اللاجئ في القانون الدولي
تــمهيد :
تعد قضية اللاجئين الفلسطينيين المطروحة على المجتمع الدولي من أصعب القضايا، فهي قضية شعب طرد من أرضه بقوة الإرهاب، ليحل مكانه شعب آخر ينفي وجوده، مالكاً هذه الأرض تحت ادعاء سافر “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”. وفي هذا يقول الدكتور ليكس تاكنبرغ في دراسته حول وضع اللاجئين الفلسطينيين في القانون الدولي: “خلق الصراع على فلسطين واحدة من أشد أزمات اللاجئين إيلاماً وحزناً في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ناحية الكم، فهي تبرز بشكل واضح على قائمة الأوضاع الرئيسة والكبرى للاجئين في العالم، ومن ناحية الاستمرارية والحساسية السياسية فلا يوجد مثيل لها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية”.
إن تحديد المقصود باللاجئ بصورة عامة، من المسائل الصعبة في القانون الدولي نظراُ لعدم وجود تعريف له منتهى إليه في الفقه الدولي، إلا أن الجهود الدولية والإقليمية ساهمت في بلورة مفهوم للاجئ بناء على اعتبارات خاصة. ونلاحظ أن تعريف اللاجئ اختلف وفقاً للظروف والوقائع التي يعيشها أو وفقاً للملابسات السياسية، فنجد أن مفهوم اللاجئ السياسي يختلف عن اللاجئ المطرود من وطنه بفعل العدوان أو الاحتلال، واللاجئ المطرود يختلف عن اللاجئ بفعل سياسة التطهير العرقي، ولاجئ التطهير العرقي يختلف عن لاجئ الكوارث الطبيعية، وهكذا تعددت تعريفات اللاجئ في المواثيق والأعراف الدولية.
ومن خلال قراءة متفحصة لتعريفات اللاجئ في ضوء القانون الدولي، نلاحظ أنها لا تنطبق على اللاجئين الفلسطينيين، حيث تم استثناؤهم من شمولية التعريف الدولي، وهذا يؤكد أن وضعية اللاجئ الفلسطيني في القانون الدولي تشوبها تعقيدات كبيرة، ولها حساسية خاصة.
لذا يواجه اللاجئون الفلسطينيون منذ اقتلاعهم عام 1948 مشكلة، ليس في كونهم لاجئين طردوا من وطنهم، ولكن تكمن المعضلة في تحديد مصطلح “من هو اللاجئ ؟”، فبالنسبة للاجئين الفلسطينيين أنفسهم يستطيعون تعريف هويتهم وتحديد مصطلحهم، بأنهم شعب آمن طرد من وطنه ودياره بقوة البطش والسلاح، وأصبحوا بفعل ذلك لاجئين في المنافي والشتات، ومن حقهم النضال بكل الوسائل من أجل العودة إلى ديارهم.
إن هذا التعريف البسيط والعميق في آن وفق منطق اللاجئ الفلسطيني، لا يرضي المجتمع الدولي وقانونه، من حيث خضوع هذا المجتمع، وخاصة فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين لاعتبارات سياسية مرتبطة بقيام دولة إسرائيل.
ويركز هذا البحث على تعريف اللاجئ في ضوء القانون الدولي، سواء كانت التشريعات الدولية الممثلة بالأمم المتحدة ووكالاتها، أو الإقليمية كمنظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الأوروبي. حيث أن تعريف اللاجئ وتحديد هويته من القضايا التي خلقت الكثير من التعقيدات والتباينات في الآراء والمواقف الدولية والإقليمية، الأمر الذي دفع إلى صياغة اتفاقات بين الدول أو داخل أروقة مجالس الدول والمنظمات الإقليمية من أجل السعي لبلورة مفهوم عام لتعريف مصطلح اللاجئ، ويتبعه بالتالي إيجاد حل لمشكلة اللاجئ.
تعريف اللاجئ في القانون الدولي
يشكل القانون الدولي مرجعاً أساسياً في تنظيم وضبط التعاملات والعلاقات بين الدول، رغم تعدد مصادره وتنوعها بين اتفاقات وأعراف تشريعية سواء كانت دولية أو إقليمية.
لذا سوف نتناول هذه الاتفاقات كلاً على حدة في تعريف اللاجئ ومن ثم مناقشة هذا التعريف ووضعية اللاجئ الفلسطيني فيه.
أولاً: الاتفاقات الدولية
تمثل هيئة الأمم المتحدة مصدراً بالغ الأهمية بالنسبة للأسرة الدولية في تشريع قواعد القانون الدولي وصياغة بنوده، لهذا صاغت الأمم المتحدة مجموعة كبيرة من الاتفاقات والأعراف الدولية التي تحمي اللاجئ وتحافظ على حقوق الإنسان، وكانت الاتفاقية الدولية الخاصة بمركز اللاجئين والصادرة عام 1951، من أهم الاتفاقات الدولية التي صدرت بعد الحرب العالمية الثانية. وقد صاغت تلك الاتفاقية تعريفاً لمصطلح اللاجئ، ينص على أن “كل شخص يوجد نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من يناير سنة 1951، وبسبب تخوف له ما يبرره من التعرض لاضطهاده لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج دولة جنسيته وغير قادر أو لا يريد بسبب ذلك التخوف أن يستظل بحماية دولته، أو كل شخص لا يتمتع بجنسية، ويوجد خارج دولة إقامته المعتادة بسبب تلك الظروف، ولا يستطيع أو غير راغب بسبب هذا التخوف أن يعود إلى تلك الدولة (1).
تعد هذه الاتفاقية رغم صفتها الدولية، اتفاقية خاصة بشعوب محددة، هي شعوب أوروبا المتضررة من ويلات الحرب العالمية الثانية، لهذا كان التعريف وفقاً لمفاهيم أوروبية، ومن أجل إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الأوربيين الذين تركوا ديارهم نتيجة الحرب.
وبقراءة هذا التعريف نجد أنه ينص على تحديد زمني لتاريخ اللجوء، مما يعني أن اللاجئ بعد يناير 1951 لا تشمله الاتفاقية، لذلك لم تشمل كل المهجرين واللاجئين، وخاصة حالات اللجوء في العالم الثالث وبعض دول أوروبا الشرقية.
وقد شعر خبراء القانون في الأمم المتحدة بعجز هذه الاتفاقية عن تحقيق مرادها بسبب التحديد الزمني، لهذا تم تجاوز هذا الشرط في البروتوكول الخاص باللاجئين الصادر عن الأمم المتحدة عام 1967، ليصبح لفظ اللاجئ ينطبق على كل من تتوفر فيه الشروط الأخرى دون تحديد للفترة الزمنية، ولكن التعريف لم تجر عليه أية تعديلات.
كما أن هذه الاتفاقية تعاملت مع الأفراد وليس الجماعات، حيث نصت على الاضطهاد الواقع على الشخص بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لفئة معينة أو آرائه السياسية، وهذا يدلل على مدى انطباقها على حالات اللجوء السياسي للأفراد الذين يتعرضون للاضطهاد من قبل حكوماتهم، أكثر من شمولها لحالات اللجوء الجماعية.
ومن الاتفاقات الدولية التي نصت موادها على تعريف للاجئ، اتفاقية جنيف الصادرة في 12 آب عام 1949، فقد نصت على أن اللاجئ هو “كل إنسان يخشى جدياً من تعذيبه أو اضطهاده بسبب جنسه أو دينه أو جنسيته، ووجد خارج بلاده قبل العاشر من شهر كانون الثاني 1951، بسبب أحداث وقعت في البلاد التي يحمل جنسيتها”.
لذلك كانت اتفاقية 1951 وكذلك نص اتفاقية جنيف وتعريفهما للاجئ يشوبهما القصور في كثير من نصوصهما، ولا تتفقان مع حالات اللجوء الأخرى والمعاصرة، بسبب اعتمادهما على الاضطهاد كسبب رئيسي للجوء. وهذا ما دفع الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية إلى أن تتوسع في تعريف اللاجئ.
ثانياً: الاتفاقات الإقليمية
لقد أدى القصور الواضح في اتفاقية جنيف، واتفاقية 1951 وبروتوكولها الملحق عام 1967، إلى محاولات إقليمية لصياغة تعريف أكثر تحديداً وشمولاً نابعاً من ظروف طبيعية أو استثنائية تعرض لها الإقليم.
صاغت منظمة الوحدة الأفريقية معاهدة في 10 أيلول عام 1969، بعد الأعداد المتزايدة للاجئين الأفارقة هرباً من الحروب والنزاعات الداخلية في إفريقيا منذ أواخر الخمسينيات، تناقش أوضاع هؤلاء اللاجئين وتنظم الجوانب الخاصة بمشاكلهم في القارة الأفريقية، لذلك وضعت تعريفاً تسترشد به، استندت فيه إلى اتفاقية الأمم المتحدة عام 1951، ولكنها أضافت إليه ما يتفق مع ظروفها السياسية.
لذا نص تعريف اللاجئ على: “أي شخص بسبب عدوان أو احتلال خارجي أو سيطرة أجنبية أو أحداث تخل بشدة بالنظام العام، إما في جزء أو كل من الدولة التي ينتمي إليها بأصله أو جنسيته، أجبر على ترك مكان إقامته المعتادة للبحث عن مكان آخر خارج دولة أصله أو جنسيته(2)”.
ونلاحظ من خلال قراءة هذا التعريف ـ رغم حديثه عن شخص ـ إلاّ أنه توسع في تحديد صفة اللاجئ الشخص أكثر مما جاء في تعريف اتفاقية 1951، ويرجع ذلك إلى الظروف السياسية ـ كما ذكرنا ـ التي كانت تمر بها أفريقيا آنذاك، لذا منحت مفهوم اللاجئ معنى أكثر وطنية، فهو من يضطر إلى مغادرة وطنه نظراً لعوامل احتلال أو هيمنة خارجية، وليس الاضطهاد فقط.
وقد عبرت المواثيق الأوروبية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين، عن توصيف أدق وأكثر شمولية لمفهوم اللاجئ من اتفاقية 1951، والمعاهدة الأفريقية عام 1969، وجنيف عام 1949، حيث كان توصيفها ينص على وسائل تعامل اللاجئين. ونص القرار رقم 14 لسنة 1967 بمنح حق الملجأ للأشخاص المعرضين لخطر الاضطهاد، وأشار الاتفاق الأوروبي لسنة 1980 إلى نقل المسؤولية عن اللاجئين، وجاءت توصية الاتحاد الأوروبي سنة 1981 للتنسيق بين الإجراءات الوطنية الخاصة بمنح حق اللجوء. وكذلك توصية سنة 1984 بشأن حماية الأشخاص المستوفين لاشتراطات معاهدة جنيف ممن لم يعدوا لاجئين قبل سنة 1984. وألزمت معاهدة دبلن لسنة 1990 التي تضع معايير لتحديد أية دولة عضو، تعد مسؤولة عن النظر في طلب حق الملجأ عندما يطلب اللاجئ حق اللجوء إلى دولة أو أكثر من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”(3).
إن توصيفات اللاجئ في المواثيق الأوربية كانت أكثر شمولية من التوصيفات المطروحة في الاتفاقيات السابقة، إلاّ أنها لم تتطرق لتحديد تعريف خاص بمصطلح اللاجئ، إنما تعاملت مع عمومية اللفظ كما جاء في اتفاقية جنيف سنة 1949، واتفاقية الأمم المتحدة سنة 1951.
وإذا كان المجتمع الأوروبي قد عانى من مشكلة اللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية، نجد أن مجتمع أمريكا اللاتينية قد واجه هذه المعضلة منذ عام 1889، حيث كانت اتفاقية مونتفيديو الخاصة بالقانون الجنائي الدولي أول وثيقة إقليمية تتناول اللجوء، وتبعها عام 1954 معاهدة كاراكاس عن حق اللجوء الإقليمي والدبلوماسي.
وجاء إعلان قرطاج عام 1984 ليرسي الأساس القانوني لمعاملة اللاجئين من أمريكا اللاتينية، خاصة بعد الصدامات والمعارك الدامية التي وقعت هناك وأدت إلى نزوح ما يقرب من المليون شخص خارج بلادهم، مما تسبب في مصاعب اقتصادية واجتماعية حادة للدول التي هربوا إليها، لهذا كان هذا الإعلان الذي وفر الأساس القانوني وأرسى مبدأ عدم إعادة اللاجئين قسراً إلى ديارهم، وأهمية استيعابهم وتمكينهم من العمل في البلدان التي لجأوا إليها، مع بذل كافة الجهود لإنهاء أسباب مشكلة اللاجئين.
وكان تعريف اللاجئ في إعلان قرطاج كالتالي: “إن الأشخاص الفارين من بلادهم بسبب تهديد حياتهم أو أمنهم أو حريتهم، بسبب أعمال العنف أو عدوان خارجي أو نزاعات داخلية أو خرق عام لحقوق الإنسان، أو أية ظروف أخرى أخلت بشدة بالنظام العام في بلادهم” (4).
إن إعلان قرطاج يحمل أهمية كبيرة، فهو يتحدث عن أشخاص أي مجموعات، فارين من بلادهم، بسبب أعمال عنف أو عدوان، مما يعني أن هذا الإعلان أكثر شمولية وتحديداً من الاتفاقيات السابقة جميعها، إلاّ أن إعلان قرطاج رغم استناده للقانون الدولي في تعريف اللاجئ، هو غير ملزم للدول والحكومات، لأنه ليس معاهدة دولية بالمعنى القانوني إنما هو مجرد إعلان خاص بمكان معين وزمان محدد ومجموعات بشرية خاصة، ورغم تباين التعريفات لمصطلح اللاجئ في الاتفاقات الدولية أو الإقليمية، إلاّ أنها أوضحت بنسب متفاوتة عمومية حالات اللجوء في ضوء القانون الدولي كالتالي:
ـ هروب الأشخاص وبحثهم عن ملجأ بسبب الحروب الأهلية.
ـ الخرق السافر لحقوق الإنسان.
ـ الاحتلال أو العدوان الخارجي.
ـ الخوف من الاضطهاد بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الرأي.
ـ الفقر والمجاعات والأمراض.
ـ الكوارث الطبيعية.
ـ فقد الجنسية.
وكما صنف القانون الدولي حالات اللجوء، وضع أيضاً تصوراً عاماً لحل مشكلة اللاجئ، من خلال:
ـ عودة اللاجئ إلى وطنه بعد التأكد من زوال الظروف التي دفعته للجوء.
ـ منح اللاجئ جنسية دولة الملجأ (التوطين).
لقد نصت المادة الثامنة من النظام الأساس للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين على حلول مشكلة اللاجئين، فذكرت: “إن مهمة الحماية الدولية تشمل منع إعادة اللاجئين قسراً، والمساعدة على استقرار طالب اللجوء من خلال إجراءات بعيدة عن التعقيد وتقديم العون والمشورة القانونية لهم، ووضع الترتيبات التي تضمن سلامتهم وأمنهم، والتشجيع على العودة الاختيارية الآمنة، والمساعدة في إعادة استقرارهم
اترك تعليقاً