الأسس النظرية لمبدأ الفصل بين السلطات
ترجع الجذور التاريخية الأولى لمبدأ الفصل بين السلطات إلى عهد الفيلسوف اليوناني “أفلاطون” ومن بعده تلميذه “أرسطو”، أما المفهوم المعاصر للمبدأ فيرجع إلى القرن 18م وتحديدا إلى الفيلسوف “جون لوك”، غير أنه غالبا ما ينسب إلى الفقيه الفرنسي”مونتسكيو” الذي يعود إليه الفضل في إبرازه وتطويره ووضع الأسس والمبادئ التي يقوم عليها .
المطلب الأول : الفصل بين السلطات لدى أفلاطون (427-347ق.م)
يرى أفلاطون في كتابه “القوانين” بأنه يجب توزيع وظائف الدولة بين هيئات مختلفة بالتوازن والتعادل حتى لا تنفرد كل هيئة بالحكم وتمس سلطة الشعب مما يؤدي إلى وقوع انقلاب أو ثورة، ولتجنب ذلك يجب فصل وظائف وهيئات الدولة، ولكي تحقق النفع العام عليها أن تتعاون بينها وتراقب بعضها منعا للانحراف[1]. وتتمثل هذه الهيئات في :
– مجلس السيادة المكون من 10 أعضاء يهيمنون على دفة الحكم وفقا للدستور.
– جمعية الحكماء مهمتها الإشراف على التطبيق السليم للدستور.
– مجلس شيوخ منتخب من الشعب مهمته التشريع.
– هيئة قضائية لحل المنازعات بين الأفراد.
– هيئة الشرطة للمحافظة على الأمن داخل الدولة.
– هيئة للجيش مهمتها الحفاظ على سلامة البلاد من أي اعتداءات خارجية.
– هيئات تنفيذية وتعليمية لإدارة مرافق الدولة[2].
المطلب الثاني : الفصل بين السلطات لدى أرسطو (384-322ق.م)
يرى أرسطو في كتابه “السياسة” بأن وظائف الدولة تنقسم إلى ثلاث:
– وظيفة المداولة وتسند إلى الجمعية العامة وتهتم بمسائل السلم والحرب والمعاهدات وسن القوانين والمسائل المتعلقة بالمالية والعقوبات .
– وظيفة العدالة تسند إلى المحاكم،ومهمتها الفص في الخصومات والجرائم .
– وأخيرا وظيفة الأمر والتي أسندها إلى مجلس قال بأنه يقضي في المسائل الهامة[3].
كما يرى بأنه من الأحسن للنظام السياسي توزيع السلطة فيما بين هيئات مختلفة تتعاون مع بعضها تجنبا للاستبداد.
المطلب الثالث : المبدأ عند جون لوك (1632-1704م)
عند قيام ثورة 1688 وبعد نفيه من طرف جاك الثاني كتب جون لوك كتابه حول الحكومة المدنية، بهدف إضفاء الشرعية على الثورة، فأصبح بذلك المنظر الأول المعاصر للفصل بين السلطات.
لقد قسم جون لوك السلطات في الدولة إلى أربع هي :
– السلطة التشريعية ، وتختص بسن وإقرار التشريعات ، حيث منحها الأولوية والهيمنة على غيرها.
– السلطة التنفيذية وتخضع للأولى، وظيفتها تنفيذ القوانين والسهر على تحقيق الأمن والاستقرار.
– السلطة الاتحادية ،وهي صاحبة الاختصاص في المسائل الخارجية كإعلان الحرب والسلم وعقد المعاهدات، وتكون بيد الملك .
– سلطة التاج، ، وتشمل مجموعة الحقوق والامتيازات الملكية التي يحتفظ بها التاج البريطاني حتى الآن[4] .
وقد تكلم لوك في كتابه عن ضرورة الفصل في الدولة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وعدم الجمع بينهما في يد واحدة، وبمفهوم أدق فإن الفصل عند لوك يعني تفادي تركيز السلطتين التشريعية والتنفيذية بين يدي الحاكم والذي يمثل عند لوك السلطة التنفيذية ,ذلك لأن هذا الأخير (الحاكم) وبحكم طبيعته البشرية فإنه لن يصمد أمام الإغراء الناجم عن تجميع سلطتي التشريع والتنفيذ في يده مما قد يدفعه إلى الاستبداد ، لأن الأصل في السلطة السياسية أن من يقوم عليها يميل إلى الاستبداد بها وفقا للمقولة الشهيرة لعلماء السياسة والتي مفادها :” إن السلطة مفسدة ، وإن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة للقائم عليها” لذلك يرى “لوك”بوجوب توزيع السلطة بين سلطات مختلفة حتى تراقب كل هيئة غيرها وتوقفها عند حدود صلاحياتها واختصاصاتها.
ولقد ذهب لوك بعيدا حينما قرر حق الثورة للشعب على الحكم الاستبدادي الذي قد يجمع في يده عدة سلطات ،
المطلب الرابع: المبدأ عند مونتسكيو
لقد ارتبط مبدأ الفصل بين السلطات باسم الفيلسوف الفرنسي Montesquieu ( 1689-1755 ) الذي شرحه وأبرز خصائصه في مؤلفه الشهير “روح القوانين” سنة 1748 .حيث يعود له الفضل في نقل المبدأ من مجرد تقسيم وظيفي إلى فصل بين السلطات أو الهيئات التي تتولى تلك الوظائف. والمبدأ حسب هذا الفيلسوف يعني عدم جمع سلطات الدولة في يد فرد واحد أو هيئة واحدة ، وفي ذلك يقول 🙁 إنها تجربة خالدة أن كل إنسان يتولى السلطة ينزع إلى إساءة استعمالها حتى يجد حدا يقف عنده. إن الفضيلة ذاتها تحتاج إلى حدود ، ولكي لا يٌساء استعمال السلطة يجب أن توقف السلطة سلطة أخرى) .
ومبدأ الفصل بين السلطات حسب “مونتسكيو” هو قبل كل شيء تقنية دستورية غايتها منع الاستبداد ، وصيانة الحرية ، فإذا جمع شخص واحد أو هيئة واحدة السلطتين التشريعية والتنفيذية انعدمت الحرية، وكذلك الشأن إذا اجتمعت السلطات الثلاث في يد واحدة ولو كانت يد الشعب ذاته ،لذلك يجب أن تتوقف كل سلطة عند حدها بواسطة غيرها ،بحيث لا تستطيع أي سلطة أن تسيء استعمال سلطتها أو تستبد بها.
فالحرية إذا مرتبطة ارتباطا وثيقا بتقسيم السلطة ، ولا وجود لهذه الحرية عند دمج السلطات لحساب إحداها أو لحساب شخص أو جماعة.كما أن تنظيم هذه السلطات وتقسيمها ينبغي أن يكون بطريقة لا تسمح لأي منها أن تتحرك لوحدها ، بمعنى أن ترتبط هذه السلطات ببعضها وان يكون بينها قدر من التعاون والتأثير المتبادل .لأجل ذلك يرى مونتسكيو ضرورة أن يوجد في كل دولة ثلاث أنواع من السلطات :
– السلطة التشريعية ، والتي تتولى صياغة القوانين لمدة محددة ، او بصفة دائمة ، وتعدل وتلغي القوانين النافذة .
– السلطة التنفيذية ، التي تقر السلام أو تعلن الحرب ، وترسل وتستقبل السفراء وتوطد الأمن .
– السلطة القضائية ، والتي تعاقب على ارتكاب الجرائم وتفصل في منازعات الأفراد .
[1] – سعيد بوشعير : لقانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة،الجزء 2, ط5،د.م.ج,الجزائر 2003, ص164.
[2] -نفس المرجع،ص33.
[3] – عبد الغني بسيوني عبد الله : النظم السياسية والقانون الدستوري، الدار الجامعية للطباعة والنشر،بيروت،1993،ص246.
[4] – سعيد بوشعير:المرجع السابق،ص34.
اترك تعليقاً