السياسة الجنائية المتبعة في جرائم تجارة المخدرات
1/نوع التحديات و حجم الجهود و أهم التوجهات في السياسة الجنائية الوطنية:
* التوجهات في مجال السياسة الجنائية
إن استعراض سلسلة التحديات السالفة، و الوعي بأبعادها، هو في حد داته تشخيص لظاهرة المخدرات ببلدنا، لدلك يجدر بنا الوقوف على حجم الجهود و الطاقات الواجب بدلها في سبيل مواجهتها.
المطلب الأول:الجهود المبدولة على صعيد التشريع
لقد صدرت مند بداية الحماية الفرنسية إلى الآن نصوص جنائية مغربية نضمت موضوع حيازة و استعمال المواد المخدرة، فكان أول ما صدر الظهير الشريف المؤرخ في 2 دجنبر 1922 المنظم لاستيراد و استعمال و مسك المواد و العقاقير السامة، حيث كان الغرض من إحداثه هو تنظيم التعامل بالمخدرات من تجارة و استيراد و تصدير حيث سن تدابير لغرض رقابة على الصيادلة و الأطباء و التجار المستوردين و على المعامل و مختبرات التصنيع، وتشمل هده التدابير و جوب التصريح بكمية المخدرات وأنواعها وأوجه استعمالها، ومسك السجلات، والخضوع للتفتيشات الميدانية.
ولقد نص الفصل الأول من الظهير المذكور على السماح للأفراد بحيازة و استعمال تلك المواد السامة.
– في الحالة التي تكون فيها قد أعدت من جهة للصناعة أو الفلاحة، وفي جهة أخرى للاستعمال في الطب الإنساني أو الحيواني.
-او كانتمرتبة في إحدى اللوائح التالية:
• اللائحة أ : المواد السامة.
• اللائحة ب : المواد المخدرة.
• اللائحة ج : المواد الخطيرة.
وقد قسمت هده اللوائح الثلاث إلى شعبتين، توجد المواد السامة المخصصة للتجارة أو الصناعة أو الفلاحة في الشعبة رقم 1 لكل لائحة. أما المواد السامة المعدة للاستعمال الطبي سواء منه الإنساني أو الحيواني فهي توجد داخل الشعبة رقم 2 من اللوائح الثلاث. وبمقتضى قرار مشترك بين وزير الصحة العمومية ووزير الفلاحة ووزير الصناعة، بتاريخ 30 نوفمبر 1966، أضيفت إلى هدا الظهير ثلاث لوائح متممة. وفي 24 أبريل من سنة 1954 صدر ظهير آخر يمنع تداول قنب الكيف لكن النص المعمول به حاليا هو الظهير الشريف بمثابة قانون، الصادر بتاريخ 21 ماي 1974 و الذي دخل حيز التطبيق بعدما صادق المغرب عن الاتفاقية الدولية الفريدة للمخدرات الصادرة في نيويورك سنة 1966 وقد تمم هدا الظهير و غير ما جاء في النصوص السابقة عليه في موضوع المخدرات، خصوصا منها 2 دجنبر 1922، ودلك لكون بعض نصوصه لم تعد تساير التطورات الحاصلة في موضوع استعمال و تداول المخدرة و الاتجار فيها.
وتبرز أهمية قانون 1974 في كونه استجاب بصورة أمينة للتوصيات و الاتفاقيات الدولية الصادرة حتى دلك الوقت، و استوحى خاصة المبادئ التي أقرتها الاتفاقية الوحيدة للمخدرات 1968، و اتفاقية المؤثرات النفسية لسنة 1971، وبقي هو التشريع الأساسي المطبق في هدا المجال، واستمر قائما حتى الآن دون أن تطرأ عليه أية تغييرات، أو يتم تطويره في ضوء المستجدات التي تبرز بصورة مضطرة في ميدان تهريب المخدرات.
ومند صدر القانون المذكور عرفت جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات تعقيدا مثيرا و تصاعدا مقلقا سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.
وقد حصل أثناء هده الفترة انعقاد مؤتمر دولي بفيينا سنة 1987 صدر عنه إعلان عالمي شامل يعبر عن عزم الأمم قاطبة على التصدي لوباء المخدرات دون هوادة، وأعقب دلك عقد اتفاقية دولية جديدة صادرة بفيينا سنة 1988.
المطلب الثاني: الجهود المبدولة على صعيد الممارسة و الزجر:
لقد كشف التطبيق العملي لكل النصوص الزجرية الصادرة في عهد الحماية عن عجزها في احتواء الظاهرة في كل أبعادها الجديدة، مما أدى إلى تفشيها بشكل مهول وقد لوحظ في السنوات الأخيرة دخول المخدرات إلى فصول مؤسساتنا التربوية بصورة خطيرة. وهدا أمر يندر بعواقب وخيمة إدا لم يوضع حد لهدا الانتشار، إد استدعى ضرورة تغيير القوانين المتعلقة بالمخدرات و جعلها مسايرة للمعطيات الحاضرة. فقد اعتبر ظهير 74 كما سبق الذكر استيراد و إنتاج أو نقل و إمساك المواد المخدرة بصفة غير مشروعة جرائم يعاقب عليها بالسجن من 5 إلى 10 سنوات وبغرامة تتراوح بين 5000 درهم و 500.000 درهم. وبدلك قد تطرق إلى كل من المهربين و المتاجرين و المنتجين المباشرين لهده المواد الفتاكة. كما نص في فصل آخر على أن الأدوات المسهلة للإجرام كوسائل النقل و الإنتاج تصادر لزوما لفائدة الدولة، فأجاز للشرطة القضائية بعد الحصول على ادن من النيابة العامة، و لقاضي التحقيق بعد استشارة هده الأخيرة القيام بتفتيش الأماكن المشبوه فيها وحجز ما يمكن حجزه في كل وقت وحين ولو خارج الساعات القانونية.
ويلاحظ من خلال هده التدابير الزجرية أن المشرع المغربي قد تشدد مع هده الفئة، وهو شيء طبيعي، مادام الأمر يتعلق بالمهربين و المتاجرين الدين هم في الواقع سبب انتشار هده الآفة في المجتمع المغربي.
وبالرغم من تضمنه التشريع المغربي من أحكام وعقوبات قاسية نوعا ما فإن الواقع يدل على أنها دلك ليست في مستوى خطورة ظاهرة انتشار المخدرات في المجتمع المغربي على أيدي المنتجين و المهربين و المتاجرين، فيما يستدعي تغير و تطوير هده النصوص حسب ما آل إليه الواقع المغربي وما يعرفه من انتشار لظاهرة الاتجار و التهريب و الاستهلاك و التداول، ودلك يرفع الحد الأدنى و الأقصى للعقوبة.
بقي أن نشير بخصوص النصوص المتعلقة بالمتاجرين أن القانون المغربي وضع عبارة عامة دلك أنه لم يميز بين كبار التجار الدين يملكون وسائل مادية كبيرة و صغار التجار الدين لا يكون هدفهم من الاتجار في المخدرات هو الإثراء بقدر ما يسعون إلى مجرد سد حاجتهم فقط، لدلك كان لزاما على المشرع المغربي التفرقة في المعاملة بين الطائفتين.
ولقد عامل المشرع المغربي الأطباء و الصيادلة وغيرهم ممن يسهلون على الغير استعمال المواد المخدرة معاملة تقترب من معاملته للمهربين و المنتجين و الحائزين للمخدرات فيما يتعلق بالحد الأقصى للعقوبة من غير أنه يخفض في الحد الأدنى إلى أن يصل إلى سنتين. إلا أن هدا الأخير يرتفع إلى أن يصل إلى 5 سنوات، أي نفس العقوبة المنصوص عليها بالنسبة للمتاجرين و المنتجين، إدا كان استعمال المواد المخدرة قد سهل على قاصرين.
أما فيما يخص المحرضين على استعمال المواد المخدرة فإن الفصل الرابع ينص على معاقبتهم بعقوبة حبسية تتراوح بين سنة وخمس سنوات وغرامة مالية تتراوح بين 500 و 5000 درهم.(1)
المطلب الثالث: الجهود المبدولة في نطاق التعاون الدولي:
لقد حصت المملكة المغربية في مختلف المراحل التاريخية على المساهمة في أي عمل دولي مشترك يرمي إلى مكافحة جرائم المخدرات، وقد صادرت في وقت مبكر على الاتفاقيات الأولى المتعلقة بالأفيون سنة 1922 و 1935.
وقد بادرت في فترة الاستقلال على المصادقة على الاتفاقية الوحيدة للمخدرات الصادرة سنة 1961 “ la convention unique de 1961″ ، وعلى الاتفاقية المتعلقة بالمواد دات التأثير النفسي الصادر سنة 1971.
وشاركت أيضا في المؤتمر الدولي المنعقد بفيينا 1988 و الذي صدر عن الإعلان العالمي الشامل من أجل مكافحة المخدرات.
كما صادق بتاريخ 9/11/1992 بظهير شريف على الاتفاقية الدولية حول إساءة استعمال المخدرات و الاتجار بها الصادرة بفيينا سنة 1988.
وهكذا تكون المملكة المغربية قد حرضت على الوفاء بالالتزامات الدولية دون بطء أو تأخير، أضف إلى هدا مشاركة المغرب وحضور وفود المملكة في كل المؤتمرات و اللجان المتخصصة، وخاصة الحضور في الاجتماعات الدولية للجنة المخدرات بفيينا.
وقد عقدت المملكة عدة اتفاقيات ثنائية مع دول مختلفة ليس فقط في مجال التعاون القضائي، ولكن في مبادئ مكافحة المخدرات و الجريمة المنظمة مثل و.م.أ و اسبانيا و البرتغال و إيطاليا و ألمانيا.
وتحتل قضايا المخدرات المرتبة الأولى في ميدان التعاون القضائي، حيث أن أغلب طلبات تسليم المجرمين و الانتدابات القضائية تتمحور حول هدا الصنف من القضايا.
وقد لمس ممثلي البعثات الدبلوماسية أن المغرب فتح أبواب التعاون دون قيود أو شروط، انطلاقا من الاقتناع بأن بلدنا يجب ألا يكون مأوى لمجرمي المخدرات.
ولم تقتصر المجهودات المبدولة في ميادين التعاون الدولي على الجانب القضائي دلك أن منضمات الأمم المتحدة المتخصصة أصبحت واعية بالواقع المر الذي تقاسي منه المملكة المغربية من جراء دلك الإرث الثقيل، و من زراعة الكيف، و أدركت أن هده الزراعة تشكل موردا حيويا لطبقة من المزارعين، في مناطق جبلية، أراضيهم شحيحة، و أنه لا بديل عن التفكير في وضع برامج تنموية شاملة كفيلة بتغيير أنماط الحياة المعاشية و الاقتصادية و الاجتماعية كما سبق الذكر (2).
المطلب الرابع: الجهود المبدولة في ميدان الوقاية و التوعية:
لقد أخذت معضلة الاتجار و تهريب المخدرات وسوء استعمالها من طرف الأفراد يستأثر باهتمام المجتمع الدولي، حيث تعتبر هده التجارة الممنوعة حافزا للاستهلاك.
لدلك تعتبر المملكة المغربية من الدول السباقة إلى إحداث لجنة وطنية للمخدرات و تعد هده اللجنة الإطار الذي تتلاقى فيه كل جهود الواردات المعنية، وتسيطر اجتماعاتها من حين لآخر على تدابير و حملات في ميدان أن الوقاية و التوعية، حيث ساهمت بعض الوزارات مثل الشؤون الاجتماعية و الشبيبة و الرياضة، والتعليم، و الصحة في تنظيم حلقات و مناظرات في أوساط الشباب لإشعارهم بمخاطر الإدمان، كان من المأمور أن تتكثف مثل هده الحملات على أوسع نطاق، وأن تتسم بالاستمرار و الفعالية.
كما أن وزارة الصحة كانت قد شرعت في تنفيذ بروتوكول للتعاون مع المجموعة الأوربية من أجل إحداث مراكز جديدة لعلاج المدمنين و تجهيزها بالوسائل و الأدوية الأزمة.
و الملاحظ أن فراغا في التنسيق ما يزال قائما في ميدان علاج المدمنين، فالنيابات العامة لا تستعمل إطلاقا الإمكانية التي خولها لها القانون في ف 8 من ظهير 1974، ودلك بإيداع المدمنين في مراكز العلاج بدلا من إيداعهم في السجون.
ثم إن التنسيق المطلوب القيام به هو أن يحرص قضاة النيابة العامة عند ثبوت حالة إدمان لدى الأشخاص المقدمين أمامهم، أن يربطوا الاتصال بمستشفيات الصحة النفسية و أن تتلقى إفادات حول حالة المدمن، وعن وجود ضرورة لإيداعه رهن العلاج، و إن تطبيق هده الإجراءات من طرف النيابة العامة يقتضي في المقابل أن تتوفر مراكز الصحة النفسية على الأماكن و الأسرة الكافية.
إنه تعون و تنسيق لابد منه لدعم سياسة جنائية واعية بوضعية المدمنين
اترك تعليقاً