مهمة حراسة الفضيلة بين القانون ورجال الدين
عبدالعزيز السماري
كان من نتائج عقد الإرهاب أن مظاهر التدين لم تعد تمثل بإطلاق الصورة المثالية للمواطن، وأن الصلاح ليس نتيجة مطلقه لثنائية التدين والمواطنة، والجدير بالذكر أن مظاهر التدين كان لها رواج في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وصلت إلى أن المجالس تُفسح للرجل المتدين كقدوة، كان من نتائجها ظهور ما يُطلق عليه بحراس الفضيلة الجدد، وقد كان لهم صولات وجولات على مسرح الأحداث في الثمانينيات، وكانوا يتميزون بهيئة مستقلة عن بقية أفراد المجتمع، تجعلهم متميزين عن الآخرين من أصحاب الرأي غير الملتزمين وأهل الأهواء والبدع، لكن ذلك تراجع قليلاً بعد أن أثبتت الأيام أنهم بشر لا يختلفون عن العامة في مخالفة القوانين والشرائع، وأنهم غير محصنين عن فعل الخطأ أو الجريمة، لكن بعضهم مع ذلك لا زال يعتقد أنه منزه وغير معرض للخطأ، وظهر ذلك في بعض ردود أفعالهم على القضايا التي ثبتت على بعض الشخصيات المنتمية للتيار الملتزم بمظاهر التدين.
يذكر التاريخ أن فترة الخلافة الراشدة كانت أقرب للحياة المدنية، ولم يكن هناك طبقة تعتقد باستثنائها وصلاحها عن الآخرين، وكان ذلك هو المأزق الذي وقعت فيه أوروبا الوسطى، وذلك عندما ظهرت طبقة رجال الدين لتقوم بدور حراسة الفضيلة، كان من آثارها أن عم الفساد بسبب ذلك التمايز بين العامة وطبقة رجال الحكم والدين، ويُذكر أن أوروبا دخلت في موجات من الإلحاد والهرطقة بسبب استبداد فئة بحكم الكنيسة وطغيانها، ولم يعد التدين الطبيعي إلا بعد القرن التاسع عشر، والذي كان يُطلق عليه بقرن الإلحاد.
جاء في الأثر أن أبا بكر رضي الله عنه عندما رأى طائراً على شجرة قال: (طوبى لك أيها الطائر تأكل التمر وتقع على الشجر وما من حساب ولا عقاب عليك. لو وددت أني شجرة على جانب الطريق مرّ علي جمل فأكلني وأخرجني في بعره ولم أكن من البشر.. كما قال ليت أمي لم تلدني. ليتني كنت تبنة في لبنة)، وقد قال: (أما بعد أيها الناس فقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه)، ويظهر في خطاب الخليفة أبي بكر رضي الله عنه البعد الإنساني غير الكهنوتي، وذلك عندما احتقر الزهو في نفسه، وتحدث عن مبدأ المساواة بينه وبين الناس، وعن حق المحاسبة والتقويم.
ما الذي جعل من بعض المتدينين الحاضرين يخالفون تلك المبادئ العظيمة ويخرجون في صورة حراس الفضيلة والسلطة المتشنجة والخارجة عن القانون، وهل كان للسياسة دور في ذلك؟، وهل كان لتقسيم المجتمع لخاصة وعامة السبب في خروج الطبقية في المجتمع الإسلامي، وهل كان لحاجة السياسي لدعم الديني سبباً لذلك التقسيم؟، وهل ظهر ذلك بسبب عدم قدرتنا على إخراج الشريعة من التجسد في هيئة الرجل المتدين إلى أن تكون روحاً جسدها القانون المكتوب والقادر على التطور والتطبيق بغض النظر عن الهيئة والشكل والخلفية الاجتماعية وغيرها، أم أنه كان نتيجة طبيعية لعصور الاستبداد وغياب الحريات السياسية والتعددية وقبول الآخر.
أكتب هذه الكلمات وأنا أقرأ عن قرار جاء بعد الثورة وبعد فوز الإسلاميين الساحق في الانتخابات البرلمانية المصرية، أصدره وزير الداخلية المصري لوقف نقيب شرطة في محافظة كفر الشيخ عن العمل وإحالته إلى التحقيق بعد أن أطلق الأخير لحيته، كما تم وقف أربعة ضباط آخرين عن العمل في محافظتي الإسكندرية والغربية بدعوى أن إطلاق لحاهم يتعارض مع لوائح الوزارة. وقد وصل عدد الضباط المحالين إلى التحقيق بسبب إطلاق لحاهم 50 ضابطاً، بينما تقدم 85 آخرون بخطابات إلى وزارة الداخلية يطالبون فيها بحريتهم الشخصية في إطلاق لحاهم باعتبار ذلك «حقا دستورياً لا يخالف شرع الله»، وأدلت دار الإفتاء المصرية برأيها في الجدل القائم، وطالبت الضباط وأفراد وزارة الداخلية بالالتزام بالتعليمات المنظمة للعمل داخل مؤسسات الدولة.
أتساءل عن مشروعية قرار الوزير وهل ما فعله يخالف مبدأ حرية التعبير أم أن مهمة حراسة الفضيلة التي يعتقد بها المتدين ضد غير المتدين هي التي فرضت منع اللحى، والتي قد تفتح أبواباً جديدة للاستثناءات وللتزكية والتمييز بين المواطنين من الفئات الأخرى، وقد احتج حزب النور السلفي على القرار، واعتبر قرار وزارة الداخلية محاولة «لقتل الحريات وتكميم الأفواه»، وسأقف بجانب حزب النور في دعوته لفتح باب الحريات وإطلاق حرية الاختيار للجميع، لكن ليس من أجل إيجاد طبقة رجال دين تابعة للحزب في الجيش والأمن، تحرس الفضيلة وتراقب أهل الأهواء والبدع.
اترك تعليقاً