التكييف القانوني للإجهاض
– الإجهاض من الناحية القانونية واللاقانونية:
يقسم الإجهاض من الناحية القانونية واللاقانونية إلى قسمين:
1 ـ الإجهاض التلقائي (الذاتي) القانوني:
في كثير من الأحيان يكون الإجهاض تلقائياً ولا يحدث عن جريمة وإنما نتيجة بعض الأمراض التي تصيب الأم كمرض التيفوئيد والبول السكري والمرض الزهري والأورام الرحمية. مما يضطر الأطباء المعالجون الركون إلى اجراء العملية الإجهاضية للمرأة حفاظاً على حياتها لأن بقاء حملها يؤدي إلى وفاتها وذلك في حالة المرأة الحامل المريضة بالمرض القلبي أو بالسل الرئوي. ولشرعية العملية الإجهاضية يستوجب على الطبيب الحصول على موافقة ذوي العلاقة وأصحاب المصلحة، وهما المرأة والزوج.
2 ـ الإجهاض الجنائي اللاقانوني:
هو الإجهاض المعاقب عليه قانوناً. وقد يكون ناتجاً إما عن:
مؤثرات خارجية: الضرب أو الاعتداء على المرأة الحامل.
مؤثرات داخلية: استعمال عقاقير كيمياوية أو ولوج أجسام غريبة في عنق الرحم.
في العصر الحديث نأخذ ثلاثة نماذج على سبيل المثال وليس الحصر:
1 ـ النموذج المصري:
ينص قانون العقوبات المصري على جريمة الإجهاض في المادة 260 وما بعدها ويشترط لتوافر جريمة الإجهاض:
حمل المرأة.
طرح الجنين من بطنها باحدى الوسائل الطارحة.
القصد الجنائي.
ومع ذلك قد لا تكون الواقعة إجهاض وإنما قتل طفل حديث الوالدة ويدور الحوار بذلك حول تحديد الفترة الزمنية التي عاشها الطفل القتيل، وذلك بفحص رئتيه ومعرفة ما إذا كان قد دخلهما الهواء أم لا علماً أن الطفل حديث الولادة قد يزن من ثلاثة إلى ثلاثة كيلوغرامات ونصف وان طوله يبلغ 50 سم.
2 ـ النموذج القطري:
ورد في قانون العقوبات القطري، حيث جاء في الفصل التاسع منه حالات الإجهاض المعاقب عليها قانوناً، ولقد حصرت في خمس مواد. ابتداء من المادة (170) إلى المادة (174).
فعند توفر النية العمدية لعملية الإجهاض للجاني وتوفر النية الرضائية من قبل المجنى عليها، وعدم وجود حسن النية من قبل الجاني لإنقاذ حياة المجنى عليها تكون عقوبة الجاني مدة لا تتجاوز الخمس سنوات.
كما تسري هذه الأحكام على المرأة التي تجهض نفسها أو تسمح لغيرها باجهاضها.
وقد تتضاعف العقوبة في حالة الإجهاض اللارضائي، فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد عن عشر سنوات.
أما في حالة قيام الجاني بعمل يسبب إزهاق روح الحبلى (المجنى عليها) قاصداً من ذلك إجهاضها برضائها مع توفر حسن النية لإنقاذ حياتها (حياة المجنى عليها) فان العقوبة على ذلك العمل الجرمي تكون بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات.
من تحصيل الحاصل، نجد أن مدة العقوبة ـ وهي العشر سنوات ـ في الجزء الأول من مادة (172) وهي نفسها أي ـ العشر سنوات ـ في المادة (171) بالرغم من وجود اختلاف بين في وجود النية الرضائية من عدم وجودها، ففي الجزء الأول من مادة (172) هي نفسها أي ـ العشر سنوات ـ في المادة (171) ، نية الرضائية غير متوفرة ـ ومع ذلك، فنرى أن عقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز العشر سنوات التي تنص عليها المادة (172) هي قليلة نظراً لجسامة الجرم المرتكب من قبل الجاني ـ وهو إزهاق روح الحبلى ـ (المجنى عليها) ـ في حالة المقارنة بالنسبة إلى المادة (171) قانون عقوبات القطري.
وفي حالة ارتكاب جريمة الإجهاض بدون رضى الحبلى (المجنى عليها) وتسبب الإجهاض موت المجنى عليها الحامل أي ـ إزهاق روحها ـ فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد عن أربع عشر سنة.
وبذلك يصبح الجاني في مركز جرمي كبير كقاتل عمد مع توفر القصد الجرمي وحجم العقوبة هي نفس عقوبة القتل العمد.
وعند توفر القصد الجرمي للاعتداء على امرأة حامل دون اتجاه النية إلى إجهاضاً إلا أن هذا الاعتداء قد أفضى إلى الإجهاض أي وبكلمة أوضح ـ الاعتداء المفضي إلى الإجهاض ـ فتكون العقوبة إما:
1 ـ الحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات.
2 ـ الغرامة بما لا يزيد على ثلاثة آلاف ريال.
3 ـ الحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة آلاف ريال ـ إذن يمكن للقاضي أن يوقع أي عقوبة من هذه العقوبات الاختيارية المخول بايقاعها قانوناً، وذلك وفقاً لجسامة العملية الإجهاضية وظروف كل من الجاني والمجنى عليها. وفي حالة علم الجاني بكون المرأة حبلى فتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سبع سنوات وفي حالة ارتكاب الفعل الجرمي القصدي المؤدي إلى قتل الجنين قبل ولادته، وحصل موت الجنين نتيجة ذلك الفعل الجرمي سواء قبل ولادة المولود أو بعده، ولم يكن الفعل محاطاً بحسن نية بغية إنقاذ حياة الأم، يعاقب الجاني بالحبس مدة لا تتجاوز عشر سنوات.
3 ـ النموذج العراقي:
خصص المشرع العراقي ثلاث مواد (417، 418، 419) من الفصل الرابع من الباب الأول للكتاب الثالث لقانون العقوبات العراقي للبحث عن جريمة الإجهاض ـ حالة اجراء العملية الإجهاضية الرضائية ـ :
1 ـ من قبل المرأة الحامل نفسها عمداً بأية وسيلة كانت سواء حصل الإجهاض نتيجة تناول العقاقير أو مواد كيمياوية أو أي شيء آخر لأن النص ورد على سبيل المثال وليس الحصر.
2 ـ تمكين شخص آخر غير المرأة الحامل من اجراء عملية الإجهاض برضاها تكون العقوبة بالنسبة للمرأة الحبلى التي أجهضت نفسها بنفسها عمداً، إما:
أ) الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أي تكون العقوبة الصادرة ضد المرأة الحامل بدنية وهي ـ الحبس مدة لا تزيد عن سنة ونقدية ـ وهي ـ الغرامة التي لا تزيد عن مائة دينار.
عقوبة بدنية ـ وهي ـ الحبس مدة لا تزيد عن سنة.
عقوبة نقدية ـ وهي ـ الغرامة لا تزيد عن مائة دينار.
وذلك طبقاً لظروف المرأة الحامل وحالتها النفسية ومزاجها العصبي.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها من أجهضها عمداً برضاها، وإذا أفضى الإجهاض والوسيلة التي استعملت في إحداثه ولو لم يتم الإجهاض إلى موت المجنى عليها فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات.
وبالبداهة، إذا كان الجاني طبيباً أو صيدلياً أو كيمياوياً أو قابلة أو أحد معاونيهم، فتكون عملية الإجهاض الصادرة منهم ظرفاً مشدداً، وذلك لأن مؤهلاتهم الفنية وخبراتهم العملية وإحاطتهم الكاملة بالأمور المتعلقة بعملية الإجهاض كبيرة، وبالتالي لا يعتبرون كجناة عاديين حينما يقدموا على تلك العملية الجرمية. وبذلك فان المشرع العراقي قد التزم جانب العدالة الحكيمة عندما اعتبر الجريمة الصادرة عن هؤلاء الأشخاص من ذوي الخبرة والمؤهلات والقابليات جسيمة وعليه تكون ظرفاً مشدداً إزائهم.
وعلى العكس تكون ظرفاً قضائياً مخففاً عندما تجهض المرأة نفسها في حالة حملها سفاحاً وذلك اتقاء للعار، وكذلك الأمر في هذه الحالة بالنسبة لمن أجهضها من أقربائها إلى الدرجة الثانية وذلك كالأب أو الأم أو الأخ أو الأخت.
أما من أقربائها في الدرجات الأخرى، وهي الثالثة والرابعة فلا يكونوا مشمولين بظرف مخفف، وعليه فلو أجهض امرأة عمداً برضاها عم أو خال أو عمة أو خالة، أو ابن الخال أو ابن الخالة أو ابن العم أو ابن العمة فانهم لا يستفيدوا من هذا الظرف المخفف.
وفي حالة الإجهاض العمدي الخالي من رضى الامرأة الحامل المجنى عليها، فيعاقب الجاني بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، وإذا افض الإجهاض العمدي أو الوسيلة المستخدمة في إحداثه إلى موت المرأة الحامل (المجنى عليها) ولو لم يحصل الإجهاض أي لم تطرح المرأة الحامل (المجنى عيها) الجنين أرضاً فتكون العقوبة آنذاك السجن لمدة لا تزيد على خمس عشر سنة، وبذلك فان هذه العقوبة هي نفس عقوبة جريمة القتل العمد لأن التكييف القانوني لكلا الجريمتين جريمة الإجهاض وجريمة القتل العمد هو واحد ـ من قتل نفساً عمداً ـ .
كما ويعد ظرفاً مشدداً بالنسبة للجاني إذا كان طبيباً أو صيدلياً أو كيمياوياً أو قابلة أو أحد معاونيهم وذلك بايقاع عقوبة أشد عليه، وهي العقوبة الأصلية، وكذلك العقوبة التبعية وذلك باصدار المحكمة أمراً تمنعه من مزاولة مهنته أو عمله مدة لا تزيد على ثلاث سنوات.
وأخيراً، مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها القانون يعاقب بالحبس مَن اعتدى عمداً على امرأة حبلى مع علمه بحملها بالضرب أو الجرح أو بالعنف أو باعطاء مادة ضارة أو بارتكاب فعل آخر مخالف للقانون دون أن يقصد إجهاضها ومع ذلك تسبب إجهاضها.
اترك تعليقاً