بحث ودراسة مقارنة حول استعمال الحق لقصد احداث ضرر
د. إسماعيل كاظم العيساوي / جامعة الشارقة – دولة الإمارات العربية المتحدة
ملخص
يعالج هذا البحث قضية استعمال الإنسان لحقه، لا لمصلحة عائدة له، بل لقصد إضراره بالغير، وهو ما اتفقت الشريعة الإسلامية والتشريعات الوضعية على منعه، وعدِّه تجاوزا غير مشروع على الآخرين.
وأبرز البحث كثيرا من التطبيقات في الشريعة الإسلامية، إضافة إلى تطبيقات قضائية في المحاكم العربية حكمت المحاكم فيها بعدم مشروعية تلك الأعمال، وإن كان ظاهرها يوهم تحقيق مصلحة.
كما أبرز البحث المعيار الذي يحدد مشروعية استعمال الحق أو عدم مشروعيته.
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه أَجمعين؛ وبعد:
فإن الله عز وجل خصَّ هذه الأمة عن سائر الأمم بخصائص عظيمة ومناقب جليلة، ومن هذه الخصائص، جعل هذا الدين كاملاً لا يحتاج إلى زيادة، وجعله شاملاً مستوعبا لما كان، ولما يستجد من أمور وقضايا ومسائل.
لقد اهتمت التشريعات المدنية في العالم الحديث بقضيتين مهمتين، وهما: استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير، واستعمال الحق لتحقيق مصلحة غير مشروعة، واللتان تمثلان المظهر العام لنظرية يطلق عليها في التشريعات الوضعية نظرية التعسف([1])، في استعمال الحق، ومنها التشريعات التي قامت في البلاد العربيـة، وجعلت أَحكامها ونظريتها في الصدر من هذه التشريعات القانونية المدنية، وقرر واضعوها وشراحها أَنَّ موضوع التعسف هذا تنبسط أحكامه ومعاييره وقواعده على جميع أَنواع الحقوق التي تضمنتها التشريعات العامة والخاصة.
ولقد سبقت الشريعة الإسلامية غيرها من التشريعات بالأَخذ بنظرية التعسف في استعمال الحق؛ ذلك لأَنَّ الشريعة الإسلامية تقيم أحكامها على أساس العدالة والرفق بالناس ورفع الحرج عنهم، وتستهدف تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وهي بذلك تختلف عن المذهب الفردي الذي يجعل حق الفرد أَساس وجود القانون، ويرى أَنَّ القانون ما وجد إلا لحماية حقوقه وكفالتها، وعن المذهب الاجتماعي الذي يرى أن الحق ليس مُكْنَة مطلقة لصاحبه، وإنما هو وظيفة اجتماعية، لا يكون استعماله إلا لتحقيق خير المجتمع وصالحه، ولا ينكر فقط السلطة المطلقة لصاحب الحق في استعمال حقه، بل ينكر أيضا أن يكون له سلطة على الإطلاق.
ومن هنا نوهت المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي بنشأة هذه النظرية في الشريعة الإسلامية، وقررت عناية الشريعة الإسلامية بصياغتها صياغة تضارع- إن لم تَفُقْ في دقتها وأحكامها- أحدث ما أسفرت عنه مذاهب المحدثين من علماء الغرب، إزاء ذلك حرص المشرع الإماراتي على أن ينتفع في صياغة النص بالقواعد التي استقرت في الشريعة الإسلامية([2]).
وقد عنيت التشريعات المختلفة التي عرضت للتعسف في استعمال الحق، بتحديد معايير التعسف وضوابطه، غير أنها اختلفت في تحديدها، فبعض الشرائع تقتصر على وضع معيار عام للتعسف، تاركة إلى القضاء أمر تطبيقه على ما يعرض له من أحوال ووقائع تفصيلية في الحياة العملية، وبعضها الآخر يعدد الصور المختلفة التي يوجد فيها التعسف دون أن يعنى باستظهار المبدأ العام الذي يحكمها.
وقد اخترت أن أبحث في القضيتين السابقتين بوصفهما من أهم مكونات التعسف في استعمال الحق، وقد قسمت هذا البحث إلى تمهيد ومبحثين وخاتمة وفق ما يأتي:
التمهيد وتحدثت فيه عن: انتفاء المصلحة المشروعة.
أما المبحث الأول فهو في: استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير وتطبيقاته:
المطلب الأول: استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير.
المطلب الثاني: تطبيقات استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير.
ويتضمن هذا المطلب فرعين:
الفرع الأول: في الشريعة الإسلامية.
الفرع الثاني: في تطبيقات القوانين المدنية والقضاء.
والمبحث الثاني في: استعمال الحق بقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة وتطبيقاته:
المطلب الأول : استعمال الحق بقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة.
المطلب الثاني: تطبيقات استعمال الحق بقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة.
ويتضمن هذا المطلب فرعين:
الفرع الأول: في الشريعة الإسلامية.
الفرع الثاني: في تطبيقات القوانين المدنية والقضاء.
أما الخاتمة: فسأذكر فيها أبرز نتائج البحث والتوصيات.
أسأل الله العلي القدير أن يكون هذا البحث قد أصاب الحق فيما ذهب إليه، على أن هذا البحث يعد قاصراً لو قارناه بأهمية الموضوع، وختاماً أصلي وأسلم على رسولنا الكريم.
التمهيد
انتفاء المصلحة المشروعة
هذا المعيار يعول عليه في أغلب التشريعات الوضعية، كما أنه أوسع مجالاً في تطبيقاتها العملية، ومرد هذا المعيار أن الحقوق وسائل لتحقيق غايات مشروعة، بحيث لا يسوغ لصاحب الحق أن يستعمله في تحقيق أغراض تتنافى مع تلك الغاية، إعمالا لمبدأ أن للوسائل حكم غاياتها، وعلى ذلك فإنْ استعمل صاحب الحق حقه بغير وجه مشروع، أو كانت المصلحة ضئيلة بحيث لا تبرر الأَضرار الناجمة عن ذلك الاستعمال، أو كان الاستعمال لتحقيق مصلحة غير مشروعة، فإنَّ صاحب الحق يعد متعسفا في استعمال حقه.
فاستعمال الأَفراد لحقوقهم في الشريعة الإسلامية ليس مطلقا من كل قيد، بل هو مقيد بما يأتي:
1. ألا يؤدي استعمال الحق إلى إلحاق الضرر بالمصلحة العامة التي يعود نفعها على الناس كافة، أو بالمصلحة الخاصة التي يعود نفعها على بعض الأَفراد.
2. ألا يستعمل الحق في غير غاية أبداً ، بأن يستعمل لمجرد التلهي والتلذذ من غير أن يقصد به تحقيق نفع للفرد أو للجماعة.
3. ألا يستعمل في تحقيق غاية غير مشروعة، بأن يتخذ وسيلة للوصول إلى مآرب وغايات تتنافى مع مشروعية ذلك الحق.
4. أن يوازن بين المنافع والأضرار التي تنجم عن استعمال الحق، فإنْ غلب جانب المنفعة على جانب الضرر ساغ استعمال الحق، وإن غلب الضرر خرج عن دائرة المشروعية([3]).
وهذا المعيار على درجة كبيرة من الوضوح؛ لهذا فقد أشارت إليه الأحكام باطراد سواء في مجال استعمال حق الملكية، أو حق التعاقد، أو حق التقاضي أو في غيرها من الحقوق الأُخرى.
ويشمل هذا المعيار، فضلا عن انعدام المصلحة أو تفاهتها، استعمال الحق أيضا للإضرار بالغير، لأَنَّ استعمال الحق لمجرد الإضرار هو استعمال للحق بغير مصلحة معتبرة فيه لصاحبه.
وقد ذهب الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى إلى منع تصرف صاحب الحق إن هو قصد منه مجرد العبث، ولم يهدف إلى تحقيق أية مصلحة، وقد أَظهر أيضا أَنَّ تخير صاحب الحق في استعماله حقَّه وسيلةً أكثر إضرارا بالغير، يعني أنه قصد من هذا الاستعمال للحق على هذا النحو الإضرار بالغير.
وهو يقول في ذلك: “أما أن يكون إذا رفع ذلك العمل، وانتقل إلى وجه آخر في استجلاب تلك المصلحة، أَو درء تلك المفسدة حصل له ما أَراد أَولا، فإنْ كان كذلك فلا إشكال في منعه منه؛ لأَنه لم يقصد ذلك الوجه إِلا لأَجل الإِضرار، فلينتقل عنه ولا ضرر عليه، كما يمنع من ذلك الفعل إذا لم يقصد غير الإضرار”([4]).
وعليه فإِنَّ انتفاء المصلحة من استعمال صاحب الحق لحقه يتخذ قرينة على توفر قصد الإضرار لديه؛ لذا وجب منعه من استعماله على هذا النحو، ومن باب أولى فإنه يجب منعه إذا استعمل حقه على وجه سلبي، بأن يمنع غيره من الانتفاع بأرضه مثلاً، إذا ما ترتب على ذلك نفع كليهما([5]).
ومن تطبيقات انتفاء المصلحة المشروعة من الفعل أو استعمال الحق في الشريعة الإسلامية. فقد جاء في المدونة: “أرأيت لو أني أعرت رجلاً يبني في أرضي أو يغرس فيها، وضربت له لذلك أجلاً، فبني وغرس، فلما مضى الأجل أردت إخراجه، قال: قال مالك: يخرجه ويدفع إليه قيمة نقضه منقوضا إن أحب رب الأرض، وإن أبى قيل للذي بنى وغرس اِقلع نقضَك وغِراسَك ولا شيء لك غير ذلك([6])، قلت: وما كان لا منفعة له فيه إذا أنقضه، فليس له أن ينقضه في قول مالك”([7]). لأنه ليس في بقائها مضرة تلحق مالك الأرض وليس في رفعها منفعة تلحقه، ولكن في رفعها مضرة تلحق المستعير، ومن هذا الباب وصف فعله بالتعسف.
ويمتاز هذا المعيار بأنه يمزج بين العنصر الشخصي، والعنصر الموضوعي، إذ إنه يجب أن يلتمس فيه وجه المصلحة، كما يجب تقدير مشروعية هذه المصلحة. وقد يمكن أن يدخل في هذا المعنى القول بانضمام المعيار الشخصي لنية الإضرار، إلى المعيار المادي لوجهة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية([8]).
ويندرج تحت التعسف في استعمال الحق عدة حالات منها:
1. استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير.
2. استعمال الحق بقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة([9]).
وهما ما جعلتهما عنوانا لهذا البحث، وسأقوم بدراستهما دون التطرق إلى الحالات الأخرى؛ حتى لا يطول البحث، وعلَّ دراسةً أخرى تسعفني لاستكمال بقية الحالات والله المستعان.
المبحث الأول استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير وتطبيقاته
المطلب الأول: استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير:
هذه الحالة هي أبرز حالات استعمال الحق في غير وجهه، وفيها يكون الشخص قد استغل الحق الممنوح له، لا لتحقيق مصلحته التي منح هذا الحق لأجلها، ولكن ليلحق الضرر بالغير ويسيء إليه. ولهذا كانت هذه الحالة من أبرز حالات استعمال الحق بغير وجهه وأكثرها شيوعاً في الشرائع المختلفة لكثرة استعمال الأفراد حقوقَهم للنكاية بالآخرين والإضرار بهم، وقد استقر هذا في الشريعة الإسلامية والقضاء على الأخذ به.
والقصد إلى الإضرار بالغير ممنوع في الشريعة، فيمنع الفعل الذي اتخذ وسيلة للتعبير عنه، أو لتحقيقه؛ لأنه يتنافى وأغراض الشارع من تشريعه للحقوق([10]).
وقد اتفق الفقهاء جميعا على تحريم قصد الإضرار بالغير، فقد ورد في القرآن الكريم النهي عن الإضرار في مواضع منها:
1. قوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)[البقرة: 231].
2. وقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ)[البقرة: 233].
3. وقوله تعالى:(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ)[الطلاق: 6].
4. وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”([11]).
ويقول ابن رجب رحمه الله تعالى في هذا: “وبكل حالٍ فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الضَّرر والضِّرار بغير حق. فأما إدخال الضَّرر على أحد بحقٍّ، إما لكونه تعدّى حدود الله، فيعاقب بقدر جريمته، وإما لكونه ظلمَ غيرَه، فيطلب المظلومُ مقابلتهُ بالعدل فهذا غير مراد قطعاً، وإنما المراد: إلحاق الضرر بغير حق، وهذا على نوعين: أحدهما: ألا يكون في استعمال الحق غرض سوى الضرر بالغير، فهذا لا ريب في تحريمه وقبحه…”([12]).
ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى مؤيداً تحريم قصد الإضرار: “لا إشكال في منع القصد إلى الإضرار من حيث هو إضرار، لثبوت الدليل على أن لا ضرر ولا ضرار في الإسلام”([13]).
ونصت التشريعات العربية أيضا على منع استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير، فقد نص القانون المدني المصري مادة (5)، والعراقي مادة (7/ 2)، والمعاملات المدنية الإماراتي مادة (2/ 106)، على أن استعمال الحق يكون غير مشروع في أحوال أربع منها: (إذا توافر قصد التعدي).
واستعمال الحق بقصد الإضرار بالغير يُعَدُّ معياراً ذاتيا، أو شخصيا بحتا إذ إنه يتعلق بالقصد والنية، بمعنى أنه ينظر أساسا إلى نية صاحب الحق في استعماله، فإن كان لا يقصد بهذا الاستعمال إلا أن يضر بغيره دون أن تعود عليه هو من الاستعمال أي فائدة، كان متعسفا في هذا الاستعمال، كمن يقيم جداراً عاليا في أرضه أو يغرس أشجاراً لمجرد حجب الضوء أو الهواء عن جاره دون أن تكون لها فائدة، فانعدام المنفعة قرينة عن قصد الإضرار.
ويستخلص القضاء قصد الإضرار من انتفاء كل مصلحة في استعمال الحق استعمالاً يلحق الضرر بالغير متى كان صاحب الحق على بينة من ذلك([14])، “إن استعمال الحق دون منفعة، قرينة على أن-مستعمل الحق- لم يقصد سوى الإضرار بغيره، فنية الإضرار مفترضة في هذه الحال”([15]).
والذي يبدو أنه لا يلزم لزوماً مطلقاً من انتفاء المصلحة أو المنفعة في استعمال الحق توفرُ نية قصد الإضرار بالغير؛ فقد يستعمل صاحب الحق حقه على وجه غير وجه تحقيق المنفعة له، ولا يقصد من ذلك إلحاق الضرر بالغير، كمن يتلف طعاما له أو بعض ملابسه، فلا يلزم من ذلك إلحاق الضرر بالغير، ولا تعد نية الإضرار بالغير مفترضة، بل إن قولة (مفترضة) مفتقر لقبوله إلى وجود نص قانوني ينص على افتراض هذه النية فيما ذكر. إن انتفاء المنفعة في الاستعمال قد يكون عن جهل، أو غفلة أو عدم خبرة في استعماله، ومن ثمَّ فلا تشترط فيه نية خاصة حين البحث في النية، لكن قصد الإضرار بالغير نية خاصة، فمثلا لا بد للدائن (المضرور) من إثباتها.
ومع ذلك فإن تطبيق هذا المعيار يقتضي الاستعانة بمعيار موضوعي هو مسلك الرجل المعتاد في هذا الموقف، إذ إن مجرد نية الإضرار، بمعنى الإضرار العمد لا يكفي بذاته للقول بوجود انحراف في السلوك، فالشخص قد يستعمل حقه ويتعمد الإضرار بغيره، ومع ذلك لا يعتبر منحرفا إذا كان استعمال حقه على هذا النحو يحقق له نفعا كبيرا يفوق بكثير الضرر الذي سيصيب الغير، أما إذا انطوى استعمال الحق على قصد الإضرار بالغير، دون أن يقترن ذلك بتحقيق أية مصلحة لصاحب الحق، أو بتحقيق مصلحة ثانوية، أو تحققت مصلحة له بطريقة عرضية غير مقصودة، فإنه يكون متعسفا في استعمال حقه طبقا لمسلك الشخص المعتاد في مثل هذه الظروف([16]).
والظاهر مما تقدم أن الممنوع هو قصد إلحاق الضرر بالغير من غير حق، أما إدخال الضرر على أحد يستحقه، إما لكونه تعدى حدود الله فيعاقب بقدر جريمته، أو لكونه ظلم غيره، فيطلب المظلوم مقابلته بالعدل، فهذا غير ممنوع قطعا ولا يعد فاعله مسيئا، فهذا فعل في دفع الظلم، واستعماله مشروع، وقد يجب استعماله حسب الأحوال.
ومما تقدم أيضا يمكن وضع شرطين لتحقق هذا المعيار هما:
1. أن يقصد صاحب الحق بفعله إلحاق الضرر بالغير.
2. أن يتمحص قصده لذلك، بحيث لا يصحبه قصد إلى شيء آخر من وراء هذا الفعل، كالقصد إلى تحقيق منفعة ولو ضئيلة منه.
فإذا صحب قصد الإضرار بالغير قصد تحصيل منفعة ما ولو تافهة، لم يكن الفعل محكوما بهذا المعيار، وإن كان في ذاته يعتبر إساءة لاستعمال الحق، ويحكمه معيار آخر وهو عدم التناسب بين مصلحة صاحب الحق والضرر الذي يلحق الغير([17]).
فالعبرة في تحقق هذا المعيار هو قصد الإضرار بالغير من غير أن يصحبه قصد إلى شيء آخر، ولا يهم بعد ذلك أن يترتب عليه نفع مادام هذا النفع غير مقصود.
ويدخل في معيار قصد الإضرار بالغير- من حيث القضاء- كل فعل لم يقم فيه دليل معين على قصد الإضرار بالغير، ولكن هذا الفعل قد خلا من المصلحة وتجرد من الفائدة، فإن انعدام المصلحة من الفعل يعتبر قرينة في القضاء على قصد الإضرار بالغير، إذ الأصل أن أفعال العقلاء لا تخلو من المصلحة، فإذا لم يحقق الفعل مصلحة ما ولو ضئيلة كان ذلك قرينة على قصد الإضرار بالغير، فيكون الفاعل مسيئا في هذا الاستعمال([18]).
ويجب أن يثبت المتضرر أن صاحب الحق، وهو يستعمل حقه قصد إلى إلحاق الضرر به، وله إثبات هذا القصد بجميع طرق الإثبات، ومنها القرائن المادية، ولا يكفي إثبات أن صاحب الحق تصور احتمال وقوع الضرر من جراء استعماله لحقه على الوجه الذي اختاره، فإن تصور احتمال وقوع الضرر لا يفيد ضرورة القصد في إحداثه. فلو أن شخصاً يملك أرضاً للصيد، وصاد فيها، فأصاب شخصاً آخر دون أن يتعمد ذلك، فإنه لا يكون لديه قصد الإضرار بالغير، حتى لو ثبت أنه تصور احتمال وقوع هذه الإصابة، ولا يعد هذا التصرف تعسفاً، لا باعتبار أنه ينطوي على قصد الإضرار بالغير، ولا بأي اعتبار آخر.
فإذا أقام المتضرر الدليل على نية الإضرار، اعتبر مستعمل الحق متعسفاً في استعماله ومسؤولاً عن الأضرار التي وقعت بموجب أحكام ضمان الفعل الضار، وعلى المدعى عليه أن يثبت العكس لينجو من المسؤولية([19]).
ويرى الدكتور السنهوري في باب الإثبات أنه لو لم يقم الدليل القاطع على وجود القصد في إحداث الضرر، ولكن الضرر وقع فعلاً وتبين أنه لم يكن لصاحب الحق أية مصلحة في استعمال حقه على الوجه الذي أضر فيه بالغير، فإنه يرى أن انعدام المصلحة هنا انعداماً تاماً قرينة على قيام القصد بإحداث الضرر، كما يدل الخطأ الجسيم على سوء النية. ويؤيد السنهوري بقوله الاتجاه الفقهي الذي يرى أن غياب أي مصلحة لمستعمل الحق مع وقوع الأضرار بالغير قرينة على توفر قصد الأضرار بالغير لدى مستعمل الحق، وهذه القرينة بالضرورة هي بسيطة قابلة لإثبات العكس الدليل القانوني المعتبر([20]).
وقد اختلف الشراح في التشريعات الوضعية في الإجابة عن هذا السؤال: هل يجب أن يكون قصد الإضرار بالغير هو القصد الوحيد من استعمال الحق أم لا؟ فذهب بعضهم إلى أنه يكفي أن يكون قصد الإضرار بالغير هو العامل الأصلي الذي دفع صاحب الحق إلى استعمال حقه، ولو كان ذلك مصحوباً بنية جلب منفعة كعامل ثانوي. وذهب بعضهم الآخر إلى أنه يجب لإعمال المعيار -نظراً لصراحة النص- أن يكون قصد الإضرار هو القصد الوحيد([21]). وقد تقدم ترجيحنا للرأي الأول.
المطلب الثاني: تطبيقات استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير:
الفرع الأول: في الشريعة الإسلامية:
اتفق الفقهاء جميعاً على تحريم قصد الإضرار بالغير، وعلى تأثيم من يفعل ذلك وأنه يستوجب الجزاء الأخروي، إلا أن الحنفية لا يوجبون الضمان إذا كان الشخص مستعملا لحقه ولحق بغيره ضرراً إلا إذا قصد إلحاق الضرر به، وتدل ظروف الحال على توفر هذه النية، ولا والأمثلة التي ستأتي تدل على ذلك وحجتهم- والله أعلم- أن استعماله في خارج القيد المذكور مشروع، وأن على الغير منع وصول أو اتصال الضرر به، وذلك تكليفه وليس تكليف مستعمل الحق. وإذا كان استعماله مشروعا فهو لا يسأل عليه ديانة ولا قضاء، ونورد هنا المسائل الفقهية من المذاهب المختلفة التي تبين ذلك كما يأتي:
1. جاء في مجمع الضمانات: رجل أراد أن يحرق حصائد أرضه، فأوقد النار في حصائده، فذهبت النار إلى أرض جاره، فأحرق زرعه، لا يضمن، إلا أن يعلم أنه لو أحرق حصائده تتعدى النار إلى زرع جاره([22])، لأنه إذا علم كان قاصداً إحراق زرع غيره. قالوا: إن كان زرع غيره يبعد عن حصائده التي أحرقها، وكان يأمن من أن يحترق زرع جاره، ولا يطير شيء من ناره إلا شرارة أو شرارتان؛ فحملت الريح ناره من أرضه إلى أرض جاره فانحرق زرع الجار وكدسه([23])، لا يضمن، فإذا كانت أرض جاره قريبة من أرضه، بأن كان الزرعان ملتصقين أو قريبين من الالتصاق على وجه يعلم أن ناره تصل إلى زرع جاره يضمن صاحب النار زرع الجار.
وكذلك رجل له قطن في أرضه، وأرض جاره لاصقة بأرضه، فأوقد النار من طرف أرضه إلى جانب القطن، فأحرقت ذلك القطن كان ضمان القطن على الذي أوقد النار، لأنه إذا علم أن ناره تتعدى إلى القطن كان قاصداً إحراق القطن([24]).
2. وفي كتاب الخراج لأبي يوسف رحمه الله تعالى: في الرجل يكون له النهر الخاص، فيسقي منه حرثه ونخله وشجره، فينفجر من ماء نهره في أرضه فيسيل الماء من أرضه إلى أرض غيره فيغرقها، هل يضمن؟ قال: ليس على رب النهر في ذلك ضمان، من قبل أن ذلك في ملكه، وكذا لو نزت أرض هذا من الماء ففسدت، لم يكن على رب الأرض الأولى شيء، وعلى صاحب الأرض التي غرقت ونزت أن يحصن أرضه. ولا يحل لمسلم أن يتعمد أرضاً لمسلم أو ذمي بذلك ليغرق حرثه فيها، يريد بذلك الإضرار به، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرار، وقد قال: “ملعون من ضار مسلماً أو غيره”([25]).
وإن عرف أن صاحب النهر يريد أن يفتح الماء في أرضه للإضرار بجيرانه والذهاب بغلاتهم، وتبين ذلك فينبغي أن يمنع من الإضرار بهم([26]).
3. وفي معين الحكام: “قال ابن عتاب: الذي أقول به وأنقله من مذهب مالك أن جميع الضرر يجب قطعه، إلا ما كان من رفع بناء من هبوب الريح وضوء الشمس وما كان في معناهما، إلا أن يثبت القائم في ذلك أن محدث ذلك أراد الضرر بجاره”([27]).
وقال: “وإن من يحفر بئراً في ملكه أو غير ملكه ليتلف سارقاً، فقد روى ابن وهب عن مالك يُضَمَّن السارقَ وغيرَه. ومن حدد قضيباً أو عيداناً فجعلها ببابه لتدخل في رجل من يريد الدخول في حائطه من سارق أو غيره، فإنه يُضَمَّنُ، وكذلك من جعل على حائطه شركاً يستضر به من يدخل أو رش قناة، يريد بذلك أن يزلق من يمر به من إنسان أو غيره، فهذا يضمن في هذه الوجوه”([28]).
نرى من هذه النصوص أن يمنع من إجراء الماء في ملكه، أو فعل أي شيء فيه، إذا كان الغرض من ذلك هو الإضرار بالغير، وأنه إذا أصاب الغير ضرر في هذه الحالة كان على المالك ضمان ما تلف بسبب سوء استعمال حقه.
4. ومن تطبيقات هذا المعيار منع المضارة في الرجعة. قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: “من راجع امرأته قبل انقضاء عدتها ثم طلقها من غير مسيس، أنه قصد بذلك مضارتها بتطويل العدة، لم تستأنف العدة وبنت على ما مضى، وإن لم يقصد ذلك استأنفت عدة جديدة”([29]).
5. ومنها منع المضارة في الرضاع. قال مجاهد في قوله تعالى: (لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا) قال: لا يمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك([30])، وقال عطاء وقتادة والزهري وسفيان والسدي وغيرهم: إذا رضيت ما يرضى به غيرها فهي أحق به. وهذا هو المنصوص عند أحمد ولو كانت الأم في حبال الزوج. وقيل: إن كانت في حبال الزوج فله منعها من إرضاعه، إلا أن يمكن ارتضاعه من غيرها، وهو قول الشافعي وبعض الحنابلة، لكن إنما يجوز ذلك إن قصد الزوج به توفير الزوجة للاستمتاع بها لا مجرد إدخال الضرر عليها([31]).
6. اشترط الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- في الوكيل بالخصومة أن يرضى عنه الخصم فيها، إلا إذا كان الموكِّل يقوم به عذر يمنعه من الخصومة بنفسه لمرض، أو به سفر، أو أن الخصومة من امرأة مخدرة لا تخرج، فإن التوكيل حينئذ يجوز بغير رضا الخصم، وخالف الصاحبان في ذلك، وذهبا إلى إطلاق حرية الموكِّل في اختيار وكيله؛ لأنه يتصرف في خالص ملكه. وقد اختار الإمام السرخسي العمل برأي أبي حنيفة إذا علم من الموكل قصد الإضرار بخصمه في اختيار وكيله. والعمل برأي الصاحبين إذا علم من الخصم الآخر التعنت في رفضه للوكيل وقصد الإضرار بالموكل، وهذا هو المختار عند المتأخرين في المذهب الحنفي. وأساس هذا الاختيار منع كل من المتخاصمين من إساءة استعمال الحق([32]).
7. قال المالكية في باب الدعاوى بالتهم والعدوان: “لو ادعى رجل غصباً على رجل من أهل الخير والدين والأدب. قال أشهب: لا يؤدب، وهل يحلف المدعى عليه في هذه الصورة وما يماثلها أم لا؟ قالوا: إن كان المدعى به حقاً لله لم يحلف، وإن كان حقاً لآدمي، فعن مالك قولان مبنيان على جواز سماع هذه الدعوى. والصحيح أنها لا تسمع في هذه الصورة، ولا يحلف المدعى عليه، لئلا يتطرق الأرذال والأشرار إلى أذية أهل الفضل والاستهانة بهم، وقال ابن الهندي: الأيمان التي فيها التهم والظنون لا تجب على المدعى عليه حتى يثبت أنه ممن تلحقه مثل هذه التهمة، فإذا ثبت ذلك حلف وليس له رد اليمين”([33]).
8. وجاء في بعض كتب الحنابلة: “دعاوى التهم وهي الأفعال المحرمة كدعوى القتل، وقطع الطريق، والسرقة، والقذف، والعدوان هنا ينقسم المدعى عليه إلى ثلاثة أقسام: فإن المتهم إما أن يكون بريئاً ليس من أهل التهمة، أو فاجراً من أهلها، أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم حاله. فإن كان بريئاً لم تجز عقوبته اتفاقاً. أما المتهِم له فعقوبته على قولين: أصحهما يعاقب صيانة كتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض البِراء”([34]).
9. قال الحنابلة في باب الصلح: “ليس للمالك التصرف في ملكه بما يضر جاره نحو أن يبني فيه حماماً بين الدور، أو مخبزاً بين العطارين، أو يجعله دار قصارة تهز الحيطان، أو يحفر بئراً تجتذب ماء بئر جاره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”([35])، ولأنه تصرف يضر بجيرانه فمنع منه، كالدق الذي يهز الحيطان. وليس له سقي أرضه بما يهدم حيطانهم، وإن كان له سطح أعلى من سطح جاره، فعلى الأعلى بناء سترة بين ملكيهما، ليدفع عنه ضرر نظره إذا صعد سطحه”([36]).
الفرع الثاني: في القانون المدني والقضاء:
وهناك أمثلة ذكرها القانونيون، وقضايا حكمت بها المحاكم ضد المسيء في استعمال حقه بقصد الإضرار بالغير، ونصوصٌ في القانون المدني نذكر منها ما يأتي:
1. نصت المادة (1136) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي بأن: “للمالك أن يتصرف في ملكه تصرفا مطلقا ما لم يكن تصرفه مضرا بغيره ضررا فاحشا، أو مخالفا للقوانين، أو النظم المتعلقة بالمصلحة العامة، أو المصلحة الخاصة”.
2. جاء في قانون المعاملات الإماراتي، مادة (1139): “حجب الضوء عن الجار يعد ضررا فاحشاً فلا يسوغ لأحد أن يحدث بناء يسد به نوافذ بيت جاره سداً يمنع الضوء عنه وإلا جاز للجار أن يطلب رفع البناء دفعاً للضرر”.
فاستعمال الحق بقصد جلب منفعة شخصية لصاحبه أمر شرعي لا غبار عليه، ولو أدى إلى ضرر الغير، أما إذا كان القصد من استعمال الحق هو مجرد الإضرار بالغير، فهو غير مباح قانوناً؛ لأن قصد الإضرار بذاته سبب غير شرعي يجرد استعمال الحق من مشروعيته([37]).
3. كما نصت المادة (1143) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على ما يأتي:
1- لا يجوز للجار أن يجبر جاره على إقامة حائط، أو غيره على حدود ملكه، ولا على النزول عن جزءٍ من حائط، أو من الأرض القائم عليها الحائط.
2- وليس لمالك الحائط أن يهدمه دون عذر قوي، إن كان هذا يضر بالجار الذي يستتر ملكه بالحائط.
تحظر هذه المادة على الجار أن يجبر جاره على إقامة حائط أو غيره على حدود ملكه، كما لا تجيز له أن يجبره على النزول عن جزء من حائط أو من الأرض القائم عليها. وفي مقابل ذلك فليس لمالك الحائط أن يهدمه دون عذر قوي إن كان هذا الهدم يضر بالجار الذي يستتر ملكه بالحائط([38]).
4. نصت المادة (1144) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على ما يأتي:
1- على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار.
2- وليس للجار أن يرجع على جاره، في مضار الجوار المألوفةِ، التي لا يمكن تجنبها، وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار، إذا تجاوزت الحد المألوف، على أن يراعي في ذلك العرف، وطبيعة العقارات، وموقع كل منهما بالنسبة إلى الآخر، والغرض الذي خصصت له. ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق.
وتحظر هذه المادة الغلو في استعمال المالك ملكه استعمالاً يضر بملك الجار ولا تجيز للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها، وإنما تجيز له إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف مع مراعاة العرف وطبيعة العقارات، وموقع كل منهما بالنسبة إلى الآخر، والغرض الذي خصصت له، ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق([39]).
المبحث الثاني استعمال الحق بقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة وتطبيقاته
المطلب الأول: استعمال الحق بقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة:
وهذا المعنى يتحقق في استعمال الحق في المصلحة غير المشروعة.
ومقتضى هذا المعيار أنَّه لا يكفي أن تكون المصلحة التي ينشدها صاحب الحق من وراء استعماله لحقه ذات نفع له، بل يجب أن تكون هذه المصلحة مشروعة أيضا،ً لأن الحقوق إنما شرعت لتحقيق غايات نبيلة، ومصالح عامة، أو خاصة، ولم تشرع عبثا،ً أو لمجرد التلهي بها، أو لقصد الإفساد وإلحاق الأذى بالغير، فينبغي أن يستعمل الحق في الغايات المشروعة التي منح الحق من أجلها، ولا يجوز أن يستعمل الحق فيما لم يشرع ذلك الحق من أجله([40]).
ولم يعتبر أبو زهـرة – رحمه الله تعالى- هذا النوع، حيث اعتبر المنافع غير المشروعة حرامًا في ذاتها، فقال: “وأما الفقرة من المادة (45) من القانون المصري: وهي ما إذا كانت المصالح غير مشروعة، فإن من يفعل ذلك لا يعد ابتداء قد استعمل حقه، حتى يعتبر قد أسيء استعماله؛ لأن المنافع غير المشروعة حرام في ذاتها، فتكون ممنوعة في الإسلام بأصل عدم المشروعية”([41]).
ولكن قد يكون للتشريعات الوضعية حجتها في النظر القاصر على استعمال الحق دون غايته وعلى ربطها بالغاية مرة أخرى، ونظرة أخرى في خطورة اللامشروعية.
فقد تؤثر المصلحة غير المشروعة في التصرف المفضي إليها تأثيرا كبيرا فتضفي عليه حكم البطلان، كمن يهب مالاً لامرأة لإقامة علاقة غير مشروعة.
وقد يقل حجم تأثيرها في التصرف فتضفي عليه حكم الفساد كما في عقود العينة عند الحنفية([42])؛ لأن الغاية منها الربا. وقد تؤثر على التصرف فتجعله غير لازم أو غير نافذ، فحالة اللا لزوم كما في التغرير الذي يصحبه غبن فاحش؛ فالتغرير ها هنا إنما هو لحمل الطرف الآخر على التعاقد، وما كان ليبرم هذا العقد لو تبين حقيقة الأمر.
وحالة اللانفاذ كما في تصرفات الدائن بقصد الإضرار بدائنه، وتصرفات المريض مرض الموت تصرفات ضارة بالورثة.
وقد أخذت القوانين المدنية بهذا المعيار، فقد جاء في القانون المدني المصري المادة (5/جـ)، والعراقي المادة (7/ 2)، ما نصه: “يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية:…(جـ) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة”([43]).
ولقد فصلت المادة (106) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي نطاق استعمال الحق، وأوجبت الضمان على من استعمل حقه استعمالاً يرمي إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة، ونصها:
“1. يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالا غير مشروع.
2. ويكون استعمال الحق غير مشروع:
أ- إذا توافر قصد التعدي.
ب- إذا كانت المصالح التي أريد تحقيقها من هذا الاستعمال مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية أو القانون أو النظام أو الآداب.
ج- إذا كانت المصالح المرجوة لا تتناسب مع ما يصيب الآخرين من ضرر.
د- إذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة”([44]).
ووصف استعمال الحق بأنه “غير مشروع”، يوحي بأنه فعل يجاوز حدود الحق الموضوعية، أو أنه غير مشروع أصلاً، كصورة من صور الخطأ، بينما استعمال الحق فعل مشروع في الأصل.
ومن صور لا مشروعية المصلحةُ المتوخاةُ من استعمال الحق، استعمالُ الشخص حقَّه لا لمجرد الإضرار بالغير، بل لمصلحة شخصية له لا تتناسب مع الضرر الذي يسببه للغير؛ وذلك لأن الحقوق إنما تقررت لأصحابها ليحققوا بها مصالح يحميها القانون، لا لتحقيق مصالح غير مشروعة، فمن يستعمل حقه لتحقيق مصلحة غير مشروعة مهما عظمت هذه المصلحة، يسيء استعمال حقه ويعد مخطئاً خطأ يوجب مسؤوليته عما يسببه ذلك من ضرر بالغير([45]).
لقد آثر قانون المعاملات المدنية أن يستعمل تعبير “المصلحة غير المشروعة” بدلاً من التعابير الأخرى التي يرى أنها أقل وضوحاً منه كالهدف الاجتماعي للحق، أو الغرض غير المشروع.
فالغرض غير المشروع يتلخص في أن صاحب الحق يكون متعسفاً في استعمال حقه، إذا كان الغرض الذي يرمي إليه غرضاً غير مشروع، والظاهر أن معيار “المصلحة غير المشروعة” خير من معيار “الغرض غير المشروع” وإذا كان كلاهما يؤدي إلى نتيجة واحدة، فإن معيار “المصلحة غير المشروعة” هو تعبير موضوعي يغاير المعنى الذاتي، الذي ينطوي عليه معيار “الغرض غير المشروع” فهو إذن أدق من ناحية الانضباط، وأسهل من ناحية التطبيق.
أما معيار الهدف الاجتماعي فإن القانون أعطى لأصحابها حق تحقيق أهداف اجتماعية، فكل حق له هدف اجتماعي معين؛ فإذا انحرف صاحب الحق في استعمال حقه عن هذا الهدف، كان متعسفاً وحقت مسؤوليته.
وعيب هذا المعيار -معيار الهدف الاجتماعي- بالرغم من كونه موضوعياً، هو صعوبة تحديد الهدف لكل حق من الحقوق، ثم خطر هذا التحديد. أما صعوبة التحديد فلأنه ليس من اليسير أن يُرْسَمَ لكل حق هدف اجتماعي، أو اقتصادي يكون منضبطاً إلى الحد الذي يُؤْمَنُ معه التحكم، وُيَّتقَى به تشعب الآراء.
وأما خطر التحديد، فلأن الهدف الاجتماعي هو الباب الذي ينفتح على مصراعيه؛ لتدخل منه الاعتبارات السياسية، والنزعات الاجتماعية، والمذاهب المختلفة، مما يجعل استعمال الحقوق خاضعاً لوجهات من النظر متشعبة متباينة، وهذا من الخطر ما فيه. أما معيار “المصلحة غير المشروعة” فهو أبعد عن التحكم، وأدنى إلى الاعتبارات القانونية المألوفة([46]).
تعليقاً على ما تقدم أرى بأن تعبير “المصلحة غير المشروعة” نفسه يظل مع ذلك غير واضح كل الوضوح.
ومعيار المصلحة غير المشروعة، وإن كان معياراً مادياً من حيث الظاهر؛ إلا أن الدوافع، أو البواعث النفسية هي التي توجه الاستعمال إلى تحقيق تلك المصلحة، وقد قيل إن التلازم قائم بين الدافع النفسي غير المشروع، والمصلحة غير المشروعة في أكثر الأحوال؛ فكان معياراً مادياً في ظاهره، شخصياً ذاتياً في باطنه، وهو ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري بقولها: “وإذا كان المعيار- معيار المصلحة غير المشروعة- في هذه الحالة مادياً في ظاهره، إلا أن النية قد تكون العلة الأساسية لنفي صفة المشروعية عن المصلحة”([47]). فالنية السيئة، أو نية الإضرار في حد ذاتها تجعل العمل المشروع في ذاته غير مشروع. وهذا في تقديري محل نظر ويمكن الرد على ذلك بالقول: أن لا مشروعية المصلحة قيست بميزان التعارض بين المصالح، ومعيار ذلك موضوعي، فَبُعدَ لذلك اعتبار النية عّلة لا مشروعية المصلحة، وإلا وجب إثبات هذه النية السيئة، ووقع عبء إثباتها على من وقع علية الضرر.
ولا يقتصر هذا المعيار على ما يكون تحقيقه من مصلحة مخالفاً لأحكام نصوص القانون، بل تكون المصلحة غير مشروعة، إذا ما تعارض تحقيقها مع النظام العام، أو الآداب، أو المقتضيات الاقتصادية، والاجتماعية([48]).
وقد ذهب البعض إلى انتقاد هذا التأصيل بحجة أنه يسلب المصلحة غير المشروعة الكثيرة من قيمتها وجدواها؛ لأن النظر إلى المصلحة غير المشروعة على أنها تخالف أحكام القانون، أو النظام العام، أو الآداب العامة، لا يكون قد ضيق معنى المصلحة غير المشروعة إلى حد لم يبق معه مجال لتقدير فحسب-اللهم إلا ما تعلق بتقدير النظام العام والآداب العامة- بل يكون في الواقع ومن حيث النتيجة قد سلب النظرية في معيارها المادي الكثير من قيمتها؛ لأن الخروج على أحكام القانون، أو مبادئ النظام العام، والآداب، يمكن أن يعتبر بحد ذاته سبباً مباشراً لمؤاخذة الشخص الذي يستعمل حقه لهذه الغاية.
ويمكن الرد على ذلك بالقول: إن الحكم بعدم مشروعية المصلحة وسيلة للحكم بعدم مشروعية الوسائل المفضية إليها طبق للقاعدة: (للوسائل حكم مقاصدها) لا تكون الوسائل في ذاتها غير مشروعة.
وقد نص القانون المدني المصري مثلاً في المادة (776) على أن: “على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار…”، فوضع بذلك قيداً قانونياً في عدم الغلو باستعمال الحق، الذي من شأنه أن يجعل المخالف معتدياً ومتجاوزاً حدود حقه ومن ثمَّ مسؤولاً دون حاجة إلى الرجوع إلى نظرية التعسف، ألا ترى قول المشرع: “ألا يغلو في استعمال حقه” فكيف يكون حقه وهو منفي عنه قانونا للمخالفة؟ بل الأمر أو الحكم ورد على الغلو في الاستعمال، لا على الحق، ولا على ذات الاستعمال.
ويؤيد ذلك ما ذهبت إليه بعض الشرائع من: “أن التعسف في استعمال الحق طريقة استثنائية منحها الشارع لمن يذهب ضحية استعمال حق ليست هنالك ثمة سبيل أخرى لإبطالها”([49]).
ولو سلمنا أن استعمال الحق فيما يخالف حكماً من أحكام القانون، أو النظام العام، أو الآداب لا يعد تعسفاً في الاستعمال، وإنما تجاوزاً لحدود الحق، ويكون صاحب الحق في هذه الحالة متعدياً لا متعسفاً في استعماله، للزم من ذلك القول بأن ما نص عليه المشرع في المادة (5) من القانون المدني المصري، يعد قيوداً فرضها المشرع على استعمال كل الحقوق، وإن عدم التقيد بها يُعَدّ خروجاً على حدود كل حق، وليس تعسفاً في استعماله، وبالتالي تنهار نظرية التعسف من أساسها.
أضف إلى ذلك بأن الذين قالوا بأنه تجاوز على حدود الحق، قد اختلفوا في التطبيق، فمثلاً يذهب البعض إلى أن منع المالك من الإضرار بالجوار إضراراً غير مألوف يعد كالقيد على حق الملكية، وأن مخالفته تتعد تجاوزاً لحدود الحق، لا تعسفاً في استعماله، في حين يراه آخرون تعسفاً في استعمال الحق([50]).
ويرى بعضهم أن فصل رب العمل للعامل لمجرد انتمائه إلى نقابة العمال تَعَدٍّ ومجاوزة لحدود الحق، الذي نشأ لصاحب الحق من تعاقده مع العامل، في حين أن البعض الآخر يرى أن استعمال رب العمل حقه في إنهاء عقد العمل بدافع الانتقام من العامل -وقد يكون سبب هذا الدافع إلى الانتقام من العامل انتماءه إلى نقابة عمال تسعى لحماية حقوقه- يعد تعسفاً في استعمال هذا الحق على هذا النحو، وإذا ما انتفى هذا الدافع انتفى التعسف([51]).
أضف إلى ذلك أن هناك فرقا بين التعسف وتجاوز الحق من حيث وصف الفعل، فالفعل في حالة التجاوز ممنوع لذاته وغير مشروع ابتداء، فالمتجاوز للحق يكون مخالفاً لجوهر الحق وذاته، فهو ممنوع بكل حال، أما في حالة التعسف، فالفعل مشروع بحسب أصله، فهو غير محظور ابتداء، والتصرف يكون في نطاق ذات الحق وجوهره، لكن اقترانه بوصف غير مشروع -وهو الإضرار بالغير- نقله من نطاق الإباحة إلى حيز المنع([52]).
وهناك من يأخذ على عبارة القانون المدني المصري قوله: المصالح التي “يُرْمَى” إلى تحقيقها؛ لأن كلمة “يرمى” أو “يُتَوَخَّى” تتضمن في ذاتها عنصراً نفسياً من عناصر القصد، والنية، أو الرغبة على الأقل، وكلها من العناصر التعسفية المعنوية، أو الذاتية، بحيث لو أردنا أن نتمسك بظاهر اللفظ؛ لأجزنا لمستعمل الحق أن يقيم الدليل على عدم توخيه هذه المصالح غير المشروعة، وبالتالي لعدنا عودةً غير مباشرة إلى المعيار الشخصي أو الذاتي.
ويرد على ذلك: بأن المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري عندما قالت: إن اعتبار المصالح غير مشروعة لا يقتصر على مخالفة أحكام القانون، بل يشمل كذلك مخالفة المنفعة المتوخاة للنظام العام، والآداب العامة، وحين أضافت أن النية كثيراً ما تكون دليلاً على عدم المشروعية. تكون قد ضيقت حدود النظرية أكثر مما يمكن أن يستفاد من عمومية النص وإطلاقه، كما تكون قد أرادت أَلاَّ تخرج بعيداً عن المعيار الشخصي، أو الذاتي، إلى المعيار المادي البحت([53]).
المطلب الثاني: تطبيقات استعمال الحق بقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة:
الفرع الأول: في الشريعة الإسلامية:
لا خلاف بين الفقهاء في الأخذ بهذا المعيار؛ لأنه يحيل على المصالح التي بنيت عليها الشريعة، فأحكام الشريعة معللة بمصالح العباد، وإن في التعسف في استعمال الحق معارضة لتلك المصالح؛ فكان في إجازة التعسف هدم لقواعدها، وإنما الخلاف في التطبيقات، وفي الوسيلة التي يتوصل بها إلى كشف القصد، أو الباعث.
ولهذا المعيار تطبيقات على جانب كبير من الأهمية في نطاق حقوق الأسرة، كالحقوق التي تقتضيها الولاية على النفس، أو المال، والحقوق التي يقتضيها التوكيل بالزواج، ونورد بعض التطبيقات في الشريعة الإسلامية لهذا المعيار:
1. حق الولاية على النفس والمال:
شرعت الولاية على النفس والمال؛ لرعاية مصلحة المُوَلَّى عليه، وتحقيق الخير له وصلاح أمره في نفسه وماله.
ولذلك تثبت في الشريعة الإسلامية لمن كان شأنه الحرص على منفعة المولى عليه بسبب ما بينهما من قرابة ونحوها، مما يستوجب الشفقة والعطف وحسن الرعاية، فإذا استعمل الولي هذا الحق في غير ما شرع من أجله، كان متعسفاً في هذا الاستعمال، فلا يصح تصرفه، ولا يترتب عليه أي أثر.
ومن شواهد ذلك من المسائل الفقهية ما يأتي:
أ- في المذهب الحنفي: وقع الاتفاق بين أبي حنيفة وصاحبيه- رحمهم الله تعالى- على صحة هذا المبدأ، وهو أن تصرفات الولي منوطة دائماً بمصلحة المولى عليه، فيشترط لصحة تصرف الولي في مال القاصر، أو نفسه أن يكون ذلك التصرف في مصلحة القاصر، وعلى وجه النظر له . ولكن وقع الخلاف بين الإمام وصاحبيه في بعض تطبيقات هذا المبدأ.
فقد قال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى-: “يجوز للأب، أو الجد أن ينقص من مهر الصغيرة، وأن يزيد من مهر زوجة الصغير، ولو كان النقص، أو الزيادة مما لا يتسامح الناس فيه عادة، ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد من الأولياء.
وقال الصاحبان رحمهما الله تعالى: لا يجوز الحط من مهر الصغيرة، ولا الزيادة في مهر زوجة الصغير إلا بما يتغابن الناس فيه عادة، سواء كان ذلك من الأب، أو الجد، أو غيرهما”([54]).
وتعليل ذلك عندهما: أن الولاية مقيدة بشرط النظر للقاصر، فعند فواته لا يصح العقد؛ وهذا لأن الحط عن مهر المثل، والزيادة عليه ليس من النظر كما في البيع؛ ولهذا لا يجوز لغيرهما من الأولياء. وعلل مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى: بأن الحكم يدار على دليل النظر، وهو قرب القرابة، وفي النكاح مقاصد تربو على ذلك، بخلاف البيع فإن المقصود به المالية؛ فإذا فاتت فات النظر، بخلاف غيرهما من الأولياء؛ لأن دليل النظر لم يوجد فيه، وهو قرب القرابة ووفور الشفقة.
وقد وضّح ذلك الكمال بن همام رحمه الله تعالى بقوله: “ولأبي حنيفة أن النظر وعدمه في هذا العقد ليس من جهة كثرة المال وقلته، بل باعتبار أمر باطن، فالضرر كل الضرر بسوء العشرة، وإدخال كل منهما المكروه على الآخر، والنظر كل النظر في ضده في هذا العقد، وأمر المال سهل غير مقصود فيه، بل المقصود فيه ما قلناه، فإذا كان باطناً يعتبر دليله فيعلق الحكم عليه، ودليل النظر قائم هنا، وهو قرب القرابة الداعية إلى وفور الشفقة مع كمال الرأي ظاهراً، بخلاف غير الأب والجد من العصبات، والأم، لقصور الشفقة في العصبات، ونقصان الرأي في الأم، وهذا معنى قوله: والدليل عدمناه في حق غيرهما، فلا يصح عقدهم لذلك… وأما المال فهو المقصود في التصرف المالي، لا في أمر آخر باطن ليحال النظر عليه عند ظهور التقصير في المال، فلهذا لا يجوز تزويجه أَمَتها بغبن فاحش؛ لأنه إضاعة مالها، لأن المهر ملكهما، ولا مقصود آخر باطن يصرف النظر إليه، فلا يعول عليه، ويدل على ذلك تزويج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة من علي بأربعمائة درهم، ولا شك في أنه دون مهر مثلها، لأنها أشرف النساء، فيلزم ألا مهر أكثر منه، بل إلا وهو أقل منه، أو أنها دون مهر مثلها، والأول منتف، فلزم الثاني”([55]).
وهذا التوجيه من الجانبين يدل على اتفاق الإمام وصاحبيه من حيث المبدأ، فشرط صحة التصرف عندهم جميعاً هو: رعاية مصلحة الصغير، والخلاف إنما هو في تقدير تلك المصلحة.
ومما يؤيد ذلك أن أبا حنيفة وصاحبيه متفقون على أن تصرفات الولي، أو الوصي- سواء كان أباً، أو جداً، أو غيرهما- في مال القاصر يشترط في صحتها أن تكون على وجه النظر والمصلحة للقاصر، فلا يجوز للولي أو الوصي التبرع بمال القاصر، ولا الإبراء من ديونه، ولا بيع ماله بغبن لا يتسامح الناس فيه عادة.
ب- جاء في المدونة: “أرأيت إن زوج الصغيرة أبوها بأقل من مهر مثلها، أيجوز ذلك عليها في قول مالك؟ قال: سمعت مالكاً يقول: يجوز عليها نكاح الأب، فأرى إن زوجها الأب بأقل من مهر مثلها، أو بأكثر، فإن ذلك جائز، إذا كان إنما زوجها على وجه النظر لها. قال: ولقد سألت مالكاً امرأة ولها ابنة في حجرها، وقد طلق الأم زوجها عن ابن له منها، فأراد الأب أن يزوجها من ابن أخ له، فأتت الأم إلى مالك، فقالت له: إن لي ابنة وهي موسرة مرغوب فيها، وقد أصدقت صداقاً كثيراًُ، فأراد أبوها أن يزوجها ابن أخ له معدماً، لا شيء له، أفترى لي أن أتكلم؟ قال: نعم، أرى لك في ذلك متكلما. قال ابن القاسم: فأرى أن نكاح الأب إياها جائز، إلا أن يأتي من ذلك ضرر فيمنع من ذلك”([56]).
ج- وجاء في المدونة أيضاً: “قلت: أرأيت إن زوج ابنته وهي بكر، ثم حط من الصداق، أيجوز ذلك على الابنة في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يجوز للأب أن يضع من صداق ابنته البكر شيئاً إذا لم يطلقها زوجها. قال ابن القاسم: وأرى أن ينظر في ذلك، فإن كان ما صنع الأب على وجه النظر، مثل أن يكون الزوج معسراً بالمهر فيخفف عنه وينظره، فذلك جائز على البنت؛ لأنه لو طلقها، ثم وضع الأب النصف الذي وجب للابنة من الصداق، أن ذلك جائز على البنت، فأما أن يضع من غير طلاق، ولا على وجه النظر لها، فلا أرى أن يجوز ذلك له”([57]).
ومن هذه النصوص يتضح أن مالكاً – رحمه الله تعالى – جعل للأب حق تزويج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها؛ إذا كان ذلك من مصلحتها، فإذا انعدم في تصرفه وجه المصلحة، كان لمن يعنيه أمر الصغيرة أن يخاصم الأب في ذلك؛ لأنه استعمل حقه على وجه لا يحقق المصلحة فكان متعسفاً.
كذلك حكم الإمام مالك -رحمه الله تعالى- بأن ليس للأب أن يحط من مهر ابنته؛ لأن الحط من مهرها ليس فيه مصلحة لها فلا يملكه الأب، وقد أدار ابن القاسم -رحمه الله-الحكم على المصلحة، فقال: إن كان الحط في مهرها ليس فيه مصلحة لها؛ فلا يملكه الأب، وإن كان فيه مصلحة لها فإنه يجوز([58]).
ومن هذا يتضح أن الحق الممنوح للأب في أن يزوج ابنته القاصر دون رضاها، أو أن يحط من مهرها، لا يمكن أن يمارس إلا في حدود مصلحتها، لأن الحقوق التي تتضمنها الولاية على النفس إنما منحت لتحقيق هذه الغاية.
د- من المقرر عند الإمام مالك -رحمه الله تعالى- أن البكر البالغة الراشدة ليس لها أن تتزوج دون إذن وليها، فإذا تزوجت بغير إذن وليها فزواجها باطل، لقوله صلى الله عليه وسلم: “أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل”([59])؛ ولأن البكر لا تتوافر لها الدراية الكافية بالرجال، فلا تحسن اختيار الزوج المناسب، لكن إذا تعسف الأب في استخدام حق الرفض دون سبب معقول، كأن يتمادى في رفض خطابها من غير مبرر معقول، يكون عاضلاً لها، ولا يكون قد قصد تحقيق المصلحة، أو الغاية التي تقرر حقه في الولاية من أجلها، ويكون من حقها أن ترفع أمرها إلى القاضي، فإذا رأى أن رفض الولي لا يستند إلى أساس مقبول، كان له الحق في تزويجها دون إذن وليها الخاص.
جاء في المدونة: “قلت: أرأيت البكر إذا رد الأب عنها خاطباً واحداً، أو خاطبين، وقالت الجارية في أول من خطبها للأب: زوجني، فإني أريد الرجال، وأبى الأب، أيكون الأب في أول خاطب رد عنها معضلاً لها؟ قال: أرى أنه ليس يكره الآباء على إنكاح بناتهم الأبكار، إلا أن يكون مضاراً، أو معضلاً لها، فإن عرف ذلك منه، وأرادت الجارية النكاح، فإن السلطان يقول له: إما أن تزوج، وإما زوجتها عليك. قلت: وليس في هذا عندك حد في قول مالك في رد الأب عنها الخطاب الواحد، أو الاثنين، قال: لا نعرف من قول مالك في هذا حداًّ، إلا أن تعرف ضرورته وإعضاله”([60]).
هـ- وجاء في المذهب الشافعي، ما أورده الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في الأم: “يجوز أمر الأب على البكر في النكاح حظاً لها، وغير نقص عليها، ولا يجوز إذا كان نقصاً لها، أو ضرراً عليها، كما يجوز شراؤه وبيعه عليها بلا ضرر عليها في البيع، والشراء من غير ما لا يتغابن أهل البصر فيه. ولو زوج رجل ابنته عبداً له، أو لغيره، لم يجز النكاح؛ لأن العبد غير كفء، فلم يجز، وفي ذلك عليها نقص بضرورة، ولو زوجها غير كفء لم يجز؛ لأن في ذلك عليها نقصاً، ولو زوجها كفؤاً أجذم، أو أبرص، أو مجنوناً، أو خصياً مجبوباً، أو غير مجبوب لم يجز عليها؛ لأنها لو كانت بالغاً كان لها الخيار إذا علمت هي بداء من الأدواء”([61]).
2. السلطة الزوجية: ولاية الزوج على زوجته تأديبية، فله أن يؤدبها بالضرب على كل معصية لم يرد في شأنها حد مقدر، وهذا الحق ثابت بقوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)[34: النساء] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف”([62]).
وقد بينت الشريعة مجال استعمال هذا الحق، وهو النشوز، وهو عصيان الزوجة زوجها فيما يجب عليها، كما حددت أيضاً الوسيلة والغاية.
وبينت الآية الكريمة وسائل التأديب، وأن الزوج يتدرج في الوسيلة في تأديب زوجته لحملها على طاعته، إذ يبدأ بالوعظ والنصح، فإن لم يجد ذلك هجرها وولاها ظهره في المضجع، أو انفرد عنها بالفراش وهجرها وهو في البيت معها، من ليلة إلى ثلاث ليال، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث”([63]). فإن لم يجد ذلك ضربها ضرباً غير مبرح، بحيث يؤلمها ولا يكسر لها عظماً، ولا يدمي لها جسماً، ولا يضرب وجهها، لقوله صلى الله عليه وسلم: “فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح”([64]).
ولا يجوز استخدام وسيلة أشد إن كان صلاح الزوجة يتحقق بوسيلة أخف، كما لا يجوز استعمال الوسيلة أيا كانت، إذا كان يغلب على الظن عدم ترتب المقصود عليها، ولو كانت ضمن الحدود الموضوعية المرسومة عليها شرعاً([65]).
والغاية من التأديب، تهذيب الزوجة وحملها على طاعة زوجها، وإصلاح نشوزها، إذ لا يحل لها النشوز عنه، ولا أن تمنع نفسها منه، وإذا امتنعت منه، وأصرت على ذلك جاز له تأديبها وحتى ضربها إن لزم.
وإذا رجعت الناشز عن نشوزها، لم يكن لزوجها ضربها ولا حتى هجرها؛ لأنه إنما أبيحا بالنشوز، فإن زايلته فقد زايلت المعنى الذي أبيح له ذلك([66]).
فولاية التأديب وضعها الشارع حقاً في يد الزوج، لتحقيق غاية معينة، وهي تهذيب الزوجة وحملها على طاعته، فيجب على الزوج أن يستعمل حقه في ذلك استعمالاً يطابق الحكمة التي من أجلها تقرر له هذا الحق، فإن ابتغى الزوج من ممارسة حقه هذا غاية غير التي شرعها الله، كان متعسفاً، وأصبح فعله تعسفياً غير مشروع، لانحرافه عن غاية الحق في التأديب، وذلك كأن يريد به الانتقام، أو مجرد الإيذاء، أو إجبار الزوجة على ارتكاب معصية، أو إكراهها على إنفاق مالها في وجه لا تراه، ففي كل ذلك يكون الزوج قد أساء استعمال حقه؛ لأنه لم يكن هدفه تهذيب زوجته وإصلاحها، وإنما اتخذ من حقه وسيلة لتحقيق غاية غير التي شرع الله الحق لأجلها، فالحق وسيلة شرعت لغاية معينة، فلا يجوز استعمالها في غير غايتها، أي لتحقيق مصلحة غير مشروعة؛ لأن ذلك يناقض قصد الشارع من تشريعه هذا الحق، ومناقضة قصد الشارع باطلة، وما يؤدي إليها باطل([67]).
يقول العز بن عبد السلام -رحمه الله تعالى-: “كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل”([68]).
ونظرية التعسف تقيد الفعل الذي يخوله الحق بكونه لازماً وملائماً، فهو لازم لأنه؛ لا يحق للزوج أن يلجأ في سبيل تأديب زوجته إلى وسيلة أشد، إن كان ذلك ممكناً بممارسة وسيلة أخف، وفي هذا يقول العز بن عبد السلام -رحمه الله تعالى-: “ومهما حصل التأديب بالأخف من الأفعال، والأقوال، والحبس، والاعتقال، لم يعدل إلى الأغلظ، إذ هو مفسدة لا فائدة فيه، لحصول الغرض بما دونه”([69]).
3. الولاية التأديبية على الصغار: للأب حق تأديب ولده، لقوله صلى الله عليه وسلم: “مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها”([70])، وفي رواية:”علموا الصبي الصلاة ابن سبع واضربوه عليها ابن عشر”([71]). أي يباح للولي الضرب لابن العشر إذ إن الصبي ينبغي أن يؤمر بجميع المأمورات، ويُنْهَى عن جميع المنهيات.
وما قلناه في السلطة الزوجية، يقال هنا، من وجوب استعمال الحق فيما شرع من أجله، وأنه إذا استعمل لتحقيق غرض غير مشروع كان تعسفياً فلا يجوز؛ لأن ذلك يناقض قصد الشارع من تشريعه لهذا الحق، ومناقضة الشرع باطلة، وما يؤدي إلى الباطل فهو باطل.
ويشترط في الفعل الذي يتخذه الولي وسيلة لتأديب الصغير الذي تحت ولايته، أن يكون لازماً، وملائماً، وأن يغلب على الظن أنه يؤدي إلى مقصوده([72]).
وفي هذا يقول الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: “فإن قيل: إن كان الصبي لا يصلحه إلا الضرب المبرح، فهل يجوز ضربه تحصيلاً لمصلحة تأديبية؟ قلنا: لا يجوز ذلك، بل لا يجوز أن يضربه ضرباً غير مبرح؛ لأن الضرب الذي لا يبرح مفسدة، وإنما جاز لكونه وسيلة إلى مصلحة التأديب؛ فإذا لم يحصل التأديب سقط الضرب الخفيف، كما يسقط الضرب الشديد؛ لأن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد”([73]).
وهذا صريح في وجوب درء التعسف في كل تصرف مشروع، إذا غلب على الظن عدم تحقق الغاية، أو انتفاء الثمرة التي رتبها الشارع على شرعيته؛ إذ لا عبرة بالوسيلة، إذا انتفى المقصد أو سقط([74]).
ومجال تطبيق هذا المعيار ليس مقصوراً على ما يتعلق بحقوق الأسرة؛ بل هو كذلك يمتد إلى ما يتعلق بالحقوق المالية، وحق التقاضي، والوكالة، والنكاح، والمعاملات.
الفرع الثاني: في القانون المدني والقضاء.
ومن تطبيقات هذا المعيار في القانون المدني والقضاء ما يأتي:
1. يعد رب العمل الذي يستعمل حقه في فصل العامل متعسفاً في استعمال حقه، إذا كان الفصل بسبب مذهب العامل السياسي، أو عقيدته الدينية، أو بسبب انضمامه إلى نقابة، أو بسبب نشاطه النقابي، إذ يريد رب العمل من وراء ذلك أن يحرم عماله من حقوق مشروعة خولها لهم القانون، فرب العمل هنا قد استعمل حقه المشروع، في سبيل تحقيق مصلحة غير مشروعة، فيكون متعسفاً في استعمال حقه؛ لأنه يرمي من وراء ذلك تحقيق مصلحة غير مشروعة([75]).
2. من التطبيقات القضائية: ما ذهبت إليه محكمة النقض في مصر، من أن المراد بالحق المطلق المقرر لحكومة ما، في فصل موظفيها بلا حاجة إلى محاكمة تأديبية؛ هو تفرد الحكومة بتقدير صلاحية الموظف، واستمرار استعانتها به، أو عدم استمرارها، وليس معناه أن تستعمله على هواها، ذلك أن السلطة التقديرية وإن كانت مطلقة من حيث موضوعها، إلا أنها مقيدة من حيث غايتها التي يلزم أن تقف عند حد تجاوز هذه السلطة والتعسف في استعمالها ولئن كانت الحكومة غير ملزمة ببيان أسباب الفصل، إلا أنه متى كانت هذه الأسباب ظاهرة من القرار الصادر به، فإنها تكون أيضاً خاضعة لتقدير القضاء العالي النزيه، ولرقابته، فإذا تبين أنها لا ترجع إلى اعتبارات تقتضيها المصلحة العامة، ولا هي من الأسباب الجدية القائمة بذات الموظف المستغنى عنه، أو المنازع في صحتها، وإن من تقدير من وضع بيده الأمر أنه محايد ونزيه وغير مطعون في سلوكه ولا غل له أو كيد أو غيظ أو غرض، كان ذلك عملاً غير مشروع، وحققت مسألة الحكومة في شأنه من جميع النواحي([76]).
3. المالك الذي يضع أسلاكاً شائكة، أو أعمدة عالية في حدود ملكه، لعرقلة هبوط الطائرات، حتى يفرض على شركة الطيران التي تهبط طائرتها في أرض مجاورة، أن تشتري منه أرضه بثمن مرتفع.
فليس وضع المالك للأسلاك الشائكة، أو الأعمدة العالية في أرضه لتحقيق مصلحة مشروعة، بل لإحراج شركة الطيران، والتضييق عليها، وحملها قَسراً على شراء أرضه بمبالغ طائلة. فهذا تصرف في الحق، بدافع غير مشروع، ويستهدف تحقيق مصلحة غير مشروعة([77]).
إن صاحب الحق لا يجوز له أن يستعمله إلا في أغراضه المشروعة الجدية، أما إذا استخدمه في غير ما شرع له ليقضي لبانة سيئة بالنيل من خصمه، والتشفي منه، فإنه يمنع من ذلك، ولا يجوز للقاضي تمكينه من المضي في هذا الطريق.
نلاحظ أن القضاء هنا قد عبر عن المصلحة غير المشروعة مرة بالغرض الجدي الشريف، ومرة بالغرض الذي أُعْطِيَ الحق من أجله، ولو عبر عنه بالمصلحة غير المشروعة لكان أولى.
4. وما قضت به المحكمة الاتحادية العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة عندما ذهبت تقول: “إن الفعل المنسوب إلى الطاعنة يشكل ضربا من ضروب التعسف في استعمال الحق؛ فلا يؤثر استعمال المدرسة، أو المديرة حقها في استيفاء المصروفات المدرسية، أن تحول دون مستقبل الطلبة؛ إذ إنها فصلت الطالبتين في وقت معاصر لأداء الامتحان بحيث لم يعد أمامهما أن يستدركا دراستهما، فاستعمال الحق الذي تدعيه الطاعنة مفوضة من المدرسة يجب أن لا يستعمل بشكل تعسفي، وأياً ما كانت نتيجة الطالبتين نجاحا، أو رسوبا، فلا يخلو استعمال هذا الحق من التعسف، وأمر النجاح والرسوب يحسب في ترتيب التعويض كأثر من آثار هذا التعسف”([78]).
5. تقضي المادة (187) مدني جزائري بأنه: “إذا تسبب الدائن بسوء نيته وهو يطالب بحقه، في إطالة أمد النزاع، فللقاضي أن يخفض مبلغ التعويض المحدد في الاتفاق، أو لا يقضي به إطلاقاً عن المدة التي طال فيها النزاع بلا مبرر”.
فالدائن الذي يبتغي من وراء التسبب في إطالة أمد النزاع إبان مطالبته بحقه لتحقيق مصلحة لنفسه، هي زيادة مبلغ التعويض، فإن هذا الدافع غير مشروع، والمصلحة التي يريد تحقيقها بهذا الدافع غير مشروعة أيضاً، إذ لا تقوم على سبب مشروع، ولهذا كان الجزاء أن يعامل بنقيض قصده، وهو تخفيض مبلغ التعويض، أو عدم الحكم به إطلاقاً، حسب الأحوال([79]).
6. إذا طلب المالك إخلاء منزله من مستأجره بحجة حاجته للسكن فيه، بعد محاولته زيادة الأجرة فوق ما يسمح به القانون، وإخفاقه في ذلك([80])، فالمالك يكون متعسفاً في استعمال حقه في طلب الإخلاء؛ لأنه يرمي إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة.
7. مؤجر العقار (الأرض) الذي يمتنع من الترخيص في الإيجار من الباطن لمشتري المصنع الذي أقيم على العقار (الأرض) بعد أن اقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع، وذلك لا توقيا لضرر، بل سعياً وراء كسب غير مشروع يجنيه من المشتري فإنه يعد متعسفا([81]).
الخاتمة
بعد أن أتيت إلى نهاية بحثي هذا، الذي مهما بذلت فيه من جهد، فلن ألمَّ بجميع جوانبه نظراً لتشعبه، ولكن يكفي أنني وقفت من خلال بحثي هذا على نتائج تتلخص فيما يأتي:
1- تتفق الشريعة الإسلامية والتشريعات الوضعية على أن استخدام الحق لقصد الإضرار بالغير أو لتحقيق مصلحة غير مشروعة، أمر مرفوض في الشريعة الإسلامية، ومن فعله فهو آثم لورود النهي في القرآن والسنة، وأنه يتوجب الجزاء الأخروي.
2- معيار انتفاء المصلحة المشروعة تعول عليه التشريعات الوضعية، وقد سبقت الشريعة الإسلامية التشريعات الوضعية بالأخذ بهذا المعيار ومرد هذا المعيار أن الحقوق وسائل لتحقيق غايات مشروعة بحيث لا يسوغ لصاحب الحق أن يستعمله في تحقيق أغراض تتنافى مع تلك الغايات.
3- معيار انتفاء المصلحة المشروعة يشمل فضلاً عن انعدام المصلحة أو تفاهتها استعمال الحق أيضاً بقصد الإضرار بالغير، واستعمال الحق لتحقيق مصلحة غير مشروعة.
4- استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير، يعد من أبرز حالات التعسف في استعمال الحق، وقد استقر هذا المعيار في الشريعة الإسلامية والتشريعات الوضعية، والقضاء على الأخذ به.
5- يعتبر استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير معياراً ذاتياً أو شخصياً، إذ إنه يتعلق بالقصد والنية، بمعنى أنه ينظر أساساً إلى نية صاحب الحق في استعماله، فإن كان لا يقصد بهذا الاستعمال إلا أن يضر بغيره دون أن تعود عليه هو من الاستعمال أي منفعة، كان متعسفاً في هذا الاستعمال.
6- المصلحة غير المشروعة تتحقق في استعمال الحق في غير الغرض أو المصلحة التي من أَجلها شرع؛ لأنَّ قصد ذي الحق في العمل هنا مضاد لقصد الشارع في التشريع، ومعاندة قصد الشارع باطلة، فيكون باطلاً بالضرورة كل ما أدى إلى ذلك.
(*) منشور في “المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية”، المجلد الخامس، العدد (3/ب)، 1430ه/ 2009م.
الهوامش:
([1]) التعسف هو مناقضة قصد الشارع في تصرف مأذون فيه شرعا بحسب الأصل.
([2]) المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي، رقم (5)، لسنة 1985م، المعدل بالقانون الاتحادي رقم 1 لسنة 1987م. إصدارات وزارة العدل الإماراتية.
([3]) عيسوي أحمد عيسوي، نظرية التعسف في استعمال الحق، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الأول، ص22، السنة الخامسة، جامعة عين شمس، 1963م، محمد شوقي السيد، التعسف في استعمال الحق، المؤسسة المصرية العامة للكتاب، 1979م، ص138، حسن عامر، التعسف في استعمال الحقوق وإلغاء العقود، مطبعة مصر، (ط1)، 1379ه/ 1960م، ص607، عبد الجبار ناجي، مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود، مطبعة اليرموك، (ط1)، 1394ه/1974م، ص70.
([4]) إبراهيم بن موسى اللخمي المالكي المعروف بالشاطبي، (توفي790ه)، الموافقات، دار المعرفة، بيروت لبنان، ج2، ص349.
([5]) فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، (ط4)، 1408ه/ 1988م، ص246.
([6]) أود أن أشير إلى أن ما جاء في قول مالك لا يتعلق في أوله بالتعسف وإنما بما يسمى في القانون بأحكام الاتصال أو الالتصاق، ولما قام بينهما عقد فإن العقد يحكم أيلولة هذه المنشآت (البناء والغراس) وبالتالي لا تعسف؛ لأن للمالك استرداد الأرض خالية من أي شواغر، وأما إذا أقيمت هذه المنشآت بإذن ولكن دون اتفاق على مصيرها فتحكمها المادة 1271 من القانون المدني الإماراتي، وهي صورة من صور الاتصال أو الالتصاق. ونصها: “إذا أحدث شخص منشآت بمواد من عنده على أرض غيره بإذنه فإن لم يكن بينهما اتفاق على مصير ما أحدثه فلا يجوز لصاحب الأرض أن يطلب قلع المحدثات، ويجب عليه إذا لم يطلب صاحب المحدثات إزالتها أن يؤدي إليه قيمتها قائمة”.
([7]) مالك بن أنس الأصبحي، (توفي 179ه)، المدونة الكبرى، دار الفكر بيروت، لبنان، 1398ه/1978م، ج4، ص62.
([8]) حسن عامر، التعسف في استعمال الحقوق، ص609، محمد شوقي السيد، التعسف في استعمال الحق، ص139.
([9]) فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق، ص326.
([10]) فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق، ص243، عيسوي أحمد عيسوي، نظرية التعسف في استعمال الحق، ص91، إسماعيل العمري، الحق ونظرية التعسف في استعمال الحق في الشريعة والقانون، مطبعة الزهراء الحديثة، الموصل، (ط1)، 1405ه/ 1948م، ص206، حسن عامر، التعسف في استعمال الحقوق وإلغاء العقود، ص596، حمدون نور الدين، نظرية التعسف في استعمال الحق، مجلة القضاء، وزارة العدل، المغرب، العدد 17، نوفمبر 1986م، ص147، عبدا لرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام، تنقيح: المستشار أحمد متحت المراغي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004م، ج1، ص700، عدنان القوتلي، الوجيز في الحقوق المدنية، مطبعة الجامعة السورية، (ط3)، 1376ه/ 1957م، ص319، منصور مصطفى منصور، مذكرات في المدخل للعلوم القانونية، نظرية الحق، مكتبة عبد الله وهبه، 1962م، ج2، ص293، رمضان محمد أبو السعود، المدخل إلى القانون، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1984م، ص435، أحمد محمد إبراهيم، القانون المدني، معلقة على نصوصه بالإعمال التحضيرية وأحكام القضاء وآراء الفقهاء، دار المعارف، (ط1)، 1964م ص7، محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزامات، دار الكتاب، 1395-1396ه، ج1، ص100، مصطفى محمد الجمال، النظرية العامة للقانون، الدار الجامعية، بيروت، ص316.
([11]) محمد الزرقاني (ت1122ه)، شرح الزرقاني على موطأ مالك، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1398ه/1978م، ج4، ص32، ونقل الزرقاني تحسين النووي للحديث قال: (قال النووي: حديث حسن وله طرق يقوي بعضها بعضا. وقال العلائي له شواهد وطرق يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحة. وذكر أبو الفتوح الطائي في الأربعين له أن الفقه يدور على خمسة أحاديث هذا أحدها). ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن ماجة القزويني، (توفي 275ه)، سنن ابن ماجه، تحقيق وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، استانبول، ج2، ص784، أحمد بن علي العسقلاني، (توفي 852ه)، تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافع الكبير، تحقيق ونشر: عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة، 1384ه، ج4، ص198.
([12]) زين الدين عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، (توفي 795ه)، جامع العلوم والحكم، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وإبراهيم باجس، (ط9)، دار الملك عبد العزيز، الرياض، ج2، ص212.
([13]) الشاطبي، الموافقات، ج2، ص493.
([14]) عيسوي أحمد عيسوي، نظرية التعسف، ص42، إسماعيل العمري، الحق ونظرية التعسف، ص207، محمد شوقي السيد، التعسف في استعمال الحق، ص131، أحمد النجدي زهو، التعسف في استعمال الحق، دار النهضة العربية، مطبعة جامعة القاهرة، 1991م، ص48، مصطفى الجمال، النظرية العامة للقانون، ص316، منصور مصطفى منصور، مذكرات في المدخل للعلوم القانونية، ج2، ص294، سمير عبد السيد تناغو، نظرية الالتزام، منشأة المعارف، الإسكندرية، ص399، محمود جلال حمزة، العمل غير المشروع باعتباره مصدراً للالتزام، 1405ه/1985م، ص94، محمد كمال عبد العزيز، نظرية الحق، دار الفكر العربي، ص260.
([15]) فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي، ص320.
([16]) السنهوري، الوسيط، ج1، ص704، سليمان مرقص، شرح القانون المدني في الالتزامات، المطبعة العالمية، القاهرة، 1964م، ج2، ص354، محمود حمزة، العمل غير المشروع، ص94، سمير تناغو، نظرية الالتزام، ص300، هاشم القاسم، المدخل إلى علم الحقوق، مطبعة الإنشاء، دمشق، 1384ه/ 1965م، ص274، أنور العمروس، التعليق على نصوص القانون المدني، ص34.
([17]) عيسوي أحمد عيسوي، نظرية التعسف، ص92،42.
([18]) فتحي الدريني، نظرية التعسف، ص246، منصور مصطفى منصور، مذكرات في المدخل للعلوم القانونية، ج2، ص294، عيسوي، نظرية التعسف، ص93،42، إسماعيل العمري، الحق ونظرية التعسف، ص206، السنهوري، الوسيط، ج1، ص704، وقد سبق انتقادنا لهذا الرأي في ص8.
([19]) فتحي الدريني، نظرية التعسف، ص320، إسماعيل العمري، الحق ونظرية التعسف، ص207، السنهوري، الوسيط، ج1، ص704، عبدالجبار صالح، مبدأ حسن النية، ص66، محمود حمزة، العمل غير المشروع، ص94، حسن علي الذنون، النظرية العامة للالتزامات، مصادر الالتزام، 1976م، ص266، أنور العمروس، التعليق على نصوص القانون المدني المعدل، (ط1)، ص34.
([20]) السنهوري، الوسيط، ج1، ص706.
([21]) منصور مصطفى منصور، مذكرات في المدخل للعلوم القانونية، ج2، ص294.
([22]) أود الإشارة إلى أن إيجاب الضمان على المباشر لا -شرط- له، ولكن إيجاب الضمان في الأمثلة أعلاه وردت على المتسبب، والمتسبب يضمن في حالتين: إذا ترتب على فعله ضرر لحق بالغير بسبب تعمد أو تعدٍّ، وقد عبر عن حالة التعمد بقوله (قاصدا)، وأما التعدي فمثله استعماله حقه في إحراق زرعه في ظروف يتعدى فيها هذا الحريق إلى أرض الغير كأن تكون أرض الغير ملاصقة، أو إحراق أرضه في وقت ريح كافية لنقل الحريق إلى أرض قريبة غير ملاصقة.
([23]) الكدس: العرمة من الطعام والتمر والدراهم ونحو ذلك. انظر لسان العرب مادة (كدس). ومعناه الطعام الموضوع بعضه فوق بعض.
([24]) أبو محمد بن غانم بن محمد البغدادي (ت بعد 1027هـ)، مجمع الضمانات، تحقيق: محمد أحمد سراج وعلي جمعة محمد، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، (ط1)، 1420ه/ 1999م، ج1، ص372.
([25]) الزرقاني: شرح الموقع، ج4، ص32، بلفظ: “ملعون من ضار أخاه المسلم أو ما كره”. ونقل الزرقاني أن ابن عبد البر رواه مرفوعا عن الصديق وضعف إسناده، وأخرجه الترمذي بلفظ (ملعون من ضار مؤمنا أو مكر به)، ورفعه أيضا إلى أبي بكر الصديق وقال: هذا حديث غريب، انظر الترمذي، الجامع الصحيح، تحقيق: كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408ه/ 1987م، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الخيانة والغش، حديث رقم (1941)، ج4، ص332.
([26]) وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة يأمره أن يمنع المسلمين من ظلم أحد من أهل الذمة. أبو يوسف، الخراج (56).
([27]) برهان الدين إبراهيم بن علي بن أبي القاسم بن فرحون، (توفي 799ه)، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومنهاج الأحكام، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ج2، ص362.
([28]) المصدر السابق، ج2، ص346.
([29]) أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي، (توفي 543ه)، أحكام القرآن، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الفكر، بيروت، لبنان، ج1، ص200.
([30]) تفسير مجاهد، ج1، ص191، محمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، دار القرآن الكريم، بيروت، (ط5)، 1400ه، ج1، ص212.
([31]) ابن العربي، أحكام القرآن، ج1، ص204، ابن رجب، جامع العلوم والحكم، ج2، ص215.
([32]) فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي، (توفي 742ه)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، المطبعة الأميرية، بولاق، 1315ه، ج4، ص255.
([33]) ابن فرحون، تبصرة الحكام، ج2، ص152-153.
([34]) أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي ابن قيم الجوزية، (توفي 751ه)، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص101، ابن فرحون، تبصرة الحكام، ج2، ص152.
([35]) سبق تخريجه (هامش 11)
([36]) ابن قدامه المقدسي، (توفي 620ه) المغني على مختصر الخرقي، مكتبة الرياض الحديثة، ج4، ص572، ابن قدامه المقدسي، الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، (ط2)، 1399ه/ 1979م، ج2، ص217.
([37]) حسن عامر، المسئولية المدنية التقصيرية والعقدية، مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية، (ط1)، 1376ه/ 1956م، ص267.
([38]) المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي، ص828.
([39]) المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الإماراتي، ص828-829.
([40]) فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق، ص252، عيسوي أحمد عيسوي، نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي، ص99، محمد سوار، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، ج1، ص102.
([41]) محمد أبو زهرة، التعسف في استعمال الحق، بحث مقدم لمهرجان الإمام ابن تيمية، دمشق، 16-21 من شوال 1380ه، ص97.
([42]) العينة: بيع السلعة بثمن مؤجل، ثم شراؤها بأنقص منه حالّا. نور الدين، أبو الحسن علي بن سلطان القاري الهروي (ت 1014ه) تحقيق: محمد نزار تميم وهيثم نزار تميم، دار الأرقم، بيروت، 1418ه، ج2، ص340.
([43]) معوض عبد التواب، مدونة القانون المدني، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1987م، ج1، ص26، أنور طلبة، التعليق على نصوص القانون المدني، دار المطبوعات الجامعية، (ط2)، 1983م، ج1، ص14، أنور العمروس، التعليق على نصوص القانون المدني المعدل، ص29.
([44]) المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية الإماراتي. ص81
([45]) عيسوي أحمد عيسوي، نظرية التعسف، ص44، حسن عامر، التعسف في استعمال الحقوق، ص607، محمود حمزة، العمل غير المشروع، ص95، سليمان مرقص، شرح القانون المدني، ج2، ص356.
([46]) السنهوري، الوسيط، ج1، ص847، إسماعيل العمري، الحق ونظرية التعسف، ص210-211، هاشم القاسم، المدخل إلى علم الحقوق، ص276، محمد شوقي السيد، التعسف في استعمال الحق، ص276.
([47]) القانون المدني، مجموعة الأعمال التحضيرية، ج1، ص209-210، معوض عبد التواب، مدونة القانون المدني، ج1، ص27، أنور طلبة، التعليق على نصوص القانون المدني، ج1، ص15، أحمد محمد إبراهيم، القانون المدني، ص8.
([48]) ملاحق لكتاب نظرية التعسف للأستاذ فتحي الدريني، ملزمة، ج4، ص31، أحمد محمد إبراهيم، القانون المدني، ص8، حسن عامر، المسؤولية المدنية، ص272، مختار القاضي، أصول الالتزامات في القانون المدني، دار النهضة العربية، 1967م، ص130، إبراهيم أبو الليل، ومحمد الألفي، المدخل إلى نظرية القانون، ونظرية الحق، 1406ه/ 1986م، ص196.
([49]) محمد أبو زهرة، التعسف في استعمال الحق، ص97، هاشم القاسم، المدخل إلى علم الحقوق، ص276، حسن عامر، المسؤولية المدنية، ص272، عدنان القوتلي، الوجيز في الحقوق المدنية، ص336.
([50]) عدنان القوتلي، الوجيز في الحقوق المدنية، ص338، محمد علي حنبولة، الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة، مطبعة نهضة مصر، 1960م، ص650.
([51]) أحمد سلامة، محاضرات في المدخل للعلوم القانونية، المطبعة العالمية، القاهرة، 1960م، ص148، حبيب الخليلي، مسؤولية الممتنع المدنية والجنائية في المجتمع الاشتراكي، المطبعة العالمية، القاهرة، 1967م، ص147.
([52]) فتحي الدريني، نظرية التعسف، ص49-51، عيسوي أحمد عيسوي، نظرية التعسف، ص29.
([53]) عدنان القوتلي، الوجيز في الحقوق المدنية، ص337.
([54]) برهان الدين أبو الحسين علي بن أبي بكر المرغيناني، (توفي593ه)، الهداية شرح بداية المبتدئ، المكتبة الإسلامية، ج1، ص202، فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام، (توفي681)، دار الفكر، بيروت، لبنان، ج3، ص303، الزيلعي، تبيين الحقائق، ج2، ص131.
([55]) ابن الهمام، فتح القدير، ج3، ص304.
([56]) الإمام مالك، المدونة الكبرى، ج4، ص5.
([57]) المصدر السابق، ج4، ص9.
([58]) انظر: عيسوي أحمد عيسوي، نظرية التعسف في استعمال الحق، ص100.
([59]) أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، (توفي 275ه)، سنن أبي داود، مراجعة وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة الرياض الحديثة، كتاب النكاح، باب في الولي، حديث رقم (2083)، ج2، ص229، ابن ماجة، كتاب النكاح، حديث رقم (1879)، ج1، ص506، العسقلاني، تلخيص الحبير، ج3، ص156، إرواء الغليل، ج6، ص243.
([60]) الإمام مالك، المدونة الكبرى، ج4، ص12.
([61]) محمد بن إدريس الشافعي، (توفي 204ه)، الأم، دار المعرفة، بيروت، لبنان، (ط2)، 1393ه، ج5، ص20.
([62]) وهو جزء من حديث جابر في حجة الوداع أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (1218)، ج2، ص886، كما أخرجه أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، (توفي 279ه)، الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، (ط2)، 1388ه/ 1968م، ج3، ص458، حديث رقم: 1163، ابن ماجه، ج1، ص594، حديث رقم: 1815.
([63]) البخاري: كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، حديث رقم (60 و65)، ومسلم: كتاب البر والصلة، باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر، حديث رقم (2559)، العسقلاني: تلخيص الحبير، ج4، ص171، حديث رقم: 2054.
([64]) سبق تخريجه هامش (61).
([65]) منصور بن يونس البهوتي، (توفي 1051ه)، كشاف القناع على متن الإقناع، دار الفكر، بيروت، 1402ه/ 1982م، ج5، ص210، محمد بن أحمد الشر بيني، (توفي 977ه)، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1377ه/1958م، ج3، ص260.
([66]) الشافعي، الأم، ج5، ص12، محي الدين يحيي بن شرف النووي، (توفي 676ه)، المجموع شرح مهذب الشيرازي، والتكملة للشيخ محمد بخيت المطيعي، مطبعة الإمام، مصر، ج15، ص603.
([67]) فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق، ص255.
([68]) عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، (توفي 660ه)، قواعد الأحكام الموسوم بقواعد الأحكام في إصلاح الأنام، تحقيق: نزيه كمال حماد وعثمان جمعة ضميرية، دار القلم، دمشق، (ط1)، 1421ه/2000م، ج2، ص249.
([69]) المصدر السابق، ج2، ص157.
([70]) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب: متى يؤمر الصبي بالصلاة، حديث رقم: 495، ج1، ص133، العسقلاني، تلخيص الحبير، ج1، ص184، حديث رقم: 264.
([71]) المصادر السابقة.
([72]) فتحي الدريني، نظرية التعسف، ص257.
([73]) العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، ج1، ص161.
([74]) فتحي الدريني، نظرية التعسف، ص257.
([75]) عبد الجبار ناجي، مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود، ص70، منصور مصطفى منصور، مذكرات في المدخل للعلوم القانونية، ج2، ص297، هاشم القاسم، المدخل إلى علم الحقوق، ص276.
([76]) أشار إليه أنور طلبة، التعليق على نصوص القانون المدني، ج1، ص17، إسماعيل العمري، الحق ونظرية التعسف، ص209.
([77]) هاشم القاسم، المدخل إلى علم الحقوق، ص276، السنهوري، الوسيط، ج1، ص846، سمير تناغو، نظرية الالتزام، ص300، منصور مصطفى منصور، مذكرات في المدخل للعلوم القانونية، ج2، ص297، محمود حمزة، العمل غير المشروع، ص95.
([78]) الطعنان (139-141) لسنة 15القضائية بتأريخ 27/ 3/ 1994م، مجموعة الأحكام الصادرة من دوائر، المواد المدنية، والتجارية، والشرعية، والأحوال الشخصية، مطبوعات وزارة العدل بالتعاون مع جامعة الإمارات العربية المتحدة، ع1، س16، 1994م، المبدأ رقم (192)، ص474 وما بعدها.
([79]) حسن عامر، المسؤولية المدنية، ص276.
([80]) منصور مصطفى منصور، مذكرات في المدخل للعلوم القانونية، ج2، ص296، إبراهيم أبو الليل، المدخل إلى نظرية القانون، ص196، رمضان أبو السعود، المدخل إلى القانون (436).
([81]) السنهوري، الوسيط، ج1، ص846، مصطفى الجمال، النظرية العامة للقانون، ص318.
اترك تعليقاً