المقصود بالقانون الدولي البيئي
نظراً لحداثة هذا الموضوع ، فإنه من الضروري بيان وتحديد المقصود ببعض الاصطلاحات المستخدمة في هذه الدراسة ، مثل: اصطلاح البيئة ، اصطلاح القانون البيئي بصورة عامة ، واصطلاح القانون الدولي البيئي .
يعني اصطلاح البيئة بشكل عام: « الوسط الذي تعيش فيه الأحياء من إنسان وحيوان ونبات ، سواءً كان وسطاً طبيعياً كالماء والهواء والتربة ، أو كان وسطاً مصنوعاً من الإنسان ذاته كالمنشآت والآثار والطرق وغيرها ، لأن كل هذا يتدخل ويتحكم بصفة مباشرة أو غير مباشرة في حياة الإنسان »([1]) .
ويعرف اصطلاح القانون البيئي باللغة الإنكليزية باسم Environmental law ويقصد به القانون الذي يعنى أو يختص بالبيئة بهدف المحافظة عليها وحمايتها . ووفقاً للمفهوم الحديث أو المعاصر ، فإن القانون البيئي لا يعنى فقط بالبيئة الطبيعية ، مثل الخصائص الطبيعية للأرض أو الهواء أو المياه ، وإنما يشمل كذلك البيئة البشرية مثل الأوضاع الصحية والاجتماعية ، وغيرها من الأوضاع التي يخلقها الإنسان وتؤثر في بقائه على الأرض([2]) . وبهذا فإن القانون البيئي يركز على الإنسان ومدى تأثيره على المحيط الخارجي الطبيعي والصناعي([3]) .
ونشير هنا إلى أن القانون الدولي قد اهتم بمشكلات المجتمع الدولي المعاصر ، حيث أنه قانون متطور فلم يعد قاصراً في موضوعه على معالجة المسائل التقليدية لذلك المجتمع مثل: السيادة ، الإقليم ، المعاهدات ، التنظيم الدولي ، التمثيل الدبلوماسي ، الحرب والحياد . . . الخ ، ولكنه تفاعل مع المشكلات الجديدة التي تهم الدول في وقتنا الراهن ، سواء كانت مشكلات اقتصادية أو تنموية أو اجتماعية أو
إنسانية … فغدونا نسمع عن القانون الدولي الاقتصادي ، والقانون الدولي للتنمية ، والقانون الدولي الاجتماعي ، والقانون الدولي الإنساني …
وقانون هذا حاله لا يمكنه أن يغض الطرف عن البيئة والأخطار التي تهددها ، بل على العكس كان له السبق في التنبيه إلى المشكلات البيئية . وتمثل ذلك عندما دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر دولي حول البيئة الإنسانية من أجل إيقاف هبوط مستوى تلك البيئة ، ووضع القواعد القانونية للحفاظ عليها ، ومكافحة مصادر تلوثها والتعدي على مكوناتها ومواردها الطبيعية([4]) .
وقد انعقد المؤتمر بالفعل في الفترة من 5 ـ 16 يونيو عام 1972 في مدينة استوكهولم بالسويد ، وانتهى إلى تبني مجموعة من المبادئ والتوصيات على درجة بالغة من الأهمية شكلت اللبنة الأولى في بناء القانون الدولي البيئي([5]) .
وقد تعددت تعريفات القانون الدولي البيئي ، فقد عبر عنه البعض بأنه: « مجموعة قواعد ومبادئ القانون الدولي العام التي تنظم نشاط الدول في مجال منع وتقليل الأضرار المختلفة ، والتي تنتج من مصادر مختلفة للمحيط البيئي أو خارج حدود السيادة الإقليمية »([6]) .
بينما عرف البعض الآخر([7]) ، القانون الدولي للبيئة بأنه : « مجموعة القواعد القانونية الدولية العرفية والاتفاقية المتفق عليها بين الدول للمحافظة على البيئة من التلوث » .
وهدف هذا القانون منع أو تقليل أو السيطرة على التلوث البيئي عبر الحدود الوطنية ، مع إيجاد نظام قانوني فعّال لإصلاح الأضرار الناجمة عن هذا التلوث .
ويرى اتجاه ثالث أن القانون الدولي البيئي هو القانون الذي ينظم كيفية المحافظة على البيئة البشرية ومنع تلويثها والعمل على خفض التلوث والسيطرة عليه أياً كان مصدره بواسطة القواعد الاتفاقية والعرفية المتعارف عليها بين أشخاص القانون الدولي([8]) .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتفاق ليس تاماً حول مضمون القانون الدولي للبيئة . فعلى حين يذهب البعض إلى النظر إلى القانون الدولي للبيئة باعتباره قانوناً للحماية من الضوضاء والتلوث ، فإن الكثيرين ينبهون إلى أن مضمون هذا القانون لا بد وأن يختلف بالضرورة بين الدول المتقدمة والدول النامية ، فعلى حين يكاد يبدو القانون الدولي للبيئة بالنسبة للطائفة الأولى من الدول قانوناً للتلوث والضوضاء ، فإنه يبدو بالنسبة للطائفة الثانية قانوناً ضد التخلف في المقام الأول .
ويذهب جانب من الفقه إلى النظر إلى القانون الدولي للبيئة بوصفه نوعاً من الفلسفة العامة تحكم القانون والسياسات في مجالات متعددة تتصل بالبيئة سواء فيما يتعلق بالامتداد العمراني والسياسات المتعلقة بالتصنيع والزراعة وغيرها([9]) .
ونستطيع أن نؤكد أن علاج مشاكل البيئة لا بد أن يكون علاجاً دولياً ، لأن البيئة تترابط عناصرها ولا يعرف لها حدود . . . فالملوثات يمكن أن تنتقل عبر البحار أو الأنهار أو الفضاء الجوي دون حاجتها لجواز سفر . وحماية البيئة أمر مكلف للغاية مما يحتم التعاون الدولي لمحاربة ما يهددها من أخطار كالتلوث ، والتصحر ، واستنزاف الموارد الطبيعية وغيرها . . . حتى أن السيدة مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة أعلنت أكثر من مرة أن المحافظة على البيئة مسؤولية جميع الدول فرادى وجماعات ، لأن تلوثها سينعكس على الجميع . . . مما أدى إلى نشأة ما يسمى بدبلوماسية البيئة لتعكس التعاون الدولي في هذا الشأن ، بل إن ميخائيل جورباتشوف روّج للبيروسترويكا أي « إعادة البناء » بقوله: « إن فيها الطريق إلى بيئة أفضل »([10]) .
ومما يدعم ذلك أن التشريعات الداخلية لا يمكن أن تؤدي إلى تحقيق غاياتها المرجوة ما لم تقترن بجهود على صعيد العلاقات الدولية ، لأن البيئة من المجالات التي يبدو الارتباط فيها وثيقاً إلى أبعد الحدود بين القانونين ، الداخلي والدولي .
اترك تعليقاً