بحث قانوني و دراسة عن الحماية القانونية للمستحضرات الصيدلانية
إعداد الباحث( عثمان محمود محمد بني يونس/ القاهرة)
المبحث الأول : براءة الاختراع الدوائية ودورها في حماية المستحضرات الصيدلانية قبل اتفاقية التريبس.
المبحث الثاني : حماية المستحضرات الصيدلانية بعد اتفاقية التريبس.
المبحث الأول براءة الاختراع الدوائية ودورها في حماية المستحضرات الصيدلانية قبل اتفاقية التريبس
لم تكن قوانين الدول النامية تضع- قبل اتفاقية التريبس– أي قيود تمنع الاستفادة من المعلومات المتعلقة ببيانات الاختبارات الدوائية ونتائج التجارب التي تقدم من شركات الأدوية إلى الجهة الحكومية المعنية للحصول على ترخيص بتسويق الأدوية.
وهذا الوضع كان يتفق مع مصلحة شركات الأدوية الوطنية في الدول النامية، لأن نشاطها يعتمد بصفة أساسية على إنتاج الأدوية التي ابتكرتها من قبل شركات الأدوية الكبرى وطرحتها في الأسوق، مستفيدة في ذلك من بيانات الاختبارات ونتائج التجارب التي سبق إجراءها وتقديمها للوزارة المعنية، دون حاجة لإعادة الاختبارات والتجارب على ذات هذه الأدوية من جديد( ). والسؤال الآن هو: ما هو الدور الذي لعبته براءاة الاختراع الدوائية لحماية المستحضرات الصيدلانية قبل اتفاقية التريبس، وإلى أي مدى نجحت براءاة الاختراع في حمايتها، وهو ما سنتناوله في المطالب التالية:
المطلب الأول: براءة الاختراع الدوائية.
المطلب الثاني: براءة الاختراع الدوائية ودورها في الحماية القانونية للمستحضرات الصيدلانية.
المطلب الأول براءة الاختراع الدوائية.
يرى بعض الفقهاء أن الاختراع هو كل اكتشاف أو ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي سواء كان ذلك الاكتشاف أو الابتكار متعلقاً بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق ووسائل مستحدثه أو بهما معاً( ) .
وتعتبر براءة الاختراع الدوائية من أهم التطبيقات العملية للملكية الصناعية سواء من حيث طبيعة الامتيازات التي تخولها لمخترعين الدواء أو ذوي حقوقهم، أو من حيث وسائل الحماية المقررة قانوناً لهذه الامتيازات، ولعل ما يؤكد ذلك أن كل القوانين المتعلقة بالملكية الصناعية أو الملكية الفكرية بصفة عامة، التي تمكِّنا من الإطلاع عليها تجعل براءات الاختراع الدوائية في مقدمة اهتماماتها وتخصص لها جزءً مهماً من المقتضيات القانونية وتجعلها على رأس ما تفرده للملكية الصناعية من مقتضيات( ).
ومما لا شك فيه أن البراءة الدوائية تساعد في فهم الوسائل الناجحة لحماية هذه البراءة والحفاظ على الحقوق المترتبة عليها، وتعتبر البراءة الدوائية صمام الأمان لحاملها إذ تمثل رخصة وسند تخول صاحبها مواجهة الشركات الدوائية صاحبة المنتج الدوائي ممن يعتدي على حقوقها والتي تخولها في الوقت ذاته الاستئثار بتلك الحقوق طول فترة حماية البراءة الدوائية، وهذا يعني أن المنتجات الدوائية تنطبق عليها هذا النوع من الحماية، وخاصة أنها ناتجة عن جهد بشري، إذ أن المبتكر أبدع شيئاً لم يكن له وجود فعلي قائم.
وتلعب براءة الاختراع الدوائية دوراً فعالاً في حماية حقوق أصحاب الصناعات الدوائية بصفة خاصة، لأن البراءة الدوائية تمثل قطب الرحى في حماية حقوق شركات الدواء، حيث تمثل الشهادة التي تثبت حقوق هذه الشركات على الأدوية التي قاموا باختراعها وتجربتها، فضلاً عن أنها تعتبر بمثابة السند الذي تستند عليه تلك الشركات لمنع الآخرين من الاعتداء على هذه الحقوق أو المطالبة بالتعويض في حالة وقوع الاعتداء( ).
المطلب الثاني براءة الاختراع الدوائية ودورها في الحماية القانونية للمستحضرات الصيدلانية.
أثارت الطبيعة القانونية لبراءات الاختراع الدوائية اختلافاً واضحاً بين المهتمين بحقوق الملكية الفكرية، فيرى بعض الفقهاء أن براءة الاختراع الدوائية هي صك تمنحه الدولة للمخترع ليحمي به اختراعه من أجل استئثار استغلاله فترة معينة من الزمن بمعنى أنها حماية استئثارية لحق المخترع، ويسقط الاختراع بعد هذه المدة في الملك العام، بحيث يستطيع أي شخص له القدرة العلمية والكفاءة المهنية أن يستغله ويجني العائد المناسب من ورائه دون أن يطالبه بمقابل هذا الاستغلال( ).
وعلية، فإن الدواء حضيَّ بحماية قانونية سابقاً قبل اتفاقية التريبس عن طريق براءة الاختراع الدوائية كمُصنَّع وليس كمُنتَج، وتكاد تكون هذه الحماية في كافة التشريعات السابقة لاتفاقية التريبس، كون البراءة منشئة للحق حيث أعلن صاحب الحق عن رغبته في الاحتفاظ بحقوقه القانونية على الابتكار الدوائي على أن يذيعه، ولما كانت هذه الحقوق لا تقرر للمخترع إلا بالحصول على البراءة فكاَّن هذه الوثيقة هي التي تنشئ هذه الحقوق وتجعلها محلاً للحماية التشريعية، وبدونها يصير الابتكار من الأموال العامة، ولا يستطيع المخترع أن يدعي عليه بأي حق خاص( ).
ومع مرور الزمن، تحوَّل التشديد بإتجاه رؤية نظام براءات الاختراع الدوائية بمثابة أسلوب لتوليد الموارد اللازمة لتمويل الأبحاث والتطوير وحماية الاستثمارات الدوائية، وبما أن نظام براءات الاختراع الدوائية يعرض مستوى قياسي من الحماية في كافة المجالات التي يغطيها، فلا توجد صلة مباشرة بين قيمة الحق الممنوح للاختراع والتكاليف المتكبدة في الأبحاث والتطوير، ويمكن أن تكون هناك صلة بين قيمة الاحتكار وفائدته العملية. وحتى تتحقق الحماية، فلا بد من تسجيل الاختراع في الدول التي يرغب المخترع في حماية اختراعه فيها، والتسجيل لا يتم إلا بعد تحقق ثلاث شروط بموجبها يتم منح المخترع شهادة ( براءة الاختراع )، تثبت أنه مالك لهذا الاختراع الدوائي، ويستطيع ممارسة كافة الحقوق التي كفلها القانون. وهذه الشروط بشكل مختصر هي أن يكون الاختراع جديداً لم يتم الكشف عنه في أي مكان بالعالم لا بالوصف المكتوب أو الشفهي، وأن يكون الاختراع ذو خطوة ابتكاريه، أي انه لم يكن واضحاً للشخص الفني في نفس المجال، وأن يكون الاختراع قابلاً للتطبيق الصناعي في أي مجال من مجالات الصناعة بمفهومها الواسع( ).
وتعد براءات الاختراع من أهم صور الملكية الصناعية المتعددة التي يشملها المشرع الوطني بحمايته، إلى جواز نماذج المنفعة، والنماذج الصناعية، لعلامات التجارية بأنواعها الثلاث، والأسماء التجارية، وبيانات المصدر، المسميات الجغرافية، المنافسة غير المشروعة( ).
وتمثل براءة الاختراع الدوائية أهم حقوق الملكية الفكرية التي تأتي من خلال جهود منظمة وأبحاث علمية دقيقة يمكن أن تؤدي إلى ظهور أدوية جديدة من شأنها أن تحقق عوائد مالية كبيرة، لذا كان من الطبيعي أن تولى اتفاقية التريبس والتشريعات العربية هذا النوع من حقوق الملكية الفكرية عناية خاصة ظهرت من خلال النصوص التي تنظم الحقوق الممنوحة لأصحاب براءات الاختراع . وقد كانت الدول قبل اتفاقية التريبس تتمتع بحرية في استبعاد مجالات بعينها من حماية براءات الاختراع، فقد كانت المستحضرات الصيدلانية من ضمن الصناعات المستبعدة من حماية براءات الاختراع في التشريعات المصرية، ومعظم التشريعات العربية والدول النامية مثل الهند والصين والبرازيل، بل وكذلك بعض الدول المتقدمة مثل اسبانيا والبرتغال وفنلندا( ) .
وقد عالجت اتفاقية التريبس الحقوق الممنوحة لصاحب براءة الاختراع في المادة الثامنة والعشرين من الاتفاقية، وفرقت هذه المادة بين نوعين من البراءات:
الأولى: هي براءة المنتج التي تعطي صاحب إبداع أدى إلى ظهور منتج دوائي جديد يصلح للاستخدام ومأمون الفاعلية من حيث الآثار الجانبية، وهذا النوع من البراءة تخول صاحبها حقوقاً استئثارية يستطيع من خلالها أن يحصل على مقابل ما قام به من أبحاث وتجارب في سبيل الوصول إلى هذا المنتج الدوائي الجديد( ).
أما بالنسبة للنوع الثاني من براءة الاختراع: فهي براءة الطريقة الصناعية التي تعطي لصاحب إبداع أدى إلى التوصل إلى طريقة جديدة للحصول على دواء معين، ولقد أقرت اتفاقية التريبس لهذا النوع من البراءة أحكاماً خرجت بها عن القواعد العامة المتعارف عليها من التشريعات المختلفة والتي تقرر أن عبء الإثبات يقع على المدعى حين نقلت الاتفاقية عبء الإثبات إلى المدعي عليه، وبطبيعة الحال فلقد تأثر المشرع المصري بأحكام الاتفاقية وقرر هذا المبدأ في المادة 34 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري، كما تأثر بذلك المشرع الأردني في قانون براءات الاختراع كما سنرى لأحقاً.
وتعتبر اتفاقية التعاون الدولي بشأن براءات الاختراع مكملة لاتفاقية باريس، وتتضمن ثلاثة عناصر رئيسية هي الطلب الدولي، والبحث الدولي، والفحص المبدئي الدولي، وتوفر الاتفاقية لمودع طلب براءة الاختراع في دولة ما الحماية المطلوبة في كافة الدول الأعضاء المشاركة في الاتفاقية، ومن ثم يحصل على ميزة كبيرة تتمثل في معرفة أسرار الاختراعات عن طريق نشر وثائق براءات الاختراع التي يترتب عليها تشجيع البحث والابتكار في الدول النامية، ويتيح بالتالي لذوي الخبرة الوقوف على أخر ما وصل إليه غيرهم في شتى المجالات التكنولوجية ويساعد أصحاب البراءات ورجال الأعمال في تقدير القيمة الاقتصادية لبراءاتهم الجديدة، ومدى الفائدة التي تعود عليهم من تسويق منتجاتهم( ).
غير أن الحماية التي تمنحها التشريعات الوطنية لم تكن كافية لتحقيق مصالح الدول الصناعية المتقدمة، لأنها حماية محدودة لا يتجاوز نطاقها الحدود الجغرافية للدولة التي تعترف بهذه الحقوق. وقد أوجبت اتفاقية التريبس على الدول الأعضاء حماية اختراعاتهم الدوائية سواء انصب الاختراع على الدواء ذاته أو على طريقة تصنيعه، بينما كان الوضع في الماضي مختلف تماماً – قبل العمل بأحكام اتفاقية التريبس – فكانت قوانين براءات الاختراع السارية في غالبية الدول النامية لا تمنح البراءة عن الاختراعات الدوائية وقد أتاح هذه الوضع للشركات الوطنية في الدول النامية إمكانية تحضير الأدوية الجديدة، دون دفع مقابل للشركات الأجنبية التي ابتكرتها وهي غالبا شركات تنتمي إلى الدول المتقدمة( ).
فعلى سبيل المثال كانت الشركة الأم (المخترعة) تطرح المنتج الدوائي للتداول وكذلك طريقة تركيبه كيميائياً بعد أن تقوم بتسجيله في مكتب براءات الاختراع، وكانت شركات الدواء الوطنية تتحايل على هذا الوضع، بأن تقوم بإنتاج المركب الدوائي بطريقة تركيب أخرى لتفلت من قيد براءة الاختراع وتقوم ببيعه بأسعار رخيصة، لذا فإن اتفاقية التريبس حظرت ذلك بأن كفلت حماية المنتج الدوائي للشركة المخترعة.
فلا يجوز تصنيعه أو استخدامه أو عرضه للبيع أو بيعه أو استيراده حتى لو تم تركيبه بطريقة أخرى. ويصبح هذا الاختراع الدوائي ملكاً للشركة المخترعة فقط ولا يحق لأحد سواها الاقتراب منه بأية صورة من الصور السابقة طوال فترة الحماية الممنوحة له وقدرها عشرون عاماً( ).
المبحث الثاني حماية المستحضرات الصيدلانية بعد اتفاقية التريبس
تعد اتفاقية التريبس الأولى التي نظمت حماية المعلومات غير المفصح عنها، والتي فرضت التزاماً على الدول إسباغ الحماية على تشريعاتها في النظام التجاري الدولي والتي تخضع للحفظ والرقابة كأسرار من شأنها الكشف عنها أن يحرم أصحابها من المزايا التنافسية في مواجهة الغير دون حق( )، ولم تتفق الدول المتقدمة على صيغ تتولى بها حماية المعلومات غير المفصح عنها في تشريعاتها الداخلية، ففي الولايات المتحدة تحمي هذه المعلومات باعتبارها ملكية قانونية، وفي سويسرا تمنح لها الحماية في قانون العقود، وفي ألمانيا تحظى بالحماية القانونية في إطار ممارسة الأعمال الأخلاقية، أما في البلدان النامية فلم تعرف في غالبيتها مثل هذا النوع من الحماية في قوانين محددة ( ).
وإذا كانت اتفاقية التريبس قد أولت عناية خاصة لحماية المعلومات غير المفصح عنها في أحكام المادة(39) وقررت قواعد لحمايتها، وكذلك فعل المشرع الأردني والمصري والبحريني والسعودي والعُماني واللبناني بالنسبة لحماية هذا النوع من المعلومات، فلا شك أن التعرض لما هية بيانات الاختبار سيكون له عظيم الأثر من الناحية النظرية والسريرية. وقد جاءت المادة(39) من اتفاقية التريبس لتضفي هذه الحماية على المعلومات غير المفصح عنها، وتلتزم كافة الدول الأعضاء باتخاذ كافة التدابير التشريعية اللازمة لتعديل قوانينها القائمة لحماية حقوق الملكية الفكرية المبينة باتفاقية التريبس، بما في ذلك بيانات الاختبار طبقاً لما هو وارد بالمادة(39/3) من الاتفاقية، لذلك قامت العديد من الدول بالفعل بتعديل تشريعاتها الداخلية وإضفاء حماية قانونية صريحة للمعلومات ذات الطابع السري.
كما أن بعض تشريعات الدول النامية لم تضع- قبل اتفاقية التريبس– أي قيود تمنع الاستفادة من المعلومات المتعلقة ببيانات الاختبارات ونتائج التجارب التي تقدم من شركات الأدوية إلى الجهة الحكومية المعنية، للحصول على ترخيص بتسويق الأدوية. وهذا الوضع كان يتفق مع مصلحة شركات الأدوية الوطنية في الدول النامية، لأن نشاطها يعتمد بصفة أساسية على إنتاج الأدوية التي ابتكرتها من قبل شركات الأدوية الكبرى، وطرحتها في الأسوق، مستفيدة في ذلك من بيانات الاختبارات ونتائج التجارب التي سبق إجراءها وتقديمها للوزارة المعنية، دون حاجة لإعادة الاختبارات والتجارب على ذات هذه الأدوية من جديد. وقد أكدت اتفاقية التريبس في المادة 39 في الفقرة الأولى بشكل واضح حماية المعلومات غير المفصح عنها عن طريق قواعد المنافسة غير المشروعة التي تنص عليها المادة 10 مكرر من اتفاقية باريس.
ومن ثم يلزم لحماية المعلومات غير المفصح عنها وفقاً لأحكام المادة 39 (2) من اتفاقية التريبس أن تتوافر شروط معينة في المعلومات حتى يمكن حمايتها قانوناً، هي: السرية، وأن يكون للمعلومات قيمة تجارية نظراً لكونها سرية، وأن يتخذ حائز المعلومات تدابير جدية للمحافظة على سريتها( ) . وفي حقل حماية بيانات الاختبار ذات الكيانات الكيميائية الجديدة، والتي تعتبر من قبيل المعلومات السرية – كتشريع مستقل – يوجد عدد قليل من الدول العربية يتوافر لديها قوانين خاصة تحمي بيانات الاختبار التي تعتبر من قبيل الاسرار التجارية، مثل الأردن التي صدر فيها قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية رقم 15 لسنة 2000( )، وفي البحرين صدر القانون رقم (7) لعام2003 بشأن الأسرار التجارية( )، والتي تناولت حماية بيانات الاختبار بوضوح، ومصر والمغرب ولبنان وقطر( ) والتي سيتم التطرق لهم لاحقاً في هذه الدراسة.
يتضح مما سبق اهتمام الدول بإضفاء حماية قانونية خاصة وصريحة لبيانات الاختبار التي تعد المحل الرئيسي لتطور صناعة الدواء على النحو الذي حددته اتفاقية التريبس “trips” نتيجة الإدراك العام لحقيقة وأهمية وجود قواعد قانونية آمره لحماية هذه البيانات على النحو المتبع بالنسبة لأي عنصر آخر في الملكية الصناعية كبراءات الاختراع والنماذج الصناعية.
ولا بد من الملاحظة أن بيانات الاختبار تبقى متمتعةً بالحماية القانونية كأحد ضروب الملكية الفكرية، طالما بقيت المعلومة محل النظر سرية من قبل مالكها وطالما أنه لم يتم الحصول عليها بطريقة مستقلة، أو قانونية من قبل الآخرين، وتبقى حماية بيانات الاختبار هي محل الحماية القانونية في هذا المجال، إذ يترتب على إذاعة سريتها فقد قيمتها الاقتصادية المنشودة منها. ونظراً لاعتبار بيانات الاختبار من قبيل الأسرار التجارية كما ذكرنا سابقاً، كان حكماً إعتبار حماية المعلومات مكملة لحقوق الملكية الفكرية، ونظراً لكثرت المصانع الدوائية الكبرى التي تفضل الاحتفاظ باكتشافاتها العلمية سراً دون أن تتقدم للحصول على براءة اختراع بشأنها، حتى ولو توافرت فيها كافة الشروط المتطلبة قانونياً للحصول على البراءة، بل وحتى في الحالات التي يلجأ فيها مالك البيانات إلى الحصول على براءة اختراع لحماية ابتكاراته، فقد يحتفظ سراً ببعض المعلومات والخبرات التكنولوجية المرتبطة بها بحيث لا تكفي المعلومات المتضمنة في البراءة لاستغلالها على نحو فعّال، ويحتاج الأمر إلى الاتفاق مع المخترع للحصول على المعرفة الفنية منه بناءً على تعاقد مستقل.
وتصنف بيانات الاختبار بأنها ذات فائدة اقتصادية، إذ قام صاحبها باتخاذ إجراءات مناسبة للمحافظة على سريتها، وعلى الرغم من تعدد الأنظمة القانونية لحمايتها، إلا أن هذه النظم تتفق فيما بينها على توافر شروط معينة حتى يمكن حمايتها قانوناً، وتحرص الشركات الكبرى على إبقاء المعلومات السرية لمصلحتها حال قيامها، فلا يخلوا الأمر من سعيها إلى ضمان احتـكارها التكنولوجي، فالاحتفاظ بهذه البيانات في طي الكتمان تحفظ لمبتكريها مكانة في السباق الرهيب إلى خلق قنوات إنتاجية أكثر تطوراً، إذا لا يفيد الغير منها في بحوثه لجهله بها، ومع سيطرة الشركات ودولية النشاط على المعلومات السرية والابتكارات، أفضى ذلك على السوق الدولية طابعاً مميزاً إذا تعمل في ظله تلك الشركات في إطار من منافسة القلة ( ) .
وتطبيقاً على ذلك، فإن حماية بيانات الاختبار في المستحضرات الصيدلانية، تتوافر بمجرد التوصل إلى خلطة كيميائية أو تركيبة معينة تستخدم في صناعة الأدوية. ومن هنا نجد أن اتفاقية التريبس أوجدت نوعين من الحماية لهما مزايا وعيوب، الأمر الذي يتيح لصاحب البيانات والاختبارات وما توصل إليه من نتائج معملية أحقيته في اختيار الطريقة التي يراها مناسبة في الاحتفاظ بسرية هذه البيانات.
اترك تعليقاً