الأحكام التي لا يجوز استئنافها
إن نظام التقاضي على درجتين يُعد من أهم ضمانات حماية حقوق الإنسان؛ فقد نصت عليه صراحة بعض الاتفاقيات الدولية، كالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان في المادة الثانية من البروتوكول رقم 7 الملحق بها على حق كل إنسان أدين بارتكاب جريمة جنائية بحكم قضائي أن يُعاد النظر في هذا الحكم أمام محكمة أعلى. ومن ثم فإن الطعن في الاستئناف يعد محاولة لتصحيح ما تضمنه الحكم الابتدائي من أخطاء، وذلك من خلال هيئة قضائية أكثر عدداً من هيئة المحكمة التي سبق أن نظرت الدعوى أول مرة؛ حيث يكونون عادة على جانب من الخبرة والدراية تؤهلهم للوصول إلى الحقيقة بقدر الإمكان، سواء أكان الخطأ في تقدير أدلة الدعوى أو في مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة واللوائح المستمدة منها.
ومن الملاحظ أن نظام القضاء السعودي الجديد لم يوضح بالتفصيل أنواع الأحكام التي يجوز استئنافها وتلك التي لا يجوز استئنافها؛ فقد اكتفت مادته (15/1) بالنص على أنه: “يكون في كل منطقة محكمة استئناف أو أكثر، وتباشر أعمالها من خلال دوائر متخصصة، تؤلف كل دائرة منها من ثلاثة قضاة، باستثناء الدائرة الجزائية التي تنظر في قضايا القتل والقطع والرجم والقصاص في النفس أو فيما دونها فتؤلف من خمسة قضاة…”. ثم حددت المادة 17 اختصاص محاكم الاستئناف بصفة إجمالية؛ حيث نصت على أن:” تتولى محاكم الاستئناف النظر في الأحكام القابلة للاستئناف الصادرة من محاكم الدرجة الأولى، وتحكم بعد سماع أقوال الخصوم، وفق الإجراءات المقررة في نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية”.
ومن المنتظر أن تصدر لائحة تنفيذية أو تعليمات أو قرارات وزارية توضح الأحكام التي يجوز استئنافها وتلك التي لا تقبل الاستئناف. ومع ذلك فإنه، في ضوء نصوص هذين النظامين، يمكن القول إن هناك أحكاماً لا تقبل الاستئناف، منها على سبيل المثال، الأحكام الصادرة في جرائم الجلسات، والتي تنص عليها المواد 143، 144 ، 145 من نظام الإجراءات الجزائية؛ حيث تنص المادة 143 على أن:” ضبط الجلسة وإدارتها مناطان برئيسها، وله في سبيل ذلك أن يُخرج من قاعة الجلسة من يُخل بنظامها، فإن لم يمتثل كان للمحكمة أن تحكم على الفور بسجنه مدة لا تزيد على 24 ساعة، ويكون حُكمها نهائياً، وللمحكمة إلى ما قبل انتهاء الجلسة أن ترجع عن ذلك الحكم”. وتنص المادة 144 على أن: “للمحكمة أن تحاكم من تقع منه في أثناء انعقادها جريمة تعدٍٍ على هيئتها، أو على أحد أعضائها، أو أحد موظفيها، وتحكم عليه وفقاً للوجه الشرعي بعد سماع أقواله”؛ وتنص المادة 145 على أنه: “إذا وقعت في الجلسة جريمة غير مشمولة بحكم المادتين 43 بعد المائة و44 بعد المائة فللمحكمة – إذا لم تر إحالة القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام- أن تحكم على من ارتكبها وفقاً للوجه الشرعي بعد سماع أقواله، إلا إذا كان النظر في الجريمة من اختصاص محكمة أخرى فتحال القضية إلى تلك المحكمة”. إذ يتضح من هذه النصوص أنه يحق للمحكمة أن تحاكم كل من تقع منه أثناء انعقاد الجلسات جريمة تعد على هيئة المحكمة أو على أحد أعضائها أو أحد العاملين بها، وتحكم عليه فوراً بالعقوبة الشرعية المناسبة. وهذه الأحكام لا تقبل الطعن عليها بالاستئناف.
كما أن الأحكام النهائية لا يجوز استئنافها، وهي الأحكام المكتسبة للقطعية بقناعة المحكوم عليه، إذ لا يجوز استئناف الحكم ممن قبل الحكم، أي ممن قنع به أو ممن قضي له بكل طلباته. ولا يجوز كذلك استئناف الأحكام التي تم التصديق عليها من المحكمة العليا، أو من المجلس الأعلى للقضاء بحسب الاختصاص.
ولا يجوز كذلك استئناف الأحكام التي تصدر قبل الفصل في موضوع الدعوى، سواء أكانت أحكاماً وقتية أو تحضيرية أو تمهيدية أو قطعية صادرة في مسائل فرعية، مثال ذلك إذا حكمت المحكمة بندب خبير في دعوى أو بالانتقال للمعاينة أو بوقف الفصل في الدعوى لحين إجراء الطعن بالتزوير فيها. فطبقاً للمادة 175 من نظام المرافعات الشرعية لا يجوز الاعتراض على الأحكام التي تصدر قبل الفصل في الدعوى، ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها إلا مع الاعتراض على الحكم الصادر في الموضوع، ويجوز الاعتراض على الحكم الصادر بوقف الدعوى وعلى الأحكام الوقتية والمستعجلة قبل الحكم في الموضوع.
ومع ذلك فمن الملاحظ أن هناك أنواعاً معينة من الأحكام التي تصدر قبل الفصل في موضوع الدعوى الأصلية، ولكن يجوز استئنافها، مثالها الأحكام الصادرة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى؛ لأنه على الرغم من أن تلك الأحكام لم تفصل في موضوع الدعوى؛ إلا أنها في الحقيقة تنهي نظر الدعوى أمام المحكمة التي أصدرتها، ومن ثم فقد يكون الحكم بعدم الاختصاص مخطئاً وتكون المحكمة مختصة فعلاً؛ فلو لم يجز الطعن في مثل هذا الحكم بالاستئناف فسيترتب على ذلك إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى غير مختصة، ومن المتوقع أن يصدر حكم في موضوع الدعوى من محكمة غير مختصة فيكون الحكم باطلاً.
ومن الأحكام التي لا يجوز الطعن فيها كذلك الأحكام الصادرة في الدعاوى اليسيرة التي يُحددها المجلس الأعلى للقضاء بقرار يصدر من هيئته العامة بناء على اقتراح من وزير العدل.
اترك تعليقاً