الجريمة والعقوبة
زامل شبيب الركاض
يقصد من العقوبة في الشريعة تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع وإصلاح الجاني ليبتعد عن الأفعال المحظورة والتي من شأنها أن تلحق الضرر بالغير، فبمعاقبة الجناة يتحقق الردع العام وتستقيم أحوال الناس قال تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وتنفيذ العقوبة يعني أن ينال كل مخالف جزاء ما اقترف من الإثم وإرضاء لحاسة العدالة باعتبارها قيمة إنسانية متأصلة في المجتمع، قال تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل).
وتكمن أهمية العدالة كهدف من أهداف النظام الجنائي في الإسلام حماية منه للمجتمع من الجريمة ولهذا فقد اشتمل النظام الجنائي على مبادئ وأسس يقوم عليها كمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، حيث راعت الشريعة الإسلامية ما ينبغي أن ما يتوافر في النظام الجنائي من مرونة تجعله صالحاً للتطبيق في كل زمان ومكان ولذلك حددت عقوبات الأفعال التي لا تتغير صفتها الإجرامية باختلاف الزمان والمكان وهي الأفعال الموجبة للحد والقصاص اما غير ذلك من الأفعال والمخالفات فقد حرمته الشريعة إجمالا تاركة لولي الأمر والقاضي كل في حدود ولايته حق تقدير العقوبات الملائمة لكل مخالفة حسب ظروف الجريمة والمجرم اجتهاداً وقياساً في ذلك بما يعرف بالأفعال الموجبة للتعزير لذا كان مجال التعزير في النظام الجنائي الإسلامي مجالاً واسعاً ويتم تقدير العقوبة التعزيرية وفقاً لتحقيق العدالة بالقدر الملائم لمنع الجريمة وصلاح الجاني، حيث يقوم نظام التعزير في الشريعة الإسلامية على منح القاضي صلاحيات تخوله تفسير النصوص على ما تتسع له حكمتها حتى يسلم مبدأ الشرعية الجنائية مما يؤخذ عليه من كونه يؤدي إلى عجز التشريع من ملاحقة المجرمين الذين يفلتون من العقاب بسبب عيب أو نقص في الصياغة، حيث يبادر بعض المجرمين إلى تطوير أساليبهم مع تطور الحياة وابتكار صور من الإجرام لا تصل إليها النصوص المقيدة بقاعدة التفسير الضيقة.
ونجد ان الشريعة الإسلامية حفظت حقوق الأفراد من العقوبة بضمانات الاثبات فالحق يتجرد من قيمته ما لم يقم عليه الدليل الذي هو قوام الحق، قال تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فيجب أن يكون الحكم وفق ما أنزل الله لقوله تعالى (وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم)وقد بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مفسراً ومبيناً أعظم قواعد الاثبات بقوله (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر).
فعملت الشريعة الإسلامية على ارساء مبادئ ودعائم أساسية لتحقق للفرد إنسانيته عملاً بالمساواة والعدالة والتكريم، والمحافظة على حقوقه ومكتسباته كاملة غير منقوصة وحفاظاً منها على أن يكون المجتمع معافى، فلم تكن الحكمة من انزال العقوبة على مرتكبي الجرائم بقصد الانتقام وانما كانت الحكمة أكبر من ذلك بكثير إذ تمثلت في الاصلاح والتهذيب وإعادة صياغة الفرد من جديد حتى يقلع عن ارتكاب الأفعال المجرمة وباتعاظ بقية أفراد المجتمع بما قد يناله أي فرد من عقاب إذا سولت له نفسه الاعتداء على حرمات الغير، وتظهر الحكمة من تحقيق الردع العام في التشريع الإسلامي جلية في قوله تعالى (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) لأن المقصود من الحدود هو زجر العامة وصلاح المجتمع.
ونخلص الى أن الحدود الشرعية لا تتنافى مع حقوق الإنسان كما يظن البعض من غير المسلمين تعصبا أو جهلا بحقيقة الشريعة الإسلامية، فالله سبحانه هو الذي شرع الحدود وهو ارحم بعباده (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) والجاني الذي يرتكب جريمة موجبة للحد الشرعي قد خرج عن الحدود الإنسانية وتعدى على حرمات المجتمع فلا يردعه إلا العقوبة الشرعية التي تؤدي في نفس الوقت إلى استئصال السلوك الاجرامي من جذوره ومنع الجريمة ووسائل تطورها. بعكس العقوبات في القوانين الوضعية التي فشلت في تحقيق الردع العام فانفلتت السيطرة من قبضتها فانتشرت ظاهرة الجريمة، وبذلك يظهر جليا بطلان حجة من يزعم أن تطبيق العقوبة الشرعية يتنافى مع حقوق الإنسان، في محاولة غير موفقة للرأفة بشخص معين لذاته ليس أهلاً لهذه الرأفة مراعاة للمصلحة الشخصية، واهداراً لمصلحة المجتمع.. فمعاقبة الجاني في الشريعة الإسلامية حياة للمجتمع لقول الحق تبارك وتعالى :(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون).
اترك تعليقاً