العدل..المفهوم والممارسة
د. محمد بن عبد الكريم العيسى
أوضح وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن العدل يمثل القيمة العليا التي قامت عليها السماوات والأرض، وهو الغاية التي من أجلها أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، قال تعالى: “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط”.
وذكر أن مفهوم العدل – من حيث وضعه اللغوي والشرعي – عام ولا يقتصر على المفهوم القضائي، وأنه يوجز في ثلاث كلمات: “وضع الأمور في مواضعها”، ويسهب البعض بقوله: “إنه إعطاء كل ذي حق حقه بلا إفراط ولا تفريط”.
وذكر أن بعض الكتابات القانونية تتجاوز المفهوم الدقيق للعدل، فتدخل المساواة في مفهوم العدل، وأن هذا غير دقيق، فالمساواة في بعض الوقائع تخرج عن حيز العدل إلى الجور، ولذلك احتاج لفظ المساواة إلى قيد العدل فيقال: “المساواة العادلة”، ومثل لما ذكر بالميراث فللذكر مثلُ حظّ الانثيين، فهنا لم تحصل مساواة بين الأولاد (الذكور والإناث)، لكنها قسمة عادلة؛ مراعى في ذلك حكمٌ إسلامية عالية، وعندما نساوي في الجزاء بين المصيب والمخطئ، وبين المجتهد والمُهمل، فقد تجاوزنا بهذه المساواة وصف العدل إلى الجور.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها الوزير في الجمعية السعودية للعلوم السياسية بجامعة الملك سعود، بحضور مدير ووكلاء الجامعة وعدد من الأكاديميين والطلاب، يوم أمس الأحد، بعنوان: “العدل.. المفهوم والممارسة “.
وأضاف الدكتور العيسى أن العدل أنواع، فهناك العدل مع النفس: “إن لجسدك عليك حقاً”، وهناك العدل في القول وهو عدل شامل: “وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى”، وهناك العدل في الحكم: “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”، وفي عصرنا ما يسمى بالعدل الاجتماعي، ويراد به: “تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع”.
وأشار إلى أن العدل في الاصطلاح التنظيمي يقصد به الجهاز العدلي في منظومة وزارة العدل، وذكر بأن مسيرة العدل بالمملكة العربية السعودية تنقسم الى قسمين:
الأول: عدل في الأحكام، وهذا ثابت لا يتغير، ولا يقبل المساس به؛ لأنه يمثل ثوابت الدولة في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، يضاف لذلك عدالة تطبيق النظام على الجميع وهو من الشريعة باعتباره صادراً من ولي الأمر، الواجب طاعته، وسن الأنظمة من المصالح المعتبرة شرعاً، وليست من المصالح المرسلة، كما يُكيّفها بعض الباحثين، لشمولها بنصوص شرعية ولو لم يكن منها إلا وجوب السمع والطاعة فيما أمر به ولي الأمر، ولأن فيها حفظاً للضروريات الخمس.
الثاني: مسيرة عدلية في الإجراءات القضائية والتوثيقية والهيكلة الإدارية، وهذه هي التي تقبل التغيير “تطويراً وتحديثاً”.
وذكر بأن وزارة العدل تأسست بتعيين وزير لها عام 1390ه لتحل محل رئاسة القضاة، وتشكل مجلس القضاء بعد إنشاء الوزارة باسم الهيئة القضائية العليا ثم في عام 1395ه صدر نظام القضاء، وجاءت تسمية مجلس القضاء الأعلى، وكان إبان الهيئة القضائية العليا ومجلس القضاء الأعلى يباشر المجلس الشؤون الوظيفية للقضاة إضافة إلى قيامه بمهام المحكمة العليا في قضايا الإتلاف وتقرير المبادئ القضائية، إلى أن سلخ العمل القضائي من عمل المجلس إلى المحكمة العليا ليتفرغ لشؤون القضاة الوظيفية، وهذا التحول النوعي هو الذي أتاح لأعضاء خارج السلك القضائي ليكونوا ضمن تشكيل المجلس حسب نظام القضاء الجديد الصادر عام 1428ه والذي تركز على إنشاء محاكم استئناف، ومحكمة عليا، وأوجد عدداً من المحاكم المتخصصة نوعياً، وهي: المحاكم العامة، والتجارية، والأحوال الشخصية، والعمالية، والجزائية.
وقد كتبت بعض الأقلام التي تنقصها الروية والتحقق أن النظام الجديد كان بسبب مقترحات دولية ألحت على المملكة بهذه النقلة وهذا غير صحيح، فالدولة كانت على قناعة بأهمية هذا التطوير والتحديث، وفق دراسات داخلية استفادت من الخبرات الدولية بمحض الاختيار، وليس بإلحاح ولا توصية ولا مجرد تبعية، بل لقناعة داخلية تتوخى تحقيق المصلحة الوطنية.
وأضاف بأن العمل القضائي في شقه الموضوعي ليس لأحد التدخل فيه مطلقاً لا من وزارة العدل ولا من المجلس الأعلى للقضاء، وتحديداً التفتيش القضائي، والمحكمة الأعلى هي من تتدخل في العمل القضائي وفق قواعد الشريعة والنظام، والمحكمة العليا هي رأس السلطة القضائية في القضاء العام، في حين ترأس المحكمة الإدارية العليا هرم القضاء في القضاء الإداري، والمملكة تأخذ بالقضاء المزدوج وهو نموذج يستحسنه الكثير، حتى قيل إن الدولة التي ليس لديها قضاء إداري مستقل تعيش فراغاً في نظام عدالتها، وهو امتداد لولاية المظالم في الإسلام في شقها القضائي.
وقال: بأن وزارة العدل تختص بالعديد من المهام، حيث تستمد صلاحياتها من نظام مجلس الوزراء، ونظام القضاء، وتستصحب أنها وريثة رئاسة القضاء بموجب أمر ملكي نافذ منذ عدة عقود حتى اليوم، كما تستمد صلاحياتها من العديد من الأوامر والتعليمات التي ترد للوزارة، ومن بينها: العهد لها بمسؤوليات إجرائية تتعلق بولاية المحاكم في نظر القضايا من عدمها كما قضى به الأمر السامي رقم (1700/م ب) وتاريخ 5/2/1426ه، والأمر الملكي رقم (14947/ب) وتاريخ 7/11/1430ه الذي نص على تكليف وزير العدل بالتعامل مع بعض المسائل القضائية ذات الشأن الولائي.
وتابع: بعملية استقرائية لاختصاصات الوزارة نجدها تختص بالشؤون الإدارية والمالية والتنفيذية والإشرافية للمرفق العدلي بكامل قطاعاته، بموجب نظام مجلس الوزراء، ونظام القضاء، والأوامر والتعليمات ذات الصلة، ومن ذلك الإشراف على تطبيق أنظمة القضاء.
وأشار إلى أن هناك لبساً في بعض المفاهيم فيما يتعلق باستقلال السلطة القضائية، الذي ينصب في حقيقته على ما تصدره من أحكام كما أشرنا وعدم التأثير عليها بأي أداة ضاغطة من شأنها أن تؤثر على مسار العدالة، ولا يدخل في ذلك الجوانب الإجرائية.
وقال الوزير العيسى: لو أخذنا مفهوم التدخل على إطلاقه الواسع لما جاز للسلطة التنظيمية أن تسن أنظمة القضاء، ولا أن توجه القضاء في أمور إجرائية بما في ذلك سماع الدعاوى من عدمه، حيث يصدر للقضاء توجيهات من مجلس الوزراء في هذا الشأن.
وذكر بأن مبدأ الفصل بين السلطات يعتبر من أهم مبادئ القانون الدستوري، وقد تعامل معه المنظم السعودي بأخذ حسناته محل التوافق، وترك ما يعتريه من جدل وسجال قانوني طويل، وكان تعامل المنظم في منتهى الحكمة، عندما جعل نُصب عينيه مراعاة نظام الحكم في الإسلام الذي تأخذ به المملكة، ومن نظريات هذا المبدأ مخالفة مفهوم ولاية الأمر في الإسلام التي تمثل مرجعية السلطات الثلاث، وقد بين هذه المخالفة الواضحة عدد من العلماء المسلمين من أساطين القانون الدستوري، ولم يكتفوا بإيضاح المخالفة بل نحوا باللائمة عليها وعدوها في نظر الإسلام مأخذاً لا يمكن قبوله، وذكروا بأنه لا يمكن أن يفسر الفصل بين السلطات على هذا النحو الذي يسمح بوجود أكثر من ولي أمر في دولة واحدة، ولذا جاء النظام الأساسي للحكم بنص في منتهى الدقة، عندما عدد سلطات الدولة ونص على تعاونها فيما بينها، ورتب ولاية الأمر بأسلوب واضح يضمن المرجعية الواحدة وفق نظام الحكم في الإسلام التي تمثل قيمه المعايير المنطقية والموضوعية، ويضمن بعون الله الاستقرار، وعنصر الحسم السريع والبات عند تضارب الآراء بين السلطات.
إن النظريات القانونية في مبدأ استقلال السلطة القضائية تنقسم إلى: قسم لا يختلف عليه أحد وهو استقلالها في أحكامها وهو ما ينصب عليه هذا المفهوم بدءاً، وقسم يتعلق باستقلالها فيما عدا الأحكام، وهذا لا نهاية له، وليس للأخذ ببعض مفاهيمه وترك بعضه الآخر من مسوغ، ولذلك كان القول الحق هو الاستقلال في الأحكام وعدم التأثير عليها، ولو وسعنا من مفهوم الاستقلال، لكانت السلطة القضائية تحكم نفسها بنفسها، ولكانت دولة داخل دولة، ولذلك نجد أن رأس السلطة التنفيذية في أعرق الدول الغربية تنظيراً وتطبيقاً في هذا الشأن هو من يصدر قرار تعيين القضاة، مع مغالاتهم في مفاهيم الفصل بين السلطات، واستقلال السلطة القضائية تحديداً، ولنأخذ وصفاً عملياً على تطبيق المفهوم الواسع بل وعلى الأخذ بكل ما طرح في هذا التنظير، لنجد أنه يتعين:
1- عدم تدخل السلطة التنظيمية في شؤون السلطة القضائية بما في ذلك تشريعاتها وشؤونها المالية والإدارية، فقد قرأت لبعضهم بأن تشريعات السلطة القضائية يفترض أن تتولاها بنفسها لئلا تمارس أي من السلطات إملاءات على السلطة القضائية ولئلا تحابي سلطتها في التشريع، فضلاً عن وجود ضمانة دستورية بعدم حصول أي انحراف تشريعي متوقع يحابي السلطة المشرعة أمام القضاء مادام تشريعها مفروضاً على السلطة القضائية.
2- استقلال السلطة القضائية بتدبير كافة شؤونها، بما في ذلك الشؤون الوظيفية من تعيين وترقية ونقل وغيرها، ويلزم على هذا المفهوم المغالي أن تكون رئاسة وعضوية المجالس القضائية (عند من يأخذ بفكرة هذه المجالس) من السلك القضائي، لتدار من داخل السلطة القضائية، وهذا المفهوم تغير في النظام الجديد، حيث أصبحت رئاسة المجلس ليست ضمن درجات السلك القضائي، ولا يشترط لشغلها شغل أعلى درجات السلك القضائي كما كان في السابق، بل وشملت في عضويتها أعضاء لا علاقة لهم بالسلك القضائي، كل هذا لترسيخ المفاهيم المنوه عنها، والبعد عن المغالاة في مفاهيم الفصل التام، بدلاً من التعاون والتكامل بين السلطات الثلاث.
3- استقلال السلطة القضائية بشؤونها الإدارية والمالية، إذ هناك من يقول بأن تعيين موظفي السلطة القضائية يفترض أن يخضع لإرادة السلطة، وألا يمارس على أجهزتها أي إشراف إداري أو مالي، وألا تخضع لأي نظام في هذا غير ما تقرره وفق لوائحها التي تسنها، بما فيها اللوائح الإدارية والمالية، وما تستقل به من سلطتها التقديرية فيما هو خارج إطار اللوائح.
وقال بأن هذه الأطروحات نقرؤها في الكتابات، ونقرأ في المقابل ما ينقضها، وأقوى دليل على نقضها هو التطبيق العملي حيث لا يمكن لأي دولة تأخذ بنموذج العدل القضائي أن تطبق تلك النظريات المغالية، لأنها تجعل من السلطة القضائية سلطة مهيمنة خارج استقلال أحكامها.
وأضاف بأن الاضطلاع بالجوانب الإدارية والمالية والتنفيذية والإشرافية، خاصة مراقبة تطبيق أنظمة القضاء من قبل المظلة العدلية في الحكومية وهي وزارة العدل، يجب أن يكيّف على أنها إحدى أهم أدوات تعزيز استقلال السلطة القضائية، بحفظ كيانها من أي اختراق لها، بسياج تنفيذي يترجم مبدأ التكامل بين السلطات، فالجهاز التنفيذي والإشرافي يعمل على خدمة السلطة القضائية، ويحول بينها وبين أن تستجدي أي جهاز آخر في أي من السلطات خاصة في شؤونها الإدارية والمالية والتنظيمية بحيث تقوم بهذه المهمات مظلتها العدلية المهيأة للقيام بمتطلباتها، والسلطة القضائية محفوظة الجناب والرعاية، من خلال مفهوم العدل القضائي، وليس العدل الأمني، حيث يوجد في العالم ثلاثة نماذج: نموذج وزارة العدل تعنى بالعدل الأمني، ونموذج يعنى بالعدل القضائي، ونموذج يجمع بين هذا وذاك (ذو شبهين) من خلال أخذ بعض الصلاحيات الأمنية، وإن كان الأشبه هو العدل القضائي، وكل نموذج تمثله دول عصرية.
وجدل النظريات القانونية في هذا لا ينتهي، فمثلاً نجد جدلاً حول التفتيش القضائي وتبعيته، فهناك مدارس لا ترى أن القاضي يفتش عليه، ويكفي أن أعماله القضائية تحظى بضمانات عدالة تتمثل في تعقب المحكمة الأعلى لما يصدر عنه، ورقابة رئيسه المباشرة لأدائه الفني، والاطلاع على إحصائية أعماله، ومن وصل إلى مستوى الثقة بتعيينه في القضاء مع تجاوز مرحلة التجربة يحظى بحصانة قوية، يصعب النيل منها، خاصة وأن تفعيل كل شكوى ضد القاضي تطال مهابة القضاء، فضلاً عن أن أي تظلم من مسار العدالة في نظر القضية يمكن أن يضمن لائحة الاعتراض.
وهناك مدارس تطالب بنقل التفتيش القضائي من وزارات العدل إلى المجالس القضائية، تعزيزاً لمبدأ الاستقلال، وأخرى تطالب بأن يكون التفتيش مستقلاً حتى عن المجالس القضائية؛ تأسيساً على أن أعمالها أعمال إدارية، وليس من الاستقلال أن يكون التفتيش تحت مظلة إدارية أخذاً في الاعتبار أن إشراف المجالس على القضاء والقضاة مقيد بالجوانب الإدارية لتحصيل القدر اللازم من المعلومات لخدمة الشأن الوظيفي للقضاة تعييناً ونقلاً وندباً، وأنه لو قيل بغير ذلك لتداخل عمل المجالس مع إشراف المحكمة الأعلى على أعمال القضاة.
وهناك مدرسة ترى ربط التفتيش القضائي بوزارات العدل وعليه بعض الدول الغربية كفرنسا وهي من تصنف ضمن رواد نظرية الفصل بين السلطات، وتؤسس هذه المدرسة نظريتها على ثلاثة أمور:
أن التفتيش القضائي لا يعدو قياس الأداء الفني للقاضي، فهو عمل أشبه بالأعمال التنفيذية، وذو صبغة إدارية بحتة، يتم من خلاله الاستقراء والتتبع والرصد للأعمال الفنية للقاضي، لا على سبيل فحصها، بل لقياسها في خانة سجل أدائه الوظيفي، سواء كان التفتيش على خلفية العمل الدوري له، أو لسبب عارض ومن ذلك إدارة المرافعة، ومن ثم يتم تزويد المجالس القضائية بفحوى القياس الفني لعمله، أو تقييم إدارة المرافعة لطارئ تطلب قياسها كما في الشكاوى العارضة، وهذا ما حصل في نظام القضاء السابق.
عندما يكون التفتيش في كنف الجهة الموكول إليها محاكمة القاضي، فسيكون هناك “تحقيق، وادعاء، وحُكم” من لدن جهة واحدة.
إذا كانت مرجعية التفتيش تحمل مظلة السلطة القضائية فسيكون هناك تجمع مهني يدافع عنه نفسه.
وأشار الوزير إلى أن هذه مدارس شتى، وكل يدعي صحة نظريته، لكن التطبيق العملي هو الذي يقوّم النظرية، على أنه قد يصلح لبيئة عدلية ما لا يصلح لغيرها، وإن كان الأنموذج العدلي متفقاً في فلسفته، وكما توجد الخلافات في القواعد الفقهية والأصولية، توجد كذلك بل وأشد في النظريات والمبادئ القانونية، وهذه السعة الخلافية تسوغ أطياف الاجتهادات، وتتيح أكثر من خيار، وفي ذات الوقت تنحى بالملامة على من يلوم من واقع وجهة نظره الخاصة، فكل يختار الأنموذج الأمثل حسب قناعته التي تحفها الكثير من الاعتبارات التي تهدف لتحقيق مصلحة منظومته، وهو ما قد يفوت المنتقد تصورها أو استصحابها.
وأبان بأن مسيرة التفتيش القضائي في المملكة ناجحة تماماً، وأن المجلس الأعلى للقضاء أدار عملية التفتيش على أكمل وجه، ووجوده في المجلس هو الأنسب، وهو ما قضى به النظام.
ونفى الوزير أي تباين يذكر بين الوزارة والمجلس، وقال بأن الوزارة لا يمكن أن تؤدي أعمالها، ولا المجلس يؤدي أعماله دون التكامل النموذجي بينهما، وهو ما حصل بالفعل، وقال: إن بين المجلس والوزارة تكاملاً وتفاهماً على أعلى المستويات، والوزارة تثمن مسيرة المجلس الإيجابية، وقال: كيف تختلف الوزارة مع المجلس وهي شريك فيه عن طريق وكيلها باعتبارها عضواً في المجلس.
وفي الممارسة أوضح أن مسيرة العدالة في المملكة تسير على اتجاهين: القضاء والتوثيق، والأول يتعلق بالمحاكم، والثاني بكتابات العدل، وكل من القضاة والموثقين من كتاب العدل مشمولون بشروط واحدة في التعيين، فشروط تعيين كاتب العدل هي شروط تعيين القاضي.
وأوضح أن هذين القطاعين يحظيان بتحديث وتطوير مستمرين، وأن هناك نقلة نوعية كبيرة سترى النور قريباً بإذن الله تتركز على الإجراءات، والبنية التحتية، وتلافي أوجه القصور، وفق دراسات علمية – متعمقة – للحالة الراهنة، مع استدعاء النماذج الدولية المتميزة، وبناء شراكات مع العديد من الجهات ذات الصلة في الداخل والخارج، لتنفيذ الطموح الكبير لخادم الحرمين الشريفين في مشروعه الرائد لتطوير مرفق القضاء، فمهمتنا التنفيذ، وذلك أن الدعم المادي والمعنوي متاح بما لا مزيد عليه، ولا شك أن الإرادة السياسية ذات أهمية في هذا الموضوع، وقد تمت بحمد الله على أكمل وجه كما هو العهد بها، بل ولم تقتصر على الدعم فقط، بل واصلت ذلك إلى المتابعة والسؤال المستمر عما وصل إليه ذلكم المشروع الطموح.
وتنوي الوزارة عقد العديد من المؤتمرات والندوات القضائية على مراحل، وستكون انطلاقتها الفعلية – إن شاء الله – بعد تدشين المرحلة العلمية الأولى من مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء تحت رعايته – حفظه الله -، وقد تأجلت بعض الوقت؛ حيث تلقت الوزارة طلبات خارجية (لاحقة) فاقت التوقعات؛ للمشاركة في المؤتمر الدولي المصاحب لانطلاقة المرحلة العلمية الأولى المتعلقة بالأحكام الجنائية، وتطلب الأمر إجازتها وتحكيم أوراق عملها، وحسب استقرائنا فإننا نتوقع أن يكون هذا المؤتمر متميزاً على المستوى الدولي في مادته النظرية والتطبيقية وخبرائه المحليين والدوليين، وسيحقق – إن شاء الله – طموح خادم الحرمين الشريفين في مشروعه الرائد لتطوير مرفق القضاء، في الجوانب العلمية تحديداً، وحصلنا مبدئياً على إطلاق مجلة محكمة تواكب هذا الفعالية باسم: “القضائية”، وهي مجلة تخصصية في المباحث القضائية، تضاف إلى “مجلة العدل” الشمولية في الجوانب العدلية عموماً، لتكون باكورة علمية لبداية انطلاقة هذا المشروع الكبير – في شقه العلمي – تحت رعاية رائد هذا المشروع خادم الحرمين الشريفين.
وأفصح الوزير العيسى عن أن أهم ما تعانيه دور العدالة هو تأخر البت في القضايا، وذكر بأن الوزارة وضعت في هذا مشروعاً تسعى لتطبيقه في أقرب وقت، تعتقد الوزارة أنه سيعالج المشكلة، موضحاً بأن التأخر يعتبر مشكلة دولية وليس هناك من دولة لا تعاني منه، وأن هذا لا يعني تقاعسنا البتة عن إيجاد الحلول، وذكر من الحلول: نشر ثقافة التحكيم، فتح مكاتب الوساطة والتوفيق وفق تنظيم ملزم، قصر المرافعة على المحامين، الحكم بأتعاب المحاماة وأتعاب الدعوى وفق تنظيم يراعي الإيجابيات ويتلافى السلبيات، وذلك أن الحكم على الخاسر بأتعاب الدعوى في جميع القضايا قد يعتريه بعض المآخذ، ومنها: صورة من يدعي حقا على شخص ليس له من بينة عليه، مكتفياً بيمين المنكر فيصعب والحالة هذه أن تحكم على الخاسر بأتعاب الدعوى، تعزيز المكاتب القضائية بالأدوات المساندة من باحثين شرعيين ونظاميين ومحضري قضايا، تفريغ القضاة للأعمال القضائية، فالقضاة ينأون بأعباء إدارية وتوثيقية، تفعيل تقنية المحاكم الإلكترونية.
كما أوضح الوزير بأن الأوامر والتعليمات الموجهة للوزارة، آخرها الأمر الملكي المؤرخ في 7/11/1430ه، قضت بعدم نظر محاكمها في أي من القضايا ذات الطابع الإعلامي أو الثقافي، ويدخل في مشمول الأمر عموم مصادر المادة الثقافية والإعلامية، وكذا المواد الثقافية والإعلامية الإلكترونية، وأن النظر فيها من اختصاص اللجنة المختصة بوزارة الثقافة والإعلام.
مضيفاً أن اللجنة الإعلامية ليست لجنة قضائية، وإنما هي لجنة مختصة بالنظر في هذه التظلمات أشبه بجهة تظلم وجوبي، وما تصدره يعتبر قراراً إدارياً يجوز الطعن عليه أمام المحاكم الإدارية، وهي إما تلغي القرار، محمولاً على أسباب الإلغاء التي يتعين على اللجنة معاودة إصداره على ضوئها، وإما أن ترفض دعوى الإلغاء، لصحة القرار، وعليه فلا فراغ قضائياً في الموضوع – كما يتصوره البعض -، بل إن الموضوع برمته عائد للنظر القضائي، وهذا التكييف ينسجم تماماً مع مواد نظام جرائم المعلوماتية ولا يتعارض معها البتة، لما سبق، ولأن الأمر الملكي المنوه عنه صدر بصيغة تعتلي قمة التدرج التنظيمي في المملكة باعتبار الأمر الملكي في طليعة أدوات الإصدار، وقد حسم موضوع النظر في هذه القضايا المدرجة ضمن الجرائم المسماة في نظام جرائم المعلوماتية، وما عداها يتم النظر فيه ابتداء عن طريق المحاكم حسبما قضى به النظام، ولا شك أن الأمر الكريم هو الفيصل في الموضوع؛ تأسيساً على سموه الشكلي والموضوعي من جهة، وعلى كونه تالياً لنظام جرائم المعلوماتية من جهة أخرى، ولا مراءَ في أن أيّ مادة إلكترونية تأخذ الوصف الإعلامي أو الثقافي بما في ذلك ما ينشر في منتديات الشبكة الإلكترونية تدخل في عموم الأمر الملكي الذي رتب النظر في قضاياها، وأناط بوزارة العدل التعامل مع أي حكم مستقبلي وفق ما قضى به الأمر الكريم دون مراجعة للمقام الكريم، وجميع ما سبق من إيضاح مراعى فيه حكم المادة الخامسة عشرة من نظام جرائم المعلوماتية، بحيث تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام الادعاء في خصوص الجرائم الإلكترونية المنوه عنها أمام اللجنة المشار إليها، ولها في حال عدم القناعة الطعن على قرارها أمام المحكمة الإدارية، على ما سبق من إيضاح، وهذه نصوص نظامية واضحة صادرة عن ولي الأمر لا تقبل الاجتهاد أو الاحتساب.
وفي الختام أشاد الوزير بالقفزات النوعية لجامعة الملك سعود، واعتلائها الطليعة بين الجامعات العربية وفق تصنيفات دولية معتبرة، وقال: إنني أعتز بانضمامي لعضوية التدريس في هذه الجامعة، واننا في المرفق العدلي أفدنا كثيراً من مخرجاتها في شتى العلوم، وعلى الأخص مخرجات الثقافة الإسلامية، والأنظمة، ولو لم يكن منهم إلا حقوقيون متميزون في المُحاماة، والتحكيم، والاستشارات ذات الصلة.. وثمن دور معالي مدير الجامعة وبقية قيادييها وما يتمتعون به من غيرة دينية ووطنية انعكست إيجاباً على أداء الجامعة لتسهم بفاعلية في تنميتنا الوطنية.
اترك تعليقاً