بحث قانوني و دراسة عن قاعدة تطهير الدفوع في الأوراق التجارية
أ/ عيسي العماوي
مقــدمة :
الأوراق التجارية هي صكوك تمثل حقاُ نقدياُ واجب الدفع في ميعاد معين وقابلة للتداول بالطرق التجارية علي أن يستقر العرف علي قبولها كأداة وفاء بدلاُ من النقود.
هذا والأوراق التجارية تمارس دورها في دنيا التجارة باعتبارها أداة وفاء وائتمان، وكذلك أيضاُ وسيلة لتنفيذ عقد الصرف, ويعتبر مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع أو تطهير الورقة التجارية من الدفوع احد أهم دعائم قانون الصرف رغم أنه أثر من آثار التظهير الناقل للملكية في الأوراق التجارية. ومفهوم هذا التطهير أن الورقة التجارية تنتقل بالتظهير خالية من الدفوع التي يمكن للمدين الاحتجاج بها في مواجهة الحامل السابق للورقة التجارية, حيث لا يمكن لمدين بقيمة هذه الورقة التجارية علي سبيل المثال أن يدفع في مواجهة الحامل ببطلان العقد الأصلي الذي كتبت الورقة التجارية علي أساسه.
وتبدو أهمية هذا الموضوع في أنه خروج عن القواعد العامة في القانون المدني الذي تقضي فيه بأحكام الحوالة أن الحق ينتقل من المحيل إلي المحال إليه بكل ضماناته و دفوعه فيستطيع المحال عليه أن يدفع في مواجهة المستفيد بكل الدفوع التي كان من الممكن أن يواجه المحيل بها. أما في الأوراق التجارية فان هذا الكلام لا يجد له ذكراُ إلا من باب المقارنة حيث أن قانون الصرف يختلف فيه الأمر كلياُ حيث لا يمكن للمدين بالحق الموجود بالكمبيالة أن يدفع في مواجهة الحامل بالدفوع التي كان يمكنه الدفع بها في مواجهة الحاملين السابقين, إلا أن ذلك مرتبط بكون الحامل حسن النية,
خطة البحث :
تقتضي دراسة البحث أن نقسمه إلي المطالب الآتية:
1- المطلب الأول: مفهوم قاعدة تطهير الدفوع
2- المطلب الثاني: شروط إعمال قاعدة تطهير الدفوع
3- المطلب الثالث: الدفوع التي لا يطهرها التظهير
4- المطلب الرابع: الدفوع التي يطهرها التظهير
المطلب الأول : مفهوم قاعدة تطهير الدفوع
كما سبق أن قلنا أن القاعدة في قواعد القانون المدني أن الإنسان لا ينقل لغيره أكثر مما يملك, كما أن حوالة الحق تقضي بان الحق ينتقل إلي المحال إليه بكل صفاته وضماناته وعيوبه, ومعني هذا أن المدين بالحق محل الحوالة يمكن له أن يدفع في مواجهة المحال إليه بكل الدفوع التي كان من الممكن أن يدفع بها في مواجهة المحيل.
إن القول بذلك في القانون التجاري لاسيما في تظهير الأوراق التجارية يقضي علي أسس وقواعد القانون التجاري، حيث سيعطل قابلية الأوراق التجارية للتداول باعتبارها أداة وفاء وائتمان، فمن ذا الذي يقبل ورقة تجارية قد يفاجأ بأي لحظة بشخص آخر يواجهه بدفع لم يكن له يد فيه فيحرمه من الحصول علي حقه [1] , لذلك كان لابد أن يتميز القانون التجاري في هذا المجال فابتدع العرف التجاري قاعدة تضمن لصاحب الحق ألا يفاجأ عند رغبته عند تحصيل حقه، وإذا بقاعدة تطهير الدفوع تولد من رحم الحاجة لتساهم في تعزيز وظائف الأوراق التجارية كأدوات للوفاء والائتمان , ورغم أن هذه القاعدة من ابتكارات العرف التجاري إلا أن الفقه والقضاء تأثرا بهذا الابتكار وسلما به فأضحت قاعدة مستقرة في عرف المحاكم حتى قبل أن تنص عليها التشريعات[2] .فالقانون المصري لم ينص عليها في القانون القديم إلا أنه عاد ونص عليها في قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 المادة (397)، وكذلك نص عليها مشروع القانون التجاري الفلسطيني في المادة (398) و التي جاء فيها “( ليس لمن أقيمت عليه دعوى بكمبيالة أن يحتج على حاملها بالدفوع المبنية على علاقاته الشخصية بساحبها أو بحامليها السابقين، ما لم يقصد الحامل وقت حصوله عليها الإضرار بالمدين ). ويقصد بالتطهير أن تظهير الورقة يطهرها من الدفوع أي أن الحق الثابت فيها ينتقل إلي المظهر إليه نظيفا من كل عيب غير ظاهر في الورقة, وهذا معناه أن المظهر إليه ينتقل إليه حق ليس هو الحق الذي كان المظهر السابق, وعلي ذلك فكل تظهير ينقل المظهر إليه حقاُ جديدا خالياُ من العيوب السابقة علي التظهير [3] .
المطلب الثاني : شروط إعمال قاعدة تطهير الدفوع
لكي يتم إعمال قاعدة تطهير الدفوع لابد من توافر شروط معينة وهي أن يكون حامل الورقة التجارية قد تلقاها عن طريق التظهير الناقل للملكية, والثاني أن يكون حامل الورقة حسن النية وهذا ما سنتناوله فيما يلي :
الشرط الأول :أن يكون الحامل قد تلقي الورقة التجارية عن طريق التظهير الناقل للملكية:
ويقصد بالتظهير ” بيان يكتب في ظهر الورقة يفيد معني النزول عن الحق العرفي المدرج لإذن شخص آخر [4], والمتنازل يطلق عليه اسم المظهر والمتنازل إليه يطلق عليه اسم المظهر إليه ” ويقصد بالتطهير التوكيلي مجرد توكيل المظهر إليه في قبض قيمة الكمبيالة في ميعاد الاستحقاق , حيث لا يهدف المظهر نقل ملكية الحق الصرفي الثابت في الكمبيالة إلي المظهر إليه , أما التظهير التأميني فهو رهن الحق الثابت بالورقة التجارية لمصلحة دائن للمظهر أي هو رهن للحق الصرفي الذي تحتويه الورقة ضماناُ لدين علي المظهر لصالح المظهر إليه
إذن لكي تطبق قاعدة تطهير الدفوع فلابد أن يكون التظهير تظهيراُ ناقل للملكية أما التظهير التوكيلي أو التظهير التأميني فانهما لا يطهران الورقة التجارية من الدفوع، وكذلك إذا آلت الورقة التجارية إلي الحامل بطريقة الحوالة ( حوالة الحق ) فانه لا يترتب علي ذلك تطهيرها من الدفوع ويمكن للمدين أن يدفع في هذه الحالة في مواجهة الحامل بالعيوب التي كان من الممكن أن يدفع بها في مواجهة الدائن الأصلي [5] فلا يستفيد من قاعدة التطهير إلا من ظهرت له تظهيراُ ناقلاُ للملكية لأنه يتلقى الورقة نظير دفع قيمتها لمن نقلها إليه وبالتالي فطبيعي أن يكون له حق جدير بالحماية نظير ما دفع [6] ، كما أن الورقة إذا ما انتقلت إلي الحامل بأي طريقة أخري خلاف التظهير فإنها لا تطهر من الدفوع مثال إذا وصلت إلي الحامل بطريق الوصية أو الميراث حيث يعتبر الوارث أو الموصي له خلفاًُ خاصاُ للموصي أو المورث [7] .
الشرط الثاني :حسن النية:
أي أن يكون حامل هذه الورقة الذي يستفيد من هذه القاعدة حسن النية, حيث أن هذه القاعدة إنما قررت لحماية الحامل حسن النية لأنه جدير بهذه الحماية [8] ، ولذلك فقد اشترط حسن نية الحامل لإعمال قاعدة تطهير الدفوع, ويعتبر حسن نية الحامل مفترض إلي أن يثبت المدين عكس ذلك بكافة طرق الإثبات.
ومع ذلك فإذا كان الحامل سيء النية فان القاعدة لا تنطبق في حقه ويمكن للمدين مواجهته بالدفوع التي كان عليه أن يواجه بها الدائن السابق, إلا أن مفهوم حسن النية وسوء النية كان محلاُ لاختلاف حول المقصود بسوء النية وحسنها حول إذا ما كان المقصود بسوء النية هو مجرد علم الحامل الجديد بهذه الدفوع، وهو ما ذهب إليه رأي من الفقه, في حين يذهب رأي آخر إلي سوء النية إنما يقصد به تواطؤ الحامل مع الدائن السابق.
وعلى ذلك فإننا سنعرض فيما يلي إلي كل من الرأيين ثم نتحدث عن رأي اتفاقية جنيف ومن ثم موقف المشروع الفلسطيني التجاري.
1- الاتجاه الأول:
يذهب هذا الاتجاه إلي أن الحامل يكون حسن النية إذا لم يكن يعلم بوجود العيوب المتعلقة بالورقة التجارية، وقت تظهير الكمبيالة إليه، فإذا كان يعلم بوجود العيوب المتعلقة بالورقة التجارية وقت تظهير الكمبيالة إليه فإذا كان يعلم بها فانه يعتبر سيء النية, كما أن حسن النية يعد مفترض طبقاُ للقواعد العامة وعلي مدعي سوء النية إثبات ذلك، عن طريق إثبات علمه بالدفوع وقت تظهير الكمبيالة، وفي ذلك تخفيف عنه لأنه لا يثبت إلا مجرد العلم ولا يثبت الغش أو التواطؤ أو قصد الإضرار [9] .
2-الاتجاه الثاني:
أنصار هذا الاتجاه لا يكتفون بالعلم الفعلي, بل يستلزمون إثبات أن الحامل عند تلقيه الكمبيالة كان متواطئا مع من ظهرها إليه, وقصد كلاهما من نقل الملكية حرمان المدين الصرفي, من الدفوع التي كان يمكن له التمسك بها لو بقيت الكمبيالة في يد حاملها السابق, فقصد الإضرار بالمدين في هذا الاتجاه يتوفر لهذا الحامل الجديد والمظهر وذلك بتجريد المدين من وسائل دفاع التي كان يمكنه استخدامها لو لم تتم عملية التظهير، وهذا الاتجاه يضع عبئاُ ثقيلاُ علي المدين المصرفي إذ يتعين عليه إثبات وجود التواطؤ ولا يكفيه إثبات العلم أو حتى إثبات قصد الإضرار.
3-موقف اتفاقية جنيف :
ثارت هذه الاتجاهات أثناء المناقشات التي دارت في جنيف لإعداد قواعد دولية موحدة وقد توصلت هذه الاتفاقية إلي حل وسط بين الاتجاهين، حيث لم تأخذ بالرأي الأول الذي يسوى بين سوء النية ومجرد العلم لما في ذلك من إرهاق للحامل الجديد, كما لم تأخذ بالاتجاه الثاني وهو الذي يستلزم التواطؤ لإجحافه بالمدين الصرفي ويلقي عليه حمل ثقيل هو إثبات التواطؤ بين الحامل الجديد والمظهر، و خرجت الاتفاقية بمعيار جديد فاستبقت علي العلم من الرأي الأول ولكن ليس العلم المجرد وإنما أخذت من الاتجاه الثاني قصد الأضرار فخرج المبدأ القائل بان سوء نية الحامل يكون عندما يقصد الإضرار بالمدين،
وسار متأثراُ باتفاقية جنيف قانون التجارة المصري الحديث الذي نص في المادة 397 على ما يأتي ( ليس لمن أقيمت عليه دعوى الكمبيالة أن يحتج على حاملها بالدفوع المبنية على علاقته الشخصية بساحبها أو بحامليها السابقين, ما لم يكن قصد الحامل وقت حصوله علي الكمبيالة الإضرار بالمدين ) وهي تطابق نص المادة 17 من قانون جنيف الموحد وهذا ما اخذ به مشروع القانون التجاري الفلسطيني في المادة 397 وكذلك المشرع الأردني في المادة 147.
المطلب الثالث :الدفوع التي لا يطهرها التظهير
هناك دفوع يستطيع المدين التمسك بها في مواجهة حامل الورقة حتى لو كان حسن النية ومنها:
1- الدفوع المستمدة من شكل الكمبيالة:
لأن الحامل هنا يفترض علمه بها حيث أن ظاهر الورق يوحي بها, فلا يعذر بجهله بها مهما كان حسن النية [10] , وذلك لأن العيب ظاهر وواضح يمكن تبينه بمجرد الإطلاع علي الورقة , وليس في ذلك أي مفاجأة لحامل الورقة حيث من السهل عليه اكتشاف العيب , كما أن التظهير الناقص يعد تظهيراُ توكيلياُ وبالتالي لا يطهر الورقة من الدفوع [11] , كما أن هناك من يري أن العيب الشكلي الذي قد يشوب الورقة التجارية يعتبر في واقع الأمر داخلا في كل علاقة صرفية تنشا عنها مما يمكن القول معه بان الدفع المتعلق بشكل الورقة أو مضمونها هو دفع عام مشترك في كل العلاقات الناشئة عن الورقة [12] .
وأفضل مثال للدفع المستمد من شكل الكمبيالة هو عدم توافر بعض البيانات الإلزامية حيث أن المشرع ينزع صفة الكمبيالة عن الصك الذي لا يستوفي البيانات الإلزامية ولا شك أن فوات بيان من هذه البيانات أمر ظاهر لا يمكن جهله, إما ادعاء عدم العلم بلزومه فهو يدخل في مفهوم الجهل بالقانون وهو عذر لا يعتد به [13] .
2- الدفوع المبنية علي بطلان الالتزام الصرفي:
وهذا يكون في بعض الحالات وهي الدفع بانعدام أو نقص الأهلية فالشخص عديم الأهلية أو ناقصها يستطيع أن يتمسك ببطلان التزامه في مواجهة أي دائن يطالبه بقيمة الورقة التجارية, وذلك يعود إلي حماية ناقص الأهلية علي اعتبار أن مصلحته أولي بالحماية من الحامل [14] , حيث أن المشرع المصري نص علي بطلان الالتزامات الصرفية لناقص الأهلية الذي ليس تاجراً ولكنه جعل هذا البطلان مقصورا عليه حيث نصت المادة 386 من القانون التجاري المصري علي أن ( إذا حملت الكمبيالة توقيعات أشخاص ليس لهم أهلية الالتزام بها .. فان التزامات غيرهم من الموقعين تبقي صحيحة ) إلا انه إذا حاول ناقص الأهلية إخفاء نقص أهليته بطرق احتيالية فانه يمكن للحامل الرجوع عليه بعيدا عن قانون الصرف ومطالبته بالتعويض [15] .
3- الدفع بتزوير التوقيع:
من زور توقيعه علي كمبيالة سواء بصفته ساحباُ أو مظهرا أو ضامناً أو قابل أو بأي صفة أخري يستطيع الدفع بهذا التزوير في مواجهة الحامل حتى لو كان يجهل بأمر التزوير, لان المشرع يولي الاهتمام لحماية هذا الشخص باعتباره مجنياُ عليه في جريمة تزوير, مع مراعاة أن الدفع بالتزوير قاصر علي صاحب التوقيع المزور, فلا يستطيع موقع آخر الاستفادة من ذلك إعمالا لمبدأ استقلال التوقيعات الذي نصت عليه المادة 386 مصري ( إذا حملت الكمبيالة توقيعات مزورة فان التزامات غيرهم من الموقعين تبقي مع ذلك صحيحة ) ويقابلها المادة ( ) في مشروع القانون التجاري الفلسطيني, ويوضح ذلك أكثر نأخذ مثال أن شخصاُ سحب كمبيالة ووقعها بتوقيع نسبه زوراُ إلي (أ) وكانت مسحوبة لصالح (ب) فان (أ) يستطيع الدفع بتزوير توقيعه في مواجهة (ب) فإذا تم تظهيرها ل (ج) فيظل ل (أ) إمكانية التمسك بالتزوير في مواجهة (ج) ولكن لو رجع (ج) علي (ب) فلا يملك الأخير الدفع بتزوير توقيع (أ) عملاُ بمبدأ استقلال التوقيعات [16] .
4-الدفع بانعدام النيابة أو تجاوزها:
تجوز النيابة في سحب الأوراق التجارية أو تظهيرها، ولكي تترتب الآثار علي ذلك يجب إبراز صفة النيابة والتزام النائب لحدود نيابته, فإذا ما تجاوز هذه الحدود أو ثبت عدم وجود النيابة أصلاُ, فان تصرف مدعي النيابة لا يلزم الأصيل لأنه يعتبر هنا كمن زور توقيعه, ولذلك يمكن لها الدفع بذلك حيث لا تطهر الورقة التجارية من الدفع بهذه الحالة, وقد عالج المشرع المصري هذه الحالة بتبني قواعد قانون جنيف الموحد والتي جعلت مدعي النيابة أو النائب الذي يتجاوز سلطاته يتحمل قيمة الكمبيالة فإذا أوفاها تأول إليه الحقوق التي كانت ستؤول إلي من ادعي النيابة عنه, وهذا آخر واضح من المادة 389 من القانون التجاري المصري.
5- الدفوع المتصلة بالعلاقة الشخصية التي تربط الحامل بالمدين الصرفي:
فلو أصبح المسحوب عليه القابل دائناُ للحامل الأخير ثم جاء هذا الحامل مطالباُ إياه بقيمة الكمبيالة فيمكنه التمسك بالمقاصة في مواجهته [17] , وفي هذه الحالة لا تنطبق قاعدة تطهير الدفوع علي العلاقة المباشرة بين المدين بالورقة التجارية وحاملها , فالدفوع الناشئة عن العلاقة التي تربط الحامل شخصياً بالمدين ( سواء كان الساحب أو المسحوب عليه أو أحد المظهرين ) لا يطهرها تظهير الورقة التجارية، فإذا كان المدين بالكمبيالة دائناُ لحامل الصك بناء علي علاقة خارجة عن نطاق الكمبيالة فانه يستطيع مطالبة الحامل بالمقاصة بدينه كما يحق للمسحوب عليه رغم توقيعه علي الصك أو علي الورقة التجارية بالقبول أن يرفض الدفع إذا لم يكن لديه مقابل الوفاء وظل الساحب هو نفسه حامل الصك لعدم وجود سبباُ لالتزامه [18] .
المطلب الرابع : الدفوع التي يطهرها التظهير
وفيما يلي نضع بين أيديكم نماذج للدفوع التي يطهرها التظهير :
1-الدفوع المبنية علي عيوب الإرادة:
قد يحدث أن يتم التوقيع علي الورقة التجارية تحت تأثير عيب من عيوب الإرادة مثل الغلط أو التدليس أو الإكراه أو الاستغلال، فانه يجوز لمن عابت إرادته أن يتمسك بهذا الدفع في مواجهة الحامل الذي اتصل به عيب الإرادة, ولكن إذا ما تم تظهير الورقة التجارية إلي آخر فانه لا يستطيع أن يتمسك بهذا الدفع القائم علي عيب الإرادة في مواجهته، لان التظهير قد طهر هذه الورقة من الدفوع التي تنشا من العلاقة مع الحامل السابق، ولكن بشرط حسن نية الحامل الجديد، ويسوى الفقه بين جميع عيوب الإرادة في هذه النتيجة, وان كان البعض يري ضرورة استثناء الإكراه الملجأ الذي تنعدم معه الإرادة كالحصول علي التوقيع عن طريق القصر المادي [19] .
2- الدفوع المبنية علي انعدام سبب التزام الموقع علي الورقة أو عدم مشروعيته:
إذا ما وقع علي كمبيالة أو ورقة تجارية أخري بدون سبب أو إيفاء بدين قمار أو دفع قيمة صفقة مخدرات مثلاُ, فانه لا يمكن الاحتجاج بهذا الدفع إلا قبل الحامل الذي قصد الإضرار بالمدين والذي كان يعلم بعدم مشروعية السبب, أما الحامل الآخر حسن النية فانه لا يمكن للمدين الدفع بانعدام السبب أو عدم مشروعيته في مواجهته, حيث لا يضره أن يكون الالتزام له سبب مشروع طالما أن القانون يفترض في كل التزام أن له سبباُ مشروعاُ ما لم يقم الدليل علي عكس ذلك [20] .
3- الدفوع المبنية علي فسخ العلاقة الأصلية:
في الغالب ما يكون التوقيع علي الورقة التجارية وسيلة لتنفيذ التزام سابق ناشئ عن علاقة أصلية, فقد تكون هذه الورقة التجارية عبارة عن ثمن لبضاعة معينة في علاقة بيع بين الموقع والحامل ( المستفيد ) فإذا ما ظهرت هذه الورقة إلي حاملين آخرين ثم فسخت العلاقة الأصلية وهي في هذا المثال عقد البيع فان ذلك لا يجد له أثراُ بالنسبة للحامل إذ انه يبقي غريباُ عن هذه العلاقة الأصلية, وان حقه مرتبط بالورقة التجارية التي تعتبر هي مصدر الحق الموجود فيها وليس العلاقة الأصلية, فلا يملك المدين الدفع بانقضاء العلاقة الأصلية في مواجهة هذا الحامل, وينسحب ذلك علي كل أسباب بطلان العلاقة الأصلية مثل عدم مراعاة الشكل القانوني أو انعدام المحل… الخ [21] .
خاتمة :
وهكذا نكون قد تناولنا قاعدة تطهير الدفوع في الأوراق التجارية فتعرضنا
– لتحديد مفهومها و تبين لنا أن هذه القاعدة هي من القواعد التي رسخها العرف التجاري، وعملت بها المحاكم قبل أن تنص عليها التشريعات الحديثة، ومضمون هذه القاعدة أن المدين بالورقة التجارية لا يستطيع أن يدفع في مواجهة حاملها بما كان يمكنه أن يدفع به في مواجهة الحاملين السابقين.
– إن قاعدة تطهير الدفوع تعتبر خروجا عن القواعد العامة في القانون المدني ذلك أن مضمون الحوالة في القانون المدني يعني أن الحق ينتقل من المحيل إلى المحال إليه محملا بكافة دفوعه وضماناته، حيث يستطيع المدين أن يدفع في مواجهة المحال إليه بكل الدفوع التي كان يمكنه أن يدفع بها في مواجهة الدائن الأصلي (المحيل).
– إن اعتبارات القانون التجاري جعلت من قاعدة تطهير الدفوع استثناءا على قواعد القانون المدني، حماية للمدين وحتى لا يفاجأ بدفوع لا علم ولا علاقة له بها.
– و لكن القاعدة لم تترك هكذا بل وجدت شروط لتطبيقها وهي أن يكون التظهير ناقلا للملكية، فلا يكفي التظهير التوكيلي أو التأميني لتطهير الورقة التجارية من الدفوع، وكذلك لابد أن يكون الحامل الجديد حسن النية أن لم يقصد الإضرار بالمدين.
– وكذلك أيضا فإن هناك دفوع لا تخضع لهذه القاعدة حيث يمكن الدفع بها حتى ولو كان الحامل حسن النية مثل الدفوع المستمدة من شكل الكمبيالة، والدفع بتزوير التوقيع، والدفع بانعدام النيابة أو تجاوزها، والدفع المتصل بالعلاقة الشخصية التي تربط الحامل بالمدين الصرفي.
– وهناك دفوع يطهرها التظهير مثل الدفع المستمد من بطلان العلاقة الشخصية، والدفوع المستمدة من عدم المشروعية وانعدام السبب، والدفوع المستمدة من عيوب الإرادة.
والله ولي التوفيق .
الهوامش :
انظر في هذا المعني مصطفي كمال طه – الأوراق التجارية والإفلاس – دار الجامعة الجديدة للنشر – سنة 1997- ص 73 فقرة 94 [1]
[2] انظر في هذا المعنى فاروق احمد زاهر- دروس في القانون التجاري – دار النهضة العربية – ص76
[3] علي جمال الدين عوض – الأوراق التجارية – دراسة للقضاء – مطبعة جامعة القاهرة سنة 1995 ص 59 فقرة 68
[4] حمدي بارود ص3 – مرجع سابق
[5] مصطفي كامل طه – ص78 فقرة 100 – مرجع سابق
[6] علي جمال الدين عوض – ص61 فقرة 69 مرجع سابق
[7] فوزي محمد سامي شرح القانون التجاري الجزء الثاني الأوراق التجارية مكتبة دار الثقافة النشر والتوزيع عمان سنة 1997 م ص145
[8] محمود الكيلاني – القانون التجاري- الأوراق التجارية- المطابع التعاونية- عمان- سنة 1994 ص73
[9] مختار بريري قانون المعاملات التجارية الجزء الثاني – الإفلاس – الأوراق المالية دار النهضة العربية سنة 2000 ط1 ص317 فقرة 336 وهذا ما كان يأخذ به القانون المصري القديم
[10] حمدي بارود – مرجع سابق ص 33
[11] سميحة القليوبي – مرجع سابق – ص90
[12] فاروق أحمد زاهر – دروس في القانون التجاري المصري – الكتاب الثاني – الجزء الأول – الأوراق التجارية والإفلاس – دار النهضة العربية – سنة 95 – ص79
[13] مختار بريري – مرجع سابق – ص326 ف 346
[14] مصطفي كمال طه – مرجع سابق – ص 76
[15] مختار بريري – مرجع سابق – ص 330 ف 346
[16] مختار بريري – مرجع سابق – ص 327 وكذلك سميحة القليوبي – مرجع سابق ص 91
[17] حمدي بارود – مرجع سابق – ص33
[18] زكي زكي الشعراوي – الوجيز في القانون التجاري – الجزء الأول – الطبعة الخامسة – دار النهضة العربية – ص 183
[19] أشار إليه مصطفي كمال طه – مرجع سابق – ص77 وكذلك أشار إليه مختار بريري – مرجع سابق – ص 334
[20] فوزي محمد سامي – شرح القانون التجاري – الجزء الثاني في الأوراق التجارية – مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان – سنة 1997 – ص143
[21] مصطفي كمال طه – مرجع سابق – ص77
اترك تعليقاً