مقال قانوني مميز حول حوادث السير في لبنان
مجلة الجيش
العدد 304 – October, 2010
إعداد: ريما سليم ضومط – ليال صقر الفحل
الرعب يتجوّل في الطرقات كلها وجلّ ضحاياه من الشباب
94 قتيلاً وأكثر من 800 جريح خلال تموز وآب الماضيين
حوادث المرور باتت من العناوين الرئيسة في نشرات الأخبار وتقارير الصحف. فلا يكاد يمضي يوم لا نسمع فيه خبر فاجعة خلّفها حادث سير: من مقتل شاب يوم تخرّجه، الى مصرع فتاة في ريعان شبابها، الى خسارة طفل لم يعرف بعد حلو الحياة أو مرّها… والمؤسف أن هذه الحوادث المأسوية في ازدياد مطّرد، في حين تنعكس نتائجها السلبية على مختلف الأصعدة، إجتماعياً ونفسياً واقتصادياً… فهل من حلول؟
المشكلة في إطارها العالمي
تشكّل حوادث المرور ثاني أسباب الوفيات في العالم لفئة الأعمار التي تراوح بين الخمسة أعوام والتسعة والعشرين عاماً، وهي ثالث أسباب الوفيات بالنسبة الى فئة الأعمار التي تراوح بين الثلاثين والأربعة وأربعين عاماً، وذلك بحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة. وتخلّف حوادث المرور سنوياً أكثر من مليون ونصف قتيل في العالم إضافة الى أكثر من خمسين مليون جريح أو معوّق. وتحذّر منظمة الصحة العالمية من مخاطر ارتفاع ضحايا المرور بنسبة تقارب الثمانين في المئة بحلول العام 2010 إذا لم تُتخذ الإجراءات الضرورية للحدّ منها. كما تقدّر العواقب المادية للحوادث بحوالى 518 مليار دولار سنوياً.
ويضيف التقرير أن حصيلة الخسائر البشرية في المنطقة العربية من جراء الحوادث 26 ألف قتيل سنوياً و250 ألف مصاب، إضافة الى خسائر مادية تقدّر بستين مليار دولار سنوياً.
في لبنان، تحصد حوادث السير أكثر من خمسمئة قتيل سنوياً في بلد يكاد يتجاوز عدد سكانه الأربعة ملايين نسمة.
أسباب الحوادث المرورية
أسباب الحوادث المرورية متعدّدة، منها ما يتعلق بالعنصر البشري ومنها ما يتعلق بعوامل أخرى كوضع الطرقات والمركبات، غير أن العنصر الأول يبقى الأهم بحسب رأي الدكتور الياس الشويري رئيس لجنة النقل البري في منظمة السلامة العالمية وممثل المنظمة لدى الأمم المتحدة.
ويؤكد الدكتور الشويري أن أخطاء مستعملي الطريق من سائقين ومشاة، هي السبب الرئيس لكثير من الحوادث. ويعدّد أبرز التصرّفات الخاطئة للسائقين موجزاً إياها بتجاوز السرعة المخصّصة، والتجاوز الخاطئ، وعدم التقيّد بأولويات المرور، إضافة الى القيادة في الاتجاه المعاكس للسير، وعدم مراعاة آداب المرور عند التعامل مع الركاب والمشاة.
ومن أخطاء السائقين ايضاً القيادة تحت تأثير الكحول أو التعب والإرهاق ما يؤدي الى غياب التركيز الذهني في أثناء القيادة.
وعلى صعيد المشاة يرى الدكتور الشويري أن أبرز الأخطاء المقترفة تتمثّل بعدم التقيّد بالأماكن المخصّصة لعبور المشاة، ومخالفة الإشارات الضوئية، والسير على الطريق على الرغم من وجود الأرصفة.
من جهة أخرى، يوضح الدكتور الشويري أن وضع الطرقات يشكّل سبباً مباشراً في وقوع بعض الحوادث وذلك لوجود عدة أخطاء من بينها عدم توافر العدد الكافي من العلامات والحواجز على المنعطفات الخطرة، وعدم كفاية الأرصفة الخاصة بالمشاة، إضافة الى غياب التخطيط عند إنشاء الطرق وعدم الإهتمام بالبنية التحتية، مثل إيجاد أماكن لتصريف مياه الشفة للحيلولة دون وقوع أعطال مفاجئة في السيارات والتسبّب بحوادث الإصطدام.
ويشير الدكتور الشويري ايضاً الى دور المركبات في التسبّب بحوادث المرور، موضحاً أن صلاحية المركبة تعتبر من العناصر الرئيسة لضمان السلامة المروريـة، والسـائٍق هـو المسؤول الأول والأخير عن هذه الصلاحية، وذلك بإجراء الفحوصات الدورية وتفقّد التجهيزات الفنّية، مثل الإضاءة والفرامل والمقود، وكذلك التقيّد بالحمولات المسموح بها وزناً وحجماً.
مشروع إستراتيجية مرورية
إزاء واقع السير المأسوي، كان لا بد من تحرّك رسمي والدعوة الى تضافر جهود الأجهزة الحكومية كافة، من أجل خفض عدد الحوادث والحدّ مما ينتج عنها من مآسٍ.
وقد تألّفت لجنة من قوى الأمن الداخلي تضمّ ضباطاً ذوي خبرة ويترأسها العميد جوزيف الدويهي. وضعت اللجنة مشروع إستراتيجية مرورية تضمّنت رؤية شاملة لمشكلة السير وحددت أطر الحل من خلال تكامل أدوار الوزارات والإدارات والهيئات والأجهزة المعنية بهذا القطاع. هذه الإستراتيجية التي ما تزال مشروعاً من ضمن مشاريع كثيرة لم تقرّ، تهدف الى حماية المجتمع اللبناني من الآثار السلبية الناجمة عن حوادث السير، وتوعية أفراد المجتمع حول تطبيق قواعد وآداب المرور، وتنمية الإحساس بالمسؤولية لدى المواطن اللبناني في ما يتعلّق بالسلامة المرورية. وتهدف الإستراتيجية ايضاً الى تحسين مستوى كفاءة العاملين في مجال المرور إضافة الى تطوير وتصويب التعارف بين الأجهزة المختصة بالمرور والجمعيات الأهلية المعنية، وتخفيف الأزمات المرورية من خلال إجراءات تضمن حرية التنقل والسير على شبكة طرق حديثة ووفق نظام متطور يضمن سلامة المواطن.
دور القطاعات في تنفيذ الإستراتيجية المرورية
يبيّن مشروع الإستراتيجية المرورية دور كل قطاع في الحدّ من حوادث الطرق وفي تنفيذ الإستراتيجية المرورية وفق ما يأتي:
• مجلس النواب:
– سن قوانين كفيلة بحماية المنتفعين من الطرق، باعتماد أفضل الأنظمة التي توصّلت اليها الدول المتطوّرة، وذلك عبر إنشاء لجنة برلمانية خاصة بالتوعية والسلامة المرورية تُعنى بمشاكل السير وحوادثه.
– سن قانون لإنشاء وزارة المواصلات التي تختص بتنظيم جوانب هذا الحقل كافة.
– الإسراع بإصدار قانون السير الجديد مع مراعاة الأسس الآتية: إنشاء قاعدة معلومات تشمل قضايا ومخالفات السير كافة واعتماد نظام النقاط، يضاف اليها اعتبار رخصة السوق امتيازاً مؤقتاً وليس دائماً ومن ثمّ التشدّد في العقاب، واعتماد مبدأ تصاعدية الغرامة والعقوبة، يلي ذلك تضمين القانون إلزامية تدريسه في المدارس، لا سيما في المراحل التكميلية والثانوية، واعتماد مادة السير كمادة إلزامية لاجتياز الإمتحانات الرسمية، إضافة الى منع استيراد السيارات المستعملة لأكثر من خمس سنوات، ومنع استيراد الدراجات المستعملة نهائياً، ووضع الأسس المنظّمة لاستيراد هذا النوع من المركبات الجديدة والتشدّد بطريقة بيعها…
• مجلس الوزراء:
– إنشاء مجلس وطني للسلامة المرورية يكون المرجع الوحيد الذي يقترح سياسة الحكومة اللبنانية في الشأن المروري ويضع الخطط اللازمة لتحسينه من جوانبه كافة، يراقب التنفيذ لجهة دراسة أسباب الحوادث ومعوّقات نظام السير ويتّخذ بالتالي القرارات اللازمة لتحسين الدورة المرورية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنظيم النقل العام وتخفيض عدد القتلى والجرحى من جرّاء حوادث السير.
– تفعيل دور مديرية الإحصاء المركزي في مجال الإحصاءات المرورية وربطها بقاعدة بيانات لإصدارها تباعاً، وإطلاع المجلس الوطني للسلامة المرورية المعنية بها لاتخاذ القرارات المناسبة على ضوئها.
• وزارة التربية:
– العمل على تشجيع المواطنين بشتى الوسائل على التقيّد بقواعد السير. من هنا على الوزارة عقد دورات خاصة لتوعية المعلمين في ما خص السلامة المرورية والسلامة العامة بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي والدفاع المدني والصليب الأحمر والجمعيات الأهلية…
– مساهمة المدارس والجامعات في نشر مفاهيم السلامة العامة واحترام القوانين والأنظمة وتعميم مبادئ القيادة السليمة عند الشباب.
• وزارة الإعلام:
– تعريف المجتمع على المآسي الناتجة عن حواث السير ومخاطرها وعلى ضرورة التقيّد بقوانين وأنظمة المرور، لذلك لا بد من إنشاء لجنة وطنية إعلامية متخصّصة في مجال الإعلام.
– وضع إعلانات تنبّه الى مخاطر الحوادث والمخالفات، وتخصيص برامج تثقيفية تتعلق بقانون السير العام وإلزام وسائل الإعلام بثّ إعلانات حول التوعية المرورية.
• وزارة الصحة، الصليب الأحمر، الدفاع المدني:
– إنشاء قاعدة بيانات تبيّن الخسارة الوطنية الناجمة عن حوادث السير، وذلك عبر ربط المستشفيات وغرف عمليات الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني، وقيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي بوزارة الصحة، وإصدارها بموجب دراسات وإحصاءات شهرية فصلية وسنوية، وتزويدها الجهات المعنية للأخذ بها وبناء القرارات الصحيحة عليها.
– تفعيل خدمة الطوارئ في المستشفيات والمراكز الطبية، وتجهيزها بأفضل الوسائل الطبية وتدريب العاملين فيها لضمان سرعة التدخل في إسعاف المصابين من جرّاء حوادث السير، وفرض إلزامية استقبالهم في المستشفيات والمراكز الطبية كافة، ومن جهة ثانية، دعم الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني لتمكينهما من تعزيز وتحديث وتفعيل سيارات الإسعاف وتجهيزها كما يجب.
• وزارة الأشغال العامة والنقل:
– ضرورة التنسيق التام مع مجلس الإنماء والإعمار والبلديات في كل ما يتعلق بإنشاء الطرق ومواصفاتها الفنية وتجهيزاتها المرورية لضمان حسن تنفيذها وبالتالي صيانتها.
– تحسين شبكة الطرق القائمة وتطويرها وإنشاء طرق جديدة وفق المواصفات الدولية، وتكليف فرق خاصة لصيانة الطرق، وتنظيم وتحديد إتجاهات السير على الطرق في الأراضي اللبنانية كافة، وتجهيزها بإشارات التوجيه والمنع والدلالة.
– فصل خطوط سير الشاحنات والمركبات الكبيرة عن خطوط سير السيارات السياحية، تكثيف الممرات الخاصة بالمشاة، وضع مخطط النقل العام حيّز التنفيذ للحدّ من الإزدحام، إنشاء نقاط ثابتة على المحاور الرئيسة والدولية كافة وبالإتجاهين وتجهيزها بميازين خاصة لضبط حمولات الشاحنات.
– الإسراع في إنشاء جسور المشاة، مشاركة أجهزة المرور في أعمال تخطيط المدن والطرقات والمشاريع الإعمارية، والتنسيق مع وزارة الطاقة والمياه لإيجاد الحلول الكفيلة بإنارة الطرق الرئيسة والدولية ليلاً وعدم تطبيق برامج التقنين عليها.
• وزارة المالية:
– العمل على تخفيض الرسوم الجمركية ورسوم الميكانيك على السيارات الحديثة بهدف حثّ المواطنين على التخلّي عن القديمة منها.
– زيادة الإعتمادات السنوية التي ترصد لصيانة تجهيزات السلامة المرورية.
وهنا يشير واضعو الإستراتيجية أنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن كلفة إنشاء الطرق وصيانتها بالشكل الصحيح تنتج مداخيل لمالية الدولة، لذلك فإن دور وزارة المالية لا يقلّ عن دور الوزارات الباقية في مجال السلامة المرورية.
• وزارة الإقتصاد:
– فرض إلزامية التأمين على جميع المركبات وإنشاء قاعدة بيانات لحوادث السير والأضرار المالية تربط مؤسسات وشركات التأمين كافة بهذه القاعدة، بهدف تحديد الخسارة الوطنية الناتجة عن حواث السير وإصدارها بعد تقييم آثارها الإقتصادية بموجب دراسات شهرية وفصلية وسنوية.
– اعتماد آلية عملية لمراقبة حوادث السير عن طريق مسك قيود لهذه الغاية من شأنها أن تؤدي الى إعادة النظر بأقساط التأمين تبعاً لعدد الحوادث التي يرتبكها الشخص المستفيد من التأمين.
• وزارة العدل:
– تعميم محاكم السير على الأراضي اللبنانية كافة، ومكننة عمل محاكم السير وربطها بهيئة إدارة السير والمركبات وقوى الأمن الداخلي.
– الإسراع في بثّ المخالفات المرورية المحالة الى القضاء.
• وزارة الداخلية والبلديات:
– تفعيل عمل عناصر شرطة السير في البلديات، والتنسيق مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لإخضاع عناصر الشرطة لدورات تدريبية تؤهّلهم القيام بمهماتهم على أكمل وجه، والتنسيق مع وزارة الأشغال العامة والنقل، وتجهيز الطرق في النطاق البلدي بمستلزمات السلامة المرورية كافة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإبقاء الأرصفة حرّة للمشاة.
– تخطيط السير التشغيلي في ما خص مجال عمل هيئة إدارة السير والآليات، أي تطوير إستراتيجيات إدارة السير، وتحضير الخطط اللازمة وتوظيف كادرات متفرّغة من مهندسين ومراقبين ذوي خبرة في مراكز التحكّم بالمرور.
– العمل على تطوير المعاينة الميكانيكية والتشدّد فيها.
– تنظيم أرشيف مصالح تسجيل السيارات.
– اعتماد نماذج حديثة ومتطوّرة في منح رخص السوق، واعتماد الأحرف والأرقام معاً في ترميم اللوحات لضمان سهولة قراءتها بالعين المجرّدة.
– تعزيز مفارز السير بالصورة الفورية وبالعدد اللازم من الضباط والعناصر، يليها فتح دورتين متتاليتين لرتبة دركي متمرّن متخصّص بالسير، ثم تدريب وتخصيص العدد اللازم من الضباط والرتباء في إدارة المرور وأزماته، ومن ثمّ اختيار العدد اللازم من الضباط والرتباء والأفراد من أصحاب الكفاءة لتولّي إدارة غرفة العمليات المشتركة مع هيئة إدارة السير.
– تحقيق كامل الأعتدة والتجهيزات من آليات وأجهزة وفاحص لنسبة الكحول في الدم، ثم تجهيز مركز إصدار محاضر الضبط بالتجهيزات اللازمة وتطبيق أحكام قانون السير وعدم اعتماد الاستنساب.
– وضع وتعديل التشريعات والأنظمة اللازمة لإنشاء جهاز مروري متخصص يُعنى بالشأن المروري بكل بنوده.
– وضع الإحصائيات حول حوادث السير والأضرار والخسائر الناجمة عنها لاستثمارها من قبل المراجع المختصة.
«كن هادي»
الى أن يقر مشروع الإستراتيجية المرورية الذي عرضنا أبرز مفاصله، أو يقرّ سواه من المشاريع، تظل معالجة مشكلة السير في لبنان رهناً بإجراءات وحلول ظرفية يلجأ اليها المعنيون، تؤازرهم جهود بعض المؤسسات غير الحكومية.
من المؤسسات غير الحكومية التي تُعنى بالحدّ من حوادث السير جمعية «كن هادي»، وهي جمعية إنسانية لا تتوخى الربح، تأسست في تشرين الأول من العام 2006.
أهداف الجمعية كما توجزها السيدة لينا جبران، العضو المؤسس في الجمعية، هي التوجّّه الى الشباب اللبناني وخصوصاً فئة الأعمار التي تراوح بين 15 و29 عاماً، وذلك بهدف توعيتهم وإرشادهم وحمايتهم من مخاطر حوادث السير.
وقد تمّ اختيار فئة الشباب لأن حوادث السير هي المسبّب الثاني لموت الشباب في العالم، والمسبّب الأول في لبنان.
أما الخطوات التي اتخذت لتحقيق الأهداف المذكورة، فتشرحها السيدة جبران موضحة أن أولى المبادرات التي اتخذتها الجمعية بعد إنشائها كانت تزويد الصليب الأحمر اللبناني برنامجاً إلكترونياً للمعلومات والإحصاءات عن حوادث السير، يمكّن العاملين فيه من الإحاطة بمعلومات دقيقة حول حوادث السير، وجدولتها ضمن قائمة تبيّن مكان الحادث وساعته، وأسبابه ونتائجه، إضافة الى مواصفات المصاب، ونظام السلامة في السيارة، وغيرها من المعلومات التي توضع في خدمة المعنيين ما يسهّل عليهم القيام بخطوات عملانية للحدّ من حوادث السير.
حذار السرعة!
تضيف السيدة جبران، أن الدراسات التي قامت بها الجمعية أظهرت أن السبب الأول لحوادث السير في لبنان هو تجاوز السرعة القصوى، يليه القيادة بحالة السكر، وبحالتي الإرهاق والتعب، مشيرة الى أن عدم وضع حزام الأمان والخوذة (لسائقي الدراجات النارية) هي أسباب قد أدّت الى مضاعفة الأضرار الناتجة عن الحوادث، بحسب ما أثبتت الدراسات.
وتتابع السيدة جبران أنه أمام الحلول المقترحة لعلاج مشكلة حوادث السير، والتي حدّدتها الجمعية بالتطبيق الحازم لقانون السير، ومعالجة وضع الطرقات، والتأكد من استيفاء آليات السير شروط السلامة، وتوعية السائقين وإرشادهم، اختارت الجمعية الحلّ الأخير كون الحلول الأخرى لا تندرج في إطار صلاحياتها أو إمكاناتها.
من هنا باشرت برنامج توعية يشمل حملتين سنوياً، يتمّ خلالهما نشر رسائل التوعية والإرشاد عبر عدة وسائل، من ضمنها اللوحات الإعلانية على الطرقات، والمناشير، والمقابلات التلفزيونية، وتتضمّن جميعها نصائح للشباب تقيهم الوقوع في حوادث السير. وفي هذا الإطار، عرضت الجمعية أخيراً على شاشات التلفزة المحلية عشر نصائح للسائقين مأخوذة من قانون السير اللبناني، مدة الواحدة منها عشرون ثانية تمّ تمريرها بين البرامج والمسلسلات، ويتمّ حالياً تحضير عشرين نصيحة مماثلة.
حملات التوعية
تؤكد السيدة جبران أن حملات التوعية تتمّ ايضاً بطريقة مباشرة عبر التواصل الحيّ مع الطلاب في المدارس والجامعات وذلك من خلال محاضرات تلقيها لجان التوعية في الجمعية بمعدل مرتين الى ثلاث مرات في الأسبوع، وتتوجّّه الى المتلقين بحسب أعمارهم (من سن الخمس سنوات وحتى السابعة عشرة).
تشدّد المواضيع المطروحة للصغار على كيفية التصرّف داخل السيارة والباص المدرسي، إضافة الى الوسائل الصحيحة لاجتياز الطريق، وقراءة إشارات السير بأسلوب مبسّط. أما الأكبر سناً، فتعرض لهم أسباب حوادث السير، وتتم مناقشة الأخطار التي يتعرّض لها السائق.
كذلك تتوجّه المحاضرات الى السائقين المحترفين في الشركات والمصارف، حيث تبحث معهم اللجان طرق القيادة الوقائية وكيفية تفادي حواث الطرقات.
وتشير السيدة جبران الى خطوات عملانية قامت بها الجمعية لتعميم ثقافة عدم القيادة في حالة السكر، موضحة أنه من المستحيل منع الشباب من السهر أو شرب الكحول في الحفلات، ولكنه من الممكن جداً مرافقتهم في سهراتهم وتشجيعهم على العودة في سيارات الأجرة بدلاً من القيادة بأنفسهم. من هنا كانت فكرة «Taxi Night» التي تقوم على تنظيم حفلتين للشباب سنوياً، تتكفّل خلالهما الجمعية نقل الساهرين ذهاباً وإياباً، فتشجّعهم بذلك على عدم القيادة بعد شرب الكحول حفاظاً على سلامتهم وسلامة مرافقيهم في السيارة.
تنسيق مع المؤسسات الحكومية
في إطار عملها في مجال التوعية، تتولى جمعية «كن هادي» التنسيق مع المؤسسات الحكومية لا سيما قوى الأمن الداخلي التي واكبت حملاتها من أجل استخدام حزام الأمان، إذ يرصد عناصرها المخالفين ويحرّرون بحقهم محاضر ضبط.
وتؤكد السيدة جبران أن تعاون الجمعية مع وزارة الداخلية وثيق جداً، وكذلك الأمر مع وزارة الأشغال. وتشير في هذا الإطار الى أن الجمعية قدّمت عاكسات ضوئية (عبارة عن إشارات ضوئية فوسفورية تعلّق على الأعمدة) تمّ تثبيتها على الطريق السريع الخاص بالحازمية – أوتيل ديو، والحازمية – الكرنتينا.
ويتم حالياً وضع عاكسات مماثلة على الأعمدة الممتدة من طريق ذوق مصبح حتى عيون السيمان، علماً أن الجمعية تكفّلت صيانة هذه العاكسات.
في إطار التعاون مع المؤسسات الرسمية، تسعى جمعية «كن هادي» الى تعاون مع وزارة التربية بهدف إدخال برنامج التوعية من حوادث السير في المنهاج التعليمي الرسمي.
في الختام تؤكد السيدة جبران أن مسؤولية الحدّ من حوادث السير هي واجب مشترك بين المؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية والمواطنين، مشدّدة على دور الأهالي في توعية أولادهم في سنّ مبكرة حول ضرورة التقيّد بقوانين السير، والتزام حزام الأمان، مشيرة الى أن الأهل يجب أن يكونوا المثال الصالح لأولادهم وللمجتمع.
«يازا»
مجموعة يازا (Yasa) تجمّع أهلي تأسس إثر وفاة الشاب طارق عاصي العام 1994 في حادث سير مؤسف.
تهدف هذه الجمعية الى تأمين وتطوير السلامة العامة والى تلافي وقوع الحوادث والإصابات الناتجة عنها، وذلك عن طريق توعية المجتمع المدني ونشر المعرفة بين أفراده ومؤسساته.
منذ تأسيسها في لبنان تعاونت «يازا» مع مؤسسات وهيئات محلية أهلية وحكومية منها الجيش وقوى الأمن الداخلي، وزارة الداخلية والدفاع المدني واللجنة اللبنانية للوقاية من الحوادث المدرسية وغيرها للحؤول دون هذه الحوادث…
وتشارك يازا مع هذه المنظمات في نشاطات وبرامج عديدة ومكثّفة تهدف الى تطوير السلامة العامة، منظمة حملات وقاية من أنواع الحوادث كافة عبر جميع وسائل التوعية والتثقيف المتاحة، إضافة الى متابعة المطالب والتوصيات المتعلقة بتحقيق أهداف المجموعة، كما يؤكد لنا السيد كامل ابراهيم (من يازا).
تتجه الـYasa اليوم وبشكل خاص الى العنصر الشبابي لتوعيته حول مواضيع السلامة العامة والوقاية من الحوادث من خلال شركات عديدة ومؤسسات إعلامية وتربوية، وتشارك في الإعداد للقوانين المتعلقة بالسلامة العامة في عدد من الدول العربية.
تهدف نشاطات «يازا» بوجه خاص ايضاً الى تحقيق سلامة الأطفال عبر التنبيه الى وضعهم داخل كراسي الأمان للمحافظة على سلامتهم خلال القيادة. وتركّز على أهمية جلوس الأطفال دون العاشرة في المقاعد الخلفية. وحرصاً على تحقيق سلامة المشاة، تطالب بإقامة جسور مخصّصة لهم على الطرقات كافة، وتشارك في توعيتهم على ضرورة استخدام الرصيف. وترى أن الحدّ من حوادث السير يستلزم صيانة الطرق والبنى التحتية، وتوعية الشباب حول مضار استهلاك الكحول، ونشر ثقافة عدم القيادة في حالات النعاس والإرهاق.
تسعى «يازا» من جهة أخرى الى تطوير منح إجازات السوق والى تطوير برامج تحسين القيادة، وقد أطلقت فريقاً يتولى إلقاء المحاضرات في المدارس لتشجيع الطلبة وأهلهم على تطوير سلوكياتهم في القيادة للوقاية من حوادث السير.
وفي موازاة ذلك أعدت برنامجاً لتزويد السائقين القدامى والجدد مبادئ القيادة السليمة القائمة على أسس علمية، من أجل تطوير مهاراتهم في القيادة والارتقاء بها الى المستوى المطلوب.
كيف يتحقق ذلك؟ يجيـب ابراهيـم: من خلال ورشة عمـل تدريبية نظرية تركّز بالدرجة الأولى علـى مبادئ القـيـادة الدفاعية، بالاستعانة بأحدث الوسائل المستخدمـة في التدريب للسماح للمشاركين بتصوّر جميع السيناريـوهات بأسلوب علمي، مع عرض ومضات معبّرة عن الحوادث ومن هذه الوسائل
«Chart, Magnetic Board, Videos»… يعود البرنامج بفائدة كبيرة على شركات التأمين عبر خفض خسائرها الناجمة عن مخالفات السير التي يرتكبها السائقون.
وترى «يازا» ضرورة تطوير أنظمة الإسعاف والطوارئ في لبنان، وهي عملت على هذه النقطة مع اللجنة اللبنانية للوقاية من الحوادث المدرسية (Lasa)، بحيث تنظم دورات تدريبية على مبادئ الإسعاف الأولي الهادف الى مساعدة الناس على معرفة كيفية التعامل مع وقوع الإصابات للحدّ من تفاقمها.
ولأن الوقاية تظلّ العلاج الأنجع، تحظى نشاطات التوعية بأهمية مطلقة، فتنشر من هذا المنطلق نشرات إعلانية لتوعية الشباب الناطق باللغة العربية في جميع أنحاء العالم، عبر مواقع إلكترونية شبابية تتعلّق بتنشيط دور الشباب في السلامة المرورية من أجل تحقيق الأهداف المشار اليها. كما تسعى يازا جاهدة لزيادة الشراكة والتعاون مع مؤسسات المجتمع الأهلي والمؤسسات الحكومية المعنية بالحدّ من الحوادث في الدول العربية، وتسعى الى زيادة التعاون الدولي للوقاية من حوادث السير من خلال نشاطات واتفاقات.
كن جزءاً من الحل
السائقون والمشاة هم المعنيون بشكل مباشر بمشكلة الحوادث المرورية، وبالتالي تقع عليهم مسؤولية المساهمة بشكل فعّال في وضع حلول لسلامة الطرقات.
في ما يلي إرشادات وتعليمات وضعتها منظمة الصحة العالمية برسم المواطنين بهدف الوقاية من حوادث السير.
• إربط حزام الأمان:
إن ربط حزام الأمان يقلّل خطر القذف خارج المركبة والتعرّض لإصابات خطيرة ومميتة بمعدل يراوح بين 40 و60٪.
• لا تسرع:
إن خفض متوسط السرعة بنسبة 5٪ من شأنه تقليص عدد التصادمات المميتة بنحو 30٪.
• إحرص على ارتداء الخوذة:
ينجم معظم وفيات سائقي الدراجات النارية عن إصابات الرأس. إن ارتداء سائق الدراجات البخارية الخوذة بطريقة صحيحة يمكن أن يقلّص خطر الوفاة بنحو 40٪ وخطر الإصابات الوخيمة بنسبة 70٪.
• كن مرئياً بوضوح على الطريق:
يزداد خطر تعرّض المشاة وسائقي الدراجات لحوادث الطرق نظراً لصعوبة رؤيتهم على الطريق. إن ارتداء ملابس زاهية أو عاكسة للضوء تجعل رؤيتهم أكثر وضوحاً للآخرين على الطريق، مما يساعد على تفادي التصادم.
• إياك أن تشرب الخمر قبل القيادة:
إن تعاطي الكحول قبيل القيادة يزيد من خطر التعرّض لحوادث الطرق، كما يزيد من احتمال حدوث إصابات خطيرة أو الوفاة. إن إصدار قانون يحظر القيادة على متعاطي المسكرات من شأنه أن يقلّص الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق بنحو 20٪.
حوادث السير بالأرقام
تبيّن إحصاءات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – هيئة الأركان – شعبة الخدمة والعمليات، إن حوادث اصطدام السيارات هي الأكثر تكراراً، إذ تقارب نسبتها الـ70٪ من العدد الإجمالي للحوادث وفق إحصاءات الأعوام 2008، 2009 و2010 (إحصاءات 2010 لغاية آخر آب).
في ما يلي الأرقام مع العلم أن عدد القتلى الوارد فيها هو أقل من العدد الفعلي لهؤلاء، فالاحصاءات تشمل فقط الذين يتوفون خلال الحادث مباشرة، بينما ثمة من يتوفون بعد ذلك بسبب إصاباتهم.
• المجموع العام لحوادث السير الواقعة خلال العام 2008:
– حادث: 4770.
– قتيل: 478.
– جريح: 6882.
• تقسيم الحوادث حسب نوع الآليات المتصادمة:
– حوادث السيارات:
– حادث: 3239.
– قتيل: 342.
جريح: 4960.
– حوادث الشاحنات:
– حادث: 287.
– قتيل: 46.
– جريح: 476.
– حوادث الدراجات:
– حادث: 1244.
– قتيل: 90.
– جريح: 1446.
• المجموع العام لحوادث السير الواقعة خلال العام 2009:
– حادث: 4644.
– قتيل: 513.
– جريح: 6508.
• تقسيم الحوادث حسب نوع الآليات المتصادمة:
– حوادث السيارات:
– حادث: 3333.
– قتيل: 403.
– جريح: 4874.
– حوادث الشاحنات:
– حادث: 207.
– قتيل: 43.
– جريح: 342.
– حوادث الدراجات:
– حادث: 1104.
– قتيل: 67.
– جريح: 1292.
• المجموع العام لحوادث السير الواقعة خلال النصف الأول من العام 2010:
– حادث: 2268.
– قتيل: 245.
– جريح: 3244.
• تقسيم الحوادث حسب نوع الآليات المتصادمة:
– حوادث السيارات:
– حادث: 1531.
– قتيل: 173.
– جريح: 2331.
– حوادث الشاحنات:
– حادث: 173.
– قتيل: 29.
– جريح: 296.
– حوادث الدراجات:
– حادث: 564.
– قتيل: 43.
– جريح: 617.
• خلال تموز وآب فقط:
سجّل خلال شهر تموز الماضي وقوع 245 حادث سير نجم عنها مقتل 43 شخصاً وسقوط 437 جريحاً. أما شهر آب فسجّل رقماً قياسياً حيث وقع خلاله 258 حادثاً أدّت الى مقتل 51 شخصاً وجرح 370 آخرين.
هذا ما حصل!
لا يمرّ يوم لا نسمع فيه عن حوادث وقعت هنا وهناك، أدّت الى إصابات مميتة وأخرى خلّفت إعاقات دائمة، إما بسبب السرعة أو بسبب الإهمال، وغيرها من الأسباب التي تحرم آباء وأمهات من أولادهم وتحرم أبناء من آباء وأمهات أو تحرم أشقاء من اخواتهم.
في ما يلي شهادات لوجع أناس غيّر حادث سير مجرى حياتهم (نقلاً عن موقع يازا على الانترنت).
• إيلي الرحباني شهيد حي لحوادث السير المأسوية في لبنان:
اصطدمت سيارة ايلي الرحباني بينما كان يقود مسرعاً بعمود كهرباء في منطقة البترون، كان عائداً وصديقه من سهرة شربا خلالها الكحول، لدرجة منعت ايلي من التركيز على مدى السرعة التي كان يقود بها، وأنسته وضع حزام الأمان. قوة الارتطام رمت به على بعد عشرة أمتار من السيارة والنتيجة شلل رباعي وبالتالي تعطيل كامل لأطرافه.
«لا أندم على كوني أصبحت مقعداً بقدر ما أشعر بالحسرة على الألم الذي سببته لأهلي وإخوتي والأشخاص الذين يحبونني» يقول ايلي. أما والدته فتشكر الله كل يوم على نعمة أن ابنها بقي حياً.
• الياس كمال العقيقي ابن الـ24 ربيعاً عشق هواية الدراجات الإلكترونية حتى الموت:
تخصص الياس العقيقي بالهندسة في جامعة سيدة اللويزة، وعمل مدرساً في مدرسة سيدة اللويزة، وكانت هوايته قيادة الدراجات الإلكترونية. مارس هوايته على الطرقات الجبلية والساحلية وحتى على الأوتوستراد حيث كان يتنقل على متن دراجته الإلكترونية الـ»ATV»، غير عابئ بالمخاطر التي تتأتى عن ركوب هكذا دراجات.
انطلق الياس في رحلته الأخيرة على متن دراجة الموت من منطقة ذوق مكايل حيث يسكن، وشاء القدر أن يضع دراجته بين سيارتين على أوتوستراد جونيه – أدما، لتقذف به إحداهما نحو الرصيف فيرتطم رأسه بشدة به، ويدخل في غيبوبة كاملة، قبل أن يخطفه الموت…
• شربل خريش ابن الأربعة أعوام ملاك ودّع والديه الى دنيا الآخرة:
يروي بسام خريش بلوعة مأساة فقدان ابنه شربل. كان يجهل أن الطفل بعد عمر السنة يستمر في الجلوس في كرسي الأمان، ويحمّل الوالد نفسه مسؤولية موت ابنه لجهله هذه الأمور، ويقول إنه لو علم بذلك لكان شربل ما يزال بينهم اليوم، ويضيف أن وفاة شربل دفعت به للنضال مع الجمعيات التي تعنى بالوقاية من حوادث السير، لنشر الوعي والحؤول دون موت الأطفال والكبار بحوادث السير.
كلفت رحلة قضاء عطلة نهاية الأسبوع في منطقة الجنوب عائلة خريش خسارة جسيمة، خسارة غيّرت حياة عائلة الى الأبد، وأطفأت شمعة غالية وأسكتت ضحكات كانت تملأ البيت وحياة الأهل.
كيف الهروب من سيارة توقفت في وسط الطريق على أوتوستراد الزهراني، حاول الوالد تفاديها، ونجح في ذلك لكنه فَقَدَ السيطرة على سيارته لتصطدم بلمح البصر بعمود أدى الى إصابة شربل في رأسه والى نزيف حاد وفارق الحياة بعد فترة وجيزة.
تعميم
صدر عن قيادة الجيش التعميم الرقم واحد حول ارتفاع الخسائر البشرية والمادية من جراء تكاثر حوادث السير، وجاء في التعميم:
1- ارتفعت في الآونة الأخيرة نسبة حوادث السير الهامة التي أسفرت عن مصرع العديد، بحيث أصبح الوضع يشكّل ظاهرة يجب التوعية الى مخاطرها وآثارها السلبية التي تجاوزت الخسائر البشرية لتطال الوضع الإقتصادي وموسمي السياحة والإصطياف.
2- إن عدم احترام قوانين السير هو أول ما يلفت إنتباه السائح أو الزائر لدى خروجه من مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
3- يُجمع المواطنون العاديون والخبراء المتخصّصون على أن حوادث السير ناجمة بمعظمها عن السرعة الجنونية وعدم التقيّد بقوانين السير من جهة، وتقاعس الأجهزة المعنية الإدارية والأمنية في تطبيق القوانين، بدءاً من إجراءات الحصول على رخص السوق، إضافة الى التراخي في بعض الإرتكابات والمخالفات كتعاطي الكحول من قبل بعض السائقين.
————————————
اترك تعليقاً