الإتفاقات والتشريعات وحماية البيئة
الدكتور إسلام جمال الدين
مما لاشك فيه أن الجهود التي تبذل في مجال حماية البيئة وصيانتها في إطار التشريعات والقوانين الوطنية لا يمكن أن تؤتي ثمارها, وذلك ما لم تقترن بجهود أخري علي مستوي الصعيد الدولي , وذلك لأن البيئة من المجالات التي نجد فيها ارتباط وثيق الي أقصي مدي بين القانون الوطني والقانون الدولي. إن المحافظة علي البيئة وصيانتها مسئولية المجتمع الدولي بأسره , وإن حدوث أي خلل في البيئة في أي مكان في دول العالم تنعكس آثاره السلبية علي جميع دول العالم دون تفرقة. والأمثلة علي ذلك كثيرة ماحدث في حرب العراق والكويت حيث تلوثت مياه الخليج بالبترول وأيضاً ماحدث من تسرب إشعاعي من مفاعل تشيرنوبل وقد تأثر المجتمع الدولي بكل ذلك. لقد أدركت دول العالم أن الأخطار البيئية التي تهدد العالم ليست خاصة بدولة دون الأخري وإنما يجب أن تتعاون الدول مع بعضها من أجل التصدي للأخطار البيئية ولذلك بدأت المبادرات الوطنية بسن تشريعات وقوانين داخلية في كل دولة من أجل حماية البيئة . وجدير بالذكر أن الجهود الرامية الي حماية البيئة علي الصعيد الداخلي وفي إطار التشريعات الوطنية لايمكن أن تؤتي ثمارها بمفردها مالم تقترن بجهود أخري مكملة لها علي الصعيد الدولي. إن المسئولية القانونية عن الأضرار أصبحت جزء أساسي في كل نظام قانوني وفي نطاق قانون حماية البيئة نصت المادة 235 فقرة أولي من قانون البحار لسنة 1982 صراحة علي أن ” الدولة مسئولة عن الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بمجال حماية البيئة البحرية وهي مسئولة وفقاً للقانون الدولي”. وحري بالذكر أن القضاء الدولي لم يغفل أن يلعب دوره في تدعيم وتعزيز أسس مبدأ المسئولية عن الأضرار البيئية ففي قضية مصنع صهر المعادن في مدينة ” Trail ” بكندا , حيث طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعويض عن الخسائر الناجمة التي لحقت بالممتلكات والأشخاص في ولاية واشنطن من جراء الأدخنة السامة التي ينفثها المصنع في الهواء وتنقله الرياح بعد ذلك عبر الحدود حيث قررت محكمة التحكيم التي شكلتها الدولتان , بحكمها الصادر في 11 مارس 1941 أنه ” وفقا لمبادئ القانون الدولي , ليس لدولة الحق في أن تسمح بأنشطة علي إقليمها علي نحو يسبب الضرر عن طريق الأدخنة لإقليم دولة أخري أو للممتلكات أو للأشخاص فيه , عندما تكون الحالة ذات نتائج خطيرة ويثبت الضرر بأدلة واضحة ومقنعة” . وأكدت المحكمة مسئولية كندا عن الأضرار التي أحدثتها أنشطة المصنع الكائن بأراضيها . وألزمت كندا بدفع مبلغ 78 ألف دولار كتعويض. ونجد أيضاً أنه بغرض تدعيم مبدأ المسئولية الدولية عن الأضرار البيئية فقد تطرقت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة الي موضوع المسئولية عن الأضرار البيئية وذلك بمناسبة مناقشتها للمسئولية الدولية بصفة عامة . فقد ورد بأحد تقاريرها أن القانون الدولي قد وصل إلي الإدانة النهائية للتصرفات التي تعرض للخطر من أجل الحفاظ علي البيئة الإنسانية وصيانتها من الأخطار التي تهددها. وفي الختام لقد أصبحت الأفعال والتصرفات التي تخالف المبادئ التي أصبحت راسخة في وجدان الضمير الدولي صارت قواعد جوهرية للقانون الدولي عموماً, ونجد أنه قد أصبح من الجدير أن تتكاتف دول العالم بأسرها من أجل مواجهة الأخطار البيئية التي تهدد البيئة والاعتراف أن التلوث لا يصيب مكان واحد فحسب بل تنتقل آثاره الفتاكة والمدمرة لتنال من الدول الأخري المجاورة لذلك لابد من بذل المزيد من الجهد من أجل سن المزيد من التشريعات والقوانين الوطنية والدولية المنظمة من أجل حماية البيئة والمحافظة عليها.
اترك تعليقاً