فقد الجنسية بين الرغبة و العقوبة
تقتضي دراسة ألنظريه ألعامه للجنسية وفق ما جرى عليه الفقه التقليدي معرفة أسس اكتساب ألجنسيه وفقدها واستردادها وقواعد إثباتها وضوابط الاختصاص القضائي لمنازعاتها وكيفية انفراد التشريعات ألوطنيه بتنظيمها بالرغم من أبعادها ألدوليه.
إن انتساب أي فرد لدولة ما يمثل جزءا من التوزيع القانوني للأفراد في المجتمع الدولي والمعيار القانوني لهذا التوزيع هو الجنسية والتي أصبح لها أهمية بالغة في العصر الحديث سواء كان ذلك على الصعيد الوطني أو الدولي لما تحمله من مدلول على وطن الفرد وانتسابه لذلك الوطن.
والجنسية هي انتساب الشخص قانونا للشعب المكون للدولة و هي دليل على انتماء أي فرد لدوله من الدول وبالتالي تمتعه بالحقوق وترتب عليه التزامات وواجبات فهي رابطه اجتماعيه وسياسيه ذات نتائج قانونيه وتفيد انتماء فرد لعنصر السكان في دوله معينه وتتضمن عناصر ثلاثة هي ألدوله والفرد والرابطة بينهما ولذلك نجد أن المشرع في أي دولة يسارع إلى وضع التشريعات القانونية التي تنظم أحكام الجنسية ، وأسس اكتسابها وفقدانها حيث ينظم قانون الجنسية في أي دوله شروط اكتساب جنسية ألدوله ودواعي فقدانها وأسباب ذلك.
ونؤكد على مبدأ حرية ألدوله في مادة ألجنسيه تعبيرا عن الاراده الكاملة لكل دوله في ضبط عنصر السكان فيها وتحديد من هم مواطنوها وقد نصت ألماده الأولى من اتفاقية لاهاي ألمبرمه في 12 ابريل 1930 (خاصة ببعض المسائل المتعلقة بتنازع القوانين في مادة ألجنسيه) على انه يخص كل دوله أن تحدد بتشريعها الخاص من هم وطنيوها.
إن إعمال هذا المبدأ يرتكز في الواقع على ضرورة استجابة تشريع ألجنسيه في كل دولة لظروف ومتطلبات مجتمع هذه الدولة فقوانين الجنسية تعد من قوانين ألمصلحه ألعامه وذلك من منطلق تعلقها بالاحتياجات ألعسكرية والسكانية والاقتصادية لكل دوله.إلا أن الجنسية تتصل بالرغم من ذلك بالنظام الدولي وإن هناك ضرورات دولية يجب أخذها في الاعتبار وتأكيدا لهذا المعنى ذهبت محكمة العدل الدولية في قضية Nottebohm في 6ابريل 1955 الى أن (الأثر الدولي لممارسة الدولة لحريتها في مادة الجنسية وتمسكها بتمتع شخص بجنسيتها إزاء الدول الأخرى هو أمر يهم النظام الدولي ويكون من المعقول إذن وجوب أن تتسم الجنسية التي يحتج بها في المجال الدولي بطابع معترف به من قبيل هذا النظام.
ويعد عنصر السكان جزء هام من مكونات ألدوله ومرتبط ارتباطا وثيقا بسيادة ألدوله وهذه ألفكره تقوم ببساطه على وجوب أن يتفق تشريع ألجنسيه في الدولة مع تحقيق متطلبات واحتياجات مجتمع هذه ألدوله ,كما أن جنسية ألدوله تثبت لإفرادها لا تفرقه بين دوله كبيره وأخرى صغيره فلكل دوله جنسيتها المتميزة الخاص بها أيا كان عدد السكان فيها أو مساحة إقليمها ولا أدل على ذلك من أن دولة الفاتيكان و إمارة موناكو تتمتع كل منهم بجنسيه مستقلة فالشرط أن تتمتع ألدوله بالشخصية الدولية ولأفرق بين دولة كاملة السيادة وأخرى ناقصة السيادة فنقصان السيادة ليس له اثر على رابطة ألجنسيه التي تربط ألدوله بمواطنيها.
كما لا يمكن إدراج مادة ألجنسيه أو النصوص ألمنظمه لها ضمن تصنيف القانون الخاص ولا العام وهو امر صعب للغاية حيث إن القانون الدولي الخاص والذي تعد مادة ألجنسيه جزء منه قد استعصى على هذا التصنيف لتوافر السمات المشتركة لكل شطر من التقسيم التقليدي للقانون في مادة ألجنسيه نخلص الى الاعتراف لها أيضا بهذه ألصفه المستقلة. ولا يمكن تجاهل ارتباط مادة ألجنسيه بالقانون الدولي العام ضمن الالتزامات ألناشئه بين الدول والاتفاقيات ألثنائيه والدولية في هذا المجال وبالطبع هناك صلة للجنسية بالقانون الدستوري وما تتضمنه هذه ألماده من تنظيم لعناصر السكان وتنظيم ألجنسيه في بعض دساتير الدول وحتى القانون الإداري ذات صله بالجنسية من خلال طعون الإفراد في القرارات ألصادره بالتجنس أو فقد ألجنسيه وكذلك تعد ألجنسيه مهمة جدا بالنسبة لحالة الأشخاص والقواعد ألمنظمه لجوانب ألشخصيه ألقانونيه من حاله وأهليه ترتبط ارتباطا وثيقا بالقانون الخاص ،هذا كله يجعلنا نخرج من الدائرة التقليدية على انتساب مادة ألجنسيه الى احد فرعي القانون وينتهي بنا الى الاعتراف لهذه ألماده بماهية مستقلة.
إن فقد الجنسية يعني زوالها عن الشخص في حياته بعد ثبوتها له وتمتعه بها مدى من الزمن وفقد الجنسية قد يكون إرادي بالتغير أو يكون بالتجريد إذ تقوم الدولة بتجريد المواطن من جنسيته دون إرادته كعقوبة بالسحب أو الإسقاط وقد حرص المشرع بشكل عام على أن يكون الأسلوب الأخير استثنائيا إذ قيد من إرادة ألدولة وسلطتها ألتقديرية في هذا الصدد وحدد على سبيل الحصر الحالات التي يجوز للسلطة ألتنفيذية الأخذ فيها بهذا الأسلوب 3وبذلك نلاحظ فرق شاسع بين تغيير الجنسية كرغبة لدى المواطن في ذلك البلد ولأسباب تعود له وبين كونها عقوبة تفرضها سلطة الدولة دون إرادته كنتيجة لعمل معين يقوم به ذلك المواطن لا ترضى عنه تلك الدولة.
فعلى سبيل المثال وفقا للقانون العراقي رقم 26 لسنة 2006 يكون في حالتين:
الحالة الأولى : بالتخلي عن الجنسية العراقية وذلك بالإعلان عن ذلك تحريريا وفق ما ورد في الفقرة الأولى من المادة (10) من القانون والمادة (12) منه أما اكتساب العراقي جنسية أجنبية فلا يمنع ذلك من احتفاظه بجنسيته العراقية، كذلك إذا تزوجت المرأة العراقية من غير العراقي وفي هذه المادة ساوى المشرع بين العربي والأجنبي بالنص على عبارة (غير العراقي) خلافا لما ذكر في الفقرة أولا من المادة (10) التي جاءت حصرا على اكتساب الجنسية الأجنبية دون العربية إذ نجد أن المرأة العراقية المتزوجة من غير العراقي واكتسبت جنسية زوجها لا تفقد جنسيتها العراقية ولا يمنع ذلك من احتفاظها بها في كلتا الحالتين ما لم يتم التعبير عن الإرادة بالإعلان تحريريا بالتخلي عن الجنسية العراقية.
والحالة الثانية : للوزير الحق في سحب الجنسية من غير العراقي سواء العربي أو الأجنبي الذي اكتسب الجنسية العراقية وذلك إذا قام بعمل وثبت قيامه به أو حاول القيام بعمل ويعد هذا العمل خطرا على أمن ألدوله وسلامتها، أو إذا كان قد قدم معلومات غير صحيحة عنه وعن عائلته عند تقديم الطلب أو صدور حكم قضائي بحقه مكتسب لدرجة البتات كما لو كان قد قدم أوراقا مزورة لطلب الحصول على ألجنسيه العراقية وثبت ذلك بحكم قضائي مكتسب الدرجة القطعية.
إن فقد الفرد لجنسية كان يتمتع بها اصليه كانت أم مكتسبه أمر جائز الحدوث ما دمنا سلمنا بان رابطة ألجنسيه التي تربط بين الفرد والدولة ليست رابطه أبديه من ناحية فضلا عن عدم جواز إنكار حق الفرد في تغيير جنسيته الذي أقرته المجهودات ألدوليه. و على هذا الأساس يكون من المتصور أن يفقد الوطني جنسيته التي كان يتمتع بها فيصير بالنسبة إليها من عداد الأجانب بعد أن كان من مواطنيها.4
و هكذا فرقا شاسعا بين الحالتين في فقدان الجنسية فإما تكون بناءا على رغبة الشخص وبإرادته وإما تكون رغما عنه وخارجا عن إرادته باعتبارها عقوبة تقع عليه فشتان بين الرغبة والعقوبة.
وقد اختلفت الدول في مسلة فقد الجنسية وببعض التفاصيل ولكن الإطار العام يبقى كما قلنا إما رغبة وإما عقوبة وقد اختلفت الدول العربية في الجزئيات والتطبيق فهناك من شدد على فقد الجنسية كعقوبة نتيجة الأعمال التي تضر بأمن الدولة وهناك من حدد أفعالا تأتي بفقدان الجنسية كجمهورية مصر العربية فقد اعتبرت الاتصاف بالصهيونية احد أسباب فقد الجنسية في حين أن غيرها لم يذكر هكذا سبب.
فقد الجنسية بالتغيير
إن الأفكار القديمة التي نادى بعها بعض فقهاء القانون الدولي، لم تعد تتماشى مع التطور الحديث والأفكار الجديدة، فقد اختفت نظرية الولاء الدائم للجنسية التي كانت ترى أن الفرد لا يستطيع تغيير جنسيته وأنه ينبغي أن يستمر على جنسيه واحدة طيلة حياته لا يغيرها إلى جنسية أخرى، ولذلك نجد تشريعات الجنسية الحديثة تنص صراحة على إمكان الفرد تغيير جنسيته الأصلية أو الطارئة إلى جنسية أخرى بحرية تامة طبقا لمصلحته الخاصة،وإن كنا نجد بعض الدول تشترط موافقتها مقدما على تغيير الفرد جنسيته ولكن هذه الدول قليلة.
فقد يتم فقد الجنسية بعمل قانوني إرادي يتمثل في اكتساب الفرد جنسية غير جنسيته التي يتمتع بها فيفقد ألجنسيه الاصليه ومع ذلك وبغية حماية مصلحة الفرد في ألا يتواجد في حالة انعدام ألجنسيه وتمكينا للدولة من أن تضع من القيود والضوابط ألكفيله بتحقيق ألمصلحه ألوطنيه فقد درجت التشريعات على أن تعتمد على أسس اكتساب ألجنسيه الطارئة المتعارف عليها وذلك للتفرقة بين فقد ألجنسيه المترتبة على التجنس بجنسيه أجنبيه أو مترتبة على الزواج المختلط أوفقد ألجنسيه ألوطنيه لزوال أسباب اكتسابها حيث تزول عن صاحبها فيصبح أجنبيا بعد أن كان وطنيا وتفرق التشريعات ألحديثه في مادة ألجنسيه بين زوال ألجنسيه بتغييرها وزوالها لزوال أسباب اكتسابها والتغيير يفقد الشخص جنسيته ألوطنيه كنتيجة لتجنسه بجنسية دوله أجنبيه استجابة لحريته علاوة على انه ليس لمصلحة ألدوله بقاء شخص لا يرغب بجنسيتها وصار له انتماء وولاء لدولة أخرى أما زوالها لزوال أسباب اكتسابها فيرتبط أساسا بحالات فقد ألجنسيه الخاصة بالأشخاص الذين دخلوا جنسية ألدوله بالتبعية ويقصد حالات ألزوجه والأولاد القصر تبعا لتجنس الأب ويقع الفقد هنا بسبب زوال رابطة التبعية التي كانت سببا في التجنس وذلك لانتهاء رابطة الزوجية أو لزوال حالة القصر لدى الأولاد.
فقد ألجنسيه بالتجريد
أسباب تجريد الوطني من جنسيته تتنوع وربما تختلف ولكن جميعها تتركز حول نقطة جوهرية هي:
“عدم جدارة الشخص بحمل جنسية الدولة لإتيانه سلوكا يقطع الدلالة من وجهة نظر الدولة على عدم ولائه أو انتفاء صلاحيته لأن يكون عضوا في هذه الدولة”.
يمكن رصد أسباب التجريد من الجنسية وردها إلى مجموعة من الأسباب :
ألمجموعه الأولى:
أولا: أسباب مردودة إلى عدم ولاء الشخص الوطني:
وهو ما يمكن أن يستشف من دخول الفرد في خدمة دولة أجنبية، كأن يؤدي الخدمة العسكرية في دولة أجنبية وخاصة إذا كانت الدولة معادية لدولته أو أن يقوم بعمل لصالح هذه الدولة الأجنبية يتعارض مع مصلحة دولته.
وتعد الأسباب المذكورة مبررا لتجريد الشخص من جنسيته بصفة عامة سواء تعلق الأمر بوطني أصيل أم بوطني طارئ أي أن الأمر يتم من خلال السحب والإسقاط في التشريعات التي تعرف هذا التمييز، وإن كان ذلك لا يمثل إلا مجرد قاعدة عامة يمكن أن نجد لها استثناءات عند البعض من التشريعات.
ثانيا: أسباب تفيد عدم اندماج الفرد في الجماعة الوطنية:
وهو ما قد يستشف من مغادرته لإقليم الدولة واستقراره في الخارج، فمثل هذا الإجراء أو السلوك، يعد قرينة في نظر الدولة على انقطاع الرابطة التي تربط الشخص بإقليم الدولة وينطوي على زهد في الجماعة الوطنية فيصبح غير جدير بحمل جنسيتها، وتتنوع الدول بصدد تقدير هذه الأسباب فهناك من يرى فيها مبرر للتجريد من الجنسية بالنسبة للوطني عموما أصيلا كان أم طارئا.
ثالثا: أسباب ترجع إلى سوء الخلق وعدم الأمانة:
وأخيرا فإن تجريد الوطني من الجنسية قد ينبني على أسباب ترجع إلى سوء خلقه أو لعدم أمانته وقد يستفاد من سوء الخلق هذا من صدور أحكام على الوطني الطارئ، ويتم نزع الجنسية عادة في غضون فترة محددة من تاريخ دخوله في الجنسية بحيث إذا انقضت هذه المدة لا يكون للدولة مراعاة لاستقرار الأوضاع إن تنزع عنه الجنسية.
المجموعة الثانية:
السحب بسبب مغادرة الإقليم والاستقرار في الخارج:
تعتبر غيبة الوطني الطارئ وانقطاعه عن الإقامة في مصر هذه المدة المتصلة على أعقاب اكتسابه للجنسية الوطنية يعد قرينة على عدم اندماجه في الجماعة الوطنية مما يبرر سحب الجنسية.
على أن اغلب القوانين قد راعة من جهة أخرى أن تكون لهذه الغيبة ما يبررها من أسباب،وإن عدم اندماج الشخص في الجماعة الوطنية يمكن استنتاجه بسبب هذه المغادرة.
المجموعة الثالثة:
السحب لارتكاب الوطني الطارئ جرائم تجعل بقاءه في الجماعة الوطنية ضارا بها:
أجازت القوانين للسلطة التنفيذية “سحب الجنسية عن الوطني الطارئ إذا ارتكب جرائم معينة تجعل بقاءه في الجماعة الوطنية ضارا بها.
ويشترط لتلك الجرائم في كثير من التشريعات العربية التي تأخذ بهذا السبب لسحب الجنسية أن يصدر حكم له قوة القضية المحكمة على إحدى الجرائم التي نصت عليها القوانين، وبصرف النظر عن الصفة التي حكم بمقتضاها. ومما لا شك فيه أن اشتراط وجود حكم جنائي يقيد إلى حد كبير من سلطة التقدير التي تتمتع بها الإدارة عند اتخاذها لمثل هذا الإجراء.
نصت المادة الحادية والعشرون من التشريع المصري رقم 82 لسنة 1958 على أنه: (يجوز بقرار مسبب ـ من رئيس الجمهورية ـ أن تسحب الجنسية من كل من دخل فيها وذلك خلال الخمس السنوات التالية لتاريخ دخوله في جنسية الجمهورية العربية المتحدة في أية حالة من الأحوال التالية) كما يجوز سحب الجنسية من كل من دخل فيها بناء على أقوال كاذبة أو بطريق العش وفي أي وقت كان.
رأي القضاء الإداري
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يدخل قرار التجريد من الجنسية في طائفة أعمال السيادة ؟ مما يعني عدم جواز الطعن فيه أم أنه عملا إداريا يمكن الفرد أن يطعن فيه بالإلغاء أمام القضاء؟.
نلاحظ أن منازعات الجنسية على اختلاف صورها بما فيها التجريد تعد من الأعمال الإدارية، أي أنها منازعة إدارية.
يعد قرار التجريد من الجنسية قرارا خطيرا وعقوبة شديدة تتخذها الدولة بحث مواطنيها وقد ثارت الخلافات بشأن مدى مشروعية قرار التجريد من الجنسية ومع ذلك فالوضع الراهن في معظم التشريعات الوطنية هو الإقرار الكامل لتلك القاعدة التي أصبحت ثابتة ومستقرة في معظم قوانين الجنسية.
تأتي أهمية تحديد الطبيعة القانونية لقرار التجريد من الجنسية من كونها وسيلة لتحديد اختصاص القضاء بنظر المسألة برمتها فإذا كان قرار التجريد من الجنسية قرارا إداريا فهو يخضع لرقابة القضاء أما إذ كان يدخل في طائفة قرارات السيادة، فيخرج نهائيا عن اختصاص القضاء الإداري.
اترك تعليقاً