الصحافة والقضاء
بداية لا بد من التأكيد على الدور الريادي الذي يقوم به الإعلام, ورسالته السامية في نقل الخبر كما هو والسعي إلى رفع الوعي لدى الجميع فيما من شأنه تكريس القيم العالية في النفوس, مستخدما لذلك الوسائل المتاحة والمشروعة عن طريق الكلمة والصورة, إلا أن الصياغات أحيانا لا تخلو من مشاغبة مقصودة لتحقيق مبدأ الإثارة وهو مقصد رئيس في هذه الصياغات للفت النظر حول موضوع ما, ولهذا يقال إن الخبر الصحافي هو: “إن إنسانا عض كلبا”, لا: “إن كلبا عض إنسانا”, وأكثر ما تُؤتى الصحافة من هذه الزاوية, فما هو الهامش المسموح به من الإثارة من غير تدخل في خصوصيات الناس أو مساس بالقيم الثابتة للمجتمع أو التعرض إلى اختصاصات جهات أخرى والتأثير السلبي عليها أو نشر ما يؤثر على الجوانب الأمنية في البلد ونحو ذلك.
من المبادئ المقررة في كل دول العالم وهو منصوص النظام الأساسي للحكم ونظام القضاء في السعودية: إن القضاء مستقل وإنه لا سلطان على القضاة إلا سلطان الشريعة والأنظمة المرعية, وهذه الاستقلالية تمنع أي تدخل في القضاء من أي شخص أو أي جهة وتمتد لتشمل أيضا وسائل الإعلام بأنواعها, فيجب ألا تتعرض إلى القضايا المنظورة في القضاء – في المحاكم وغيرها من الجهات – والتي لم تكتسب القطعية بعد, وتعليل ذلك: ضرورة إبعاد القاضي – ناظر القضية – عن أي مؤثر خارجي يحمله على مراعاة طرف على حساب الآخر, أو إرضاء الإعلام ومن ثم الناس في مثل القضايا الجنائية المثارة في الصحف على حساب تحقيق العدالة وفقا لما يثبت لديه لا وفقا لما يسمعه في الإعلام, كما أنه في حال سُمح للإعلام بتناول هذه القضايا غير المنتهية فسيكون هناك سباق لأطراف الدعوى في الوصول إلى محرري الصحف لنشر قضاياهم, ولن يكون ذلك بالمجان بالطبع ولا سيما إذا كان في النشر شيء من التشفي أو تغيير مسار القضية لصالحه, وفيه من الفساد ما لا يخفى.
لكن هل يعني ذلك منع الإعلام بأنواعه من التعرض للقضاء والقضايا المنظورة فيه, بالطبع: لا ولم أقل بذلك, ما أقوله تحديدا هو: منع الإعلام من التعرض للقضايا المنظورة أمام القضاء, أما بعد انتهاء القضية فلا بأس – في رأيي – من الإشارة إلى الموضوع بالتحليل وإبداء وجهات النظر من قبل المختصين, ومن غير تشهير بأطراف الدعاوى أو إسفاف في تناول الموضوع, مع التفهم أن الأمر يقع على مسؤولية الصحافي في حال كان هناك مطالبة تعويضية من المتضرر أو مؤاخذة مهنية, أو حتى الملاحقة الجنائية في حال كان هناك ما يوجب ذلك, وأرى أن يكون ذلك من قبل المختصين لا من غيرهم لأن غير المختص لا يحق له دراسة الأحكام أو التعليق عليها وأذكر أنني قرأت في إحدى الصحف تعليقا من المحرر على قضية زوجية أنه يحق للزوجة طلب تمييز الحكم أمام ديوان المظالم!!, وليس هذا دعوة للتعليق على الأحكام ودراستها من كل أحد لأنه ليس أمرا يعالج في الصحف بل يعالج في دراسات متخصصة, وأبحاث جادة تنتهي إلى نتائج يمكن تفعيلها, والله من وراء القصد.
اترك تعليقاً