العلاقة الإيجارية في حالة استملاك العقار المأجور
– نصوص قانونية :
– نصت المادة 2 من المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 1983 المعروف بقانون الاستملاك ، على أنه للوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والجهات الإدارية ولجهات القطاع العام ، أن تستملك العقارات المبنية وغير المبنية ، سواء كانت ملكاً صرفاً أو ملكاً للوقف أو مثقلة بحق وقفي ، وذلك لتنفيذ مشاريعها والنفع العام المنصوص عليها في هذا المرسوم .
– نصت المادة 3 على تعداد المشاريع ذات النفع ومن ذلك فتح الطرق الجديدة وإنشاء الملاعب والمستشفيات والمنشآت الزراعية والإنشاءات السياحية والتموينية … إلخ .
– نصت المادة 32 على أنه : « عندما يتم دفع … الاستملاك الذي اكتسب الدرجة القطعية إلى أصحاب الاستحقاق . أو إيداعه في المصرف أمانة بدون فائدة ، تقوم الدائرة بإبلاغ رئيس المكتب العقاري المختص ليقوم بتسجيل العقار أو جزء العقار باسم الجهة المستملكة أو العامة » .
– المادة 35 من قانون الاستملاك فقد نصت على إذا استملكت عقارات للنفع العام وخصصت لذلك ثم زالت صفة النفع العام عن العقارات فتعتبر تلك العقارات من الأملاك الخاصة ويجري تسجيلها في قيود السجل العقاري باسم الجهة العامة المستملكة بناءً على قرار من الجهة التي كانت قد استملكت العقار أو العقارات ويحق لهذه الجهة التصرف بهذه العقارات بكل وجوه التصرف .
2- موضوع الاستملاك :
من استعراض هذه النصوص القانونية ، نجد أن الاستملاك لا يقع إلا على واحد من الأموال وهي العقارات بغض النظر عن ماهيتها ، مبنية كانت أم غير مبنية ، وبغض النظر عن الجهة المالكة لها ، إن كانوا أفراداً أو جهة وقف ، وبغض النظر أيضاً عن نوعية أشغال العقار وصفة الشاغلين ، إن كان داراً للسكن أو محلاً لتعاطي التجارة أو الصناعة أو الخدمات ، أو كان الشاغل هو المالك للعقار أو مستأجراً أو أميناً أو مستعيراً …. إلخ .
3- المسألة الخلافية :
حينما يكون الشاغل للعقار الذي تقرر استملاكه هو المالك لهذا العقار ، فإنه لا يثور أي جدل قانوني بشأن هذا الإشغال أثناء إجراءات الاستملاك وما بعدها .
أما حينما يكون الشاغل مستأجراً ، فإن الجدل يثور فعلاً بشأن مصير العلاقة الإيجارية فهل تنتهي هذه العلاقة لتبرز علاقة جديدة ؟ … وهل يبقى البدل الذي يلتزم المستأجر بدفعه طيلة مدة إجراءات الاستملاك وحتى الإخلاء الإداري ووضع الجهة المستملكة يدها على العقار ، على حاله وله نفس الاسم والصفة ؟ أم أن بدل الإيجار يتحول إلى رسم تتقاضاه الجهة المستملكة ؟
إن الإجابة الصحيحة على هذه المسألة القانونية لها أهميتها على مستوى العلاقة القانونية بين المستأجر وبين الجهة المستملكة أو المالك المؤجر .
فهل تبقى الرابطة على أساس عقد الإيجار ؟ أم أن الاستملاك الذي يغير صفة العقار من ملك خاص إلى ملك عام ، يفضي إلى اعتبار عقد الإيجار الذي كان يربط المستأجر بالمالك ، عقد إشغال يخضع للقانون الإداري ؟
كما أن الإجابة الصحيحة تبدو ضرورية على مستوى الاختصاص القضائي . فإن كانت العلاقة باقية على أساس عقد الإيجار ، فإن البدل يبقى على حاله بدل إيجار ، وتكون محكمة الصلح المدنية هي صاحبة الاختصاص للنظر في النزاع القائم بينهما ، أما إذا وصفنا العلاقة بأنها ستتحول إلى عقد إشغال فإن البدل يصبح رسم إشغال ، يترتب على المستأجر السابق (الشاغل للعقار المستملك) أداءه إلى الجهة المستملكة ويغدو الاختصاص بنظر النزاع الذي قد ينشب بينهما معقوداً للقضاء الإداري .
4- المناقشة القانونية والرأي المقترح :
حتى نستطيع الجواب على الأسئلة السابقة ، فإنه يقتضي بادئ الأمر الوصول إلى توصيف صحيح للعلاقة ما بين المستأجر والجهة المالكة أو المستملكة للعقار المأجور في مرحلة إجراءات الاستملاك وما بعدها فيكون هذا التوصيف أساساً في تكييف البدل المترتب بذمة المستأجر ومن ثم تحديد جهة القضاء المختص ، وهو أمر يدعونا إلى العودة ثانية إلى أحكام قانون الاستملاك ومن مراجعتها نجد أن الاستملاك يتم عبر سلسلة من الإجراءات التي نص عليها هذا القانون والتي تنتهي بالإجراء الأخير الذي نصت عليه أحكام المادة 32 بدفع بدل الاستملاك وتسجيل العقار المستملك باسم الجهة المستملكة أو الأملاك العامة ، مما يعني أن الاستملاك يمر في مرحلتين رئيسيتين هما :
المرحلة الأولى : وهي مرحلة الإجراءات الاستملاكية :
التي تبدأ بصدور مرسوم الاستملاك بناءً على اقتراح الوزير المختص المتضمن تصريحه عن وجود النفع العام ، والتي تنتهي بالضبط النهائي للتقدير التحكيمي لبدل الاستملاك ، ومن ثم دفع البدل الذي اكتسب الدرجة القطعية إلى المالكين وأصحاب الحقوق وإيداعه لمصلحتهم في المصرف أمانة .
المرحلة الثانية : وهي مرحلة تسجيل العقار المستملك باسم الجهة المستملكة أو الأملاك العامة .
كما أن هناك حالة عارضة تحدثت عنها المادة 35 من قانون الاستملاك ، وهي حالة استملاك العقار للنفع العام وتخصيصه في الواقع لذلك ، ثم زوال صفة النفع العام عن هذا العقار وتسجيله باسم الدائرة المستملكة كملك خاص أو من الأملاك الخاصة للدولة .
فإذا عدنا إلى المرحلة الأولى وهي مرحلة الإجراءات الاستملاكية ، نجد أن العقار موضوع الاستملاك يبقى مسجلاً في السجل العقاري باسم مالكه وتبقى يد الدائرة المستملكة بعيدة عنه وهو أن صفة العقار ما زالت ملكاً خاصاً لم يطرأ عليه تبديل أو تغيير مما يدفعنا إلى القول بكل اطمئنان بأن العلاقة فيما بين المؤجر والمستأجر في مرحلة الاستملاك تبقى علاقة إيجارية ، لأن مركز المالك ما زال قائماً ، وإن حقوقه في بدل الإيجار ما زالت في ذمة المستأجر ، وإن إجراءات الاستملاك لا تؤثر على العلاقة الإيجارية ، وإنما تبقى بماهيتها وطبيعتها ووصفها السابق ، كما يبقى النزاع بشأنها خاضعاً لاختصاص محكمة الصلح المدنية .
أما إذا انتقل العقار المستملك إلى المرحلة الثانية الاستملاكية وهي المرحلة التي تلي اكتمال إجراءات الاستملاك وإتمامها بدفع بدل الاستملاك وتسجيل العقار المستملك باسم الجهة المستملكة أو الأملاك العامة طبقاً لأحكام المادة 32 من قانون الاستملاك فإن الصفة الخاصة التي تكسو العقار في السجل العقاري تكون قد زالت بسبب ترقينها ويغدو العقار المسجل باسم الجهة المستملكة أو الأملاك العامة له وصف جديد وتحول إلى الملك العام بدلاً من الملك الخاص .
ونتيجة لهذا التبديل القانوني في وصف العقار بالملك العام فإن مركز المالك السابق ينهار وتنهض محله الجهة المستملكة مكانه ، ويغدو المستأجر للعقار شاغلاً لملك عام ، وفي مثل هذه الحالة فإن العلاقة بين الطرفين تغدو خاضعة لأحكام القانون الإداري وهي أحكام تعتبر إشغال الفرد للملك العام خاضعاً لعقد الإشغال فيلتزم حينئذٍ بأن يدفع للدائرة رسماً يدعى رسم إشغال ، وعلى هذا الأساس فإن عقد الإيجار الذي كان يخضع إلى أحكام قانون الإيجارات ويصبح الذي يثور بين الطرفين خاضعاً لاختصاص القانون الإداري ويتحول إلى عقد إشغال يخضع لأحكام القانون الإداري .
لكن الأمر ليس كذلك إذا حدث للعقار تلك الحالة العارضة التي سبق لنا ذكرها فلو أن الجهة المستملكة لم تتمكن لسبب ما ، أن تخصص العقار المستملك للنفع العام ، واضطرت إلى تسجيله كملك خاص طبقاً لأحكام المادة 35 من قانون الاستملاك فإن الدائرة المستملكة تنزل في مثل هذه الحالة منزلة الفرد وهي منزلة أقرها المشرع حين قال في نهاية المادة 35 الإدارة في هذه الحالة الحق بالتصرف بالعقار المستملك كل وجوه التصرف ، ففي مثل هذه الحالة تعود للعقار صفته الخاصة ، وتنزل الإدارة منزلة الفرد العادي . وبالتالي فإن عقد الإيجار يحتفظ بطبيعته وتكييفه ، كما يبقى للقضاء العادي (محكمة الصلح المدنية) صلاحية النظر في النزاع الذي قد ينشب بصدده .
وباختصار فإن العلاقة الإيجارية :
في مرحلة إجراءات الاستملاك : تبقى بين الطرفين علاقة مؤجر بمستأجر تخضع لأحكام قانون الإيجارات للمؤجر الحق بتقاضي بدل الإيجار ، والنزاع بين الطرفين يخضع لاختصاص القضاء العادي .
أما في حالة تسجيل العقار المستملك كملك عام : فإن صفة العقار تتبدل ويتحول عقد الإيجار إلى عقد إشغال خاضع للقانون الإداري وبدل الإيجار يتحول إلى رسم إشغال والنزاع بين الطرفين يخضع أمر النظر فيه إلى القضاء الإداري .
وأما في الحالة الطارئة : بتسجيل العقار المستملك كملك خاص فإن العلاقة الإيجارية تحتفظ بطبيعتها ووصفها القانوني بحيث تبقى خاضعة لأحكام قانون الإيجارات ويبقى النزاع بشأنها من اختصاص القضاء العادي .
في الاجتهاد القضائي : لقد مر الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض السورية ، في معالجة موضوع العلاقة الإيجارية في حالة استملاك المأجور بمراحل متعددة .
ففي بداية الأمر : رأت محكمة النقض – غرفة الإيجارات ، أن الاستملاك لا يؤثر على العلاقة الإيجارية في قرار لها ذكرت بأنه « من الرجوع إلى دفتر الشروط الخاصة لتأجير الحانوتين وكتابي رئيس البلدية المؤرخ في 26/7/1972 و 16/8/1972 إن العلاقة بين الطرفين علاقة مؤجر بمستأجر ، وكون العقار يستملك للمنفعة العامة لا يؤثر على هذه العلاقة » .
قرار نقض إيجارات رقم 312 – أساس 326 تاريخ 16/4/1975 – المحامون لعام 1975 – صفحة 9 .
لكن محكمة النقض لم تلبث أن أوضحت موقفها أثناء قاعدتها القانونية القائلة بأن إلغاء قيد العقار وضمه للأملاك العامة يفضي إلى اعتبار عقد الإيجار المبرم بشأنه عقد إشغال يخضع للقانون الإداري إذ قالت ما يلي :
« من حيث إن استملاك العقار وضمه للأملاك العامة العائدة للبلدية لتوسيع الطريق بعد أن ألغي قيده السابق يخضع للقانون الإداري (تراجع القاعدة 309 من مجموعة القواعد الإيجارية) ومن حيث إن الزعم بأن البلدية لم تقم بضم العقار المستملك حتى الآن إلى الطريق العام ، لا يبطل أثر المرسوم القاضي على اعتباره بهذه الصيغة ويبقى إشغاله خاضعاً لرسم الإشغال » .
(قرار نقض إيجارات رقم 490 – أساس 387 تاريخ 22/6/1975 المحامون 1975 صفحة 702) .
لكن الاجتهاد القضائي سالف الذكر وإن بحث في موضوع العلاقة الإيجارية في حالة الاستملاك إلا أن هذا البحث المؤدي إلى وضع قاعدة قانونية له ، بقي محصوراً كما هو ظاهر من قرار محكمة النقض بالمرحلة الختامية من الاستملاك ، وهي المرحلة الثانية التي أشرنا إليها .
وبدأ الاجتهاد القضائي الأخير وكأنه يشير إلى أن العلاقة الإيجارية تتحول إلى إشغال لمجرد الاستملاك دون تمييز بين مرحلة الإجراءات الاستملاكية ومرحلة دفع بدل الاستملاك وتسجيل العقار باسم الجهة المستملكة أو الأملاك العامة ودونما أية إشارة إلى حالة تسجيل العقار كملك خاص باسم الجهة المستملكة لزوال صفة النفع العام عن العقار المستملك .
ففي قرار لاحق لمحكمة النقض صدر بعد عامين من القرار سالف الذكر ، ذكرت :
« بأن استملاك العقار المأجور من قبل البلدية للنفع العام ، يغير صفة العقار من ملك خاص إلى ملك عام عائد للبلدية ، ويتحول إشغال المستأجر له إلى إشغال للملك العام ويضحي في مركز المستثمر له ، ولا يخضع لأحكام قانون الإيجارات » .
(قرار نقض إيجارات 2233 – أساس 1863 – تاريخ 29/11/1977 المحامون لعام 1978 صفحة 20) .
وبقي الاجتهاد القضائي على حاله إلى أن أصدرت محكمة النقض قراراً نموذجياً فرقت فيه بين الحالات الثلاثة التي سبق لنا عرضها وبحثها وأرست قاعدة قانونية متكاملة قالت فيها ما يلي :
« تطبيقاً لقانون الاستملاك فقد فرق الاجتهاد بين الحالات التالية : الأولى إذا تم إلغاء قيد العقار بسبب استملاكه وضمه إلى الأملاك العامة وتبديل صفته واكتمال مراحل التنفيذ الفعلي للتنظيم ودفع التعويض للمالكين وأصحاب الاستحقاق ، فإن عقد الإيجار في هذه الحالة والمبرم بشأن هذا العقار يصبح عقد إشغال عمومية خاضعاً للقانون الإداري ويترتب على الشاغل رسم الإشغال والاختصاص بنظر النزاع القائم بصدده يعود إلى القضاء الإداري ، الثانية : إلغاء قيد العقار بسبب استملاكه وتسجيل العقار الداخل في التنظيم ملكاً عاماً في السجل العقاري إلا أن مراحل التنفيذ الفعلي للتنظيم لم تكتمل ، كما لو بقي العقار محل النزاع على حالته الأصلية فلم تتبدل صفته الواقعية ، أو أن إشغاله لم يتم بموجب رخصة بلدية أو لم يتم دفع بدل الاستملاك أو التعويض العادل ففي هذه الحالة لا ينقلب عقد الإيجار إلى عقد إشغال ، وإنما يبقى محتفظاً بماهيته وبطبيعته وتكييفه السابق ويخضع لاختصاص قاضي الصلح ويندرج تحت هذه الحالة ناحيتين هما :
1- « حالة تسجيل العقار باسم الدائرة المستملكة كملك خاص دون أن يكن مخصصاً للنفع العام » .
(نقض سوري 211 تاريخ 15/3/1977 غرفة الإيجارات) .
2- بقاء العقار على اسم المالك السابق ، مع صدور مرسوم الاستملاك ، لعدم اكتمال عملية الاستملاك إما لكون إجراءاتها غير تامة كعدم دفع الثمن أو إيداعه المصرف أو الإيعاز للمصرف بعدم الصرف حتى إتمام معاملة الفراغ ، ففي هذه الحالة أيضاً يحتفظ الإيجار بطبيعته وتكييفه واختصاص النظر في النزاع الناشب بصدده .
(نقض سوري 2103/1047 تاريخ 31/5/1964 قرار نقض إيجارات رقم 1269 أساس 423 تاريخ 31/5/1978 – المحامون لعام 1978 – صفحة 381) .
وخلاصة القول فقهاً واجتهاداً فإن العلاقة الإيجارية في حالة استملاك العقار المأجور تبقى محتفظة بماهيتها ووصفها وطبيعتها والمرجع القضائي المختص بنظر النزاع بشأنها ، ولا يتحول عقد الإيجار إلى عقد إشغال إلا بعد أن تدفع الجهة المستملكة بدل الاستملاك الذي اكتسب الدرجة القطعية إلى المالكين وأصحاب الحقوق وقامت بتسجيل العقار المستملك باسمها أو باسمها أو باسم الأملاك العامة طبقاً لأحكام المادة 32 من قانون الاستملاك ، وبشرط استمرار صفة النفع العام على العقار فإن زالت عنه هذه الصفة وسجل باسم الدائرة المستملكة كملك خاص أو من الأملاك الخاصة للدولة ، وكان المستأجر ما زال قائماً في العقار ، فإن العلاقة الإيجارية تسترد طبيعتها ووصفها وماهيتها .
المحامي الأستاذ
سعود النعسان
اترك تعليقاً