بحث قانوني مميز حول الرقابة على دستورية القوانين
المطلب الاول
مقدمة في القانون الدستوري
يعتبر القانون الدستوري (التشريع الأساسي) التشريع الأسمى في الدولة ، فالتشريع الأساسي متمثلاً بالدستور يتربع على رأس الهرم التشريعي ولهذا سمي بالتشريع الأساسي ويكون له أن يخالف كل التشريعات الأخرى ولا يجوز لأي تشريع أخر أن يخالفه؛ نظراً لسموه ولان المواضيع التي ينظمها تتعلق بالأسس التي تقوم عليها الدولة فهي مواضيع على قدر عالي من الأهمية والخطورة.
ويمكن تعريف القانون الدستوري بانه مجموعة القواعد التي تحدد شكل الدولة (بسيطة ، مركبة) و تبين نظام الحكم فيها (ملكي ، جمهوري) وكذلك تبين حقوق للإفراد وحرياتهم ، وكذلك تنظم السلطات العامة في الدولة .
والقانون الدستوري يعتبر فرعاً من فروع القانون العام ، والتي تكون الدولة فيها طرف صاحب سلطة وسيادة تسعى لتحقيق المصلحة العامة
وتظهر أهمية الدستور من مدى حساسية المواضيع التي يتناولها ،كذلك يمكن الاستدلال على مدى الحرص الكبير على حماية الدستور من النصوص العقابية التي تحمي الدستور – بشكل عام- من العبث وتقرر عقوبات على من يسعى لذلك ، وهذا ما نراه جلياً في نص المادة 136 من قانون العقوبات الأردني حيث تنص على ما يلي “يعاقب بالإعدام كل من يعمل على تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة” وكذلك نص المادة 138 من قانون العقوبات حيث تنص على ما يلي “الاعتداء الذي يقصد منه منع السلطات القائمة متن ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور ، يعاقب عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة”
وتصل إلى حماية دساتير الدول الأخرى وهذا منا نصت عليه المادة 119 من قانون العقوبات “كل من نظم أو هيأ أو ساعد في المملكة أية محاولة لقلب دستور دولة أجنبية موالية أو تغيير النظام القائم فيها بالقوة يعاقب بالاعتقال المؤقت ”
والسبب في وضع هذه العقوبات المشددة هو الحرص الشديد على حماية الدستور- بشكل عام- وكذلك أن محاولة الخروج على الدستور قد تصل إلى حد قيام ثورة في الدولة.
ويعتبر القانون الدستوري حديث النشأة حيث أن وجوده ارتبط بفكرة الدولة كباقي فروع القانون العام – مع الإشارة إلى أن الدستور ليس من عناصر قيام الدولة وإنما يعتبر مظهر من مظاهر وجودها – وقد دخل إلى ميدان التدريس في كليات الحقوق لأول مرة في فرنسا على يد وزير المعارف الفرنسي عام 1834م .
وعند الحديث عن طرق نشأة الدساتير فأن هناك ثلاثة طرق لنشأة الدساتير مع الإشارة إلى أن هذه الطرق ليست محدد على سبيل الحصر – يضاف لها طريقة رابعة وهي الاستفتاء الشعبي عن طريق هيئة تضع الدستور ومن ثم يتم الاستفتاء عليه بالموافقة أو بعدم الموافقة – وتمثل هذه الطرق تطور دور الشعوب في وضع الدساتير حيث أن الدساتير في البداية ظهرت كمنح من الحاكم ؛ فقد كان الحاكم يحتكر وضع الدساتير ومن الأمثلة على ذلك الدستور العثماني الذي منحه السلطان عبد الحميد عام 1876م
، ومن ثم تطور الأمر ودخل الشعب كطرف في وضع الدستور مع الحاكم وفي هذه المرحلة ظهرت الدستور بصورة العقد بين الشعب والحاكم ومن الأمثلة عليه الاتفاق الذي تم بين الملك جون وبين الأعيان ورجل الدين في وثيقة (العهد الأعظم) والتي تعد ألان الجزء المكتوب من الدستور الانجليزي وكذلك الدستور الأردني لعام 1946م – وهذا الرأي رجحه جانب من الفقه، بغض النظر عن الخلافات الفقهي حول نشأة دستور عام 1946م-
وبعد ذلك أصبح الشعب هو من يضع الدستور عن طريق هيئة منتخبة تسمى ب (جمعية تأسيسية) وهي الطريقة الأمثل لنشأة الدساتير حيث أن الشعب يقوم بانتخاب هذه الجمعية لوضع الدستور ومن ابرز الأمثلة على هذه الطريقة دستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي وضعته الجمعية الوطنية في فيلادلفيا عام 1787م.
وعند تفحص القواعد الدستورية نجد أن هذه القواعد لا تحتوي على الجزاء الذي يعتبر من أهم خصائص القاعدة القانونية ، ومن هنا ثار خلاف حول ماهية الجزاء الذي يكفل للقاعدة الدستورية أن تكون ذات قيمة وليس مجرد توصيات ليس لها قيمة ، والجواب أن الجزاء المناسب هو الحكم بعدم دستورية كل ما يخالف القاعدة الدستورية.
ومن هنا ظهرت الحاجة الى وجود الرقابة الدستورية وهذا ما سيتم تفصيله في المطلب الثاني
المطلب الثاني
الرقابة الدستورية
عند الحديث عن الرقابة الدستورية يجب ان نشير إلى ان موضوع الرقابة الدستورية لا يثار إلا في الدساتير الجامدة ، حيث لا يتصور ان تثار مسألة الرقابة الدستورية في الدساتير المرنة والسبب في ذلك هو مبدأ سمو القاعدة الدستورية في الدساتير الجامدة ، فبما ان الدساتير الجامدة يتم تعديلها بطرق خاصة تختلف عن التشريع العادي، فهذا الأمر يعطي للقاعدة الدستورية في الدساتير الجامدة سمو على القواعد القانونية الأخرى على عكس الدساتير المرنة التي تعدل بنفس الطريقة التي يعدل بها التشريع العادي وهنا تتساوى القاعدة الدستورية مع التشريع العادية ولا تعود لرقابة الدستورية فائدة .
وثار خلاف حول الجهات التي ستتولى الرقابة الدستورية هل هي هيئة سياسية أم قضائية؟ وهل ستكون رقابة إلغاء أم امتناع؟ وهل ستكون سابقة أم لاحقة؟ ومن هنا ظهر الاختلاف في نوع الرقابة
♦اولاً:مواقف تاريخية من الرقابة الدستورية
1-الموقف التاريخي للفقه والقضاء الانجليزي من الرقابة الدستورية
كتب اللورد توماس كوك في كتابه (النظم) : “ان العهد الأعظم قد تضمن عدداً من المبادئ والقواعد الأساسية التي ترتبط مباشرة بفكرتي الحق والعدل. وكذلك الشريعة العامة قد تضمنت بدورها مزيداً من التعبير عن هذه المبادئ العليا ، ومن فان العهد الأعظم وقواعد هذا القانون العام تعتبر القانون الأعلى للبلاد ،وتعد بالتالي قيداً على سلطة الملك والبرلمان جميعاً”
ومن خلال ما قاله توماس كوك كتابه فقد تحدث عن تدرج في القواعد القانونية ؛ حيث اعتبر القواعد الموجودة في العهد الأعظم أعلى درجة من تلك الصادرة من البرلمان والملك ، وبوجود هذا التدرج وجب على القواعد الصادرة من البرلمان أن تحترم القواعد العليا (العهد الأعظم وقواعد هذا القانون العام) وإلا كانت عرضت للإبطال والإلغاء.
وبالرغم من أن الفرصة أتيحت لكوك لإخراج فكرته المتعلقة بالرقابة الدستورية وذلك عندما قضى في قضية الدكتور بونهام إلا انه لم ينجح وذلك لسببين الأول تاريخي حيث أن الشعب لم يكن راضي عن فكرة تكبيل البرلمان بقيود؛ حيث أن البرلمان كان يعني الكثير لشعب لمواجهة سلطات الملك ويظهر ذلك جلياً في كثير من المواقف التاريخية للبرلمان الذي وقف فيها مواقف مشرفة مع الشعب في مواجهة الظلم والاستبداد.
وأما السبب الثاني فهو قانوني؛ فالرقابة تفترض وجود تدرج في القواعد القانونية بحيث تحترم القواعد القانونية الأدنى القاعدة القانونية الأعلى ، ولكن في النظام الانجليزي تنعدم فكرة التدرج في القواعد القانونية حيث لا يوجد سوى البرلمان والقوانين الصادرة تكون متساوية في القوة دون تفاوت فيما بينها ،وكذلك يستطيع البرلمان أن يقوم بفعل ما يشاء من خلال القوانين التي يصدرها.
وبنسبة للقضاء الانجليزي اتجه في اتجاه مخالف لما جاء به اللورد توماس كوك حيث انه لا يجوز مناقشة سلامة أي قانون صادر عن البرلمان .
ولهذا نجد ان الانجليز لم يتقبلوا الرقابة الدستورية لأنها لا تتوافق مع النظام القانوني لديهم في ذلك الوقت.
2-الموقف التاريخي الأمريكي من الرقابة الدستورية
بالرجوع إلى الدستور الأمريكي نجد انه ورد في افتتاحيته “نحن شعب الولايات المتحدة الأمريكية” وهذا تكريس لمبدأ السيادة الشعبية وليس البرلمانية ولذلك فأن البرلمان في أمريكا يختلف عن البرلمان في انجلترا حيث أن البرلمان الأمريكي لا يتمتع بالحرية التي يتمتع به البرلمان الانجليزي بل، إن لهذا البرلمان حدود ،فان فكرة التدرج التشريعي وجدت في أمريكا على عكس انجلترا ، ومن هنا كان المنطلق لوجود الرقابة الدستورية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كانت الولايات المتحدة من الدولة السباقة في الرقابة على دستورية القوانين “الرقابة القضائية” مع الإشارة إلى ان الدستور الأمريكي لم ينص صراحة على الرقابة وإنما ظهرت عن طريق القضاء فبنسبة للقضاء الأمريكي فأن هناك العديد من القضايا الدالة على الأخذ بالرقابة الدستورية ومنها قضية ماربيرى ضد ماديسون حيث أكد القاضي على أن الدستور هو التعبير عن الإرادة الشعبية وان قواعد الدستور أعلى من أي قانون أخر وبالتالي فأن أي قانون يخالفه يكون باطلاً.
♦ثانياً :أنواع الرقابة الدستورية
هناك نوعان لرقابة على الدستورية
* الرقابة السياسية *الرقابة القضائية
اولا: الرقابة السياسية
وهي الرقابة التي تقوم به هيئة سياسية ، وقد سميت هذه الرقابة بهذا الاسم نسبة للهيئة التي تمارسها ، وهي هيئة ذات صفة سياسية ، وهذه الرقابة تعتبر رقابة سابقة وتعتبر فرنسا من الدول الرائدة في مجال الرقابة السياسية على الدستورية.
والرقابة السياسية قد تأخذ شكل المجلس الدستوري وقد تأخذ شكل الهيئة النيابية ، ففي الصورة الأولى “المجلس الدستوري” يكون هناك مجلس يشكل من عدد من الأعضاء يحدده القانون وتكون له صفة سياسية وليس قضائية ، حيث اعتبر جانب من الفقه أن الرقابة ذات الطابع القضائي غير ملائمة وتشكل خرق لمبدأ الفصل بين السلطات لأنها تجعل السلطة القضائية تتدخل في أعمال السلطة التشريعية وما تصدره من قوانين ، أما بالنسبة لصورة الثاني “الهيئة النيابية أو التشريعية” فقد هدف إلى عدم اعلى أي كلمة على الهيئات المنتخبة بحيث يهدف إلى سيادة المجالس المنتخبة وقد ظهر في الاتحاد السوفييتي سابقاًًًً
وبالرغم من ان الرقابة السياسية قد تظهر ميسرة وسهلة إلا أنها تثير بعض المشكلات فيما يتعلق بطريق تشكيل هذه الهيئة السياسية ،فالهيئة إما ان تتشكل بطريق التعيين أو عن طريق الانتخاب فإذا تم تشكيلها بالتعيين فيخشى ان تكون تابعة لمن عينها ، وإذا شكلت عن طريق الانتخاب فيخشى ان يسيطر عليها نفس الاتجاهات السياسية التي تسيطر على البرلمان ،ومن الانتقادات الموجهة لها انها تأخذ طابع سياسي في تفسيرها حيث يستحسن ان تأخذ طابع قانوني ، وانا الرقابة القضائية قد تكون هي الافضل من ناحية الكفاءة على عكس الرقابة السياسية.
نشات الرقابة السياسية في فرنسا
قبيل عام 1789م كانت فرنسا تعيش في مرحلة ضعف في الاقتصاد وفساد وسلطة مطلقة للملك ولكن بتاريخ 1789م شهدت فرنسا تحول تاريخي في مسارها وهي الثورة الفرنسية ، وبعد هذا التاريخ وبالتحديد في السنة الثالثة للثورة صدر دستور لفرنسا ولكن لما يكن ينص هذا الدستور على وجود هيئة لرقابة الدستورية حيث حاول سيز “sièyes” إيجاد هيئة سياسية “بعيد عن القضاء” تسند إلى هيئة نيابية سماها بالمحلفين الدستوريين إلى أن اقتراح سيز تم رفضه بالإجماع وذلك خوفاً من ان تصبح هذه الهيئة أداة استبداد وهنا يظهر واضح التأثر بالثورة لدى واضعي الدستور.
ولكن نجح سيز “sièyes” في إقناع واضعي دستور السنة الثامنة لثورة بقبول اقتراحه السابق وقد تم إنشاء المجلس الشيوخ الحامي لدستور وحدد له اختصاص بموجب الدستور وهو الرقابة على دستورية القوانين قبل الإصدار ولكن لم يتحقق هذا الأمر ،بل إن هذا المجلس استعمله نابليون لتحقيق رغباته ولتعديل الدستور كما يريد.
وكذلك لم يكن للمجلس الحامي لدستور في ظل دستور عام 1852 وضع أفضل من سابقه بالرغم من بعض التعديلات على اختصاصاته حيث تمكن رئيس الدولة بنفوذه من شل وظيفة المجلس الرقابية .
ومع صدور دستور عام 1946 تم النص بهذا الدستور على تشكيل اللجنة الدستورية لرقابة على دستورية القوانين قبل الإصدار وتتشكل هذه اللجنة من رئيس الجمهورية “رئيس للجنة” ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الجمهورية وسبعة أعضاء تختارهم الجمعية الوطنية وثلاث يختارهم رئيس مجلس الجمهورية ، ولم تكن تملك هذه اللجنة ان تقوم باختصاصاتها إلا بناء على طلب خاص من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الجمهورية
وفي دستور عام 1958 تم النص على تشكيل هيئة سياسية تحت مسمى المجلس الدستوري ، وبالرجوع إلى الباب السابع من الدستور الفرنسي نجد أن المادة 56 تحدثت عن تشكيل المجلس الدستوري حيث يتكون المجلس من تسعة أعضاء تستمر عضويتهم لمدة تسع سنوات غير قابلة لتجديد، يتجدد ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات , بحيث يعين رئيس الجمهورية 3 أعضاء ويعين رئيس الجمعية الوطنية 3 أعضاء ورئيس مجلس الشيوخ 3 أعضاء. ويكون لرئيس الجمهورية تعيين رئيس المجلس الدستوري الذي يكون صوته مرجح عند تساوي الأصوات
بالإضافة إلى هؤلاء الأعضاء التسعة يضاف للمجلس عضوية رؤساء الجمهورية السابقين وتكون مدة عضويتهم مدى الحياة حيث يختص المجلس بالرقابة على دستورية القوانين.
وحسب المادة 58 والمادة 59 فان المجلس يختص بالإشراف على سلامة إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية وكذلك في المنازعات المتعلقة بصحة انتخاب النواب والشيوخ
وبحسب المادة 60 فان المجلس يشرف على عملية الاستفتاء ويعلن نتائجه وتحدثت المادة 61 عن آلية عرض القوانين على المجلس وقد أكدت المادة 62 على عدم جواز إصدار القانون الذي حكم بعدم دستوريته، وكذلك على عدم جواز الطعن بقرارات المجلس الدستوري بهذا الشأن.
ثانياً:الرقابة القضائية
وهي الرقابة التي تمارس عن طريق هيئة قضائية ولذلك سميت بالقضائية نسبة للهيئة التي تمارسها وهي هيئة ذات صفة قضائية حيث ظهرت كأسلوب بديل عن الرقابة السياسة والتي كانت محل للانتقاد من جانب من الفقه.
وتأخذ الرقابة القضائية على دستورية القوانين صورتين
*رقابة امتناع و *رقابة إلغاء
اولاً :رقابة الامتناع
بمعنى ان القاضي يمتنع عن تطبيق القانون غير الدستوري في الواقعة المعروضة أمامه ، ونستنتج من ذلك ان اثر هذا النوع من الرقابة يقتصر على الواقعة المعروضة لدى محكمة الموضوع ولا يكون له اثر على تطبيق القاعدة القانونية في أي واقعة أخرى ، وفي هذا النوع من الرقابة ليس هناك حاجة إلى وجود قضاء دستوري مستقل ، حيث ان محكمة الموضوع التي تنظر القضية لتطبيق حكم القانون فيها هي نفسها من تقرر ما إذا كان القانون دستورياً أم لا، ورقابة الامتناع دائما تكون رقابة لاحقا لصدور القانون. وتعتبر الولايات المتحدة من ابرز الأمثلة على الأخذ برقابة الامتناع حيث أن الدستور الأمريكي – كما ذكرت سابقاً- لم ينص صراحة على الرقابة القضائية وإنما أوجدها القضاء، وقد تم إيجاد ثلاثة أساليب لرقابة بهذه الطريقة وهي:
1- الدفع بعدم الدستورية: بمعنى أنا هناك واقعة معروضة أمام القضاء “المدني أو الجزائي”ينظرها ليطبق حكم القانون فيها فيقوم احد الأطراف بالدفع بعدم دستورية القانون الذي ستطبقه المحكمة وعندها تقوم المحكمة فحص دستورية القانون فإذا ثبت عدم دستوريته فإنها تهمل القاعدة القانونية وتمتنع عن تطبيقها.
2- الأمر القضائي: وقد نشئ هذا الأسلوب في انجلترا ومقتضى هذا الأسلوب انه يجوز لأي فرد ان يقدم طلب بعدم تنفيذ قانون بحيث يلحق به ضرر لو تم تنفيذه ،كل ذلك على أساس انه غير دستوري
3- الحكم التقريري :حيث يلجا الطرفان إلى المحكمة بطلب فحص ما إذا كان القانون الذي يراد تطبيقه دستورياً أم لا ،وفي هذه الحالة تنظر المحكمة هذا الطلب فإذا تبين ان القانون غير دستوري فلا تطبقه.
ثانياً: رقابة الإلغاء
حيث أن هذه الطريق تقوم على أن القاضي يلغي القانون المخالف لدستور ، ويترتب على ذلك اعتبار القانون كان لم يكن ، وهذه الطريق تختلف عن رقابة الامتناع حيث أن الأثر المترتب على الحكم بعدم الدستورية هو إلغاء القانون في مواجهة الكافة وذلك بعكس رقابة الامتناع التي يكون أثرها مقتصر على امتناع القاضي عن تطبيق القانون المخالف.
تجدر الإشارة إلى أن الهيئة القضائية التي تتولى هذا النوع من الرقابة تكون على مستوى أعلى من المحاكم العادية ،فهذا الاختصاص لا يعطى لكافة المحاكم نظراً لخطورة هذا الاختصاص ، ومن هنا نشا القضاء الدستوري المختص
ويكون اثر الحكم بعدم الدستورية منشئاً وليس كاشفاً.
ومن الأمثلة على هذا النوع من الرقابة ما نص عليه دستور ألمانيا لعام 1949من إنشاء لمحكمة دستورية لتحمي الدستور وقد صدر قانون للمحكمة الدستورية في عام 1951 ينشا بموجبها محكمة مستقلة تتشكل من 16 عضو يختار البرلمان (مجلس النواب ومجلس الولايات) 8 أعضاء لكل منهم وفق ضابط مهم وهو ان يكون الأعضاء من كبار رجال القانون العام ممن لهم خبرة في العمل القضائي ،وبعد ذلك تنتهي مهمة المجلسين ويصبح الأعضاء مستقلين وتكون مدة العضوية 12 عام غير قابلة لتجديد.
ومن الأمثلة على هذا النوع من الرقابة أيضا المحكمة الدستورية في مصر حيث نص الدستور المصري لسنة 1971 صراحة على إنشاء المحكمة دستورية العليا مع الإشارة إلى وجود قضاء دستوري متخصص قبل صدور هذا الدستور بموجب قانون رقم 81 لسنة 1969 ولكن حل محله قانون رقم 48 لسنة 1979 والذي نص على وجود محكمة دستورية يكون مقرها في القاهرة ، تتشكل من رئيس وعدد كافي من الأعضاء و تختص بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح وكذلك الفصل في النزاعات بين القضاء وجهة ذات اختصاص قضائي وتعيين المختص، وكذلك الفصل في نزاع متعلق بتنفيذ حكمين نهائيين متناقضين وكذلك اختصاصها بالتفسير ، وأكد القانون على أن الأحكام الصادرة عنها غير قابلة لطعن.
ومن الأمثلة على رقابة الإلغاء المحكمة الدستورية في الأردن والتي سيتم تفصيلها في الباب التالي
المطلب الثالث
الرقابة الدستورية في الأردن
عند الحديث عن الرقابة الدستورية في الأردن يجب التفريق بين مرحلتين هما مرحلة ما قبل التعديلات الدستورية2011 ومرحلة ما بعد التعديلات الدستورية 2011
اولاً مرحلة ما قبل التعديلات الدستورية
بنسبة للفترة التي سبقت التعديلات الدستورية، فانه وعند الرجوع إلى كافة دساتير المملكة الأردنية الهاشمية –القانون الأساسي لسنة 1928 ودستور سنة 1946 وكذلك دستور سنة 1952- نجد أن كل هذه الدساتير لم تنص على الرقابة الدستورية ويدل ذلك على عدم تطرق المشرع الدستوري لموضوع الرقابة الدستورية .
أما بالنسبة للفقه الدستوري فقد كان هناك خلاف بين من نادى بالأخذ بالرقابة الدستورية وتشجيع القضاء على خوض هذه التجربة وبين من عارض فكرة الرقابة ، وهذا الخلاف كان مشابه لما حصل في الفقه المصري.
وبالنسبة لموقف القضاء في الأردن فقد كان هناك تباين سواء في القضاء العادي أو في القضاء الإداري حيث كان القضاء بين طرفين الأول هم جانب من الفقه الذي كان يشجع القضاء على دخول ميدان الرقابة الدستورية وكذلك تأثر بدفوع بعض المحامين بالدستورية وبالمقابل المشرع الذي لم ينص على الرقابة وجانب من الفقه الذي عارض فكرة الرقابة وهذا سبب التباين فنجد أن المشرع تعرض لمسالة الدستورية في بعض القضايا وأحجم عنها في قضايا أخرى.
وبعد استعراض رأي المشرع والفقه والقضاء يتضح لنا جلياً مدى الحاجة إلى إنشاء محكمة دستورية في الأردن وهذا ما جاءت به التعديلات الدستورية الأخيرة.
ثانياً :مرحلة ما بعد التعديلات الدستورية
وفي عام 2011 تم أجراء تعديلات دستورية جوهرية بناء على ضغوط شعبية وكذلك لمواكبة التغيرات في ظروف الحياة، ومن ضمن أهم ما ورد في هذه التعديلات الرقابة الدستورية ، حيث أضيف إلى الدستور الأردني فصل جديد هو الفصل الخامس سمي بالمحكمة الدستورية وهي المواد (58-59-60-61) وقد نصت هذه المواد على أن تنشئ بقانون محكمة دستورية –كهيئة قضائية مستقلة- مقرها العاصمة ؛وهذا ما أكدته المادة 3 من قانون المحكمة الدستورية . ويكون عدد أعضائها 9 أعضاء على الأقل يعينهم الملك و قد حدد الدستور مدة العضوية بستة سنوات غير قابلة للتجديد وتصدر الأحكام باسم الملك ؛ وهذا ما أكدته وفصلته المادة 5 من قانون المحكمة الدستورية وكذلك المادة15من قانون المحكمة و التي بينت ان الأحكام تصدر باسم الملك
وقد نص الدستور في المادة 59 على ان اختصاص المحكمة الدستورية الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وكذلك تفسير نصوص الدستور -بطلب خاص- وهذا ما أكدته المادة 4 من قانون المحكمة الدستورية
كما وقد نصت المادة 60 من الدستور على حصر حق الطعن المباشر بدستورية القوانين والأنظمة النافذة بمجلس الوزراء ومجلسي الأعيان والنواب وهذا ما أكدتها المادة 9 من قانون المحكمة الدستورية وبالنسبة للمادة الأخيرة في الفصل الخامس من الدستور وهي المادة 61 فقد وضعت عدد من الشروط لأعضاء المحكمة الدستورية أكدتها المادة 6 والمادة 7 من قانون المحكمة الدستورية .
الخاتمة والتوصيات
وبعد استعراض موضوع الرقابة الدستورية ،يتبين لنا عدد من الاستنتاجات منها ان الرقابة الدستورية هي احد آثار التدرج في التشريع ونتيجة لسمو القاعدة الدستورية على القواعد القانونية الأخرى، وندرك تماماً مدى أهمية الرقابة الدستورية كضمانة حقيقية لحماية الدستور وسمو قواعده على سائر التشريعات الأخرى، وحتى لا تصبح قواعد الدستور مجرد توصيات بلا قيمة حقيقية.
أجد في رأيي شخصياً أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين هي الأفضل ، حيث أن الجهات القضائية تعتبر أكثر نزاهة واستقلالاً من الهيئة السياسية القائمة بالرقابة السياسية ، بالإضافة إلا أن العديد من دول العالم أخذت بهذا النوع من الرقابة
وعلى الصعيد الداخلي فان التعديلات الدستورية الأخيرة والتي إضافة الفصل الخامس المتعلق بالمحكمة الدستورية تعتبر بمثابة ولادة حقيقية وشرعية لرقابة على دستورية القوانين ، ولكن لي بعض الانتقادات والتي أتمنى أن يتم تعديلها أهمها آلية اختيار أعضاء المحكمة الدستورية -لأنه أشبه ما يكون في الأردن بالهيئة السياسية- وكذلك السماح بحق اللجوء للمحكمة الدستورية بشكل مباشر ضمن ضوابط وقيود دون حصرها على البرلمان والحكومة فقط
والحمد لله رب العالمين
—————————————–
المراجع
◄التشريعات
– دستور المملكة الأردنية الهاشمية 1952 وتعديلاته
الفصل الخامس /المواد “58-59-60-61”
– قانون المحكمة الدستورية “الأردن” رقم 15 لسنة 2012
-قانون العقوبات الاردني رقم 16 لسنة 1960 / المواد ” 138-119 ”
– دستور جمهورية فرنسا لسنة 1958 /المواد”56-57-58-59-60-61″
– دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971م
– قانون المحكمة الدستورية “مصر” رقم 48 لسنة 1979
◄الكتب
– الدكتور سعد عصفور،القانون الدستوري، الصفحات “44-45-46-47-49-50-53-55″
– الدكتور سليمان طماوي ، النظام السياسي والقانون الدستوري- دراسة مقارنه /1988 ، الصفحات ” 563 -564-565 ”
– الدكتور سالم العضايلة ،”مبدأ الفصل بين السلطات في النظام السياسي الأردني /دراسة مقارنة” ، رسالة دكتورة 2007 م/ الصفحات “733-734-735-738-739-740”
– المستشار عز الدين الدناصوري والدكتور عبد الحميد الشواربي ، الدعوى الدستورية ،منشاة المعارف/الإسكندرية /موضوع الجانب التاريخي لرقابة الدستورية/الصفحات “18-19-20-21”
– الدكتور غالب علي الداودي ،مدخل إلى علم القانون، دار وائل لنشر الاردن 2004 / الصفحات “103-105”
◄انترنت:
Wikipedia.org-
Wikisuriy.org-
-بحث بعنوان أنظمة الرقابة الدستورية لدكتور يحيى الجمل / المقدمة ،المبحث الثالث الرقابة الدستورية في ألمانيا.
◄مراجع أخرى
– محاضرات القانون الدستوري للأستاذ الدكتور أمين العضايلة /جامعة مؤتة
– محاضرة للأستاذ الدكتور محمد الحموري حول التعديلات الدستورية
اترك تعليقاً