القضاء السعودي بين أصالة المنهج ورغبة التطوير
في مُحاضرة عن: ” القضاء السعودي بين أصالة المنهج ورغبة التطوير “، وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة، استأثر غالب وقتها بالنقاش والحوار الماتع من قبل الحشد الكبير لحضور الرجال، مع حضور نسائي عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، امتدت وقتاً طويلاً إلى ساعة متأخرة من ليل الأربعاء الماضي، وما أعقبها من تصريح خاص للإعلاميين مضمَّن في سياق هذا العرض الذي حرصنا على أن يكون متجانساً مع سياق الموضوعات المطروحة في المحاضرة.
جاء حديث معالي وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى في رحاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ليلقي الضوء على مسائل مهمة وعالقة في الشأن القضائي، وقد استشعر الجميع كثافة الحضور من العلماء والفقهاء والدعاة والمثقفين والإعلاميين والمهتمين بالشأن القضائي من المُحامين وغيرهم، وكان حضورهم المبكر الذي امتلأت به القاعة، مؤشراً على أن لدى الجميع هماً سيطرح على الوزير، وفي المقابل وجدوا من الوزير التعاطي الفاعل معهم وبصدر رحب، لكنه تحاشى الزوايا الحادة بأجوبة في غاية الدبلوماسية وكانت إلى حد كبير تتميز بالإقناع، وفتح الوزير المجال لجميع الأسئلة، وأصر على أن تقرأ جميعاً، حتى أنهى النقاش مدير الجامعة، وتفاعل الجميع مع لغة الحديث وحجم الطرح الذي أكد فيه على أن مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء مشروع تاريخي تعمل وزارته عليه ليلاً ونهاراً، وأكد على كلمة:» ليلاً» قائلاً: نعم، نواصل الليل بالنهار على خطط وتطلعات هذا المشروع الكبير، مفصلاً القول في العديد من محاور هذا المشروع الذي استعرض فيه كثيراً من المنجزات التي نفذتها وزارته بالفعل، وقال: إن المشروع يحمل في طياته طموحاً كبيراً يتطلب في بعض جوانبه وقتاً حتى يرى النور، ومن ذلك تشييد صروح العدالة والانتقال إلى مبانيها الجديدة، ودعم هذه الدور بالموارد البشرية المتميزة، وصقل إمكانات الموارد الحالية، وقال إن بعض الطروحات لا تعرف حجم هذا المطلب وقتاً وجهداً.
لقد أوضح وزير العدل بأن قضاء المملكة العربية السعودية يجمع بين «الأصالة» بالتزام ثوابته الشرعية في:»الجانب الموضوعي» المتعلق بالمادة القضائية، وبين»المعاصرة» من خلال الإفادة من معطيات التنظيمات الحديثة في القضاء في:» الجانب الإجرائي»، موضحاً بأن أول تنظيم إجرائي واسع أفاد من هذه المعطيات كان في عهد الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – حيث صدر نظام المحكمة التجارية عام 1350هـ حاملاً في طياته أحكاماً إجرائية في منتهى الإحكام، وأنه من تلك الحقبة التأسيسية إلى عهدنا الحاضر لا يزال القضاء بحمد الله على عهده وميثاقه بالتطبيق التام لأحكام الشريعة الإسلامية في كل ما يصدر عنه من أحكام.
وأوضح الوزير العيسى في مستهل المحاضرة بأن أصالة منهج القضاء السعودي تأتي من تحكيمه للشريعة الإسلامية التي تمثل هوية وخصوصية ومصدر اعتزاز الدولة، وهذا يمثل (الشق الموضوعي) المتعلق بالمادة القضائية التي من خلالها تصدر الأحكام على ضوء هذا الأصل الثابت الراسخ الذي تأسس عليه كيان المملكة العربية السعودية، وقال بأن هذا لا نقاش حوله ولا جدل فيه، فهو مناط الاعتزاز، وعنوان الهوية، ومعقد الخصوصية، ولا يمكن المساس به، من أي كائن كان، فهو طوق النجاة، والحصن المنيع، قام بمسؤوليته أوتاد هذه الدولة ورجالاتها من عهد المؤسس – طيب الله ثراه – إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله -.
وقال بأن رغبة التطوير تمثل (الشق الإجرائي) المتعلق بالشؤون التنظيمية لإجراءات سير العمل في المحاكم، ولا علاقة لهذا الشق مطلقاً بالشق الأول، وأن توجس القلة من بعض التنظيمات الحديثة في القضاء وغيره يأتي من جراء الخلط بين «الجوانب الإجرائية» و»الجوانب الموضوعية»، وعدم التمييز بينهما، كما أن التوجس له علاقة أخرى برغبة النفس في البقاء على ما كان وإسقاط هذه المقاومة النفسية وأحياناً الاجتماعية، المسماة ب:» مقاومة التغيير» على مبرر تحتال النفس على أن تجد مبرره في التخوف على الأصول والثوابت، وهو إسقاط منبت الصلة عن الموضوع، ولو جرى التوسع فيه لراوحنا مكاننا في أمور كثيرة، ولتحولت الرغبة الطموحة في مواصلة تشييد بناء مؤسسة قضائية عصرية»في جوانبها الإجرائية» إلى»متحف قضائي»، وهذا ما لا نريده، وقال أؤكد على جملة:» في جوانبها الإجرائية» البحتة.
وأضاف: ما ذا لو كانت المرافعة القضائية ترتجل عملها دون ترتيب إجرائي يحكمها، وما ذا لو كان القضاء غير محكوم بنظام يرتب محاكمه واختصاصاتها، ومسؤوليات القضاة وحقوقهم وواجباتهم، وكذا مساءلتهم عند الاقتضاء، إذاً نحن نحدث ونطور في الإجراءات، أما الشريعة فهي حكم الله الصالح والمصلح لكل زمان ومكان، وقد تحفظ المحاضر على استخدام مصطلح:» الإصلاح القضائي»، وقال إن المُصطلح المُلاقي في سياقنا هو التحديث والتطوير، لأن الإصلاح له مفاهيم ودلالات أخرى تختلف عن مشهدنا القضائي، والإصلاح في الوضع اللغوي مرتبط بمقابل في الدلالة، كما أنه مرتبط بمقابل في الصورة الذهنية (وهو الفساد) ومن هنا جاء التحفظ على المصطلح، لأن قضاءنا بحمد الله على هدي كريم، وفي التنزيل الحكيم:» إن الله لا يصلح عمل المفسدين»، ومن توسع فلن نتشاح معه في الاصطلاح، ومسيرة: «التحديث والتطوير والبناء القضائي» خير في نظري من مصطلح: «مسيرة الإصلاح القضائي».
وقال: عندما يستدل القاضي في تسبيب أحكامه بمادة نظامية فلا تخلو إما أن تكون: نصاً إجرائياً في نظام المرافعات، أو نظام القضاء، فهذا لا علاقة له بالموضوع المتعلق بالمادة القضائية، وإما أن تكون نصاً تنظيمياً موضوعياً فهذا من ولي الأمر متوخياً به تحقيق المصلحة العامة، وفي أصول الفقه الإسلامي ما يعرف بالمصالح المرسلة» الاستصلاح»، وقد قرر أهل العلم أنه»حيثما كانت المصلحة الشرعية فثم شرع الله».
وتحدث الوزير عن تدوين الأحكام القضائية وقال: إن هيئة كبار العلماء أجازت مؤخراً تدوين الأحكام القضائية التي يسميها البعض» تقنين الأحكام» وذلك وفق آلية معينة جرى الرفع بها إلى المقام السامي.
وحول سؤال ذكر الوزير أن سبق طرح عليه من كون قرار الهيئة الأخير المجيز لتدوين الأحكام القضائية، يختلف مع قرارها الأول المانع، قال الوزير: إن قرار الهيئة الحالي لا يختلف – في واقع الأمر – عن قرارها السابق، ولا يمثل في استنتاجي تراجعاً من الهيئة عن قرار سبق، (وإن كان الحق قديماً كما قال عمر رضي الله عنه)، وذلك لأن المعطيات والمؤيدات والحال السابقة في عمل المحاكم وقتئذ، حيث قلة القضايا وندرة الاختلاف بين الأحكام مع اتحاد الوقائع، يُسوغ القول حينها بالتحفظ من منطلق أدلة يحسن إنزالها على هذه الحالة، أما قرار الهيئة الأخير فكان أمام معطيات جديدة نشأت مؤخراً تطلبت معاودة النظر في المسألة على ضوء قواعد الشريعة في سياق مفاهيم:»السياسة الشرعية»، وفق تأسيس علمي يقوم على الإفادة من دليل:»المصالح المرسلة» في أصول الفقه الإسلامي، وهذا شاهد على توافر عوامل الشمول والسعة في منهجية الهيئة، وهو شاهد ماثل على سعة أفقها الشرعي، حيث أنزلت كل حكم منزلته، وفق الضوابط الشرعية والاحترازات التطبيقية لقاعدة: «اختلاف الفتاوى والأحكام باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد».
وقال بأن قاعدة: «الاجتهاد لا ينقض بمثله» لا ترد هنا البتة، وأن هذه القاعدة تنصب – في مفهومها الصحيح – على عدم تعرض القاضي الخلف لقضاء السلف، متى تم ومضى، ولم يُرفع إليه من قبل ولي الأمر للنظر فيه إمضاء أو نقضاً، وإلا كانت الأحكام عرضة للاضطراب وعدم الاستقرار، ولا علاقة لهذه القاعدة بتمييز الأحكام وتدقيقها من جهة التعقيب والرقابة القضائية لضمان احترام المبادئ التي استقر عليها العمل، توحيداً للحكم الشرعي مع اتحاد الواقعة، وذلك أنه لا يقبل تعدد الحكم في واقعة واحدة، ليقال في ثاني الحال عن كل منهما إنه شرع الله، ولذلك جاء التنظيم القضائي، بما في ذلك التنظيم السابق بإيجاد محاكم رقابة وتعقيب وهي»محكمة التمييز»، و»الهيئة الدائمة» بمجلس القضاء الأعلى سابقاً، لترصد أي اختلاف في الأحكام مع اتحاد الوقائع، وتعزز هذا النظام الترتيب المُحْكم في النظام الحالي، الذي عهد إلى»المحكمة العليا» بمهمة تقرير المبادئ القضائية، فهي تختص بها، أما تدوين الأحكام القضائية (أو تقنينها كما يعبر عنه البعض) فتختص به الجهة التنظيمية في حال تمت الموافقة على ترتيبات آليته.
وعن الرقابة الدستورية قال العيسى: إن هذه الرقابة في القانون الدستوري لا تعدو إما أن تكون سياسية (وهي إما سابقة أو لاحقة)، أو قضائية وهي إما (رقابة إلغاء أو امتناع)، والرقابة السياسية تكون عادة تحت مظلة المجالس الدستورية، أما القضائية: فإن كانت تحت مظلة محاكم دستورية فهي»رقابة الإلغاء»، وإن لم تكن فهي»رقابة الامتناع» وهذه لا تحتاج لمحاكم دستورية وهي تفي بالغرض، إذ في النهاية يحصل تحقق الضمانة بعدم الأخذ بالنص المخالف للدستور – وهو عندنا الكتاب والسنة -، وهذا النوع من الرقابة تأخذ به المملكة تطبيقاً لأحكام النظام الأساسي للحكم الذي نص على أن المحاكم تطبق على القضايا المعروضة عليها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة.
وقال الوزير: لا أعلم – بحمد الله – أن رقابة الامتناع تمت لدينا إلا في نطاق ضيق جداً لا يكاد يذكر، وغالبها أحكام ابتدائية أوضحت المحكمة الأعلى خطأ تسبيبها وعادت لمراجعتها، فضلاً عن كون غالبها الأعم تركز على لوائح تنفيذية صادرة عن الوزير المختص، وقد أخذت قوة النظام بتخويل المنظم، وذلك لكون أنظمة الدولة تتوخى – بحمد الله – التقيد التام بأحكام الكتاب والسنة، أما المخالفات المتعلقة باللوائح فينصب على توسع بعضها في إنشاء أحكام جديدة وخروجها عن وصفها التنفيذي، ولا علاقة له بمخالفة الدستور – الكتاب والسنة – لكن ينظر في مخالفتها على أنها تتعلق بمخالفة مواد النظام الأساسي للحكم، وهذا النظام في توصيفه يمثل لدى الدول اسم: «الدستور» لسموه الشكلي والموضوعي، لكن الأصح أن نقول عنه إنه وثيقة دستورية متفرعة عن الدستور الأساس، وهذا أدق توصيف له في نظري.
وقال الوزير بأن قضاء المملكة سجل رقماً مهماً ومتميزاً في معايير النزاهة، وأكد أن عدد القضاة تخطى المعيار العالمي، وقال: نقول هذا حتى لا يعتقد أحد – كما سمعنا كثيراً – بأن الحلول الجذرية والموضوعية بل والمفصلية، وهي مشاريع الأنظمة المساندة، والموارد البشرية المعينة للمكتب القضائي، إنما تشكل حلولاً ثانوية، على أساس أن الحل الأساس يكمن في زيادة عدد القضاة، وكيف نزيد في عدد من تمثل مسؤوليته في إنجاز القضايا30%، ولا يقال بأهمية زيادة من تمثل مسؤوليته في الإنجاز 70%، وكيف نزيد في القضاة وهم النسبة الأقل في تحمل مسؤولية الإنجاز، ونترك زيادة معاونيهم وهم النسبة الأكثر في تحمل مسؤولية الإنجاز، فضلاً عن الفارق في مرتب كل منهما، فمرتب الأول يوازي مرتب ثلاثة إلى أربعة بل أحياناً إلى خمسة من الثاني.
ونفى الوزير أن يكون لدى المملكة فراغ قضائي، وقال: عندما سئلت عن كوننا لم نعرف محاكم الاستئناف إلا مؤخراً، أجبت بأننا نعرفها وهي ضمن مفهومنا القضائي وتطبيقه العملي، لكنها مشمولة ضمنياً بإحدى مراحل نظر القضية لدى محكمة التمييز، ونظامنا الحالي في توصيفه الدقيق أعاد صياغة درجات التقاضي، بسياق أكثر دقة وأفضل في تراتيب التطبيق العملي لهذا المفهوم العصري، على ضوء ما يتوخاه من مقصد رقابي على محاكم الدرجة الأولى وهذا هو التحديث والتطوير، لا سد الفراغ في نظام العدالة كما يتصوره البعض.
وهنا أكد العيسى على أنه لا يوجد في النظام القضائي السابق أي فراغ في ضمانات العدالة، وبالتالي فالنظام الحالي لم يأتِ ليسد فراغاً سابقاً في هذا الخصوص، بل جاء بدعائم إجرائية بآفاق تطويرية وتحديثية تتطلبها النقلات النوعية التي لا بد أن يواكبها قضاؤنا في:»شقه الإجرائي».
والدليل على عدم وجود فراغ في نظام عدالتنا الإجرائي أن الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقاً تقوم مقام المحكمة العليا، وقد كانت هذه الهيئة تنظر في قضايا الاتلافات (القتل القطع الرجم) نظراً وجوبياً، وتنظر في غيرها بعد توجيه المقام السامي حيث يحيل إليها عند الاقتضاء بعض الأحكام المنتهية بمصادقة محكمة التمييز، مع قيام احتمال تدقيقها من المحكمة الأعلى وقتئذ وهي الهيئة الدائمة بالمجلس، وإحالة المقام السامي للهيئة باعتبار نص نظامي في نظام القضاء يتيح هذه الإحالة، ولأنه من جانب آخر القاضي الأول كما في التكييف الشرعي، فلدينا إذا في السابق محكمة عليا ومحاكم استئناف، وإن اختلفت الأسماء، وقد قلت سابقاً في إجابة على ذلك أيضاً: هل نقول إن الدول التي لا تعرف المحكمة العليا إلا باسم التمييز ليس لديها محكمة عليا؟.
وتحدّث العيسى عن النظام القضائي الجديد، وقال إنه شمل إعادة صياغة درجات التقاضي فهناك محاكم الدرجة الأولى بمحاكم تخصصية، وهناك محاكم الاستئناف، وهناك المحكمة العليا، منبّهاً على أن المحكمة العليا ليست درجة تقاضٍ كما يخطئ البعض في توصيفها، فهي محكمة مبادئ، وتعقيب على ما يصدر من أحكام لأن الترافع إليها ليس متاحاً، أما التقاضي إليها فليس متاحاً على إطلاقه بل ضمن شروط وضوابط حددها النظام الحالي، وهناك تقاض وجوبي تنظره يتعلق بالاتلافات.
وقال الوزير: إن نظام القضاء الحالي شمل تفعيل الاختصاص النوعي فالقاضي يجب أن يتخصص نوعاً في أحكامه، فنص النظام على وجود محاكم عامة، ومحاكم جزائية، ومحاكم أحوال شخصية، ومحاكم تجارية، ومحاكم عمالية، وأما ما يخطئ فيه بعضنا من وجود محاكم مرورية فهذا بلاشك خطأ فالقضايا المرورية مشمولة باختصاص المحاكم العامة ولا يمنع مع مرور الوقت متى قام المقتضي أن تنشأ محاكم مرورية، فالنظام أجاز للمجلس الأعلى للقضاء أحداث محاكم متخصصة أخرى بعد موافقة الملك.
وتابع الوزير قائلاً: القضاء المجاني لم يعد اليوم كالسابق»ميزة إيجابية»، وتكاليف الدعوى في حال إقرارها ستوقف كلاً من أصحاب الدعاوى الكيدية والدعاوى غير الجدية، وهذه تشكل أرقاماً كبيرة حسب إفادة بعض رؤوساء المحاكم، وقال بأن هذه التكاليف ستكون على الخاسر وهو المبطل قضاءً، وكل سيرحب بتحميل الخاسر المبطل هذه التكاليف، ولهذا أصل في الشريعة حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم:» مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته»، ولن يتأثر سلباً من هذا المشروع المهم إلا أصحاب الدعاوى الكيدية والدعاوى غير الجدية، أما ما يتعلق بالدعاوى الأخرى التي تخرج عن نطاق هذين الوصفين فإن مشروعنا الذي يدرس سيقدم خياراً يتيح للقاضي في حالات معينة كما في حالات المطالبة بحق لا بينة عليه، والمدعي إنما يرغب من رفع دعواه يمين المدعى عليه، فهذه سيكون لها ترتيب خاص بحيث يعطى القاضي عند قضائه بتكاليفها سلطة تقديرية يرعى فيها ظروفها ضمن مجموعة صور معينة ومحصورة، وهذا المقترح النظامي في جميع الأحوال مجرد مشروع للدراسة، وقد يرى المنظم من المعطيات والمؤيدات الوجيهة ما يختلف فيه مع الوزارة -جملة أو تفصيلاً-، ولا شك أن الكلمة كلمة المنظم، كما لا شك أنه يدرك تفاصيل أخرى قد لا تدركها الوزارة، ولا غرو في ذلك فلكلٍّ اختصاصه، والوزارة من قبل ومن بعد ليست جهة تنظيم، لكنها تقترحُ ما تراه من وجهة نظرها مفيداً، وإدراك مصلحة التنظيم واستطلاع إيجابياته وسلبياته بعمق تختص به جهته.
وأوضح أن النظام الجديد عالج اللجان شبه القضائية مع تحفظ الوزير على التسمية فهي حسب رأيه ذات اختصاص قضائي لكونها تصدر قرارات نهائية غير قابلة للطعن أمام القضاء.
وقال العيسى: إنّ هذه اللجان تحمل تخصصا فنياً دقيقاً، يحتاج وقتاً لتقييم وقائعه، وإرساء مبادئه التخصصية، وإيجاد مقاربة بينه وبين المبادئ ذات الصلة باختصاصه في القضاء العام، حتى ينتقل إلى محاكمه المختصة به وفق النظام الحالي، وقال الوزير: إن النظام الحالي رتّب معالجة هذه اللجان بما لا نطيل بذكره، لكن من الأهمية بمكان أخذ ما ذكر في الاعتبار.
وقال العيسى إن القضاء بالمملكة يأخذ أسلوب القضاء المزدوج وليس هذا إلا إضافة إيجابية في تصور كثير من المنظرين، فهناك قضاء إداري تحت مظلة ديوان المظالم، وهناك القضاء العام تحت مظلة وزارة العدل، والقضاء الإداري المستقل يراقب أداء وعمل الولاة ويقصد بهم الإدارات الحكومية التي تسمى:»جهات الإدارة»، فلكل جهة حكومية، أو مؤسسة ذات نفع عام ولاية وفق مسؤولياتها واختصاصاتها، والقضاء يراقب مشروعية أدائها عند نظر القضية المرفوعة ضدها حسب قواعد الاختصاص، وما يقضي به الوجه الشرعي والنظامي.
وأسهب العيسى في توضيح دخول القضاء الإداري تحت مظلة ديوان المظالم، مؤكداً أن نظام المظالم أدخلت فيه اختصاصات ولائية، ليست ضمن اختصاص القضاء الإداري، وردّ على من قال كيف يكون القضاء التجاري تحت الإداري بقوله: إنه كله تحت مظلة ولاية المظالم ديوان المظالم التي يسمح مصطلحها الشرعي ووضعها اللغوي بإدخال أي اختصاص تحت مظلتها.
وبين الوزير بأن القاضي مستقل في الأحكام وقد نص نظام القضاء كما نص النظام الأساسي للحكم على أن القضاة مستقلون، ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في القضاء، ولفت الوزير النظر إلى القيد المشار إليه وهو عبارة:» في قضائهم» التي حصرت الاستقلال في الأحكام.
وتحفظ العيسى على مصطلح «إصلاح القضاء» وقال إنه مصطلح خاطئ، بل هو تطوير وتحديث، فقضاؤنا صالح ومصلح، لكنه – وفق معطيات الحكمة والموضوعية والحاجة الملحة – ينسجم مع أي تطور بشرط أن يكون إيجابياً، فالتطور انتقال من طور إلى طور وليس بالضرورة أن يكون الطور التالي إيجابيًّا، فنأخذ ما يفيد ونترك ما يعيب.
وأشار وزير العدل إلى أنْه ليس لدينا قضاء استثنائي بمعنى وجود محاكم استثنائية لنظر قضايا معينة تخرج عن إطار القضاء العام أو العادي كما يعبر عنه قانوناً، بل جميع قضائنا يدخل تحت نطاق القضاء العادي أو الطبيعي في المفهوم القانوني، ويباشر نظره قضاة معينون من قبل المجلس الأعلى للقضاء داخلون في سلك أعضاء السلطة القضائية، وكل له الحق في التقاضي أمام القاضي الطبيعي، وإن توسعنا في المفاهيم نستطيع أن نقول إننا نعتز بقضاء استثنائي من جهة تطبيقه لأحكام الشريعة الإسلامية مقارنة بغيره، لا بالمفهوم القانوني لمصطلح القضاء الاستثنائي، الذي يُعتبر بدون أدنى شك ثغرة في نظام العدالة، وفي هذا السياق أعاد الوزير تعليقه على اللجان ذات الاختصاص القضائي، وقال إنها تنظر قضايا معينة في إطار ما يسمى بالمرحلة الانتقالية، وبعضها لا زال يكابد ويعالج هذه المرحلة، وسبق أن قلت بأن النظام الحالي عالج وضع هذه اللجان بترتيب معين نرجو أن ينتهي في أقرب وقت.
وقال الوزير العيسى: تتبعت وبحثت منذ خمس عشرة سنة فلم أجد قاعدة أو نظرية قانونية إلا ولها أصل في الشريعة الإسلامية، وأقصد قاعدة أو نظرية صحيحة سليمة لا على إطلاقها، وضرب مثلاً بقاعدة «التعسف في استعمال الحق أو الشطط فيه» وقال إن لها أساساً في قوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا) في مشمول قواعد:»الضرر» في الفقه الإسلامي، وكذلك قاعدة:» الصعوبات المادية» و» الظروف الطارئة» لها أصل في قاعدة:» وضع الجوائح» في الفقه الإسلامي، وكذلك قاعدة:» رد الالتزام المرهق إلى حده المعقول» لها أصل في قاعدة الشريعة:» الأصل في العقود العدل»، ولها ما يسندها في مباحث خيار الغبن، ومثل ذلك نظرية:» أعمال السيادة» لها أصل عظيم في منهج بل عقيدة السمع والطاعة لولاة الأمر، ومثله أيضاً:»مبدأ المشروعية»، له أصل عظيم في الكثير من قواعد ونظريات كتب:» الأحكام السلطانية» وقد بسط أهل العلم القول في هذا كله بما لم يبلغه أهل القانون وهذا مثبت عندي في بحث علمي.
وأكد العيسى أن تدوين الأحكام والإلزام بها كان معمولاً به في بعض الصور، وكان يصدر من وزارة العدل (رئاسة القضاة في السابق) والهيئة القضائية العليا والهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى (السابقتين) تعاميم ومن يخرج عنها يُساءل، ويلام إذا أصرّ على قضائه بالمخالفة لما تبلغت به المحاكم من تقرير مبدأ قضائي ولم يأت في تسبيب حكمه المخالف للمبدأ بما يُقنع، وهذه صورة واضحة لمفهوم التقنين، ويجب أن نجعل الأمر كله على جادة واحدة ومنهج سواء، فلا نأخذ بعضاً ونترك بعضاً، وحتى أهل العلم في السابق كانوا يعبرون بعبارة:»وعلى هذا رسم أهل زماننا»، جرياً على قاعدة اختلاف الأحكام والفتاوى باختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال والعوائد المشار إليها، وهذا دليل واضح على تأهل الشريعة وصلاحيتها وإصلاحها لكل زمان ومكان، ولا غرو في ذلك فهي من لدن الحكيم الخبير، وبقاؤها متجددة بوهجها وضيائها وبركتها على مر الزمان والمكان دليل على إعجازها وصدق الوعد الحق، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وأشار د.العيسى إلى أن نظام القضاء الحالي عزز وأكد مبدأ الشفافية ولاسيما علانية الجلسات ونشر الأحكام، ولا نقول أسَّس وأنشأ مبدأ الشفافية واستقلال القضاء، لأن هذا الأمر محكوم بنظام القضاء السابق الصادر عام 1395هـ، أما استقلال القضاء في أحكامه فهو أصل راسخ في نظام عدالتنا.
وأوضح الوزير أنه يقصد بالاستقلال (الاستقلال في الأحكام) كما نص عليه النظام الأساسي للحكم ونظام القضاء، فالقاضي مستقل
(في الأحكام) ولا سلطان عليه في قضائه لغير سلطان الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، فهو إذا مستقل – فيما يصدره من أحكام – ولا يؤثر عليه في ذلك، ويجب أن نعي أهمية هذا القيد المهم حتى لا يلتبس علينا مفهوم الاستقلال، وقد توسع البعض في مفاهيم الاستقلال وجلب نظريات لم تأخذ بها الدول التي نشأت فيها مفاهيم الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية، وتكمن المشكلة عندما يتحدث غير المختص في مسائل قانونية خاصة في هذه المسألة المتعلقة بالقانون الدستوري، ونظرية الاستقلال القضائي في منتهى الدقة، والتوسع فيها أو التحدث في شأنها دون خلفية كافية يخلط كثيراً من الأوراق، ويرتد سلباً.
كما تحدث العيسى عن بعض الانتقادات الحقوقية التي توجه لقضاء المملكة وقال: قد حصرت ما تيسر لي من ذلك، ووجدت أن ما يقارب 80% منها تنتهكها دول غربية مصنفة على ما درج في العرف السياسي على أنها في طليعة التحضر والنموذجية في تصنيف دولة القانون، وهذه الانتقادات غير محايدة ولا تعدو كونها تنظيرات مجحفة وتصورات خاطئة، وقد أتانا بعض من تكلم في هذا فوضحت له الأمور فقال لم أكن أعرف عن هذه التفاصيل، إذا نحن نعاني من مشكلة عدم إيضاح الصورة الصحيحة لقضائنا، وكشف العديد من الشبهات التي ظلت مع الأسف عالقة ولا يزال بعضها عالقاً في أذهان بعض المنظمات الحقوقية، ولبعضها (متى تركنا الأمر) تأثير على الصورة الذهنية للمتلقي في الخارج وهو الخالي الوفاض من أي مصدر منصف أو على الأقل من مصدر مطلع، ولا أعظم جوراً (ونحن في سياق العدالة) من إصدار تقارير مبنية على معلومات أحادية الجانب، وهذا المنهج ينسف بالكلية النظريات الحقوقية في عدلها وإنصافها التي تدعي تلك المنظمات التحلي بها، ولا يعني هذا أننا بهذا التعاطي المنصف سنكون أداة في أيدي الغير يملون علينا الشروط والطلبات، فدولتنا لها سيادة ولها قضاء مؤسس على الشرع يمثل هويتها ومصدر اعتزازها، وأساس كيانها، ولم نزد بهذا الثبات والثقة بالله إلا توفيقاً وعزاً ورفعة والحمد لله.
والوزارة تخطو لتنفيذ مشروع خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء خطوات حثيثة، وقد قسمته أقساماً عديدة، منها قسم المباني والتجهيزات والقسم التقني، فالمباني والتجهيزات ستشمل محاكم عصرية ذكية، وقد استفدنا من المباني والرسومات والتصاميم الأجنبية وتفاصيل بنيتها التحتية، ووجدنا بعض النماذج متميزة – وهي قليلة جداً – وأفدنا منها ووضعنا بصمتنا الخاصة عليها، وقد أعلنت الوزارة عن أكثر من 30 مبنىً وستعلن في القريب إن شاء الله عن حوالي 70 مبنىً، وأعلنت عن مشاريع حاسوبية، والخطة الحاسوبية بدأت ثمارها بحمد الله فقد أطلقت الوزارة بوابتها الإلكترونية وأصبح بالإمكان تقديم صحائف الدعاوى إلكترونيًّا لدى المحاكم المرتبطة بالشبكة، وما لم يتم ربطه سيكون بالإمكان تعبئة النموذج ويكتفى به عند مراجعة المحكمة، وربط الباقي قريباً جداً إن شاء الله، وعملنا ربطاً تنسيقياً مع التفتيش القضائي بالمجلس الأعلى للقضاء، ولدينا طموح كبير نحو المحكمة الإلكترونية التي سيتم الترافع عن طريقها وستكون اختيارية، لأن المحاماة لدينا غير ملزمة فلا نلزم شخصاً غير ملزم بتوكيل محامٍ بالترافع عن طريق البوابة وهو لا يحسن التعامل مع التقنية، وهذا سيعالج قريباً إن شاء الله ولو عبر مرحلة انتقالية.
وقال: إن الوزارة تقوم بتزويد المجلس الأعلى بتقارير إحصائية بإنتاجية القضاة والمحاكم، وستزود إمارات المناطق والجهات المختصة بإحصائيات بنوعية القضايا وطبيعتها بما يؤدي إلى علاج مسبباتها إن شاء الله.
وختم كلامه فيما يتعلق بمشروع الملك لتطوير مرفق القضاء بأن الأمور تسير وفق ما خطط لها تماماً ولم نرصد أي تقصير أو تأخير فمن المهمات المباني وهي ضمن ترتيب الوزارة الدقيق فيها، خاصة وأنها مبانٍ عصرية ستكون بإذن الله لزمن قادم طويل، والمرحلة الانتقالية في المباني غير المناسبة لبعض المحاكم معالج بالاستئجار المناسب حتى إن بعض المحاكم طلبت منا شراء المباني المستأجرة والاكتفاء بها لتميزها، كما أن مشروع الملك – يحفظه لله – يشمل التقنية، والوزارة تسير فيها بخطى سريعة، وهي تعلن بصفة دورية عن منجز جديد فيها، ومن ذلك ما أعلنا عنه مؤخراً من تقديم صحائف الدعوى إلكترونياً عن طريق بوابة الوزارة للمحاكم المرتبطة بالشبكة، فضلاً عن تدريب كوادرنا البشرية بصفة مستمرة، ودربنا من كتاب العدل أعداداً غفيرة مشمولة بخطة التدريب، والبقية في الطريق إن شاء الله، ولدينا خطة لتنفيذ التدريب القضائي ستكون نموذجية بإذن الله، كما تم تعيين كتاب عدل جدد خلال هذه السنة يمثلون تقريباً خمس عدد كتاب العدل، واختزلنا إجراءات عمل كتابات العدل، وتمخض عن ملتقى قياداتهم الأول توصيات مهمة جرى اعتمادها وتعميمها وخدمت المواطن بشكل واضح، وكان من عملنا المنساب بحمد الله فحص بعض الصكوك التي تتطلب المراجعة والتدقيق، لقد أتاح لنا مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير المرفق الشيء الكثير، وأنا مطمئن على أن قافلته تسير بعون الله وتوفيقه في طريقها الصحيح، وقد أنهينا بعض المراحل قبل مدتها الزمنية.
وأسهب الوزير العيسى فيما سماه «معضلة يتحدث عنها الجميع وهي تأخير البت في القضايا»، وقال في إجابة له تعليقاً على ما طرحه في المحاضرة: هي مشكلة عالمية فقد تسمعون في قضايا خارج المملكة أن بين الجلسات في حدود نصف السنة، وغالبها قضايا رأي عام وذات طابع مستعجل ومع ذلك تتأخر، ولذلك تسمعون حرص غالب دول العالم على تفعيل دور: «التحكيم» كبديل للقضاء، حيث هيأت له حشوداً تنظيمية»تشريعية ومؤسسية»، فضلاً عن مؤتمراته وملتقياته الدورية في غالب دول العالم، والسبب في هذا كما هو مبين وموضح في الكتابات الحقوقية هو سرعة التحكيم في مقابل البطء المعتاد – والطبيعي – في إجراءات التقاضي، وهذه مسلمة عالمية لا جدل فيها، ومع هذا كله، فإن المملكة حسب الإحصائيات الاستطلاعية من أفضل الدول في إنجاز القضايا ولا أقول هذا ارتجالاً، والدليل هو المقارنة وتأكيد المعلومة متاح للجميع، بل إن بعض الدول الأوربية طالها بعض النقد من منظمات حقوقية على تأخير البت في قضاياها، ولا أعلم أن المملكة انتقدت لتأخير الإنجاز من قبل أي منظمة حقوقية، بل يجري الطرح منها حول أمور إجرائية وأحياناً موضوعية تمثل وجهة نظر هذه المنظمات، وفي بعض الأحيان تمثل توجهاتها السياسية والدينية وليس الحقوقية.
وتابع الوزير: المعلومة المؤكدة تشير إلى أننا من أسرع الدول في إنجاز القضايا، وهناك هامش تأخير لا يعالج بالعجلة، لأن عدد قضاة المملكة يتجاوز ضعف المعيار الدولي النموذجي لعدد القضاة، وأقصد بهذا متى ما جمعنا من يدخل في مشمول عضوية السلك القضائي سواء القضاء العام أو الإداري أو لجان التسوية ذات الاختصاص القضائي، وغيرها من الجهات التي تحسب ضمن عضوية السلك القضائي، فإن العدد يقارب الأربعة آلاف قاض، والمعيار النموذجي هو 7ر6 لكل مائة ألف.
وقال العيسى: إن مشروع الإصلاح الأسري آتى ثماراً طيبة أبهرت الجميع، ففي محكمة الضمان والأنكحة بجدة على سبيل المثال فإن إحصائية حالات الطلاق السنوية للسعوديين (مستبعداً من الإحصائية من راجع زوجته) لا يتجاوز 2% وهذه إحصائية قدمها لي فضيلة رئيس المحكمة والسبب ما يسره الله من جهود مكتب الإصلاح والتوفيق، التي رفعت الوزارة عن مشروع تنظيمه ويدرس حالياً في مجلس الوزراء، وقد أبدت فيه الوزارة رأيها من خلال مشروع متكامل من وجهة نظرها، ونحن على يقين بأن المنظم أدرى بترتيب الموضوع ولديه من الرؤية في الجانب التنظيمي ما ليس لدى الوزارة، والوزارة ترفع عن هذه المشاريع انطلاقاً من واجبها بموجب نظام القضاء حيث ألزمها بالرفع عن كل ما من شأنه الرقي بالمستوى اللائق بمرفق العدالة، ومن خلال إحصائياتنا فقد حد نظام الوساطة في بعض الدول من تدفق القضايا للقضاء بنسبة90% وفي بعض الدول العربية حد بنسبة 40% والفرق أن الأول إلزامي والثاني اختياري، ولا أخفيكم أني دهشت للرقم الأول لولا أنه موثق.
وقال العيسى: إن كفاءتنا القضائية أثبتت قدرتها الكاملة على الاضطلاع بكافة القضايا والتصدي للنوازل الجديدة، وهناك بحوث للقضاة في قضايا معاصرة، تفوقت على كتابات قانونية بمسافات، وفي هذا السياق يحسن أن أشير إلى أن الوزارة معنية بتنفيذ التدريب القضائي ولديها خطة في هذا، كما أنها أيضا معنية بتدريب قطاع التوثيق (كتاب العدل)، ولدينا اتفاقيات تعاون مع عديد من الدول وسنستفيد منها إن شاء الله في الجانب الإجرائي لا الموضوعي، وأنا أؤكد على هذا التفريق حتى لا تلتبس الأمور علينا.
وشدّد العيسى على أن القضاء السعودي سجل مستوى متميزاً ومهماً في معايير النزاهة ولا غرابة في ذلك فهو ينهل من معين الكتاب والسنة، وهو من أفضل أنظمة القضاء على مستوى العالمي في معايير النزاهة ومصادر المعلومات قريبة منكم، ولا سيما عن طريق الشبكة العالمية، وتستطيعون الاطلاع على ذلك بكل سهولة، ولا شك أن غالب ما يؤخذ على قضائنا يأتي من قبل منظمات حقوقية تبتسر تقاريرها ولا توثقها، ومع هذا فهي لا تناقش في تقاريرها شيئاً يتعلق بالنزاهة بل غالبه الأعم في شؤون إجرائية.
هذا وقد شهدت المحاضرة حواراً ساخناً وسط حضور حاشد، ضاقت به القاعة وفناؤها الخارجي، وكان أبرز المداخلين كتاب الصحف والإعلاميين الذين طرحوا استشكالاتهم حول القضاء وتطويره على وزير العدل الذي أجاب عنها بصدر رحب.
ففي مداخلة للدكتور عبدالرحمن البلوشي، عميد معهد تعليم اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، حول قسم القضاء بالجامعة الإسلامية الذي سيمنح الماجستير والدكتوراه بالإضافة إلى قسم الأنظمة وعن خطة الوزارة للاستفادة منهما والاتفاق مع الجامعة على ذلك، قال الوزير العيسى: سعدت بهذا القسم وهو بلا شك سيعدّد خيارات اختيار القضاة وسيتيح للمجلس الأعلى للقضاء وهو المعني باختيار القضاة نخبة وطنية من هذه الجامعة المتميزة، ونرحب بكل ما فيه تواصل وتقارب تحقيقاً لخدمة الصالح العام، ولاسيما فيما بين مؤسسات الدولة الرسمية.
وفي مداخلة للأستاذ عبدالله السميري من وحدة الإعلام بالجامعة الإسلامية حول قضية تعريف المرأة في المحاكم وأنها من القضايا الشائكة التي قد يترتب عليها ظلمها عن طريق انتحال شخصيتها، قال الوزير: فيما يتعلق بالأقسام النسائية فهناك قرار صادر من مجلس الوزراء بإلزام الجهات الحكومية بإيجاد أقسام نسائية فيما يحتاج إلى ذلك، وهي ستخدم وتعزز خصوصية المرأة وسيتم احتواء ما أشرت إليه قريباً.
وفي مداخلة حول قصة استنطاق»الجني» في قضية القاضي المتهم بالفساد بمحكمة المدينة وأنها أعطت انطباعاً سيئاً ولم نسمع بياناً شافياً وماذا يمكن أن تفعل الوزارة لكي تعطي القضاة هيبتهم ولا تسمح بالإساءة لهم، وعن تأخير النظر في القضايا وبعضها يأخذ سنوات وهل القضاة المخصصون للتحقيق مع الإرهابيين يكون قضاؤهم استثنائياً، قال العيسى: بالنسبة لتعامل الوزارة وتعاطيها مع الإعلام هو في تقديري إيجابي ولا نعلم عن الإعلام في هذا إلا التبادل بالتعاطي الإيجابي، تحصل بعض التصعيدات الإعلامية، وتجعل من الصغائر كبائر، وتجعل من الحالات النادرة قضايا كبرى، والله لم نعهد من إعلامنا إلا كل تعاط إيجابي.
وما تشير إليه في قضية المدينة هي أقوال طرحت والقضية قيد التحقيق، وقد أوضح بيان المجلس الأعلى للقضاء الذي أعلنته وزارة العدل ونشرته الصحف تفاصيل في الموضوع لا يحق لنا أن نزيد عليها، وقولكم بأنه غير شافٍ ولا كافٍ، فإني أقول مع تقديري لكم فقد وضع النقاط على الحروف، وأوضح الوزير أنه حصل إسهاب في الموضوع وصار الأمر إلى «قيل وقال»، ومع هذا فالقضاة ليسوا ملائكة.
وأضاف العيسى في جواب على سؤال آخر حول الموضوع بأنه في كثير من تفاصيله المطروحة لا يعدو كما قلنا:» قيل وقال»، وإن كان أصل الموضوع محل تحقيق، ولا ننفي أبداً أنه حصل فيه ما يوجب هذا التحقيق، ولم يصدر منا نفي له مطلقاً، لكن نعتب على الإسهاب في أمر في طور التحقيق والتبين، والقضاة من قبل ومن بعد ليسوا ملائكة، وبكل حال، فإن موضوع قضية المدينة المنورة لا نقبله، والمدان سيأخذ جزاءه كائناً من كان، وفي هذا أحب أن أشير إلى أنه لا علاقة لنا في الوزارة بالتفتيش على القضاة ولا مساءلتهم عن أعمالهم.
وعلق الوزير قائلاً: الكلمة الإعلامية كلمة لها وزنها، ولها قيمتها، ولها نفاذها، ولها ذهابها وإيابها، ويجب أن تكون على قدر الكفاءات الإعلامية التي تحملها وهي بحمد الله تتمتع بالثقة والتقدير، نعم وبكل تأكيد لدينا مؤسسات إعلامية صحفية على مستوى من التميز والتأهيل يقودها صحفيون وإعلاميون وطنيّون وما يصدر من بعضهم أحياناً من المبالغة هي اجتهادات وأنا أتقبلها بصدر رحب ولكن لا بد أن يتقبل الإعلام العتب عليه بالحسنى في بعض الأحيان.
وتابع مجيباً على بعض فقرات السؤال المتعلقة بمهابة القضاء بقوله: نحمد الله فإن قضاة المملكة قد اكتسبوا هيبة وميزة تزيد على غيرهم، وكل هذا من بركة علوم الشريعة الإسلامية وما تُجلل به حاملها من التقدير والمهابة، وأضاف على حديثه في هذا الموضوع بقوله: لإعلامنا حضور متميز في مشروعنا الوطني الكبير، وسيبقى إعلامنا متميزاً ورائداً -إن شاء الله- على العهد به.
وحول سؤال عن علاقة الوزارة بمجلس القضاء الأعلى، وما يذكر من تباين وجهات النظر في الصلاحيات بينهما منذ زمن طويل، واستمرار هذا التباين بعد التشكيل الجديدة لمجلس القضاء، وهل استمر هذا التباين خاصة مع الصلاحيات الجديدة لكل جهة بعد النظام الجديد، فالبعض يعتقد أن الخلاف تطور بعض الشيء، لأنه في فترة بداية تطبيق صلاحيات جديدة.
أجاب العيسى قائلاً: بيننا وبين المجلس تعاون وتكامل وهدفنا واحد، وبيننا وبينه تبادل في الرأي، وحوار إيجابي لا يتوقف، لأننا نسعى جميعاً لتحقيق هداف واحد، وأي اختلاف لو حصل فهو اختلاف مع النفس، ووزارة العدل عضو في مجلس القضاء فكيف نختلف؟ هل نختلف مع أنفسنا؟ الواقع أننا سعداء بالخطوات الإيجابية التي خطاها المجلس كما أن المجلس بلا شك يثمن خطوات الوزارة لا سيما فيما يتعلق بمشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء، وقد عرضنا على المجلس قبل أيام العديد من خطط الوزارة في الإنشاءات والتقنية وكان المجلس مسروراً على وجه الخصوص من تعاون الوزارة مع المجلس في جانب الربط التقني المتعلق بالتفتيش القضائي، وتلقينا خطاب شكر من المجلس على ذلك، ونحن نتشاور دوماً في كل المنجزات التي تحققت سواء في الوزارة أو المجلس، خاصة فيما يتعلق بمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء، ولولا ما وفق الله من هذا التعاون لما حصل هذا التقدم الملموس في هذا المشروع الطموح، ولا أخفيك فقد كنت بالأمس القريب في زيارة للمجلس وتبادلنا الرأي، ويا أخي كل ما يذكر في هذا إنما يتعلق في الحقيقة ببعض الاجتهادات في تفسير بعض نصوص النظام، وهذا أمر طبيعي جداً، بل ومن الظواهر الصحية وجود آراء واجتهادات، وكثيراً ما تتولد الأفكار والثراء المعرفي منها، بل والإبداع، ولكون هذه الأمور كما قلت ظاهرة طبيعية فإن كافة الدساتير والأنظمة الأساسية تتضمن آليات الحسم النظامي للاختلاف في تفسير النصوص، وهذا ما حصل بالفعل فقد تم الفصل في هذه الاجتهادات بأداة نظامية وبكل يسر وسهولة، ولا أخفيك فإن تبادل الرأي مع المجلس هو أمر نسعد به في الوزارة، وبيننا وبينه مشاريع مشتركة دشنت مؤخراً وهي التي ذكرت قبل قليل، وإن شئت قلت بيننا وبين أنفسنا مشاريع مشتركة وهذه هي الحقيقة، ومن يصور لك أخي الكريم أن هناك خلافاً بيننا، كما جاء تصويره في السؤال، يخفاه في واقع الحال حجم التعاون والتفاهم بيننا وبين المجلس فيما يخدم مصلحة مرفق القضاء، وبالأخص مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير المرفق، ونحن اليوم إزاء نقلة وانطلاقة أخرى سنتعاون بإذن الله لتحقيقها، ويكفي أنك قرأت ما نشر، قبل أسبوع على سبيل المثال فقط ما تم من التعاون بين الوزارة والمجلس في تدشين الربط الإلكتروني في أعمال التفتيش القضائي، وهذا منجز مهم من منجزات مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، وسيتلوه ما هو أكثر وأكثر بإذن الله.
وحول تأخر القضايا قال معاليه: القضايا التي تتأخر وتأخذ أكثر من السنة وقفت في القديم على بعضها، وأصابتني دهشة كيف تأخرت؟ فتبين أن سوادها الأعظم لدى الخبرة، تكون قضية كبيرة جداً وبالملايين وتأخذ الخبرة ستة أشهر مثلاً ثم ترفعها إلى المحكمة ثم ترد من الخصوم بقناعة القاضي، أو بقناعة القاضي وحده، لتعود للخبرة مجدداً، وأجزم أن أغلب ما يشار إليه هنا هو من هذا النوع، وما سواه من هامش التأخير لا يمثل ظاهرة بل قد تكون هناك أسباب أخرى، والتفتيش القضائي على قدم وساق في متابعة القضايا، ومع أني مع نظرية أن:» العدالة البطيئة كالجور المجحف»، وأن العدالة الناجزة مطلب الجميع، إلا أنه يفترض دراسة حالة كل قضية يعتقد الخصوم أو أحدهم أنها تأخرت بدون مبرر، وأنا على قناعة بأننا سنجد ما يبرر التأخير في غالبها الأعم، والنادر لا حكم له – لا شرعاً ولا منطقاً -، ويحسن أن أضيف في هذا أن القاضي يفترض إلا يتحمل من تبعة إنجاز المعاملة سوى ثلاثين بالمائة، وما سواه يتحمله غيره من الأعوان، ونحن نسعى لإعادة تأهيل المكتب القضائي بأسرع وقت، وتأهيله لن يكون بسرعة تأثيثه، فالتأهيل سيكون برجال يحتاجون حسن اختيار وإجراءات نظامية في تعيينهم فضلاً عن تدريبهم وصقلهم.
وإجابة على سؤال عن غياب عنصر الشباب في مقابل غيرهم في شغل الوظيفة القضائية، ومعاناة المحامين وعدم وجود أماكن لهم بالمحاكم، قال الوزير العيسى: القضاة أكثرهم من الشباب حسب الإحصائية فالشباب هم الأكثر، فمثلاً الملازمون القضائيون 284 وهم شباب، وقضاة ب 377 وكلهم شباب، وقضاة أ 55 وكلهم شباب، ووكلاء محكمة ب 74 وكلهم شباب، ووكلاء محكمة ب 56 وكلهم شباب، ورؤساء محكمة أ 123 مخضرمون وشباب.
أما فيما يخص أماكن المحامين، فإن بعض المباني المستأجرة لا تليق بدور عدالة وأقولها بكل شفافية، والوزارة تعمل على معالجة ذلك بمرحلة انتقالية باستئجار مبانٍ لائقة، وأما المرحلة الأصلية فهو ما أعلنا عنه وسنعلن عنه إن شاء الله، ولم يؤخرنا إلا أننا نريد أن نصل إلى مبانٍ ودور عدالة على مستوى عالٍ وسنراعي في هذه المباني أماكن للمحامين بما يليق بهم، فهم شركاؤنا في تحقيق العدالة، وهم القضاء الواقف، وأنا أعدكم بهذا وسيكون هناك وبمشيئة الله قاعات وسينتقل القاضي إلى قاعة المرافعة وستكون متاحة ومعلنة للجميع وهذه هي الشفافية وهي علنية الجلسات، ولن تكون المرافعة في مكتب القاضي.
وحول التباين في الأحكام، قال الوزير العيسى: إن هذا الأمر تتجاذبه عدة تفصيلات فالواقعة قد تكون في تصور البعض متحدة مع الواقعة الأخرى لكن من يطلع على الحكم ويتبيّنه يتضح له اختلاف أوجب تباين الحكمين، وكثيراً ما نعجل ونقول: إن هاتين الواقعتين متحدتان، لكن من يتعامل معهما حكماً وتدقيقاً يتضح له أن الواقعتين مختلفتان، والتباين في الأحكام قليل جدًّا مع أننا لا نرضى به لأننا لا يمكن أن نتصور بأن شرع الله في قضيتين متحدتي الوقائع تماماً متباين مختلف.
وفي رد على سؤال حول مكافحة الفساد في كتابات العدل، وهل سينسحب على المحاكم، أجاب الوزير العيسى: لا أحبذ استخدام مصطلح الفساد ولا مصطلح الإصلاح ولا سيّما في هذا السياق، وإذا حصل شيء منه فهو أخطاء وبعضها يتبين فيما بعد أنها اجتهادات عن حسن نية، وبالتالي نتعامل مع هذه التجاوزات وفق أحكام الشريعة والنظام – ويؤخذ المخطئ بالظاهر وسريرته إلى الله جل وعلا – ولا أخفيكم أنها حالات قليلة جدًّا، وما يتعلق بشمول المحاكم بذلك، فأنا على يقين بأن المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل عضو في المجلس الأعلى للقضاء عن طريق وكيل الوزارة لن يدّخر المجلس وسعاً في قيامه بمسؤوليته على أكمل وجه، وأؤكد أن قضاءنا على نزاهة عالية ولا أقول هذا ارتجالاً واذهبوا واستطلعوا خارج الحدود لتطلعوا على ما يكتب عن قضاء غيرنا.
وفي مداخلة لصاحبة السمو الملكي الأميرة بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز تحدثت عن بعض القضايا الشائكة والمقاصد والغايات التي توختها الترتيبات التنظيمية، فضلاً عما صدر مؤخراً من أمر ملكي كريم يؤكد على اختصاص الوزارة بتنفيذ التدريب القضائي.
وفي مداخلة عن إنشاء محاكم طبية لإنصاف ضحايا الأخطاء الطبية، وحول الوصية وأن الإنسان إذا أراد توثيقها ترفض في كتابات العدل وتحول إلى المحكمة العليا، قال العيسى: أما إنشاء محاكم طبية فقد قلت بأنه يجوز للمجلس الأعلى للقضاء – عند الاقتضاء – إنشاء محاكم متخصصة أخرى غير المنصوص عليها في نظام القضاء، على أن يوافق عليها من قبل الملك، أما موضوع الوصية فيظهر من سياق كلامكم أن له تفاصيل أخرى، فيحتاج الأمر إلى اطلاعي عليها، ويناسب لو تبعث لي بما عندك من أوراق ووثائق لأطلع عليها.
اترك تعليقاً