المنظمات الشعبية
المنظمات الشعبية Popular Organizations هي أطر تنظيمية تضم فئات الشعب التي لها مصلحة في التغيير الثوري للمجتمع- على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية – والانتقال من نظام إلى آخر أكثر تقدماً وبطريقة جذرية.
وتجد هذه المنظمات أساسها النظري؛ وتستمد جذورها من الفكر الاشتراكي الثوري الذي ساد في القرن العشرين؛ ومن بنى أنظمة اشتراكية؛ وأنظمة تحرر وطني ديمقراطي في بلدان متعددة من العالم.
اعتمد الفكر الماركسي على مقولة تنظيم جماهير الشعب الكادح وانتظام العمال في نقابات. وإذا كانت التنظيمات الأولى للطبقة العاملة قد سبقت هذا الفكر، وتشكّلت؛ لتدافع عن حقوق العمال الاقتصادية في مواجهة طبقة الرأسماليين أصحاب المصانع وملاّك الأراضي؛ فإن الماركسية اللينينية قد ركزت على تطوير دورها السياسي، وعدّت أنه من غير الممكن أن يؤدي نضال النقابات الاقتصادي إلى تغيير حالة الكادح بصورة جذرية من دون نضال سياسي؛ وأن العمال لا يمكن أن يعملوا بوصفهم طبقة ضد الرأسمالية من دون تنظيم سياسي، وهذا التنظيم وحده هو الذي يؤدي إلى انتصار الثورة الاجتماعية بقيادة الطبقة العاملة وتحقيق هدفها النهائي في القضاء على الطبقات المستغلة. وقد أكد لينين هذا المبدأ حين قال ليس للبروليتاريا سلاح في نضالها من أجل السلطة سوى التنظيم.
كذلك أكد الفكر الاشتراكي العربي هذه المقولة حين أشار إلى أنه لا يمكن أن يكون ثمة ديمقراطية من دون شكل أوتنظيم، فمن دون تنظيم ديمقراطي لا توجد ديمقراطية ولوكان الشعب كله من الفلاسفة الصالحين، كما يقول بعضهم.
فإذا كان الأساس الأول للديمقراطية هو حرية تبادل المعرفة بالمشكلات فلا يمكن أن يتم تبادل المعرفة؛ أي التبادل الجماعي للآراء الفردية إلا داخل نظام ييسر للناس أن يجتمعوا ويتبادلوا الرأي كتابة أوشفوياً. وتعدّ التنظيمات الجماهيرية بكل ماتتضمنه من أجهزة في خدمة آراء أعضائها وبكل أنواعها في قمة الشكل الديمقراطي بحرّية المعرفة، أما كيف يكون التطبيق الديمقراطي ؟ فلا قاعدة في الشكل؛ ولكن تختلف الوسائل تبعاً لاختلاف ظروف كل مجتمع على حدة.
ولقد جرى التعبير عن الشكل السياسي لمرحلة الانتقال من النظام الرأسمالي إلى الاشتراكي بصور شتى جوهره القضاء على المجتمع الطبقي وقيام مجتمعات لا طبقية. ففي الاتحاد السوڤييتي الذي حدثت فيه أول ثورة اشتراكية بقيادة الحزب الشيوعي كانت ديكتاتورية البروليتاريا هي المظهر الديمقراطي الذي حلّ محل ديمقراطية الطبقة البرجوازية، وكانت القوة الموجهة هي الحزب الشيوعي الذي قاد المنظمات الشعبية كالسوڤييتات والنقابات والاتحادات الزراعية التعاونية ومنظمات الشباب والتي أدت دور حلقات الوصل الرئيسية بين الحزب وجماهير الشعب.
في حين سادت أنظمة الديمقراطية الشعبية في بلدان أوربا التي انتهجت النظام الاشتراكي وكذلك بلدان حركة التحرر الوطني التي حصلت على استقلالها في قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، إذ إن وجود قوانين عامة للانتقال إلى الاشتراكية لا يعني أن الثورات والتحويلات الاشتراكية ستجري على النهج ذاته في كل البلدان، وستكون متشابهة.
ولذلك فإن أنظمة الديمقراطية الشعبية قد عملت على استنباط تجاربها الخاصة التي تأخذ بعين الاعتبار طبيعة القوى الاجتماعية والاقتصادية المنتجة في المجتمع؛ ودرجة التطور النوعي فيه، فقد عدّت التجربة الصينية أن طبقة الفلاحين حليف رئيسي للطبقة العاملة في قيادة مرحلة الانتقال، واستنبطت يوغسلافيا تجربتها الخاصة في قيادة هذه المرحلة، وعدّت أن الفلاحين والحرفيين والشبيبة فئات حليفة للطبقة العاملة. كذلك سعت بعض بلدان الديمقراطيات الشعبية إلى إنشاء جبهات وطنية وإقامة تحالفات شعبية عريضة بين قوى ذات مصلحة مشتركة في الكفاح من أجل التحويل الاشتراكي كالفلاحين والبرجوازية الصغيرة من الحرفيين والمهنيين والمثقفين وصغار التجار والكسبة، واقتضى ذلك تنظيم هذه الفئات في تنظيمات مهنية وشعبية ومشاركتها في الكفاح من أجل التغيير الاجتماعي.
ولقد اتسع نطاق هذه التحالفات في البلدان التي انتهجت ماسمي الطريق اللارأسمالي والتي لم تكن بنيتها الاقتصادية والاجتماعية مؤهلة للانتقال إلى النظام الاشتراكي، بل كانت طبيعة علاقات الإنتاج والتخلف الاجتماعي والاقتصادي تضعها في مرحلة تحولات وطنية ديمقراطية معادية للامبريالية والإقطاع والاحتكارات والإعداد المباشر لظروف نموالمرحلة الديمقراطية وبناء القاعدة المادية تمهيداً للدخول في المرحلة الاشتراكية؛ وهذا ما اقتضى إقامة جبهات عريضة تضم فئات اجتماعية واسعة تنتظم في منظمات شعبية من أجل إنجاز قاعدة مادية واجتماعية تؤهلها لبناء علاقات إنتاج اشتراكية.
هناك فارق كبير بين الدور والوظيفة التي تقوم بها النقابات والمنظمات الشعبية في ظل النظامين الرأسمالي والاشتراكي، ففي ظل السلطة الاشتراكية يزول دور المنظمات الشعبية قوةً تعارض سيطرة رأس المال بسبب زوال هذه السيطرة، وتكتسب مضموناً جديداً إذ يقع عليها عبء جديد يتمثل في الدور الإيجابي الذي تقوم به في تنفيذ خطط التنمية والعمل على رفع الكفاية الإنتاجية والمساهمة في رفع المستوى الثقافي والاجتماعي لأعضائها وتعميق الوعي بالفكر الجديد؛ ولذلك فإنها تضطلع بمهام في مجالات التربية والتثقيف والتدريب المهني والإسكان والخدمات الصحية، وتؤدي دور المحفز للكفاح من أجل بناء النظام الاشتراكي.
فالفكر الاشتراكي الثوري يرى أن ممارسة الجماهير الشعبية لحقوقها الديمقراطية على نحوواع ومنضبط ومسؤول يقتضي تعبئتها في إطارات تنظيمية تمنحها القوة، وتتيح توعيتها سياسياً واجتماعياً.
ولن تتحقق الديمقراطية الشعبية من دون إطار سياسي وحزب طليعي يقود فاعليات هذه المنظمات في إطار مصالح الجماهير الكادحة الهادفة إلى بناء نظام طبقي اشتراكي يضمن مصالحها فئاتٍ متحالفةً في مرحلة الانتقال، ويؤدي الى تجاوز البيروقراطية.
وقد كانت سورية إحدى الدول التي انتهجت الطريق الاشتراكي منذ ثورة الثامن من آذار/مارس عام 1963 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، واعتمدت لهذه الغاية الديمقراطية الشعبية نظاماً سياسيّاً، فكرّس الدستور في مادته التاسعة دور المنظمات الشعبية، وعرّفها بأنها تنظيمات تضم قوى الشعب العاملة من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أفرادها. وأعطى للجماهير حق إقامة تنظيماتها النقابية، وفي هذا السياق انتظمت فئات المجتمع في إطار عدّة منظمات شعبية؛ هي:
الاتحاد العام لنقابات العمال[ر]، الاتحاد العام للفلاحين[ر]، الاتحاد العام النسائي[ر]، اتحاد شبيبة الثورة[ر]، الاتحاد الوطني لطلبة سورية[ر]، منظمة طلائع البعث[ر]، الاتحاد العام للجمعيات الحرفية[ر]؛ عدا بعض النقابات المهنية الفاعلة كنقابات المعلمين والأطباء والمهندسين والصحفيين والصيادلة والمحاميين والفنانين واتحاد الكتاب.
اترك تعليقاً