المـتـجـر
في البداية كان التاجر[ر] يمارس نشاطه التجاري مستعيناً بمجموعة عناصر مادية لا يخرج دورها عن أن تكون أداة لهذا النشاط، ولكن جوهر النشاط كان يتمثل في عنصر العمل الذي يقوم به التاجر في حرفته، بحيث كان هذا العمل هو الذي يسبغ القيمة على تلك العناصر التي يستعين بها التاجر، ولذلك لم يكن يُتصور للمتجر وجود قائم بذاته ومستقل عن صاحبه، بل كانت قيمة المتجر، وهي مستمدة من عمل صاحبه، تتوقف على شخص التاجر نفسه.
أما فكرة المتجر كمالٍ له كيان ذاتي منفصل ومستقل عن شخص صاحبه الذي يستغله، بحيث تكون له قيمة ولو بغير ملاّكه، وبحيث يجوز التعامل فيه بيعاً أو رهناً كأي قيمة مالية أخرى، فهي فكرة حديثة لم تظهر في القانون الفرنسي إلا في أواخر القرن التاسع عشر، ويرجع الفضل في ظهور هذه الفكرة إلى التجار أنفسهم حين دعتهم الضرورة إلى استخدام متاجرهم وسيلة للائتمان.
وقد سادت في الماضي نظرة مادية بحتة إلى المتجر، إذ توقّف النظر عند البضائع والعدد والآلات وعدّت هذه المنقولات المادية العناصر التي يتكون منها المتجر، لكن هذه النظرة ما لبثت أن تغيّرت بظهور أهمية عناصر أخرى معنوية تعدّ الجانب المهم من القيمة الاقتصادية للمتجر، مثل عنصر الاتصال بالزبائن وبراءات الاختراع والعلامات التجارية وغيرها.
وعلى هذا الأساس يمكن تعريف المتجر أو المحل التجاري le fonds de commerce أنه مجموعة من الأموال المنقولة، مادية ومعنوية، يجمعها التاجر وينظمها ليستخدمها في ممارسة نشاطه التجاري.
عناصر المتجر
يدخل في تكوين المتجر مجموعة عناصر ضرورية لاستغلاله التجاري، وهذه العناصر بعضها مادي كالعدد والأثاث والبضائع، وبعضها معنوي كالاتصال بالزبائن والاسم والشعار والعلامات الفارقة وغيرها، وتجدر الإشارة إلى أن هذه العناصر لا تندمج فيما بينها اندماجاً يفقدها ذاتيتها؛ بل يظل كل عنصر فيها محتفظاً بطبيعته ووصفه الحقوقي، كما أنها ليست دائمة وثابتة، وقلّما تجتمع كلها في محل تجاري معين.
العناصر المادية
تتضمن هذه العناصر:
– العدد الصناعية غير المعدّة للبيع كالآلات التي يستخدمها التاجر في صنع المنتجات، وسيارات النقل وأدوات الكيل والأوزان.
– الأثاث التجاري: كالمكاتب والمفروشات التي يُجَّهز بها المتجر، والمقاعد والخزائن والحواسب وغيرها.
– البضائع: وهي المنقولات المادية المعدّة للبيع سواء كانت مصنوعة أم مواد أولية معدة للصنع.
العناصر غير المادية (المعنوية)
تعد العناصر المعنوية للمتجر جوهر هذا المتجر، إذ لا يُتصور وجوده من دونها وأهم هذه العناصر هو:
– الاتصال بالزبائن: يقصد بالزبائن مجموع الأشخاص الذين يتعاملون مع المتجر من أجل الحصول على الحاجات أو الخدمات سواء كان ذلك بصفة اعتيادية أم بصفة عابرة. ويؤسس هذا العنصر على المزايا التي يتمتع بها التاجر من أمانة ونظافة أو حسن معاملة وعلى الجودة التي تتصف بها بضائعه وسعرها المناسب كما أن لموقع المتجر الأثر الكبير في اجتذاب الزبائن.
– الاسم أو العنوان التجاري: هو الاسم الذي يستخدمه التاجر لإظهار تجارته إلى الجمهور ويوقّع به عقوده، ويتكون العنوان التجاري من اسم التاجر ولقبه، كأن يقال «صالون أحمد الزيناتي» وليس هناك ما يمنع التاجر من أن يضيف ما يشاء إلى اسمه ولقبه لتسمية عنوانه التجاري؛ كأن يطلق على محله «مكتبة النهضة لصاحبها زهير الأحمدي». والقاعدة هي جواز فصل العنوان التجاري عن المتجر والتفرغ عنه مستقلاً عن المتجر، كما أن التفرغ عن المتجر لا يشمل العنوان التجاري، إلا إذا تم الاتفاق على خلاف ذلك.
– الشعار: هو عبارة عن رمز أو صورة أو علامة يضعها التاجر على واجهة محله أو على لوحته بقصد تمييز محله عن غيره، وقد يكون الشعار مأخوذاً من اسم الشارع كأن يقال «فندق البرازيل» لوجود الفندق في شارع البرازيل.
– حق الإيجار: يوجد الحق في الإجارة في جميع الحالات التي يكون فيها التاجر مستأجراً للمكان الذي يزاول فيه تجارته وهو الوضع الغالب، ولهذا العنصر أهمية كبيرة في المتاجر التي تستمد قيمتها من موقعها كالمطاعم والفنادق والمقاهي. والقاعدة العامة تقضي بأن بائع المتجر المستأجر يحق له أن ينزل عن الإيجار إلى الغير. وقد منحت قوانين الإيجارات في سورية التاجر المستأجر محلاً تجارياً الحق بأن يبيعه كله إلى الغير حتى لو لم يوافق مالك العقار على ذلك. وفي هذه الحالة يعدُّ المشتري خلفاً للمستأجر البائع فيما يتعلق بجميع شروط العقد الأصلي، لكن للمالك أن يطلب عندئذ تخمين المأجور مباشرةً.
– العلامات التجارية والصناعية [ر] يقصد بالعلامة الفارقة التجارية أو الصناعية التسميات والرموز والأختام والطوابع والحروف والنقوش، وبصورة عامة هي كل إشارة تستعمل لتمييز طبيعة بضاعة أو منتج صناعي أو تجاري أو زراعي أو معدني ومنشئه. وتعد العلامة الفارقة من أهم الوسائل التي يلجأ إليها الصانع أو التاجر لتمكين المستهلك من معرفة سلعته ومصدرها أينما وجدت، وضمان عدم تضليل الجمهور وخديعته في أمرها.
– براءات الاختراع [ر]: الاختراع هو ابتكار أي إنتاج صناعي جديد أو اكتشاف طريقة جديدة للحصول على إنتاج صناعي قائم.
– الرسوم والنماذج الصناعية: ويقصد بذلك المنسوجات ذات الرسمات المطبوعة أو المنسوجة، والورق الملون المستعمل لتغطية الجدران، والنماذج الجديدة للمعاطف والقبعات وأغطية الرأس.والقناني وأوعية العطور والمشروبات.
الطبيعة الحقوقية للمتجر
إن الرأي السائد لدى علماء القانون، هو أن المتجر منقول معنوي بالرغم من أنه يحتوي على بعض العناصر المادية التي تأتي في الدرجة الثانية من بعد العناصر المعنوية، ويترتب على هذا التصنيف:
إذا أوصى شخص إلى آخر بجميع أمواله المنقولة فإن المتجر المملوك للموصي يدخل في الأموال التي تنصب عليها الوصية.
إن المتجر كمنقول معنوي، لا يخضع لقاعدة الحيازة في المنقول سند للملكية؛ لأن هذه القاعدة تختص بالمنقولات المادية من دون المعنوية، لذلك إذا حصل بيع محل تجاري لشخصين على التعاقب واستلم المشتري الأخير هذا المحل؛ فإن الأفضلية تكون للشاري الأسبق في التاريخ ولو انتقلت الحيازة إلى غيره.
حماية المتجر من المنافسة غير المشروعة
إذا كانت المنافسة أو المزاحمة هي أساس التجارة وعمادها، لما تؤدي إليه من تحسين الإنتاج وتخفيض الأسعار ونمو التجارة، إلا أن هذه المنافسة لا يمكن أن تمارس من دون ضابط أو تقييد، بل يجب أن تبنى على أسس وطيدة من الشرف والصدق والأمانة. وقد أقرت التشريعات كافة حماية خاصة لبعض عناصر المتجر؛ وهي حقوق الملكية الصناعية من براءات اختراع ورسوم ونماذج صناعية وعلامات تجارية وأسماء تجارية، كما قررت حماية خاصة للمتجر بمجموع عناصره من أفعال المنافسة غير المشروعة التي تنقص من سلامة المتجر وقيمته وتحرمه من زبائنه بمقتضى دعوى خاصة تسمى دعوى المنافسة غير المشروعة، ويؤسس القضاء هذه الدعوى على قواعد المسؤولية التقصيرية التي تقضي بأن كل خطأ سبَّب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض.
ويمكن تعريف المنافسة غير المشروعة أنها استخدام التاجر طرقاً ووسائل منافية للقوانين والعادات أو مبادئ الشرف والأمانة في المعاملات بغية تحويل زبائن الغير إليه، وأعمال المنافسة غير المشروعة لا تدخل تحت حصر: فمنها ما يهدف إلى إحداث اللبس أو الخلط بين المؤسسات أو المنتجات، ومنها الادعاءات غير المطابقة للحقيقة، ومنها ما يبغي بث الاضطراب في مشروع منافس وغير ذلك.
العقود الواردة على المتجر
أغفل قانون التجارة السوري بحث موضوع أهم العقود والتصرفات الواردة على المتجر كبيعه أو رهنه تاركاً ذلك للقواعد العامة التي تحكم البيع والرهن في القانون المدني، لكن بما أن للمتجر – بحسب طبيعته الحقوقية – وضعاً خاصاً يختلف عن وضع الأشياء أو الأموال المنقولة، فإن معظم التشريعات وجدت ضرورة لتنظيم أحكام بيع المتجر ورهنه تنظيماً يختلف في كثير من نواحيه عن الأحكام الواردة في القانون العام. وجدير بالذكر أن مشروع قانون التجارة السوري الجديد – الذي جرت مناقشته عام 2004 في مجلس الشعب، سداً للثغرة القائمة في التشريع الحالي بهذا الخصوص – قد أتى بأحكام تفصيلية تتناول جميع التصرفات التي تقع على المتجر من بيع ورهن وغير ذلك.
اترك تعليقاً