أمانة و مسؤولية المحامي في المرافعة كونها حق و واجب
المرافعة أمانة و مسؤولية و حق و واجب
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
المقـدمـة
تاريخ المرافعة :
المرافعة هى الخطاب الذى يلقيه طالب الحق أو وكيله بحضرة القاضى ليقضى له به :
يترافع المدعى والمدعى عليه بأنفسهما أو بوكيليهما أمام القاضى المدنى حيث يشرح كل منهما للقاضى وجهه نظره وكذلك فإن النيابة العامة تترافع في القضايا الجنائية لتعبر عن رأى المجتمع الذى تمثله والمتهم أو من يدافع ليثبت براءته أو يلتمس أخذه بالرأفة وكل هذه المرافعات بما تبينه من وجهات النظر المختلفة تساعد القاضى على معرفة وجه الصواب والقضاء به .
ويرجع تاريخ المرافعة إلى تاريخ الخصومات بين الناس . فمنذ اختلف طرفان على حق أمام قاضى يفصل بينهما بوجهة نظره ودليله وحججه فهذه هى المرافعة .
وكان يرجع لجوء الناس إلى الاستعانة بغيرهم للمرافعة عنهم إلى أن كثرة الناس لا يحسنون التكلم بأنفسهم والإفصاح عن مرادهم وأكثرهم أيضاً لا يجرأ على الكلام بحضرة القاضى مما يحيطه من هيبة مجلس الحكم ولكثرة المترددين على قاعات الجلسات من أصحاب الحاجات والفضوليين فاختاروا غيرهم الذين اعتادوا الوقوف بمجالس الحكم والتكلم أمام الجمهور واضوا أنفسهم على معالجة الكلام وترتيب الحجج وتكييفها .
ولقد وجدت المحاماة عند اليهود في زمن سيدنا موسى ” عليه السلام ” بدون مقابل حيث كان المحامون يأخذون جعلاً من بيت المال وكذلك وجدت عند الكلدانيين والبابليين والفرس والمصريين . فعند المصريين وجدت المرافعة الكتابية بدلاً من المرافعة الشفوية لخطورة الأخيرة على العدالة على عكس اليونانيين الذين حظيت الخطابة عندهم على الكتابة وكانت قاصرة على الشرفاء فقط وكانت أماكن الخطابة مقدسة ( مثل حرم المحكمة ) وتطهر بماء مطهر إشارة إلى أنه يجب أن لا يجرى فيها من الأعمال ولا يتكلم فيها من الأقوال إلا ما كان طاهراً تقياً لذا أقاموا التماثيل للخطباء في المعابد احتراماً لفن الخطابة ثم خشوا من ذلك فسنت القوانين التى تمنع الخطباء من التأثير على المشاعر بين جدران المحاكم وحالوا دون وجود المتهم نفسه أو أقاربه بقاعة الجلسة أثناء مرافعة المدافع عنه .
أما الرومانيون فلم يحاربوا أساليب البلاغة وطرقها على الرغم من شكلية القانون والاجراءات وجمودها فكان عندهم خطباء من الطراز الأول الذين يؤثرون في العواطف وكانت الخطابة في عهد الإمبراطورية الرومانية سبيل المناصب العليا . ولكن العرب كانوا يدافعون عن انفسهم بأنفسهم في مجالس القضاء ولهم في ذلك اسلوب بليغ وردود مفحمة ، كما تدرجت المرافعات الأوربية وفي مصر حتى وصلت إلى ما نحن فيه الآن .
ضرورة المرافعة :
يعتبر القضاء في خصومات الناس من أدق الأمور وأشقها لأن القاضى كإنسان ليس معصوماً من الخطأ كما أن الحقيقة لا تخرج عن بئرها – عارية كما يصفونها – لكل من يطلبها بل هى في حاجة لجهود مستمرة وتوسلات وصلوات حارة والتماسات ورجاوات لذلك ، لذلك كان المتهم البرىء الذى يقدم للمحكمة – لظروف سيئة أحاطت به – معذوراً إذا هو خشى أن لا تظهر براءته من تلقاء نفسها أمام القاضى . لذلك فإن المرافعة ضرورية لإظهار الحقيقة وللدفاع عنها ضد الكذب والافتراء وللانتصار للحق على الباطل وللفضيلة ضد الرذيلة . ولا مرافعة بغير بلاغة حيث أن بلاغة التعبير ضرورة لازمة للعدالة لأنها سبيل الوصول للحقيقة وهى في ذاتها فن من الفنون لأنها مظهر من مظاهر الجمال .
وأن المرافعة هى فن الاقناع بحق . فلاشك أن من المنطق في بساطته وصفاته ما يوقف المستمع في مأذن لا يسعه معه إلا التسليم بصواب ما يبديه القائلوالاعجاب به ، ولكن ذلك وحده لا يكفى فإن عقول أغلب الناس مغلقة عن المنطق وحده وهم في حاجة لمن يؤثر على مشاعرهم حتى يقنع عقولهم .
تعريف المرافعة :
أ- تعنى المرافعة لغة المدافعة ، وترافع الخصمان إلى المحاكم : تحاكما ، والمرافعة : لما يلقيه المحامى أو ” المترافع ” دفاعاً عن موكله .
ب- المرافعة إصطلاحاً هى الإستماع إلى أقوال الخصوم أو ممثليهم القانونى ( كالولى ، أو القضائى كالوصى أو القيم أو المساعد القضائى أو الوكيل القضائى ، أو الاتفاقى كالوكيل مثل المحامى ) بصدد الادعاءات والطلبات المطروحة أمام المحكمة وكذلك لأوجه الدفاع وأسانيدها المثارة أمامها .
فتسمع المحكمة المدعى أو من يمثله أولا ، ثم المدعى عليه أو من يمثله الذى يكون آخر من يتكلم ما لم تتدخل النيابة العامة فتكون آخر من يتكلم .
ووفقا لرأى جانب من الفقه هى الشرح الشفوى من الخصم أو محاميه للإدعاءات – أو أوجه الدفاع – وأسانيدها أمام المحكمة وتسمع المحكمة أولا مرافعة المدعى أو محاميه ثم تسمع مرافعة المدعى عليه أو محاميه وإذا كان هناك متدخل إختصامى ، فإنه يسمع – بخصوص طلبه – أولاً باعتباره مدعياً قبل كل من المدعى والمدعى عليه ، وللمحكمة أن تستمع إلى إيهما أكثر من مرة وفقاً لما تراه دائماً حتى تتضح لها الحقيقة بما فيه الكفاية على انها يجب أن تراع دائماً أن يكون المدعى عليه آخر من يتكلم ( م 102 ق مرافعات ) ولا يتثنى من هذه القاعدة إلا حالة أن تكون النيابة متدخلة في الخصومة فعندئذ تكون هى أخر من يتكلم ( م 95/2ق . مرافعات ) .
– المرافعة لدى البعض الآخر من الفقه هى من حيث الشكل قد تتخذ صورة خطاب شفوى يوجه إلى المحكمة في الجلسة أو صورة مذكرة مكتوبة تقدم للمحكمة .
أما من حيث المضمون : فإنها تتضمن شرحاً لما يبديه الخصم من طلبات ودفوع فضلا عن مناقشة طلبات الخصم الآخر ودفوعه تتناول في ذلك الوقائع والقانون .
ج- إن كلمة ” مرافعات ” التى جاءت في مسمى ” قانون المرافعات المدنية والتجارية ” تعنى في اللغة الجارية ما يدلى به الخصوم أو وكلاؤهم من أقوال أمام المحكمة لتأييد دعاويهم أو دفوعهم .
أساس المرافعة :
يرجع أساس المرافعة إلى احترام مبدأ المساواة بين الخصوم أمام القضاء الذى ينتج عنه مبدأ احترام المواجهة بين الخصوم من ناحية واحترام حقوق الدفاع من ناحية أخرى ، ومبدأ حياد القاضى من ناحية ثالثة .
إن صيانة حق الدفاع لا تحول دون تنظيم المحكمة لممارسته ولهذا فان المحكمة أن تحدد مواعيد للخصوم لتقديم مذكراتهم ومستنداتهم وهى ليست ملزمة – إذا أفسحت المدى المعقول لتمكينهم من الدفاع – بإجابتهم إلى طلب التأجيل لإبداء دفاع أو تقديم مذكرة به . كما أن صيانة حق الدفاع لا تحول دون تنظيم المشرع لاسعماله ( م 65/3 ق. مرافعات ) لعدم إضاعة وقت المحكمة عبثاً وعدم مباغته الطرف الأخر فيضطر إلى طلب التأجيل مما يعطل نظر القضية .
غاية المرافعة :
هى ممارسة حقوق الدفاع من الخصوم من ناحية وإقناع المحكمة بحقيقة القضية وصولاً لتحقيق العدالة بينهم من ناحية أخرى .
المبحث الأول: المرافعة حق وواجب
المطلب الأول: المرافعة حق
الفرع الأول: حقوق المترافع
1- من حق كل خصم أو من يمثله إبداء وجهه نظره حول ما تقدمه هو أو خصمه الآخر من إدعاءات وأدلة وأسانيد ومستندات وطلبات أمام المحكمة وذلك بالوسيلة والإداة اللتين حددهما القانون . ومن المقرر وجوب ضمان حق الدفاع للخصوم في أية حالة كانت عليها الإجراءات ونتيجة لهذا فإن عليها إفساح المجال للخصوم لإستعمال حقهم في الدفاع فليس لها القيام بأى اجراء من شأنه إنتهاك هذا الحق ووجوب إعلان الخصم أو إطلاعه على ما يقدمه خصمه يتعلق فقط بما يقدم في غير جلسة أما ما يقدمه الخصوم بالجلسة من مذكرات أو مستندات فأنها لا تعلن للخصم لو كان غائبا إذا المفوض أن يتابع كل خصم قضيته ويطلع على ما يبدى في جلساتها من دفاع وما يقدم من أوراق .
– وإذا كان للخصوم أو لمحاميهم الحق في إبداء أقوالهم بالجلسة فلا يجوز للمحكمة مقاطعتهم ولا يكون المحامى مسئولاً عما يورده في مرافعته الشفوية أو في مذكرته المكتوبة مما يستلزمه حق الدفاع ( م 47 ق. المحاماه ) ولكن للمحكمة أن تستوقف المترافع لكى تطرح ما تراه مفيداً من الأسئلة أو لإبداء ما يعن لها من ملاحظات . كما لها أن – تطبيقاً لمبدأ الاختصار في المرافعة – أن تمنع أى خصم أو محاميه من الإسترسال في المرافعة إذا كان كلاماً خارجاً عن موضوع القضية أو عما يقتضيه الدفاع فيها ( م 102 ق. المرافعات ( ولهذا فإن للمحكم أن تنبه الخصم أو محاميه إلى عدم إستعمال عبارات جارحة أو مخالفة للآداب أو النظام العام في مرافعاته فإن لم يتنبه كان لها منعه من الاسترسال في المرافعة مع الأمر بمحو ما يكون قد أثبت من هذه العبارات في محضر الجلسة ولها – أعمالا لنفس السلطة – الأمر بمحو أية عبارة من هذه العبارات إذا كانت وردت في ورقة من أوراق المرافعات أو المذكرات ، ولها هذه السلطة ولو تضمنت هذه العبارات دفاعا لخصم . وهى تأمر بالمحو سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصم الآخر ، كما أن الأمر يدخل في سلطتا التقديرية ، فلا معقب عليها من محكمة النقض إذا هى أغلفت هذا الطلب أو تبين سبباً لرفضه .
2- الدفاع في القضية ليس واجباً على الخصم بل هو حق له . فله أن يبدى دفاعه على الوجه الذى يريد ويكفى لضمان حقه في الدفاع أن يمكن من إبدائه أما إبداؤه بفاعلية فأمر يتوقف عليه . ونتيجة لهذا فإن المحكمة ما دامت لم تقيد الخصم في دفاعه لا تعتبر أنها قد أخلت بحق الخصم في الدفاع إذا لم تلتفت نظره إلى حقه في هذا الدفاع أو إلى مقتضياته أو تكليفه بتقديم الدليل عليه ، من ناحية أخرى إذا قدم الخصم دفاعاً لم يقم الدليل عليه فلا يعيب الحكم إغفاله التحدث عنه .
3- يكون من حق المدعى أو من يمثله في الكلام أولاً ثم يكون المدعى عليه أو من يمثله آخر من يتكلم وإذا كانت النيابة العامة عضواً متدخلاً فتكون آخر من يتكلم .
4- يجب الإستماع إلى أقوال الخصوم ( أو من يمثلهم ) حال المرافعة ولا يجوز مقاطعتهم إلا إذا خرجوا عن موضوع القضية أو مقتضيات الدفاع فيها ( م102 ق. مرافعات ) .
5- يتمتع كل خصم أو من يمثله بحصانة الدفاع فلا يتعرض لجريمة السب ةالقذف ، طالما لم يخرج في المرافعة عن موضوع القضية أو مقتضيات الدفاع . المقرر بنص المادة 309 من قانون العقوبات ” أنه لا تسري أحكام المواد 302 و 303 و 305 و 306 و 308 الخاصة بالقذف والسب ، على ما يسنده أحد الأخصام إلى خصمه في الدفاع الشفوى أو الكتابى أمام المحاكم فإن ذلك لا يترتب عليه إلا المقاضاة المدنية أو التأديبية .
المطلب الثانى: المرافعة واجب
الفرع الثانى: واجبات المترافع
1- على المترافع احترام قواعد المرافعة اللغوية والقانونية – الشكلية والموضوعية – التى منها حذف الأقوال والعبارات التى جاءت في المرافعة الشفوية أو المكتوبة متى كانت تخالف النظام العام أو الآداب العامة ، واحترام دور المترافع في المرافعة .
2- يجب أن يراعى آداب المرافعة وتقاليدها ومن ضمنها احترام هيئة المحكمة ووقارها وإعطاء الفرصة للمترافع الآخر لكى يبدى مرافعته بدون مقاطعة .
3- إذا كان المترافع محامياً عليه احترام قواعد وآداب مهنة المحاماة عند المرافعة بالنسبة لخصمه أو لأحد زملائه أو للمحكمة .
المبحث الثانى: المرافعة أمانة ومسئولية
المطلب الأول: المرافعة أمانة
أمانة المحامى
إنها تاج الفضائل .
ولقد صدق الله العظيم حين رسم الأمانة كصفة هى أسمى الصفات الطيبة ، وصور قوتها وضخامتها ، ثم رثى لبنى الإنسان لأنهم يضعفون عن حملها حين قال سبحتنه وتعالى :
( إنا عرضنا الأمانة على السموات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ) .
ولقد كانت الأمانة هى الصفة الأولى التى أنعم بها الله على نبيه الكريم محمد في صباه وشبابه ليرفعه بهذه الصفة في أعين مواطنيه وأهليه حتى إذا ما تهيأ لنزول الرسالة عليه كان كفؤاً لها مقتدراً .
ولذلك صنع محمد صنعاً جميلاً في معاملاته وتجارته حتى أطلق عليه العرب من قريش وسواها لقب ” الأمين ” .
الفرع الأول: الامانة لربه .
إن الله غنى عن عباده . ولكنه يطالب الإنس والجن أن يعبدوه . ويطلب من الناس أن يقرضوه قرضاً حسناً . أما ما يطلبه من العبادة فليس هو القيام والسجود والركوع في أوقات الصلاة الخمسة ، وإنما هو السعى والعمل والإخلاص فيما يسعى إليه ، وإفادة الخلق وإسعادهم . أما القرض الحسن فهو أيضاً العمل الصالح للآخرين لوجه الله وحده – حتى لو لم ينل جزاءه من الخلق – وهو الأمر الغالب فإن جزاءه عند الله يؤدى له وفاء لقرض حسن لم يقرضه الناس وإنما أقرضه الله رب الناس .
إذن فأمانة المحامى نحو ربه تتألف من عنصرين :
(1) أن يعمل ويعمل بإخلاص لفائدة المجتمع . لا مال ولا مجد ولا شهرة وإنما لرفاهية المجتمع وسعادته .
وليس معنى هذا أن يعمل فيلسوفاً متصوفاً ، وإنما يجعل الغاية هى إسعاد المجتمع والمال وسيلته ثم يأتى الأجر في سعيه في المرتبة الثانية . لا أن يكون المال هو الغاية وهو كل شىء !
(2) أن يكون ملحوظاً فيه أنه قرض حسن لله . فلا يشتط على الناس فيما يقدر من أتعاب وأن لا يأس ويثور ويطيش حين يأكلون حقه . بل يستعمل حقوقه في رفق . وهو مطمئن إلى أن ماله مدخر عند موزع الأرزاق ومقسم الحظوظ .
ولا يظن ظان أن هذه دعوة خيالية . أو أنها نزعة فلسفية . بل إنها دعوة عملية أدعوإليها ثمرة تجاريب طويلة قاربت الثلاثين عاماً .
ولعلنى كنت من أقل المحامين مطالبة بأتعابى وأكثرهم إسرافاً في ترك حقوقى التى تفنن المصريون في جحودها ونكرانها .
ولكننى مع ذلك كنت ولا زلت أكثر الناس أسفاً على ما اتخذت في بعض الاحيان من اجراءات تتبع الموكلين لإرغامهم على ذفع أتعابى .
ولعلنى استطيع ان اعدد آلاف المرات التى عوضنى الله فيها خيراً من حيث لا أحتسب ولا أترقب .
الفرع الثانى: الأمانة لفنه
إن المحاماة علم ، وفن ، وخلق ، وعمل ( أى صناعة ولا أحب أن أذكر كلمة صناعة لطول ما ابتذل هذا التعبير ) .
فأمانته نحو فنه من ناحية العلم أن يداوم على الاستسقاء من ينابيعه ، فلا يكتفى بما تعلم في كلية الحقوق . فإنها مبادىء عامة . وسطور قاصرة . وإنما عليه أن يتعمق في كل ما يعرض له من موضوعات . فإذا وكل في قضية – أبسط قضية – فلا يفتى فيها ارتجالا ولا يكتب عريضتها ارتجالا ويسرع الى المرافعة بالمحكمة اعتماداً على معلوماته القانونية المختزنة واستناداً الى معلومات الموكل .
وإنما يقرأ كل ما يتعلق بالقضية من مباحث قانونية وأحكام صدرت وبحوث كتبت ونشرت فلعله يصادف جديداً ومفيداً .
الفرع الثالث: الأمانة لموكليه
هى أقوى أنواع الأمانة لأنه لن يكون أميناً لربه ولا لفنه ولا للقضاء ولا لخصمه إلا إذا كان أميناً على موكله . وحق موكله .
وأمانته نحو موكله تقتضى منه :
(1) أن يصدق القول . وأن يمحضه النصح . فيهديه إلى جانب الحق ويجنبه مواطن الباطل . فيبعث بذلك الطمأنينة إلى نفسه إن سار في دعواه . ويحسر عنه الخسارة وضياع المال والوقت والأعصاب إن أقعده عن السير في دعوى فاشلة .
(2) أن لا يرهقه بالأتعاب . فيكون ميزان عدل في تقديره . ولا يعامل الفقير كالغنى . ولا المأزوم كاموسع عليه في الرزق .
(3) أن يكون كاتماً لسره . فإن السر الذى يلقى به الموكل إلى أذن المحامى هو أغلا الأمانات . وأنفس الودائع .
وقد يكون في كلمة عابرة أو نكتة غير مقصودة ما يفشى السر ويوخم العواقب .
وقد يكون السر يصلح حديثاً يسر السامعين . وقد يكون موضوع حادثة طريقة تسلى المتسامرين وفي إذاعته ضياع مصالح أو تهدم بيوت .
أذكر أننا كنا نجلس في غرفة المحامين وأخذ زميل ثرثار يتحدث عن “نساء اليوم” وذكر فتاة عرفها بأوصاف وألقاب لآبيها . وكيف وقع لها كذا وكذا … وكان ضمن الجالسين محام نقل هذا الحديث إلى سامر آخر وفي هذا السامر الأخير استمع خطيبها إلى قصة خطيبته وفسخ الخطبة . وقامت بين الطرفين قضايا ، ودلل الخطيب على حقه في الفسخ واسترداد الهدايا والمهر بما ذاع واستشهد بالمحاميين القائل والناقل !
(4) أن لا يزعج موكله أو يثير الرعب في نفسه . وكذلك لا يطمئنه بإسراف . بل يكون صادقاً إلى أكبر حد حتى يعرف الموكل حقيقة موقفه . فإن هو أزعجه أساء إليه وقد يوثر ذلك في حياته . وهو إن طمأنه بإسراف قد تأتى النتائج مفاجئة مخيبة للأمل فتؤثر تأثيراً سيئاً . وفى الحالتين لابد أن يهون المحامى في نظره !
(5) أن يعامله برفق وأدب . وأن يجعله يحس أنه إنسان كامل الحقوق في غير إسراف أيضاً . ومن غير تذلل ولا إراقة لكرامته . وليذكر المحامى أنه فنان يحترم الناس – موضوع فنه – ولكن لا يذل لهم .
(6) أن ييسر له الوصول إلى حقه بعد كسب دعواه . فإن شر ما يمنى به صاحب الدعوى بعد أن يكسبها أن يستولى محاميه على المال ثم يساومه على أتعابه .
يجب ألا يمد المحامى يده إلى مال الموكل سواء كان مودعاً أصلاً عنده أو تسلمه تنفيذاص للحكم أو الصلح .
فإن خطر امتداد اليد إلى الأمانة نتيجة حاجة ملحة يمتد كالحريق إلى علاقة الطرفين فيتلفها ويتركها رماداً . وقد يحترق أحدهما كأثر لهذه المخاطرة .
الفرع الرابع: الأمانة نحو القضاء
أن يؤدى واجبه بشكل محترم . فلا صراخ ولا ضرب على المنضدة . وبصوت هادىء . وفى أدب . مؤمناً بقداسة القضاء – بصرف النظر عن شخص القاضى – وأن يكون صادقاً . معاوناً للعدالة بإخلاص . وأن لا يكذب في مستند أو استشهاد بمرجع من المؤلفات القانونية أو حكم قضائى . وأن يجعل لحجة خصمه التقدير وأن يناقشها . وير عليها وأن لا يحاول تعطيل الفصل في الدعوى بالأعذار المختلفة أو بالغياب . وأن يقدم مستنداته ومذكراته في مواعيدها . وأن يصون لسانه فلا يطلقه في سمعة القاضى الذى خذله وخاصة أمام الموكل .
الفرع الخامس: الأمانة لخصومه
وأمانته نحو خصومه لا تقل قيمتها عن أمانته نحو موكليه . لأن خيانة الأمانة نحو خصومه فيها الإضرار بالناس ، والإضرار بالناس إحدى الكبيرتين اللتين لا يغفرهما الله – الشرك بالله والإضرار بالناس
وهو حين يكون أميناً لخصمه لا يفترى عليه . ولا يغري به موكله ولا يستدعى قوة موكله على ضعف خصمه . ولا يسبه أو يذكر عيباً فيه أو ليس فيه .
وألا يصطنع الأقوال أو المستندات نكاية به . بل عليه أن يحرض موكله على إنهاء الدعوى صلحاً إن أمكن .
وأن يترفق بخصمه إن كان يطلب أجلا للوفاء . وينصفه في بعض ما يزعم إن كان على حق .
هذه هى وجوه الأمانة ، وهى أعظم ما يتحلى به المحامى .وإنه لحليف النجاح إن اتبعها ولو لم يكن موهوباً ولا فذاً ولا نابغة .
بل إننى أعرف محامين نجحوا وأصابوا صيتاً وشهرة وهم عاطلون من المواهب وكان أساس نجاحهم أمانتهم
وليكن دعاء المحامى دائماً
” رب اكتبنا دائماً من الأمناء . وأحينا أمناء . وأمتنا أمناء ” .
” رب إنك تعلم شر أنفسنا . تعلم وغيرك لا يعلم ” .
المطلب الثانى: المرافعة مسئولية
الفرع الأول: مسئولية مدنية
1- إن إستعمال الحق فى الدفاع من خلال المرافعة مقيداً بأن يكون بالقدر اللازم لتحقيق الغرض منه . فإذا إنحرف الخصم في إستعماله لهذا الحق عما شرع له أو تجاوزه بنسبه أمور شائنه لخصمه ماسة باعتباره وكرامته فانه يكون مسئولاً عما ينشأ عن خطئه هذا من ضرر .
الفرع الثانى: مسئولية جنائية
– كما يسأل المترافع جنائياً في حالة التعدى على هيئة المحكمة أو في حالة ثبوت تواطأ بينه وبين المترافع عن الخصم الآخر ، وذلك عن جريمة النصب أو الرشوة .
الفرع الثالث: مسئولية تأديبية
– إذا وقع من المحامى اثناء وجوده بالجلسة لأداء واجبه أو بسببه إخلال بنظام الجلسة أو أى أمر يستدعى محاسبته نقابياً أو جنائياً يأمر رئيس الجلسة بتحرير مذكرة بما حدث ويحيلها إلى النيابة العامة ويخطر النقابة الفرعية المختصة بذلك ( م49/ فقرة أخيرة ق. المحاماة ) ، كما لا يجوز القبض على المحامى في هذه الحالة أو حبسه إحتياطياً أو رفع الدعوى الجنائية عليه إلا بأمر من النائب العام أو من ينوب عنه من المحامين العامين الأول ( م50/1ق. المحاماة ) وللنائب العام أن يتخذ الاجراءات الجنائية إذا كان ما وقع من المحامى جريمة معاقباً عليها في قانون العقوبات ، وله أن يحيله إلى الهيئة التأديبية أو مجلس النقابة لمساءلته تأديبياً . ولا يجوز أن يشترك في نظر الدعوى الجنائية أو التأديبية المرفوعة على المحامى أحد أعضاء الهيئة التى وقع الإعتداء عليها ( م50/2ق. المحاماة ) والغرض من ذلك حماية المحامى في عمله وكفالة الاحترام لرسالته .
الفرع الرابع: مسئولية اجرائية
– كذلك فإنه يترتب على عدم قيام المترافع أو المسئول عن المرافعة بواجباته الإجرائية مسئولية اجرائية تتجسد في :
أ- البطلان في حالة عدم اشتراك أمين السر في تشكيل الهيئة أو عدم توقيعه على محضر الجلسة أو على نسخة الحكم الأصلية وعدم التوقيع على صحيفة الدعوى من المحامى .
ب- عدم قبول الدفوع التى لم تقدم في مواعيدها القانونية أو تلك التى تقدم أثناء المداولة .
ج- الغرامة في حالة الإخلال بنظام الجلسة أو الإساءة في التقاضى .
الخـاتـمـة
– ينبغى على المترافع أن يكون مؤهلاً تأهيلاً سليماً للمرافعة ، وكفء لها ، ومزوداً بالعلم والمعرفة والخبرة وأن تتوافر لديه المهارات العالة لذلك .
وينبغى أن يختار المترافع اختياراً سليماً وأن يقوم بدوره في التركيز على نقاط النزاع التى تشكل أهمية بالغة في إبراز الحقيقة وأن يحترم قواعد المرافعة وآدابها وتقاليدها وفنها وأن يعمل على جودة المرافعة لأداء دورها داخل المنظومة القضائية وصولا لتحقيق العدالة بين الناس .
– وفي نهاية المطاف أن الباطل لا يمكن أن ينقلب حقاً وأن الحق لا يمكن أن يكون باطلاً ، فالحق دائماً هو الحق فلا يكون على يمينه إلا باطلاً ولا يكون على يساره أيضا إلا باطلاً والحكمة القائلة الحق أبلج والباطل لجلج .
والمحامون هم مصابيح العدالة .
27 أغسطس، 2016 at 2:52 م
بالتوفيق