بحث قانوني ودراسة هامة عن القتل الخطأ عن طريق وسائل النقل
الاستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي
مسؤولية سائق وسائل النقل الجماعية في القتل الخطأ عن الدية والكفارة هو عنوان هذا البحث الذي تم اعداده من الاستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي ، إن الدكتور الزحيلي هو استاذ الفقه الاسلامي واصوله في كلية الشريعة بجامعة دمشق ، والان نترككم لقراءة بحث مسؤولية سائق وسائل النقل الجماعية في القتل الخطأ عن الدية والكفارة ، مع امنياتنا بقراءة ممتعة ومفيدة
مسؤولية سائق وسائل النقل الجماعية في القتل الخطأ عن الدية والكفارة
إعداد
الأستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي
أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله
كلية الشريعة – جامعة دمشق
تقديم
الحمد لله الآمر بالعدل والاستقامة، والصلاة والسلام على النبي البَرّ العدل، وعلى آله وصحبه أهل الفضل والإحسان، وبعد:
فإن هذا موضوع حيوي واقعي معاصر، ليس في قديم الفقه منه إلا القليل، ولكنه يسير على من يسَّره الله عليه، في ضوء معطيات فقه الفقهاء الأثبات، وحكمة العلماء ذوي البصائر النيرة، وإبانته وتفصيله شيء ضروري، والإحاطة بمضمونه لا يستغني عنه عالم.
وإني أُحسّ بمزيد الغبطة والحبور أن كان المجمع الفقهي الإسلامي الدولي يثير في كل دورة الجديد وما يناسب، ويوجِّه إلى ضرورة الإسهام في تبيان ما هو غامض أو محدود التفصيل في كتب القدماء، فيكون متجاوباً مع تطلعات الأمة الإسلامية إلى معرفة الجديد، وتجديد البحث في المشكل أحياناً، والمغمور أحياناً أخرى.
ما أكثر وقائع الأحداث المميتة في كل يوم وفي كل بلد، بسبب وسائل النقل الحديثة من سيارات وقطارات وبواخر وطائرات وغيرها، مما يستدعي معرفة أحكام هذه الحوادث وتغطية تفاصيلها، سواء فيما يتعلق بالحقوق المالية الخاصة، أو بحق الله تعالى أو حق المجتمع، لأن تلازم الحقين الخاص والعام في شرعة الإسلام هو الظاهرة المميزة لها، ليتحقق بهذا التلازم أو التآزر مصلحة الإنسان ومصلحة المجتمع معاً، فيؤدي المخطئ أو العصبات الحقوق المالية كالدية حال القتل أو الأروش (التعويضات) حال ارتكاب الاعتداء أو الخطأ على ما دون النفس من الأعضاء، ثم يبادر إلى إصلاح العلاقة مع الله لتفادي أثر الخطأ في قتل النفوس بأداء الكفارة المقررة شرعاً بنص الكتاب العزيز.
خطة البحث:
البحث في هذا الموضوع على وفق المحاور الآتية:
* تقسيم القتل الخطأ إلى خطأ في القصد، وخطأ في الفعل وحكمها
* حكم ما جرى مجرى الخطأ، والقتل بالتسبب (عند القائلين بهما)
* تطبيق حوادث وسائل النقل الجماعية على الأقسام السابقة
* تحميل المسؤولية لمالك وسيلة النقل أو سائقها، أو متبوعه (الحكومة أو الشركة المالكة)
* تخلل الأسباب الخارجية في الحوادث المؤدية لموت ركاب وسيلة النقل
أ- الاصطدام بوسيلة أخرى
ب- عوائق الطرقات
جـ – مخالفة أنظمة المرور مثل المرور باتجاه ممنوع
د- أخطاء المرشدين للسفن والطائرات أو القطارات
* حكم الدية من حيث التعدد وعدمه لتعدد الموتى بوسائل النقل الجماعية
* حكم كفارة القتل الخطأ من حيث التعدد وعدمه لتعدد الموتى بوسائل النقل الجماعية
تقسيم القتل الخطأ إلى خطأ في القصد وخطأ في الفعل وحكمهما
جرائم القتل إما عمد وإما خطأ، ومشهور مذهب المالكية الاقتصار على هذه القسمة، وأن القتل نوعان: عمد وخطأ، وأضاف الشافعية والحنابلة شبه العمد، فيصبح القتل ثلاثة أنواع: عمد، وشبه عمد، وخطأ. ووسّع الحنفية القسمة فجعلوا أنواع القتل خمسة أنواع: عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما جرى مجرى الخطأ، والقتل بالتسبب.
أما العمد في اصطلاح الحنفية: فهو ما قصد به القاتل ضرب غيره بسلاح أو ما جرى مجرى السلاح في تفريق أجزاء الجسد، كالمحدد من الخشب والحجر والنار والإبرة في مقتل.
وأما شبه العمد في رأي أبي حنفية: فهو أن يقصد الفاعل الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح في تفريق أجزاء الجسد، كالضرب بالعصا والحجر والخشب الكبيرين. وهذا هو المعروف بالقتل بالمثقَّل، وجعله الصاحبان عمداً، وجعلا الحجر والخشب الصغيرين شبه عمد.
وأما القتل الخطأ: فهو الذي لا يقصد به القتل أو الضرب، وهو نوعان:
1- خطأ في القصد: وهو أن يرمي شيئاً يظنه صيداً، فإذا هو إنسان، أو يظنه حربياً فإذا هو مسلم، أي إن الخطأ يرجع إلى فعل القلب وهو القصد.
2-خطأ في الفعل نفسه: وهو أن يرمي هدفاً أو صيداً، فيصيب آدمياً، أو يقصد رجلاً، فيصيب غيره، أي إن الخطأ راجع إلى أداة الرمي.
وأحكام القتل الخطأ بنوعيه هذين أربعة هي:
1- وجوب الدية والكفارة:
أما وجوب الدية فلقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 4/92].
ويشمل هذا الحكم عند الجمهور غير المالكية المسلم والمعاهد لقوله تعالى: {وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 4/92].
ودية القتل الخطأ
مئة من الإبل مخمسة: 20 بنت مخاض، و20 ابن مخاض أو ابن لبون، و20 بنت لبون، و20 حقة، و20 جذعة. وتقسّط على ثلاث سنوات، عملاً بفعل عمر رضي الله عنه، وتتحملها العاقلة. عملاً بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم بدية الخطأ على العاقلة، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قضى بدية المرأة المقتولة ودية جنينها على عصبة القاتلة.
والعاقلة جمع عاقل: وهو دافع الدية، والعاقلة: هي التي تتحمل العقل أي الدية، وعاقلة الرجل: عشيرته وقرابته من قبل الأب، وهم العصبة النسبية كالإخوة والأعمام، للحديث السابق عن المغيرة.
وقال أبو حنيفة: إنها تجب على أهل الديوان، ولا شيء على الورثة، لأن عمر جعلها على أهل الديوان دون أهل الميراث، إن كان القاتل من أهل الديوان (ديوان العسكر) فإن لم يكن القاتل من أهل الديوان، فعاقلته: قبيلته وأقاربه وكل من يستنصر بهم، ومن لا عاقلة له كاللقيط والحربي فعاقلته بيت المال.
والسبب في إلزام العاقلة الدية:
أن جنايات الخطأ تكثر، ودية الآدمي كثيرة، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل وإعانته تخفيفاً عنه.
لكن نص متأخرو الحنفية على أن الدية في زماننا أصبحت واجبة في مال الجاني وحده، بسبب تغير نظام بيت المال، وزوال عصبية القبيلة وتفكك رابطة العشيرة.
وأما الكفارة فهي: عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجدها كما في عصرنا لإلغاء الرق من العالم، فعليه صيام شهرين متتابعين، لا يفصل أيامهما شيء حتى العيد، ودليل وجوب الكفارة على القاتل قول الله تعالى في الآية السابقة في إيجاب الدية حتى للمؤمن الموجود في بلاد الكفار: {فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 4/92].
2- الحرمان من الميراث:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((القاتل لا يرث)) وفي رواية: ((ليس لقاتل ميراث)) ولأن القتل قطع الموالاة (المناصرة) التي هي سبب الإرث، وسداً للذرائع، كيلا يطمع أحد بمال مورثه.
والقتل المانع من الإرث في رأي الجمهور:
هو القتل العدوان بغير حق، الصادر من المكلَّف (البالغ العاقل) عمداً أم خطأ، لكن الحنفية ذكروا أن القتل بالتسبب لا يمنع الإرث.
وذهب المالكية: إلى أن القتل الخطأ لا يحرم الإرث من المال، وإنما من الدية فقط، سواء كان مباشرة أو تسبباً.
3- الحرمان من الوصية:
وهذا عند الحنفية فقط أخذاً بحديث: ((ليس لقاتل وصية))، وأما بقية الفقهاء فلم يأخذوا بها الرأي، ولم يعتبروا القتل مانعاً من الوصية، وإن منع الميراث، وصحح المالكية، والشافعية في الأظهر الإيصاء للقاتل، وأبطل الحنابلة على المذهب الوصية للقاتل إن وصى له قبل الجرح، ثم طرأ القتل على الوصية.
حكم ما جرى مجرى الخطأ والقتل بالتسبب
الذي يجري مجرى الخطأ وحكمه حكم الخطأ نوعان:
1- عمد الصبي والمجنون والمعتوه: يرى جمهور الفقهاء أن عمد الصبي والمجنون والمعتوه كالخطأ في وجوب الدية على العاقل، ولا قصاص عليه، لعدم توافر القصد الصحيح، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل – أو يفيق)). وليس عليه كفارة لعدم توافر أهلية التكليف.
وذهب الشافعية إلى التفرقة بين الصبي المميز وغير المميز، فقالوا: إن عمد الصبي المميز عمد في الأظهر، وعمد الصبي غير المميز خطأ اتفاقاً، ولكن لا قصاص على أي صبي، وتكون الدية في حال الخطأ على العاقلة، وفي ماله في حاله العمد.
2- ما أجري مجرى الخطأ: هو المشتمل على عذر شرعي مقبول، كانقلاب نائم على آخر فيقتله. وحكمه عند الحنفية القائلين به حكم الخطأ، وإن كان دون الخطأ حقيقة. وألحق بقية الفقهاء هذه الحالة بالقتل الخطأ. وعليه، فإن الفقهاء انفقوا على وجوب الدية على العاقلة والكفارة فيه، لترك التحرز، ويحرم القاتل خطأ من الميراث عند غير المالكية لمباشرته القتل، واستعجاله الإرث، وكذلك يحرم من الوصية عند الحنفية.
وأما القتل بالتسبب: فهو الحادث بواسطة غير مباشرة، كمن حفر حفرة أو بئراً في غير ملكه في طريق عام بغير إذن السلطة، فوقع فيها إنسان ومات، أو وضع حجراً أو خشبة على قارعة الطريق، فعثر به إنسان، فمات، ومنه الإكراه على القتل، ومثل شهود زور على بريء بالقتل، وشهود القصاص إذا رجعوا عن شهادتهم، بعد قتل المشهود عليه، والسبب: ما يؤثر في الهلاك ولا يحصله، أي إنه يؤثر في إحداث الموت لا بذاته ولكن بواسطة.
وله حكم القتل الخطأ عند الحنفية، فلا يوجب القصاص، وإنما يوجب الدية والكفارة، ولا يترتب عليه الحرمان من الإرث والوصية، قال
في درر الحكام: على راكب الدابة الكفارة لأنه مباشرة ولا يرث إن كان المقتول مورثه، أما المتسبب كالسائق والقائد فلا يحرم من الإرث ولا كفارة عليه.
ولا فرق بين القتل مباشرة أو تسبباً عند جمهور الفقهاء غير الحنفية، فإذا تعمد الإنسان قتل غيره بالتسبب كان كالقتل مباشرة، يوجب القصاص، ويؤدي إلى الحرمان من الإرث عند الشافعية والحنابلة خلافاً للمالكية. ولا كفارة في هذه الحالة عند المالكية والحنابلة، وعليه كفارة عند الشافعية. واتفق جمهور الفقهاء غير المالكية على وجوب الكفارة في القتل شبه العمد على العاقلة وتأجيلها ثلاث سنين، لأنه ملحق بالخطأ، ويجري مجرى الخطأ في وجوب الكفارة على الجاني.
تطبيق حوادث وسائل النقل الجماعية على الأقسام السابقة
إذا كان الدهس بالسيارات ونحوها عمداً، فيجب القصاص على السائق عند الفقهاء اتفاقاً، لأن هذه الآلات قاتلة عادة.
وأما إذا كان الدهس خطأ وهو الغالب، فتجب الدية لكل واحد من القتلى، كما تجب الكفارة، ويترتب عليه عند الحنفية والشافعية والحنابلة الحرمان من الميراث، وكذا عند الحنفية الحرمان من الوصية، ولا يترتب عليه عند المالكية الحرمان من الأمرين.
هذا في الجملة، وأما تفصيل الأحكام، فإن كان القتل خطأ سواء كان خطأ في القصد أو خطأ في الفعل، فتترتب الأحكام الأربعة السابقة وهي:
وجوب الدية على العاقلة (العصبة)، ووجوب الكفارة وهي اليوم صيام شهرين متتابعين، والحرمان من الإرث، والحرمان من الوصية.
وإن كان القتل مما أجري مجرى الخطأ كما في حال انقلاب نائم على آخر فيقتله، فتجب الدية على العاقلة، وعليه الكفارة، ويحزم من الميراث عند الجمهور غير المالكية، وكذلك يحرم من الوصية في رأي الحنفية دون غيرهم.
وأما إذا كان القتل بالتسبب كالإكراه وشهادة الزور، فله حكم القتل الخطأ المتقدم عند الحنفية، فتجب الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل، ولا يحرم من الإرث والوصية في رأيهم، وأوجب عليه عند بقية الفقهاء القصاص حال التعمد كالقتل مباشرة، ولا كفارة عليه عند المالكية والحنابلة لأنه لا كفارة في القتل العمد، وتجب الكفارة في رأي الشافعية حينئذ، لقولهم بإيجاب الكفارة في العمد والخطأ على السواء، ويحرم القاتل من الميراث عند الشافعية والحنابلة، ولا يحرم عند المالكية.
وفي حال تعدد القتلى عمداً كما يرى الجمهور في القتل بالتسبب: يقتص عند الشافعية من الجاني لواحد من القتلة بالقرعة وجوباً، وللباقين المستحقين الديات لتعذر القصاص عليهم، كما لو مات الجاني (السائق هنا) مثلاً. ويكتفي بقتل الواحد بالجماعة عند الحنفية والمالكية، ولا دية لأحد.
وذهب الحنابلة إلى أنه إن اتفق أولياء القصاص على القصاص، قتل بهم، وإن أراد أحدهم القصاص (القود) والآخر الدية، قتل لمن أراد القود، وأعطي الباقون الدية من مال الجاني، سواء قتلهم دفعة واحدة أو على دفعتين، لحديث التخيير لأولياء الدم بين القصاص والدية.
أما إن كان القتل خطأ ونحوه فتجب الديات للكل، والكفارة.
تحميل المسؤولية لمالك وسيلة النقل أو سائقها أو متبوعه (الحكومة أو الشركة المالكة)
إن حوادث وسائل النقل الجماعية من سيارات وطائرات وقطارات وغيرها قد يتحمل المسؤولية عنها من دية أو تعويض مالك الوسيلة أو سائقها أو متبوعه.
– أما تحميل المسؤولية لمالك وسيلة النقل الخاصة أو العامة: فهو الأصل في هذه المسؤولية، إذا كان هو القائم بقيادة السيارة ونحوها، لأنه هو المخطئ إذا كان هو المباشر للحادث أو المتسبب فيه، وتشمل مسؤولية جميع المتضررين، فإذا ماتوا وجب عليه لهم الدية، وإن جرحوا أو عطبوا، وجب عليه التعويض بقدر الجناية.
– وأما تحميل المسؤولية للسائق غير المالك: فذلك في حالة قيام السائق بقيادة أو سوق وسائط النقل، وثبت أنه هو المخطئ، فيتحمل تبعة خطئه بالنسبة لجميع الركاب، وهذا له شبيه تقريبي في فقهنا بحالة ضمان ما أتلفه قطار الإبل، وهذه آراء الفقهاء في الموضوع:
يرى الحنفية: في حالة القتل الخطأ الواقع على شخص من بعير في قطار إبل تكون المسؤولية على قائد القطار بالنسبة لما يقوده خلفه، سواء كان في الأمام أو الطليعة أو وسط القطار، ولا يضمن ما هو قدامه إذا كان راكباً وسط القطار، وإذا كان معه سائق في آخر القطار يضمن الاثنان، ويكون ضمان النفس على العاقلة، وضمان المال في ماله، وضمان ما ينفحه البعير على السائق خاصة، لا على الركب.
وذهب المالكية إلى أن قائد القطار ضامن لما وطئ العير، سواء في أول القطار وآخره، ولا يضمن ما ينفحه البعير بيده أو رجله إلا إذا تسبب في ذلك.
وأوجب الحنابلة الضمان على راكب جمل مقطور به جمل آخر، لأن الراكب في حكم القائد، ولكن لا يضمن جناية الجمل المقطور إلا إذا كان له سائق، لأن الراكب على الجمل الأول لا يمكنه حفظ الثاني عن الحنابلة.
– وأما تحميل المسؤولية للمتبوع (الحكومة أو الشركة المالكة): فقد أخذت القوانين المدنية كما في مصر وسورية وغيرهما بنظرية مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعة إذا وجدت رابطة التبعية، على أساس المسؤولية التقصيرية، وإن لم يباشر أو يتسبب في إحداث الضرر، باعتباره كفيلاً للتابع، وعملاً بمبدأ المصلحة، ولتخفيف مسؤولية التابع، وذلك مطبق أيضاً في القوانين الجنائية.
جاء في القانون الأردني والإماراتي في بيان مسؤولية المتبوع: ((من كانت له على من وقع منه الإضرار سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه، ولو لم يكن حراً في اختياره إذا كان الفعل الضار قد صدر من التابع في حال تأدية وظيفته أو بسببها)).
وأخذ الفقهاء المسلمون وهم الحنفية بقريب من هذا الاتجاه في حكم أعمال ((تلميذ الأجير المشترك)) فقرروا أن المتبوع يسأل عن عمل تابعه إذا كان هناك عقد إجارة (استئجار) بينهما، وكان الضرر الواقع من التلميذ في حدود العمل الذي يشتركان في إنجازه آلة ومحلاً وكيفية بحسب العرف الشائع، أو كان مأموراً به من المعلِّم (صاحب العمل أو الأستاذ) صراحة أو ضمناً، فإن لم يتحقق هذان الشرطان، فلا ضمان على صاحب العمل.
ومن أمثلتهم على هذا ما يأتي:
لو وقع من يد التلميذ سراج، فأحرق ثوباً من القصارة (كالمصبغة في عرفنا) فالضمان على الأستاذ (المعلم أو صاحب العمل) لا على التلميذ، لأن الذهاب والمجيء بالسراج عمل مأذون فيه، فيكون المعلِّم هو المسؤول، كأنه فعل ذلك بنفسه.
وكذلك لو وقعت مدقة القصار من يد التلميذ على ثوب، فخرقته، فالضمان على المعلِّم، لأن هذا من عمل القصار، فينسب الفعل إليه.
ولم أجد – عدا ما ذكرت عند الحنفية – في فقهنا الإسلامي الذي يأخذ في الضمانات أو الجنايات بمبدأ المسؤولية الشخصية (أو الفردية) لقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 6/164] ما يجيز تحميل المسؤولية لمالك وسيلة النقل أو سائقها أو متبوعه سواء أكان حكومة أم شركة إلا في حال التقصير أو الإهمال في صيانة وسيلة النقل أو كان التابع غير مؤهل للقيادة، فلا شهادة أو خبرة عنده مثلاً، لأنه يكون متسبباً في إلحاق الضرر بالآخرين، والسائق مجرد مأمور لا يملك المخالفة.
وأدعو السادة أعضاء المجمع للتأمل في هذه القضية، والاجتهاد الجديد فيها، أخذاً بأصل أو قاعدة المصالح، لأن السائق عادة فقير غالباً، ومالك وسائل النقل أو الحكومة أو الشركة المالكة أقوى وأقدر على تحمل تبعة فعل التابع، وقد استقر العرف الحالي بسبب تطبيق القوانين الوضعية المدنية والجنائية في البلاد العربية على أن المتبوع يسأل عن فعل التابع.
هذا مع العلم بأن فقهاء الحنفية قصروا المسؤولية في مثل هذه الحالة على المباشر، أي السائق للسيارة ونحوها، وليس على مالك السيارة، جاء في مجمع الضمانات للبغدادي ما يأتي:
ومن قاد قطاراً فهو ضامن لما أوطأ، فإن وطئ بعير إنساناً، ضمن به الدية على العاقلة، وإن أتلف مالاً فعليه الضمان من ماله، وإن كان معه سائق، فالضمان عليهما.
وفي قاضي خان: لو قاد قطاراً في الطريق، فأوطأ أو القطار أو آخره بيده أو رجله أو صدم، يضمن القائد ما عطب به، وإن كان معه سائق كان ضمان ذلك عليهما.
وفي الجامع الصغير: كل شيء ضمنه الراكب، ضمنه السائق والقائد، إلا أنه يكون على الراكب الكفارة فيما وطئته الدابة بيدها أو رجلها، ولا كفارة عليهما، ولا على الراكب، فيما وراء الإيطاء، وكذا يتعلق بالإيطاء في حق الراكب حرمان الميراث والوصية دون السائق والقائد.
وقد تكون المسؤولية على المتسبب، ومثاله:
من سار على دابته في الطريق، فضربها أو نخسها، فنفحت رجُلاً أو ضربته بيدها، أو نفرت، فصدمته، فقتلته، كان الضمان على الناخس دون الراكب. وعن أبي يوسف: أنه يجب الضمان على الناخس والراكب نصفين.
وإن نخسها بإذن الراكب، كان ذلك بمنزلة فعل الراكب لو نخسها، ولا ضمان عليه في نخسها، لأنه أمر بما يملكه. ولو وطئت رجلاً في سيرها، وقد نخسها الناخس بإذن الراكب، فالدية عليهما جميعاً إذا كانت في فورها الذي نخسها، وإن لم تكن في فورها ذلك، فالضمان على الراكب.
تخلل الأسباب الخارجية في الحوادث المؤدية لموت ركاب وسيلة النقل
قد تتخلل أسباب خارجة عن إرادة السائق، فيقع الحادث، ويموت ركاب وسيلة النقل، وهذا ما قرره فقهاؤنا في مسألة انتفاء السببية وذلك بأن تتدخل عوامل خارجية عدا السبب الأصلي في إحداث الضرر، مثل القوة القاهرة كالريح العاتية، أو حادث مفاجئ كاعتراض جمل مسيرة السيارة، أو خطأ من المتضرر نفسه، أو من شخص آخر، فلا تتوافر أركان المسؤولية.
وتطبيق ذلك في حوادث السير يظهر فيما يأتي:
أ- الاصطدام بوسيلة أخرى:
أوضح الفقهاء حكم تصادم الماشيين أو الراكبين أو الملاحين، ومثلهما السائقين، فيما يأتي:
قد ينفرد أحد المتصادمين بالمسؤولية إذا حدث الاصطدام بتفريط مستقل منه، وقد يشترك المتصادمان في المسؤولية إذا ارتكب كل منهما خطأ، وحكم كل حالة هو ما يأتي:
أما انفراد أحد المتصادمين بالمسؤولية: فيتصور فيما لو تصادم شخصان أحدهما واقف، والآخر ماشٍ، فالضمان (التعويض عن الضرر ومنه الدية) على الماشي للواقف، لأنه هو المتسبب والقاعدة الشرعية تقول: ((المتسبب لا يضمن إلا بالتعدي)) والتعدي: فعل السبب بغير حق، سواء كان بقصد أم لا.
والتعدي يكون يتجاوز حدود الحق المسموح به شرعاً أو عادة، فكل فعل أفضى إلى إلحاق ضرر بالغير بغير حق، كان سبباً موجباً للضمان، فإن لم يكن هناك تعدٍّ، فلا ضمان على المتسبب. والانتفاع بالطرقات مقيد بوصف السلامة، كما يقرر فقهاؤنا، أي يجب على الماشي أو الراكب في الطرقات مراعاة صفة السلامة للآخرين.
فإذا كان سبب الاصطدام هو خطأ أحد المتصادمين، وفعله هو المؤثر غالباً، كان هو المسؤول عن الضمان.
وعلى هذا لو تصادمت سفينتان أو سيارتان بسبب خطأ ربّان أو سائق إحداهما، كان الضمان عليه. ولو كانت سفينة واقفة على شط البحر أو في عُرض البحر، فجاءت سفينةٌ، فصدمتها، فانكسرت السفينة الواقفة، كان الضمان على صاحب السفينة الجائية إذا لم تكن الواقفة متعدية في وقوفها.
وأما اشتراك المتصادمين في الضمان: فهو يقتضي مسؤولية كل منهما، لكن هل يحصل تبعة الضمان للآخر كاملة، أو النصف؟ للفقهاء في ذلك اتجاهان:
1- ذهب الحنفية والحنابلة: إلى أنه إذا اصطدم راكبان أو ماشيان، أو راكب ماشٍ، فماتا أو تلف شيء بسبب التصادم، وجب على كل واحد منهما تحمل تبعة الضمان كاملة للآخر، ففي حال الموت يجب على كل واحد منهما دية الآخر، وفي حال إتلاف المال يجب تعويض الآخر عن الشيء المتلف، لأن الضرر قد حدث لكل واحد منهما بفعل نفسه وبفعل صاحبه أيضاً.
هذا إذا كان التصادم خطأ، فإن كان عمداً، وجب عندهم تحمل تصف قيمة الضمان، أي كالرأي الآتي.
2- وذهب المالكية والشافعية وزفر من الحنفية: إلى أنه إذا اصطدم فارسان أو ماشيان، أو سفينتان (ومثلهما السيارتان) بتفريط من ربانهما (أو سائقهما) بأن قصَّرا في صيانة آلاتهما، أو قدراً على ضبطهما، فلم يضبطا، أو سيرَّا المركبين في ريح شديدة، لا تسير السفن (أو السيارات) في مثلها، وجب على كل واحد منهما نصف قيمة ما تلف للآخر، لأن التلف حصل بفعلهما، فينقسم الضمان عليهما، ويهدر النصف الآخر بسبب فعل كل واحد في حق نفسه.
فإن حدث التصادم بين السفينتين دون تفريط، وإنما بقوة قاهرة، كريح شديدة ونحوها، فلا ضمان على أحد.
ب- عوائق الطرقات
قد توجد معوقات في السير في الطرقات، تؤثر على حركة السير وربما تؤدي إلى انقلاب الشاحنة أو السيارة، أو اصطدامها بسيارة أخرى وقتل من فيها، أو بشاخصة أو جدار أو دابة اخترقت الطريق من بعير أو حمار أو بغل، ويتعذر أو يصعب تفادي وقوع الحادث إما بسبب السرعة أو الارتباك أو التحويلات أو غير ذلك، وحينئذ تطبق القاعدة الآتية:
((كل ما لا يمكن الاحتراز عنه لا ضمان فيه)) والمفهوم المخالف لهذه القاعدة أن ما يمكن الاحتراز عنه يوجب الضمان لأن السير في الطريق العام مقيد بوصف السلامة، وتعدّ عوائق الطرقات من حالات القوة القاهرة، وأمثلتها القديمة في فقهنا هي:
– [لو وضع أحد جمرة على طريق، فهبت بها الريح، وأزالتها عن مكانها، فأحرقت شيئاً لا يضمن الواضع، وكذا لو وضع حجراً في الطريق، فجاء السيل وحرجه، فكسر شيئاً، لا يضمن الواضع، لأن جنايته زالت بالماء والريح]، ومثل ذلك إيقاد النار.
– ومنها: الحادث المفاجئ وهو: أن يحصل التلف بفعل يقدر الإنسان على دفعه، ولكنه فوجئ به في مكان مأمون عادة، كمفاجأة راعي الغنم بذئب في حقل مثلاً، جاء في الفتاوى البزازية: ((لو أكل الذئب الغنم، والراعي عنده: إن كان الذئب أكثر من واحد، لا يضمن، لأنه كالسرقة الغالبة (أي كالقوة القاهرة)، وإن كان واحداً يضمن، لأنه يمكن المقاومة معه، فكان من جملة ما يمكن الاحتراز عنه، بخلاف الزائد عن الواحد)).
ومنها خطأ المتضرر نفسه وهو: أن يقع الضرر مباشرة منه، على الرغم من وجود متسبب له، كناخس الدابة، فنفحته، وعبور المارّ على الطريق العام دون أن يتنبه لمسير السيارات يميناً وشمالاً.
ومنها خطأ شخص آخر غير المتسبب: كتدخل شخص ثالث بين السب والمسبب، جاء في مجمع الضمانات: ((رجل حفر بئراً في الطريق، فألقى رجل نفسه فيها متعمداً، لا يضمن الحافر)) أي لأنه: ((إذا اجتمع المباشر والمتسبب، أضيف الحكم إلى المباشر)) فلا ضمان على حافر البئر تعدياً بما تلف بإلقاء غيره فيه.
((من أردى غيره في بئر، فالضمان على المردي وحده دون الحافر، لأن الأول مباشر، والثاني متسبب، والمباشر مقدم في الضمان)).
((من ألقى شخصاً من شاهق جبل، فتلقاه آخر، فقدَّه، فالقصاص على القاد فقط)) أي على القاطع، والقدّ: الشق طولاً أو التقطيع.
يتبين من هذا أن السببية تنتفي من أجل الضمان، إذا وجدت قوة قاهرة، أو حادث مفاجئ، أو خطأ من المتضرر، أو من شخص آخر أجنبي، سواء في حوادث الطرقات أو غيرها.
جـ – مخالفة أنظمة المرور كالمرور باتجاه ممنوع:
يتحمل كل مخالف لأنظمة المرور وغيره في الطرقات العامة تبعة فعله، ويكون هو المسؤول عما يسببه من أضرار للآخرين، لأن المارّة أو السيارات يفترضون توافر ظاهرة الانضباط ومراعاة النظام، فيسير على النحو المقرر في طبيعة النظام، فإذا وجدت سيارة أو غيرها كما يحصل أحياناً، تسير في الاتجاه المعاكس أو الاتجاه الممنوع قانوناً، فصدَمها سائق سيارة أخرى، كانت المسؤولية أو الضمان على المخالف، لأن المخالفة في حد ذاتها خطأ، والخطأ أول أركان المسؤولية، ويعفى الفاعل مباشرة من المسؤولية الخاصة، وهو الضمان أو التعويض عمن مات، ولكن يسأل في حدود الحق العام، أي حق المجتمع، وهي مسؤولية محدودة وقصيرة الأجل في مدة الحبس، وهي مسؤولية بسيطة أمام المسؤولية الأصلية في دفع الدية لقرابة أو أولياء الدم، أو التعويض في الجراح ونحوها، وذلك عملاً بالقاعدة الفقهية وهي ضمان المتسبب وحده إذا تغلب السبب على المباشرة، ولم تكن المباشرة عدواناً.
د – أخطاء المرشدين للسفن والطائرات أو القطارات
يعتمد السائقون عادة على تعليمات أو إرشادات المرشدين عند رسو السفن أو هبوط الطائرات أو تقاطع القطارات في مواعيد محددة، فيقع الحادث ويقتل بعض الركاب أو كلهم، ويعد ذلك كارثة رهيبة بسبب خطأ القائمين على أبراج الإرشاد أو الفنارات أو مكاتب محطات القطارات.
فيسأل المرشدون عن تقصيرهم أو إهمالهم، ولا يسأل السائقون عن الديات أو التعويضات، لتخلل سبب أجنبي أو غريب عن الحادث القائم شرعاً وقانوناً وعرفاً على أسس ثلاثة: الخطأ أو التعدي، والضرر، وعلاقة السببية أو الرابطة بين التعدي (الخطأ) وذلك بعد إثبات أخطاء المرشدين بحسب قواعد الإثبات المقررة.
هذه الأسباب الخارجية في حوادث البحر والجو والبر المؤدية لموت ركاب وسائط النقل، تعدّ من أسباب الإعفاء من المسؤولية، ثم ترتيبها على المخطئين أنفسهم.
حكم الدية من حيث التعدد وعدمه لتعدد الموتى بوسائل النقل الجماعية
للفقهاء ثلاثة آراء في بيان أنواع الدية:
1- يرى أبو حنيفة ومالك: أن الدية تجب في نوع من ثلاثة أنواع: الإبل، والذهب، والفضة، ويجزئ دفعها من أي نوع، لحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً جاء فيه: ((وإن في النفس الدية مئة من الإبل.)) وأن عمر فرض على أهل الذهب في الدية ألف دينار، ومن الورِق (الفضة) عشرة آلاف درهم.
2- وذهب الصاحبان وأحمد: إلى أن الدية تجب من ستة أجناس، وهي: الإبل أصل الدية، والذهب، والفضة، والبقر، والغنم، والحُلل، عملاً بفعل عمر رضي الله عنه: ألف دينار، واثنا عشر ألف درهم، ومائتا بقرة، وألفا شاة، ومائتا حُلّة.
3- ورأى الشافعي في مذهبه الجديد: أن الأصل مئة من الإبل إن وجدت، فإن لم توجد حساً (انعدمت) أو شرعاً (بأن وجدت بأكثر من ثمن مثلها) فالواجب قيمة الإبل بنقد البلد الغالب، وقت وجوب تسليمها بالغة ما بلغت، لأنها بدل متلف، فيرجع إلى قيمتها عند فقد الأصل، بدليل فعل عمر رضي الله عنه.
يتبين من هذا أن الواجب لكل نفسٍ مقتولة بنص الحديث واتفاق الفقهاء مئة من الإبل، سواء كان القتيل واحداً أم متعدداً، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في قتل امرأة، مع جنينها أن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها. وهذا دليل على وجوب التعدد في الضمان عند تعدد الجناية، قال المالكية عن غرة الجنين: وتعدَّد الواجب بتعدد الجنين.
واتفق الفقهاء على كون دية القتل الخطأ على العاقلة (أهل الديوان عند الحنفية، والعصبة عند بقية الفقهاء). ودل الحديث السابق في غُرة الجنين على أن دية شبه العمد عند الحنفية تحملها العاقلة أيضاً، وذلك على سبيل المواساة للقاتل والتخفيف عنه.
والحكم واحد سواء كان المقتول واحداً أم متعدداً وهو أن تتحمل العاقلة الديات المختلفة بتعدد القتلى.
جاء في درر الحكام: وضمن أيضاً عاقلة قائد قطار وطئ بعير منه رجلاً فمات، لأن القائد عليه حفظ القطار كالسائق (أي سائق الإبل)، وقد أمكنه التحرز عنه، فصار متعدياً بالتقصير فيه، إلا أن ضمان النفس على العاقلة، وضمان المال في ماله، كذا في الكافي.
وفي الدرر أيضاً:
لو اصطدم راجلان أو فارسان أو فارس وراجل وماتا، وكان الاصطدام خطأ، ضمنت عاقلة كل منهما دية الآخر، وفيه خلاف زفر والشافعي: يجب نصف دية الآخر، فلو كان الاصطدام عمداً فالواجب عند الحنفية نصف الدية.
وذلك عند وجود التلف، لأن موت كل من المتصادمين مضاف إلى فعل صاحبه، لأن فعله في نفسه مباح، وهو المشي في الطريق، لكن المشي مقيد بشرط السلامة في حق غيره، فيكون فعله سبباً للضمان.
حكم كفارة القتل الخطأ من حيث التعدد وعدمه لتعدد الموتى بوسائل النقل الجماعية
أوجب الشافعية والحنابلة والكرخي الحنفي الكفارة في القتل شبه العمد، لأنه ملحق بالخطأ، ولكن المالكية والحنفية عدا الكرخي يعدون شبه العمد مثل العمد لا يوجب الكفارة.
واتفق الكل على وجوب الكفارة في القتل الخطأ بنص الآية الكريمة: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 4/92].
ويطبق هذا الحكم أيضاً على الكافر المعاهد لتتمة الآية السابقة: {وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 4/92].
إلا أن المالكية قالوا: لا تجب الكفارة بقتل الذمي المعاهد، لأنه مهدر الدم في الجملة بسبب كفره.
وهذه الكفارة كما تنص الآية هي عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجدها كما في وقتنا فصيام شهرين متتابعين، لتتمة الآية المذكورة: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 4/92].
وكفارة القتل الخطأ تجب في مال القاتل، ولا يشاركه في تحمل شيء منها أحد، لأنه هو المتسبب بها، ولأن الكفارة شرعت للتكفير عن الجاني، ولا يكفَّر عنه بفعل غيره، لأنها عبادة .
وهل تجب الكفارة واحدة بتعدد القتلى أو متعددة بعددهم في وسائل النقل الجماعية؟
بحث الفقهاء هذه المسألة في موضوع تداخل الكفارات في إفساد شهر رمضان بالجماع وغيره، ولهم فيه اتجاهان:
الاتجاه الأول للحنفية وبعض الحنابلة (الخرقي وأبي بكر المرّوذي): تجزئة كفارة واحدة، لأنها جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها، فيجب أن تتداخل كالحدّ، ولأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة.
والاتجاه الثاني للمالكية والشافعية واختيار بعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى: لا تجزئ كفارة واحدة، ويلزمه كفارتان فأكثر بحسب عدد القتلى، لأن سبب الكفارة تعدد، فلا تتداخل، كانتهاك حرمة شهر رمضان بالجماع في رمضانين أو في أكثر من يوم في رمضان واحد، وكالحجتين جامع فيهما، أي تتعدد الكفارة بتعدد السبب أو الفساد.
ومن المناسب في عصرنا الأخذ بالرأي الأول في حال تعدد القتلى بحادث واحد في وسائل النقل الجماعية، لأنه أيسر من الرأي الثاني الذي يلزم بالكفارات بعدد القتلى، وفي هذا حرج ومشقة، و((المشقة تجلب التيسير)) ولاسيما أن القتل حدث خطأ.
الخلاصة
هذا موضوع حيوي واقعي لكثرة حوادث السير وسقوط عشرات القتلى في كل دولة شهرياً أو سنوياً، فإن كان القتل عمداً أو شبه عمد قليلاً، فإن القتل الخطأ كثير بنوعية وهو الخطأ في القصد كأن يرى السائق سواداً أمامه كعنزة مثلاً فإذا هو إنسان، فيدهسه، والخطأ في الفعل كأن يريد السائق تجنب صدم دابة كجمل أو غنمة، فيقع خلل في عجلة القيادة أو في العجلات، فيصدم إنساناً فيقتله، فلا يعفى من المسؤولية، وإنما تجب عليه الدية والكفارة على القاتل، ويحرم من الميراث إن كان المقتول قريباً مورثاً له في رأي الجمهور غير المالكية، كما يحرم من استحقاق الوصية عند الحنفية مطلقاً، وعند الحنابلة إن حدثت الوصية قبل الجرح والقتل.
فإن كان القتل مما يجري مجرى الخطأ فحكمه حكم الخطأ على تفصيل في نوعيه، فعمد الصبي والمجنون والمعتوه خطأ عند الجمهور، وعمد المميز فقط عمد عند الشافعية، وأما جريان الجرم مجرى الخطأ، فله حكم الخطأ بالاتفاق، لكن لا يحرم عند المالكية من الميراث أو الوصية.
وأما القتل بالتسبب كانقلاب شاحنة صغيرة على شخص بسبب مرور سيارة كبيرة، والهواء متوسط الشدة، فله حكم القتل الخطأ أيضاً عند الحنفية، فيوجب الدية والكفارة فقط، ولا كفارة فيه عند المالكية والحنابلة، ويؤدي إلى الحرمان من الإرث عند الشافعية والحنابلة خلافاً للمالكية، وكذلك الحرمان من الوصية عند الحنابلة خلافاً لبقية الفقهاء.
وله حكم العمد إن تعمد الفاعل في رأي الجمهور، لكن عند الحنابلة يخير أولياء الدم بين القصاص وأخذ الدية.
ومالك وسيلة النقل يكون مسؤولاً عن حوادثها إن كان هو الذي يقودها، فإن قادها ساق مستأجر وأخطأ في وقوع الحادث، فيكون من حيث المبدأ هو المسؤول.
لكن هل يتحمل متبوعه من حكومة أو شركة مالكة تبعة هذا الخطأ في النهاية، فيدفع الدية، أو تلزم شركة التأمين التعاونية الإسلامية بدفعها؟ القوانين الوضعية تأخذ بنظرية مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه في المسائل المدنية والجنائية، ولا يوجد مثيل واضح لهذه النظرية في الفقه الإسلامي، إلا إذا كان هناك تقصير أو إهمال في صيانة وسيلة النقل، أو عمل الساق عند متبوعه بصفة مستأجر على العمل في حدود المسؤولية الموجهة لتلميذ الأجير المشترك عند الحنفية.
وقد تنتقي المسؤولية عن السائق لأسباب خارجية كما في حال الاصطدام بوسيلة نقل أخرى، وكان الخطأ مئة بالمئة من سائق تلك الوسيلة، وما عدا هذه النسبة يسأل عن مقدار مساهمته في الخطأ، بحسب تقارير الخبراء، وذلك عملاً بقواعد فقهائنا في حالات الاصطدام.
وتنتقي مسؤولية السائق أيضاً في حال وجود عوائق الطرقات إذا تعذر تجنبها ولم يكن مسرعاً أكثر من المعتاد، ومن أمثلة ذلك حالات القوة القاهرة، والحادث المفاجئ، وخطأ المتضرر نفسه أو خطأ شخص آخر.
لكن إذا خالف السائق أنظمة المرور كالسير في اتجاه ممنوع أو معاكس فيكون هو المسؤول عن الحادث لأنه متسبب، وقد يكون المتسبب وحده هو الضامن في فقهنا إذا تغلب السبب على المباشرة، ولم تكن المباشرة عدواناً.
وتكون أخطاء المرشدين للسفن والطائرات والقطارات ونحوها من أسباب الإعفاء من مسؤولية المباشر، وتنحصر المسؤولية في المخطئين أنفسهم.
أما إن تعدد القتلى في وسائل النقل العامة، فتجب الدية لكل مقتول، لكن العاقلة (العصبة في رأي الجمهور) هي التي تتحمل هذه الديات.
وأما الكفارة الواجبة شرعاً بنص القرآن الكريم في القتل الخطأ، فيكفي كفارة واحدة وإن تعدد القتلى عند الحنفية وبعض الحنابلة كالخرقي وأبي بكر المروذي، لأن حقوق الله مبنية على المسامحة، ولأن الكفارة جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها، أو حدث السبب دفعة واحدة، ويلزم المسؤول عن القتل بكفارات بعدد القتلى في رأي المالكية والشافعية واختيار بعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى.
أهم المراجع
– المبسوط للسرخسي، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى.
– بدائع الصنائع لعلاء الدين الكاساني، الطبعة الأولى بمصر.
– فتح القدير وتكملته، الكمال بن الهمام، مطبعة مصطفى محمد بالقاهرة.
– تبيين الحقائق للزيلعي، المطبعة الأميرية.
– الدر المختار ورد المحتار، مطبعة البابي الحلبي بمصر.
– مجمع الضمانات للبغدادي، المطبعة الخيرية بمصر، الطبعة الأولى.
– درر الحكام في شرح غرر الأحكام لمنلا خسرو، طبعة محمد رجائي، 1268هـ.
– مجلة الأحكام العدلية.
– الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ محمود حمزة، ط دمشق.
– الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي، مطبعة البابي الحلبي بمصر.
– بداية المجتهد لابن رشد (الحفيد) مطبعة الاستقامة بمصر.
– الشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوي عليه، ط دار المعارف بمصر.
– شرح الزرقاني على الموطأ، ط 1413هـ/1992م.
– مغني المحتاج شرح المنهاج للشربيني الخطيب، مطبعة البابي الحلبي بمصر.
– الميزان الكبرى للشعراني، مطبعة البابي الحلبي.
– المهذب للشيرازي، مطبعة البابي الحلبي.
– الأشباه والنظائر للسيوطي، مطبعة مصطفى محمد بمصر.
– المغني لابن قدامة، ط ثالثة بدار المنار بالقاهرة.
– كشاف القناع عن متن الإقناع، البُهوتي، مطبعة السنة المحمدية بمصر.
– غاية المنتهى للشيخ مرعي بن يوسف، الطبعة الأولى بدمشق.
– الوسيط للسنهوري، ط مصر.
– نظرية الضمان (المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه الإسلامي) دراسة مقارنة، أ.د. وهبة الزحيلي.
– القانون المدني الأردني والإماراتي والكويتي والسوداني.
ملخص البحث
إن مسؤولية سائق وسائل النقل الجماعية في القتل الخطأ عن الدية والكفارة كثيرة الوقوع في الحياة العملية الحاضرة، وتحتاج إلى تبيان أو إيضاح غموض بعض التفاصيل فيها في الفقه الإسلامي، كما تحتاج إلى حسن اختيار بعض الآراء الفقهية المناسبة أو الجديرة بالأخذ بها في عصرنا ليسرها وواقعيتها، ولكن لابد من مقدمات للموضوع.
إن القتل الخطأ نوعان: خطأ في القصد، وخطأ في الفعل، أما الأول فهو الذي يرجع إلى فعل القلب وهو القصد، كأن يرى السائق سواداً أمامه على الطريق، فيظنه متاعاً أو حيواناً، فإذا هو إنسان، فيدهسه. وأما الثاني (الخطأ في الفعل) فهو الذي يرجع إلى أداة أو وسيلة الفعل، كأن يريد السائق تجنب صدم دابة، فيقع خلل في عجلة القيادة أو في العجلات (الدواليب) فيقع الحادث على الدابة أو على إنسان، وحكم القتل الخطأ: إيجاب الدية على العاقلة (العصبة في رأي الجمهور غير الحنفية) والكفارة وهي اليوم صيام شهرين متتابعين، وكذلك الحرمان من الميراث إذا كان عدواناً بغير حق عند الجمهور، خلافاً للمالكية الذين قرروا الحرمان من الدية فقط، دون بقية المال، والحرمان من الوصية عند الحنفية مطلقاً وعند الحنابلة إن حدثت الوصية قبل الجرح، ثم حدث القتل.
والذي يجري مجرى الخطأ: إن كان فعلاً من الصبي والمجنون والمعتوه فهو خطأ عند الجمهور، لكن عمد المميز عند الشافعية عمد، وإن كان الفعل من الكبير العاقل فله حكم الخطأ بالاتفاق، لكن لا يحرم القاتل من الميراث والوصية في رأي المالكية.
والقتل بالتسبب في حوادث السير كأن أدى مرور السيارة الكبيرة وقت هبوب الريح المتوسطة الشدة إلى انقلاب سيارة صغيرة شاحنة أو للركاب بسبب قوة الهواء المجتمع ثم الضاغط، له حكم الخطأ عند الحنفية، ولا فرق بين المباشرة والتسبب عند الجمهور في حال التعمد. فإن كان الحادث خطأ فيوجب الدية اتفاقاً والكفارة عند الحنفية والشافعية، ولا كفارة فيه عند المالكية والحنابلة، ويؤدي إلى الحرمان من الإرث عند الشافعية والحنابلة، خلافاً للمالكية والحنفية، ويؤدي أيضاً إلى الحرمان من الوصية عند الحنفية، خلافاً لبقية الفقهاء.
ومالك وسيلة النقل يكون مسؤولاً عن حوادثها إن كان هو الراكب والقائد، أما إن قادها غيره فيكون السائق في الجملة هو المسؤول، لكن قد يسأل المتبوع من حكومة أو شركة مالكة أو مالك عن أعمال تابعة إن وجد منه إهمال أو تقصير في صيانة وسيلة النقل، أو عمل السائق عند المالك بصفته مستأجر على العمل في حدود ما يعرف في الفقه الحنفي من مسؤولية ((تلميذ الأجير المشترك)) لأن خطأ التلميذ (التابع) هو خطأ الأستاذ (صاحب الملك) لأنه هو الضامن أو الكفيل، كما تصوَّر فقهاء القانون الوضعي، فكأنه فعل الضرر بنفسه، لأن التابع نائبه، وذلك في فقهنا في حدود العمل الذي يشتركان في إنجازه آلة ومحلاً وكيفية بحسب العرف الشائع، أو كان مأموراً به من المتبوع صراحة أو ضمناً، فإن لم يتحقق هذان الشرطان فلا ضمان على المتبوع في الفقه الإسلامي.
لكن القوانين الإسلامية أخذت بنظرية مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع دون شروط أو قيود، وإنما على النحو المقرر في القوانين المدنية الوضعية.
وقد تنتقي المسؤولية عن السائق لأسباب خارجية، كحال الاصطدام بوسيلة نقل أخرى، وكان الخطأ كله على السائق الآخر، وإلا فيسأل كل سائق بنسبة مشاركته في الخطأ، كما تدل تقارير الخبراء.
وتنتقي أيضاً في حال وجود عوائق في الطرقات، وتعذر تجنبها، وكانت السرعة معتادة.
وجملة أحوال انتفاء السببية المقررة في فقهنا أربعة هي: القوة القاهرة، والحادث المفاجئ، وخطأ المتضرر نفسه، وخطأ شخص آخر.
فإن خالف السائق أنظمة المرور، كالسير في اتجاه ممنوع أو معاكس، كان هو المسؤول عن الحادث، لأنه متسبب، والمتسبب وحده ضامن في قواعدنا الفقهية إذا تغلّب السبب على المباشرة، ولم تكن المباشرة عدواناً.
وأخطاء المرشدين للسفن والطائرات والقطارات ونحوهم: من أسباب الإعفاء من مسؤولية المباشر، وتكون المسؤولية على المخطئين أنفسهم، لأنهم هم المتسببون في وقوع الحادث.
والمهم معرفة أحوال تعدد القتلى في وسائل النقل العامة أو الجماعية وهو أن الدية واجبة لكل القتلى، لأن نص حديث عمرو بن حزم في الديات جاء فيه: [وإن في النفس مئة من الإبل] أي في كل نفس، وكذلك قضى النبي صلى الله عليه وسلم في حادث قتل امرأة حامل مع جنينها بأن دية المرأة على عاقلتها، وأن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة. ولم يكتف بالدية للمرأة، لكن العاقلة (العصبة في رأي الجمهور) هي التي تتحمل دية القتل الخطأ، ومثلها دية شبه العمد كما صرح ابن تيمية الجد بعد إيراد حديث القضاء في دية المرأة الحامل المتقدم.
وأما الكفارة الواجبة شرعاً بنص القرآن الكريم في القتل الخطأ ففيها رأيان للفقهاء مذكوران في مسألة: تداخل الكفارات:
1- رأي الحنفية وبعض الحنابلة (الخرقي وأبي بكر المروذي) تجزئة كفارة واحدة، لأن حقوق الله مبنية على المسامحة، ولأن الكفارة جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها، أو حدث السبب دفعة واحدة كما في حادث السيارة ونحوها الذي ترتب عليه قتل مجموعة من الركاب.
2- رأي المالكية والشافعية واختيار بعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى: لا تجزئ كفارة واحدة، وإنما يلزمه أكثر من كفارة بحسب عدد القتلى، لأن سبب الكفارة تعدد، فلا تتداخل، كانتهاك حرمة شهر رمضان بالجماع في أكثر من يوم في رمضان واحد، أو في رمضانين، وكالحجتين اللتين جامع فيهما المحرم، أي تتعدد الكفارة بتعدد السبب أو الفساد.
اقتراح صيغة القرار:
أ- إن جميع حوادث القتل الخطأ (الخطأ في القصد والخطأ بالفعل) وما في حكمها وهو الذي أجري مجرى الخطأ، والقتل بالتسبب تستوجب الدية والكفارة، وتؤدي إلى حرمان القاتل من الميراث، دون الوصية، لأن السير في الطريق العام مقيد بوصف السلامة.
ب- يسأل المتبوع (الحكومة أو الشركة المالكة) عن أعمال التابع (السائق ونحوه) باعتبار المتبوع هو الضامن أو الكفيل، والتابع نائبه في حدود العمل المكلف به من المتبوع، وبمقتضى عقد الإجارة على العمل.
جـ- تنتقي المسؤولية عن السائق لأسباب خارجية وهي: القوة القاهرة (كالريح العاتية) والحادث المفاجئ (كعبور دابة في الطريق العام) وخطأ المتضرر نفسه، كعبوره الطريق فجأة دون انتباه، وخطأ شخص آخر غير المتسبب كإلقاء شخص نفسه على السيارة، ونحو ذلك من كل ما لا يمكن الاحتراز عنه.
د- إذا وقعت أخطاء من مرشدي السفن والطائرات والقطارات ونحوهم، فإنهم وحدهم يتحملون تبعة أخطائهم، لأن المتسبب ضامن إذا كان السبب هو الغالب على المباشرة.
هـ- إذا خالف السائق أنظمة أو قواعد المرور كالسير في اتجاه ممنوع أو معاكس، كان هو المسؤول عن الحادث وتبعاته، لأن المباشر ضامن وإن لم يتعدّ.
و- تتعدد الديات بتعدد القتلى في الحوادث الجماعية حفاظاً على حقوق الأشخاص مطلقاً، وتتحملها العاقلة (العصبة) أو شركة التأمين الإسلامية، أما الكفارة فيكفي كفارة واحدة يتحملها المخطئ ذاته، لأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، ولأن السبب في هذه الحوادث واحد لم يتعدد.
منظمة المؤتمر الإسلامي
مجمع الفقه الإسلامي الدولي
الدورة الرابعة عشرة
11/1/2003م – 16/1/2003م
الدوحة (دولة قطر)
اترك تعليقاً