بحث و دراسه عن مشاكل الخطأ غير العمدي في التشريعات المقارنة .
مشاكل الخطأ غير العمدي في التشريعات المقارنة
تثير الجرائم غير العمدية مشاكل ومناقشات فقهية بصورة تزيد على تلك التي تعرض لها الفقه في الجرائم العمدية. وقد أصبح الأمر غامضاً على رجل القانون بسبب التيارات الفلسفية وصراعها من أجل ضرب العناصر المختلفة لهذا النوع من الانحراف إلى مجال تحليلاتها وتكييفاتها القانونية. ومن هنا كانت مصطلحات مختلفة يقف الباحث أمامها حائراً إذ أنها تعبر عن اتجاهات متعارضة وفلسلفات متناقضة. وعلى الرغم من الجرائم غير العمدية وصورها قد نوقشت في عديد من المؤتمرات فإننا نجد أن الأمر يحتاج إلى أكثر من مؤتمرٍ واحد لجلاء تلك الأفكار الغامضة والمصطلحات المبهمة. ولا يكفي أن يتعرض مؤتمر واحد بنظرة متكاملة لموضوع الجرائم غير العمدية لأننا كما سنرى أن هذا الموضوع يحتاج إلى أكثر من تخصص لتعمق الدراسة وإعطاء النتائج والمعايير السليمة سواء للأفكار القانونية أو العملية أو تلك التي تتعلق بالمعاملة والتنفيذ العقابي. ولقد تعرضت مؤتمرات عدة سواء للجوانب القانونية أو العلمية، وسواء ركزت على الجرائم غير العمدية بصورة شاملة أم ركزت على جرائم الإهمال أو انصبت توصياتها على المعاملة. وحتى نعطي القارئ صورة لأهمية هذا الموضوع يكفي أن نقول أم موضوع الجرائم غير العمدية قد تعرضت له المؤتمرات والحلقات الدراسية التالية:
– مؤتمر منع الجريمة والدفاع الاجتماعي – ميلانو 1956.
– الحلقة الدراسية الفرنسية – البلجيكية – اللوكسمبورجية 1958.
– الحلقة الدراسية الفرنسية – الإسبانية 1958م .
– مؤتمر لشبونة 1961م.
– الحلقة الدراسية السنوية الفرنسية واليوغسلافية 1963م.
– مؤتمر ليل 1961م.
– المؤتمر الفرنسي لعلم الإجرام 1968م.
وقد ركزت هذه المؤتمرات والحلقات الدراسية على الموضوعات التالية:
أ – مشكلة الخطأ غير العمدي وتعريف الخطأ بأنواعه.
ب- المسئولية الجنائية في الجرائم غير العمدية.
ج – مشكلة العقاب على الخطأ غير العمدي.[1]
وقد جاء في ورقة العمل لموضوع الجرائم غير العمدية: منعها ومعاملة الجانحين الذين ستناقش في المؤتمر الثاني عشر لقانون العقوبات إن المطلوب في دراسة الموضوع بصورة عامة النقاط الثلاث الأساسية التالية:
أ – مشكلة الجرائم أو رفع الصفة الجنائية عن الجرائم غير العمدية.
ب- معايير تحديد المسئولية في الجرائم الجنائية العمدية.
ج- العقاب على الجرائم التي ترتكب بصورة عمدية.
ويبدو واضحاً أن الفقه ما زال يسير في حلقة مفرغة ويحتاج اليوم أكثر من الأمس لمعايير واقعية عملية ترتكز عليها عمليات التجريم في هذا النوع من الجرائم. ويبدو خطورة الموقف عند تحليل حجم واتجاهات هذا النمط من الجرائم في الدول المختلفة. ولقد شعر العالم الغربي والشرقي بخطورة الجرائم غير العمدية. ففي الغرب تعاني كل دولة اليوم من جرائم المرور التي يغلب فيها الجرائم غير العمدية. ويكفي أن نشير إلى مصدر حديث يؤكد ن 40% من الجرائم التي ارتكبت في إسبانيا جرائم قتل غير عمدية[2]. ويعاني العالم الاشتراكي أيضاً من حوادث المرورو وما تحلقه هذه الجرائم وماشابهها من ضرر على الاقتصاد الاشتراكي[3].
وإن نسبة الجرائم غير العمدية التي أرتكبت في الخرطوم في عام 1975 تعادل 50.8% من مجموع الجرائم غير العمدية التي ارتكبت في الجمهورية جميعها ليتبين لنا خطورة الموقف في السودان[5].
وإذا كان تقريرنا الحالي يضيق لكي يكون محلاً للدراسة الشاملة الجامعة لأزمة التحليل الفقهي للجرائم غير العمدية، وإذا كان نقطة البداية لدراسة الأنماط المنظمة لهذا النوع من الجرائم هو تحديد المعنى المقصود بالمصطلحات المستخدمة من التيارات الفقهية. فإن المشكلة الأولى في معالجة موضوع المؤتمر هو مشكلة التعريف. ولتحديد المسئولية في الجرائم غير العمدية تتطلب التعرض للعناصر الأساسية في الأنماط المختلفة، ألا وهي النشاط الإجرامي ( Actus Rea ) والركن المعنوي ( Mens Rea ) والأذناب ( Colpavolezza ) والإسناد ( Imputabilita ) والأهلية الجائية ( Capacita a delinquere ). فهل هذه العناصر التي يتكلم عنها الفقه المقارن تتوفر في جرائم الإهمال وعدم الاحتراز وعدم احترام القوانين واللوائح والنظم والأوامر؟
أولاً : مشكلة التعريف في الجرائم غير العمدية:
تتعدد الأوصاف والألفاظ في المصطلحات في القانون المقارن في شأن الجرائم غير العمدية ونصت بعض التشريعات على تعريف الجرائم العمدية، ولم ينص بعضها الآخر وارك ذلك للفقه الذي جاء بدوره بعديد من التعريفات المتناقضة.
وقد استخدم ( Ferri ) لفظ الجرائم غير الإرادية أو غير العمومية ( Involuntary ) ويستخدم الفقه الفرنسي لفظ الخطأ ( Faute ) ومثل هذه المصطلحات غير دقيقة وغامضة فأحياناً يطلق الفقه الخطأ على الأذناب ( Colpavolezza ) وأحياناً أخرى على الخطأ بمعناه الدقيق[6]. وقد اعترض البعض على تسمية الجرائم غير العمدية ( Involentaire ) وذلك إن أراد الجاني حتى في جرائم الخطأ تبدو في الفعل المحرك للضرر[7]. وعددت بعض التشريع الفرنسي الذي عبر عن الخطأ الجنائي تعبيرات عديدة في القسم العام والقسم الخاص من تقنين العقوبات مثل عدم الانتباه، عدم الاحتراز، الإهمال وعدم احترام اللوائح كما هو الحال بالنسبة للمواد 318 320 التي تتكلم عن القتل غير العمدي.
ويكاد يقف الفقه الأنجلو سكسوني حول فكرة الإهمال ( Negligence ) على أساس أنها أهم صور الخطأ، ويعترف بعض الفقهاء بوجود صور أخرى مثل: الرعونة ( Recklessness )[8]، في حين يعرف البعض الآخر الإهمال بأنه عدم اهتمام أو انتباه ( Carelessness )
ويأتي دليل الجمعية الدولية لقانون العقوبات بدوره ويضع إطار للتعريف لا يتكلم فيه عن الخطأ ( Colpa ) بل يعبر عنه بمصطلح عدم الانتباه أو اللامبالاة. ويضم بين رحاب هذا الإطار العام صور الإهمال والرعونة (Negligence ) .
ومن الطبيعي أن يقف رجل القانون والقاضي في حيرة أمام هذا التضارب في المعاني وأمام هذا الغموض في المصطلحات التي تعبر بلا شك عن غموض في الأفكار القانونية التي يقف وراءها. ومن هنا يكون من الضروري لجلاء هذا الموقف أن نرجع قليلاً إلى الوراء ونبحث في غمار الأطر القانونية حتى نعرف أصول الفكر القانوني المعاصر. ولذلك سنحاول أن نتعرض إلى :
1- التشريعات القديمة وتعريف الخطأ وخاصة في القانون الروماني والشريعة الإسلامية.
2- دور التشريعات اللادينية والجرمانية في تحديد فكرة الخطأ.
3- موقف الفقه الأنجلوسكسوني من تعريف صور الخطأ.
4- الجرائم غير العمدية في القانونين المصري والسوداني.
(1) التشريعات القديمة وتعريف الخطأ :
يرجع الفقه المقارن فكرة الخطأ إلى القانون الروماني وخاصة فكرة الخطأ التعاقدي ( Colpa contracttuale ) في القانون المدني حيث يكون هناك التزام بأداء فعل والامتناع عن فعل وبالتالي يكون هناك تقصير من المتعاقد الذي لا يقوم بهذا الالتزام التعاقدي الأمر الذي يرتب التعويض.
ومع تطور القانون الروماني يرى الشراح أنه يوجد الخطأ التعاقدي في كل مرة يشير الضرر ( Jesione ) إلى علاقة ملزمة سابقة سواء كان منشأ هذه العلاقة العقد ( delitto ) أو الجريمة ( Lex Aquilia )[9] ويعتبر الفقه الجنائي أن قانون أكويليا قد عمل على توسيع فكرة الخطأ بحيث يشمل إلى جواز الضرر الناتج عن الخطأ التعاقدي كل خطأ ينتج عن أسباب أخرى غيره، وبالتالي عمل على توسيع نطاق المسئولية التي بعد أن كانت محصورة في المسئولية التعاقدية المعروفة في القانون الروماني، التغلب أيضاً بتلك الميول التي تعمل على انتعاش الفكرة المسارية عن طريق نظرية المخاطر ( Risk ) [10] وعلى ذلك كان القانون الروماني يتسم بالسمات التالية:
1- لم ي عرف القانون الروماني قاعدة عامة تنص على أنه كل من أحدث ضرراً يلتزم بالتعويض.
2- كان هناك قيود على طريقة القاعدة السابقة، فالضرر الذي يعتد به في القانون الروماني لا بد أن يقاس على علامة مادية مباشرة بين الجاني والشيء المضرور.
3- تتجدد المسئولية فقط في القانون الروماني من سلوك إيجابي ( condotta commissiva ) وعلى هذا فإن السلوك ليس له أهمية قانونية نظراً لعدم تصور وجود علاقة سببية بينه وبين الحدث.
4- وبسبب الالتزام بوجود علاقة مادية مباشرة لم يكن هناك إدراك لوجود مسئولية عن أفعال الغير إلا بعد أن تكلم جيستينيان عن ( Colpa in eligedo ).
5- تأسست فكرة الخطأ أولاً على فكرة الضرر ( Injuria ) حتى عهد شيشيرون الذي مدح البريتور الذي عمل على إلغاء لفظ الضرر ( Injuria ) التي عملت على إحياء السمعة المادية للقانون الروماني لفترة طويلة.
6- لا يعرف القانون الروماني – حتى قانون إكويليا – أي مساهمة للعامل النفسي في تكييف فكرة الخطأ، ذلك لأن هذا الأخير يعادل دائماً الضرر (Injuria ).
وقد عمل الفقه الروماني على توسيع المسئولية بحيث يضم إلى صور الجريمة ( Dilitto ) شبه الجريمة ( Quasi delitto ) وقد انحصرت الأفعال التي تعد شبه جريمة في أربعة حالات.
1- في حالة القاضي الذي يصدر حكماً يشوبه الإهمال أو الرعونة.
2- حالة المجني عليه الذي يصاب بشيء يقذف أو يلقي من نافذة منزل.
3- حالة تعليق أو وضع بطريقة تؤدي إلى سقوطه إلى إلحاق الضرر بالغير.
4- حالة الضرر الذي يلحق بأمتعة المسافر بفعل صاحب الفندق و صاحب السفينة.
ويعتبر الفقه الروماني أن الخطأ شبه الجريمة يصل في درجته إلى الجريمة ولكن يختلف عن هذه الأخيرة في عدم توفر العمد، وهكذا نجد أن الفقه الروماني يفرق بين العمد ( Dolus ) والخطأ بالمعنى الواسع ( Culpa lata ) والخطأ البسيط ( Culpa levis ) والخطأ البسيط للغاية ( Culpa levissima ) ويفرق في مجال الخطأ بين الخطأ العمدي ( Clupa intenzionale ) والخطأ غير العمدي العادي الخطير (Clupa non intenzionale ) والخطأ غير العمدي العادي (Clupa intenzionale ordinaria ) والذي يتضمن البسيط والبسيط للغاية.
وهكذا أصبح ركن العمد (intenzionalita ) العامل الأول الذي يفرق في البحث عن المعنى الفني للعمد ( Dolo ) والخطأ ( Colpa )[11].
فكرة الخطأ في الشريعة الإسلامية:
عرف الفقه الإسلامي نوعين من الجرائم: جرائم مقصودة وجرائم غير مقصودة، والجرائم المقصودة هي التي يباشرها الشخص عامداً مريداً عالماً بالنهي عنها وبأنها يعاقب عليها، والجريمة غير المقصودة هي تلك التي تفقد عنصراً من عناصر الجريمة المقصودة ألا وهي العمد، والإرادة والعمل بالنهي[12].
ويعتبر الفقه الإسلامي أن الخطأ من العوارض التي تنص علة الأهلية لتحمل التبعات، وهي في الصفة ضد الصواب، ومعناه شرعاً وقوع الشيء على خلاف ما أريد[13]. أو هو وقوع الشيء على غير إرادة فاعله بأن يأتي الجاني والفعل دون أن يقصد العصيان وبغير أرادة إحداث نتيجة محرمة، ولكن يتولد من هذا الفعل نتيجة غير مشروعة بسبب خطئه في الفعل أو في القصد[14].
ويقسم الفقهاء الخطأ إلى تقسيمات متعددة أهمها تقسيم الخطأ في القصد والخطأ في الفعل، وإلى خطأ متولد.
ويتوافر الخطأ في القصد حين يأتي الفاعل سلوكاً معيناً يوجهه نحو هدف بالذات وهو يظن الهدف شيئاً أو شخصاً ما، ويصيب سلوكه الهدف الذي يتبين أنه ليس الشيء أو الشخص الذي ظنه الفاعل، والمثال الذي يوضح به الفقه هذا النوع من الخطأ من يرى شيئاً يظنه صيداً فإذا به إنسان أو من يرمي من يظنه عدواً محارباً فيتبين أنه وطني مسلم. في كلتا الحالتين وقع السلوك كما أراده الجاني إذا أصاب ما هو وجه إليه من هدف ولكن الظن لم يكن صحيحاً وكان القصد خاطئاً. فهو لم يرد إصابة إنسان في الصورة الأولى كما أنه لم يقصد إصابة وطني أو مسلم في الصورة الثانية، بل حدث خطأ في اعتقاده وقصده حين ظن الآدمي صيداً والمسلم حربياً[15].
ويقصد بالخطأ في الفعل أن يوجه الجاني سلوكه نحو هدف معين بقصد إصابته، ولكن يحيد السلوك عن الهدف المقصود فلا يصيبه بل يصيب شيئاً أو شخصاَ آخر لم يوجه إليه السلوك أساساً.
ويمثل الفقه لهذا النوع بمن يرمي قرداً فيصيب آدمياً فمن يوجه رمايته نحو طائر يريد أن يصيبه فيصيب ولكنه يخطئ في التصويب، ويحيد سلوكه عن هذا المقصود فيصيب شخصاً كان إلى جواره يعتبر مرتكباً الخطأ في الفعل، وهنا نجد أن السلوك لم يكن موجهاً نحو المصاب ولم يحكم الجاني الرماية فلم تصادف المحل المقصود، ولكن القصد صحيح والظن لم يكن مخطئاً فالهدف الموجه إليه السلوك أساساً هو الطائر كما يظن الجاني وهو المحل المقصود الذي أخطأه السلوك.
ويفرق الفقه بين هذه الصورة والحالة التي يتعمد فيها الجاني إصابة موضع معين من جسد إنسان ويوجه سلوكه نحو هذا الموضع بالذات فيخطئ التوجيه ويصيب من الجسد موضعاً آخر. في هذا الفرض الأخير يعتبر الجاني مرتكباً لجريمة عمدية تستوجب القصاص لأن المحل الذي وجه الفاعل إليه السلوك واحد وهو البدن[16].
وقد بحث الفقه الإسلامي عن أساس التفرقة بين الخطأ في القصد والخطأ في الفعل في أن الإنسان يتصرف بفعل القلب والجوارح، ويحتمل أن يقع الخطأ في أيهما على انفراد، فحين يكون الخطأ في فعل القلب فهو خطأ في القصد، أما إذا أصاب الخطأ في فعل الجوارح فإنه يعتبر خطأ في الفعل. وعلى ذلك يمكن افتراض أن يكون هناك خطأ يقع في القصد والفعل معاً ومثاله أن يرمي الإنسان ما يظنه صيداً فيتبين أنه إنسان، ولا تصيبه الرماية بل يحيد السلوك عن الهدف ويصيب إنساناً آخر إلى جواره، فالجاني قد أخطأ في القصد إذ ظن الإنسان صيداً كما أنه في نفس الوقت قد أخطأ في الفعل إذا لم يصب الهدف وإنما حاد عنه وأصاب محلاً آخر.[17]
ويعرفون الخطأ المتولد بأنه ذلك الخطأ الذي يتولد من فعل مباح أو فعل أتاه الفاعل وهو يعتقد أنه مباح. وينقسم إلى خطأ متولد مباشر وخطأ متولد بالنسب. والخطأ المباشر هو الذي لا تتوسط فيه بين إرادة الفاعل والنتيجة التي حدثت إرادة أخرى سواء كانت أرادة المجني عليه أو غيره، مثال ذلك من يرمي طائراً فيصيب إنساناً، ومن يرمي جندياً من الأعداء يلبس ملبسهم وهو يظن أنه منهم. أما الخطأ المتولد بالتسبب فتتوسط فيه إرادة الجاني والنتيجة المحرمة التي تحدث إرادة أخرى, وسيان أن تكون إرادة المجني عليه أو إرادة الغير, ومثال ذلك من يحفر بئراً في الطريق العام بإذن ولا يتخذ الاحتياطات الكفيلة بمنع سقوط الناس فيه.[18]
والخطأ غير المتولد هو كل ما عدا الخطأ المتولد، ويكون مباشراً إذا لم تتوسط بين سلوك آدمي والنتيجة المحرمة إرادة أخرى كالنائم الذي ينقلب على صغير بجواره فيقتله. ويكون بالتسبب إذا تورط بين إرادة الجاني والنتيجة إرادة أخرى كمن يحفر في الطريق بئراً بدون إذن ويسقط فيه أحد المارة ويصاب.
ومن الواضح أن الفقه الإسلامي هنا على غرار الفقه الروماني يبحث عن إرادية الفعل أولاً لا إراديته في تحديد معنى الخطأ. فالجريمة غير العمدية نوع من الجريمة غير المقصودة وهي بذلك تتميز بأن النية فيها ليست إثم، والإرادة في الجريمة غير العمدية لا تتجه إلى إحداث النتيجة ولكن النتيجة تقع على خلاف ما يريد الجاني وعلى عكس إرادته أي أنها لا يتوافر فيها قصد العصيان وإن كانت تتوافر فيها إرادة السلوك. ولعل هذا ما دعا أن يذهب البعض إلى عدم جواز العقاب على الخطأ طالما لم يرد نص بتجريمه، فذكر ابن حزم أن الجريمة الخطيئة ليست بسيئة. واستندوا في ذلك إلى قول الله تعالى ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) وإلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ).
(2) دور التشريعات اللاتينية والرومانية في تحديد فكرة الخطأ:
إذا كان القانون الروماني يفرق بيمن درجات ثلاث من الخطأ. الخطأ الفاحش ( Culpa lata ) والخطأ البسيط (Culpa levis ) والخطأ اليسير (Culpa levissima ). عند المسئولية المدنية، فإنه تطلب في المسئولية الجنائية توافر الخطأ الفاحش أو الخطأ البسيط.[19]
ومن هنا انقسم الفقه في فرنسا إلى قسمين: فريق ينادي بوحدة الخطأ في المسئولية المدنية والمسئولية الجنائية، وفريق آخر يطلب العمل بازدواج فكرة الخطأ على غرار القانون الروماني. ويؤكد أصحاب الوحدة أن الخطأ اليسير تقوم به المسئولية الجنائية على غرار المسئولية المدنية ذلك لأنهم ينكرون اختلاف الخطيئة الاجتماعية في كلا المسئوليتين خاصة وأن التقسيم الحديث يتطلب الأخذ بالوحدة بسبب انتشار الآلة والتكنولوجيا التي تلحق أضراراً جسيمة وطفيفة وحتى لم يعد التعويض كافياً لحماية المجتمع من هذه الأضرار.[20]
ويستند أصحاب الازدواج على اختلاف الوظيفة الاجتماعية واختلاف المبادئ الأساسية التي تحكم المسئوليتين، فالمسئولية الجنائية تهدف إلى الردع والتقويم، والمسئولية المدنية تهدف إلى إعادة التوازن بين ذمتين بإلزام شخص بأن يعوض ما لحق من ضرر في ذمة شخص آخر. وتقضي العدالة كذلك باختلاف المسئوليتين حيث يمكن بناءً على ذلك عدم تقييد القاضي بضرورة الحكم بالعقوبة في حالة الحكم بالتعويض فقط وحيث لا يرى محلاً للعقوبة.
وعلى الرغم من أن هناك تيار قوي يحبذ وجدة الخطأ فإن التيار الغالب في فرنسا يميل نحو الازدواجية ذلك أن معايير تقدير الخطأ لا تتطابق في كل من القانون الجنائي والقانون المدني، فالخطأ المدني يبدو أنه بعيد عن فكرة الإذناب (Culpalitie )، كما ن الخطأ الجنائي يرتبط بفكرة التقويم الاجتماعي الذي يتطلب بالضرورة اتخاذ حكم أخلاقي على موقف واتجاهات الجاني الأمر الذي يدعو إلى أن يوضع في الاعتبار شخصية وبواعث أفعاله.[21]
ومن هنا يثور السئوال عن أساس المسئولية في الجريمة غير العمدية. لقد حاول الفقه البحث عن هذا الأساس من خلال نظريات متعددة منها:
1- نظرية السبب الفعال ( Causa ejcente ) .
2- نظرية الغلط في التقدير ( Errore di valutazione ).
3- نظرية الخطر ( Oericolo ).
4- نظرية الإهمال ( Negligenza ).[22]
5- نظرية المخاطر ( Rischo ).
6- نظرية التوقع ( Previdibilita ).
(1) نظرية السبب الفعال :
تعتبر هذه النظرية من نتاج فكر الفقه في إيطاليا من أمثال ( Stoppato ) و ( Manzini ) و ( Del Giudice ).[23]
يقول ستوباتو أن المعاقبة على الحدث الضار عندما يكون نتاجاً مباشراً أو يحدث نتيجة لفعل إرادي يتم التعبير عنه بواسطة وسائل وأدوات تعد غير عادية في نظرية القانون. وعلى هذا فإن اللامشروعية في الجريمة العمدية تنصب على الغاية ( Fine ) في حين أنها في الجريمة غير العمدية تتعلق بالوسيلة ( Mezzo ) وتطلب ستوباتو لوجود الخطأ الجنائي توافر عنصرين:
أ – أن يكون الجاني سبباً فعلاً للحدث.
ب- أن يستخدم الجاني وسائل غير عادية في نظر القانون.
وقد انتقد الفقه العنصر الأول على أساس أنه لا توجد علاقة خاصة مع الخطأ وذلك لأن السبب شرط ضروري لنسب الحدث في جميع الجرائم العمدية وغير العمدية، أما العنصر الثاني فهو عنصر غامض، والقول بأن الوسيلة تعد غير عادية في نظر القانون يعني أنها وسيلة خطرة ( Pericolosa ) لها القدرة من حيث السببية لتحقيق الحدث. وعلى هذا كيف يمكن الكلام عن الخطورة دون ربطها بذلك الحكم الخاص بأن هذا السلوك أو تلك الوسيلة تعمل على تحقيق الحدث. ويؤكدون أن فكرة الوسيلة لا تتفق مع كثير من حالات الخطأ وبصفة خاصة أفعال السلوك الناتجة عن الإهمال، فمن ينام ويقع على عاتقه واجب اليقظة هل استخدم وسيلة غير مشروعة؟
ومن هنا كانت محاولة مانزيني حين يؤكد أن الخطأ يتكون من سلوك إرادي مخالف بصورة عامة أو خاصة للنظم والأوامر والذي يؤدي إلى حدث ضار أو خطر يعتبره القانون جريمة بشرط أن يقع بصورة غير عمدية. إلا أن أنتوليزي يعتبر أن هذا التعديل لم يؤدي إلى وجود معيار جديد سواء من حيث التحديد أو من حيث التطبيق العملي.
(2) نظرية الغلط في التقدير:
نادى بهذه النظرية كل من فون ليست ( Von list ) وليفي ( Levi ) وإلمنيا ( Alimana ). يقول ليفي : يجب البحث عن الجريمة غير العمدية في ذلك الغلط الذي يقع فيه الجاني تجاه الواقع، فالخطأ ما هو إلا غلط في التقدير تجاه تلك النتائج التي تترتب على الفعل.
ويقول المينا أن الجاني يقترف السلوك أحياناً وهو على إدراك تام به، وأحياناً أخرى يعبر عن السلوك بصورة لا شعورية، وهنا نجد أن الجانب يقع في غلط يعيب العملية النفسية والمنطقية لديه, وعندما يكون هذا الغلط واقع ولا يمكن إدراكه فإن الجاني يكون في حالة خطأ.
أما فون ليست فإنه يؤكد أن الرعونة ( Imprudenza ) تتأسس على غلط تجاه معنى الفعل الإرادي، وكذلك على إدراك معيب للعناصر التي يتسم بها معنى الفعل.
ولم تسلم هذه النظرية من النقد فعلى الرغم من أن أصحاب هذه النظرية قد عملوا على إيجاد التفرقة الدقيقة بين الغلط ( Errore ) والجهل ( Ignoranza ) فإنهم قد هدموا هذه التفرقة عندما اعتقدوا أن الفكرة التي يتم إدراكها والتي لم تستخدم بهد لأنها لم تدخل في مجال الإدراك يجب اعتبارها في مقام الشيء المجهول، ويؤدي تسلسل التفكير السابق إلى أن يترك الجهل الفني بدون عقاب والذي يعتبره الفقيه أحد الفروض التي تدخل تحت نطاق عدم الخبرة والإرادة ( Imperizia ).
ويرون علاوة على ذلك أن الغلط إما أن يكون في التقدير ( Giudizio ) أو في التنفيذ ( Esecuzinoe ) عندما يتنبأ أو يتوقع الجاني نتائج سلوكه وهذا الأمر يتعلق بالتوقيع ( Prevedillite ) المرتبط بمدى كفاية علاقة السببية الخاصة بالسلوك.[24]
ويؤكد البعض أيضاًَ أن هناك فروضاًَ للخطأ لا تقابل فيها هذا الغلط كما هو حال سائق السيارة الذي يصطدم بأحد المارة لأنه قد غلبه النعاس، وكذلك في الحالات لتي يقع فيها الفعل الضار بسبب النسيان.[25]
(3) نظرية الخطر:
يبحث أصحاب هذه النظرية عن معنى الخطأ في الطبيعة الخطرة للغلال وفي أهلية هذا الفعل في أن يكون مصدراً لخطورة تؤدي إلى الإضرار ويرون أن الذي يعاقب عليه في الخطأ غير العمدي ذلك الفعل الذي لا يعد ضاراً ولا غير مشروعاً لذاته، فالتجريم هنا لا يكون خشية هذا الفعل لأن المجتمع يخشى نتائجه المحتملة.
وهذا ما حاول تأكيده ( Grammatica ) عندما دلل على عدم منطقية الفكرة التقليدية للخطأ الجنائي، وعمل على صياغة نظرية شخصية عمل فيها على استبدال فكرة الخطأ بالجريمة ذات الخطر، ذلك لأن الأثر اللا إرادي للفعل لا يجب أن يكون عملاً للتقدير من قانون العقوبات، ولكن لا بد بالاعتداد فقط بتلك الخطورة التي عبر عنها في فعله الذي أدى إلى الحدث الضار، والخطورة التي يرمي إليها جرامتيكا كان لها معنىً خاص يختلف عن تلك التي نادت بها المدرسة الوضعية وذلك لأن لفظ الخطورة هنا قد استخدم للإشارة إلى الفعل أو الامتناع الذي يمكن أن ينتج عنه حدث ضار.[26]
ولقد انتقد فلوران ( Florian ) هذه النظرية حيث أكد أن الخطر هنا يعطي سبباً لتجريم الخطأ ولكنه لا يوفر المعيار الذي على أساسه يمكن تعريفه.
ويرى البعض أيضاً أن معيار الخطر لا يعطي لنا معيار التفرقة بين القصد والخطأ والحدث المفاجئ ( Caso fortuito ) وذلك لأننا نرى في هذه الأنماط الثلاثة سوكاً ذا خطورة موضوعية.
(4) نظرية الإهمال:
هناك جمع صغير من الفقه على رأسهم ميتزجر ( Mezger ) في ألمانيا وأنتلوزي في إيطاليا يرى ضرورة البحث عن فكرة موحدة للجرائم غير العمدية بحيث تتضمن جميع صور الخطأ في إطار الإهمال، مع إعطاء الإهمال معنى الخمول العقلي، إن كل تصرف من جانب الفرد يتضمن في ذاته مخاطرة بإيقاع الضرر بالغير ما دام هذا التصرف في الجماعة. وإذا ما تم تجاز هذه الحدود فإن الخطأ هنت يتحقق، ذلك لأن الذي يعتد به لا طبيعة السلوك ولكن الطريقة المحددة التي يتصرف بمقتضاها الفرد.
وهنا يثور السؤال التالي: ما هي الحدود التي بناءً عليها تقاس تلك المخاطر المشروعة؟ وهنا نجد أن أصحاب هذه النظرية يلجئون بالضرورة إلى معيار الرجل العادية وإلى الفكرة المجردة للرجل العادي.
ومن هنا يكون الإهمال عبارة عن عدم إعمال لتلك القدرات الفعلية التي لو وجدت لتم تنظيم السلوك بصورة مختفة، وعلى هذا فإن عدم التبصر نجد جذوراً له في نقصان النشاط الضابط أو الموازن العملية النفسية.
وما من شك أن نقد مانزيق يكون صحيحاً هنا وخاصة بالنسبة لعدم الدراية والخبرة التي تتكون من عدم كفاءة مهنية لا تتطلب من الفرد أن يضعها في الاعتبار. فماذا يتكون الإهمال في هذه الحالة؟ هل يتكون من عدم تكملة الجاني لثقافته الخاصة أم زيادة مهارته الذاتية؟
ويرى المعارضون لهذه النظرية أنها تلغي أي معيار للتفرقة بين الخطأ والحدث المفاجئ الذي يظل جذوره في نطاق الخطأ مع التوافق.
(5) نظرية المخاطر:
نادى بهذه النظرية هرزوج ( Herzog ) في مؤتمر الدفاع الاجتماعي – ميلانو 1956 حيث يرى أن عدم الحيطة والاحتراز لا تعني أن الجاني لم يتوقع نتائج فعله وهي النتائج التي يتوقعها بسهولة أي شخص عادي، بل على العكس يتوقع هذه النتائج ولكنه يخاطر ويغامر. فالردع هنا لا يجب أن يعتمد على كون الآثار والنتائج حدثت أو لم تحدث. ذلك لأن الخطأ غير العمدي هو في الواقع جريمة ذات الخطر ( Delitto di rischio )[27].
وما من شك أن هذه النظرية قد انتقلت من القانون المدني إلى القانون الجنائي وهي تعبير عن النظرية التقليدية للخطأ, ولكن الذي يهم الفقه الجنائي هنا هو ذلك الفعل الشخصي الذي يعد عاملاً أساسياً في الحكم عرى الخطورة، وعلى ذلك يكون الخطأ ممثلاً في قيام الجاني بالتصرف مع المخاطرة بإحداث الضرر.
ويرى المعارضون لهذه النظرية أنها تتضمن على شيء من الحقيقة لا الحقيقة كلها،ه وذلك أنها ترتبط فقط بفكرة الخطأ مع التوقع، فإذا لا يوجد هذا التوقع فإن الجاني لا يتمثل تلك المخاطرة ومع ذلك يكون مسئولاً على غياب هذا التمثيل.
(6) نظرية التوقع:
يكاد يجمع الفقه المعاصر سواء في فرنسا أم في إيطاليا على أن التوقع هو المعيار الأمثل لتحديد طبيعة الخطأ، فالخطأ الجاني يتحقق في حالة عدم توقع النتائج الضارة للفعل الذي يرتكبه الجاني، أو أن يعتقد الجاني أن هذه النتائج سوف تتحقق أول لأنه لم يتخذ الاحتياطات الضرورية لمنع تحققها، ولا تستند هذه النتيجة للإرادة الإيجابية للجاني بل إلى تحقق خطأ في الإدراك أو وجود عدم حرص في التعبير عن الإرادة[28].
ويرجع الفقه الإيطالي نظرية التوقع إلى أرسطو وإلى قانون أكويليا ( Lax Aquilia )، كما يجد معضدين لها في المدرسة التقليدية من أمثال نيكوليق، وكارنييلوتي، وفون ليست، وميتفرجو.
ويتفق فقهاء المدرسة الوضعية على فكرة التوقع وعلى رأسهم فري ( Ferri ) الذي يؤكد أن الخطأ يتكون من حالة عدم انتباه وحرص, ومن الخطأ إبعاد توقع الحدث من فكرة الخطأ وأن تعتمد فقط على علاقة السببية للإرادة.
ويؤكد الفقه المعاصر ضرورة ربط فكرة التوقع بالإدراك وخاصة عند الرجل المتوسط والرجل العادي.
ويرون أنه يستبعد الخطأ ويتحقق الحادث المفاجئ إذا ما توافرت عناصر ثلاث:
أ – تحقق سلوك مشروع مع مساهمة اللا مشروعية في تحقيق الحدث.
ب- أن يكون إدراك الباعث على التصرف لم يكن قد خضع من قبل لعملية التوقع للحدث.
ج – ألا يكون هناك وسيلة أخرى يمكن بها تحقق الحدث.
ويرون أن محل التوقع لا يجب أن ينصب فقط على الحدث بل لا بد أن يرتبط بالمعيار العام لخطورة السلوك.
وهناك من يعتد بالاتجاه المادي في التوقع الذي يتطلب دراسة حالة بأهلية الجاني لكي يتوقع في الظروف الخاصة التي وقع فيها الفعل، الأمر الذي يتطلب دراسة ذكاؤه، وثقافته وخبراته.
في حين يعتد آخرون بالاتجاه الشخصي في التوقع حيث يكون من الضروري الاعتداد بالأهلية العادية للتوقع بالنسبة لطبيعته الاجتماعية أو المهنية التي يلتحق بها الفرد وهنا يكون من الواجب أن يوضع في الاعتبار العوامل النفسية الهامة للشخصية مثل السن، والجنس، والظروف الصحية.
ومن الواضح أن التوقع يرتبط بالعامل النفسي، فالخطأ هنا عيب في الإرادة أو عيب في الإدراك أو الذكاء.
ولم تسلم هذه النظرية أيضاً من النقد وكان على رأس المنتقدين في إيطاليا ستوباتو، وولجورج، ومانزيق، وفري. ويمكننا تلخيص هذا النقد فيما يلي:
أ – أن التوقع ليس عاملاً أساسياً مكوناً للخطأ لأنه يؤثر الذكاء ( Intelleto ) وليس على الإرادة ( Volonta )[29].
ب- ليس على الفرد واجب توقع شيء معين عن فكرة، وبمعنى آخر لا يكون الإنسان في درجة تسمح له بتوقع شيء بعيد عن فكره.[30]
ج – يحكم على الحدث الضار مقدماً ( a posteriori ) عند استخدام معيار التوقع، فالقاضي ينكر ويؤكد التوقع لحدث لم يتحقق بعد.
د – من غير المعقول أن نحاسب شخصاً لم يتوقع ما توقعه شخص آخر كان أكثر منه ذكاء أو حرصاً. إن العدالة الجنائية لا تضع في الاعتبار الشخص بتوقعاته ولكن بأفعاله وتركه.[31]
وإذا كانت هي أهم النظريات التي تعمل على تحديد طبيعة الخطأ فإن الفقه الحديث يرفض تلك النظريات التقليدية بما في ذلك نظرية المخاطر ( Risk ) لأنها تعمل على تشويه فكرة الخطأ غير العمدي علاوة على أنها فرضت على النظام الجنائي بسبب الميول الفقهية المادية في التجريم. ويطالب الفقه الحديث بنظام متحد للجريمة على أساس الخطر إلى جانب الجرائم التقليدية للضرر حتى يمكن العمل بنظام منعي فعال إلى جوار النظام الردعي.
(3) موقف الفقه الأنجلوسكسوني وتعريف فكرة الخطأ:
لقد اتخذت القوانين الأنجلوسكسونية بعض العبارات الغامضة في محاولة البحث عن طبيعة الركن المعنوي، فأحياناً تستخدم عبارة ( أفعال غير مشروعة ) ( unlawful act ) وأحياناً تقول أفعال مشروعة أرتكبت بطريقة غير مشروعة ( lawful acts done in unlawful way ) وهذه الصياغات تدل على فشل واضح ولذلك لعد إعطاء كلمة الفعل المعنى الحقيق لها. ويبدو ذلك واضحاً في جريمة القتل غير العمدي حيث يتطلب الفقه أن تتوفر لدى الجاني سلوكاً يعمل على تعريض شخص آخر بصورة مؤكدة ( certainty ) أو المخاطرة بتعريضه ( risk ) لضرر جسماني غير خطير فعنصر اليقين وعنصر المخاطرة أساسان جوهران لتحديد الخطأ هنا.
ويتطلب البعض في الفقه الأنجلو سكسوني ألا يكون الجاني واعياً لخطورة سلوكه ولو أنه مع ذلك يغامر ويخاطر باقتراف السلوك.
ويؤكد البعض الآخر أن الجاني يعتبر قد ارتكب جريمة غير عمدية:
1- عندما يتوقع ( forsaw ) الحدث كشيء أقل من الممكن.
2- عندما يفشل في التوقع على الرغم أن الرجل العادي يتوقع هذا الحدث.
3- أو عندما يفشل الجاني في أن يتخذ الاحتياطات المعقولة، وكذلك معيارالمخاطر.
وإذا كان معيار التوقع هو الأقل نصيباً من حيث التطبيق وخاصة عند ارتباطه بالخطور ( gravity ) وأن القضاء يعتمد على عاملين في تحديد المخاطر هما : خطورة الضرر المتوقع وجديته، و احتمال تحقق الضرر.
(1) الجرائم العمدية في القانون المصري والسوداني:
باستعراض التشريعات المقارنة نجد أن بعضها قد وضع قاعدة في القسم العام لتعريف الجريمة غير العمدية، في حين أن بعضها الآخر قد عدد صوراً فقط لهذه الجرائم في القسم الخاص[32]. وقد اتبع القانون المصري النمط الثاني وسار قانون العقوبات السوداني كذلك على نفس المنهج حيث تعرض الأول في المادة 238/1 في الباب الخاص بالقتل والجرح والضرب على أنه من تسبب خطأً في حدث شخص آخر بأن كان ناشئاًَ عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته القوانين واللوائح والأنظمة يعاقب …
ونص قانون العقوبات السوداني في المادة 256 على أنه ( كل من يسبب موت إنسان بفعل من أفعال الطيش أو الإهمال لا يصل إلى درجة القتل يعاقب عليها … ).
ولقد ذكر القانون المصري الإهمال في المواد 139 و 147 و 151، على الإهمال وعدم الاحتراز في المادة 163. وقد نظم المشرع المصري تعديل تشريعي بمقتضى القانون رقم 120 لسنة 1972 ارتكاب موظف عمومي جريمة غير عمدية في المادة 116/م على أنه ( كل موظف تسبب بخطئة الجسيم في إلحاق ضرر جسيم في أموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الأفراد أو مصالحهم المعهود بها إليه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهمال جسم في أداء وظيفته أو عن إساءة استعمال السلطة أو عن إخلال جسيم بواجبات الوظيفة يعاقب … )
ويتفق الفقه المصري على أن هذه الصورة قد جاءت على سبيل الحصر، والدليل على ذلك اضطرار المشرع إلى التدخل بنص تعديلي في جريمة الخطأ غير العمدي الجسيم من الموظف (م116/م). ومن هنا يتخذ الفقه المصري من المواد السابقة لتحديد طبيعة الخطأ غير العمدي.
ومن الملاحظ أن الفقه المصري على اختلاف توجهاته يستخدم معيار التوقع ومعيار الرجل العادي لتحديد طبيعة المسئولية عن الخطأ.
إلا أن المشرع المصري في جريمة الموظف غير العمدية قد تطلب درجة معينة عن الخطأ ينص على ( تسبب بخطئة الجسيم … ) وقد تعرضت محكمة النقض المصرية في حكم لها عام 1966 لتفسير الإهمال الجسيم بقولها ( مما يعيب حكم محكم الجنايات أنه قد سوي بين الإهمال الجسيم والطيش فخلط بذلك بين جريمتي الإضرار العمدي والإضرار بإهمال، وأقام قضاؤه على أساس أن الإهمال الذي يوجب المساءلة الجنائية هو الذي يثبت فيه أن الجاني قد توقع حصول ضرر من تصرفه الخاطئ، ولكنه لم يكترث به ولم يعبأ … والإهمال الجسيم صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادي في مثل ظروفه- قوامه – تصرف إرادي خاطئ يؤدي إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لمن يقص إحداثها ولم يقبل وقوعها )[33].
وتعرض القانون السوداني الإهمال في المادة 229 ( الإهمال المسبب خطراً على الناس والأموال ) والمادة 220 ( الإهمال بشأن الحيوان ) والمادة 256 ( تسبيب الموت بإهمال ) والمادة 265 ( تسبيل الاجهاض بدون قصد ) والمادة 284 ( تسبيل الأذى بفعل يعرض حياة الغير وسلامته للخطر ).
ويستخدم المشرع السوداني في هذه المواد صوراً للخطأ هي: الطيش والإهمال ( Negligence ) الخطأ غير عمدي ( non intentionally ).
وإذا كان اصطلاح الخطأ غير عمدي قد رفضه الفقه المقارن لغموضه، فإن صور الخطأ في القانون السودان تنحصر في صورتين – الإهمال والطيش. ويعمل شراح القانون السوداني على تحليل هذه الصور وربطها بنظرية التوقع ومعيار الرجل العادي، فالطيش هو اقتراف فعل مع العلم بأن هذا اعتداء قد يؤدي إلى إحداث الضرر ولكنه مع التوقع بأنه يمكن تجب وقوع هذا الحدث.[34]
والإهمال هو الفشل في القيام بالرعاية والحرص على الضروريين لتجنب الضرر على النحو الذي يسلكه الرجل العادي في نفس الظروف.
ويكاد يعكون للمصطلحين ( Recklessness, Rashness ) نفس المعنى هو الطيش أو الرعونة عند تأكيدهم بأن لهما معنيان أحدهما شخصي وهو التحمل الواعي لمخاطر معينة غير مشروعة مع محاولة تلافيها ( سوء تقدير ) والآخر موضوعي وهو السلوك المتضمن على مخاطر غير مشروعة سواء كان الشخص يعملها أو لا.[35]
ثانياً : عناصر المسئولية في الجرائم غير العمدية:
رأينا أن الفقه المقارن قد رفض نظرية الإرادة غير المشروعة أو فكرة السلوك المخالف لواجب قانوني، فكرة الإرادة الواعية التي تنتهك استخدام واجب ولم يجد الفقه الألماني والفقه الإيطالي بداً من قبول نظرية التوقع للخطأ. وانتقد الفقه الحالي في القانون الروماني والشريعة الإسلامية, أما الفقه الحديث فقد تردد بين صيغة السلوك الضرر[36] وتارة بالخطر، ويهمنا في هذا المجال توضيح كيفية تنظيم الفقه المقارن لممارسة السلوك الخطر لتحديد معيار المسئولية.
والجريمة غير العمدية يستفاد من وصفها أن هناك سمة خاصة للإرادة يجب إبرازها ومن هنا يكون من الضروري التركيز على الركن المعنوي في الجريمة غير العمدية.
وأخيراً قد يكوم من المفيد لتكملة الصورة تحديد مدى قبول النظرية الغائية في هذا المجال.
يتطلب الفقه المقارن واجب الاحتياط العام لهذا التنظيم للسلوك الخطر فالقانون يتطلب من كل من يمارس سلوكاً خطراً بحسب طبيعته أن يبذل العناية اللازمة لتجنب هدف نتيجة غير مشروعة[37]. ويتجه الفقه الغالب إلى أن المعيار المميز لواجب الاحتياط يعتمد على أساس أن القانون يفرض على كل فرد أن يسلك في تصرفاته سلوك الرجل العادي. وتقدير سلوك الرجل العادي يكون بحسب الأصل تقديراً موضوعياً حيث يتحدد بناء على ما استقرت عليه الخبرات الاجتماعية العامة. ولا يقبل الفقه المعيار الشخصي في هذا المجال بمعنى الرجوع إلى الشخص نفسه والنظر فيما إذا كان تصرفه الذي أدى إلى وقوع النتيجة يتفق مع تصرفاته السابقة أم أنه أخل بهذا التصرف بما اعتاد عليه من الحيطة في تصرفات سابقة، ولا يقبل هذا المعيار الشخصي لأنه سيجعل الشخص المهمل عادة لا يعاقب بينما يكون الشخص الشديد الحذر عرضة للعقاب[38]. ولم يسلم المعيار الموضوعي أيضاً من أصحاب الدفاع الاجتماعي حيث يعتبرون أن معيار الرجل العادي معيار مجرد غير محدد ويضربون مثلاً بالحصان فهناك حصان لجر العربات وحصان للسباق وحصان للزينة ولكن لا يوجد حصان عادي.[39]
ومن الملاحظ أن التشريعات التي لم تنص على قاعدة لتنظيم الخطأ غير العمدي عملت على الإتيان بأوصاف للسلوك وصور له. ولقد رأينا أن القانون المصري في الجرائم الماسة بجسم الإنسان قد عدد هذه الأوصاف: الإهمال والرعونة وعدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة. والمشرع المصري في ذلك يتتبع تلك الأوصاف التي وردت في التشريعات اللاتينية وخاصة القانون الإيطالي والقانون الفرنسي.
وبتحليل القضايا في القانون العام الإنجليزي نجد أن هناك نقصاً في النظرية العامة للخطأ غير العمدي، وهناك صوراً يبرزها القضاء وعددها الفقهاء: الإهمال ( Negligence ) والرعونة ( Recklessness ) النحو الذي سبق أن رأيناه في الفصل وإذا كان الإهمال في القانون الإنجليزي في معناه المدني المؤدي إلى التعويض هو اقتراف فعل بمنع الرجل العادي أو الرجل الحريص على إتيانه أو امتناع عن فعله مع أن القانون يقرر التزام على عاتقه، فإن الإهمال في معناه الجنائي يتضمن سلوكاً أشد وطأة حيث أن الجاني يذهب إلى ما وراء السلوك المؤدي إلى التعويض بل يبدي عدم اهتمام بحياة وسلامة الآخرين. وقد يكون هذا الإهمال لا إرادياً هو الحال في الأب الذي يمتنع عن استدعاء الطبيب لإنقاذ ابنه الذي يحتضر لأنه من جماعة لا تعتقد في الطب، وقد يكون إرادياً كما هو الحال فيمن يقتل آخر عقب نشوب معركة بالأيدي أو من يقتل آخر عق استفزازه بواسطة نوع من استخدام القوة[40].
ويعتبر القضاء الإنجليزي معيار الرعاية الواجبة واتخاذ واجب الاحتياط[41]. ويتخذ معيار الرجل العادي ( Reasonable man ) مقياس لليقين والمخاطرة وإذا لم يكن هناك تعريف تشريعي لهذا المعيار فإن بعض المحاكم قد حاولت تعريفه على أساس أنه الرجل المتوسط ( Average ) أو الشخص الذي لا يدفع بالجنون ( Insanaty ).
(2) العنصر المعنوي في الجرائم غير العمدية:
يتكلم علماء النفس عن الإهمال من وجه النظر السيكلوجية على أساس أنه سمة سلبية فهو نقيض الاهتمام.
والإهمال والاهتمام مفاهيم سلوكية بمعنى أنها مفاهيم تطلق أو تخلع على سلوك الأفراد في ضوء معايير موضوعية فلا يوجد ( إهمال ) داخل الناس كذلك لا يوجد فرد بداخله ( اهتمام ) إنها مجرد تسمية لسلوك الفرد. ولذلك يعرفون الإهمال تعريفاً إجرائياً على أنه ( مفهوم يطلق على بعض الأساليب السلوكية المعبرة والمميزة في مواقف اجتماعية معينة يتوقع تكرار حدوثها في مواقف مماثلة أو مشابهة مما يسهل عملية التنبؤ بالسلوك إذا ما عرفت أبعاد الموقف وخلفيته ).[42]
ويتكلم علماء النفس عن الأسس العامة لسيكلوجية الإهمال ويحللون الانتباه ( Attention ) والإدراك ( Perception ) ويتكون الإدراك من عوامل ذاتية هي الانتباه الذي يعد الخطوة الأولى لإدراك أي منبه خارجي، والتهيؤ العقلي ( Mental setting ) حيث يبذل الفرد جهداً خاصاً لاستقبال المواقف فيتأهب له ويستعد لمواجهته، والخبرة (Experience ) والإلفة ( Intimacy ) حيث يعتبر المألوف أسهل إدراكاً من الموقف حيث يدرك الإنسان الموضوع خارجي على أنه كل متكامل وليس على أساسه جزئيات منفصلة وحيث يدرك الإنسان أي موضوع خارجي على أنه شيء منفصل بارز واضح على أرضية أو خلفية باهتة.
ومن هنا تكون عملية الإدراك ( Perception ) عملية كلية تتداخل فيها عوامل ذاتية خاصة بالفرد المدرك وعوامل موضوعية خاصة بموضوع الإدراك. ويعتبرون أن محددات سيكلوجية الإهمال وخاصة في مجال العمل هي:
1- ظروف العمل.
2- الظروف الشخصية والاجتماعية للعامل.
3- الأرضية الفكرية للعامل وإعداده.
وهناك فريق من الفقه وعلى رأسهم فري يرى أن السلوك والجرائم غير العمدية ( الإهمال ) متضمن على إرادة شعبية ويبحث آخرون عن دور الإرادة في ذلك الفعل لا يمكن إدراكه إلا في علاقة مع الإرادة التي يرمي إليها هذا الفريق هي ذلك النشاط الفيزيقي الذي يتفاعل مع منبه خارجي، ويرون أن الحركات الغريزية الانعكاسية تتحقق بصور لا إرادية. وعادة ما يمر الفعل الإرادي بمراحل أربعة أساسية:
- 1- مرحلة التمثيل للفعل Representation .
- 2- مرحلة العزم على الفعل Delineration .
- 3- مرحلة اتخاذ القرار Decision .
- 4- مرحلة التنفيذ Execution .
ويؤكد الفقه المقارن أن مراحله الأولى تكون ذات أهمية كبيرة في جرائم الخطأ غير العمدي، ولكن لا يجب أن تفهم هذه الأهمية في العلاقة مع هدف الإرادة، بل في قدرة هذه الإرادة على أن تلعب كعامل سببية مع الحدث الخاص.
ولا يحبذ الفقه الحديث تحليل أصحاب النظرية الغائبة ( Teoria Finalistica ) في ربط الهدف بالخطأ حيث يرون أنه لا يمكن البحث عن العامل الأساسي في الإهمال في علاقة السببية والنتيجة المادية، بل في انتهاك الالتزام بالحرص وهو ما يبدو بصورة واضحة في جرائم المرور.
وإذا كان الفقه يتطلب في جرائم الخطأ سلوك خاص فإنه يطلب أن الجاني يرغب في تلك الحركة العقلية ( Meto musculare ) ويرغب في ذلك الخمول ( ineriziing ) الذي يعتري تفكيره ولا يرغب في تلك النتائج المترتبة على السلوك. ومن هنا نجد أن عدم الانتباه واللا مبالاة والإدراك غير المحدد والإرادة غير المستقرة بل والجهل بظاهرة معينة أو الجهل بالتزام يجب على الفرد القيام به. كذلك الغلط في التقدير كل ذلك عناصر نفسية في الجرائم غير العمدية.
وهناك من يتطلب من العنصر النفسي في الجرائم غير العمدية أن يكون الجاني على إدراك ووعي بعدم مشروعية الفعل ( Antigiuidicita ) ولكن من الواضح أن هناك علاقة تبادلية بين عدم التوقع والالتزام باتخاذ الحيطة والحذر خاصة وأن معرفة اللا مشروعية لا تعد عنصراً في فكرة القصد ( Dool ) .
نخلص من عرضنا السابق إلى ما يلي:
- أولاً: أن معيار تحديد فكرة الخطأ لا بد أن تعتمد على فكرتين أساسيتين الضرر والخطر.
- ثانياً: أن فكرة التوقع بمفردها ليست بكافية لتحديد طبيعة الخطأ بل لا بد من أن يوضع في الاعتبار فكرة الخطورة للفعل.
- ثالثا: أنه من الضروري وضع صياغة عامة لتعريفه للخطأ دون الاعتداد بالصورة المختلفة التي ثبت أنها صفات للسلوك الخاطئ.
- رابعاً: لتحديد فكرة التوقع لا بد من الالتجاء إلى معرف علم النفس حتى يمكن ضبط العملية الزمنية خاصة وأنها في تحليل آخر ليست عيباً في الإرادة بقدر ما هي مفاهيم نفسية واجتماعية وتوقعية.
[1] Roger Merle & Andre Vitu = Traite de droit criminal, Cujas 1963, p. 449.
[2] Ruperto Munz Barbero = Juridical structure of criminal negligence in modern doctrine. Inter. De dr. pen, vol. 1,2,1976, p.9.
[3] friedrick P.& rossger W= Further expression of socialist way of gife and problems of offenses of negligence in road traffic, Abstract of criminology and penology, 17,N.2,1977,p. 669.
[4] جمهورية السودان الديمقرطية = التقرير الجنائي السنوي لعام 1975 – وزارة الداخلية صفحة 56 – 59.
[5] ويلاحظ أن الإحصائيات السابقة تتعلق بالحوادث التي تقع تحت قانون الحركة لعام 1975 وهي لا تتضمن جرائم القتل والإيذاء غير العمدية التقليدية طبقاً لنصوص قانون العقوبات السوداني والتي لا تساعد البيانات الواردة في هذا الشأن على التمييز بين التي ارتكبت بصورة عمدية وتلك التي ارتكبت بصورة غير عمدية ( أنظر المرجع السابق صفحة 19 ).
[6] R M. Barbero = Judical structure – op.cit., p.12.
[7] Merle & Vitu = Traite de dorit criminal – – op.cit., p. 449..
[8] Jerome Hall = General Principples of Criminal Law,, N.Y.1947,p.105.
[9] Messicano = Instituzione di diritto civile, Cedam 1952,p.127.
[10] Enerico Altevilla = La colpa, vol.i.1957,p.4.
[11] Altavilla E = la colpa – op. cit, p. 9.
[12] محمد أبو زهرة = الجريمة والعقاب في الفقه الإسلامية – الجزء الأول صفحة 143.
[13] أحمد فتحي بهنسي = المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي – 1961 صفحة 128.
[14] عبد القادر عودة = التشريع الجنائي في الإسلام – القسم العام – الجزء الأول صفحة 407.
[15] الزيلعي = تبيين الحقائق – شرك كنز الدقائق – الجزء السادس – مطبعة بولاق سنة 1215هـ صفحة 97.
[16] الزليعي = المرجع السابق صفحة 101.
[17] د. عبد العزيز عامر = التغرير في الشريعة الإسلامية – رسالة دكتوراه 1955 – صفحة 84.
[18] عبد القادر عودة = المرجع السابق صفحة 435.
[19] السبب في عدم تضمين الخطأ اليسير في المسئولية الجنائية أن العقوبة الجنائية تهدف إلى تقويم اعوجاج الجاني الذي لا محل له عندما يكون الخطأ يسيراً. ولم تعد لهذا التقييم أهمية نظراً لأن المشروع الحديث لم يعد يهتم بالخطأ اليسير لأنه لا مسئولية على الأفعال غير العادية أن الشاذة.
[20] د. محمود نجيب حسني = شرح قانون العقوبات الإسباني – القسم العام – 1968 صفحة 428.
[21] Mer…
[22] أنظر
[23] Del Giudice = II delitto colposo, 1918. Manzini v = trattato di delitto penole, vol. I,P.694. Stoppato F.=Manual di diritto penale, Parte General,1955,p.262.
[24] Altavilla E.=La colpa – 0p.cit., vol. I, p. 374.
[25] Anolisei F.=manuale – op. cit., p. 263.
[26] Grammatica F.=Princip di diritto penale soggettivo, 1943, p. 386.
[27] أنظرHerzog = La prevention des infractions involontairs contre La vie et I integrite de la personne huaine. Congresso della prevenzione, Giuffre, Milano, 1956.
[28] Vitu & Merle = Traite – op. cit., p. 450.
[29] ُ Riccio = II Reato colposo 1952, p.89.
[30] Del Giuduce= = II Reato colposo, p. 45.
[31] Manzini V. = Trattato, vol. I p. 692.
[32] من الأمثلة على النط الأول قانون العقوبات الإيطالي الذي نص في م 43/3 على أنه :
وقد اتبع هذا المنهج من التشريعات العربية القانون العراقي في م 25 والمادة 186 من القانون السوري والمادتين 190، 191 من قانون العقوبات اللبناني، والمشروع الموحد في المادتين 5/1 والمادة 44 من القانون الكويتي والمادة 217 من القانون التونسي.
[33] مجموعة الأحكام الصادرة من الهيئة العامة للمواد الجزئية السنة السابعة عشر العدد الثاني ص 491 وما بعدها.
[34] د. محمد إبراهيم زيد = قانون العقوبات المقارن – القسم الخاص 1974 صفحة 144.
[35] د. محمد محي الدين عوض = قانون العقوبات السوداني معلقاً عليه – 1970 صفحة 394 .
[36] أنظر رسالة
[37] نصت بعض التشريعات بصورة شريحة على هذا الواجب كالتشريع الهولندي في المادة 28 ( يعتبر مرتكباً لجريمة غير عمدية كل من يخفق في مراعاة الحرص الواجب الذي يكون في استطاعته حسب الظروف المحيطة به فلا يتوقع النتيجة المعاقب عليها التي ترتب لفعله أو يعتقد أن النتيجة لن تتحقق ) .
[38] د. سمير الجنزوري= مبادئ قانون العقوبات القسم الأول 1971 صفحة 163.
[39] مثال ذلك Prins وجراماتيكا في محاولتهما للقضاء على فكرة الإذناب وإحلال مبدأ المعاداة للمجتمع.
[40] د. محمد إبراهيم زيد = قانون العقوبات المقارن – المرجع السابق صفحة 129.
[41] Darbon V Bath Tramways ( 1946 >
[42] د. عزيز حنا = سيكلوجية الإهمال: دراسة قدمت للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية القاهرة.
اترك تعليقاً