الطلاق على الطريقة السعودية
ثريا الشهري
لكل بلد طريقته في الطلاق، لو جمعت في مجلد لكانت أشبه بكتب الطبخ، ولكل بلد وصفته ودمغته، فالطلاق بدمغة أميركية هو في الغالب من صنع الزوجة، ولعله الصنف الوحيد الذي تجيد إعداده، ولن نصنّف بقية الطبخات أو الطلاقات. وسننتقل مباشرة إلى طبخة الطلاق بالوصفة السعودية، والتي هي من صنع الرجل، ومن العدل ألا يتذوقها غيره، فلو اعتبرنا أن الخبرة تلعب دورها في إجادة العمل، إلا أنه شرط لا ينطبق على الزوج السعودي عندما يطلق، فمهما طال به الأمد الزوجي، يظل الأفشل في التخطيط للطلاق وما بعد الطلاق، فيكفي أن يقرر طلاق زوجته بعد عِشرة طالت معظم العمر، أو نصفه، أو لم تدم سوى أسبوع واحد، حتى يقدم على الخطوة في لحظة، فهل رتب لبنوده قبلاً؟ لوضع الأبناء إن وجدوا!! لمصير المرأة التي استحل عرضها وجسدها وكل ما فيها!! أم هي كلمة يقذفها ولتجرح كما تجرح! غالباً تلك هي «عصيدته» للطلاق.
«طلاق على الطريقة الإيطالية»، فيلم تجري حكاياته في مدينة صقلية، التي هي بمثابة صعيد إيطاليا في التزمت والمطالبة بالثأر للشرف الملوث، فتشاهد الفيلم وتتابع الطرقات المتربة الضيقة تحت وهج الشمس، حتى لتكاد تشعر بلهيبها وخنقتها وأنت على مقعدك، بقهاوٍ يحتكرها الرجال يتحدثون فيها عن النساء، يراقبون سلوكهن، ويصدرون أحكامهم، في مجتمع منكمش يعيش بأعداد العاطلين بالوراثة، ببيوت يتشارك أهلها بمرحاض واحد لكل بيت، فإن تقدموا مادياً، يظلوا الفقراء حضارياً، بكنيسة لم تسلم من تعليق الفيلم، لتدخّلها في الانتخابات رغم حلف قائميها بالوقوف على الحياد بين الناخبين، وكل هذا لكشف النقاب عن مجتمع مغلق متستر بنفاقه وتدينه الزائف. وللمبالغة في التدليل يسخر الفيلم من الزوج الذي كره زوجته فقتلها بعد رفقة 15 سنة دفاعاً عن شرفه الرفيع كما زعم للناس، فيدعمه القانون، وهو الذي قتل حقيقة من أجل الفوز بالفتاة التي أحبها، فيتزوج المحظية فإذا بها تخونه بعد عقد قرانها.
ولكن ما يغفر للفيلم الإيطالي أن أحداثه ارتبطت بعام 1961، أما الفيلم السعودي فنسخ التخلص من الزوجة (بالطلاق تحديداً) لا تزال تتكرر في عام 2012 بلا «تقنين»؟ ولأختصر الجدل: ماذا أعد للزوجة السعودية من قانون ينصفها في حالة الطلاق؟ ولنحصر الموضوع بمسألة البيت، نعم، بيتها الذي عاشت فيه مع أبنائها، ماذا عنه؟ هل لدينا قانون لأحوال شخصية يجبر الزوج إجباراً على ألا يُخرج المرأة من بيتها إذا طلقها أم أن المسألة تعود إلى كرم الزوج وشفقته بالمطرودة التي منّ عليها بالبقاء؟! فإن لم يكن الزوج منّاناً فماذا تفعل بحالها؟ ثم، ولم يُسجن الأمر في عقل الزوج ليرى ما يراه؟ لم لا يشرع قانون يحمي الزوجة من غدر الزوج، فيحفظ لها كرامتها في بيتها لا تخرج منه سوى برغبتها!! بيت لا يشاركها فيه إلا أبناؤها، فإن امتنع الزوج عن النفقة لتطفيشها لجأت إلى المحكمة فأنصفتها، فهل استحال على الرجال إنصاف النساء؟
اترك تعليقاً