بحث هام حول الاهمية القانونية للاعتراف الجزائي في تكوين قناعة القاضي

بحث هام حول الاهمية القانونية للاعتراف الجزائي في تكوين قناعة القاضي

حجية الاعتراف الجزائي في تكوين قناعة القاضي

أ/ أحمد أبو زنط

المقدمة

إن اعتراف المتهم يعتبر أهم أدلة الإثبات منذ القدم فله أهمية كبيرة ومكانة خاصة حيث يعتبر سيد الأدلة وملكها ولا خلاف في أن اعتراف المتهم بجرمه في أي منعطف أو مدار من منعطفات أو مدارات مراحل الحدث الإجرامي وهي إجراءات جمع الاستدلالات أو التحقيق سواء بمعناه الضيق أو الواسع أو المحاكمة ولكونه سيد الأدلة والدليل الأمثل الذي له أثره في إنزال العقوبة بالمتهم فإنه رغم ذلك قد يثير مثل هذا الاعتراف عدة أمور توهن من قوته خاصة حال العدول عنه أو ثبوت صدوره إثر تهديد أو وعد أو وعيد أو حفظ أو تعذيب حيث يفقد حينئذ أهميته التدليلية ابتداءاً بل وقوته الاقناعية انتهاء ولما كان الاعتراف ذو صلة وثيقة بحرية الفرد باعتباره مواطناً في المجتمع وأن الأصل في الإنسان البراءة لاسيما في المواد الجزائية حتى تثبت إدانته ولذا فقد قيدته التشريعات الجزائية وأحاطته بسياج من الشروط لكفالة سلامته.
ولما كان البحث عن أدلة الحدث الإجرامي في كواليس المجهول قد يؤدي إلى المساس بالحريات الفردية للمتهم إذا ما قد يكتنفها من صعوبات وغموض وما قد يستتبع أقدام المتهم طائعاً مختاراً أو مضطراً إلى الاعتراف على نفسه بارتكاب الجريمة وحينئذ وأثناء هذا الاعتراف تبرز أهمية الاعتراف كدليل يسقط عن المتهم قرينة البراءة الأصلية الأمر الذي يستلزم دائماً وإبداء إحاطة الاعتراف بضمانات تضمن سلامته قانوناً وتكفل صدقه واقعاً وعملاً.
ولاشك أن المجتمعات التي تسعى إلى كفالة حقوق الإنسان والحريات الفردية حيث تعدها من الأمور الأساسية لتعاظم المجتمع وتقدمه وازدهاره تدرج الاعتراف في أطار تلك الحقوق وفي مقدمة تلك الحريات أي أن الاعتراف لدى تلك المجتمعات يحظى بالعديد من الضمانات حيث يمتنع وبالتالي لا يتصور إتيان ضغط أو عنف أو تهديد أو وعيد أو إكراه أو حيلة من أجل محاولة الأستحصال على ثمة اعتراف قد يكون مكذوباً من هول تأثير العمل الغير مشروع.
لكل ذلك ولكون حجية الاعتراف كدليل إدانة له من الرقة والحساسية والخطورة والآثار والنتائج ما من شأنه أن يوجد نوعاً من التناقض بل والتنافر وعدم التلازم بين سعى المتهم نحو الإفلات من العقاب وبين تطويق ذاته وإحاطتها بدليل إدانة مما يثير العديد من الجدل في أروقة المحاكم الجزائية على اختلاف درجاتها عند إنزال العقاب بالمعترف.
لهذا رأيت ضرورة التعرض لمدى حجية الاعتراف الجزائي في تكوين قناعة القاضي.
ولقد دفعني لاختيار هذا الموضوع أسباب عدة أهمها
1) أهمية الاعتراف كدليل إثبات من الناحية العملية.
2) انتشار عادة اللجوء إلى الوسائل والإجراءات الغير قانونية لانتزاع الاعتراف من المتهم.
3) التبيين بأن ليس كل اعتراف يصدر من المتهم يصلح كدليل إثبات لإدانة المتهم بالتهمة المسندة إليه، بمعنى أن الاعتراف ليس دليلاً مقدساً مقدماً للقاضي على مائدة الإثبات الجزائي.

خطة البحث:
يشتمل موضوع هذا البحث “حجية الاعتراف الجزائي في تكوين قناعة القاضي” على ثلاثة فصول واجتهدت عند كتابة هذا البحث في الإحاطة بالاتجاهات المختلفة للقانون المقارن في كل من الشريعة الإسلامية والقوانين الأخرى بالدول العربية والأجنبية وأسأل الله أن أكون قد وفقت في البحث ولا أدعى الكمال وإنما على الله توكلت إنه نعم المولى ونعم النصير .
الفصل الأول : ماهية الاعتراف. ويحتوي على خمس مباحث الأول يتكلم عن تعريف الاعتراف لغةً وإصطلاحاً والثاني عن أشكال الاعتراف ونوعه وعناصره ،والثالث يتكلم عن نظره تاريخية للاعتراف، الرابع عبارة عن دراسة مقارنة للاعتراف بين القوانين الأخرى والخامس عن الفرق بين الاعتراف والإقرار المدني.
الفصل الثاني: يحتوي على مبحثين ، الأول شروط صحة الاعتراف وهي أربعة وسف نعرضها بالتفصيل ، والثاني الاعتراف الباطل وأثره .
الفصل الثالث : حجية الاعتراف وآثاره في الإثبات : ويحتوي على أربع مباحث الأول يتكلم عن خضوع الاعتراف لمبدأ الاقتناع القضائي ، والثاني عن حجية الاعتراف حيث جهة صدوره وهي ثلاثة ،الثالث يتكلم عن آثار الاعتراف ، والرابع عن العدول عن الاعتراف .
وسوف أختم هذا البحث بخاتمة فيها الخلاصة والتوصيات التي أوصي بها.

وأسأل الله التوفيق،،،،

الفصل الأول
ماهية الاعتراف

المبحث الأول
الاعتراف لغةً وإصطلاحاً

الاعتراف لغة:
مرادف للإقرار . يقال اعترف بالشيء إذا أقر به على نفسه وهو كذلك عند الفقهاء . ( )

الاعتراف اصطلاحاً:
لم يستقر الفقه على رأي واحد في تحديد معنى الاعتراف في المفهوم الاصطلاحي فقد عرفه البعض بأنه “إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها. ( ) والبعض الآخر عرفه بأنه إقرار المتهم بكل أو بعض الوقائع المنسوبة إليه وبعبارة أخرى هو شهادة المرء على نفسه بما يضرها( ) وعرفه آخرون بأنه إقرار المتهم على نفسه بصدور الواقعة الإجرامية عنه( ) وغيرهم يرى بأن المراد بالاعتراف هو تسليم المتهم بالتهمة المسندة إليه تسليماً صريحاً غير مقيد( ). ويقصد بالاعتراف إقرار المتهم على نفسه وليس على غيره.( ) وفي الأصول العامة هو إقرار المرء على نفسه فيما نسب إليه وقد عرف بسيد الأدلة في المواد الجزائية.
ولا يؤثر في الاعتراف أن يرد مجملاً إذا لا يشترط أن يكون مفصلاً شاملاً كافة ظروف الجريمة ودوافعها والعوامل التي أثرت في تكوينها فإذا جاء الاعتراف مجملاً فإنه يكون صحيحاً طالماً كان دالاً على ارتكاب الجريمة.
وهناك من وضع تعريفاً يشمل شروط صحة الاعتراف قائلاً بأن الاعتراف القانوني يعني الإقرار على النفس بحرية وإدراك بارتكاب الأفعال المكونة للجريمة أو بعضها دون تأثير وإكراه وإن أقرار المدعى بارتكابه وقائع الجريمة كلها أو بعضها وأنه هو الذي قام بهذا الفعل بنفسه بألفاظ جريئة واضحة وهذا ما أقره الفقه والقضاء.( ) ويتضح بذلك أن الاعتراف في جوهره تقرير أو إعلان وأن موضوعه هو الواقعة سبب الدعوى ونسبة هذه الواقعة إلى المتهم وأنه يتعين أن يكون من صدر الإقرار عنه هو نفسه من تنسب إليه الواقعة بما يترتب عليه من قيام المسئولية الجنائية عنها ويعني ذلك أن المتهم هو المقر وهو نفسه الذي تنسب إليه الواقعة موضوع الإقرار.( )
وإنني أؤيد الدكتور محمود نجيب حسني في تعريفه للاعتراف بأنه إقرار المتهم على نفسه بصدور الواقعة الإجرامية عنه.

المبحث الثاني : أشكال الاعتراف و أنواعه وعناصره

1 . أشكال الاعتراف:
اعتراف المتهم أما أن يكون شفهياً وإما أن يكون مكتوباً وأي منهما كاف في الإثبات. والاعتراف الشفوي يمكن أن يثبت بواسطة كاتب التحقيق أو كاتب الجلسة ولا يلزم أن يكون الاعتراف المثبت بمحضر التحقيق موقعاً عليه من المتهم طالما أن المحضر قد وقع عليه المحقق أو الكاتب. ( )
ولكن الاعتراف الشفهي يعتبر أقل قيمة من الاعتراف المكتوب فكثير من المعترفين ينكرون اعترافاتهم الشفهية ويدعون أنهم أجبروا عليها باستعمال العنف معهم أو التهديدات والوعود. والاعتراف المكتوب لا يتطلب أن يكون له شكل
معين فقد يكون مكتوباً على الآلة الكاتبة أو باليد أو في صورة حديث مسترسل أو في شكل أسئلة وأجوبة.
وقد نصت بعض التشريعات على أنه يجب لكي يقبل الاعتراف في الإثبات أن يكون مكتوباً وموقعاً عليه من المتهم. ( ) وعلى أية حال فإن الاعتراف سواء كان شفوياً أو مكتوباً فأمره متروك لتقدير القاضي وإقناعه به.

2. أنواع الاعتراف:
يمكن تقسيم الاعتراف إلى عدة أنواع ترجع إلى فكرة معنية.

أولاً: من حيث السلطة التي يصدر أمامها الاعتراف ينقسم الاعتراف إلى

1- اعتراف قضائي (Aveu Guidiciaire)
وهو الاعتراف الذي يصدر أمام المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية بالفعل ويجيز هذا الاعتراف للمحكمة الاكتفاء به والحكم على المتهم بغير سماع الشهود فيبدأ التحقيق في الجلسة بالمناداة على الخصوم والشهود ويسأل المتهم عن اسمه ولقبه وسنة وبعد ذلك يسأل المتهم عما إذا كان معترفاً بارتكاب الفعل المسند إليه فإن اعترف جاز للمحكمة الاكتفاء باعترافه والحكم بغير سماع الشهود وإلا فتسمع شهادة شهود الإثبات.

2- اعتراف غير قضائي : (Aveu Extraguidicaire)
وهو الاعتراف الذي يصدر خارج المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية فإذا صدر الاعتراف الجزائي أمام محكمة مدنية بصدد دعوى مدنية منظورة أمامها فإنه يعتبر اعترافا غير قضائي واعتراف المتهم في تحقيق النيابة ( ) أو أمام أحدى جهات التحقيق أو قضاء الإحالة أو في محضر جمع الاستدلالات( )¬ يعتبر اعترافاً غير قضائي.
كما يعتبر اعترافاً غير قضائي الاعتراف الذي يرد ذكره في التحقيقات نقلاً عن أقوال منسوبة على المتهم خارج مجلس القضاء. ( )
كمن يعترف في تحقيق أداري ( ) أو كمن يعترف بارتكاب الجريمة أمام أحد الأشخاص ويشهد ذلك الشخص بالتحقيق بالاعتراف الذي سمعه على أنه طبقاً لمبدأ حرية القاضي في تكوين اعتقاده فإن القاضي الجزائي حر في تقدير قيمة الاعتراف قضائياً كان أو غير قضائي وليس هناك ما يمنع من أن يكون الاعتراف الغير قضائي سبباً في الإدانة لأنه لا يخرج عن كون دليلاً في الدعوى يخضع لتقدير القاضي كباقي الأدلة وكل ما في الأمر أن الاعتراف الغير قضائي لا يصلح أن يكون سبباً في اكتفاء المحكمة به والحكم على المتهم بغير سماع شهود.( )

ثانياً: من حيث الحجية ينقسم الاعتراف إلى نوعين:
1) الاعتراف كدليل أثبات: ويستوي فيه أن يكون اعترافاً قضاياً أو غير قضائي وينقسم هذا الاعتراف بدوره إلى نوعين.
أ‌) الاعتراف كدليل إقناع شخصي: وهو الذي لا يحتمه القانون كدليل للإدانة بل أنه يستوي مع غيره من أدلة الإثبات في قوته الاقناعية.
ب‌) الاعتراف كدليل قانوني: وهو الذي يستلزمه القانون كمصدر للإدانة هو أو بعض الأدلة القانونية الأخرى.
2) الاعتراف كسبب للإعفاء من العقاب: رأى المشرع في بعض الجرائم الخاصة التي ترتكب في الظلام أو يصعب إثبات التهمة فيها بالنظر إلى ما يحيطها من دقة في تنفيذ أن يشجع الجناة على كشفها وإرشاد السلطات إلى حقيقة المساهمة فيها فنص على إعفاء الجناة من العقاب إذا اعترفوا بشروط معينة.( )

3. عناصر الاعتراف:
يقوم الاعتراف على ركنين هما:
أ) إقرار المتهم على نفسه ب) أن يرد هذا الإقرار على الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها.

أ) إقرار المتهم على نفسه: يجب أن يكون الاعتراف صادراً من المتهم على نفسه بواقعه تتعلق بشخصه لا شخص غيره فإذا تطرق الاعتراف إلى جرائم صدرت عن الغير ففي هذه الحالة لا يسمى اعترافا بل شهادة على الغير وقد قضت محكمة النقض المصرية.( ) بأن وصف أقوال المتهم في الدعوى على متهم أخر فيها بأنها اعتراف متهم على متهم تعبير خاطئ ولا تعتبر في نظر القانون اعترافاً وإنما تعد من قبيل الاستدلالات التي يجوز أن تعزز بها ما لديها من أدلة.

ب) الإقرار بالوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها:
يجب أن يكون موضوع الاعتراف هو الوقائع المكونة لجريمة كلها أو بعضها فالإقرار ببعض وقائع لا تتعلق بالجريمة لا يعتبر اعترافاً بالمعنى المقصود. على أنه لا يحول دون أن تستند إليه المحكمة لإثبات ظروف الجريمة فمثلاً لو اعترف المتهم للمحكمة بأنه كان على علاقة غير مشروعة بالمجني عليها دون أن يعترف بقتلها ثم استخلصت المحكمة من أدلة أخرى أن هذا المتهم هو الذي ارتكب جريمة القتل فللمحكمة أن تستند إلى إقراره بأنه على علاقة غير مشروعة بالمجني عليها كباعث على قتلها دون أن تعتبر ذلك اعترافاً بالمعنى القانوني.
ولا يعتبر اعترافاً إقرار المتهم بصحة التهمة المسندة إليه ما لم يقر طرحه بارتكاب الأفعال المكونة لها فلا شأن للمتهم بالوصف القانوني للواقعة إذ أنه عملية ذهنية يقوم بها المحقق أو القاضي لتجديد الوصف القانوني الذي تندرج تحت بعض الوقائع ولذلك فإنه يكفي من ناحية أخرى لصدور الاعتراف أن يقر المتهم بارتكاب بعض الوقائع ولو لم يقر بصحة الوصف القانوني الذي ينطبق عليها كما لا يجدي المتهم أن يقر بالواقعة ثم ينكر وصفها القانوني.
ومن ناحية أخرى يشترط في الاعتراف أن ينصب على الوقائع التي أرتكبها المتهم فعلاً فلا يعتبر اعترافاً ما يصدر عن المتهم بشأن ما يعتزم ارتكابه من أفعال في المستقبل حتى ولو وقعت هذه الأفعال بعد ذلك ففي هذه الحالة يلزم للقول بحصول الاعتراف أن يقر المتهم أن تلك الأفعال قد صدرت عنه بالفعل وهذا الإقرار الأخير هو الذي يعتبر اعترافاً.

المبحث الثالث
نظرة تاريخية للاعتراف

في هذا المبحث يتطلب منا بيان نشأة ومكانة وأهمية الاعتراف كدليل أثبات لمعرفة تطوره التاريخي عبر العصور في العصر القديم والعصور الوسطى والاعتراف في الشريعة الإسلامية لما له من أهمية ودور بارز من حماية حقوق الإنسان وذلك حسب التقسيم التالي:

المطلب الأول
الاعتراف عبر العصور

الفرع الأول: الاعتراف في العصر القديم.
من المسلم به أن الاعتراف قديم في حياة الإنسان تولد منذ أن عرف التفاهم بين الناس في حياتهم اليومية واحتكاكهم واختلاطهم من خلال تعايشهم في جماعات. فالاعتراف بشئ لا يكون إلا أمام شخص أو أشخاص آخرين وعليه فإن الاعتراف قديم في البشرية لكن النتائج القانونية المترتبة عليه لم تكون معتبرة على درجة واحدة في كل الأزمنة( ). فكان يعتبر في الماضي سيد الأدلة إذا كانت الجريمة لا تثبت في حق المتهم ألا عن طريقة لذلك كانت الاعتراضات تنتزع من المتهم مكبراً عن طريق تعذيبه فالاعتراف دليل تحيطه الشبهات لأن ماضيه مثقل بالأوزار( ).
ففي العصور القديمة كان الاعتراف أحد الوسائل التي يستعان بها للوصول إلى معرفة الحقيقة( ) حيث لا يوجد دليل أقوى من إقرار الإنسان على نفسه( ).
وفي قوانين العراق القديمة عرف الاعتراف كأحد الأدلة التي يعتمد عليها القضاء لإثبات التهمة أو نفيها.( ) وكان قدماء المصريين فيما إذا استمر إنكار المتهم للجريمة يعذب بطرق مختلفة ليعترف بالجريمة. ( ) فإذا اعترف المتهم بالتهمة يتم التحقق من صحة الوقائع التي وردت بالاعتراف أما في حالة الإنكار فتبدأ إجراءات البحث عن الإثبات بواسطة الأدلة الجنائية وكانت هذه الأدلة تجمع بعدة وسائل منها تحليف اليمين للوصول على الاعتراف فكان يخضع كل المتهمين والشهود بحلف اليمين وكان يستخدم التعذيب لمعرفة الحقيقة وأي اعتراف يظهر من الجاني أثناء تعذيبه يقوم بتدوينه الكاتب حتى يغيب الجاني عن وعيه تماماً من جراء التعذيب ومع هذا فإن أي اعتراف يصدر من الجاني كان يجب التحقق من صحته وإذا اتضح للقضاء براءة المتهم كان يجب أن يطلق سراحه. ( )
على أن الاعتراف لدى قدماء المصريين لم يكن ليوجب القضاء على المتهم وإنما كان يخضع لتقدير المحكمة الجنائية في الأخذ به. ( )
وعند اليونان كان أرسطو نفسه يرى أن التعذيب أحسن الوسائل للحصول على الاعتراف( ) وكثيراً ما كان الأرقاء يعذبون لحملهم على الاعتراف.( )
ولم يكن الاعتراف عن الرومان قوة ملزمة بل كان يترك لتقدير القاضي واقتناعه بأنه يعبر عن الحقيقة. ( )
وفي روما القديمة لم يخضع المواطن الحر للتعذيب على خلاف العبد الذي كان يقع تحت وطأة التعذيب وكانت توفر للمواطن الروماني الحر الحماية الكاملة دون أن يخضع لأي ضغط أو أكراه أثناء استجوابه بل كان له الحق في أن يعترف أو ينكر ولكن سكوته على الإجابة كان يعتبر معادلاً للاعتراف وفي عصر الإمبراطورية الرومانية وظهور جرائم الاعتداء على الذات المقدسة للإمبراطور لحق المواطن الروماني الحر بالعبد وأصبح محلاً للتعذيب عند وقوفه موقف المتهم في تلك الجرائم.( )

الفرع الثاني: الاعتراف في العصور الوسطى.
أما في العصور الوسطى فقد سادت في أوربا نظرية مفادها بأن الله سوف يكشف المجرم عن طريق المحنة.( )
وكان الاعتراف سواء في النظام الأتهامي وهو النظام السائد في انجلترا وأمريكا والبلاد التي أخذت عن القانون الانجليزي أو في نظام التنقيب والتحري وهو النظام الفرنسي أما بالنسبة للنظام الأول فنجد أنه في انجلترا خلال القرون الأربعة عشر الأولى كانت الاعتراضات تنتزع بالتعذيب. ومع ذلك كانت تقبل أمام القضاء كدليل دون أي تشكك أو ارتياب ولاحقاً وضع القضاء الانجليزي مقياس قبول الاعتراف في الإثبات وهو توفر الثقة وأما بالنسبة للنظام الثاني كان القضاء الفرنسي في القرون الوسطى يلجأ إلى مختلف الوسائل للحصول على الاعتراف الذي كان يعتبر سيد الأدلة.( )
ومع بداية القرن الثاني عشر أو أنت الكنيسة العملية غير الإنسانية التي تجرى استظهاراً لحكم الله “أسلوب المحنة” فبدأ يختفي إلى أن حل محله البحث عن الاعتراف لدى المتهم. ( )
وفي القرن السادس عشر لم يكن الناس يستاءون من العقوبات الصارمة بل أحسوا ببعض السرور والابتهاج في المشاهدة والمساعدة في تنفيذها ولما أعترف مونتكو كولى تحت وطأة التعذيب في أوربا، واعتبر من النظم الأساسية في الإجراءات الجنائية وإذا لم يستطع المحقق الحصول على شئ حسب التعبير الوارد في الأمر الملكي الصادر سنة 1539 في فرنسا كان المحقق يلجأ إلى التعذيب للحصول على الاعتراف وهو المهم وبأية وسيلة مهما كانت كما أن التعذيب نفسه كان يبدو أمر طبيعياً.( )
وظل الحال كذلك إلى أن صدر في فرنسا ما يسمى بالمرسوم الجنائي الكبير 1670. ( ) حيث قسمت المادة 164 من هذا المرسوم التعذيب إلى نوعين.

أولاً: في السؤال الابتدائي “في مرحلة التحقيق”.
يهدف التعذيب في هذه المرحلة إلى إجبار المتهم على الاعتراف فإذا تحمل المتهم التعذيب فإن العقوبة تخفف أما إذا اعترف فإنها تشدد.

ثانياً: في السؤال التحضيري “مرحلة المحاكمة”.( )
يطبق التعذيب في مرحلة المحاكمة وذلك لإجبار المتهم على الاعتراف على الشركاء وكان التعذيب يتخذ صوراً عديدة منها الحذاء الثقيل أو الزيت المقلى وهكذا أصبح الحصول على الاعتراف بواسطة التعذيب معترف به( ) حيث قضى باستجواب المتهم ثلاث مرات الأولى، قبل التعذيب والثانية أثناء التعذيب والثالثة بعد التعذيب وكانت تسمى باستجواب المرتبة “الفرشة” والتي طرح عليها بعد عملية التعذيب وهذا الاستجواب بمرحلة الثلاثة كان يطلق عليه الاستجواب التحضيري تمييزاً له عن نوع أخر وهو الاستجواب النهائي وهو نوع من التعذيب كان يخضع له المحكوم عليه بالإعدام للحصول منه بعد صدور الحكم عليه على بيانات عن شركائه بالجريمة. ( )
وكان يستلزم في فرنسا لصدور حكم إعدام صحيح وجود دليل كامل ولم يكن الحصول عليه أمراً سهلاً مما يضطر القضاء آنذاك إلى الحصول على الاعتراف بأية وسيلة وتحقيقاً لهذا الغرض فقد جرى العرف على سلوك أحد طريقين.

الأول : طريق الاعتراف الاختياري.
وهو استجواب كان يجرى في سرية كاملة ودون وجود مدافع عنه ومع تحليفه اليمين على أن يقول الحقيقة بذلك يحصل على اعتراف يسمى الاعتراف الاختياري.

الثاني: طريق الاعتراف الاضطراري.
باستجواب المتهم تحت وطأة التعذيب للحصول على الاعتراف وقد كان خلف هذا الاستجواب التعذيبي نظام الأدلة القانوني وهو نظام شرع بالأصل لحماية المتهم من تحكم القاضي باستباحة إخضاع المتهم للتعذيب سواء المادي أو المعنوي للحصول على الاعتراف الذي كان هذا النظام يعتبره سيد الأدلة( ).
حيث ظهر هذا النظام في عهد الأدلة القانونية إذ كان القانون يحدد أنواع الأدلة التي تقبل في الإثبات وقد جاء بعد العهد الديني حيث كانت تستوحي الآلهة لمعرفة المذنب.( )
أما وسائل التعذيب فكانت منوعة وتختلف من محكمة إلى أخرى ففي باريس مثلاً كانت وسيلة التعذيب صب كميات من الماء في حلق المتهم ببطء شديد( ) وبقى الأمر كذلك حتى منتصف القرن الثامن عشر حيث قام الكتاب ورجال الفكر بمهاجمة الوسائل الوحشية وظهر مبدأ الاعتراف الإرادي في انجلترا وأخذ بمبدأ عدم قبول اعتراف المتهم إذا أثبت وقوع أي تأثير عليه والمثال على ذلك قضية “رد” Rudd سنة 1775 حيث طالب المتهم بالبراءة لأن اعترافه جاء تحت تأثير الوعد بالعفو عنه باعتباره شاهداً وقد أخذت المحكمة بهذا الدفع واستبعدت اعترافه لصدوره تحت تأثير الوعد. ( )
هذا الاضي المثقل بالأوزار جعل لدى المشرع الفرنسي نوعاً من الحياء التشريعي بالنسبة لهذا الدليل “الاعتراف” وحملة على الإعراض عن ذكره فلم ينظم القانون الفرنسي نظرية الاعتراف ولم يشر إليه في قانون تحقيق الجنايات أما قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي فلم يقرر حجية وضعية خاصة للاعتراف وأصبح كباقي الأدلة متروكاً لاقتناع القاضي.( )
أما في النظام الانكلو سكسوني فلا زال الاعتراف ذا أهمية حيث يسأل المتهم عند افتتاح الجلسة عما إذا كان مذنباً أم لا فيكون اعترافه هذا كافياً لتجريمه بصورة نهائية وتبدأ الإجراءات اللازمة لتعيين عقوبته دون الرجوع إلى المحلفين.
وقد أكدت المؤتمرات والاتفاقيات الدولية المنعقدة سواء بإشراف الأمم المتحدة أو منظمات أخرى حكومية وغير حكومية حماية حقوق الإنسان وضمان الحريات الفردية وكرامة الإنسان والإقرار بمبدأ أن المتهم برئ حتى تثبت أدانته وعلى ضرورة عدم تعريض المتهم لأي إكراه أو تأثير من أجل حمله أو إجباره على الاعتراف وأن الاعتراف غير الإرادي غير جدير بالثقة كما أنه ليس غاية التحقيق الحصول على الاعتراف.( )

المطلب الثاني
اعتراف المتهم في الشريعة الإسلامية

لم تكن القبائل العربية قبل الإسلام تعرف نظاماً قضائياً للفصل في المنازعات التي تنشأ بينها فكان الأسلوبان الوحيدان المعتمدان هما الاحتكام للسيف واللجوء لمنطق القوة. ( )
ويطلق على الاعتراف في الشريعة الإسلامية الإقرار وقد اعتبرت الشريعة الإقرار وسيلة من وسائل الإثبات.( ) الإقرار أخبار بحق لأخر لا إثبات له عليه وهو خبر يتردد بين الصدق والكذب فهو خبر محتمل باعتباره ظاهرة وبذلك لا يكون حجة ولكنه جعل حجة إذا أصطحب بدليل معقول يرجح جانب الصدق على جانب الكذب. ( )
ويتضح لنا استناد الشريعة الإسلامية إلى الإقرار كأحد أدلة الإثبات من خلال بعض الآيات القرآنية الكريمة قال تعالى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) ( )
(أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ( )
وكذلك قوله تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) ( )
وكذلك قوله تعالى (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) ( )
وقوله عز وجل ” (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا)( )
أما في السنة النبوية الشريفة فقال صلى الله عليه وسلم “أغدُ يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فأرجمها” ويدل هذا الحديث الشريف على استعمال الشريعة الإسلامية ( ) لاصطلاح الاعتراف في المواد الجزائية أما في المواد المدنية وغيرها فيستعمل اصطلاح الإقرار. ( )
وقد أجمع العلماء على الإقرار وسيلة من وسائل الإثبات( ) وقد أجمعت الأمة الإسلامية على صحة الإقرار لأنه أخبار بنفي التهمة والريبة عن المقر ولأن العاقل لا يكذب على نفسه كذباً ولهذا كان الإقرار أأكد من الشهادة وكان حجة في حق المقر يوجب عليه الحد والقصاص والتعزيز كما يوجب عليه الحقوق المالية. ( ) فأي دليل أقوى من الإقرار بالجريمة لكنه كأي دليل من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحته وحجته في الإثبات.( ) ¬
فلا خلاف بين الفقهاء في أن الحدود تثبت بالبينة أو الإقرار عن استجماع شرائطهما وفي أنها تسقط “الحدود” بالرجوع إذا كان الحد حقاً لله تعالى.( )
ورغم الحجية التي للإقرار بالنسبة لمن اقر على نفسه فقد وجب على القاضي أن يتيقن من صحته وإلا تعين عدم التعويل عليه فطرح الإقرار إن قام الدليل على عدم الاطمئنان إليه هو من القواعد المعمول بها لدى فقهاء الإسلام فللحكام أن يلتفت عن إقرار الإنسان فيحكم بخلاف ما يعترف به إذا تبين أنه الحق( )
والإقرار حجة قاصرة على نفس المقر لا تتعداه إلى غيره( ) لأنه خبر يحتمل الصدق والكذب وجانب الصدق منه أرجح لأن العاقل البالغ الراشد المختار لا يخبر بحق يلزمه إلا إذا كان معتقداً بصدق ما يقوله مقرر إقراره واقع عليه وحده وأما قصوره فلأنه حجة على نفس المقر غير متعدية إلى الغير أعتبر حجة بترجيح جانب الصدق فيه( ).
وجدير بالذكر أن الشريعة الإسلامية سمحت للمتهم المقر بالرجوع في إقراره إذا كان الحق محل الدعوى خالصاً لله تعالى( ) كما أنها لم تسمح بإكراه المتهم للحصول منه على الاعتراف. ( )
وقد أظهرت أهمية الإقرار في المجتمع الإسلامي المبني على التقوى ومعرفة الحق في رد الحقوق إلى أصحابها حتى مع انعدام البيئة أكثر من أي مجتمع أخر لكن لا يكون للإقرار حجة على الغير فلو أقر شخص أنه زنى بامرأة وكذبته فهو يؤخذ بإقراره ويحد( ) ويشترط في المقر أن يكون عاقلاً بالغاً فلا يصح إقرار الصغير والمجنون والمعتوه وزائل العقل لقد عرف العرب وخاصة البدو منهم القضاء وللبادية قوانين وأن كانت غير مكتوبة “الاعراف” كانت سائدة بين البدو وتحتل مكانة هامة في تنظيم شؤون حياتهم مثله مثل القوانين المكتوبة والقواعد المتبعة لدى الأمم المتحضرة بل اشد وأعظم وهذه القوانين هي خلاصة تجارب وأحداث أيدنها العصور وتوارثها البدو معتمدين على أحكام الشريعة الإسلامية.
ورغم أن الاعتراف سيد الأدلة إلا أن البدو لا يأخذونه أمراً مسلماً به فهم لا يعتبرونه أمراً لا نقاش فيه بل أنهم يضعونه كقرينة قوية تحتاج إلى دليل إثبات أو نفي فيخضعون الاعتراف إلى اختبار أو امتحان ليخرج القاضي بالنتيجة الصحيحة ويترتب على الاعتراف عند البدو والكثير من الأمور لذا فإنه لا يقع بسهولة فقد يترتب عليه تشديد العقوبة أو محوها أو يؤدي إلى المخاطرة. ( )

المبحث الرابع
دراسة مقارنة للاعتراف في القوانين الأخرى

هناك العديد من القوانين المقارنة التي تناولت حرية تقدير القاضي إزاء حجية الاعتراف في المسائل الجزائية من ذلك ما يلي:

المطلب الأول
الاعتراف في القانون الفرنسي

من المتفق عليه أن القانون الفرنسي لم يقرر ثمة حجية خاصة للاعتراف فقد نصت المادة 428 إجراءات جنائية فرنسي بأن الاعتراف كباقي عناصر الإثبات يترك أمر تقديره للقاضي.
ومن المتفق عليه أن الاعتراف الوحدوي غير كاف للاقتناع بالإدانة في فرنسا وإنما يجب تأييده بأدلة أخرى خاصة وقد جرى الرأي نحو اعتباره مجرد دليل قولي غير محسوس ومن ثم لا يقطع بذاته بتوافر الإدانة وقد يدعو مثل هذا الاعتراف حال صدوره للوهلة الأولى إلى التشكك في مدى صحته وفي غالب الأمر يلزم أن يتوافر دليل إقناعي أخر لكي يطمئن القاضي لصحة الاعتراف أي أن يقترن هذا الاعتراف بدليل أخر يؤيده.
ويرى الأستاذ لوكارد أن مجرد الاعتراف الصادر من المتهم لا يكفي لحمل القضاء على إدانته وأن الاعتراف غير المدعم بأدلة أخرى يكون تأثيره على المحكمة أقل من الاعتراف الذي فحص ودعم بأدلة أخرى تسانده وتؤيده وهذا ما جرى عليه قضاء النقض الفرنسي. ( )
والقاعدة في الفقه الفرنسي أن الاعتراف الجنائي خاضع لتقدير القاضي ومدى اقتناعه به فهو ليس حجة في ذاته ومن ثم فللقاضي فحص كافة عناصره وجزئياته وظروفه وملابساته ولا يأخذ إلا بما يكون قد أقتنع به بل له أن يرفضه بأكمله أو يرفض ثمة جزء منه( ) ومن ثم فله الأخذ بإقرار المتهم بالإدانة واستبعاد المبررات التي يكون المتهم قد أضافها لتخفيض العقوبة أو يستبعد المبررات التي يكون المتهم قد أضافها لتخفيف العقوبة أو يستبعد المبررات التي تحول دون مسئوليته كمن يعترف بأنه قتل المجني عليها لكونه كان في حالة دفاع شرعي فحينئذ يمكن للقاضي الأخذ بالجزء الخاص بالاعتراف بالقتل مع استبعاد الادعاء بالدفاع الشرعي. ( )
وقد كان القضاء الفرنسي متجهاً في أول الأمر نحو عدم إمكانية تجزئة الاعتراف إذ كان لزاماً إما الأخذ به كما صدر وإما استبعاده كلية ولكن سرعان ما عدل القضاء الفرنسي عن هذا الاتجاه وذهب نحو جواز تجزئة الاعتراف الجنائي تفهماً من القضاء بأن مبدأ عدم تجزئة الاعتراف المطبق في المواد المدنية لا يؤخذ به في المواد الجنائية. ( )
والقاعدة أن اعتراف المتهم وهو في حالة سكر وكان فاقد الشعور وقت الإدلاء به نتيجة تعاطيه المادة المخدرة أو المسكرة قهراً عنه فإن اعترافه يبطل وبالتالي يبطل الدليل المستمد منه كما أن اعتراف المتهم لا يقبل وهو فاقد الشعور نتيجة سكر اختياري.
وبالطبع إذا لم يفقد المتهم الشعور تماماً فلا يبطل اعترافه ولكن لا يجوز للمحكمة الاستناد عليه وحده وأن تصدر حكمها بناء عليه بل لابد من أن تساند مثل هذا الاعتراف أدلة أخرى. ( )
وللمتهم الحرية التامة في الإجابة أو الالتزام بالصمت وعلى المحقق أن ينبه المتهم قبل استجوابه أن من حقه أن يمتنع عن الإجابة.
فالمادة 114/1 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي تلزم قاضي التحقيق بضرورة تنبيه المتهم عند حضوره أمامه لأول مرة إلى أنه حر في عدم الإدلاء بأي إقرار وان يثبت ذلك التنبيه بمحضر التحقيق. وعدم تنبيه المتهم إلى هذا الحق يترتب عليه بطلان التحقيق. ( )
وقد جرى القضاء الفرنسي على أنه طالما ثبت للقاضي أن المتهم قد أدلى بالاعترافات الصادرة منه بحرية تامة غير متأثر بالإجراء الباطل فإنه يتم الأخذ بهذه الاعترافات رغم كون القبض والتفتيش باطلين وذلك لكون هذه الاعترافات أنما هي أدلة مستقلة عن الإجراء الباطل( ) والاعتراف يضحي دليلاً مستقلاً وقائماً بذاته عن القبض والتفتيش الباطل إذ لم يترتب نتيجة لهما.
وفي فرنسا تم إلغاء التعذيب لإجبار المتهم على الاعتراف في منتصف القرن الثامن عشر أثر مهاجمة الفلاسفة أمثال موتسكيو للتعذيب وذلك بالمرسوم الصادر في 24/8/1780 وينص القانون الفرنسي الحالي في المادة 86 من قانون العقوبات الفرنسي على معاقبة الموظف الذي يستعمل العنف مع المتهم.
كما ذهب القضاء الفرنسي إلى تحريم استعمال المخدر “مصل الحقيقة” أثناء التحقيق حتى ولو طلب المتهم بنفسه استعماله.( )

المطلب الثاني
الاعتراف في القانون المصري

الاعتراف هو إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها والوضاح من هذا التعريف أن الاعتراف عمل إرادي ينسب به المتهم إلى نفسه ارتكاب وقائع معينة تتكون به الجريمة.
أي أن الاعتراف يقوم على ركنين هما إقرار المتهم على نفسه وان يرد هذا الإقرار على الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها ولا يعتبر اعترافا إقرار المتهم بصحة التهمة المسندة إليه ما لم يقر صراحة بارتكابه الأفعال المكونة لها فلا شأن للمتهم بالوصف القانوني للواقعة.
والاعتراف قد يكون شفهياً أو مكتوباً والاعتراف الشفهي كاف في الإثبات ويمكن أن يثبت بواسطة المحقق أو كتاب التحقيق أو كاتب الجلسة ولا يلزم أن يكون الاعتراف المثبت بمحضر التحقيق موقعاً عليه من المتهم طالما أن المحضر قد وقع عليه المحقق والكاتب ولكن الاعتراف الشفهي أقل قيمة من الاعتراف المكتوب فكثير من المعترفين ينكرون اعترافاتهم الشفهية ويدعون أنهم اجبروا عليها باستعمال العنف معهم أو التهديد أو الوعود والاعتراف المكتوب لا يتطلب شكلاً معنياً فقد يكون مكتوباً على الآلة الكاتبة أو باليد أو في صورة حديث مسترسل أو في شكل أسئلة وأجوبة.
وينقسم الاعتراف إلى عدة أنواع ترجع إلى فكرة معينة.
فمن حيث السلطة ينقسم الاعتراف إلى اعتراف قضائي وهو الاعتراف الذي يصدر أمام المحكمة التي تنظر الدعوى الجنائية بالفعل ويجيز هذا الاعتراف للمحكمة الاكتفاء به والحكم على المتهم بغير سماع الشهود م 271 من قانون الإجراءات الجنائية.
والنوع الثاني هو الاعتراف الغير قضائي وهو الذي يصدر خارج المحكمة التي تنظر الدعوى الجنائية فاعتراف المتهم أمام محكمة مدنية بصدد دعوى مدنية منظورة أمامها يعتبر اعترافا غير قضائي وكذلك اعتراف المتهم في تحقيق النيابة العامة ( ) أو أمام أحدى جهات التحقيق أو قضاء الإحالة أو في محضر جمع الاستدلالات يعتبر اعترافاً غير قضائي( ) ويعتبر اعترافاً غير قضائي من يعترف في محضر إداري ( ) وكذلك الاعتراف الذي يرد ذكره في التحقيقات نقلاً عن أقوال منسوبة إلى المتهم خارج مجلس القضاء( ).
ومن حيث الحجية ينقسم الاعتراف إلى نوعين.

1) الاعتراف كدليل أثبات ويستوي فيه أن يكون اعترافاً قضائياً أو غير قضائي وينقسم هذا الاعتراف بدوره إلى نوعين.
أ‌) الاعتراف كدليل إقناع شخص: وهو الذي لا يحتمه القانون كدليل للإدانة بل أنه يستوي مع غيره من أدلة الإثبات في قوته الاقناعية.
ب‌) الاعتراف كدليل قانوني وهو الذي يستلزمه القانون كمصدر للإدانة هو أو بعض الأدلة القانونية الأخرى كما هو الحال في جريمة الزنا إذ أوجب القانون للاقتناع بوقوع هذه الجريمة من جانب شريك الزوجة أن يكون معترفاً بالتهمة أو أن تتوافر أدلة قانونية أخرى م 276 من قانون العقوبات.

2) الاعتراف كسبب للإعفاء من العقاب.
حيث رأى المشرع في بعض الجرائم الخاصة التي ترتكب عادة في الظلام أو يصعب أثبات التهمة فيها بالنظر إلى ما يحيطها من دقة في التنفيذ أو يشجع الجناة على كشفها وإرشاد السلطات إلى حقيقة المتهمين فنص على إعفاء الجناة من العقاب إذا اعترفوا بشروط معينة.
وأن الاعتراف لا يكون صحيحاً إلا إذا صدر بعد علم المتهم بموضوع الاتهام لذلك يجب على المحقق عند حضور المتهم أمامه لأول مرة في التحقيق أن يثبت شخصيته ثم يحيطه علماً بالتهمة المنسوبة إليه “م 123 من قانون الإجراءات الجنائية” ولابد من توافر الإدراك والتمييز لدى المعترف أي يكون لديه القدرة على فهم ماهية أفعاله وتوقع أثارها ولا يتمتع بهذه الأهلية كل من الصغير والمجنون والمصاب بعاهة عقلية والسكران.
ولذا يعفى من المسئولية الجنائية الصغير الذي لم يبلغ من العمر سبع سنوات ” م 64 من قانون العقوبات” إذ افترض المشرع أن التمييز يكون منعدماً ومن المقرر أن السكر من العوامل التي تفقد الشعور والإدراك وتضعف سيطرة الشخص على ملكة الانتباه لديه ولذا فإن السكران لا يكون أهلاً لصدور الاعتراف منه ولا يجوز للمحقق أن يستعمل الخمر لكي يعدم الإرادة الحرة للمتهم للحصول على اعترافات منه.
وإذا اعترف المتهم وهو في حالة سكر وكان فاقد الشعور وقت الإدلاء به نتيجة تناوله الخمر قهراً عنه بطل اعترافه بل ولا يقبل اعتراف المتهم وهو فاقد الشعور نتيجة سكر اختياري إذ أن افتراض الشعور عند السكران بإرادته لا يمتد إلى الاعتراف.
أما إذا لم يفقد الشعور تماماً فلا يبطل اعترافه ولكن لا يجوز للمحكمة أن تكتفي به وحده وتصدر حكمها بناء عليه بل لابد من تأييد أدلة أخرى له.

ومن المقرر أن الاعتراف الذي يعول عليه في الإثبات يجب أن يكون صادراً عن إرادة حرة ولذلك يجب استبعاد وسائل التأثير المختلفة لحمل المتهم على الاعتراف( ).فعندما يدلى المتهم بأقواله يجب أن يكون في مأمن من كل تأثير خارجي عليه ومن ثم فأي تأثير يقع على المتهم سواء كان عنيفاً أم تهديداً أم وعداً يصيب أرادته وبالتالي يفسد اعترافه. ( )
ولا يجوز للمحقق عند استجواب المتهم أن يحلفه اليمين بقول الحق لان ذلك فيه اعتداء على حرية المتهم في الدفاع وإبداء أقواله وقد أجمع الفقه والقضاء على تحريم هذا الإجراء وبطلان الاعتراف المترتب عليه إذ أن تحليف المتهم يعتبر من صور التأثير الأدبي في إرادة المتهم مما لا يجوز الالتجاء إليه. ( )
ولا يجيز القانون المصري استكمال وسائل الحيلة والخداع للحصول على اعترافات من المتهم حتى ولو كان الوصول إلى الحقيقة متعذراً بدون استعمالها والعلة في ذلك أن الحيلة تنطوي على نوع من التدليس الذي يوقع المتهم في الغلط فيعيب إرادته وطالما كانت إرادته معيبة وقت الإدلاء بالاعتراف فإنه لا يكون صحيحاً( ). ومن أهم صور التدليس التي يلجأ إليها المحقق للحصول على اعترافات من المتهم.

1) الاستماع خلسة إلى المحادثات التليفزيونية ويعتبر من الطرق الاحتيالية المحرمة لأن فيها انتهاكاً واعتداء على حق الإنسان في سرية مراسلاته الذي كفله الدستور ولا يجوز مصادرتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفقاً لأحكام القانون.
2) التسجيل الصوتي لأقوال المتهمين خلسة.

إن تسجيل إقرارات وأقوال المتهمين بعلمهم أثناء التحقيق بواسطة آلة التسجيل يعتبر إجراء قانوني ليس عليه اعتراض طالما أن الأمانة وكل الضمانات قد روعيت وان يكون المتهم قد اقر بصحة هذه التسجيلات.
ولكن المشكلة التي ثار حولها خلاف هي مدى مشروعية تسجيل إقرارات ومحادثات المتهمين بدون علمهم فهناك رأيان.
1) رأي يقول أن تسجيل الصوت خلسة والاستناد إليه ليس إجراء باطلاً طالما أن هذه الإقرارات والمحادثات قد صدرت بحرية واختيار دون أي تأثير بشرط ألا يكون التسجيل تم بطريقة تخالف القانون وأن الاعتراف الصادر عن هذه الوسيلة يخضع لتقدير القاضي فله أن يأخذ به أو يرفضه.
2) ويتجه أصحاب هذا الرأي إلى إقرار قانونية هذه الوسيلة وصحة الدليل المستمد منها إذا توافرت الشروط التي يتطلبها القانون بالنسبة لمراقبة المحادثات التليفونية أي أن يكون هناك جريمة وقعت وتحقيق مفتوح وإذن صادر من القاضي وأن يكون استعمال الجهاز بمعرفة النيابة العامة أو مأمور الضبط القضائي المنتدب لذلك.
ومن المقرر أنه يستبعد الاعتراف الصادر نتيجة استعمال العنف أو الإكراه المادي لأن المتهم الذي يخضع للتعذيب لا يتصرف بحرية وتكون أرادته معيبة.

ويتحقق الإكراه المادي بأي درجة من العنف ويبطل الاعتراف طالما أن فيه مساس بسلامة الجسم ويستوي أن يكون هذا الإكراه قد سبب ألما للمتهم أو لم يسبب شيئاً من ذلك. ( )
ويعتبر عنفاً مبطلا للاعتراف قص شعر المتهم أو شاربه( ) أو البصق في وجهه( ) أو طلاء وجهه أو جسمه بطلاء أو زيت قذر( ).
ويبطل الاعتراف نتيجة العنف الغير مباشر أي العنف بالترك مثل حرمان المتهم من الاتصال بأهله.
ولا يفسد الاعتراف وقوع الاعتداء على المتهم أثناء مقاومته عند القبض عليه ولكن بشرط أن يقدر شكل مقاومة المتهم فإذا تمادى رجل الشرطة في استعمال العنف الاضطراري فإن الاعتراف المترتب على ذلك يعتبر غير أرادي ولا يقبل في الإثبات.
وقد أجمع الفقه على أنه لا يجوز استعمال العنف أو الإكراه المادي مع المتهم أو تعذيبه للحصول منه على اعتراف بأي درجة من العنف تبطل الاعتراف حتى ولو كان مطابقا للحقيقة. ( )
وقد استقر قضاء النقض المصري على أنه من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات. ( )
ومن المقرر أن الاستجواب المطول يرهق المتهم ويؤثر في إرادته الواعية ولذلك تبطل الاعترافات الصادرة منه أثناء أو عقب هذا الاستجواب ولا يوجد في التشريع المصري معيار زمني لطول الاستجواب أو موعده أنما العبرة هي بما يؤدي إليه الاستجواب في قوة المتهم الذهنية على أثر إرهاقه.
فإذا تعمد المحقق إرهاق المتهم بإطالة الاستجواب وإجباره على الاعتراف في ظروف نفسية صعبة فإنه يخرج عن حياد الواجب الأمر الذي يمس أهليته الإجرائية في مباشرة التحقيق وتحديد أثر هذه الإطالة أمر موضوعي متروك لتقدير المحكمة.
ومن المقرر أن اعتراف المتهم عقب استعراف الكلب الشرطي ووثوبه عليه ثم تمزيق ملابسه أو عقره يعتبر اعتراف باطلاً نتيجة التأثير المادية على أرادة المتهم حتى ولو كانت الإصابة المترتبة عن ذلك بسيطة ولا تحتاج لعلاج بل يبطل الاعتراف لو صدر من المتهم بمجرد وثوب الكلب عليه دون إحداث أي إصابة. ( )
ومن المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية اقناعية وان القاضي الجنائي حر في تكوين عقيدته وأن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف.( )
والمحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم بنصه وظاهرة بل لها أن تستنبط منه ومن غيره من العناصر الأخرى الحقيقة التي تصل إليها بطريقة الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً ومتفقاً مع حكم العقل والمنطق.
وأن الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهري يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه ما دام الحكم قد عول في قضائه بالإدانة على هذا الاعتراف. ( )

المطلب الثالث
الاعتراف في القانون الانجلو أمريكي

في الدول الانجلو أمريكية لا يكون الاعتراف صحيحاً إلا إذا صدر بعد علم المتهم بموضوع الاعتراف لذلك يحاط المتهم علما بالاتهام الموجه إليه قبل سؤاله وينبه إلى حقوقه.
ولا يأخذ القضاء الانجليزي باعتراف الصغير الذي لم يبلغ عشر سنوات لانعدام التمييز لديه أما الصغير الذي تجاوز سن عشر سنوات إلى أربع عشر سنة فيشترط لكي يؤخذ باعترافه أن تثبت مقدرته على تمييز الخطأ.
وقد أجمع الفقه والقضاء الانجلو أمريكي على استبعاد الاعتراف الصادر من المتهم وهو في حالة جنون ولا يعتد باعتراف الأبله هذا وتحديد درجة البله التي يستبعد عندها الاعتراف أمر متروك لتقدير المحكمة.
وقد استقر الفقه والقضاء الانجلو أمريكي على صحة الاعتراف الصادر من المتهم وهو في حالة سكر إذا كان المتهم لا زال في وعيه وصدر الاعتراف عن أرادة حرة ولو أن ذلك يضعف من قيمته ولا يعني هذا الاتجاه التسليم بصحة الاعتراف الصادر من السكران ذلك أن هذا الاعتراف لا يعتبر صحيحاً إلا إذا ثبت أن المتهم كان في وعيه وإدراكه أي أن السكر لم يصل إلى حد إفقاد الوعي أو الإدراك. ولذا قضى بأنه إذا كان سكر المتهم وصل إلى درجة الهوس وكان غير قادر على فهم معنى إقراراته فإن الاعتراف يكون غير مقبول.
ولقد استقر قضاء المحكمة العليا الاتحادية للولايات المتحدة الأمريكية على وجوب أن يكون الاعتراف إراديا لكي يقبل في الإثبات إذ أن اعتراف شخص باختياره بارتكاب جريمة ليس أمراً مألوفاً( ) وفي حكم أخر لها قضت بان مقياس قبول الاعتراف في محاكم الولايات المتحدة الأمريكية ظل كما هو مستقر عليه في جميع المحاكم الأنجلو أمريكية منذ مائتي عام وهو التأكد من صدور الاعتراف عن إرادة والاعتراف يكون إرادياً عندما يكون صادراً عن حرية تامة واختيار مطلق. وقد استقر الفقه والقضاء الانجلو أمريكي على أنه يجب على النيابة العامة أثبات إرادية المعترف وإذا قام شك حول صدور الاعتراف عن إرادة حرة فإن هذا الاعتراف لا يكون مقبولاً فالشك يفسر لمصلحة المتهم وينفرد القاضي بنظر الدليل الذي تقدمه سلطة الاتهام لإثبات أن الاعتراف صدر عن أرادة حرة ولا يتعرض لقيمة الاعتراف كدليل في الدعوى وإنما يقتصر بحثه في إرادية الاعتراف دون التعرض لوقائعه التي يترك أمرها للمحلفين. فإذا تبين له أن هذا الاعتراف صدر تحت تأثير قام باستبعاده وإذا اتضح له أنه صدر بدون تأثير قام بعرضه على المحلفين الذين يقومون ببحث وقائع الاعتراف وتقدير قيمته كدليل أثبات في الدعوى المطروحة عليهم.
ويفرق الفقه والقضاء الأنجلو أمريكي بين التأثير المادي والأدبي الذي يؤثر في حرية المعترف فيشترط في التأثير الأدبي المبطل للاعتراف أن يكون صادراً من شخص ذي سلطة أي شخص له نفوذ وتأثير في الدعوى وقد توسع القضاء الانجليزي في تفسير عبارة الشخص الذي له سلطة فاعتبر أشخاصاً في السلطة كل من القاضي والمحقق والمدعى وضابط الشرطة الذي له صلة بالقضية وكل من له سلطة القبض على المتهم أو حبسه أو سؤاله ولم يقف القضاء الأمريكي عند هذا الحد من التوسع في تحديد من له سلطة على المتهم فاعتبر من أصحاب السلطة كل من له مصلحة في القضية والمجني عليه ووالد المتهم أو المجني عليه القاصر.
وفي الدول الأنجلو أمريكية يعتبر تحليف المتهم اليمين نوعاً من الإكراه المعنوي على قول الحقيقة يترتب عليه البطلان كونه غير إرادي.
وقد استقر القضاء في الدول الانجلو أمريكية على أن الاعتراف يقبل في الإثبات حتى ولو حصل عليه بطريق الحيلة والخداع من جانب المحقق( ) إلا أن هناك تحفظ وهو ألا يؤدي هذا الغش والخداع إلى اعتراف مزور غير حقيقي وطبقاً لهذه القاعدة فقد حكم بصحة الاعترافات التي أدلى بها المتهمون عقب استعمال الطرق الاحتيالية الآتية معهم وانخداعهم بها “إيهام التهم كذباً بان شركيه اعترف أو بالحصول على أدلة ضده مثل العثور على بصمات أصابعه في مكان الحادث أو ضبط السكين التي استعملت في جريمة القتل”.
وان الاعتراف المسجل بجهاز التسجيل بدون علم المتهم اعترافاً صحيحاً طالما انه صدر من المتهم بإرادته ولم يقع عليه أي نوع من الاعتداء وقد استقر القضاء الانجلو أمريكي على أن العنف يفسد الاعتراف وعندما يدعي المتهم أن الشرطة استعملت العنف معه وأجبرته على الاعتراف يجب على المحكمة استدعاء رجال الشرطة لمناقشتهم وعدم الاكتفاء بأقوالهم المثبتة في المحضر وإذا أنكر رجال الشرطة استعمال العنف فالأمر متروك لتقدير المحكمة على حسب الأدلة والوقائع المطروحة أمامها.
ويلاحظ أن المحاكم الأمريكية بوجه خاص قد توسعت في عدم قبول الاعتراف في الأحوال التي يثبت فيها أن المتهم كان مرهقاً حينما أدلى باعترافه أو أنه أدلى به بعد استجواب مطول ولو لم تستعمل فيه وسائل التعذيب أو الإكراه.
وكان القضاء الانجلو أمريكي لا يقبل الدليل الناتج عن استعراف الكلب الشرطي ولكنه استقر الآن على قبوله في الإثبات على أن يعزز بأدلة أخرى وهذا يعني أن هذا الدليل لا يعول عليه بمفرده مع تنبيه المحلفين إلى أخذه بحذر.
وقد استقر الفقه والقضاء الانجلو أمريكي على استبعاد الاعتراف الصادر والناتج عن التنويم المغناطيسي لأنه اعتراف غير إرادي وان الحصول عليه بهذه الطريقة فيه حرمان للمتهم من حقوقه الدستورية.
ويشترط القضاء الأمريكي صراحة الاعتراف أما الاعتراف الغامض فلا قيمة له إذ يجب أن يكون الاعتراف قاطعاً بارتكابه الجريمة كما قضت أحدى المحاكم الأمريكية بأن الاعتراف بالجريمة هو إقرار بارتكاب الفعل الإجرامي نفسه وليس الإقرار بالوقائع والظروف التي قد يستنتج منها الإدانة وإذا اعترف المتهم اعترافاً مبهماً ذا معنيين فيجب على المحكمة ألا تستند إليه في حكمها.
ويشترط القضاء الأمريكي أن يكون الاعتراف قاطعاً بارتكاب الجريمة إذ أن الاعتراف بالجريمة هو إقرار بارتكاب الفعل الإجرامي نفسه وليس الإقرار بالوقائع والظروف التي قد يستنتج منها الإدانة وقد حكم بأنه إذا تعهد المتهم بدفع ثمن المسروقات فإن ذلك لا يعتبر اعترافاً منه بالسرقة وكانت التشريعات الانجلو أمريكية قديماً تعتبر المتهم الذي يظل صامتاً أمام الاتهام الموجه إليه مذنباً ويحكم عليه ولكن صدرت بعد ذلك تشريعات انجليزية وأمريكية واسكتلندية أقرت للمتهم بالحق في رفض الإجابة واعتبرت صمت المتهم كإقرار منه بعدم الإدانة وقد اخذ القضاء الأنجلو أمريكي بهذا الاتجاه وقد ميزت النظم الانجلو أمريكية الاعتراف عن باقي الأدلة فاشترطت لقبول الاعتراف أن يكون إرادياً ولا يهم المحكمة بعد ذلك كيفية الحصول عليه فلا يوجد في النظم الانجلو أمريكية ما يمنع من قبول الاعترافات الناتجة عن إجراء غير قانوني طالما أن هذه الاعترافات إرادية أما إذا كانت الاعترافات غير إرادية فتستبعد تماماً.
وقد استقر القضاء الأمريكي على أنه إذا ترتب على القبض أو التفتيش الباطل اعتراف إرادي فإنه يقبل في الإثبات لان المقياس الوحيد لقبول الاعترافات هو كونها إرادية.
وقد استقر القضاء الأمريكي فترة من الزمن على أن عدم حضور مدافع مع المتهم أثناء سؤاله واعترافه بالشرطة ليس له أي تأثير عند النظر في قبول الاعتراف أو رفضه وفي أحدى القضايا الأمريكية أبدت المحكمة الاتحادية العليا قبول الاعتراف الذي صدر من المتهم أثناء سؤاله بالشرطة بعد رفض طلبه بإحضار مدافع معه. إلا أنه قد تطور القضاء الأمريكي وأتجه إلى أن سؤال المتهم في مرحلة الشرطة بدون حضور مدافع معه فيه خطر محقق على الحرية الفردية إذ أن حضور المدافع فيه حماية لموكله سواء كان مذنباً أم بريئاً أما أثناء التحقيق فقد استقر الأمر بالدول الانجلو أمريكية على أن للمتهم حق الاستعانة بمدافع أثناء التحقيق وعلى المحقق تنبيه المتهم إلى هذا الحق ويسمح للمتهم بالاتصال بالمدافع إلا أن عدم تنبيه المحقق للمتهم أو المشتبه فيه إلى حقه في الاستعانة بمدافع لا يبطل الاعتراف الذي أدلى به المتهم بعد ذلك.
ويعتبر الاعتراف القضائي الإرادي الصادر من المتهم دليلاً قانونياً على الإدانة يعفي القاضي من البحث عن أي دليل آخر أو متابعة السير في إجراءات تحقيق الدعوى وهذا الاستثناء لا يفيد من الأصل العام وهو مبدأ الاقتناع الشخصي.
أما الاعتراف الغير قضائي ليس له حجية فإذا اعترف المتهم في التحقيقات ثم عدل عن اعترافه بالجلسة تكون المحكمة ملزمة باحترام هذا العدول فالقضاء الأنجلو أمريكي مستقر على عدم الأخذ بالاعتراف غير القضائي ويرى الفقه الانجلو أمريكي الأخذ بالاعتراف الغير إرادي طالما كان صادقاً ومطابق للحقيقة حيث أن الصدق هو المقياس الوحيد للأخذ بالاعتراف فإذا حصل رجل الشرطة على اعتراف بطرق غير مشروعة واقتنعت المحكمة بصدقه فإن علاج هذا التصرف يكون بمعاقبة رجل الشرطة وليس باستبعاد الاعتراف.
وفي النظام الانجلو أمريكي يرى الفقهاء أن اعتراف المتهم لا يعتبر دليلاً ضد متهم أخر فالمتهم يؤخذ فقط باعترافه هو وليس اعتراف شريكه وفي النظام الانجلو أمريكي يختلف الوضع في مدى كفاية الاعتراف وحدة للحكم بالإدانة حيث أن الوضع يختلف في انجلترا عنه في أمريكا فالفقه والقضاء الانجليزي مستقر على أن الاعتراف الإرادي كافي لإصدار حكم بالإدانة بدون حاجة لتأييد الاعتراف بدليل أخر فيما عدا بعض الجرائم الهامة مثل جرائم القتل وجرائم تعدد الزوجات أو الأزواج والاعتراف بالزنا.
أما في أمريكا فالفقه مستقر على أن الاعتراف بمفرده غير كاف لان يبني عليه الإدانة بل يجب أن يؤيد بدليل أخر ويؤيد القضاء هذا الاتجاه.
وأما عن العدول عن الاعتراف في الدول الأنجلو أمريكية فيختلف اثر العدول عن الاعتراف باختلاف المرحلة التي صدر بها.
ففي الدول الانجلو أمريكية يجوز للمتهم العدول عن اعترافه بعد التحقيق الابتدائي وذلك عند بدء المحاكمة بأن يقرر أنه غير مذنب.
أما إذا اعترف المتهم عند بدء المحاكمة وقرر أنه مذنب فلا يستطيع العدول عن هذا الاعتراف إلا إذا سمح له القاضي بذلك عندما يجد أن هناك سبباً كافياً لهذا العدول.
أما بعد صدور الحكم فالمحكمة ليس لها سلطة في السماح للمتهم بالعدول عن اعترافه ولكن هناك ظروف استثنائية يجوز فيها للقاضي السماح للمتهم بالعدول عن اعترافه بالإدانة رغم صدور الحكم وذلك عندما ترى المحكمة أن المتهم قد وقع فعلاً في سوء فهم للقانون أو لوقائع الدعوى.

المطلب الرابع
الاعتراف في القانون الكويتي

أولاً: مفهوم الاعتراف وشروطه.
الاعتراف هو قول صادر عن متهم يقر فيه نسبة التهمة إليه ويعتبر الاعتراف سيد الأدلة ولكن يشترط لصحة هذا الاعتراف شروط أربعة.
1) يجب أن يكون المتهم قد أدلى به وهو في كامل إرادته ووعيه ولا يكفي أن يكون المتهم قد أدلى باعترافه عن أرادة واعية بل يلزم أن تكون هذه الإرادة لم يباشر عليها أي ضغط من الضغوط التي تصيبها أو تؤثر عليها كالإكراه أو التعذيب أو التهديد. ولا يتوافر للاعتراف شروط صحته في الأحوال التي يحصل فيها هذا الاعتراف نتيجة تقليل أو خداع كالوعد بالإفراج أو خلافه.
2) يجب أن يكون الاعتراف قد توافر فيه الشكل القانوني المستمد من الجهة التي يدلى أمامها المتهم باعترافه.
فالاعتراف الصادر أمام مأمور الضبط القضائي أو أمام النيابة العامة بمحاضر الاستدلالات والتحقيق الابتدائي لا يعتبر اعتراف بل مجرد أقوال وليست اعترافاً بالشكل القانوني الذي يتطلبه القانون.
فلا يجوز الاستناد إلى اعتراف المتهم في الشرطة أو في محاضر تحقيق النيابة إذ تحقق القاضي إن إرادته كانت معيبه.
3) يجب أن يكون الاعتراف قد صدر بناء على إجراء صحيح فلا يعتد بالاعتراف الصادر والذي جاء وليد إجراء باطل لأن ما بني على باطل فهو باطل.
4) يجب أن يكون الاعتراف صريحاً وواضحاً ولا يحتمل تأويلاً أو تفسيراً فيجب التحقق من تطابق الاعتراف الموضوعي مع وقائع الدعوى وتطابقه النفس من حيث اتجاه المعترف إلى اقتراف السلوك الإجرامي وليس مجرد تحمل المسئولية.

ثانياً: الاعتراف في مراحل التحقيق.
1) الاعتراف في محضر جمع الاستدلالات.
يثبت رجل الشرطة أثناء تحرير محضر التحري ما يبديه المتهم من أقوال وما يتقدم به من دفاع وإذا كانت أقوال المتهم تتضمن اعترافاً بارتكاب جريمة فلرجل الشرطة تدوينه مبدئياً في محضره ويحال إلى المحقق ولاستجوابه والتثبت من صحة الاعتراف ” م/ 42 من قانون الإجراء الجزائية”
2) الاعتراف في النيابة العامة.
إذا كان المتهم حاضرا فعلى المحقق قبل البدء في إجراءات التحقيق أن يسأله شفوياً عن التهمة الموجهة إليه.
فإذا اعترف المتهم بارتكاب الجريمة في أي وقت أثبت اعترافه في محضر التحقيق فور صدوره ويناقش فيه تفصيلياً.
وإذا أنكر ما وجه إليه من اتهام وجب استجوابه تفصيلياً بعد سماع شهود الإثبات ويوقع المتهم على أقواله بعد تلاوتها عليه أو يثبت في المحضر عجزه عن التوقيع أو امتناعه عن التوقيع.
وللمتهم الحق في أن رفض الكلام أو يطلب التأجيل لحين حضور محاميه ولا يجوز تحليف المتهم اليمين ولا استعمال أي وسائل إغراء أو أكراه ضده وللمتهم أن يناقش شهود الإثبات وأن يطلب سماع شهود نفي أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق وتثبت طلباته ودفاعه في المحضر “م 98 من قانون الإجراءات الجزائية”.
3) الاعتراف أمام المحكمة.
توجه المحكمة التهمة إلى المتهم بقراءتها عليه وتوضيحها له ثم يسأل عما إذا كان مذنب أم لا مع توجيه نظره إلى أنه غير ملزم بالكلام أو الإجابة وأن أقواله قد تكون حجة ضده.
“م 155 من قانون الإجراءات الجزائية”.
وإذا اعترف المتهم في أي وقت أنه مذنب فعلى المحكمة أن تسمع أقواله تفصيلاً وتناقشه فيها وإذا اطمأنت إلى أن الاعتراف صحيح ورأت أنه لا حاجة إلى أدلة أخرى فلها أن تستغني عن كل إجراءات التحقيق الأخرى أو بعضها وأن تفصل في القضية ولها أن تتم التحقيق إذا وجدت لذلك داعياً.
“م155 من قانون الإجراءات الجزائية”.
ومن المقرر أن اعتراف المتهم يقتصر أثره عليه دون سواه ولا يعتبر اعترافاً من أقوال المتهم إلا ما يكون صريحاً وقاطعاً في ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه عن بينه وحرية وإدراك دونما تجزئه لأقواله أو تأويلها أو حذف شئ منها وفيما عدا ذلك فإن أقوال المتهم سواء في المحكمة أو التحقيق السابق على المحاكمة تخضع كغيرها من أقوال الخصوم أو الشهود لتقدير المحكمة ولها أن تستخلص منها قرائن في الإثبات أو النفي سواء بالنسبة إلى المتهم أو إلى غيره من المتهمين ولو أقتضى الأمر تفسيرها أو تجزئتها وأن أقوال المتهم في أي تحقيق أو محاكمة تصلح دليلاً له أو عليه في أي تحقيق أخر أو أي محاكمة أخرى.
“م 157 من قانون الإجراءات الجزائية”.
ولا يجوز تحليف المتهم اليمين ولا إكراهه أو إغراءه على الإجابة ولا على أبداء أقوال معينة بأية وسيلة من الوسائل ولا يفسر سكوت المتهم أو امتناعه عن الإجابة على سؤال بأنه أقرار بشئ ولا تصح مؤاخذته على ذلك.
ولا يجوز معاقبة المتهم على شهادة الزور بالنسبة للأقوال التي يبديها دفاعا عن نفسه.
ولكن للمحكمة أن تستخلص من امتناع المتهم على الإجابة أو من إجابته غير الصحيحة ما ترى استخلاصه.
“م158 من قانون الإجراءات الجزائية”.
وإذا رأت المحكمة أن أقوال المتهم أو اعترافاته قد صدرت نتيجة تعذيب أو إكراه فعليها أو تعتبرها باطلة ولا قيمة لها من الإثبات.
“م159 من قانون الإجراءات الجزائية”.
ومن المقرر في قضاء التمييز الكويتي أن الاعتراف الذي يعول عليه يجب أن يكون اختيارياً وهو لا يعتبر كذلك ولو كان صادقاً إذا صدر أثر أكراه أو تهديد كائناً ما كان قدره وان الدفع ببطلان الاعتراف من الدفوع الجوهرية الذي يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه.
“طعن رقم 154 / 99 جزائي جلسة 25/1/2001، طعن رقم 57/99 جزائي جلسة 22/2/2000 طعن رقم 210 / 99 جزائي جلسة 4/4/2000.
ومن المقرر في قضاء التمييز الكويتي أن الرهبة والخوف لا يعتبران سبباً لبطلان الاعتراف فإن نص الطاعن بأن اعترافه بتحقيقات النيابة العامة جاء وباطلاً لأنه كان وليد الخوف والرهبة لعدم سبق مثوله أمام سلطات التحقيق غير سديد.
“طعن رقم 207/2001 جزائي جلسة 2/10/2001”.
ومن المقرر أيضا في قضاء التمييز أن الاعتراف اللاحق الصادر من المتهم بعد التفتيش الباطل لا يحول دون أخذ المحكمة به لأن هذا الاعتراف إجراء مستقل مثبت الصلة بالقبض والتفتيش الباطلين.
“طعن رقم 251 / 99 جزائي جلسة 29/2/2000”.
ومن المقرر أن إطالة أمد الاستجواب لا يبطل اعتراف فللمحقق أن يباشر التحقيق بالكيفية التي يراها محققة لغايته وهي استجلاء الحقيقة واستجماع أدلة إدانة المتهم أو براءته وأن استطالة أمد الاستجواب لا يبطل الاعتراف ما دام أن المتهم الطاعن لم يتم الدليل على أن المحقق تعمد الإطالة دونما مقتضى لإرهاقه والتأثير على إرادته.
“طعن رقم 163/ 98 جزائي جلسة 22/6/1999”.
ومن المقرر أيضاً أن للمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين ولو عدل عنه بعد ذلك مادام قد أطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
طعن رقم 241 / 96 جزائي جلسة 24/3/1997 ، طعن رقم 165/96 جزائي جلسة 30/6/1997
ومن المقرر أن الدفع ببطلان الاعتراف الصادر من المتهم كونه وليد إكراه لا يقبل أثارته أول مرة أمام محكمة التميز كونه دفاع موضعي لابد من أثارته أمام محكمة الموضوع.

“طعن رقم 119/96 جزائي جلسة 24/2/1997”
ومن المقرر أن الاعتراف في المسائل الجزائية لا يخرج عن كونه دليلاً من أدلة الدعوى يخضع لتقدير محكمة الموضوع كسائر أدلتها إلا أنه متى أفصمت المحكمة عن الأسباب التي من أجلها أخذت به أو أطرحته فإنه يلزم أن يكون ما أصدرته واستدلت به مؤدياً إلى ما رتب عليه من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر في حكم العقل والمنطق ويكون لمحكمة التمييز مراقبتها.
“طعن رقم 94/96 جزائي جلسة 30/6/1997.

المبحث الخامس
الفرق بين الاعتراف والإقرار المدني

الاعتراف كما سبق القول هو أقرار صادر من المتهم بصحة ارتكابه للوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها.
أما الإقرار المدني فهو إقرار خصم لخصمه بالحق الذي يدعيه مقرراً نتيجته قاصداً إلزام نفسه بمقتضاه. ( )
وهناك أوجه اختلاف عديدة بين الاعتراف والإقرار المدني على التفصيل الأتي:

أولاً: تتجه نية المقر في الإقرار المدني إلى تحمل الالتزام وترتيب أثاره القانونية.
أما في الاعتراف الجزائي فلا دخل لهذه النية ولا أهمية لها لأن القانون وحدة هو الذي يرتب الآثار القانونية على هذا الاعتراف ولو لم تتجه نية المعترف إلى حصولها.
فمثلاً لو أعترف المتهم بالتهمة ظناً منه أن هذا الاعتراف سوف يجنبه العقاب فإن ذلك لا يحول دون ترتيب أثاره القانونية.

ثانياً: أن الإقرار المدني يعتبر سيد الأدلة في المسائل المدنية فهو حجة قاطعة على المقر ويعفي المدعى من إقامة الدليل على دعواه وهو ملزم للقاضي المدني ولا يجوز للمقر أن يعدل عن إقراره إلا لخطأ في الوقائع( ) وعلى المقر أن يثبت الخطأ حتى يستطيع العدول عن إقراره.
أما الاعتراف الجنائي فهو ليس حجة في ذاته وإنما هو خاضع لتقدير المحكمة ولا يعفي النيابة من البحث عن باقي أدلة الدعوى ولا القاضي من الاستمرار في نظر القضية وللمتهم حق العدول عنه في أي وقت دون أن يكون ملزماً بإثبات عدم صحة الاعتراف الذي عدل عنه.

ثالثاً: الإقرار المدني لا يتجزأ على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى أما الاعتراف الجنائي فيجوز تجزئته وهو أمر متروك لسلطة القاضي وتقديره.
رابعاً: الإقرار المدني قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً فيعتبر الامتناع أو السكوت أقراراً ضمني في بعض الأحوال فمن المقرر بقانون الإثبات أن كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون أن يردها على خصمه وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر دعواه.
أي أن الامتناع عن اليمين يعد عدم إنكار للواقعة المراد الاستحلاف عليها أي إقرارا بها.
أما الاعتراف الجنائي فيشترط أن يكون صريحاً لا لبس فيه ولا غموض.

خامساً: الإقرار المدني لا يصح صدوره إلا من اكتملت أهليته المدنية فإقرار القاصر الذي لم يبلغ واحد وعشرين عاماً غير مقبول في الإثبات ولا يمكن الاحتجاج به قبل المقر فيما هو مأذون به من التصرفات أي يشترط في الإقرار المدني أن يكون للمقر أهلية التصرف فيما اقر به.
أما الاعتراف الجنائي فلا يتقيد بسن الرشد فقد يصدر من الشخص الذي تزيد سنه على سبع سنوات وهنا يظهر الخلاف بين الأهلية الجنائية والأهلية الإجرائية فالصغير ناقص الأهلية يمكن أن يكون آهلا لصدور اعتراف صحيح منه فرغم كون الصغير هنا غير كامل التمييز ومسئول مسئولية جنائية ناقصة ولكن قد يتبين للقاضي أنه آهلاً لصدور اعتراف صحيح منه فيأخذ به في الإثبات.( )

الفصل الثاني
شروط صحة الاعتراف وأثر الاعتراف الباطل

المبحث الأول شروط صحة الاعتراف

الاعتراف دليل من أدلة الإثبات ولكل دليل شروط وقواعد تحقق به صحته فبعض هذه القواعد وارد صراحة في التشريع والبعض الآخر من اجتهاد الفقه اجتهاد يقيد حرية القاضي في الاقتناع وتبرره الرغبة في تأمين الحريات الفردية التي كفلها الدستور.( )
ونلاحظ وجود اختلاف في تحديد هذه الشروط وتعدادها بين الفقهاء فمنهم من قسمها إلى ثلاث شروط( ) وآخرون إلى أربعة شروط( ) والبعض قسمها على ستة شروط. ( )
وسنتناول في هذا المبحث الشروط الأربعة المتفق عليها على النحو التالي:
1) أن تتوافر الأهلية الإجرائية لدى المعترف.
2) أن يصدر الاعتراف عن إرادة حرة.
3) أن يكون الاعتراف صريحاً.
4) استناد الاعتراف إلى إجراءات صحيحة.

المطلب الأول
أن تتوافر الأهلية الإجرائية لدى المعترف

الأهلية الإجرائية شرط هام ينبغي أن تتوافر في الشخص الذي صدر عنه الاعتراف وهي تعني الأهلية لمباشرة نوع من الإجراءات على نحو يعتبر معه هذا الإجراء صحيحاً ويتبع أثاره القانونية وهي لا ترتبط بضوابط الأهلية للمسئولية الجنائية ولكن مناطها فهم ماهية الإجراء وإمكان تقدير أثاره أي توافر الإدراك أو التمييز دون اشتراط حرية الاختيار. ( )
أما الأهلية الجنائية فهي الأساس لمساءلة الشخص جنائياً ويتمثل ذلك في مدى قدرة الشخص على الإرادة الحرة وهذه الأخيرة أساس المسئولية الجنائية وعناصر هذه الأهلية هي الشروط التي يوجبها القانون للاعتداد بإرادة الجاني وتتمثل في الإدراك أو التمييز وحرية الاختبار. فالإدراك والتمييز هو قدرة الشخص على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع أثارها وما يترتب عليه من نتائج وليس في فهم التكييف القانوني للفعل أما حرية الاختيار فهي أن يتوفر لدى الشخص الإرادة الحرة أي القدرة على توجيه الإرادة إلى عمل معين أو الامتناع عنه ، والأصل العام أن كل من توافرت له الأهلية للمسئولية الجنائية تتوافر له كذلك الأهلية الإجرائية ولكن هذه القاعدة غير مطلقة فقد يكون المتهم أهلاً جنائياً وإجرائياً وقت ارتكاب الفعل الإجرائي ثم يفقد أهليته الإجرائية بعد ذلك كمن يصاب بجنون لاحق على ارتكاب الجرم بل قد يكون المتهم أهلاً لمسئولية جنائية وقت فعله ولكن أهليته الإجرائية تكون منتفية كالحدث والأصل عدم جواز اتخاذ ذات الإجراءات ضد شخص إلا إذا توافرت له الأهلية الإجرائية كما تفترضه الإجراءات وخاصة مرحلة المحاكمة من مشاركة للمتهم فيها واستطاعته لإبداء دفاعه كاملاً.( )
والأهلية الإجرائية للمعترف تقوم على شرطين هما: أن يكون المعترف متهما بارتكاب الجريمة وتوافر الإدراك والتمييز وقت الإدلاء بالاعتراف وسوف نوضح هذين الشرطين كما يلي:

الفرع الأول
أن يكون المعترف متهما بارتكاب الجريمة
يشترط في الشخص الذي يصدر منه الاعتراف أن يكون وقت اعترافه متهماً بارتكاب الجريمة فالشاهد الذي يعترف بارتكاب الجريمة أثناء الإدلاء بشهادته لا يعتبر ما صدر منه اعتراف بالمعنى القانوني لأنه وقت صدور هذا الاعتراف لم يكن أهلاً له وبعبارة أخرى لم تتوافر فيه الأهلية اللازمة للاعتراف بارتكاب جريمته وهي أن يكون متهماً. ( )

الفرع الثاني
أن يتوافر الإدراك والتمييز وقت الإدلاء بالاعتراف
لاكتمال الأهلية الإجرائية لدى المتهم المعترف يجب أن يكون متمتعاً بالإدراك والتمييز وقت الإدلاء باعترافه بأن تكون لديه القدرة على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع أثارها ولا يتمتع الصغير والمجنون والسكران بهذه الأهلية وينعدم الإدراك والتمييز لديهم والاعترافات الصادرة منهم غير مقبولة في الإثبات الجزائي( ). وعليه سنتناول اعتراف الصغير، اعتراف المجنون أو المصاب بعاهة في العقل واعتراف السكران على النحو التالي:

1) اعتراف الصغير:
في المسائل الجنائية لا يشترط في المتهم سناً معينة عند اعترافه أي أنه لا يتقيد بسن الرشد الذي تعارف على تحديد في القانون المدني وذلك لاختلاف الاعتراف الجنائي عن الإقرار المدني كما بينا سابقاً.
وعليه فإن اعتراف الصغير دون السابعة لا يقبل في الإثبات لانعدام التمييز لديه مما يترتب عليه عدم توافر القوى الذهنية القادرة على تفسير المحسوسات وإدراك ماهية الأفعال وتوقع أثارها. أما الصغير الذي أكمل السابعة من عمره فيرجع لسلطة قاض الموضوع في تقديره لمدى فهم الصغير لماهية أفعاله التي اعترف بها وما يترتب عليها من نتائج وعلى ضوء ذلك للمحكمة أن تأخذ بها الاعتراف أو أن تطرحه جانباً. ( )
وهنا يظهر الاختلاف بين الأهلية الجنائية والأهلية الإجرائية فمن مظاهر هذا الاختلاف إن الصغير ناقص الأهلية الجنائية ممكن أن يكون أهلاً لصدور اعتراف صحيح منه رغم كونه غير كامل التمييز ومسئوليته الجنائية ناقصة ولكن قد يتبين للقاض أنه أهل لصدور اعتراف صحيح منه فيأخذ به في الإثبات.
ولا يأخذ القضاء الانجليزي باعتراف الصغير الذي لم يبلغ عشر سنوات لانعدام التمييز لديه أما الصغير من سن عشر سنوات إلى أربع عشر سنوات فيشترط للأخذ باعترافه أن تثبت مقدرته على تمييز الخطأ. ( )

2) اعتراف المجنون أو المصاب بعاهة في العقل.
لقد عرف الفقه الجنون بعدة تعريفات منها أنه “حالة الشخص الذي يكون عاجزاً عن توجيه تصرفاته على صورة صحيحة بسبب توقف قواه العقلية عن النمو أو انحرافها أو انحطاطها بشرط أن يكون ذلك في نطاق الحالات المرضية المعينة( ) وفي الإثبات الجنائي لا يعتد باعتراف المتهم المصاب بالجنون أو مرض عقلي أو نفسي لأن هذه الحالات تعدم الشعور والإدراك وتؤثر في مقدرة المتهم على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع أثارها. ( )

3) اعتراف السكران.
ينشأ السكر نتيجة تناول عقاقير مخدرة أو كحول فيترتب عليها فقدان الشعور أو الإدراك وإذا تناول الشخص الكحول أو مادة مخدرة بدون علمه اعتبر سكراً قهرياً وإذا كان بعلمه فيكون سكراً اختيارياً.
فإذا اعترف المتهم وهو في حالة سكر وكان فاقد الشعور وقت الإدلاء باعترافه نتيجة تناوله الكحول قهراً بطل اعترافه ولا يقبل الاعتراف والمعترف فاقد الشعور نتيجة سكر اختياري حيث أن افتراض الشعور عند السكران بإرادته لا يمتد إلى الاعتراف وهذا مظهر من مظاهر الاختلاف بين الأهلية الإجرائية والأهلية الجنائية فالشخص السكران باختياره أهل للمسئولية الجنائية افتراضاً ولكن لا يمكن أن يكون أهل للاعتراف. ( )
وإذا لم يفقد المتهم الشعور تماماً فلا يبطل اعترافه ولكن للمحكمة أن تأخذ به إذا تأيد بأدلة أخرى مع مراعاة أن تقدير توافر السكر وفقد الشعور من المسائل الموضوعية التي تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة. ( )
وقد استقر الفقه والقضاء الانجلو أمريكي على صحة الاعتراف الصادر من المتهم وهو في حالة سكر إذا كان المتهم لا زال في وعيه وصدر الاعتراف عن أرادة حرة ولو أن ذلك يضعف من قيمته ولا يفي هذا الاتجاه التسليم بصحة الاعتراف الصادر من السكران وذلك أن هذا الاعتراف لا يعتبر صحيحاً إلا إذا ثبت أن المتهم كان في وعيه وإدراكه أي أن السكرلم يصل إلى حد إفقاد الوعي أو الإدراك ولذا قضى بأنه إذا كان سكر المتهم وصل إلى درجة الهوس وكان غير قادر على فهم معنى إقراراته فإن الاعتراف يكون غير مقبول.
وعلينه يجب أن تتوافر لدى المعترف الأهلية الإجرائية بأن يكون مدركاً مخيراً وأن تصبغ عليه صفة المتهم والعمل الإجرائي الباطل إذا توافرت فيه عناصر عمل إجرائي أخر صحيح أنصرف إلى هذا العمل الأخير وهذا ما أخذت به التشريعات الإجرائية. إما بالنسبة إلى توافر التمييز والإدراك فإن جزاء تخلفهما هو البطلان المطلق بالنظام العام وذلك باعتبار أن التمييز والإدراك هما أساس حرية الشخص في الاختيار ولا يمكن مصادرة هذه الحرية أو افتراضها لتعلقها بالنظام العام( ) فيجوز التمسك بهذا البطلان في أية حالة تكون عليها الدعوى وتقضى به المحكمة ولو بغير طلب كما أن البطلان يمتد أثره إلى جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة فما بني على باطل فهو باطل.

المطلب الثاني
أن يصدر الاعتراف عن إرادة حرة

حتى يصبح الاعتراف مقبولاً في الإثبات يجب أن يكون صادراً عن إرادة حرة وواعية وان يكون المعترف متمتعاً بحرية الاختيار لذا يجب أن يكون بعيداً عن أي تأثير خارجي وأن كان هناك تأثير على أرادة المعترف أصبح اعترافه باطلاً فالاعتراف الذي يعتبر حجة ضد المتهم هو الذي يصدر عن إرادة حرة واعية فإذا شاب أرادته أكراه مادي أو أذى عُد الاعتراف باطلاً.
والتأثير المبطل للاعتراف أماي كون مادياً أو أدبياً والاختلاف بينهما كما يراه البعض هو في الوسيلة المؤثرة على الإرادة ففي التأثير المادية تكون الوسيلة مباشرة وتكون غير مباشرة في التأثير الأدبي. ( )

الفرع الأول : التأثير الأدبي
والتأثير الأدبي على المتهم كحمله على الاعتراف عدة صور أهمها الوعد والأغراء، التهديد “الإكراه المعنوي، تحليف المتهم اليمين، الحيلة والخداع وفيما يلي تفصيلها.

أولاً: الوعد والأغراء.
يعتبر الوعد أحد الوسائل التقليدية لحمل المتهم على الاعتراف وهو كل ما من شأنه إيجاد الأمل لدى المتهم بتحسين ظروفه إذا اعترف بجريمته كالوعد بالعفو( ) وليس كل وعد أو أغراء يبطل الاعتراف لكن القاعدة العامة أن يبطل الاعتراف عندما يكون الأغراء من الصعبة على الشخص العادي مقاومته مما يؤدي لاعترافه( ) فالاعتراف الصادر نتيجة الوعد يكون باطلاً ولو كان اعترافاً حقيقياً طالما صدر نتيجة التأثير بهذا الوعد وعلى الحكمة أن تبين مدى تأثير ذلك الوعد على إرادة المتهم وأن تبحث الصلة أو الرابطة بين الوعد والاعتراف( ).
وإذا كانت القاعدة العامة تقض بأن الوعد والأغراء يبطل الاعتراف إلا أنه يرد استثناء على هذه القاعدة بحيث لا يبطل الاعتراف إذا كانت الفائدة التي ستعود على المتهم لا تتناسب مع الضرر الذي يصيبه في الاعتراف بالجريمة كالوعد بمكافئة مالية كما أنه إذا قدم أوصدر الوعد بعد الإدلاء بالاعتراف فلا يكون له اثر على صحة الاعتراف ويعتبر مقبولاً كدليل في الإثبات ويستحسن عدم اللجوء للوعد سواء قبل الاعتراف أو بعده وفي حالة صدور الاعتراف من المتهم نتيجة أمل رواده في احتمال العفو والإفراج عنه أو عدم محاكمته دون أن يكون هذا الأمل صادراً من المحقق فيعتبر الاعتراف صحيحاً ومقبولاً في الإثبات متى ثبت أنه كان صادقاً ومطابقاً للحقيقة كما يؤثر الوعد على حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والإقرار فيدعو إلى الريبة في القرار ويهدد قوته كدليل. ( )

ثانياً: التهديد “الإكراه المعنوي”
وهو عبارة عن ضغط يمارسه شخص على إرادة شخص أخر لتوجيهها إلى سلوك معين ويستوي في ذلك أن يكون التهديد بإيذاء المهدد في شخصيته أو في ماله أو بإيذاء غيره من أعزائه. ( )
فإذا اعترف المتهم نتيجة للتهديد الذي وقع على إرادته أعتبر اعترافاً باطلاً ويجب استبعاده كدليل في الإثبات فالتهديد المبطل للاعتراف يستوي أني كون مصحوباً بفعل مادي أم لا ويستوي أن يكون يتضمن إيقاع الأمر المهدد به في الحال أم لا وكذلك يكفي تخويف المهدد بحيث يحمله على تنفيذ ما طلب منه( ) ويستوي أن يكون المهدد قد قصد تنفيذ تهديده أولاً. ( )
والتهديد قد يكون مباشر أو غير مباشر ويكون التهديد مباشر كالتهديد بالاعتداء على زوجته أو حرمانه من الطعام ومن صور التهديد الغير مباشر المبطل للاعتراف تعذيب شريك المتهم أمامه( ) إلا أن مجرد وجود المتهم داخل السجن لا أثر له في صحة الاعتراف( ) ويكون اعتراف المتهم باطلاً إذا أدلى بأقواله وهو محاط بأهله القتيل وكان خاضعاً لسيطرتهم ويسمع شتائمهم ويراهم يهيئون الوسيلة لقتله أو إيذائه( ).
ويشترط في التهديد المبطل للاعتراف شرطان
الأول: صدور التهديد بناء على سبب غير مشروع.
أن بعض إجراءات الاستدلال والتحقيق تتسم بطبيعتها بالقهر أو العنف ولذلك يجب التمييز بين الوسائل المشروعة وغير المشروعة التي أتبعت مع المتهم لحمله على الاعتراف فلا يكفي مجرد إخضاع المتهم للتهديد ما لم يكن هذا التهديد وليد إجراءات غير مشروعة. ( )
ولا يكفي الخوف من القبض أو الحبس حتى يتحلل المقر من إقراره طالما وقعا صحيحاً وفقاً للقانون فلا يعد اعترافاً معيباً سواء كان هذا الخوف تلقائياً أو هدده به المحقق وغنى عن البيان أن حضور ضابط الواقعة الاستجواب الذي نتج عنه الاعتراف لا يعيب الاعتراف ما دام لم يصدر من الضابط ما يعد إكراه مادي أو معنوي. ( )
– “مجرد الخشية من رجال الشرطة لا تعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكما ما دامت إرادة المتهم بقيت حرة ولم يستطل إليها الضابط بأذى فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له”.( )
الثاني: أن يؤدى التهديد مباشرة إلى الاعتراف.
لا يكفي مجرد حصول تهديد غير مشروع على المتهم لبطلان الاعتراف الصادر منه بل يجب أن يؤدى هذا التهديد مباشرة إلى حمل المتهم على الاعتراف وإذا لم يصدر من المتهم أي اعتراف نتيجة هذا التهديد ثم صدر منه اعتراف في مناسبة أخرى فلا يجوز له الادعاء أن هذا الاعتراف قد جاء في أعقاب التهديد ولا يشترط أن يكون الخوف الناتج عن التهديد بدرجة معينة حتى يكون مفيداً للاعتراف. ( )
ففي حالة توافر الشرطين السابقين في التهديد واعتراف المتهم نتيجة لذلك التهديد كان ذلك الاعتراف باطلاً لأنه صدر عن أرادة غير حرة علماً أن أثر التهديد على إرادة المعترف متروك لتقدير محكمة الموضوع حيث أن التهديد وأثره يختلف من شخص لآخر. ( ) فمن أعتاد الإجرام لا يتأثر بالتهديد الذي يمس شخصه ولكن إذا كان التهديد يمس أشخاصا أعزاء عليه فإنه في الغالب يضعف أمام ذلك التهديد ويعترف بارتكاب الجريمة. ( )
جاء في حكم محكمة التمييز” ماجاء بنص في المادة 158/1 من قانون الأجراءات والمحاكمات الجزائية على أنه “لا يجوز تحليف اليمين وإكراهه او إغراؤه على الإجابة ولا على إبداء أقوال معينة بأية وسيلة من الوسائل” مفاده أن الاعتراف الذي يعول عليه كدليل إثبات في الدعوى يجب أن يكون إختياريا صادرا عن إرادة حرة فلا يصح التعويل على الاعتراف ولو كان صادقا متى كان وليد إكراه او تهديد كائنا ما كان قدره. لما كان ذلك وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهري يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه مادام الحكم قد عول عليه في إدانة المتهم. ( )

ثالثا:ً تحليف المتهم اليمين.
ألزمت القوانين الإجرائية المختلفة الشاهد بأن يحلف اليمين وذلك بهدف حمله على الصدق في أقواله إلا أن هذا الإلزام لا ينطبق على المتهم لمخالفته لمبادئ الدستورية ووثيقة إعلان حقوق الإنسان( ).
أن توجيه اليمين إلى المتهم يوقعه في الحرج لأنه أما أن يرغم على قول الحق وأما أن ينكث فيها ولذلك كان توجيهها في المواد الجنائية محظوراً.
فمن المستقر عليه في الدول اللاتينية أنه لا يجوز تحليف المتهم اليمين لأن ذلك يمثل اعتداء على حريته في الدفاع كما يؤدي إلى وضعه بين اختيارين كلاهما مرهق لمصلحته في حلف اليمين كذباً فيخالف ضميره الديني والأخلاقي ومصلحته في أرضاء ضميره فيكشف عن الحقيقة ويتهم نفسه ويعرض نفسه للعقاب.
وفي الدول الأنجلو أمريكية يعتبر تحليف المتهم اليمين نوعاً من الإكراه المعنوي على قول الحقيقة يترتب عليه بطلان الاعتراف كونه غير إرادي. ( )
وفي القانون الانجليزي يجوز تحويل المتهم إلى شاهد في الدعوى المقامة بناء على طلبة وذلك طبقاً لقانون الإثبات لسنة 1898 وفي هذه الحالة يحلف اليمين ويناقش فيما يدلي به من أقوال.
وفي القانون المصري فإن تحليف المتهم اليمين يعتبر من صور الإكراه الأدبي في إرادة المتهم مما لا يجوز الالتجاء إليه. ولا يصح أن يطالب المتهم تحليفه اليمين قبل استجوابه إلا أنه إذا حلف اليمين من تلقاء نفسه أثناء استجوابه فلا يعتبر هذا تقييداً لحريته في أبداء أقواله وإنما هو أسلوب الدفاع يهدف إلى بث الثقة في صدق ما يقرره. ( )
رابعاً:الاعترافات الناتجة عن طريق استعمال وسائل الحيلة والخداع.
الحيلة هي تلك الأعمال الخارجية التي يؤتيها الشخص ليؤيد بها أقواله الكاذبة ويستمر بها غشه لأن الكذب المجرد لا يكفي لتكوين الحيلة بل يلزم تأييده بمظاهر خارجية تعززه. ( )
والقانون لا يجيز الاستعانة بوسائل الحيلة والخداع للحصول على اعترافات المتهم ولو كان الوصول إلى الحقيقة متعذراً بدون استعمالها وعليه يجب أن تستبعد الاعترافات الناتجة عن الحيلة أو الخداع لأن الخداع ينطوي على نوع من التدليس الذي يوقع المتهم في الفخ فيصيب إرادته فطالما كانت أرادته معيبة وقت الإدلاء بالاعتراف فإنه لا يكون صحيحاً.
والقضاء الأمريكي عكس القضاء في الدول اللاتينية وخاصة فرنسا مازال يقبل الأدلة التي يتم الحصول عليها بطريق الحيلة والخداع بشطر أن لا تؤدي إلى اعتراف مزور غير حقيقي.
ومن أهم صور الحيلة والخداع التي يتم اللجوء عليها للحصول على اعتراف المتهمين.
1) التصنت خلسة على المكالمات الهاتفية.
2) التسجيل الصوتي.

إذا أن كلاهما يجافى قواعد الخلق القديم وتأبا مبادئ الحرية التي كفلها الدستور وهو في حقيقته تلصصاً وانتهاكاً لألصاق الحقوق بشخص الإنسان وهو حقه ألا يتسلل أحد إلى حياته الخاصة. ( )

الفرع الثاني – التأثير المادي :
وهو النوع أو الشكل الثاني من أشكال التأثير التي تؤثر على أرادة المتهم وبالتالي فإن الاعتراف الصادر نتيجة هذا الإجراء يكون باطلاً ومن أهم صور هذا التأثير العنف “الإكراه المادي، إرهاق المتهم بالاستجواب المطول، الاستعانة بكلاب الشرطة، الاعتراف تحت التنويم المغناطيسي، الاعتراف الناتج عن تأثير العقاقير المخدرة، الاعتراف نتيجة استخدام جهاز كشف الكذب، وسنعرض لكل منها على النحو الآتي:

أولا : العنف “الإكراه المادي”.
ويتم عن طريق المساس بجسم المتهم ويتحقق بأية درجة من درجات العنف التي تفسد إرادته أو تفقده السيطرة على أعصابه ويراد بالعنف المباشر الذي يقع على الشخص ويمس جسده ومن شأن هذا العنف أن يعيب إرادة المتهم نسبياً أو يعدمها.
ويستوي أن يكون العنف سبب ألماً للمتهم أم لم يسبب شيئاً من ذلك لأن المتهم لا يتصرف بحرية وتكون إرادته معيبة لخضوعه للتعذيب فاعترافه لا قيمة له فمن السهل أن تجبر المتهم على الكلام لكن من الصعوبة إجباره على قول الحقيقة.( ) وقد استبعد القضاء الفرنسي الاعترافات الناتجة عن استعمال العنف مع المتهم. ( )
وهذا ما استقر عليه القضاء الأنجلو أمريكي على أن العنف يفسد الاعتراف( ).
كما أن اللجوء إلى العنف والشدة وذلك بقصد الحصول على الاعتراف يعتبر من الأعمال المحظورة وقد أعتبرها كل من المشرع الأردني والمصري واليمني جريمة يعاقب عليها قانونياً.

ثانيا : إرهاق المتهم بالاستجواب المطول.
أن الاستجواب في حد ذاته إجراء مشروع من إجراءات التحقيق وما يترتب عليه صحيح ألا أن المحقق قد يلجأ إلى إرهاق المتهم بالاستجواب المطول حتى يضعف معنوياته ويقلل من حدة انتباهه أثناء الإجابة فيحمله على الاعتراف( ) فيؤدي الاستجواب المطول إلى إرهاق المتهم وقول ما ليس في صالحه ويتعين على المحاكم بحث ما إذا كان من شأنه أن يؤثر في إرادة المتهم وذلك بدراسة الظروف المختلفة المحيطة به والضغط الذي يواجهه وقوة مقاومته مع الأخذ في الاعتبار سنه وحالته الصحية والعقلية والضابط في اعتبار الاستجواب مطول ليس زمني لكنه مجرد شعور المتهم بالإرهاق وهو ضابط نسبي يختلف باختلاف درجة تحمل كل شخص.( )
فيخرج المحقق عن حياده الواجب متى تعمد أطالة الاستجواب لإرهاق المتهم وإجباره على الاعتراف الأمر الذي يمس أهليته الإجرائية في مباشرة التحقيق وتحديد أثر هذه الإطالة هو أمر موضوعي يخضع لتقدير المحقق تحت أشراف محكمة الموضوع.
– وما جاء في حكم محكمة التمييز أنه ” ومن القرر أن إطالة أمد الإستجواب لا يبطل الاعتراف ” فللمحقق أن يباشر التحقيق بالكيفية التى يراها محققة لغايته وهى استجلاء الحقيقة واستجماع أدلة إدانة المتهم أو براءته، وليست استطالة أمد الاستجواب في حد ذاتها مما يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف حقيقة أو حكما مادام أن الطاعن لم يقم الدليل على أن المحقق تعمد الإطالة من دون مقتضى لإرهاقه والتأثير على إرادته “( )
والقضاء الأنجلو أمريكي والقضاء الفرنسي لا يحبذ اللجوء إلى استجواب المتهم المطول لحمله على الاعتراف. ( )

ثالثاً : الاستعانة بكلاب الشرطة.
كلاب الشرطة نوع خاص من الكلاب له مزايا ينفرد بها عن غيره كقوة الشم ودقة السمع وتؤدي مهام مثل تتبع الأثر والتعرف على الجاني أو الجناة والحراسة( ) واستخدام كلاب الشرطة من الوسائل الحديثة التي يستعين بها المحققون للتعرف على الفاعل ومكان اختفاء الجناة الهاربين والمكان الذي تخفضى فيه المسروقات والمواد المخدرة والأدوات المستخدمة في ارتكاب الجريمة. ( ) وكل ذلك دون المساس بنفسية المتهمين وسلامة أجسامهم. ( ) ولما كانت الأحكام الجنائية تبني على الجزم واليقين وليس على الظن والتخمين واستعراف الكلب البوليسي على المتهم لا يكون إلا مجرد قرينة يصح الاستناد عليها في تعزيز الأدلة الأخرى القائمة في الدعوى ولا تصح وحدها دليل أساس في ثبوت التهمة على المتهم. ( )
وقد استقر القضاء الأنجلو أمريكي على قبول الدليل الناتج عن استعراف الكلب الشرطي بشرط أن يعزز بأدلة أخرى بمعنى أنه لا يعول عليه وحده كدليل فهو ليس سوى قرينة غير حاسمة من دلالتها ويجب مساندتها بقرائن أخرى.
ويعرض المتهم على الكلب البوليسي وسط مجموعة من الناس وقد يتعرف الكلب على المتهم إذا كان هو صاحب الآثار التي شمها إلا أن المتهم مع هذا قد يعترف وهنا يجب أن نفرق بين أمرين( )
1) إذا كان الاعتراف من المتهم تم قبل قيام الكلب بدوره في عملية الاستعراف ولدى التجهيز لها في هذه الحالة يكون الاعتراف طواعية واختيارياً ويكون لهذا الاعتراف نتائجه القوية.
2) أما إذا كان الاعتراف لدى مهاجمة الكلب للمتهم فإنه لا يكون صادراً طواعية واختيارياً ومن ثم لا يعول عليه.

رابعاً : الاعتراف تحت التنويم المغناطيسي.
أن فكرة الاستجواب تحت تأثير التنويم المغناطيسي تنطوي على اعتداء على شعور المتهم ومكنون سره الداخلي وفيها انتهاك لأسرار النفس البشرية الواجب احترامها ويرى البعض أنه ليس هناك مانع قانوني يمنع من تنويم الشخص المستوجب مغناطيسياً إذا وافق أو طلب ذلك بنفسه وهو بكامل شعوره ووعيه لإظهار براءته لأنه من الظلم أن يرفض طلب المتهم قد يحقق له فائدة.
وخلاصة القول أنه لا يجوز استخدام التنويم المغناطيسي حتى برضاء المتهم طالما يحتمل أن يكون رضاؤه ناتجاً عن خوفه من اعتبار رفضه الخضوع للتنويم قرينة على إدانته كما أن موافقة أو رضا المتهم ليس له أي قيمة قانونية لأنهلا يستطيع أن يتنازل عن الضمانات الدستورية التي تحيط بدفاعه وأن هذه الضمانات لا تخصه فقط بل تخص المجتمع كله( ) ويعتبر استجوابه باطلاً لأنه ليس وليد إرادة حرة واعية دون تأثير ولم نعثر في القضاء المصري على حكم يفصح عن اتجاه المحاكم( ) واتجه القضاء الأمريكي إلى استبعاد الاعتراف الناتج عن التنويم المغناطيسي واعتباره غير مقبول لأنه يحرم المتهم من حقوقه الدستورية. ( )

خامساً : الاعتراف الناتج عن تأثير العقاقير المخدرة.
أن استخدام العقاقير المخدرة تؤثر على الوعي والشعور وتستعمل للارتخاء وتطلق العنان بعدم السيطرة على المشاعر ولا التحكم بالإرادة ولذلك فإن استعمالها يعتبر اعتداء على الحرية الشخصية للفرد( ) واعتبرت محكمة النقض المصرية أن هذه الوسيلة من قبيل الإكراه المادي الذي يؤثر على أقوال المتهم الصادرة منه فيشوبها البطلان( ) ويرفض القضاء الأمريكي استخدام هذه العقاقير التي تعوق حرية الإرادة للحصول على الاعتراف من المتهم ويعتبر الاعتراف باطلاً طالما استخدم العقار المخدر للحصول عليه حيث أنحرف تمييز المتهم ولم تعد إرادته حرة ومقيدة قانوناً وقد ذهبت المؤتمرات الدولية إلى رفض استخدام هذه العقاقير مثل مؤتمر لوزان سنة 1945 والحلقة الدراسية المنعقدة في فينا سنة 1960م. ( )

سادسا : الاعتراف نتيجة استخدام جهاز كشف الكذب.
إن الاعتراف المتهم الصادر نتيجة استعمال جهاز كشف الكذب هناك من يعتبره من عناصر الإثبات لكنه لا يرقى على مرتبة الدليل الكامل وآخر يعتبره صادراً عن إرادة حرة لعدم استناده إلى إجراء باطل في ذاته وأنه يشبه مواجهة المتهم ببصمات أصابعه بشرط أن يكون اعترافاً إرادياً لا يشوبه ما يبطله وآخر يعتبره من قبيل الإكراه المادي. ( )
إلا أن الرأي الراجح في الفقه الجزائي أعتبر الاعتراف الصادر من المتهم نتيجة استخدام جهاز كشف الكذب باطلاً ويجب استبعاده كدليل في الإثبات لأن القانون رتب للإفراد ضمانات للدفاع لا يجب المساس بها. ( ) وإنني أوافقه الرأي.
– من المقرر أن لمحكمة الموضوع دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد اُنتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها. ( )

المطلب الثالث
أن يكون الاعتراف صريحاً

إن شرط صحة الاعتراف تتطلب أن يكون الاعتراف صريحاً لا لبس فيه ولا غموض ولا يحتمل أكثر من تأويل دالاً بذاتة على اعتراف المعترف للفعل المسند إليه وفي حالة عدم تحقق هذا الشرط فلا يجوز للمحكمة التعويل على الاعتراف كدليل في الإثبات.
ويشترط لاعتبار الاعتراف بينه كافية أن يكون خالي من أي لبس أو إبهام وأن تقنع المحكمة بأن المتهم يفهم تماماً ماهية التهمة المعزوة إليه وما يترتب على اعترافه من نتائج.
فلا يجوز لمحكمة الموضوع أن تستنتج اعتراف المتهم من بعض تصرفاته كالهروب أو المصالحة مع المجني عليه على تعويض معين أو عدم الحضور فقد يكون ذلك خشية من القبض عليه. ( ) ولا يعتد بالاعتراف المجمل إلا أنه لا يستلزم الأمر صدور الاعتراف بصيغة معينة ويكفي أن تحمل أقوال المتهم معنى الاعتراف كما في حالة الاعتراف الضمني “كإبداء المتهم استعداده للتوبة” أن يكون واضحاً لا تقبل عبارات المتهم تفسيراً أخر غير التسليم بارتكاب الجريمة( ) ويشترط د. مأمون سلامة حتى تستند المحكمة على الاعتراف الضمني لابد من أدلة أخرى تعزز ما انتهت إليه المحكمة في تكوين عقيدتها. ( )
وعلى المحقق أن يتأكد من أن كل جزء من الاعتراف مفهوم وواضح لكل شخص يقرؤه ويسمعه وإذا وجد أي غموض يجب أن يسأل المتهم عدة أسئلة لإيضاح الغموض.
وما جاء في حكم محكمة التمييز أنه – ” من خلال ما ورد في بنص في الفقرة الأولى من المادة 157 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية على أن “ولا يعتبر اعترافا من أقوال المتهم إلا ما يكون منها صريحا قاطعا في ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه عن بينة وحرية وإدراك…” يدل على أن الاعتراف لا يعول عليه إلا إذا كان صحيحا صادرا من المتهم وهو واع ومدرك لمبنى ما يقر به من أقوال، ومقتضى ذلك أن الدفع بعدم صحة الاعتراف لصدوره من المتهم وهو غير مدرك لما يقوله هو دفع جوهري يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه ما دام أنها عولت في حكمها بالإدانة على الاعتراف ..” ( )
واشترطت البلاد ذات النزعة اللاتينية صراحة الاعتراف ووضوحه وفي انجلترا اشترطت حتى يكون الاعتراف صريحاً أن لا يحتمل التأويل أو التفسير وإذا لم يكن كذلك فلا يجوز الاعتماد عليه. ( )
كما يشترط القضاء الأمريكي صراحة الاعتراف وان يكون الاعتراف قاطعاً بارتكاب الجريمة وأخيراً لا يعتبر صمت المتهم اعترافاً لأن الصمت لا يفيد صراحة إقرار المتهم بالواقعة الإجرامية المنسوبة إليه.

المطلب الرابع
استناد الاعتراف إلى إجراءات صحيحة

أن أدق شروط صحة الاعتراف وأكثرها أهمية هو أن يكون الوصول إلى الاعتراف مشروعاً فإذا جاء الاعتراف بعد إجراء باطل فإنه ينبغي للتعويل عليه بحث الرابطة بينه وبين الإجراء الباطل.
أي قد يكون الاعتراف مترتب على الإجراء الباطل وقد يكون مستقلاً عنه وهذا ما سوف نوضحه.

الفرع الأولً: الاعتراف المترتب على الإجراء الباطل
إذا تقرر بطلان أي إجراء من إجراءات التحقيق وكان الاعتراف وليد هذا الإجراء الباطل فإن البطلان يمتد إلى هذا الاعتراف ويجب استبعاده وعدم التعويل عليه في مجال الإثبات لإدانة المعترف فيقع باطلاً الاعتراف الذي يجئ وليد قبض أو تفتيش باطلين ولا يصح للمحكمة التعويل على الاعتراف المستمد منهما طالما كان للاعتراف أثراً من الآثار المترتبة مباشرة على الإجراء الباطل. ( )
فيكون الحكم الذي يستند إلى هذا الاعتراف مشوباً بما يعيبه حتى ولو ورد معه أدلة أخرى صحيحة لما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً وتكون المحكمة عقيدتها منها مجتمعة بحيث إذا سقط أحداها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت أليه المحكمة. ( )
فالاعتراف الذي يصدر نتيجة إجراء باطل يفقد أحد شروط صحته وهو شرط صدوره عن أرادة حرة علاوة على استناده إلى إجراءات باطلة وبالتالي لا يقبل في الإثبات.

جاء في حكم محكمة التمييز ” من المقرر أن بطلان القبض والتفتيش لا يحول دون أخذ محكمة الموضوع بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقله عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها ومن هذه العناصر الاعتراف اللاحق للمتهم بحيازته ذات المخدر الذي ظهر من التفتيش وجوده لديه وأن تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم على إثر تفتيش باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بالتفتيش وما ينتج عنه هو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال قد صدرت منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء الباطل جاز لها الأخذ بها. ( )

الفرع الثاني: الاعتراف المستقل عن الإجراء الباطل
إن بطلان الإجراء الباطل لا يترتب عليه حتماً بطلان الاعتراف اللاحق عليه فيصبح أن يكون هذا الاعتراف مستقلاً عن الإجراء الباطل وليس نتيجة حتمية له ويمكن اعتباره دليلاً مستقلاً بذاته في الإثبات. ( ) فعلى سبيل يعد الاعتراف دليلاً قائماً بذاته ومستقلاً عن التفتيش الباطل إذا لم يكن نتيجة حتمية له إذا صدر أمام النيابة أو أمام محكمة الموضوع بعد مدة غير قصيرة من ذلك التفتيش حيث يكون قد زال أثر التفتيش بل ويعتبر الاعتراف دليلاً قائما ًبذاته إذا صدر من المتهم إمام ضابط الشرطة يختلف عن الضابط الأول الذي تولى إجراء الضبط والتفتيش الباطلين وقد ذهب الفقه إلى أبعد من ذلك بأنه يجوز التعويل على الاعتراف ولو صدر أمام نفس الضابط الذي أجرى التفتيش الباطل ما دام قد صدر مستقلاً عن الإجراء الباطل وفي غير الوقت الذي جرى فيه الإجراء فيتحقق الاستقلال بين الإجرائيين الإجراء الباطل والاعتراف متى وجد فاصل زمني أو مكاني أو اختلف شخص القائم بها. ( )
ومحكمة الموضوع هي التي تقدر قيمة الاعتراف الصادر من المتهم على أثر الإجراء الباطل من خلال ظروف الدعوى وملابساتها فإذا كانت الصلة منقطعة بين اعتراف المتهم والإجراء الباطل جاز لها الاستناد إلى الاعتراف كدليل مستقل عن الإجراء الذي سبق الاعتراف ولها أن تستبعد الاعتراف إذا رأت خلاف ذلك( ) واستقر القضاء الفرنسي على أنه إذ أثبت أن المتهم أدلى باعترافه بحرية تامة غير متأثراً بالإجراء الباطل فيأخذ به رغم هذا الإجراء وذلك لكونها أدلة مستقلة عن الإجراء الباطل وذلك عكس القضاء الانجليزي الذي استقر على قبول الأدلة وإن تم الحصول عليها بطريق غير قانوني. ( ) فلا يوجد في النظام الأنجلو أمريكي ما يمنع من قبولها طالما أنها إرادية وإلا فيتم استبعادها. ( )
ونرى تأييد الاتجاه القائل بأنه إذا كانت الإجراءات السابقة على الاعتراف باطلة فإن البطلان يمتد إلى الاعتراف وإذا تقرر ذلك فإن الدليل مستمد منه لا يكون محلاً لأي اعتبار ويمتد هذا البطلان إلى جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة وما بني على باطل فهو باطل.

المبحث الثاني : الاعتراف الباطل

البطلان هو جزاء عدم مراعاة شروط صحة الاعتراف وجميع هذه الشروط متساوية في أهميتها فيترتب البطلان على مخالفة أي منها دون استثناء ومتى لحق البطلان الاعتراف زالت عنه قيمته القانونية كدليل في الدعوى فيشترط فيمن يدلى بالاعتراف أن يكون متهماً بارتكاب جريمة وأن تتوافر لديه الأهلية الجنائية بأن يكون متمتعا بالتمييز والإدراك فإن لم يكن كذلك أصيب الاعتراف بالبطلان. وأن يكون الاعتراف صادر عن إرادة حرة بعيداً عن وسائل الإكراه سواء مادية أو معنوية وأن يكون الاعتراف صريحاً لا لبس ولا غموض فيه وإلا أصبح اعتراف باطل وتزول عنه القيمة القانونية كدليل في الدعوى وإذا كانت الإجراءات السابقة على الاعتراف باطلة فإن البطلان يلحق بالاعتراف ويفقد قيمته القانونية كدليل في الدعوى وقد يرتب القانون على الإخلال بضمانات صحة الاعترافات جزاءات أخرى بالإضافة إلى البطلان كالجزاء التأديبي والتعويض المدني الذي يلتزم مرتكب الإخلال بدفعه نتيجة الضرر الذي نجم عن تصرفه كما قد يكون جزاء جنائياً إذا توافر في الإخلال عناصر الجريمة كتعذيب المتهم.

الفصل الثالث
حجية الاعتراف وآثاره في الإثبات

إن ترتيب مسئولية المتهم بناء على الاعتراف الصادر منه يخضع لمبدأ القناعة الوجدانية “الاقتناع القضائي” ويحكم القاضي حسب القناعة والعقيدة التي تكونت لديه ويختلف تقدير الاعتراف حسب الجهة التي صدر أمامها.

المبحث الأول
خضوع الاعتراف لمبدأ الاقتناع القضائي

أن الاعتراف كباقي أدلة الإثبات الجزائي يخضع لمبدأ الاقتناع القضائي الذي يدل على حرية المحكمة في تكوين قناعتها بما هو مطروح من أمور في الدعوى وطبقاً لهذه القناعة فمحكمة الموضوع هي صاحبة القرار في تقدير قيمة الاعتراف وتحديد مدى صلاحيته كدليل إثبات بعد أن تتكون لديها القناعة بتوافر جميع أركان وشروط صحته. ( ) ولا يجوز الاعتداد بالاعتراف ولو كان صادقاً متى ثبت أنه غير صحيح كما أذا وقع تحت تأثير الإكراه ( ) أما إذا تخلفت أحدى شروط صحة الاعتراف فلا يعتبر في هذه الحالة دليلاً يبرر الاستناد إليه في حكم الإدانة ولو توافرت أدلة أخرى في الدعوى وكانت مؤيدة بذاتها إلى الحكم بالإدانة وذلك طبقاً للقاعدة العامة التي استقر عليها الفقه الجزائي بأن الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضاً فإن بطل أحداها بطل الحكم المستند إليه.
أما فيما يتعلق بالاعتراف الذي استكمل شروط صحته وأصبح صالحاً في الدعوى فعلى المحكمة إذا ثبت لها صحته أن تقدره للتحقق من صدقه وفقاً لمطلق حريتها في التقرير استناداً لمبدأ حرية القاضي الجزائي في تكوين عقيدته.
وفقاً لما سبق ذكره واستناداً لمبدأ الإقناع القضائي فإن الاعتراف يعد عنصراً من عناصر الاستدلال ومسألة تقدير صحته وقيمته من المسائل الموضوعية التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحته وقيمته في الإثبات مادام مطابقاً للحقيقة والواقع وأن منازعة الدفاع في صحة الاعتراف هي مجادلة موضوعية في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى التي لا يجوز مجادلتها فيها أو مصادرة عقيدتها في شأن البينات بدون معقب عليها أمام محكمة التمييز ما دام الحكم قد استخلص الحقيقة استخلاصاً سائغا لا تناقض فيه.
فجميع الأمور التي تعتبر مسائل موضوعية ومنها صدق وصحة الاعتراف متروكة لقناعة محكمة الموضوع ولا رقابة عليها من محكمة التمييز. ما دام أن النتيجة التي توصلت إليها محكمة الموضوع قد استخلصتها استخلاصاً سائغا ومقبولاً وعللت قرارها تعليلاً وافياً وكونت قناعتها من بينات ثابتة في القضية والسؤال الذي يطرح نفسه هل يجوز للمحكمة أن تستند على الاعتراف لوحده للحكم بإدانة المتهم، هناك رأيا.
الأول: يرى أن مجرد اعتراف المتهم لا يكفي بمفرده لحمل القضاء على أدانته وان الاعتراف بداية الإثبات ويجب لإتمام الاقتناع أن يضاف إليه أدلة أخرى.( )
وهذا الرأي سائد في الفقه والقضاء الفرنسي وخصوصاً أنه دليل قوي غير محسوس لا يقطع بذاته بالإدانة وقد يدعو للوهلة الأولى إلى الشك في صدمة وساد أيضاً في الاتحاد السوفيتي “سابقاً” فقها وتشريعاً والفقه الأمريكي مستقر على ذلك أما الرأي الثاني: فيرى أنه لا توجد قاعدة تقرر أن الاعتراف لا يكفي لوحده كدليل للإدانة فهذا القول يناقض مبدأ الاقتناع القضائي إذ يعني استبعاد دليل اقتنع به القاضي.
وتأكيداً لمبدأ القناعة الوجدانية للقاضي يجب على المحكمة أن تبحث الظروف المحيطة بالاعتراف وأن تتحرى بواعثه التي دفعت المتهم إلى الاعتراف.
– ” متى تحقق قاضي الموضوع من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت له نفسه كان له أن يأخذ به بغير معقب عليه “.( )
-” الاعتراف في المسائل الجزائية من عناصر الاستدلال التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع ، إذ العبرة في المحاكمات الجزائية هى باقتناع قاضى الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه. ( )
وقد خول التشريع والقضاء المصري لمحكمة الموضوع سلطة الاعتماد على اعتراف المتهم وحده مع أنه لا يخض أن هذا الاعتراف يكون دائماً محل شك لمنافاته لطبائع الأشياء مما يتعين معه أن يتأيد بدليل أو استدلال يفيد صدقه. ( )
وبما أن سلطة القاضي ليست مطلقة في تقدير قيمة الاعتراف فيجب على المحكمة أن تبين في حالة عدول المتهم عن اعترافه أو إنكاره له في حكمها سبب عدم أخذها بعدوله أو إنكاره وتعويلها على اعترافه السابق.

المبحث الثاني
حجية الاعتراف من حيث جهة صدوره

يقصد بحجية الاعتراف صلاحيته حال توافر أركان وشروط صحته كدليل لإدانة المتهم وتقدير ذلك يعود لمحكمة الموضوع إلا أن هذه الحجية لها خصوصيتها حسب الجهة التي يصدر أمامها الاعتراف حيث ينقسم وفقاً لذلك إلى نوعين اعتراف قضائي واعتراف غير قضائي وقد يرد في محاضر لها حجية خاصة.

المطلب الأول
حجية الاعتراف القضائي

الاعتراف القضائي هو الذي يصدر من المتهم إمام المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية بالفعل أو أمام المدعى العام والمستكمل لكافة شرائطه ويخضع صدوره كدليل إثبات لإدانته. ولها الحق في استبعاده إذا لم تتكون لديها مثل هذه القناعة سواء تم الإدلاء به أمام المحكمة أو أمام الادعاء العام.
والمقصود بالاعتراف هنا هو تسليم المتهم بالتهمة تسليماً غير مقيد إذا لم يعترض عليه محاميه فإن كان جزئياً أو قيده المتهم بتحفظات أو اعترض محاميه وجب على المحكمة المضي في التحقيق وسماع شهود الدعوى.( )
فإذا كان الاعتراف القضائي كاملاً أي يتناول جميع وقائع الاتهام فإنه يمتاز بأنه يعفي المحكمة من سماع البينات الأخرى إلا إذا رأت غير ذلك وإذا كان الاعتراف جزئياً أي يتناول بعض وقائع الاتهام فيمتاز أنه يكون بعيداً عن الضغط والخديعة فلا يبقى للمحكمة إلا البحث عن مدى مطابقته للواقع وصدقه( ) فالاقتناع الوجداني لقاضي الموضوع في الاعتراف الذي تم أمامه في المحكمة هو الذي يسبغ عليه الحجية في الإثبات فيجب أن يكون مستوفياً كافة شروطه وأركانه وخاضعاً للعقل والمنطق وأن يقنع القاضي بأن المتهم عند أدلائه بأقواله يعرف بصورة قطعية التهمة الموجهة إليه والنتائج المترتبة عليها ولا يجوز استنتاج الاعتراف من وقائع أخرى.( ) وتقدير حجية الإثبات المستمد من الاعتراف هو من المسائل الموضوعية التي يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها متى اطمأنت نفسه إليه واقتنع بصحته شأنه شأن سائر الأدلة الأخرى.

المطلب الثاني
حجية الاعتراف الغير قضائي

الاعتراف الغير قضائي هو الذي يصدر من المتهم خارج مجلس القضاء فإما أن يكون خطياً أو أن يكون شفهياً.( ) وكأن يصدر أمام الشرطة أو أمام السلطة الإدارية فتمتاز بخلوها من الضمانات لأن من يباشرها لا يمارس فيها سلطة تحقيق أو حكم ولا يتلقى ما يحصل أمامه من اعترافات في أوضاع وقيود وإجراءات رسمها القانون مقدماً لتحقيق التوازن بين حقوق الدفاع وما يلزم لإظهار الحقيقة من وسائل التحقيق والبحث. وقد سميت اعترافات غير قضائية كونها غير منظمة تنظيماً يحدد أوضاعه قانون الإجراءات( ).
فإذا كان الاعتراف صادراً بالكتابة وقد ثبت بالطرق القانونية فإنه لا يقل قيمة عن الاعتراف القضائي ويكون مثله خاضع لتقدير القاضي. أما إذا كان شفهياً فيمكن أثبات صدوره عند اللزوم بشهادة الشهود إذا كان موضوعه يقبل الإثبات بالبينة وإلا فلا يمكن أثباته إلا بالكتابة.( )
وطالما أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعيه فإن الجهة التي يتم أمامها الاعتراف سواء في مجلس القضاء أو خارجه لا تثير أهمية لأنه في أي من الحالتين يخضع في تقديره لسلطة القاضي الموضوعي.( )
وبالإضافة لخضوع الاعتراف الغير قضائي لمبدأ الإقناع القضائي فلا يقبل من الإثبات إلا إذا قدمت النيابة بينه على الظروف التي فيها واقتنعت بان المتهم قد أداه طوعاً واختياراً.
وعليه فلا يكفي الاعتراف الغير القضائي وحده للحكم بموجبه بل يشترط لذلك:
1) أن يتم الإدلاء به طوعا واختياراً وليس نتيجة الضغط والإكراه.
2) إثبات الظروف التي فيها الإدلاء به.
3) ضرورة اقتناع المحكمة بصحة الاعتراف الغير قضائي مطمئنة إلى صدقه ومطابقته للواقع والحقيقة.
4) أن يعترف المتهم مرة أخرى أمام المحكمة بارتكابه وقائع الجريمة مع استظهار بواعثه من غير تعسف او تنافر في حكم العقل والمنطق.
5) ألا يكذب ظاهر الحال الإقرار.
وقد اجمع القضاء في مصر على أن المحكمة لها أن تعول على الاعتراف الغير قضائي وأن تتخذه سبب للإدانة( ) أما في الدول ذات النظام الأنجلو أمريكي فإن تشريعاتها لا تعترف بأية حجية للاعتراف الغير قضائي. ( )

المطلب الثالث
حجية الاعتراف الوارد في محاضر لها حجية خاصة

القاعدة العامة أن محاضر التحقيق التي تجريها الشرطة أو النيابة وما تتضمنه من اعترافات للمتهمين وسائر الإجراءات الأخرى هي عناصر إثبات تخضع في كل الأحوال لتقدير القاضي وتحتمل الجدل والمناقشة كسائر الأدلة وهذه المحاضر لا حجية لها و للخصوم أن يقوموا بتنفيذها دون أن يكونوا ملزمين بسلوك الطعن بالتزوير وللمحكمة وفق ما تراه مناسباً أن تأخذ بالاعتراف الوارد بها إذا ثبت صحته وصدوره من المتهم ولها أن تطرحه إذا ثبت عدم صحته وعدم صدوره من المتهم وقد وصفت المحاضر بأنها شهادة صامتة مجمدة في ورقة. ( )
كما جاء في حكم محكمة التمييز – ” من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع ” ( )
فإذا أنكر المتهم الاعتراف المنسوب إليه في هذه المحاضر وجب على المحكمة أن تتحقق من ذلك فتأخذ بالاعتراف إذا تبين لها صدقة وصدوره من المتهم وتطرحه إذا ثبت لها أنه غير صحيح ولم يصدر عنه ، كما جاء في حكم محكمة التمييز – ” للمحكمة أن تأخذ بإقرار المتهم ولو كان واردا بمحضر الشرطة متى اطمأنت إلى صدقة ومطابقته للواقع ولو عدل عنه في مراحل التحقيق الأخرى دون بيان السبب.” ( )
ولا يخرج عن القاعدة السابقة إلا ما استثناه القانون وجعل له قوة إثبات خاصة بحيث يعتبر المحضر حجة بما ورد فيه من وقائع مالم يثبت أنه مزور أو يقوم الدليل على عكس ما ورد فيه بالطرق الاعتيادية( ) ومن الأمثلة على المحاضر التي تعتبر حجية بما ورد فيها محاضر المحكمة.
واعتبار هذه حجية لا يعني أن تكون المحكمة ملزمة بالأخذ بها ما لم يثبت تزويرها أو نفيها بل تستطيع المحكمة الأخذ بما ورد فيها من وقائع دون أن تعيد تحقيقه بالجلسة لكن لها أن تقرر مضمون هذه الوقائع وأثرها الموضوعي بمنتهى الحرية فترفض الأخذ بها ولو لم يطعن فيها على الوجه الذي رسمه القانون( ) وإن كان لهذه المحاضر حجة بالنسبة للوقائع المكونة لها وحجة بصدور الاعتراف لكنها ليست حجة على صدق هذا الاعتراف أو مطابقته للحقيقة وللقاضي مطلق الحرية في ذلك دون حاجة للطعن بالتزوير. ( )

المبحث الثالث
آثار الاعتراف

بعد أن فرغنا من تحديد ما هية الاعتراف وطبيعته القانونية وأركانه وشروط صحته وخضوع الاعتراف لمبدأ القناعة الوجدانية للقاضي كغيره من أدلة إثبات الدعوى الجزائية فلابد من التعرض إلى اثر الاعتراف في الإثبات حيث أن أثره يختلف من وقت إلى آخر حسب الجهة التي يصدر أمامها.

المطلب الأول
أثر الاعتراف في مرحلة جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي.

ترى أغلب التشريعات الجنائية أن الاعتراف دليل كباقي الأدلة ولكن يفضل أن يكون الاعتراف قد صدر صحيحاً بدون وعد أو وعيد أو عنف وأن يكون صادقاً لا أثر للكذب والخداع فيه وهو بذلك يسهل الإجراءات ويختصرها ويريح في الغالب ضمير المحقق والقاضي( ).
ففي هذه الحالة يسهل الاعتراف جمع باقي الأدلة دون حاجة لتشعب إجراءات البحث إلا أن مجرد اعتراف المتهم أمام سلطة جمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي ليس مضاه قرب إنهاء التحقيق بل يجب التحقق من صحة هذا الاعتراف وصدقه وفي القضايا التي تحتاج إلى خبرة لا يجوز للمحقق أن يكتفي باعتراف المتهم ولو أطمأن إلى صحة اعترافه وصدقها بل لابد من أدلة أخرى مثل تحليل المادة المخدرة رغم اعتراف المتهم بأنها مادة مخدرة لان الدليل الفني في مثل هذه القضايا يحسم مشكلة صدق الاعتراف ويسد باب العدول عن الاعتراف بعد ذلك و يختلف أثر الاعتراف في التحقيق أمام سلطة الاستدلالات عنه أمام سلطة التحقيق في أمرين.
1) إذا اعترف المتهم أمام سلطة الاستدلالات فلا يجوز لها أن تستجوبه أو أن تواجهه بغيره من الشهود للتأكد من صحة الاعتراف لأنه لا يجوز لها استجواب المتهم بخلاف سلطة التحقيق.
2) اعتراف أحد المتهمين في الدعوى مما يعد مانعاً للعقاب سلطة الاستدلالات لا تملك سوى إحالة المحضر إلى المحقق بخلاف سلطة التحقيق فإنها تتخذ الإجراءات التي يقتضيها هذا الاعتراف كالإخراج المؤقت عن المتهم إلا أن هذا لا يحول دون أحالة القضية إلى المحكمة للتأكد من صحة الاعتراف( )

المطلب الثاني
أثر الاعتراف بعد صدور قرار النائب العام بأن لا وجه لإقامة الدعوى

الأمر بألاوجه لإقامة الدعوى هو أمر قضائي من أوامر التصرف في التحقيق تصدره بحسب الأصل أحدى سلطات التحقيق الابتدائي بمعناه الضيق لتصرف به النظر عن أقامة الدعوى أمام محكمة الموضوع لأحد الأسباب التي بينها القانون ويحوز حجية من نوع خاص. ( )
ويصدر هذا القرار من النائب العام بعد الانتهاء من التحقيق وبأمر بالإفراج عن المتهم وأخلاء سبيله ما لم يكن مطلوب لسبب أخر.
ويكون لهذا الأمر حجية ولو بني على خطأ في تطبيق القانون أو تأويله طالما لم تظهر أدلة جديدة وأن العودة إلى التحقيق تكون بعد اكتشاف الدليل الجديد لا قبله إذ لا يجوز للمحقق كلما وجد تحقيق ناقص بعد صدور الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى أن يرجع إليه لتدارك أوجه النقص فيه لأن ذلك مخالف لما أراده المشرع من وضع ضمانات للأفراد بتقدير عدم جواز العودة إلى التحقيق إلا إذا ظهرت أولاً الدلائل الجديدة. ( )
فإذا صدر الاعتراف بعد صدور أمر النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى فعلى النيابة أعادة التحقيق من جديد شريطة أن يكون الاعتراف دليلاً جديداً أي أن لا يكون قد عرض على المحقق قبل إصدار الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى فإن كان قد عرض على المحقق وأهمل تحقيق فلا يمكن اعتباره دليلاً جديداً. ( )
ولا يجوز له بعد ذلك أن يعود إلى التحقيق كما يشترط أن يصدر الاعتراف قبل سقوط الدعوى الجزائية بمضي المدة أما إذا صدر الاعتراف بعد سقوط الدعوى العمومية بمضي المدة فلا يكون لهذا الاعتراف أي أثر. ( )

المبحث الرابع
العدول عن الاعتراف

للمهتم حق العدول عن اعترافه في أي وقت حتى قفل باب المرافعة وقد يعدل عنه أمام محكمة الاستئناف رغم أنه كان متمسكا به أمام محكمة أول درجة إلا أنه لا يستطيع العدول عنه لأول مرة أمام محكمة التمييز وللمحكمة حرية تقدير هذا العدول ولها أن تأخذ بالاعتراف رغم العدول عنه أو تطرحه إذا اقتنعت بالأسباب التي بني عليها العدول دون رقابه عليها من محكمة التمييز وعندما يأخذ قاضي الموضوع بالاعتراف الذي عدل منه المتهم بعد ذلك فهو يمارس سلطته في تقدير الاعتراف والعدول عنه – ” الاعتراف في المسائل الجزائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الاثبات ولها ان تأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين ولو عدل عنه بعد ذلك مادامت قد اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع”( )
– وكما جاء أيضاً في حكم محكمة التمييز “أنه لمحكمة الموضوع أن تأخذ باعتراف المتهم في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطمئنانها إليه. ( )
وفي الدول الأنجلو أمريكية يختلف أثر العدول عن الاعتراف باختلاف المرحلة التي صدر بها فيجوز للمتهم أن يعدل عن اعترافه بعد التحقيق الابتدائي وذلك عند بدء المحاكمة بأن يقرر بأنه غير مذنب فالاعتراف الذي يصدر من المتهم في التحقيق الابتدائي ثم يعدل عنه عند بدء المحاكمة لا يجوز للمحكمة أن تستند إليه كدليل للإثبات. أما إذا اعترف المتهم عند بدء المحاكمة وقرر أنه مذنب فلا يستطيع العدول عن هذا الاعتراف إلا إذا سمح له القاضي بذلك وفحص العدول لمعرفة سببه متروك لحرية وحسن تقدير المحكمة فنتجت عما إذا كان الإقرار بالإدانة الصادر من المتهم عند بدء المحاكمة إرادياً أم لا وهل المتهم وقت الإدلاء بهذا الإقرار عالما تماما بوقائع الدعوى ونتائج إقراره ولا رقابة على المحكمة في ذلك إلا إذا كانت إساءة هذا التقدير واضحة تماماً كرفضها عدول المتهم عن إقراره بالإدانة رغم أن حالته العقلية وقت الإقرار كانت محل بحث. وإذا صدر حكم بالمحكمة ليست لها سلطة في السماح للمتهم بالعدول عن اعترافه إلا في ظروف استثنائية وذلك عندما ترى المحكمة أن المتهم قد وقع فعلاً في سوء فهم للقانون أو لوقائع الدعوى.
وفي الاتحاد السوفيتي إذا عدل المتهم عن اعترافه فإنه يعقد كل قيمة له إذ أن الحكم يبني ويؤسس على ما يدور بالجلسة فقط وليس على التحقيقات أو الاعترافات السابقة عليها.
وفي مصر للمتهم حق العدول عن اعتراضه وللقاضي حرية تقدير هذا العدول فله أن يطرح الاعتراف الذي عدل المتهم عنه أو يأخذ به إذا لم يقتنع بصدق العدول( ).
وقد جرى قضاء محكمة النقض المصرية على أن للمحكمة أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق حتى ولو عدل عنه أمام المحكمة فتقدير قيمة الاعتراف كدليل أثبات في الدعوى من شأن محكمة الموضوع ولا حرج على المحكمة إذا هي أخذت المتهم باعترافه أمام الشرطة ثم أمام النيابة رغم عدوله عنه بعد ذلك بجلسات المحاكمة ما دام قد أطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
وقد تثق المحكمة بالاعتراف الصادر من المتهم أمام الشرطة والمثبت بمحضر جمع الاستدلالات رغم عدوله عنه بعد ذلك أمام النيابة العامة وأمامها،
والعدول يقدر كالاعتراف نفسه فيجب أن يقدر على حسب الظروف التي تم فيها والدافع الذي أحدثه ومن باب أولى يبحث عن الدافع على الاعتراف الذي عدل عنه ، ومن المظاهر الدالة عن صدق العدول تقديم بعض الوقائع التي تستبعد قيام الجريمة كشهادة عدة شهود بأنهم شاهدوا الضحية المزعومة بعد الوقت الذي أعترف فيه المتهم بقتله.
وإذا أخذت المحكمة باعتراف المتهم يجب عليها أن تبين في حكمها الأسباب التي جعلتها لا تأخذ بعدول المتهم الذي تم أمامها وتعويلها على اعتراف المتهم السابق أمام الشرطة أو النيابة أو محكمة أول درجة وكذلك إذا طرحت المحكمة اعتراف المتهم لاقتناعها بالعدول فعليها أن تسبب قرارها وإلا بطل حكمها لقصور في الأسباب.
وحرية القاضي في تقدير قيمة الاعترافات والعدول عنها ليست مطلقة فسلطته في التقدير مشروطة بأن تكون الاعترافات غير مؤيدة بأي دليل مادي فلا يستطيع قاض الموضوع استبعاد اعتراف المتهم لمجرد أنه قد عدل عنه بعد ذلك طالما أن هذا الاعتراف كان مؤيداً بأدلة مادية أخرى وإذا كان للمحكمة أن تأخذ بالاعتراف رغم العدول عنه ألا أنه لا يجوز لها أن تقض على المتهم بالإدانة بدون سماع شهود.( )

الخاتمة

في نهاية هذا البحث المتواضع فإني أقدم الخلاصة والتوصيات التي خرجت بها من خلاله وذلك كالتالي:
أولاً الخلاصة:
أن موضوع بحثنا عن حجية الاعتراف الجزائي في تكوين قناعة القاضي و الذي تتضمن ثلاثة فصول وهي الفصل الأول ماهية الاعتراف والفصل الثاني شروط صحة الاعتراف وفي الفصل الثالث حجية الاعتراف وأثاره في الإثبات.
فشمل الفصل الأول على تحديد ماهية الاعتراف من خلال تعريف الاعتراف لغة واصطلاحاً فالاعتراف لغة هو أقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها والاعتراف اصطلاحاً لم يستقر الفقه على رأي واحد في تحديد معناي الاعتراف إذ عرفه البعض أنه إقرار المتهم بكل أو بعض الوقائع المنسوبة إلى المتهم وبعبارة أخرى شهادة المرء على نفسه بما يضرها وأن الاعتراف قد يكون شفهياً وقد يكون مكتوباً.
وأن الاعتراف تم تقسيمه إلى عدة أنواع فهناك الاعتراف القضائي وهو الذي يصدر أمام المحكمة والاعتراف الغير قضائي وهو الذي يصدر خارج المحكمة التي تنظم الدعوى الجزائية هذا من حيث السلطة التي يدل أمامها بالاعتراف ومن حيث الحجية هناك الاعتراف كدليل أثبات وينقسم إلى نوعين الاعتراف كدليل أقناع شخصي والاعتراف كدليل قانوني وهناك الاعتراف كسبب للإعفاء عن العقاب.
وأن الاعتراف يقوم على ركنين أساسيين هما أقرار المتهم على نفسه وأن يرد هذا الإقرار على الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها.
وتناولنا في هذا الفصل التطور التاريخي للاعتراف عبر العصور وان الاعتراف قديم في البشرية ومرتبط بالجماعات وكان يعتبر في الماضي سيد الأدلة سواء في العراق أو مصر وكان أرسطو يرى أن التعذب أحسن الوسائل للحصول على الاعتراف وان الشريعة الإسلامية اعتبرت الاعتراف وسيلة من وسائل الإثبات ويتضح ذلك من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وتناولنا الاعتراف وفي القوانين الأخرى في القانون الفرنسي والمصري والأنجلو أمريكي والكويتي والفرق بين الاعتراف والقرار المدني.
وفي الفصل الثاني تناولنا شروط صحة الاعتراف وهو توافر الأهلية الإجرائية لدى المعترف وأن يصدر الاعتراف عن أرادة حرة وأن يكون الاعتراف صريحاً واستناد الاعتراف إلى إجراءات صحيحة وتكلمت عن أثر الاعتراف الباطل وفي الفصل الثالث من البحث تناولنا حجية الاعتراف وأثاره في الإثبات وتناولنا في هذا الفصل خضوع الاعتراف لمبدأ الاقتناع القضائي وحجية الاعتراف من حيث جهة صدوره وهو حجية الاعتراف القضائي وحجية الاعتراف الغير قضائي وحجية الاعتراف في محاضر لها حجية خاصة وتناولنا أيضا أثار الاعتراف في مرحلة جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي واثر الاعتراف بعد صدور قرار من النائب العام بالأوجه لإقامة الدعوى واثر العدول بعد الاعتراف.
ثانياً: التوصيات.
بعد دراستنا عن حجية الاعتراف الجزائي في تكوين قناعة القضاء فإنني أتقدم ببعض التوصيات المتواضعة التي خرجت بها على النحو الأتي:
أولاً: أُوصى المحققين باستبعاد العبارة المبهمة عند استجواب المتهمين وأن تكون الأسئلة واضحة ولا تحمل معاني كثيرة وعدم لجوئهم إلى العبارات الشائعة مثل قولهم ” الأفضل أن تقول الحقيقة ، وقولهم أن الكذب لايفيد شيئاً ” .
ثانيا : تحديد وقت للتحقيق والاستجواب فلا نطلق للمحقق الحبل على القارب بدون تحديد لوقت الاستجواب وإذا تجاوزه أو قام بالاستجواب في غير الميعاد المحدد أصيب استجوابه بالبطلان حتى لا يكون الاستجواب سيفاً مسلطاً على المتهم لإرهاقه بطريق غير مباشر مما قد يدفعه إلى الاعتراف لإنهاء الاستجواب.
ثالثاً : إن أهم حقوق المتهم ممارسة الدفاع والاستعانة بمدافع يحضر معه بداية من إجراءات التحقيق وحتى المحاكمة ولما كانت المادة 75 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية أعطت لسلطة التحقيق جواز أن يأمر بجعل التحقيق سرياً دون حضور مدافع المتهم بما فيها من خطورة على حق المتهم في الدفاع وحريته في الاستعانة بمحاميه. لذا نطالب بإلغاء هذه الفقرة من المادة 75 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية حتى لا يكون حق ممارسة المتهم لحضور محاميه مقيد.

المصادر والمراجع

القران الكريم
1) د. سامي صادق الملا، أعتراف المتهم، رسالة دكتوراه، مصر 1986.
2) الشيخ أحمد إبراهيم، طرق الإثبات في الشريعة، مجلة الحقوق س1 عدد 10 مشار إليه من د. سامي صادق الملا، المرجع ” اعتراف المتهم، صـ 64.
3) د. أحمد فتحي بهنسي “نظرية الإثبات في الفقه الجنائي الإسلامي”، الطبعة الخامسة، دار الشروق 1989 مصر
4) الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية، طبعة 2، سنة 1990
5) د. حسني الجندي” أصول الإجراءات الجزائية في الإسلام” الطبعة الثانية، 1992 مطبعة جامعة القاهرة.
6) الشيخ الإمام ابن اسحق إبراهيم الفيروز أبادي الشيرازي، “المهذب في فقه الأمام الشافعي” دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
7) عبد القادر عودة، “التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوصفي”، الطبعة الثالثة عشر، سنة 1994، مؤسسة الرسالة بيروت.
8) د. حسن صادق المرصفاوي، قوة الاعتراف ، المجلة الدورية يوليو عدد2مجلد 3

9) د. أحمد فتحي بهنسي “موقف الشريعة من نظرية الدفاع الاجتماعي”، دار الشروق بيروت طبعة ثانية.
10) د. أحمد عويدي العبادي “من الأدلة القضائية عن البدو” 1983 الطبعة الأولى، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع.
11) دكتور رؤوف عبيد المبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري” سنة 1974.
12) د. محمود محمود مصطفى شرح قانون الاجراءات الجنائية ” ط 11مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي 1986
13) د. محمود نجيب حسني” الحق في سلامة الجسم ومدى الحماية التي يكفلها له قانون العقوبات الـ مجلة القانونية والاقتصاد س 29 عدد 3.
14) د. جمال الدين العطفي “الحماية الجنائية للخصومة” رسالة دكتوراه جامعة القاهرة ” سنة 1965.
15) الاستاذ أحمد نشأت رسالة الإثبات، سنة 1995.
16) المستشار عدلي خليل، اعتراف المتهم فقهاً وقضاء، دار النهضة العربية ط 8، سنة 1991.
17) د. محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية” القاهرة ، 1988.
18) المستشار مصطفى مجدي هرجة، “الإثبات في المواد الجنائية” الإسكندرية، 1990.
19) د. هلاللي عبد الإله أحمد عبد العال “النظرية العامة للإثبات في المواد الجنائية دراسة مقارنة ” رسالة دكتوراه، سنة 1987م.
20) د. هلالي عبد الإله أحمد عبد العال “الحقيقة بين الفلسفة العامة والإسلامية وفلسفة الإثبات الجنائي 1987.
21) د. ماهر عبد شويش “الاحكام العامة في قانون العقوبات العراقي” جامعة الموصل، كلية القانون 1988.
22) إبراهيم غازي، “التحقيقات والأدلة الجنائية” ، الجزء الأول الطبعة الأولى، دمشق.
23) د. ميدر الويس “أثر التطور التكنولوجي على الحربات العامة” منشأة المعارف بالإسكندرية.
24) د. ممدوح خليل بحر “حماية الحياة الخاصة في القانون الجنائي” عمان 1996.
25) د. أحمد فتحي سرور “الوسيط” 1980.
26) د. مأمون سلامة، الإجراءات في التشريع المصري، صـ 1979.
27) المحامي نبيل ناجي الزعبي “بعض الأساليب الحديثة في التحقيق الجنائي ومشروعيتها” مجلة نقابة المحامين الأردن.
28) د. سامي حسن الحسين، “النظرية العامة للتفتيش” رسالة دكتوراه، 1972.
29) د. فوزية عبد الستار “شرح قانون الإجراءات الجنائية” القاهرة 1986.
30) د. حسن صادق المرصفاوي “شرح قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية” الكويت، جامعة الكويت، 1970م.
31) د. محمد علي سالم عباد الحلبي، “الوسيط في شرح أصول المحاكمات الجزائية” عمان 1996.
32) الأستاذ/ جندي عبد الملك “الموسوعة الجنائية” دار احياء التراث العربي بيروت سنة 1976.
33) د. توفير الشاوى “فقه الإجراءات الجنائية”، مصر، 1954.
34) د. محمد راجح حمود نجاد، “حقوق المتهم في مرحلة جمع الاستدلالات بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، رسالة دكتوراه، 1994.
35) قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي.
36) قانون الإجراءات الجنائية المصري.
37) مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة التمييز في المواد الجزائية

والله ولي التوفيق
الباحث / عبدالله الهويدي

شارك المقالة

1 تعليق

  1. ما هي الوقائع الجائز اثباتها بالشهادة في المواد الجزائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.