المعيار المادي لتحديد طبيعة صفقة المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري
المعيار المادي لتحديد طبيعة صفقة المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري.
تحت تأثير النظام القانوني المتعلق بالصفقات العمومية السائد في فرنسا، الذي تخضع لأحكامه ما يمكن تعريفه عندنا بالأشخاص المعنوية الإقليمية، عندما تقوم بإبرام صفقات ترمي من ورائها إلى القيام بأشغال أو اقتناء توريدات أو الحصول على خدمات [1].
يرى جانب من الفقهاء الجزائريون أن كل صفقة عمومية هي عقد إداري لاحتوائها على بنود غير مألوفة في القانون العام [2]، ولذا جاء في رد الأستاذ سعيد بوالشعير على الذين شككوا في الطبيعة الإدارية لصفقات المتعامل العمومي الذي أخضع لأحكامه أشخاصا من القانون الخاص أن “هذه الإفتراضات لا أساس لها طالما أن النظام الجديد أبقى على تلك الشروط غير المألوفة” [3]، ثم يضيف” مما يؤكد الإبقاء على الطبيعة الإدارية للعقد ” [4].
ويرى الأستاذ محمد الصغير بعلي أنه يمكن تعريف العقد الإداري ( الصفقة العامة ) بأنه: ” العقد الذي يبرمه شخص معنوي عام، بقصد تسيير مرفق عام، وفقا لأساليب القانون العام بتضمينه شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص” [5]، وفي ذلك تأثر بما ذهب إليه غاستون جيز، الذي عرف العقد الإداري باستعمال نفس المعيار [6]، على الرغم من أنه يجمع المعياران المادي والعضوي في نفس الوقت.
هذا الرأي اتخذه الأستاذان ليلى زروقي وحمدي باشا عمر[7]، اللذان يريان بدورهما: ” أنه بموجب التعديل الأخير لقانون الصفقات العمومية، فإن الصفقات التي تبرمها المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري لإنجاز سكنات تمول من طرف الخزينة العامة تخضع لقانون الصفقات العمومية والتي تسري عليها أحكام المادتين 55 و56 من القانون 88-01 المؤرخ في 12 جانفي 1988 المتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات الإقتصادية العمومية لتحديد القانون المطبق والقاضي المختص ( القانون الإداري والقاضي الإداري) ” [8].
ويتخذ القاضي نصر الشريف عبد الحميد نفس الموقف كونه يرى أن: “العقد الإداري، عقد يكون أحد طرفيه إدارة عامة، وموضوعه متعلق بمرفق عام، يتضمن شروطا استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص تعبر عن امتيازات السلطة العامة التي تستهدف بها الإدارة تحقيق المصلحة العامة”[9]، على الرغم من الملاحظات التي يمكن إبداؤها حول هذا الرأي الذي جمع عددا هاما من المعايير، يعتبر كل واحد منها تعبير عن مدرسة فقهية مستقلة، إلا أنه أشار إلى البند غير المألوف في القانون الخاص.
فحسبهم، كلما تعلق الأمر بعقد يكون موضوعه تسيير مرفق عام، ويحتوي على بنود غير مألوفة في القانون الخاص، فإنه عقد إداري، يكون الإختصاص في الفصل في المنازعات التي قد تثور بشأنه من اختصاص القاضي الإداري.
هذا وقد ساير القضاء فترة طويلة من الزمن هذا الرأي، فأصدر مجموعة هامة من الأحكام والقرارات نذكر منها أول قرار لمحكمة التنازع الذي جاء فيه: ” حيث أنه من الثابت أن النزاع القائم بين الطرفين يرجع الفصل فيه للإختصاص المانع للجهة القضائية الإدارية على أساس:
1- أن أحد الطرفين المتخاصمين هو بلدية رايس حميدو تطبيقا لمقتضيات المادة 07 من ق إ م.
2- وأن موضوع النزاع وبالإضافة إلى ما ذكر أعلاه يخص تنفيذ صفقة عمومية وفقا لمقتضيات المرسوم رقم 91/434 المؤرخ في 09 نوفمبر 1991 ” [10].
إن هذا الموقف الذي عبرت فيه محكمة التنازع في أول قرار لها جدير بالمناقشة، ذلك أنه يؤسس لمعيار جديد في تحديد الإختصاص القضائي لم يعرفه القانون الجزائري من قبل، على اعتبار أن القاضي الإداري يصبح مختصا لوحده كلما تعلق الأمر بالنظر في منازعة تتعلق بتنفيذ صفقة عمومية وبغض النظر عن أطرافها.
وكرس مجلس الدولة نفس الإتجاه في تاريخ سابق، في قرار جاء فيه: “حيث أن المسألة تتعلق بنزاع حول صفقة عمومية، وبهذا فإنه وطبقا للمرسوم 82-145 المؤرخ في 10/04/1982 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية المعدل والمتمم بموجب المرسوم 84-51 المؤرخ في 25/02/1984 فإن القضاء الإداري هو وحده المختص” [11].
الملاحظ أن مجلس الدولة بقي على نفس موقفه السابق بمناسبة نظره في القضية المستأنفة أمامه، بين ديوان الترقية والتسيير العقاري بوهران ضد مؤسسة الأشغال لعين تيموشنت التي صدر بشأنها القرار الذي جاء في الصفحة 4 منه: ” ولكن حيث بعد الإطلاع على الملف وعلى رد المستأنف عليه يتضح أن الصفقة محل النزاع…..وعليه فإن القانون المرجعي هو قانون الصفقات العمومية وبالتالي ذلك يفتح الإختصاص للقضاء الإداري” [12].
وخلافا لما ذكر فقد تمسكت الغرفة التجارية والبحرية للمحكمة العليا، بحرفية المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية لنقض القرار الصادر عن مجلس قضاء قالمة في 06 ديسمبر 1997، المتعلق بصفقة عمومية [13].
فحسب كل الآراء المقدمة أعلاه تعتبر الصفقة العمومية عقدا إداريا بغض النظر عن الأطراف المتعاقدة، وكل نزاع يتعلق بتنفيذها من اختصاص القاضي الإداري، وهذا الرأي يتناقض وصراحة المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية، وما ذهب إليه جانب آخر من الفقه والقضاء الجزائري الذي يبدو أنه يتراجع عن مواقفه المكرسة أعلاه.
[1] L’article 1° du code des marchés publics français stipule que: ” Les marchés publics sont des contrats conclus à titre onéreux avec des personnes publiques ou privées par les personnes morales de droit public mentionnées à l’article 2 pour répondre à leurs besoins en matière de travaux, de fournitures ou de services”.
Voir M.ALFONSI Jean, Op cit, P52.
[2] د/ عمار عوابدي، القانون الإداري، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، ص 544.
[3] د/ سعيد بو الشعير، المرجع السابق ص 422.
[4] د/ سعيد بو الشعير، المرجع السابق ص 423.
[5] د/ محمد الصغير بعلي، المرجع السابق، ص117.
[6] راجع في ذلك:
Extrait de,G Jèze, les P G droit administratif, 1926, 3° édition, P 304 et suivant.
Remis par Dr Bennadji Chérif au étudiant du magistère, section l’Etat et institutions administratifs.
[7] أ/ ليلى زروقي وحمدي باشا عمر، المنازعات العقارية، دار هومة للطباعة والنشر، الجزائر، 2003، ص 32.
[8] يمكن تفسير الإشارة الواردة في التعريف بأن موضوع هذه الصفقات العمومية هو إنجاز سكنات، بكون موضوع المرجع الذي جاء فيه يتعلق بالمنازعات العقارية لا غير.
[9] القاضي نصر الشريف عبد الحميد، العقود الإدارية في التشريع الجزائري، مذكرة التخرج لنيل إجازة المعهد الوطني للقضاء، الدفعة، الثانية عشر، 2001-2004، ص 11.
[10] محكمة التنازع، قرار رقم 01 مؤرخ في 08ماي 200، مجلة مجلس الدولة، عدد 01 سنة 2002، ص 156.
[11] قرار صادر عن الغرفة الثانية لمجلس الدولة بتاريخ 23 نوفمبر 1998، تحت رقم 122.893، غير منشور.
أورده القاضي حمدي باشا عمر، مبادئ الإجتهاد القضائي في مادة الإجراءات المدنية، دار هومة، الجزائر، 2002، ص 22.
[12] قضية ديوان الترقية والتسيير العقاري بوهران ضد مؤسسة الأشغال لعين تيموشنت، قرار في 14 ماي 2001، قضية رقم 000332، غير منشور، موزع من طرف الأستاذ بن ناجي شريف بمناسبة امتحان مادة الصفقات العمومية على طلبة الدفعة 14، المدرسة العليا للقضاء جويلية 2005.
[13] قرار المحكمة العليا الصادر في 12 أكتوبر1999، ملف رقم 200.572، قضية مديرية الحماية المدنية ضد صمودي السعيد، المجلة القضائية لسنة 2001، عدد 1، ص205.
الذي نقض القرار الصادر عن الغرفة التجارية بمجلس قضاء قالمة تحت رقم فهرس 83/97، في 06 ديسمبر 1997.
اترك تعليقاً