الإجتهادات الفقهية داعم للإستثمارات
تحتاج الاستثمارات لتنمو وتزدهر إلى توفير بيئة مناسبة لذلك تشتمل على كل مقتضيات النمو, سواء في جوانب التشريعات أو تنظيم الجهات المشرفة ووضوح الإجراءات وتوفير الضمانات وغيرها من مقتضيات, ومما يتعلق بالضمانات: يتطلب الأمر توفير بيئة عدلية ضامنة للحقوق وذات كفاءة عالية في التنفيذ, وفي حال تخلف بعض هذه المتطلبات فستتراجع هذه الاستثمارات بمقدار النقص الحاصل وقد تتعطل تماما لما هو معلوم أن رؤوس الأموال جبانة تحتاج إلى الكثير من القناعة بالجدوى الاقتصادية للدخول في المشاريع وليس لديها استعداد بالمغامرة في مجالات لا تقدم ضمانات كافية لحفظ رأس المال فضلا عن تحقيق نتائج إيجابية وعوائد مجزية.
فيما يتعلق بالعقار فالحديث تكرر كثيرا حول الحاجة إلى تنظيمات أكثر للتشريعات وللجهات المشرفة على تنظيمه, وللأمانة فقد شهدت السنوات الأخيرة تنظيمات داعمة للسوق العقارية, وينتظر الآن صدور منظومة التمويل العقاري بما فيها الرهن والتأجير التمويلي, وأما يتعلق بالجانب القضائي وتوفير الضمانات فمن أهم ما يقال هنا هو ضرورة تطوير أحكام التنفيذ لتواجه التحدي بهذا الخصوص, ومن ذلك: اعتبار العقود بعد توثيقها سندا تنفيذيا كالصك ويتم التنفيذ بموجبه ولا حاجة للترافع مجددا أمام المحاكم لإثبات الحق, كما أننا بحاجة إلى اجتهادات فقهية قضائية تسعى إلى إيجاد الحلول لاحتياجات الناس في إطار المقاصد العامة والقواعد الكلية للشريعة الإسلامية, وبرأيي فإنه يجوز للقضاء ما لا يجوز للفتوى – والحديث عن ذلك طويل وقد أفصله لاحقا-, فالقضاء فتوى وزيادة حيث يشتمل على إلزام بالفتوى لفصل الخصومة, وهذا القدر الزائد في مفهوم القضاء, وهو الإلزام للفصل بين الناس يقتضي مراعاة ما يحقق المصلحة وما يرفع الضرر ويوجد التوازن العدلي بين الطرفين, وهو ما يفسر ما قرره بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية واستند إليه الشيخ محمد ابن إبراهيم – رحمهما الله – من جواز الأخذ بالقول المرجوح وترك القول الراجح عند الحاجة, كما أن المالكية يقررون ذلك في القضاء ويصححون المعاملات استنادا إلى وقوعها.
في مدونة الأحكام القضائية الصادرة أخيرا عن وزارة العدل السعودية حكم صادر من المحكمة العامة بالرياض برقم 185/20 وتاريخ 14/4/1427هـ, يتضمن دعوى المؤجر إلزام المستأجر بإخلاء العين بعد انتهاء المدة, وقد دفع المدعى عليه بدفوع غير مقنعة مثل أن هذا هو مصدر رزقه أو أنه لم يصدر منه مشاكل ونحو ذلك مما يخرج عن الدفع الصحيح, وأحسن القضاء حيث تصدى للموضوع وحكم بإلزام المستأجر بإخلاء العين, وسبب ذلك بما قرره العلماء من أن عقد الإجارة عقد لازم وأنه ينفسخ بانتهاء المدة, ولقوله تعالى: “يأيها الذين آمنو أوفوا بالعقود”, ولقوله صلى الله عليه وسلم: “المسلمون على شروطهم”, ومع أن هذا الحكم صدر لصالح صاحب الحق إلا أنه استغرق وقتا لم يكن ليستغرقه لو كان العقد موثقا من الجهة المختصة, وجرى تنفيذه من قبل قاضي التنفيذ مباشرة, وقد يكون في التنظيمات القضائية معالجة لبعض هذه العوائق, وكل ما هو آت قريب.. إلا في الاستثمارات.
اترك تعليقاً