مسـؤوليات المهنـدس فـي القانون المدني
المسؤولية بشكل عام
ما هي المسؤولية ..؟ للفرد أن يمارس حقوقه ضمن الحدود التي رسمها القانون فإذا تجاوز تلك الحدود كان مخالفاً للقواعد القانونية واعتبر مسؤولاً تجب مؤاخذته .
فالمسؤولية : إذاً هي حالة الشخص الذي ارتكب أمراً يوجب المؤاخذة أو المساءلة . والمسؤولية القانونية نوعان مسؤولية جزائية ومسؤولية مدنية .
أما المسؤولية المدنية ، يكون الشخص مسؤولاً مسؤولية مدنية إذا تجاوز حدود الاتفاق المبرم بينه وبين شخص آخر . مثال كامتناع البائع عن تسليم المبيع إلى المشتري أو إذا تجاوز حدود ما التزم به قانوناً كأن يتجاوز أثناء قيادة سيارته الحد المعين للسرعة القصوى فكيف تترتب المسؤولية المدنية …؟
عندما يخل الفرد بالتزام مقرر في ذمته (قانوني أو اتفاقي) استتبع ضرراً وقع على الغير فهنا يجب عليه أن يعوض المضرور عما أصابه من ضرر ويكون للمضرور وحده حق المطالبة بهذا التعويض .
هذا فيما يتعلق بالمسؤولية بشكل عام أما ما هي مسؤوليات المهندس في القانون المدني بشكل خاص فهي :
يخضع المهندس لعدة مسؤوليات تتلخص فيما يلي :
1- المسؤولية العقدية للمهندس :
يربط المهندس برب العمل(1) عقد طبقاً للمادة 148 من القانون المدني التي تنص على أن (العقد شريعة المتعاقدين) فإن أي إخلال بالتزام أو أكثر من الالتزامات المنصوص عليها بالعقد يعرض المخل للمسؤولية العقدية .
2- المسؤولية التقصيرية للمهندس :
إذا أخل المهندس بالالتزام القانوني العام الذي يُلزم بعدم الإضرار بالغير وهذا الالتزام القانوني ليس محدداً ولكنه واجب يفرضه القانون على الكافة بما يترتب على هذا التقصير من ضرر مالي أو جسماني لرب العمل(2) أو أحد الجيران أو المارة أو العمل الناتج عن خطأ المهندس يكون مسؤولاً عن هذا التقصير .
3- المسؤولية العشرية :
نظمت المواد من رقم 617 وحق 620 من القانون المدني السوري أحكام هذه المسؤولية الخاصة بالمهندس (متضامناً مع المقاول) على النحو التالي :
تنص المادة 617 « يضمن المهندس المعماري والمقاول (متضامنين ما يحدث خلال عشرة سنوات من تهدم كلي أو جزئي) فيما شيدوه من مباني أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى ولو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها … إلخ » .
وتنص المادة 618 : « إذا اقتصر المهندس المعماري على وضع التصميم دون أن يُكلف الرقابة على التنفيذ ، لم يكن مسؤولاً إلا عن العيوب التي أتت من التصميم » .
إن سبب الضمان هنا يرجع إلى عيب في التصميم (الدراسة) وإذا كان يضعه عادة مهندس معماري أو يُحتم القانون ذلك أحياناً وقد يضعه شخص آخر غير المهندس كالمقاول أو رب العمل .
فإذا كان قد وضعه رب العمل وكان معيباً فهو الملوم ولا يرجع على أحد ، ولكن قد يشترك معه المقاول في المسؤولية إذا كان هذا الأخير على علم بالخطأ أو العيب وأقره أو كان الخطأ أو العيب من الوضوح بحيث لا يَخفى على خبير مثله .
أما إذا وضعه غيرهم ، أي غير المقاول والمهندس ورب العمل(2) ، كان واضع التصميم هو المسؤول عن عيوب التصميم ويجب عليه الضمان .
ويُسأل المهندس عن عيوب التصميم ولو لم يكن هو واضعه إذا كان قد تبناه وقام بالإشراف على تنفيذه ، فإذا كان المقاول هو الذي وضع التصميم فإنه يكون مسؤولاً عن عيوبه وعن عيوب التنفيذ جميعاً ولكن مسؤوليته عن عيوب التصميم تكون بالقدر الذي تسمح به المقدرة الفنية لشخص في مستواه وإذا تبنى التصميم تَحمَّل مسؤوليته فإنه يكون مسؤولاً عما فيه من عيوب .
وعيوب التصميم إما أن ترجع إلى خطأ في أصول الهندسة المعمارية والإنشائية كأن يكون من وضع التصميم لا تتوفر فيه الكفاية الفنية اللازمة أو لم يَبذل العناية الكافية فيجيء التصميم معيباً من الناحية الفنية . وإما أن ترجع عيوب التصميم إلى مخالفة قوانين البناء ولوائحه كأن يوضع التصميم على أساس البناء على مساحة من الأرض أو على ارتفاع أكبر مما تسمح به هذه النظم أو على أبعاد تخالف القوانين أو يخرج البناء عن خط التنظيم وغير ذلك من عيوب . وقد قضي بأن من واجبات المهندس المعماري أن يلاحظ عند وضع الرسم أحكام القوانين المتعلقة بالجوار وقيود البناء وحقوق الارتفاع سواء ما كان منها مفروضاً بحكم القانون أو ناشئاً عن الارتفاع أو بسبب موقع الأرض الطبيعي وله في سبيل ذلك أن يكلف المالك بتقديم مستندات ملكية الأرض المطلوب إقامة البناء عليها كي يتأكد من ذلك كله فإذا امتنع المالك عن تقديمها إليه ألزم المهندس بأن يحصل منه على إقرار بشأن حقوق الارتفاع التي يُحط بها علماً ، ويُلاحظ أن مخالفة القوانين واللوائح قد لا ترجع إلى التصميم ذاته بل إلى أعمال التنفيذ وفي هذه الحالة يكون المقاول الذي قام بأعمال التنفيذ هو الذي يجب عليه الضمان أي (التعويض) ويكون المهندس المعماري متضامناً معه إذا أشرف على هذا التنفيذ .
وسواء رجع عيب التصميم إلى أصول الفن المعماري الإنشائي أو إلى مخالفة القوانين واللوائح فإن واضع التصميم يكون غالباً المهندس المعماري أو الإنشائي الذي يجب عليه الضمان سواء أشرف على التنفيذ أو لم يشرف على التنفيذ وأيضاً يكون مسؤولاً مسؤولية مزدوجة عن عيوب التصميم وعيوب التنفيذ إذا كان هو واضع التصميم والمشرف على التنفيذ كما تقدم فيكون متضامناً مع المقاول في حدود عيوب التنفيذ ومستقلاً وحده في الضمان عن عيوب التصميم ولا يكون المقاول مسؤولاً معه فيها إلا إذا كانت عيوب التصميم من الوضوح بحيث لا تخفى على المقاول ولا سيما العيوب المتعلقة بمخالفة قوانين ولوائح التنظيم وإذا أقدم المقاول على تنفيذ التصميم بالرغم من هذه العيوب فإنه أي (المقاول) يكون هو أيضاً ملتزماً بالضمان متضامناً مع المهندس .
ويمكن تحديد المهندسين المسؤولين عن عملية البناء كما يلي :
1- المهندس المعماري المصمم .
2- المهندس الإنشائي المصمم .
3- المهندس الأخصائي المصمم وهو المهندس القائم بتصميم الأعمال الكهربائية أو الميكانيكية أو الصحية أو اختبارات التربة .
4- المهندس القائم بالإشراف الدائم على التنفيذ من قبل المالك أو المكتب الاستشاري المصمم .
5- المهندس المقاول بالموقع .
6- المهندسون والمديرون القائمون بأعمال التنظيم بالبلديات أو المجالس المحلية .
أنواع الجرائم التي يمكن أن يرتكبها المهندس :
1- الإهمال الجسيم سواء في التصميم أو التنفيذ.
2- استلام مهندس البلدية للرسومات غير موقعة من مهندس نقابي متخصص (معمارياً أو استشارياً أو إنشائياً) في أبحاث التربة والأساسات .
3- عدم التزام المهندس المنفذ بشروط القانون رقم 1 لعام 2003 ونظام ضابطة البناء ونذكر منها على سبيل المثال البناء خارج خطوط التنظيم وعدم مطابقة المحاور والفراغات والارتفاعات لبنود القانون .
4- عدم مراعاة الأصول الفنية في التنظيم والإشراف الدائم على التنفيذ وقد تم إصدار عدد كبير من الاشتراطات الفنية لتصميم وتنفيذ أعمال البناء وهو ما يسمى بالكود .
أولاً – الإهمال الجسيم :
الجريمة تنحصر في الإهمال الجسيم في عدم مراعاة الأصول الفنية والكود السوري في تصميم الأعمال سواء أعمال المباني أو الخراسانات والأعمال المعدنية أو الأساسات ، وكذلك الإهمال بالنسبة للمهندس المشرف إشرافاً دائماً على التنفيذ في مراقبة الأعمال والتأكد من استعمال المواد المطابقة للمواصفات من حيث الكمية والنوع وعمل الاختبارات اللازمة على مكعبات الخرسانة المسلحة ومواد التنفيذ المختلفة وخاصة مواد الركام (كالرمل) والتأكد من خلوها من الأملاح وكلوريدات الكبريتات مما يؤدي إلى أن متانة البناء تكون غير كافية .
العقوبة :
تنص الفقرة الثانية /آ/ من البند ثانياً من المادة الثانية من المرسوم 1 لعام 2003 .
آ- (الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة من 100000 إلى 500000 إذا لم يكن البناء حائزاً على المتانة الكافية وإذا حصل انهيار كلي أو جزئي في البناء بسبب المتانة الغير كافية أو الإضافة أو التفريغ أو التعديل تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة ولا تقل العقوبة عن خمس سنوات أشغال شاقة وضعف الغرامة إذا أدى الانهيار إلى وفاة شخص أو أكثر حسب الفقرة (ج) من المادة الثانية من القانون رقم 1 لعام 2003 المتعلق بالأبنية المخالفة وتسوياتها) .
ب- الشطب من سجلات نقابة المهندسين وذلك للمدة التي تعينها المحكمة في الحكم وفقاً لظروف كل حالة على حدة وفي حالة التكرار يكون الشطب نهائياً .
ثانياً- عدم التزام المهندس المنفذ بشروط القانون رقم 1 لعام 2003 وغيره من القوانين الأخرى وذلك بمخالفة قوانين التنظيم بوضع التصميم على مساحة أكبر مما تسمح به أو على أبعاد تخالف الأبعاد المدونة على الرخصة الممنوحة له أو الخارجة على خط التنظيم .
ثالثاً – عدم مراعاة الأصول الفنية في التصميم أو الإشراف الدائم على التنفيذ وذلك بخطأ في الأصول الفنية للهندسة المعمارية أو الإنشائية لقلة خبرته أو لعدم بذله العناية الكافية في وضع التصميم وإهمال الرقابة الدائمة على التنفيذ . والمهندس المشرف إشرافاً دائماً على التنفيذ يكون مسؤولاً مسؤولية كاملة عن العيوب التي تظهر في الأعمال سواء في أعمال التصميم أو التنفيذ وخاصة إذا كانت العيوب واضحة ولا تخفى على المهندس الممارس .
إن المسؤولية المدنية تتحقق إذا ارتكب الشخص فعلاً ترتب عليه إلحاق ضرر بالغير وقد نص القانون المدني في المادة 164 منه على أن : ( كل خطأ سبَّب ضرراً للغير يُلزم من ارتكبه بالتعويض ) .
والعقد المبرم بين رب العمل والمهندس هو الذي يحدد مدى الالتزامات التي يتعين على المهندس أن يقوم بها وإلا تعرض للمسؤولية والعقوبة التي سبق الإشارة إليها والدور الرئيسي للمهندس من الناحية الفنية هو وضع التصميم والإشراف الدوري على التنفيذ وقد يضاف إلى هذا الدور الإشراف الدائم على التنفيذ ويشمل وضع التصميم على عمل المقايسة الخاصة بالمشروع وإعداد مستندات الترخيص وقد يضاف إلى ذلك إدارة المشروع ومراقبة التنفيذ مراقبة دائمة .
ويمكن تلخيص أخطاء المهندس التي تعرضه للمسؤولية المدنية فيما يلي :
1- الخطأ في التصميم .
2- سوء إدارة الأعمال مما يسبب للمالك أعباء مالية زائدة .
3- عدم معاونة المالك في إعطائه المشورة الفنية السليمة وقد يتعدى ذلك بأن يعطي للمالك مشورة خاطئة .
4- وضع مقايسات غير دقيقة مبنية على التخمين بحيث تكون أقل بكثير من المقايسة الحقيقية مما يضطر رب العمل(3) إلى وقف الأعمال وبالتالي يكون المهندس مسؤولاً أمام المالك وكذلك إذا كانت هذه المقايسة لا تتفق مع الرسومات .
5- وضعه مواد في المواصفات الفنية لم يكن قد ثبت بعد صلاحيتها .
6- وضع رسومات مخالفة للأصول الفنية وغير مناسبة لطبيعة الأرض .
7- وضع تصميم لا يوفر السهولة والراحة في استخدام المبنى أو أمان المستعملين لوضع مصاعد صغيرة لا تسع الركاب أو درابزونات بلكونات بارتفاعات أقل من المفروض ، أو بها عوارض أفقية تساعد الأطفال على تسلقها أو عيوب في العزل الصوتي وسمك الحوائط الخارجية .
8- الإهمال في الإشراف الدائم على التنفيذ :
أوجب القانون أن يُقدم طلب الترخيص مرفقاً به إقرار من مهندس نقابي ( مدني أو معماري ) بالإشراف على التنفيذ وفقاً للقواعد المنظمة لذلك ويفهم من ذلك أن اللجوء إلى المهندس المدني النقابي (مدني أو معماري) يكون إجبارياً وذلك لجميع الأعمال المطلوب الحصول على ترخيص لها سواءً كانت أعمال إنشاء أو تعديل أو تعلية أو ترميم أو هدم .
ومن الواجب على السادة المهندسين معرفة ما هي مهمة الإشراف على التنفيذ حيث تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : هو الإشراف الدوري على الأعمال والذي يقوم به عادةً المهندس المصمم حيث يتأكد من مطابقة الرسومات المقدمة للمالك لتنفيذها على الطبيعة ومنها إذن الصب وإذن الصب يعتبر تحملاً لمسؤولية السقف كاملاً لذلك (نلفت الانتباه إلى أهميته) .
القسم الثاني : هو الإشراف الدائم على التنفيذ والذي يقسم بدوره إلى أمرين :
الأول : إدارة المشروع .
الثاني : مراقبة التنفيذ وضبط الجودة .
أما إدارة المشروع هي اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسيير الأعمال طبقاً للبرامج الزمنية ومتوافقة مع التدفقات المالية من المالك .
كما تشتمل إدارة المشروع على إدارة تعاقدات المالك مع المقاول بما ضمن تنفيذ الأعمال في مواعيدها وبما لا يعرض المالك لارتفاع بالأسعار الذي دائماً ما يحدث ويسبب نشوء العديد من المنازعات وبما يُعرض المهندس للمسؤولية الشخصية وما يتبع ذلك من وضع البرامج الزمنية اللازمة وجداول التدفقات المالية وتقديم المشورة الفنية للمالك شاملة البيانات والتوجيهات اللازمة لحسن سير الأعمال .
أما مراقبة التنفيذ وضبط الجودة :
فهي مهمة تستلزم من المهندس مراقبة دائمة ويومية من حيث جودة المواد المستخدمة ومطابقتها للمواصفات الفنية وأصول الصناعة والتنسيق بين المقاولين المختلفين والفنيين ذوي التخصصات المختلفة المشتركين في عملية البناء وتتم هذه المراقبة لحظة بلحظة ليخرج العمل في الصورة المطلوبة وتشتمل هذه المهمة على الرقابة على موقع العمل من ناحية توفير وسائل السلامة واحتياطات الأمن للمشروع ضد الحرائق وخلافه بالإضافة لتأمين سلامة العاملين في المشروع والأشخاص من خارج المشروع كسقوط جسم صلب على أحد المارة مثلاً . كما أنه من الواجب على المهندس إعطاء رب العمل(4) بياناً مفصلاً ودقيقاً عن التكاليف الفعلية للأعمال المزمع تنفيذها لأنه سيكون مسؤولاً عن الضرر الذي يصيب رب العمل(4) إذا حدثت زيادة في تكاليف تنفيذ الأعمال وكان من نتيجتها عدم قدرته على تغطية هذه التكاليف أثناء التنفيذ كما يتعين على المهندس الاشتراك في استلام الأعمال من المقاول استلاماً ابتدائياً ونهائياً وإبداء الرأي في مطابقة الأعمال للمواصفات .
وفي الختام لا بد من إبداء الملاحظات والمقترحات التالية :
– مسؤولية المهندس الدارس على إذن الصب يحمِّله المسؤولية القانونية بالتضامن مع تاجر البناء وكذلك مسؤولية المهندس المشرف الذي يوقع عقداً على الأغلب وهمياً وكذلك المهندس المتعهد الذي يتجاوز حدود القانون وشرف المهنة وأخلاقها عندما يصبح هدفه الربح المادي فقط وكذلك مسؤولية المهندس المدقق تضامنية مع المهندس المصمم من حيث صحة المخططات ودقتها .
– عدم قبول طلب الترخيص من قبل البلدية إلا بعد اعتماد مهندس موقع يلتزم به المالك أو تاجر البناء وخاصة مع غياب جهة تطابق كميات الإسمنت الفعلية حسب ورودها في المخطط لا سيما التواطؤ الحاصل بين نجار البيتون وحداد البيتون وتاجر البناء .
– القانون رقم 51 لعام 2004 الخاص بنظام العقود للجهات العامة والتعليمات التنفيذية لا يلبي حاجة الإنشاءات إذ لا يعقل دمج الإنشاءات مع التوريدات والأعمال الصغيرة مثل توريد البطاطا . لذلك فالمطلوب عقد إنشاءات مستقل على قرار الفيديك الدولي .
– كثرة الأبنية المخالفة ومخالفات الوجائب هي أمر شائع جداً وليس أمراً استثنائياً بكل أسف في مدينتنا -.
المحامي علي الفارس
اترك تعليقاً