على نحو ما تقضي به المادة المذكورة( ).
يتضح من كل ذلك أن تطبيق القوانين الوضعية المأخوذة من الدول الغربية أبان استعمارها وإحلاله محل أحكام الشريعة الإسلامية الغراء تدريجياً أوجد في المراحل الانتقالية ازدواجية في التطبيق بين التمسك ببعض الأحكام الشرعية وبين الأخذ بالاتجاه الغربي في العقوبة والتعويض إلا أن الأمر لم يبق على هذا الحال بل وجد اتجاه عند الباحثين المعاصرين بالفقه أجاز هذه الازدواجية ونادوا بالجمع بين الدية والتعويض، ومنهم:
د. محمد فوزي فيض الله( ) والشيخ علي الخفيف( ) ود. محمد محمود سراج( ).
وقد انطلقوا من جواز أخذ الزيادة على الدية( ) في قولهم بالجمع بين التعويض والدية استناداً إلى ما يلي:
1- ما قرره الفقهاء في أرش الألم.
2- مراعاة لقاعدة عموم رفع الضرر.
3- ترك أسباب التغليظ وتقدير الواجب بكل سبب من قبل القضاة مراعاة للظروف المتنوعة للمتقاضين وقوة العدوان.
4- أن الدية لم تشرع تعويضاً كاملاً عن جميع ما يصيب المجني عليه، فلا تمنع القول بجواز أن ينال المجني عليه تعويضاً مالياً ينظر فيه إلى تعويض ما حدث.
5- إن في شرع التعويض إرضاءً للنفس وزوال للحقد ما لم يلاحظ في تشريع الدية فجاز أن يضم إلى الديات ما يرى وجوبه من تعويض مالي.
المطلب الثاني الإفراد بين الدية والتعويض
عندما جاءت القوانين الوضعية بنظمها الخاصة وطبقت في البلاد العربية تطلب الأمر تكييف تلك الحقوق التي كانت مستمدة من الشريعة الإسلامية لتوزيعها على الأقسام المختلفة للقانون من جنائية ومدنية إلى غيرها من التقسيمات التي لم يكن معروفة بلفظها في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية، وكانت الدية من ضمن هذه الحقوق التي لم تكيف في تلك المرحلة الانتقالية التكييف الصحيح حتى اعتقد البعض أنها والتعويض المدني في مرتبة واحدة( ). ومن جهة أخرى فإن الدية هي الواجبة شرعاً في النفس وما دونها والتمسك بالشريعة وما فصلته من أحكام يقتضي القول بالإفراد بعيداً عن التأثر.
وعلى ذلك فالقائلون بالإفراد على اتجاهات ثلاث، وهي:
الاتجاه الأول: الأخذ بالدية وترك التعويض.
وإليه ذهب الأستاذ مصطفى الزرقا( )، وذلك أنه منع أخذ الزيادة على الدية( ).
فالذي يبدو أن منطق الشريعة في جنايات النفس هو التسعير الشرعي للوحدة الأساسية في حساب الضمان أو التعويض المالي، وهي: دية النفس، وعدم ترك ذلك لتقدير القاضي. وكذلك التسعير في مختلف الجنايات على ما دون النفس: إما بالأرش المحدد بنسبة من دية النفس فيما يمكن تحديده، أو حكومة العدل التي يراعي فيها أن تكون منسجمة مع المقادير الشرعية المحددة في الديات والأرش. وهكذا يظهر أن الشريعة قد أخذت في جنايات النفس بمبدأ التسعير الإلزامي الذي يفترض أن يغطى –حكماً واعتباراً- جميع الأضرار التي لحقت بالمضرور من الجناية، دون أن تفسح مجالاً للمجني عليه أو لسواه للمطالبة بمزيد من التعويضات لقاء ما فاته من كسب، أو لحقه من أضرار تبعية نتيجة الجناية، فما هو مقرر في القوانين الوضعية، فالنظر الشرعي فيما يبدو يهدف إلى القمع والمساواة ومنع الغلو في التقديرات الشخصية للضرر.
فالعقوبة في حالة العمد كافية للقمع، وتسعيرة التعويض المالي التي تعتمد دية النفس وحدة قياسية إجمالاً كافية لجبر ضرر المجني عليه في جسمه في حالة الخطأ وما في حكمه( ).
الاتجاه الثاني: التخيير بين الدية والتعويض.
المبدأ العام في نطاق المسؤولية المدنية عند القانونيين( ): عدم جواز الجمع بين عدة تعويضات عن نفس الضرر كما تقدم ولكن إذا تعدد المسؤولون عن الفعل الضار جاز للمضرور أن يطالب أحدهم بكل التعويض؛ لأن الفاعلين متضامنون بنص القانون ولهذا فإن حصل على التعويض ليس له مطالبة الآخرين بالتعويض لأنه يعد جمع بين تعويضين وإثراء بدون سبب على حساب المسؤولين. كما لا يحق للمتضرر الذي حصل على التعويض من المتبوع مطالبة التابع بالتعويض عن نفس الضرر.
اعتقد بعض شراح القانون أن الدية والتعويض في مرتبة واحدة وأن للمدعي الخيار بين أن يطلب الدية فقط أو التعويض المدني( ).
وكان قانون العقوباات المختلط –الذي يتكون من قانون جنائي وآخر مدني- الصادر عام 1875م وفقاً لما يرى بعض الشراح قد أعطى للمضرور الخيار بين أخذ الدية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية أو التضمينات وفقاً للقانون المدني واعتبروا أن المطالبة بأحدهما معناه التنازل عن الآخر.
وقد علق الشراح على نص المادة 227 من قانون العقوبات المختلط الصادر عام 1875م والتي تنص على أنه (في جميع الأحوال المبينة في هذا الباب تقدر الدية بحسب الشريعة الإسلامية للأشخاص السارية عليهم أحكام تلك الشريعة أو التضمينات المدنية المقررة بحسب الأحكام والإجراءات الواردة في القانون العام) بأنه (وكل ما يتطلبه القانون أن يكون تقديرها بحسب أحكام الشريعة الإسلامية إذا طلبت، ولصاحب الشأن ممن تسري عليهم هذه الشريعة أن يطلب استيفاء الدية أو أن يطلب التعويض المدني وهما في نظر القانون نوعان من التضمينات الخاصة وفي درجة واحدة يختار ذو الشأن ما يراه منهما أقرب إلى مصلحته والمطالبة بأحدهما معناه التنازل عن الآخر فلا محل للجمع بينهما جزئياً أو كلياً( ).
وأن النص القرآني في الدية ﴿ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾( )، فالدية وردت بلفظ يفيد القليل إذ تقرر علوم البلاغة أن التنكير في مثل هذا للتقليل ولفظ »دية« نكرة فيؤخذ من ذلك أنه يكفي في التعويض المدني ما يرضي أهل المقتول قل أو كثر بحسب نص الآية وذلك يكون بمقدار ما خسروه من فقد عوضاً عن حقهم من قيامه من الانفاق عليهم لو لم يقتل.
الاتجاه الثالث:
أن من طالب بالتعويض المدني كاملاً أي عن الضرر المادي والأدبي وقضي له به فليس له أن يطالب بالدية. أما إذا طالب بالدية فإن ذلك لا يمنع من أن يطالب بالتعويض عن الأضرار المادية التي أصابته.
وإليه ذهب د. محمد مصطفى القللي.
ذلك أن الدية على العموم إنما ترجع إلى إطفاء الألم والغيظ في نفس المجني عليه وذويه فهي ترضيه لهم بشكل محدود، وفيها تعويض للآلام النفسية التي تصيب المجني عليه، فهي إذن تعويض لنوع من الضرر المعنوي الذي يصيب الشخص أما التعويض المدني فيشمل رفع ما أصاب الإنسان من ضرر أياً كان سواء كان مادياً أو معنوياً( ).
الترجيح:
يترجح لدى الباحث من خلال النظر ما يلي:
1- استمرار المحاكم الشرعية في الحكم بالديات وفق الشريعة.
2- تعديل الاجتهادات الاستئنافية في تقدير الديات وترك اعتماد الأرفق بالجاني من حيث الرخص والتمسك برأي الفقهاء أن دية الآدمي كثيرة وأن الرفق بالجاني من جهة توفر الجنس الذي يؤدي منه الدية فقط.
3- إنه في حالة الحكم بالدية الشرعية على أصولها تكون مفردة ولا يجوز جمع التعويض المدني إليها.
الخاتمة
من خلال الكتابة في جزئية (التداخل بين الدية والتعويض) خلصت إلى ما يلي:
1- أن الدية تختلف عن التأمين، وأنه لا محل لبحث عدم الجمع بينهما كون التأمين من المسؤولية العقدية فيما الدية من المسؤولية التقصيرية.
2- أن الدية والتعويض المدني أصلهما واحد إلا أن للدية سمات خاصة والتعويض المدني هو البديل الوضعي عنها.
3- أنه لا يجوز أخذ التعويض المدني مع الدية بل الواجب الاكتفاء بالدية وفق محدداتها الشرعية.
4- أنه لا يجوز أخذ الزيادة على الدية ولا الجمع بين الدية والتعويض بل أفراد الدية.
5- أن المحاكم الشرعية تحكم بالدية بالرغم من وجود أحكام بالتعويض المدني وهو اتجاه سليم، وإن كان ينتج عن ذلك إثراء المجني عليه أو ورثته بدون سبب فلتترك المحاكم النظامية الحكم بالتعويض المدني.
6- ينبغي أن تترك المحاكم الشرعية صورية الحكم بالدية بمبالغ بسيطة على أساس اختيار الأرفق بالجاني لأن المقصود بالرفق توفر الصنف وليس رخصه.
المراجع
1- القرآن الكريم.
2- ابن قدامة عبدالله، المغني، مكتبة الرياض الحديثة.
3- إدريس، د. عوض أحمد، الدية بين العقوبة والتعويض في الفقه الإسلامي المقارن، الطبعة الأولى 1986، دار ومكتبة الهلال، بيروت.
4- الأنصاري، أبي يحيى زكريا، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، الطبعة الأخيرة 1948م، مطبعة البابي الحلبي، مصر.
5- بهنسي، أحمد فتحي، الدية في الشريعة الإسلامية، 1967، مكتبة الأنجلو المصرية.
6- الحصكفي، الدر المختار ومعه حاشية ابن عابدين في دار إحياء التراث، الطبعة الأولى 1998م.
7- الخفيف، الشيخ علي، الضمان في الفقه الإسلامي، دار الفكر العربي – القاهرة.
8- الزحيلي، د. وهبه، الفقه الإسلامي وأدلته، الطبعة الثالثة – 1989، دار الفكر، دمشق.
9- الزرقا، مصطفى أحمد، الفعل الضار والضمان فيه، الطبعة الأولى 1988، دار القلم، دمشق.
10- سراج، د. محمد أحمد، ضمان العدوان في الفقه الإسلامي، الطبعة الأولى 1993م، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
11- الفضل، د. منذر، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني، الطبعة الأولى 1991 مكتبة الرواد للطباعة، بغداد.
12- مدغمش، جمال، دحمان، يحيى – موسوعة شرح القانون المدني، المركز القانوني الاستشاري 2004
13- المرتضى، أحمد بن يحيى، البحر الزخار، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
14- المعايطة، صلاح، دعوى الدية وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية الأردنية، 1998، مؤسسة البلسم للنشر والتوزيع، عمان.
15- القانون المدني الأردني، نسخة مأخوذة من الجريدة الرسمية.
16- القرارات الاستئنافية – محكمتي استئناف عمان وإربد الشرعيتين (أوراق متفرقة).
17- لجان تطوير التشريعات، القانون المدني، مجلس الوزراء، مكتب وزير الدولة للشؤون القانونية والإدارية، دولة الكويت.
المصدر :- موقع فراج الالكتروني
اترك تعليقاً