رسالة ماجستير بعنوان قواعد و إجراءات إدارة الدّعوى المدنيّة
جزء من رساله ماجستير لمحمد نصر الرواشده
لقد مرت القوانين الأردنية التي تحكم أسس المرافعات والمحاكمات بمجموعة من التعديلات عبر الفترات السابقة . وقد راعى المشرّع في هذه التعديلات الظروف المختلفة التي مر بها الوطن، سواء من ناحية اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو جغرافية، ففي السابق كان التنظيم البسيط لإجراءات التقاضي يفي بالغرض المطلوب ويحقق النتيجة المرجوة من خلال الوصول إلى قرار الحكم، بسبب العدد القليل من القضايا الذي يتناسب مع عدد السكان. ولكن مع التزايد السريع لأعداد القضايا الناتج عن تزايد عدد السكان وما تبعه من توسع الرقعة الجغرافية للمناطق المأهولة أصبح لا بد من البحث عن وسائل بديلة تهدف إلى اختصار أمد المنازعات وتحقيق النتائج المطلوبة بأبسط السبل وأسرعها، فكان البحث عن وسائل تهدف إلى حصر البيّنات القانونيّة المقدمة بالدّعوى، والتي تشكل أكبر المُعضلات في عملية التقاضي وتُشكل أيضاً السبب الرئيس في إستنزاف وقت المحاكمة، وهو ما يسمى بحصر البينة الذي يعتبر أحد أهم أسس إدارة الدعوى المدنية.
ومن خلال هذا المبحث سوف نتولى دراسة إجراءات وقواعد إدارة الدّعوى المدنيّة في ظل التشريع الأردني بشيء من التفصيل في مطلبين وعلى النحو التالي:
المطلب الأول: مبدأ حصر البيّنة في القانون الأردني.
المطلب الثاني: إجراءات إدارة الدّعوى المدنيّة.
المطلب الأول مبدأ حصر البيّنة في القانون الأردني
يوجد في الأردن مجموعة من التشريعات التي تحكم إجراءات التقاضي، بحيث يشكل قانون أصول المحاكمات المدنيّة الشريعة العامة التي تحكم إجراءات التقاضي مع لزوم مراعاة القوانين الخاصة التي تحكم المعاملات القضائية سواءً من حيث طبيعة المنازعات كأصول المحاكمات الشرعية التي تضع القواعد الخاصة للمحاكمة أمام المحاكم الشرعية، وكذلك الحال بالنسبة للقضايا الجمركية والضريبية والجزائية التي تكون محكومة في قوانين خاصة تنظمها. كما تراعى بعض القوانين التي جاءت لتحكم وتضع قواعد خاصة لبعض الدعاوى حسب الأشخاص المعنيين في الخصومة كما هو الحال في العسكريين مثلاً.
وبالرّغم من ايراد قواعد خاصة تحكم العلاقة أثناء سير الدّعوى، إلا أن هذه التشريعات حتى في ظل القضاء النظامي تعددت ويجب مراعاتها جميعاً، وهي تشمل في واقعنا الأردني قانون محاكم الصلح رقم 15 لسنة 1952 ، والذي تم تعديله بالقانون المُعدِّل رقم 25 لسنة 1988 ، والذي تم تعديله أيضاً بموجب القانون المُعدِّل رقم 13 لسنة 2001 ، وقانون استقلال القضاء رقم 49 لسنة 1972 ، المُلغى بموجب القانون رقم 15 لسنة 2001 ، وقانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952 ، المُلغى بموجب القانون رقم 17 لسنة 2001 ، وقانون البيّنات رقم 30 لسنة 1952 ، المُعدَّل بموجب القانون المؤقت رقم 37 لسنة 2001 ، وقانون نقابة المحامين النظاميين رقم 11 لسنة 1972 وتعديلاته، ونظام رسوم المحاكم رقم 43 لسنة 2005 ، وتهدف جميع هذه التشريعات إلى وضع آلية تقاضي متكاملة تحكم هذه الدعاوى من جميع نواحيها ويجب مراعاتها في آن واحد كلما انطبقت على الدّعوى المنظورة .
ومبدأ حصر البيّنة مبدأ قانوني عملي يوجب على أطراف النزاع لزوم تحديد ما سيتولون طرحه وتقديمه من بيّنات أثناء سير الدّعوى، الأمر الذي يضمن اطِّلاع أطراف الخصومة على جميع البيّنات التي ستُقدم أثناء الدّعوى لغايات تمكين الخصوم من إعداد دفاعهم بمواجهة الطرف الآخر، وتمكين المحكمة من دراسة البيّنات التي ستُقدم لتحديد قبولها من عدمه، وبالنتيجة تمكين المحكمة من السيطرة على الدّعوى والفصل فيها.
ولعل أقدم التشريعات الأردنية السارية المفعول التي عالجت حصر البيّنات كان قانون محاكم الصلح رقم 15 لسنة 1952، حيث بيّن المشرّع في نص المادة 14 من القانون المذكور أنه: ” في جميع الدعاوى ما عدا العطل والضرر ومرور الزمن والوظيفة والصلاحية يورد الطرفان الواحد بعد الآخر جميع مدّعياتهما ومدافعاتهما وإعتراضاتهما دفعة واحدة وعلى القاضي أن يُعطي قراراً واحداً في جميع ذلك دون حاجة إلى إصدار قرارات في كل منها إلا ما كان إعطاء القرار بأساس الدّعوى يتوقف على إعطاء قرار فيه كالاستعانة بالخبراء أو اجراء الكشف فيصدُر القرار فيه على حدة”.
ومن خلال هذا النص نجد أن المشرّع اعتمد الاختصاص النوعي كأساس في حصر البيّنات، فأوجب على الخصوم تقديم جميع بيّناتهم دفعة واحدة في جميع الدعاوى الصلحية باستثناء دعاوى العطل والضرر والدفوع بمرور الزمن والدفوع بالاختصاص الوظيفي والصلاحية، أما باقي القضايا الصلحية من غير المذكورة، فلا بد من حصر البيّنات بها وجوباً، وإذا لم يقم الخصوم بحصر بيّناتهم في الجلسة الأولى أو عند جلسات البيّنات والدفوع فإنه يتوجب على المحكمة أن تنبه الخصوم بلزوم حصر بيّناتهم تحت طائلة حرمانهم من تقديمها، ويترتب على تقديم الخصوم حصراً لبيّناتهم من خلال قائمة البيّنات حرمانهم من تقديم أية بيّنة جديدة إلا بإذن المحكمة.
ويتم حصر البيّنات من خلال تقديم قائمة بالبيّنات التي سيقوم بإستخدامها طوال فترة الخصومة، وهذا ما أشارت إليه تفصيلاً المادة 57 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة والتي نصّت على أنه:
“1. على المدّعي أن يقدم إلى قلم المحكمة لائحة دعواه من أصل وصور بعدد المدّعى عليهم ومرفقاً بها ما يلي:
أ- حافظة المستندات المؤيدة لدعواه مع قائمة بمفردات هذه الحافظة.
ب- قائمة بيّناته الخطية الموجودة تحت يد الغير.
ج – قائمة بأسماء شهوده وعناوينهم الكاملة والوقائع التي يرغب في إثباتها بالبيّنة الشخصيّة لكل شاهد على حده.
2. يجب على المدّعى عليه أو وكيله أن يوقع على كل ورقة من الأوراق الموجودة ضمن حافظة مستنداته وأن يقترن توقيعه بإقراره أن الورقة مُطابقة للأصل إذا كانت صورة”.
وقد حدد نص المادة 57 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة مبدأ حصر البيّنة بالنسبة للمدّعي، إذ ألزمه بتقديم قائمة تفصيلية بالبيّنات التي يعتمد عليها في دعواه، سواء بيّنات خطية أو شهادات شهود يرغب بالاستماع إليها، كما أوجبت عليه أن يُحدد في قائمة الشهود عناوينهم الكاملة، والوقائع التي يُريد أن يُثبتها من خلالهم، بحيث تتحدد مناقشتهم بحدود هذه الوقائع التي يشترط أن تكون مُنتجة في الدّعوى وعلى صله بموضوعها . كذلك يتوجب على المدّعي أن يتقدم بقائمة المستندات التي يرغب بإحضارها والموجودة لدى الفريق الثاني في الدّعوى أو لدى الغير، على أن يلتزم في دوره في البيّنه بأن يتقدم للمحكمة بطلب مستقل لإحضارها حسب أحكام قانون أصول المحاكمات وقانون البيّنات .
ومن باب تحقيق العدالة والمساواة بين أطراف الدّعوى في إتاحة الفرصة لكل منهما بتقديم البيّنات التي يرغب فيها ، فقد أُلزم المدّعى عليه في قانون أصول المحاكمات المدنية بحصر بيّناته أيضاً، فقد نصّت الفقرة الأولى من المادة 59 من قانون أصول المحاكمات المدنيّةعلى ما يلي:
“1- على المدّعى عليه أن يُقدم إلى قلم المحكمة المختصة خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتاريخ تبلغه لائحة الدّعوى جواباً كتّابياً على هذه اللائحة من أصل وصور بعدد المدّعين مُرفقاً به ما يلي:
أ-حافظة بالمستندات المؤيدة لجوابه مع قائمة بمفردات هذه الحافظة.
ب- قائمة ببيّناته الخطية الموجودة تحت يد الغير.
ج- قائمة بأسماء شهوده وعناوينهم الكاملة والوقائع التي يرغب في اثباتها بالبيّنة الشخصيّة لكل شاهد على حدة”.
وبناءً على هذا النص يتوجب على المدّعى عليه أن يُقدم إلى قلم المحكمة المختصة جوابه على لائحة الدّعوى مُرفقاً بها حافظة مستنداته التي تتضمن البيّنات الخطية وأسماء الشهود، وبنفس التفصيل الوارد في حالة المدّعي وذلك خلال ثلاثين يوماً تبدأ من اليوم التالي لتاريخ تبلُغه لائحة الدّعوى ، تحت طائلة حرمانه من تقديم جوابه وبيّناته والسماح له فقط بتقديم مذكرة اعتراضية على بيّنات المدّعي وتوجيه اليمين الحاسمة للمدّعي . ومن باب إعطاء المدّعي فرصة لتقديم دفوعه على بيّنات المدّعى عليه وتقديم بيّنات جديدة لدحض بيّنات المدّعى عليه التي قُدمت بعد بيّناته، سمح له القانون بموجب المادة 59/6 أن يتقدم برد كتّابي على اللائحة الجوابية المقدمة من المدّعى عليه مع مذكرة اعتراضية على بيّنات المدّعى عليه، كما سمح له بتقديم أية بيّنات جديدة غير تلك التي قدمها سابقاً عند إقامته للدعوى، ويرى الباحث أن ذلك لا يعتبر خروجاً على مبدأ حصر البيّنه، وذلك لأن المدّعي هنا إنما يتقدم ببيّنات لدحض بيّنات المدّعى عليه التي قُدمت بعد بيّناته، كما أن تحليل الفقرة السادسة من المادة 59 المذكورة يُفيد بأن المدّعي أصبح بمكان المدّعى عليه، لأن المدّعى عليه عندما يتقدم بجوابه على الدّعوى ودفوعه على بيّنات المدّعي ويتقدم ببيّناته التي تُثبت دفوعه على الدّعوى إنما يصبح بمكانة المدّعي في هذه الدفوع والادعاءات فهو يدعي شيئاً جديداً في الدّعوى، وبالتالي فإن السماح للمدّعي بتقديم بيّنات جديدة لدحض ادعاءات المدّعى عليه الواردة في لائحته الجوابية وبيّناته المرفقة بها لا يُعتبر خروجاً على مبدأ حصر البيّنات لأنه يتقدم ببيّنات جديدة للرد على بيّنات جديدة وادعاءات جديدة بالنسبة له علِم بها بعد تقديمه لبيّناته أول مرة . وهنا قد يثور التساؤل حول السبب في عدم السماح للمدّعى عليه بالرد على بيّنات المدّعي الداحضة؟. ويرى الباحث أن السبب يكمن في مسألة تبادل الأدوار المشار إليها أعلاه، حيث يكون المدّعي هو أول من يقدم دعواه وبيّناته فيها، فيحق للمدّعى عليه أن يتقدم بجوابه على الدّعوى وبيّناته التي تدعم جوابه، وهنا نكون قد حققنا المرحلة الأولى من العدالة والمساواة بين الطرفين عندما سمحنا للمدّعى عليه أن يدفع دعوى المدّعي وبيّناته بجواب وبيّنات جديدة، وبمجرد تقديمه لجوابه وبيّناته الجديدة يُصبح المدّعى عليه في دور المدّعي ضد المدّعي الأصلي في الدّعوى، لأن جوابه يتضمن ادعاءات يدافع بها عن نفسه ويدعمها ببيّناته المقدمة من قبله، لذلك تقتضي العدالة أن نسمح للمدّعي الأصلي بتقديم رد على جواب المدّعى عليه (الذي أصبح بمثابة المدّعي في حدود جوابه) وبيّنات لدحض بيّنات المدّعى عليه، هذا كله من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن المدّعى عليه ومنذ لحظة تبلغه لائحة الدّعوى والبيّنات المرفقه معها يملك الوقت الكافي لتجهيز جوابه ودفوعه على الدّعوى بما فيها البيّنات التي تدعم إدعاءه. ومن ناحية ثالثة، فإن السماح للمدّعى عليه بتقديم بيّنات لدحض بيّنات المدّعي الداحضة ينطوي على هدر وقت المحكمة والخصوم، ولو سمحنا لكل طرف أن يقدم بيّنات لدحض البيّنات التي يقدمها الطرف الآخر دون ترتيب الأدوار ودون تحديد أجل لذلك، لأدى هذا الأمر إلى امتداد المحاكمة إلى أجل غير مسمى، وكنا أمام حالة يستحيل معها فصل الدّعوى، سيما وأن لمبدأ حصر البيّنة دوراً فاعلاً في منع الأطراف من التسويف والمماطلة، من خلال ترتيب الأدوار ومعرفة كمية البيّنات التي سوف تُقدم في الدّعوى.
وهذا التنظيم التشريعي لم يكن وليد الساعة بل مر في تطور كبير جاء نتيجة دراسات ونتيجة طبيعية للتطور العلمي والفكري والقانوني بشكل دفع المشرّع إلى البحث عن حلول منطقية وسليمة إلى الحد من أسباب المماطلة وتأخير الفصل بالدعاوى، الأمر الذي دفع المشرّع في بادئ الأمر إلى ايراد نص المادة 14 من قانون محاكم الصلح، ولنجاح التجربة الواردة في قانون محاكم الصلح بحصر البيّنات والحد من أمد المحاكمات بدأ البحث عن حلول ناجعة في قانون أصول المحاكمات المدنيّة فتم إدارج المادة 59 في هذا القانون التي إستوجبت حصر البيّنات بحق المدّعي والمدّعى عليه بشكل حقق أثراً كبيراً وناجحاً في الحد من أمد المحاكمات.
ولكن بعد أن شهد الأردن تطوراً كبيراً وغير مسبوق في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بدأ العمل من جديد عن البحث عن آليات جديدة غير تقليدية للتقاضي بهدف الحد من عدد الخصومات المعروضة على المحاكم، ولذلك تم البحث عن هذه الوسائل لدى الدول المتقدمة وأصحاب التجربة فتمت الإفادة من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية بإستحداث إدارة الدّعوى المدنيّة، والتي تشكل برنامج جديد يهدف إلى الحد من عدد المخاصمات التي تُحال إلى المحكمة وتبقى قائمة حتى يتم صدور قرار فاصل بالموضوع بعد مدة طويلة من التقاضي، وإن كانت هذه الآلية بصورتها التي تم نقلها من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية لا تنسجم بشكل كامل مع الواقع الأردني بعكس الوساطة كما سنرى لاحقاً.
المطلب الثاني إجراءات إدارة الدّعوى المدنيّة
لم يختلف الأمر كثيراً من حيث إجراءات تسجيل الدّعوى المدنيّة عما كان عليه الأمر في السابق، حيث يتقدم المدّعي بلائحة الدّعوى بايداعها إلى قلم المحكمة المختصة عملاً بأحكام المادة 56 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة ، بحيث تتضمن اسم المحكمة المقدمة لها الدّعوى، وكذلك اسم المدّعي والمدّعى عليه وعنوانهما وصفتهما وكذلك موضوع الدّعوى وقيمتها وأسبابها وتاريخ تسجيلها ومرفقاً بها البيّنات التي تثبت صحة دعواه على أن تكون جميع الأوراق موقعة من المدّعي أو وكيله في الدّعوى .
وبناءً على أحكام المادة 58 من القانون يتم تسجيل الدّعوى في سجل الأساس وإعطائها الرقم القضائي الذي يُسجل على ملف الدّعوى. وهذا الرقم يُعطى بشكل متسلسل حسب إسبقية تاريخ ولحظة الورود إلى القلم ، وبعدها يتم تسليم لائحة الدّعوى إلى المحضرين ليصار إلى تبليغها إلى المدّعى عليه ، وفق إجراءات التبليغ التي حدّدها المشرّع بموجب قانون أصول المحاكمات المدنيّة .
ومن الواجب ذكره في هذا المقام أن الإجراءات المنصوص عليها في المادة 58 المشار إليها تتعلق بالدعاوى التي تخضع لإدارة الدّعوى المدنيّة، أما الدعاوى غير الخاضعة لسيطرة إدارة الدّعوى المدنيّة فيضاف لها إجراء آخر غير التسجيل والترقيم والحفظ والتبليغ وهو تحديد موعد للجلسة الأولى فور تسجيل الدّعوى وقبل تبليغ أوراقها للمدّعى عليه، بحيث يصار إلى تبليغ المدّعى عليه كامل الأوراق وموعد الجلسة الأولى، وهذا ما نصّت عليه المادة 60 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة التي نصّت على أنه:
“1) في الدعاوى المستعجلة يعين القاضي جلسة المحاكمة فور قيد لائحتها بدون حاجة لتبادل اللوائح.
2) تعتبر الدّعوى غير تابعة لتبادل اللوائح بقرار يصدره رئيس المحكمة أو من ينتدبه إذا استدعت طبيعة هذه الدّعوى أو موضوعها أو إذا اقتصر طلب المدّعي فيها على إستيفاء دين أو مبلغ متفق عليه من المال مستحق على المدّعى عليه وناشئ عما يلي:
أ- عقد صريح أو ضمني ( كالبوليصة والكمبيالة أو الشيك مثلاً)، أو
ب- سند تعهد أو عقد مكتوب يقضي بدفع مبلغ من المال متفق عليه، أو
ج- كفالة إذا كان الادعاء على الأصيل يتعلق فقط بدين أو مبلغ من المال متفق عليه.
3) وتعيِّن المحكمة جلسة لهذه الدّعوى خلال عشرة أيام من تاريخ قيدها في قلم المحكمة”.
أي أن الدعاوى التي تعتبر مستعجلة بقرار يُصدره رئيس محكمة البداية أو من ينتدبه، إما بسبب طبيعتها أو موضوعها أو لأنها تقتصر على المطالبة بقيمة ورقة تجارية أو بقيمة تعهد صريح بدفع مبلغ من المال أو مطالبة الكفيل مع الأصيل (المكفول) بقيمة مبلغ متفق عليه من المال، فهذه الدعاوى جميعها تأخد طابع الاستعجال ولا تخضع لنظام تبادل اللوائح المنصوص عليه في المادة 59 من القانون، وبالتالي لا تخضع لنظام إدارة الدّعوى المدنيّة المنصوص على أحكامه في المادة 59 مكرر من قانون الأصول، لأن المشرّع أراد إختصار الوقت من خلال تحديد موعد أول جلسة لنظر الدّعوى مباشرة عند قيدها في السجل، على أن يكون هذا الموعد خلال عشرة أيام تلي تاريخ القيد في السجل، مع مراعاة مدد تأجيل الجلسات لهذا النوع من الدعاوى والمنصوص عليها في المادة 61/3 من قانون أصول المحاكمات المدنية بصيغته المعدلة بالقانون رقم 16 لسنة 2006 التي حظرت على المحكمة تأجيل الدعاوى المستعجلة لمدة تزيد على إثنتين وسبعين ساعة، مما يعني أن المدة التي يتوجب على المدعى عليه تقديم جوابه وبيناته على الدعوى خلالها هي المدة التي تحددها له المحكمة في قرار تأجيل الدعوى إلى الجلسة التالية، وبسبب إختلاف توجهات محاكم الدرجتين الأولى والثانية في تطبيق المواد 59 و60 من قانون أصول المحاكمات المدنية، وبمناسبة عرض الموضوع على محكمة التمييز الأردنية جاء تدخل هذه المحكمة في قرارها الصادر عن هيئتها العامة بتاريخ 19/2/2006 في الدعوى رقم 1494/2005، وقد جاء في هذا القرار: “…. أما الدعاوى المستعجلة المنصوص عليها في المادة 60 المذكورة فلم يرد بشأنها نص صريح كالنص الوارد في المادة 59 من حيث وجوب تقديم اللائحة الجوابية خلال المدد المنصوص عليها فيها، وإذا كان هدف المشرع بما أورده من ضوابط ومواعيد في المادة 59 سرعة البت في الدعاوى العادية التي غالباً ما تكون أكثر تعقيداً من الدعاوى المستعجلة فإنه لا يصح القول بأن المشرع لم يحدد مدة لتقديم اللائحة الجوابية وحافظة البيّنات في الدعاوى المستعجلة، وأن للمدعى عليه أن يقدمها في الوقت الذي يشاء ولو بعد المدة المحددة في المادة 59 من قانون أصول المحاكمات إذ أن المشرع قد ألزم المحكمة في المادة 60 من قانون أصول المحاكمات المدنية بتعيين الجلسة في الدعاوى المستعجلة فور قيدها وخلال العشرة أيام اللاحقة لتاريخ قيدها في قلم المحكمة، وأن المادة 77 من القانون ذاته قد حظرت على المحكمة تأجيل الدعوى لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً إلا في حالة الضرورة التي يجب إثبات أسبابها في محضر المحاكمة وبما أنه من الثابت في محضر المحاكمة أمام محكمة الدرجة الأولى أن وكيل الطاعن (المدعى عليه الأول) حضر الجلسة الأولى للمحكمة وإستمهل للرد على لائحة الدعوى وأمهلته المحكمة خمسة عشر يوماً إلا أنه لم يقدمها خلال المدة التي حددتها المحكمة وإستمهل مرة ثانية فقد فوت الفرصة القانونية التي حددها القانون ولا يقبل منه الإستمهال مرة ثانية” .
وبالرغم من أن هذا القرار قد أزال بعضاً من اللُّبس حول المُدد الواجب تطبيقها على الدعاوى غير الخاضعة لتبادل اللوائح، وميز بين الدعاوى التي تخضع فيها المدد للمادة 59 وتلك التي تخرج عنها ولكن يجب أن لا تزيد عن تلك المدد الواردة في المادة 77 من ذات القانون، إلا أن قرار محكمة التمييز المذكور لم يحدد بشكل صريح المدة التي يجب على المدعى عليه تقديم لائحته الجوابية خلالها ،
ولكن وفي قرار لاحق تداركت محكمة التمييز جزءاً من مسألة تحديد موعد تقديم اللائحة الجوابية عندما ذهبت إلى أن هذا الموعد يجب أن لا يزيد عن موعد الجلسة التالية المحددة في المادة 61 من قانون أصول المحاكمات المدنية، وقد ورد في هذا القرار: “2. إذا كانت الدعاوى المستعجلة ليست تابعة لتبادل اللوائح وفقا لأحكام المادة 60 من قانون أصول المحاكمات المدنية، واذا كان المشرع لم ينص صراحة على الميعاد الذي يتعين فيه على المدعى عليه تقديم جوابه على لائحة الدعوى المستعجلة فإنه يتوجب أن يكون تقديم الجواب وقائمة البينات خلال المدة المنصوص عليها في المادة 61 من ذات القانون المتعلقة بمواعيد الحضور في تلك الدعاوى. مما ينبني عليه أن طلب المدعى عليه بتاريخ 23/6/2004 وبعدما يزيد على ثمانية أشهر من حضوره جلسة المحاكمة الأولى المنعقدة في 9/10/2003 بالسماح له بتقديم جوابه الكتابي وقائمة بيناته، جاء بعد فوات المدة القانونية المنصوص عليها بالمادة 61 سالفة الذكر وعليه فإن رفض محكمة الموضوع لطلبه هذا يتفق واحكام القانون “تمييز رقم 1494/2005 هيئة عامة تاريخ 19/2/2006” .
إلا أن هذا القرار أيضاً صدر قبل سريان تعديل قانون الأصول أي قبل إضافة الفقرة 3 إلى المادة 61 من القانون، ويعتقد الباحث أن ما قصدته محكمة التمييز في عبارتها “خلال المدة المنصوص عليها في المادة 61 من ذات القانون المتعلقة بمواعيد الحضور في تلك الدعاوى” هي تلك المدة الواردة في الفقرة 2 من المادة 61 من القانون والتي نصت على أن: “ميعاد الحضور في الدعاوى المستعجلة أربع وعشرون ساعة الا اذا اقتضت الضرورة انقاص هذا الميعاد الى ساعة بشرط أن يحصل التبليغ للخصم نفسه”، وليس تلك المدة الواردة في الفقرة 3، لأن الفقرة 3 أضيفت بموجب القانون رقم 16 لسنة 2006 الذي أصبح سارياً إعتباراً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية الواقع في 16/3/2006، أي بعد صدور هذا القرار، لذا يرى الباحث أنه وبالرغم من أن محكمة التمييز وفي قراريها السابقين قد أكدت أن على المدعى عليه أن يجيب على لائحة الدعوى في مدة تقل عن المدة المحددة في المادة 59 من القانون، كما أنها منعت المدعى عليه من المماطلة والتسويف في تقديم جوابه على الدعاوى المستعجلة بحجة عدم خضوعها لتبادل اللوائح، إلا أنها وفي قراريها لم تحدد مدةً واضحةً تجبر المدعى عليه خلالها بتقديم جوابه على الدعوى، ففي قرارها الأول حددت المدة بما لا يتجاوز المدة المحددة في المادة 77 من القانون، وفي قرارها الثاني حددت المدة بتلك الواردة في الفقرة الثانية من المادة 61، مع العلم بأن المدة الواردة في المادة 77 تتعلق بمواعيد الجلسات في الدعاوى الخاضعة لتبادل اللوائح، والمدة الواردة في المادة 61/2 تتعلق بمواعيد الحضور في الدعاوى المستعجله، لذلك عند تفضيل أحد القرارين السابقين لمحكمة التمييز الأردنية يُرجح الباحث القرار اللاحق الصادر عن الهيئة الخماسية بتاريخ 7/3/2006 على القرار الأول الصادر عن الهيئة العامة بتاريخ 19/2/2006 من ناحية لزوم تطبيق المدة الواردة في المادة 61 وليس المدة الواردة في المادة 77 من القانون على الدعاوى المستعجلة، هذا كله في الفترة السابقة على سريان القانون المعدل لقانون أصول المحاكمات رقم 16 لسنة 2006، ولكن في الوقت الحالي يرى الباحث تطبيق المدة الواردة في الفقرة الثالثة من المادة 61 من القانون.
وبالرغم من أن التعديل المشار إليه الذي أضاف الفقرة الثالثة على المادة 61 من القانون إلا أن محكمة التمييز وبهيئتها العامة ذهبت مرة أخرى إلى ما ذهبت إليه سابقاً من حيث تطبيق المادة 77 من القانون على الدعاوى المستعجلة، وذلك عندما قررت أنه: “1. تعتبر هذه الدعوى وبموجب أحكام المادة 60 من الأصول المدنية ليست خاضعة لتبادل اللوائح خاصة وان الفقرة الثانية من نفس المادة حددت الالية القانونية في اعتبار الدعوى خاضعة أو غير خاضعة لتبادل اللوائح وحتى تعتبر دعوى غير خاضعة لتبادل اللوائح بموجب هذه الفقرة وجاءت الفقرة الثالثة وحددت المدة التي يجب أن تعين المحكمة فيها جلسة مثل هذه الدعوى. وحيث أن هذه الدعوى متعلقة بالمطالبة بكمبيالات عددها 51 كمبيالة فإنها وبموجب أحكام المادة 60/2/ب تكون من ضمن الدعاوى غير خاضعة لتبادل اللوائح. 2. إذا كان هدف المشرع بما أورده في المادة 59 من الأصول المدنية من ضوابط ومواعيد هو سرعة البت في الدعاوى العادية والتي يصح القول فيها بأن المشرع لم يحدد مدة لتقديم اللائحة الجوابية إلا أن المشرع قد الزم المحكمة في المادة 60 من نفس القانون بتعيين جلسة في الدعاوى المستعجلة فور قيدها وخلال العشرة أيام التالية لتاريخ قيدها في قلم المحكمة وكذلك فقد حظرت المادة 77 من الأصول المدنية على المحكمة تأجيل الدعوى لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً إلا في حالة الضرورة التي يجب اثبات اسبابها في محضر المحاكمة فإن الدعاوى المستعجلة لا يجوز أن تتجاوز المدة الممنوحة للمدعى عليه لتقديم جوابه على هذه الفترة الواردة في المادة (77) وعلى هذا استقر اجتهاد محكمة التمييز (انظر قرار الهيئة العامة رقم (1494/2005 تاريخ 19/2/2006) . وحيث أن الثابـت من ملف الدعوى أن وكيل المدعى عليهما قد حضـر جلسـة 7/7/2003 إلا انه لم يقدم لائحته الجوابية إلا في 3/12/2003 بعد الاستمهال عدة مرات فانه يكون والحالة هذه قد فوت الفرصة القانونية التي حددها القانون لتقديم البينة ولذلك فإن ما أثاره المميزان من جدل حول احقيتهم بتقديم البينة غير وارد ومخالف للأصول مما يجعل من أسباب التمييز بالنتيجة غير واردة على القرار المطعون ومستوجبة الرد وبالتالي فإن إصرار محكمة الاستئناف على القرار المنقوض واقع في محله وموافق للأصول والقانون” .
ومن التدقيق في هذا القرار يجد الباحث أن محكمة التمييز لم تتدارك ما سكتت عنه القرارات السابقه له من حيث الخلط بين هدف المشرع من تحديد مواعيد الجلسات في الدعاوى المستعجلة في المادة 61 ومواعيدها في الدعاوى غير المستعجلة الخاضعة لتبادل اللوائح والواردة في المادة 77 من ذات القانون، كما أن هذا القرار قد أشار إلى أن المدة التي يمكن للمدعى عليه أن يتقدم خلالها بجوابه وبيناته على الدعوى المستعجلة هي تلك المدة الوادة في المادة 77 وليس المدة الواردة في المادة 61 من القانون، بالرغم من أن القرار قد أشار إلى غايات المشرع في التمييز بين الدعاوى المستعجلة وغير المستعجلة سواء في إختصار المدد أو الإجراءات.
لذلك وللتخلص من حالة التناقض والإختلاف في الإجتهادات القضائية يرى الباحث أن من الأفضل تعديل نصوص المواد 61 و77 من قانون أصول المحاكمات المدنية بحيث يُصار إلى حصر هذه المدد والنص صراحة على تطبيق المدد الواردة في المادة 61 من القانون على الدعاوى الخاضعة للمادة 60 (الدعاوى المستعجلة)، والمدد الواردة في المادة 77 على الدعاوى الخاضعة للمادة 59 (الدعاوى الخاضعة لتبادل اللوائح)، هذا بالنسبة لمواعيد تأجيل الجلسات، أما بالنسبة لموعد رد المدعى عليه على لائحة الدعوى فيجب تحديده بالنسبة للدعاوى المستعجلة بحيث لا يتجاوز المدة المحددة لتأجيل هذا النوع من الدعاوى. لأن الباحث يرى أن المشرّع أراد في المادة 60 من القانون تجاوز الزمن بالخروج عن الإجراءات التقليدية في الدعاوى المستعجلة من حيث المدة الممنوحة للمدّعى عليه للرد على لائحة الدّعوى، وما يرافقها من مدد تفصل بين تحديد مواعيد رد المدّعي على اللائحة الجوابية وتحديد موعد أول جلسة، وذلك بسبب أن طبيعة هذه الدعاوى واضحة وأقل تعقيداً من الدعاوى الخاضعة لتبادل اللوائح وهي لا تقبل المناقشة في أغلب الأحوال، سيما وأن قيمة الدين المطالب به فيها واضح ومُثبت بموجب سندات خطية محددة بنص القانون، وبالتالي فإن مجال المدّعى عليه في المنازعة بصحة هذه السندات يكون محصوراً في حالات محددة، وهذا واضح من صريح النص ” تعتبر بعض الدعاوى غير تابعة لتبادل اللوائح”، أي أن هذه الدعاوى لا تخضع لإجراءات تبادل اللوائح ومددها المنصوص عليها في المادة 59 من القانون، سيما وأن النص تضمن تحديد مدة عشرة أيام تلي تاريخ التسجيل موعداً لأول جلسة أمام محكمة الموضوع، ولكن قصوراً تشريعياً شاب النص تمثل في عدم التحديد صراحةً لموعد تقديم الجواب في هذه الدعاوى، وكذلك عدم ايراد جزاء شبيه بذلك الوارد في الفقره 4 من المادة 59 من القانون ، مما أدى إلى تعطيل تطبيقه في كثير من الأحيان، والتحايل عليه من قبل الخصوم في أحيان أخرى، وكان ذلك في ظل غياب الإجتهاد القضائي الدقيق كما رأينا من دراسة قرارات محكمة التمييز السابقة، ومن ذلك كله يخلص الباحث إلى أن المادة 60 تهدف إلى تقصير المدة في الدعاوى المستعجله إلى أقل من المدد الواردة في المادتين 59 و77 وسنده في ذلك ما يلي:
1. أن المشرّع أعطى لهذه الدعاوى صفة الاستعجال مما يدعو للقول بأن القصد من صفة الاستعجال هو فصل هذه الدعاوى في وقت أقل من الوقت الذي يلزم للفصل بها فيما لو كانت غير مستعجله، أو تابعة لتبادل اللوائح.
2. أنه لو كان قصد المشرّع جعل مدة تبادل اللوائح في هذه الدعاوى ثلاثين يوماً لنص بشكل صريح على إخضاعها للمدة المحددة في المادة 59 من القانون، أو كان من الأجدر به عدم النص على إعطائها صفة الإستنعجال أو عدم تخصيص نص خاص لهذا النوع من الدعاوى، وبالتالي فإن إخراجها عن نظام تبادل اللوائح يشير إلى قصد المشرّع بتقصير هذه المدة وليس بإطالتها أو عدم تحديدها بسقف.
3. أن التوجه الحديث في قانون أصول المحاكمات يسير بإتجاه تقصير المدة اللازمة لفصل الدّعوى من خلال التخلص من بعض الإجراءات غير الضرورية لبعض الدعاوى، وهذا الحال يتضح من قصد المشرع في الدعاوى العادية الخاضعة لتبادل اللوائح، فكيف يمكننا تفسير قصد المشرع في حالة الدعاوى المستعجلة، حيث أن موضوع هذه الدعاوى بسيط لدرجة أن تجهيز لائحة جوابية وبيّنات من المدّعى عليه لا يحتاج إلى ثلاثين يوماً تالية ليوم تبلغه لائحة الدّعوى.
4. كما أن قانون الأصول المعدِّل رقم 16 لسنة 2006 حدد مدة اثنتين وسبعين ساعة كحد أعلى في تأجيل جلسات الدعاوى المستعجلة، وهنا لو افترضنا أن المدّعى عليه طلب مهلة للإجابة على لائحة الدّعوى في أول جلسة وقررت المحكمة تأجيلها لمدة إثنتين وسبعين ساعة حسب النص المذكور، وفي الجلسة القادمة لم يتقدم المدّعى عليه بالجواب بهدف الاستفادة من مدة الثلاثين يوماً الممنوحة له في المادة 59 أو مدة الخمسة عشر يوماً الممنوحة له في المادة 77، فإن تطبيق نص المادة 61/3 أصبح بدون طائل لأن القاضي مجبر على تطبيقه في تحديد مواعيد الجلسات مما يعني حضور عشر جلسات في الحالة الأولى وخمسة جلسات في الحالة الثانية قبل أن يجيب المدّعى عليه على الدّعوى، وهنا يرى الباحث أن التطبيق للنصوص ذات العلاقة لا يعني الوصول إلى حالة تحديد جلسات بدون أية إجراءات لأن في ذلك تضييع لوقت جميع الأطراف بلا داع، كما أنه يؤدي إلى تفريغ النصوص القانونيّة من مضمونها، سِيّما وأن المشرّع لا يقول لغواً، كما أن الفقره الأولى من المادة 77 من قانون أصول المحاكمات تمنع التأجيل لنفس الغاية أكثر من مرة ولكن المادة 59 تعطي المدّعى عليه الحق باستخدام المدة الممنوحة له دون قيد أو شرط ، مما يؤدي إلى تعارض واضح بين أحكام مواد القانون، وكان المشرّع قادراً على التخلص من هذا التعارض من خلال تحديد مدد واضحة في المادة 60 لضبط إجراءات هذه الدعاوى، سِيّما وأنه أفرد لها نصاً خاصاً بها.
5. لأنه لو مُنح المدّعى عليه مدة ثلاثين يوماً للرد على لائحة الدّعوى، أو مدة خمسة عشر يوماً على حد ما ذهبت إليه محكمة التمييز في قراراتها السابقة فإن تحديد موعد أول جلسة بعد عشرة أيام من تسجيل الدّعوى هو تزيُّد لا مبرر له في القانون، سيّما وأن هذه الجلسة ستؤجل لجلسة أخرى للإجابة على لائحة الدّعوى لأن المدّعى عليه سوف يسعى للاستفادة من المدة المنصوص عليها في المادة 59 أو تلك المحددة في المادة 77.
6. أنه بالمقارنة بين المدد التي تحتاجها دعويين الأولى غير مستعجلة تخضع للمادة 59 والثانية مستعجلة تخضع للمادة 60 من القانون، فإن الفارق في المدد هو فقط في المدة التي تخضع فيها الدّعوى غير المستعجلة لسيطرة إدارة الدّعوى المدنيّة ، أما باقي المدد فإنها متشابهة، مما يدعو للتساؤل: أين العجلة في الأمر؟، ولماذا تم وصف هذه الدعاوى بالمستعجلة ما دامت تخضع لكامل المدد الخاصة بتبادل اللوائح؟.
لذلك كله يرى الباحث أن التطبيق السليم للمادة 60 يقضي بإنقاص المدة المحددة في المادة 59 لتقديم اللائحة الجوابية، وذلك بالرّغم من عدم وجود نص صريح يقضي بذلك. ولكن التطبيق المشار إليه يتماشى مع التوجه الحديث لقانون الأصول الجديد وكذلك أصول الإجراءات والمرافعات في القوانين المقارنة، كما أن التطبيق على هذا الوجه لا يخالف صريح النص بل يسير معه جنباً إلى جنب، كما يقتضي التطبيق السليم إنقاص مدد تأجيل الجلسات من خمسة عشر يوماً إلى اثنتين وسبعين ساعة سنداً لنص المادة 61 من القانون. وذلك لأن تطبيق أحكام المادة 59 المتعلقة بالمدد يجرد الدعاوى المستعجلة من صفة الاستعجال، وبالتالي فإن إخضاعها لإدارة الدّعوى –في حال كانت الإدارة قادرة على ضبط الوقت- هو الحل الأفضّل وبالتالي نكون بغنى عن نص المادة 60 من القانون. أو بإيراد نص صريح في المادة 61 يقضي بتطبيق المدة الواردة في هذه المادة على الدعاوى غير الخاضعة لتبادل اللوائح، ونص آخر في المادة 77 بتطبيق المدة الواردة فيها على الدعاوى الخاضعة لتبادل اللوائح.
وبما أن المادة 59 من قانون أصول المحاكمات حددت محكمة البداية مقراً لإدارة الدّعوى المدنيّة، مما يعني أن الدعاوى الخاضعة لإدارة الدّعوى المدنيّة هي تلك الدعاوى التي تدخل ضمن اختصاص محكمة البداية فقط. وبما أن القانون نفسه حدد أن من أهم واجبات إدارة الدّعوى الإشراف على عملية تبادل اللوائح وتنظيمها، فإن الدعاوى البدائية الحقوقية غير الخاضعة لنظام تبادل اللوائح تخرج عن سيطرة إدارة الدّعوى المدنيّة، كما أن الدعاوى التي تدخل ضمن اختصاص محاكم الصلح أو أي محكمة أخرى مهما كان نوعها تخرج أيضاً عن سيطرة إدارة الدّعوى المدنيّة .
وبعد استعراض التطور التاريخي للمراحل التي مرت بها إدارة الدّعوى، ومعرفة الدعاوى التي تخضع لسلطة إدارة الدّعوى، نرى من اللازم بيان آلية تطبيق نظام إدارة الدّعوى المدنيّة في الأردن في ظل قانون أصول المحاكمات المدنيّة الأردني رقم 24 لسنة 1988 وتعديلاته، كذلك في ظل القوانين ذات العلاقة بموضوع إجراءات التقاضي.
فقد نصّت الفقره الثانية من المادة 59 مكرر من قانون أصول المحاكمات المدنيّة على أنه: “يتولى قاضي إدارة الدّعوى المهام والصلاحيات التالية”، وبالرّغم من أن نص المادة المذكورة قد خلط بين المهام والصلاحيات، إلا أن الباحث آثر أن يفصل بينهما في فرعين بناءً على التفريق بين معنى المصطلحين حيث أن المهام تعني الواجبات التي يُلزم شخص ما بالقيام بها أثناء تأديته لعمله في مجال معين، بحيث يؤدي إهماله لهذه الواجبات كلها أو بعضها إلى فوات المنفعة من عمله أو فشل المهمة الموكولة له وأحياناً بطلانها، فمثلاً لا يستطيع قاضي إدارة الدّعوى أن يهمل مسألة عقد الاجتماع الأولي لأطراف النزاع، وإذا فعل ذلك إنهارت عملية إدارة الدّعوى برمتها وأصبحت عديمة الجدوى باعتبار أن النموذج الأردني في إدارة الدّعوى إعتبر اجتماع إدارة الدّعوى بمثابة العمود الفقري في عملية إدارة الدّعوى، كما لا يستطيع أن يؤجل إجراء التباليغ إلى محكمة الموضوع لتقوم بها، لأن فكرة إدارة الدّعوى تقوم على التخلص أو المساعدة في التخلص من بعض الإجراءات التي تسبب إطالة أمد النزاع ومنها مرحلة التباليغ، كما أن إنجاز التباليغ عنصر أساسي في موضوع حصر البيّنة، كما لا يستطيع قاضي إدارة الدّعوى رفضّ التصديق على المصالحة بين أطراف النزاع، لأن المادة 78 من القانون لم تُخيِّر القاضي بذلك بل أجبرته على الانصياع لطلب أطراف الدّعوى بالتصديق على أي اتفاق بينهم وإثباته في محاضر الدّعوى.
أما صلاحية القاضي في فرض الغرامات المنصوص عليها في المادتين 14 و72 من القانون فهي رخصة منحها القانون للقاضي ليستعملها ضد من يحاول تعطيل إجراءات التقاضي من موظفي المحكمة وأطراف النزاع، وقد ورد في نص المادتين المشار إليهما ما يفيد معنى التخيير، فقد ورد في المادة 14 عبارة “يجوز لها”، كما ورد في المادة 72 عبارة “تحكم المحكمة…. ولكن للمحكمة….”، وبما أنها رخصة فللقاضي حق استعمالها أو عدم استعمالها حسب واقع الحال، والهدف من منحها هو المساعدة في تنظيم عمل إدارة الدّعوى، والمساهمة في تحقيق أهدافها، وبرأي الباحث هذا هو الفارق الجوهري بين المهام والصلاحيات، فقاضي إدارة الدّعوى مُجبر على القيام بالمهام، بينما هو مُخيّر بإستعمال صلاحياته التي نصّت عليها المادة 59 مكرر من القانون. لذلك سوف يتناول الباحث تقسيم المهام والصلاحيات إلى الفرعين التاليين:
الفرع الأول: واجبات قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة.
الفرع الثاني: صلاحيات قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة.
الفرع الأول
واجبات قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة
لغايات تطبيق أحكام المادة 59 مكرر من قانون أصول المحاكمات المدنيّة، تتكون إدارة الدّعوى المدنيّة من عدد من قضاة إدارة الدّعوى بالإضافة إلى عدد من الموظفين. ويتولى موظفو القلم في إدارة الدّعوى النواحي الإدارية في عمل الإدارة، ابتداءً من استقبال ملفات الدعاوى والطلبات وتسجيلها في السّجلات المعدة خصيصاً لهذه الغاية ، وإرسال التبليغات الخاصة بهذه الدعاوى، وتلقي اللوائح الجوابية وضمها إلى ملفات الدعاوى. ويتولى القضاة الجانب القانوني المتمثل في إدارة جلسات واجتماعات إدارة الدّعوى، وإعداد جداول زمنية للدعاوى خاصة بمرحلة تبادل اللوائح، وكذلك مهمة الإشراف على موظفي الإدارة ومراقبتهم أثناء قيامهم بواجباتهم.
وقد وضع المشرّع الأردني في المادة 59 مكرر من قانون أصول المحاكمات آلية تفصيلية لإدارة الدّعوى، من خلال بيان مهام وواجبات إدارة الدّعوى المدنيّة متمثلة بقضاتها وكتبتها، والتي تهدف إلى تحقيق النتيجة المرجوة من إدارة الدّعوى كمرحلة أولية من مراحل التقاضي، فقد نصّت الفقرة ب من تلك المادة على أن: “يسمي رئيس المحكمة قاض أو أكثر للعمل في إدارة الدّعوى المدنيّة وللمدة التي يحدّدها ويختار من بين موظفي المحكمة العدد اللازم لهذه الإدارة”. ما يعيب النص المشار إليه أن صياغته جاءت بطريقة تدعو للاعتقاد أن قُضاة إدارة الدّعوى هم من يتولون بأنفسهم النواحي الإدارية في إدارة الدّعوى، وذلك لأن الفقرة 2 من المادة 59 مكرر نصّت على أن: “يتولى قاضي إدارة الدّعوى المهام والصلاحيات التالية…..”، دون التطرق إلى أن القضاة في الإدارة يقومون ببعض هذه المهام من خلال عدد من الموظفين المساعدين لهم. لذلك سوف يتم بيان واجبات إدارة الدّعوى المدنيّة كإدارة متكاملة بكامل تشكيلاتها، مع التمييز بين الأعمال التي يقوم بها القضاة وتلك التي يقوم بها الموظفون وبنفس المنهجية الواردة في المادة 59 مكرر من قانون الأصول وذلك لتسهيل المقارنة بين النظام الأردني والأنظمة المقارنة وعلى النحو التالي:
أولاً: الإشراف على ملف الدّعوى عند تسجيله في المحكمة:
حيث نصّت المادة 59/2 من قانون الأصول على أن: “يتولى قاضي إدارة الدّعوى المهام والصلاحيات التالية:
أ-الإشراف على ملف الدّعوى عند وروده مباشرة إلى المحكمة وتسجيله في سجلاتها، مراعيا بذلك أحكام المواد (56) و (57) و (58) و (59) و (109) من هذا القانون”.
وهذه المهمة تشمل شقين هما:
أ) تسجيل الدّعوى: ويقوم بذلك موظف قلم إدارة الدّعوى المختص بتسجيل الدعاوى في سجل الأساس، فيقوم هذا الموظف بكافة الإجراءات القانونيّة الواجبة لإتمام الأعمال التالية:
1. تسجيل الدعاوى والطلبات الواردة إلى قلم محكمة البداية .
2. يتأكد من أن لائحة الدّعوى واللائحة الجوابية والبيّنات المقدمة معهما تتفق وأحكام المواد 56و57و58و59 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة.
3. يتأكد الموظف من قيام وكلاء الطرفين بالتوقيع على اللوائح والطلبات والمصادقة على الوكالات والتوقيع على صور البيّنات.
4. يتأكد من تقديم البيّنات الواردة في قوائم البيّنات، ويُشير إلى البيّنات الناقصة منها.
5. يقوم بوضع الأختام الرسمية على اللوائح والطلبات والبيّنات وإعطاء نسخ مختومة ومطابقة للأصل لطرفي الدّعوى.
6. التأكد من أن طلب البيّنة الموجودة تحت يد الخصم أو الغير قد تم تقديمه من خلال طلب خطي مستوفي الشروط القانونيّة التي يستوجبها المشرّع بموجب أحكام المادة 20-23 من قانون البيّنات، وذلك في حال الإشارة إليه في قائمة البيّنات الخطية.
وتعتبر جميع هذه الأعمال أعمالاً قانونية يمارسها موظف قلم إدارة الدعوى تحت إشراف قاضي إدارة الدعوى، كما يقوم بها موظفوا المحاكم في الأنظمة المقارنة أيضاً.
ب) الإشراف على ملف الدّعوى منذ لحظة وروده إلى المحكمة: وهذه وظيفة من وظائف قاضي إدارة الدّعوى، ويرى الباحث أن قاضي إدارة الدّعوى يمارس هذه الوظيفة من خلال الموظفين والكتبة التابعين إدارياً له، والذين يساعدونه في القيام ببعض أعمال الإدارة، فهم يقومون بإجراءات وأعمال قانونية كتسجيل الدعاوى والطلبات، وإرسال التباليغ وتوزيعها على الملفات عند ورودها، واستقبال اللوائح الجوابية وإعادة تبليغها للمدّعين، وأخرى إدارية كحفظ الملفات وحمايتها. والموظفون إنما يقومون بهذه الإجراءات تحت رقابة وإشراف رئيس الدائرة وهو قاضي إدارة الدّعوى، كما يقوم موظفو المحاكم المختصون والمؤهلون بهذه الأعمال الإدارية في الأنظمة المقارنة.
ثانياً: إجراء التباليغ اللازمة لأوراق الدّعوى :
فقد نصّت المادة 59/2 مكرر من قانون أصول المحاكمات المدنيّة على أن: “يتولى قاضي إدارة الدّعوى المهام والصلاحيات التالية:
ب- اتخاذ الإجراءات اللازمة لتبليغ أطراف الدّعوى بالسرعة الممكنة”.
وهذا الإجراء يقوم به موظفو الإدارة بعد استكمال إجراءات تسجيل الدّعوى في سجل الأساس، فيتم إرسال التبليغ إلى قلم المحضرين في محكمة البداية ليتولى تبليغها حسب الأصول وإعادتها إلى قلم إدارة الدّعوى بشرح حول كيفية التبليغ، لذا يقوم قاضي إدارة الدّعوى بمراقبة هذه العملية والتأكد من سلامة إجراءاتها خوفاً من بطلان إجراءات التقاضي بسبب عيب في التباليغ ومن ثم لزوم إعادة الإجراءات من تلك النقطة، الأمر الذي يترتب عليه إطالة أمد الخصومة وتأخير الفصل بها .
ولذلك يقع على عاتق إدارة الدّعوى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتبليغ أطراف الدّعوى مع مراعاة ما يلي:
1) أن يتأكد قاضي إدارة الدّعوى من مراعاة الإجراءات والشروط القانونيّة فيما يتعلق بطريقة إجراء التبليغ والشخص المسلّم له وموعده، وإذا ما تبين له أن التباليغ لم تتم وفق الأصول القانونيّة يقرر إعادة إجرائها من جديد.
2) إجراء هذه التباليغ بأقصى ما يمكن، بهدف تحقيق غايات إنشاء هذه الإدارة، وهو تهيئة الدعاوى قبل إحالتها إلى قاضي الموضوع مما يساعده في تجاوز بعض المراحل، وبالتالي تحقيق السرعة المطلوبة للفصل في الدعاوى، والتخلص من بعض الإجراءات الإدارية التي تُسبب التأخير في إجراءات التقاضي ومن ضمنها تباليغ الأوراق القضائية.
وفي حال أعيدت مذكرة تبليغ لائحة الدّعوى والبيّنات المطلوب تبليغها للمدّعى عليه مشروحاً عليها من المحضر بعدم العثور، يتم إعلام وكيل المدّعي بذلك وإذا أفاد بوجود عنوان آخر للمدّعى عليه يتم تزويد قلم إدارة الدّعوى به على الفور لإصدار تبليغ جديد، وفي حال أفاد بعدم وجود عنوان آخر للمدّعى عليه يُصدر قاضي إدارة الدّعوى قراراً بتبليغه بالنشر حسب أحكام المادة 12 من قانون الأصول ويُسلم هذا القرار لوكيل المدّعي لتنفيذه. وفي الواقع العملي يتم اعتماد الهاتف والفاكس في إخبار وكيل المدّعي لمراجعة الدائرة لغايات السرعة في الإجراءات.
وحيث أن موضوع تبليغ الأوراق القضائية هو من المواضيع المهمة في عملية التقاضي، لكونه أول خطوة على طريق الدّعوى بعد تسجيلها، فقد اهتم قانون أصول المحاكمات المدنيّة بمعالجته، ووضَعَ له أحكاماً واضحة حددت القواعد والإجراءات التي تضمن وصول ورقة التبليغ للشخص المطلوب تبليغه وفي وقت مناسب يحفظ حقوق جميع الأطراف . لذلك ينبغي على قاضي إدارة الدّعوى عند تدقيقه لأوراق التبليغ التأكُد من أن ورقة التبليغ قد تضمنت البيانات الأساسية التي يطلبها القانون ، وأن إجراء التبليغ كان ضمن الحدود والشروط التي رسمها قانون الأصول، من حيث تاريخ وساعة التبليغ، والشخص الذي تسلّم ورقة التبليغ.
فدور قاضي إدارة الدّعوى بمراقبة التباليغ دور كبير وفعّال، لأنه يُشكل الضمانة الأولى لإتمام إجراءات التباليغ بشكل صحيح وسليم، فهو أول سلطة قضائية تضع يدها على ملف الدّعوى، وهو أول من يقرر في موضوع اكتمال دور تبادل اللوائح والبيّنات، وهي المرحلة التي تهتم بالتباليغ وحساب المدد المترتب عليها، لذلك يقوم قاضي إدارة الدّعوى بمراقبة التباليغ التي تمت أمام إدارة الدّعوى ويقرر إما أن التباليغ صحيحة ومطابقة للقانون، أو أنها مخالفة للقانون ويتوجب على موظفي إدارة الدّعوى إرسال تباليغ جديدة لأصحاب الشأن، وهنا يجب التأكيد على مسألة مهمة وهي أنه لا يُمكن عقد الاجتماع الأولي أمام قاضي إدارة الدّعوى ما لم يتم إجراء التباليغ بشكل أصولي، بحيث يتأكد قاضي إدارة الدّعوى من أن الشخص المطلوب تبليغة قد علم بإقامة الدّعوى -على الأقل- علماً قانونياً .
وبعد إجراء التباليغ بشكل أصولي وإستكمال عملية تقديم وتبادل اللوائح واللوائح الجوابية، أو بعد مرور المدة القانونيّة لتقديم المدّعى عليه لجوابه على لائحة الدّعوى دون تقديمها، يتولى موظفو الدائرة إحالة ملف الدّعوى إلى قاضي إدارة الدّعوى الذي يتولى تحديد موعد الاجتماع الأول بأطراف الدّعوى وهي المهمة الثالثة لإدارة الدّعوى المدنيّة.
ومع وجود اختلافات جوهرية في أصول عملية تبليغ الأوراق القضائية بين النظام الأردني والأنظمة المقارنة، إلا أن هذه الأنظمة تتشابه في أن من يقوم بإجراء التبليغ هو القسم المختص بالتباليغ في المحاكم ويتم إرسال التبليغ لهذا القسم من قبل موظفي القلم الذين يُشرفون على تسجيل الدّعوى، كما أن عملية التأكد من صحة التباليغ تتم من قبل قاضي إدارة الدّعوى في الأردن وهي تتم من قبل قاضي الدور أو موظف المحكمة في الأنظمة المقارنة.
ثالثاً: عقد الاجتماع الأولي لأطراف النزاع:
تنص الفقرة 2/ج من المادة 59 مكرر من القانون على أن من واجبات قاضي إدارة الدّعوى: “تعيين جلسة لأطراف الدّعوى وتبليغهم بموعدها وفق الأصول المقررة خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام بعد انتهاء المدد المحددة في المادة (59) من هذا القانون”.
فخلافاً للإجراءات التقليدية في عملية التقاضي نجد أن قاضي إدارة الدّعوى يعقد اجتماعاً أولياً للتباحث في موضوع الدّعوى مع أطراف الخصومة، ويتم تحديد موعد هذا الاجتماع خلال مدة سبعة أيام من انتهاء مرحلة تباليغ لائحة الدّعوى واللائحة الجوابية ولائحة الرد على اللائحة الجوابية، أو بعد سبعة أيام من انتهاء المدة المحددة لتقديم اللائحة الجوابية دون تقديمها .
وما يؤخد على التنظيم القانوني المتبع في إدارة الدّعوى المدنيّة في الأردن أن القانون ينظم آلية إدارة الدّعوى في هذه المرحلة دون أن يتحدث عن دور فاعل لقاضي إدارة الدّعوى المدنيّة في حالة تخلف أحد أطراف الدّعوى عن الحضور، حيث اقتصر الأمر على الإحالة فقط دون أن يملك الحق في فرض جزاء قانوني على مثل هذا الطرف، الأمر الذي قد يُرتب نتيجة عكسية تتمثل بزيادة أمد المحاكمة بدلاً من اختصاره، والسبب في ذلك أن قاضي إدارة الدّعوى يُحدد موعداً للاجتماع ويدعو الأطراف لحضوره، وعندما يتخلف أحدهما عن الحضور يحيل الدّعوى إلى قاضي الموضوع الذي يبدأ بإجراءات الدّعوى من نقطة قبول البيّنات وإصدار القرار بشأنها، مما يجعل مرحلة إدارة الدّعوى عبئاً إضافياً على الدّعوى من حيث الوقت، لأن الطرف الذي تخلّف عن الحضور أمام إدارة الدّعوى أهدر الغاية من ايجادها، وكأن القانون قد أعطى لأحد أطراف الدّعوى مُكنة الاستهتار في قوة وصلاحيات إدارة الدّعوى، كما أعطاه مُكنة تضييع وقت المحكمة والطرف الآخر في الدّعوى، كما أن ترك هذا الأمر بدون إعطاء قاضي إدارة الدّعوى أو محكمة الموضوع صلاحيات فرض جزاءات مُعينة على الطرف الذي إمتنع عن الحضور أمام إدارة الدّعوى يجعل من فكرة إدارة الدّعوى ومسألة الحضور أمامها أمراً إختيارياً لأطراف النزاع.
كما نجد في قانون أصول المحاكمات المعدل رقم 20 لسنة 2005 تعديل مبهم وغير مبرر يتيح للخصوم الحضور أمام قاضي إدارة الدعوى بأنفسهم دون محامين يمثلونهم عندما نصت الفقرة 2/د من المادة 59 مكرر من القانون على أن من مهام قاضي إدارة الدعوى: “الإجتماع بالخصوم أو وكلائهم القانونيين ….” بعد أن كان النص الأصلي لنفس الفقرة في القانون رقم 26 لسنة 2002 يوجب الإجتماع بالوكلاء القانونيين للخصوم، وقد جاء هذا التعديل مخالفاً للمادة 63/1 من قانون أصول المحاكمات والمادة 41 من قانون نقابة المحامين اللتين منعتا ححضور أطراف الدعاوى أمام محاكم البداية بدون محامين،
ولغايات تفعيل الإجتماع الأولي لإدارة الدعوى يقترح الباحث إدخال التعديلات التالية على نص المادة 59 مكرر من قانون أصول المحاكمات وهذه التعديلات وهي:
1) إعطاء قاضي إدارة الدّعوى صلاحية تحديد النقاط الجوهرية في النزاع سواء بالتعاون مع الطرف الحاضر أمامه، أو بشكل منفرد في حال غياب الطرفين، وبناءً على محتويات ملف الدّعوى، على أن يكون قراره هذا ملزماً لمحكمة الموضوع بحيث تحصُر البيّنات في حدود هذه النقاط، وبالتالي يُحرَم الطرف الذي تخلف عن الحضور أمام إدارة الدّعوى من جزء من بيّناته التي يعتمد عليها في الدّعوى.
2) إعطاء قاضي إدارة الدّعوى الحق بتجزئة عناصر الدّعوى ووقائعها وبالتالي إصدار حكم غير قابل للطعن وقابل للتنفيذ فوراً في أي جزئية يرى أن المدّعى عليه أقر فيها من خلال جوابه على الدّعوى. وفي ذلك تفعيل لنص المادة 127/2 من قانون الأصول.
3) إدخال نظام جدول ومواعيد الجلسات المُسبق الذي يتم إعداده في مرحلة إدارة الدّعوى والذي يُحدد مواعيد كل جلسات المحاكمة أمام قاضي الموضوع. وبطبيعة الحال يكون هذا الجدول مُلزِماً لمحكمة الموضوع ولأطراف النزاع الذين سيحضرون أمامها، وبالتالي يُجبر الطرف الذي تغيب عن اجتماع إدارة الدّعوى على حضور جلسات المحاكمة بدون أن يساهم في تحديدها مما يسبب إرباكاً في عمله وجدول مواعيده الأخرى، أو أن يتغيب عن المحاكمة مما يؤدي إلى محاكمته أمام محكمة الموضوع فتضيع عليه فُرص تقديم بيّناته ومرافعاته في الدّعوى.
4) إعطاء قاضي إدارة الدّعوى صلاحيات فرض غرامات مالية على الطرفين لصالح خزينة الدولة في حال تغيبهما عن الحضور، وفرض هذه الغرامات على الطرف الغائب لصالح الخزينة والطرف الحاضر في الاجتماع، على أن تتوازن الغرامة المقترحة مع قيمة الدّعوى وموضوعها.
5) منح قاضي إدارة الدّعوى الحق بإسقاط دعوى المدّعي الذي يتغيب عن حضور اجتماع إدارة الدّعوى، وإسقاط أي ادعاء متقابل من المدّعى عليه ضد المدّعي للسبب نفسه.
ولغايات تفعيل فكرة إدارة الدّعوى، وضمان الحصول على فائدة كاملة من استخدام هذا النظام في المحاكم الأردنية، ولأن التقيُّد بالنظام وفرضه على الآخرين أصعب من ايجاد النظام نفسه، لذلك كله يقترح الباحث على المشرّع الأردني إدخال كافة التعديلات السابقة في قانون أصول المحاكمات المدنية، من أجل ضمان إحترام المواعيد والمدد والجلسات التي تحدّدها إدارة الدّعوى، وضمان تقيُّد الأطراف بالامتثال لقرارات قاضي إدارة الدّعوى.
وبشكل عام، يُنجز قاضي إدارة الدّعوى مجموعة من المهام المطلوب منه انجازها في هذا الاجتماع، ومن هذه المهام ما يلي:
1) التأكد من إجراء تباليغ لائحة الدّعوى بشكل موافق للقانون في حال لم يتقدم المدّعى عليه بجواب على الدّعوى أو لم يحضر إلى الاجتماع، وكذلك التأكد من مراعاة المدد في تقديم اللائحة الجوابية والرد عليها.
2) التأكد من الوثائق التي تُثبت صحة تمثيل الخصوم بين طرفي الدّعوى ، سنداً لأحكام المادة 59/2/د مكرر التي نصّت على أنه: “… والتحقق من استكمال الوثائق المتعلقة بصحة الخصومة …”، وهذا الأمر يقتضي التأكد من صحة الوكالات المقدمة من الوكلاء سواء وكالات خاصة أو عامة، وسواء من حيث توقيع الموكل أو من حيث اشتراط المصادقة من قبل المحامين في الوكالات الخاصة وكاتب العدل على الوكالات العدلية .
كما يتأكد قاضي إدارة الدّعوى من حدود الوكالة الممنوحة للوكيل، والتأكد من حق الوكيل في إقامة الدّعوى وتقديم الطلبات الواردة فيها من عدمه .
3) التأكد من قيام المدّعي والمدّعى عليه بتقديم كافة بيّناتهم المشار إليها في قوائم البيّنات، والتأكد من حصر الوقائع المراد إثباتها بوساطة الشهود، والتأكد من استيفاء شرط مطابقة الأصل مع الصور وتسجيل ما يثبت ذلك في المحضر إذا ما كانت البيّنة عبارة عن صور، كما يقع على عاتق قاضي إدارة الدّعوى سنداً للمادة 59/2/د أيضاً عبء التأكد من الحصول على الوثائق والبيّنات الموجودة لدى الغير حيث نصّت الفقرة المذكورة على : “… وطلب أي مستند يكون لدى الغير ورد ذكره في قائمة بيّنات الخصوم …”، حيث يتولى مساعدة أطراف الدّعوى في جمع المستندات التي يطلبها الخصوم بهدف استعمالها في الإثبات إذا ما كانت موجودة تحت يد الغير، وذلك من خلال إجراء المخاطبات القضائية الموجهة إلى المعنيين، وكذلك من خلال تحويل الاستدعاءات المقدمة من قبل الخصوم إلى حائزي مثل هذه البيّنات سواء كانت دوائر حكومية أم كانوا أشخاصاً طبيعيين، وينحصر ما تتحدث عنه هذه الفقرة فقط بإحضار أصول المستندات المطلوبة في قوائم البيّنات سواء قُدمت صوراً عنها أو لم تُقدم، وكذلك إحضار مشروحات حول واقع حال أمر معين إذا ما طلب أحد الأطراف ذلك، أما طلبات إلزام الخصم بتقديم مستند تحت يده والمنصوص عليها في المواد 100 وما بعدها من قانون الأصول فلا ينظرها قاضي إدارة الدّعوى أو يقرر فيها، ولكن يختص قاضي الموضوع بنظرها، ويقوم قاضي إدارة الدّعوى فقط بالتأكد من تقديم الطلب فيها مع البيّنات.
هذا في حال تعاون أطراف النزاع مع قاضي إدارة الدّعوى في جمع البيّنات، ولكن هل يملك قاضي إدارة الدّعوى سلطة إجبار أطراف الدّعوى على إحضار تلك البيّنات لإستكمال البنود الواردة في قوائم بيّناتهم سيما وأنه يجب إحالة الدّعوى إلى محكمة الموضوع خلال ثلاثين يوماً من تاريخ أول اجتماع؟. من الناحية النظرية، لم يعطِ القانون لقاضي إدارة الدّعوى هذه السلطة، حيث لم يرد نص يستطيع بموجبه قاضي إدارة الدّعوى إجبار أحد الأطراف على إحضار بيّناته من الغير، ومن جهه أخرى حرم القانون نفسه أطراف الدّعوى من تقديم أية بيّنات بعد مرور المدة القانونيّة، أي أنه بعد مرور المدة القانونيّة لا يستطيع أي من طرفي الدّعوى تقديم أية بيّنه أمام قاضي الموضوع، ولكن من الناحية العملية تسمح محكمة الموضوع بدون سند قانوني لأطراف الدّعوى إحضار هذه البيّنات بعد إحالة الملف إليها من إدارة الدّعوى إذا ما كانت هذه البيّنات واردة ومسماة في قوائم البيّنات المقدمة أمام إدارة الدّعوى، وفي ذلك خروج واضح على نصوص المواد 59 و59 مكرر من القانون وتحميلها أكثر مما تحتمل، علماً بأن القانون المعدل لقانون أصول المحاكمات المدنية رقم 26 لسنة 2002 الذي أنشأت بموجبه إدارة الدّعوى يسمح بمثل هذا الإجراء، بموجب عجز الفقرة د من من المادة 59/2 التي تعطي الحق للقاضي”طلب أي مستند يكون لدى الغير ورد ذكره في قائمة بيّنات الخصوم، وإذا تعذر إحضار المستند ضمن المدة المحددة وفقاً لأحكام هذه المادة يتولى قاضي المحكمة المختصة المحالة إليها الدّعوى متابعة جلب هذا المستند”، وذلك خلافاً لفكرة إدارة الدّعوى التي تقتضي حصر البيّنات وتقديمها وجمعها أمام هذه الدائرة قبل إحالة الدّعوى إلى محكمة الموضوع، ولكن القانون المعدل رقم 20 لسنة 2005 ألغى هذا الأمر دون النص صراحة على عدم السماح للخصم بتقديم هذا المستند أمام محكمة الموضوع بعد إحالة الدّعوى إليها. وكان من الأجدر بالمشرّع النص بشكل صريح على هذا المنع على سبيل الجزاء للخصم الذي يُقصِّر في متابعة دعواه أو دفعه لدعوى المدّعي، سنداً للمبدأ العام أن المُقصِّر أولى بالخسارة.
4) كما يتأكد قاضي إدارة الدّعوى في اجتماعه بأطراف النزاع من أن الخصوم قدموا الطلبات والدفوع المنصوص عليها في المادة 109 من قانون أصول المحاكمات المدنية بشكل يتوافق مع نص هذه المادة .
وبسبب الخلط الذي كان يقع فيه الكثير من القضاة والمحامين حول الأولوية في تقديم الطلبات الواردة في المادة 109 المشار إليها أو اللائحة الجوابية، وهل أن تقديم طلب لرد الدّعوى يوقف مدة الثلاثين يوماً التي يجب خلالها تقديم اللائحة الجوابية، وحيث أن فكرة إدارة الدّعوى فكرة حديثة العهد ولم يتسن لمحكمة التمييز تفسير الفقرات الواردة في المادة 59 مكرر، لذا طلب رئيس الوزراء من وزير العدل تكليف الديوان الخاص بتفسير القوانين لتفسير نص المادة 59 مكرر من القانون وكان موضوع التفسير بالتحديد هو: “هل أن تقديم المدّعى عليه لطلب مستقل لرد الدّعوى قبل التعرض لموضوعها استناداً لنص المادة 109 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة رقم 24 لسنة 1988 يؤدي إلى قطع ميعاد تقديم اللائحة الجوابية والبيّنات الدفاعية المشار إليها في المادة 59 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة المشار إليه”.
وقد رأى ديوان التفسير في قراره أن تقديم هذا الطلب لا يقطع المدة، بل أن مفهوم المادتين 59 و109 من القانون يشير إلى أن الطلب يُقدم مع اللائحة الجوابية والبيّنات وعلى دفعةً واحدة ولا يعتبر بديلاً عنها .
5) يقوم قاضي إدارة الدّعوى وبالتعاون مع أطراف النزاع وبناءً على الوقائع الواردة في ملف الدّعوى بحصر نقاط الاتفاق والاختلاف بين الخصوم في الدّعوى، بموجب صلاحياته المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 59 من قانون أصول المحاكمات المدنية التي نصّت في البند هـ على: “حصر نقاط الاتفاق والاختلاف بين الفرقاء….”. ففي الاجتماع الذي يُعقد أمام قاضي إدارة الدّعوى يتم التباحث بين طرفي النزاع وبإدارة القاضي ويتم بنتيجة التباحث حصر النقاط المتفق عليها وتلك المختلف عليها، أي حصر محل النزاع في وقائع واضحة ومحددة، الأمر الذي يحدد لقاضي الموضوع النقاط التي ستخرج من الخصومة لأنها ليست محل نزاع وبالتالي ستنحصر الخصومة وعبء الإثبات في حدود النقاط المختلف عليها.
ولإكمال مهمته السابقة يحق لقاضي إدارة الدّعوى توجيه المدّعي لتقديم لائحة دعوى أكثر تفصيلاً، أو المدّعى عليه لتقديم لائحة جوابية أكثر وضوحاً، من أجل التعرف على النقاط القانونيّة والوقائع محل النزاع بشكل واضح .
ويعتبر الإتفاق بين الخصوم على أية مسائل مُختلف عليها أصلاً في الدعوى بمثابة إقرارات قضائية تؤثر في سير الخصومة، كونها تمثل اعترافاً من قبل الخصم بالحق المدّعى به عليه أمام المحكمة أثناء نظر الدّعوى الخاصة بذلك الحق وبقصد إلزام نفسه بما أقر به، ومع علمه بأن هذا الإقرار سيُتخذ حجة عليه وأن خصمه سيُعفى به من تقديم أي دليل إذا ما استكمل شروط الإقرار القضائي .
وإذا ما استكمل الإقرار شروطه القانونيّة كافة فإنه يُعتبر حُجة قاطعة الدلالة، وعندها يجب على قاضي الموضوع الأخذ به وعدم إجراء أي بحث في موضوعه بعد حصوله.
ولغايات إعطاء ملف إدارة الدّعوى بمحتوياته كافة، القوة القانونيّة الواجبة، يجب على محكمة الموضوع عند إصدارها لقرارها في البيّنات عدم إجازة تقديم أية بيّنات لإثبات عكس ما تم من إقرارات أمام إدارة الدّعوى، وكذلك عدم إجازة تقديم أية بيّنات لإثبات صحة الإقرار القضائي الذي تم إمام إدارة الدّعوى المدنية، وبالنتيجة عدم إجازة أية بيّنات لأي طرف في الدّعوى لإثبات عكس الوقائع المتفق عليها أو لإثبات وقائع بعيدة عن الوقائع المختلف عليها أمام إدارة الدّعوى .
وكما ذكرت سابقاً تتم جميع الإجراءات السابقة بالاشتراك بين قاضي إدارة الدّعوى وأطرافها، وليس بقرار منفرد من القاضي الذي يدير الدّعوى، وذلك من خلال البيّنات واللوائح المقدمة من الطرفين في ملف الدّعوى، وهنا يستعمل قاضي إدارة الدّعوى خبراته القضائية والإدارية معاً، فهو يستجلي ويستوضح بعض الأمور التي تهم الدّعوى والنزاع من طرفي الدّعوى مُستخدماً خبرته كقاض، كما يستخدم خبراته كمدير في ضبط اجتماع الأطراف بحضوره، كما يستعمل هذه الخبرات في توجيه الأطراف لحل النزاع بأسرع الطرق وأقلها تكلفة.
6) بعد أن يتأكد قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة من صحة كافة الإجراءات السابقة، يبدأ مرحلة التباحث مع أطراف الدّعوى، محاولاً إقناعهم بالمصالحة على موضوعها، والوصول إلى حل سلمي وسريع للنزاع، دون التطرق إلى الخاسر أو الرابح في الدّعوى، أي أن لا يبدي رأيه الشخصي المبني على خبرته كقاضٍ، بل يطرح عليهما مجتمعين حل الخلاف بناءً على الأوراق والوقائع الموضحة في الملف، مُستخدماً في ذلك خبرته في فن التباحث والتداول، وعليه طرح أفكار جدّية على الطرفين لمساعدتهما في الحل، دون أن يتدخل بفرض فكرة معينة على أحدهما، بل يقوم بإدارة الحوار والمفاوضات التي تجري أمامه وبناءً على أفكاره حول الحل .
فقد نصّت الفقرة الثانية من المادة 59/2/هـ مكرر من القانون على أن من مهام وواجبات قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة أثناء انعقاد الاجتماع بأطراف النزاع أن يحثهم ويشجعهم على حل نزاعهم بشكل ودي بدلاً من الاستمرار بعملية التقاضي. وهذا الأمر يعتبر هدفاً رئيسياً من أهداف إدارة الدّعوى المدنيّة، وعلى القاضي تهيئة الظروف المناسبة وخلق الجو الملائم لأطراف النزاع للتوصل إلى تسوية تُرضي طرفي الدّعوى، من خلال طرح الأفكار، وفتح باب الحوار بشكل موسّع، وإعطاء الأطراف مهلة للتفكير والتشاور مع الموكلين وأصحاب الحقوق.
وفي حال اتفاق أطراف الدّعوى على المصالحة على موضوع الدّعوى، يقوم قاضي إدارة الدّعوى بالمصادقة على هذه المصالحة، وإصدار الحكم في الدّعوى بناءً على اتفاق الأطراف وحسب أحكام المادة 78 من قانون الأصول. وكما ذكرت سابقاً، فإن قاضي إدارة الدّعوى ليس مُخيراً بموضوع المصادقة على اتفاق المصالحة وتثبيته في محاضر الدّعوى بل هو مُجبر على ذلك، لأن القانون أعطاه صفة وصلاحيات قاضي الموضوع في هذا الشأن، كما أن مصادقته على المصالحة تعني انتهاء الدّعوى قبل إحالتها على قاضي الموضوع مما يؤدي إلى تحقيق عدد من أهداف إدارة الدّعوى المدنيّة وهي تخفيف العبء المُلقى على عاتق قضاة الموضوع، وتقليل عدد القضايا المنظورة في المحاكم، واختصار الجهد والوقت والنفقات على جميع الأطراف.
كما يستغل قاضي الإدارة هذا الاجتماع لكي يعرض على أطراف الدّعوى سلوك إحدى الطرق البديلة لفضّ النزاعات، وشرح مزايا هذه الطرق للخصوم ومحاولة إقناعهم باتباعها.
وقد كان القانون المعدل رقم 26 لسنة 2002 يُعطي في المادة 59 مكرر/7/أ لقاضي إدارة الدّعوى الحق بإحالة الدّعوى إلى وسيط يتم تسميته باتفاق أطراف النزاع أو يتولى القاضي تسميته بناءً على طبيعة النزاع، و تتم الإحالة إلى الوسيط بناءً على قرار من قاضي إدارة الدّعوى أو بناءً على اتفاق الأطراف على ذلك، كما بيّنت الفقرتان ب و ج من نفس المادة إجراءات الوساطة وطرق تنظيمها، مما يعني أن المادة المذكورة كانت تُعطي قاضي الإدارة حق القرار بتحويل الدّعوى إلى الوساطة كأحد الطرق البديلة لفضّ النزاعات دون أن يأخذ رأي الخصوم في حال أنه رأى أن موضوع الدّعوى يقتضي حله بطريق الوساطة وعندها يحق للأطراف الإشتراك فقط في تسمية وإختيار الوسطاء ، وقد صدر القانون المعدل لقانون أصول المحاكمات رقم 20 لسنة 2005 الذي ألغى نص الفقرة 7 من المادة 59 مكرر بعد أن صدر قانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنيّة المؤقت رقم 37 لسنة 2003 ، والذي صادق عليه مجلس الأمة -بعد أن أدخل عليه العديد من التعديلات- تحت الرقم 12 لسنة 2006 ، والذي نص في مادته الثالثة على مسألة إحالة الدّعوى إلى الوساطة سواء من قبل قاضي إدارة الدّعوى أو من قبل قاضي الصلح، حيث نصّت هذه المادة على أنه: ” أ- لقاضي إدارة الدّعوى أو قاضي الصلح وبعد الاجتماع بالخصوم أو وكلائهم القانونيين احالة النزاع بناء على طلب أطراف الدّعوى أو بعد موافقتهم إلى قاضي الوساطة أو إلى وسيط خاص لتسوية النزاع ودياً، وفي جميـع الأحوال يراعي القاضي عند تسمية الوسيط اتفاق الطرفين ما أمكن.
ب-لأطراف الدّعوى بموافقة قاضي إدارة الدّعوى أو قاضي الصلح الاتفاق على حل النزاع بالوساطة وذلك بإحالته إلى أي شخص يرونه مناسباً، وفي هذه الحالة يحدد الوسيط أتعابه بالاتفاق مع أطراف النزاع، وفي حال تسوية النزاع وديا يسترد المدّعي الرسوم القضائية التي دفعها”.
لذلك أصبح قاضي إدارة الدّعوى يستند إلى نص المادة الثالثة من قانون الوساطة عند إصدار قرار إحالة الدّعوى إلى الوساطة، كما أن حقه في إصدار قرار الإحالة على الوساطة بدون موافقة الأطراف تم إلغاؤة في هذا القانون، الأمر الذي ترك نظام الوساطة خاضعاً لرغبة الأطراف في اللجوء إليه.
7) تدوين إجراءات إدارة الدّعوى المدنيّة: يقوم قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة بتدوين كافة الأعمال التي قام بها في الدّعوى منذ لحظة تسجيلها وحتى إصدار قرار بإحالتها لقاضي الموضوع، وذلك من خلال كاتب جلسات إدارة الدّعوى وبناءً على ما يمليه عليه قاضي إدارة الدّعوى، ويتضمن هذا المحضر جميع أعمال إدارة الدّعوى والنتائج التي توصل لها قاضي الإدارة، فقد نصّت الفقرة الخامسة من المادة 59 مكرر من قانون أصول المحاكمات المدنيّة على أن: “ينظم قاضي إدارة الدّعوى محضراً بما قام به من إجراءات متضمناً الوقائع المتفق والمتنازع عليها بين الأطراف ويحيل الدّعوى إلى قاضي الموضوع خلال ثلاثين يوما من تاريخ أول جلسة يعقدها”.
وعليه، يجب أن يُعطي المَحضر الذي يعده قاضي إدارة الدّعوى صورةً حقيقيةً عن جميع الإجراءات التي تمت أمام قاضي إدارة الدّعوى، بما فيها من نتائج المباحثات والإقرارات وحصر للوقائع الجوهرية في الخلاف، وبالنتيجة يُرسل هذا المحضر إلى قاضي الموضوع مع ملف الدّعوى، ويتم تنظيم هذا المَحضر سواء حضر أطراف الدّعوى أمام قاضي إدارة الدّعوى أم لا عملاً بأحكام الفقرة الرابعة من المادة 59 من القانون التي نصّت على أنه: “إذا تخلف أحد الأطراف عن حضور الجلسة التي حدّدها قاضي إدارة الدّعوى أو رفضّ حضورها أو إنتهت المدة المنصوص عليها في هذه المادة يحيل الدّعوى إلى قاضي الموضوع مرفقاً بها المحضر المشار إليه في الفقرة (5) من هذه المادة”، وفي هذه الحالة تنحصر محتويات المَحضر على الإجراءات التي قام بها قاضي إدارة الدّعوى بغياب الخصوم، مما يعني خلوه من تحديد العناصر الجوهرية والنقاط الأساسية المختلف عليها.
رابعاً: الإحالة إلى محكمة الموضوع:
وهو الإجراء الأخير الذي يجريه قاضي إدارة الدّعوى وبموجبه يتم نقل ملف الدّعوى من حيازة وسيطرة قاضي إدارة الدّعوى إلى محكمة الموضوع المختصة لتبدأ إجراءات المحاكمة أمام قاضي الموضوع الذي يجب أن يستند على ما قام به قاضي إدارة الدّعوى من إجراءات .
وحيث أن إحالة الملف من إدارة الدّعوى إلى محكمة الموضوع هي المآل النهائي والطبيعي للملف فقد حددت المادة 59 من قانون الأصول عدة حالات يتم فيها إحالة الملف إلى محكمة الموضوع وهذه الحالات هي :
1) الانتهاء من مرحلة اجتماعات إدارة الدّعوى وتحقيق المهام المطلوبة كافةً من قاضي الإدارة إنجازها في هذه الاجتماعات، ومن هذه المهام التأكد من صحة إجراءات تسجيل الدّعوى، وكذلك التأكد من صحة التبليغات، وتبادل اللوائح، وصحة الخصومة، وحصر البيّنات وجمعها وطلبها من الغير، وكذلك انتهاء مرحلة التداول مع وكلاء الخصوم وتحديد نقاط الاتفاق والاختلاف .
2) تخلّف أحد وكلاء الخصوم عن حضور الاجتماع أمام قاضي إدارة الدّعوى بعد أن جرى تبليغه تبليغاً أصولياً، وقد ورد في نص المادة 59/4 من القانون ما يلي: “إذا تخلف أحد الأطراف …… أو رفضّ حضورها أو ….”، ولا يرى الباحث أي مبرر لعبارة “أو رفضّ حضورها” الواردة في النص لأن ذلك من باب التكرار الذي لا داع له لأن التخلُف عن الحضور يكفي لإبداء الرفضّ، ويُعطي نفس المعنى، وهنا يقوم قاضي إدارة الدّعوى بتنظيم المَحضر المشار إليه في الفقرة الخامسة من نفس المادة مشيراً فيه إلى الإجراءات التي تمت أمامه، ومن ناحية عملية تتم الإحالة هنا في أول اجتماع أمام إدارة الدّعوى، ولا يتم تحديد موعد آخر للاجتماع لعدم وجود مبرر قانوني أو واقعي له ، فالهدف من عقد هذه الاجتماعات على مدى الثلاثين يوماً هو المحاولة لتقريب وجهات النظر بين طرفي الدّعوى، ومحاولة الوصول إلى نقاط اتفاقية تتغلب على النقاط الخلافية بهدف تقصير الوقت اللازم للفصل في الدّعوى. وهذا الأمر يستحيل في حالة تغيُّب أحد طرفي الدّعوى عن هذه الاجتماعات.
3) انتهاء مدة الثلاثين يوماً المنصوص عليها في الفقرة الخامسة من المادة 59 مكرر من قانون الأصول دون أن يتمكن قاضي إدارة الدّعوى من إنهاء المهام المطلوبة منه.
ولكن تجاوز هذه المدة لا يرتب بطلان الإجراءات، ذلك أنه لا بطلان إلا بنص، وقد بيَّن المشرّع في المادة 24 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة الحالات التي تُرتب البطلان على أية مخالفة لنصوص القانون أو الإجراءات المحددة فيه وهذه الحالات تتمثل بما يلي:
1. إذا نص القانون صراحة على اعتبار الإجراء باطلاً وهنا يكون البطلان بموجب النص الصريح.
2. إذا شاب الإجراء عيب جوهري ترتب عليه ضرر للخصم وهنا لا بد من توفر عيب قانوني أو إجرائي من جهة، وأن يرتب هذا العيب ضرر لأحد الخصوم.
وحيث أن المشرّع لم ينُص صراحةً على البطلان في حالة تجاوز المدة المحددة بثلاثين يوماً، وفي نفس الوقت لا يشكل الإخلال الناتج عن تجاوز المدة إخلالاً جوهرياً بالنصوص والإجراءات، ولا يُلحق ضرراً بأحد الأطراف بالتالي فإن ذلك لا يُرتب البطلان.
ولكن الهدف الأساسي لإدارة الدّعوى المدنيّة هو الاستعجال في إجراءات الدّعوى، لذلك لا يُنتظر من إدارة الدّعوى أن تضيف أسباباً جديدة -مستوحاة من فكرتها- للإطالة أو المماطلة في مراحل الدّعوى.
الفرع الثاني صلاحيات قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة
يتمتع قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة بعدد محدود من الصلاحيات في ظل قانون أصول المحاكمات المدنيّة الأردني على عكس النظام الإنجليزي، وبالمقابل منع القانون قاضي الإدارة القيام ببعض الأعمال بحكم وظيفته كقاضي لإدارة الدّعوى المدنيّة، والصلاحيات الممنوحة لقاضي إدارة الدّعوى المدنيّة في المادة 59 مكرر من قانون الأصول هي:
1) المصادقة على أي اتفاق أو أية مصالحة يتفق عليها الأطراف لتسوية موضوع النزاع، وهذا ما نصّت عليه مقدمة الفقرة الثالثة من المادة 59 مكرر من القانون بأن: “يمارس قاضي إدارة الدّعوى الصلاحيات المقررة لقاضي الموضوع في تثبيت الصلح أو أي اتفاق آخر، وإصدار القرار وفق ما تقتضيه أحكام المادة (78) من هذا القانون….”، فعندما ينجح قاضي إدارة الدّعوى بإقناع الطرفين بالتوصل إلى تسوية النزاع بالمصالحة بينهما على موضوعه، يقوم بناءً على طلبهما بالمصادقة على هذا الاتفاق دون التدخل بموضوعه أو حيثياته، بل تنحصر مهمته بإصدار قرار نهائي ترتفع بعده يد المحكمة عن الدّعوى، فقد نصّت المادة 78 من قانون الأصول على أنه: “للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة في أية حالة تكون عليها الدّعوى إثبات ما اتفقوا عليه من صلح أو أي اتفاق آخر في محضر الجلسة ويوقع عليه منهم أو من وكلائهم، فإذا كانوا قد كتبوا ما اتفقوا عليه، ألحق الاتفاق المكتوب بمحضر الجلسة وأثبت محتواه فيه، ويكون للمحضر في هذه الحالة قوة الحكم الصادر عن المحكمة وتُعطى صورته وفقاً للقواعد المقررة وفقاً للأحكام”، وعليه يتم ضم نسخة اتفاق الصلح مع محاضر الدّعوى واعتباره جزءاً لا يتجزأ من هذه المحاضر بعد توقيعه من أطراف النزاع وقاضي إدارة الدّعوى، أو يتم تسجيل الاتفاق بين الطرفين من قبل قاضي إدارة الدّعوى في المحاضر إن لم يكن مكتوباً من قبل الأطراف، كما يصدر القاضي قراره بهذا الشأن وكأنه قاضي موضوع لأنه هنا يفصل بموضوع الدّعوى ولا يقتصر دوره على تنظيم الإجراءات فقط .
وبالرّغم من أن الباحث قد اعتبر المصادقة على أي اتفاق بين أطراف النزاع على أنه من ضمن مهام قاضي إدارة الدّعوى وليس صلاحياته، إلا أنه ومن منطلق الدعوة إلى إعطاء قاضي إدارة الدّعوى صلاحيات أوسع مما هي عليه في النظام الحالي هو ما دعى الباحث إلى التركيز على هذا الموضوع مرة أخرى في نفس الدراسة ،هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن قاضي إدارة الدّعوى عندما يصادق على اتفاق المصالحة فإنما هو يُصدر قراراً فاصلاً في موضوع الدّعوى، مما يُخرجه عن مهامه الأساسية في إدارة الدّعوى وهي تنظيم الإجراءات والإشراف عليها وتجهيز الملف، وإن كان إنهاء النزاع بشكل سريع من أهداف هذه الإدارة، وبالتالي يصبح قاضي إدارة الدّعوى بمثابة قاضي موضوع وقاضي إدارة دعوى بنفس الوقت، وهو ما يراه الباحث لمستقبل فكرة إدارة الدّعوى في الأردن، لذلك ركّز الباحث على إبراز هذا الأمر أملاً في أن يوسّع المشرّع الأردني من صلاحيات قاضي إدارة الدّعوى وسلطاته في إدارة الدعاوى في أية تعديلات قادمة على قانون الأصول المدنيّة.
كما منح القانون لقاضي إدارة الدعوى حق المصادقة على أي إتفاق بين الأطراف أثناء جلسات إدارة الدعوى، ويمكن تصور إي إتفاق عدا إتفاق المصالحة كما هو الحال في إتفاق الأطراف على وقف السير بالدعوى لمدة محددة، أو إتفاقهم على إحالة النزاع على التحكيم أو الوساطة أو أية طريق أخرى من الحلول البديلة.
2) مُنح قاضي إدارة الدّعوى نفس الصلاحيات الممنوحة لقاضي الموضوع بموجب المادتين 14 و72 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة والتي تناولت صلاحيات القاضي بفرض الغرامات في أحوال محددة.
فقد نصّت المادة 14 على أنه: ” متى أعيدت الأوراق القضائية إلى المحكمة مُبلغة على أحد الوجوه المبينة في المواد السابقة تسير في الدّعوى اذا رأت أن التبليغ موافق للأصول وإلا فتقرر اعادة التبليغ، على أنه اذا تبين للمحكمة أن التبليغ لم يكن موافقاً للأصول، أو أنه لم يقع أصلاً بسبب إهمال المحضر أو تقصيره يجوز لها أن تقرر أيضا الحكم على المُحضِر بغرامة لا تقل عن عشرين ديناراً ولا تتجاوز خمسين ديناراً ويعتبر قرارها بهذا الشأن قطعياً”.
أما المادة 72 من ذات القانون فقد نصّت على أن: “تحكم المحكمة على من يتخلف من موظفيها أو من الخصوم عن ايداع المستندات أو عن القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات في الميعاد الذي حددته المحكمة بغرامة لا تزيد عن عشرين ديناراً، ويكون ذلك بقرار يثبت في مَحضر الجلسة له ما للأحكام من قوة تنفيذية ولا يقبل الطعن فيه بأي طريق، ولكن للمحكمة أن تُقيل المحكوم عليه من الغرامة كلها إذا أبدى عذراً مقبولاً”.
ومن النصين السابقين نجد أن القانون منح قاضي إدارة الدّعوى صلاحية فرض غرامات على أطراف الخصومة وعلى أي من موظفي إدارة الدّعوى المدنيّة وعلى أي من مُحضري المحكمة في حال تخلف أو قصّر أحدهم في تنفيذ واجباته ضمن المدد المحددة من قبل قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة ، وبالرّغم من أن هذه الصلاحيات نادراً ما تُستعمل في محاكمنا إلا أن إعطائها للقاضي يسمح له بالتحكم في الدّعوى والسيطرة عليها إذا ما توفرت لديه الإرادة لتحقيق الهدف من إدارة الدّعوى المدنيّة، ومع أن الباحث يرى بلزوم أن تكون الغرامات المحكوم بها على الخصوم تتناسب مع قيمة الدّعوى أو موضوعها أو مع الضرر الذي يتسبب به الخصم المتخلف عن تنفيذ قرار المحكمة للخصم الآخر، وذلك لكي تكون هذه الغرامة رادعاً لمن يُفكر في المماطلة والتسويف الذي أصبح لدى الكثير من المحامين والخصوم ممارسة يومية في المحاكم سّيما في ظل غياب تطبيق النصوص الموجودة حالياً.
بالإضافة إلى إعطاء قضاة إدارة الدّعوى صلاحيات أوسع في تنويع هذه الجزاءات لتصل إلى حد شطب جزء من الادعاء أو جزء من الدفاع في حال تلكؤ أي من الأطراف في متابعة دعواه أو دفاعه، وكذلك حق تقرير بعض الوقائع المهمة في الدّعوى والتي يترتب عليها التسليم ببعض البنود أو رفضّها مما يترتب عليه إما الحكم بهذه البنود مباشرةً من قبل إدارة الدّعوى أو عدم قبول البيّنات على هذا الجزء من الدّعوى أو الدفاع مستقبلاً أمام محكمة الموضوع .
3) ومن الصلاحيات الممنوحة لقاضي إدارة الدّعوى المدنيّة ما جاء في المادة 3/أ من قانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنيّة رقم 12 لسنة 2006، التي منحت قاضي إدارة الدّعوى المدنيّة الصلاحية في إحالة النزاع على وسيط بناء على طلب أطراف الخصومة أو أحدهم، أو بناءً على قرار من القاضي ولكن بعد موافقة الخصوم على ذلك .
وفي جميع الدول التي طبقت فكرة إدارة الدّعوى، يتم استغلال جلسات واجتماعات إدارة الدّعوى المدنيّة من أجل تشجيع الأطراف على اللجوء إلى الوسائل البديلة لفضّ النزاعات، ومن أفضّل السبل البديلة لفضّ النزاعات هي الوساطة المدنيّة لما تتمتع به من سرعة، وقلة النفقات المترتبة عليها، لذلك إعتمد المشرّع الأردني هذه الوسيلة ونظم أحكامها بموجب قانون خاص بها هو قانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنيّة رقم 12 لسنة 2006 .
وبمقابل هذه الصلاحيات الممنوحة لقاضي إدارة الدّعوى، فقد منع القانون قاضي إدارة الدّعوى من القيام بمجموعة من الأمور حفاظاً على الشفافية في العمل القضائي. فإلى جانب الأمور العامة المفروضة على القاضي بعدم الميل إلى أحد الأطراف أو الانحراف بالعدالة ولزوم الحيادية، فقد منع المشرّع على قاضي إدارة الدّعوى النظر بالدّعوى التي سبق وأن نظرها كقاضٍ لإدارة الدعوى وقرر إحالتها إلى محكمة الموضوع، فإذا سبق لقاضي الموضوع وإن عمل قاضياً لإدارة الدّعوى وقرر إحالة إحدى الدعاوى إلى محكمة الموضوع بعد استكمال الإجراءات القانونيّة الواجبة في إدارة الدّعوى، فإنه يمتنع عليه نظرها مجدداً بصفته قاضي موضوع . وعلى ما يبدو بأن السبب الرئيسي في ذلك هو التأكيد على الحيادية ولما كوّنه قاضي إدارة الدّعوى من قناعة مسبقاً عن الدّعوى وحتى تطمئن أنفس الخصوم، ويرى الباحث في هذا المجال أن السبب المشار إليه غير مُقنع بما فيه الكفاية، فالهدف الرئيسي من إدارة الدّعوى هو السيطرة على الدّعوى من أجل دفع إجراءاتها إلى الانتهاء بشكل سريع والتقليل من التكلُفة، وبما أن فهم وقائع الدّعوى ودراسة هذه الوقائع من قبل قاضي إدارة الدّعوى قد إستغرق وقتاً ليس بالقصير من عمر الدّعوى، لذا فإن الباحث يرى بأنه أقدر من غيره من القضاة على نظر موضوع الدّعوى بشكل يجعله قادراً على فصل النزاع بوقت أقل من الوقت الذي قد يستغرقه قاضٍ آخر لفصل نفس النزاع، لذلك يؤيد الباحث إلغاء النص الذي يمنع قاضي إدارة الدّعوى من نظر موضوع الدّعوى التي سبق له إصدار قرار بإحالتها إلى محكمة الموضوع، كما يؤيد تعديل نص المادة 59 مكرر من القانون بشكل يُعطي لكل قاضي في المحكمة صلاحيات وسلطات قضاة إدارة دعوى، بمعنى إحالة الدّعوى بعد تسجيلها إلى أحد القضاة حسب قائمة الدور في المحكمة على أن يُمارس هذا القاضي صلاحيات ومهام قضاة إدارة الدّعوى وبعد الانتهاء من إجراءات إدارتها يبدأ بنظر موضوعها، وفي ذلك فائدة كبيرة ناتجة عن إعطاء القاضي فرصة كافية لقراءة الملف وفهم محتوياته وبالتالي يختصر عليه المدة التي يحتاجها للتدقيق مستقبلاً في مسألة البيّنات وكذلك المدة التي يحتاجها من أجل إصدار القرار النهائي والفاصل في الدّعوى.
وإذا كان المنع سببه الخوف من ميل قاضي إدارة الدعوى والحكم في الدعوى بناءً على ما كوّنه من قناعه ومواقف ناتجة عن المفاوضات والمناقشات التي دارت بين الخصوم أثناء إجتماعات إدارة الدعوى، فالرد على هذا الموقف يأتي من صميم فكرة إدارة الدعوى وهي أن قاضي إدارة الدعوى هو قاضي في الأساس وعليه أن يحكم في الدعوى بناءً على أوراقها وبينات أطرافها وليس بناءً على قناعته الشخصية ومواقفه من أطرافها.
اترك تعليقاً