بحث و دراسة حول مفهوم القانون الإداري في التشريع الجزائري
الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
لعلّنا لا نبالغ عند القول أنّ فقه القانون عامّة لم يختلف في فرع من فروع القانون بقدر اختلافه حول القانون الإداري. هذا الاختلاف الّذي نجم عنه ظهور مفهوم واسع للقانون الإداري وآخر فني وضيق. وسنتولى في المطلبين التاليين توضيح كل مفهوم لوحده ثمّ نتبع ذلك بتحديد موقف المشرع الجزائري من فكرة القانون الإداري كمجموعة قواعد غير مألوفة في مجال القانون الخاص.
المطلب الأول:المفهوم الواسع للقانون الإداري.
يمكن تعريف القانون الإداري من هذه الزاوية علىأنّه مجموعة من القواعد القانونية الّتي تحكم الإدارة العامة من حيث تنظيمها ونشاطها وأموالها وما يثيره هذا النشاط من منازعات.
والقانون الإداري إذا نظرنا إليه منالجانب الوصفي و العضوي أو الهيكلي نجده في كل دولة على اختلاف توجهاتها وأنماط تسييرها. فكل دولة لها جهازها الإداري الّذي يخضع دون شك لقواعد القانون، سواء من حيث التنظيم والنشاط و الأموال و الرقابة و ضبط المنازعات و غيرها من المسائل.
غير أنّ الاختلاف بين الدول تمحور بالأساسهل يجب أن تخضع الإدارة لنفس القواعد الّتي يخضع لها الأفراد، أم أنّه ينبغي ولاعتبارات معيّنة أن تخضع لقواعد متميزة غير مألوفة لدى الأفراد؟
ففي البلاد الأنجلو سكسونية يخضع نشاط الإدارة لذات القواعد الّتي تحكم نشاط الأفراد و الهيئات الخاصة. وهذا يعني أنّ الإدارة تخضع لقواعد القانون الخاص (المدني و التجاري)، وإذا نتج عن هذه العلاقة منازعة خضعت لذات القواعد و الإجراءات الّتي تسري على الأفراد و يفصل فيها أمام نفس الجهة القضائية التي يمثل أمامها كل الأشخاص،لذا فانّ الميزة الأساسية في هذه الدول أنّها نظرت للقانون ككل نظرة واحدة، فهو لا يختلف بالنّظر لطبيعة الشخص (شخص من أشخاص القانون العام أو شخص من أشخاص القانون الخاص). فالقانون واحد لا يتغير بالنظر لطبيعة الشخص.
هذا ويجدر التنبيه أنّ الفقه الإنجليزي ينبذ فكرة القانون الإداري بالمفهوم الفرنسي على اعتباره أنّه من صور تسلّط الإدارة. كما أنّه يشكل انتهاكا صارخا لمبدأ المساواة أمام القانون، ولمبدأ الفصل بين السلطات هذا الأخير الّذي يفرض خضوع الإدارة كالأفراد تماما لنفس الجهة القضائية، فوحدة القانون في نظرهم هي أكبر ضمانة ضد تعسف الإدارة.
ومما يذكر في هذا المجال ما كتبه الفقيهDicey بخصوص القانون الإداري الفرنسي في مؤلفه مدخل للقانون الدستوري سنة 1839 قال: “إنّ القانون الإداري خطير على الحريات الفردية وإنّه لمن رواسب النّظام السابق للثورة وإنّ البلاد الإنجليزية لا ترغب في أن يكون لها مثل هذا النوع من القانون”. و يرى بعض الكتاب أنّ البلاد الإنجليزية وإن كانت قد رفضت فكرة القانون الإداري من حيث المبدأ، إلا أنّها بادرت في المدة الأخيرة إلى إنشاء محاكم خاصة عهد لها مهمة البتّ في منازعات إدارية محدّدة وهذا ما يدل على مؤشر تبنّيها واستقبالها لفكرة القانون الإداري.
و الحقيقة أنّ هذا المسعى لم يعزز بمساع أخرى ولم يحدث ترسيخه إلى حد الآن. ولقد تبعت دول كثيرة انجلترا في توجهها مثل أستراليا و نيوزيلاندا، ودول من العالم الثالث مثل الهند و بعض الدول الإفريقية.
وعلى خلاف ذلك رأت دول أخرى و على رأسها فرنسا أنّه من الضروري التمييز بين القواعد القانونية الّتي يخضع لها الأفراد وسائر أشخاص القانون الخاص، والقواعد الّتي تخضع لها الإدارة. وتأسيسا على هذا الاختلاف و التباين في المواقف وجب أن يكون للقانون الإداري مفهوم واسع شامل مطلق وآخر ضيق فني خاص. ويقصد بالمفهوم الواسع للقانون الإداري: ” مجموع القواعد القانونية التي تحكم الإدارة العامة سواء كان مصدرها القانون الخاص أو القانون العام بل وحتى إن كان مصدرها القانون الخاص وحده “. ويترتّب على إعمال هذا المفهوم القول بأنّ القانون الإداري موجود في كل الدول لأنّه لا يتصور وجود دولة دون إدارة عامة.
المطلب الثاني:المفهوم الضيق.
يقصد بالقانون الإداري بالمفهوم الضيق مجموع القواعد القانونية المتميّزة والمختلفة عن قواعد القانون الخاص الّتي تحكم الإدارة العامة من حيث تنظيمها ونشاطها وما يترتّب على هذا النشاط من منازعات.
ومن هنا نخلص إلى القول أنّ القانون الإداري بالمعنى الضيّق هو القانون الإداري الحقيقي الذي نقصده. فهو ليس مجرّد تسمية لقانون يحكم الإدارة العامة، بل هو قانون متميّز يحتوي على أحكام خاصة مختلفة عن قواعد القانون الخاص. وهذا المفهوم هو الذي سيلازمنا من خلال هذه الدراسة.
ولعلّه من الفائدة أن نشير و نحن بصدد توضيح المفاهيم أنّ الإدارة العامة لا تخضع في كل معاملة ونشاط للقانون الإداري وحده، بل قد يحكمها القانون الخاص في مواضع وحالات معينة، ذلك أنّ الإدارة حينما أحيطت بقواعد متميّزة كان ذلك بالنظر لأنهّا تمثل سلطة عامة، و تدير مرفقا عاما، وتمارس نشاطا متميزا، و تستخدم أموالا عامة، و تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة، فان هي فقدت هذا الموقع وابتعدت عن هذا النشاط (النشاط المتميز) خضعت للقانون الخاص ولم تعد هناك حاجة لإخضاعها للقانون العام وإحاطتها بقواعد متميّزة وبقضاء خاص مستقل.
وإذا كان خضوع الدولة للقانون مبدأ مستقر ومسلم به في مختلف الأنظمة على اختلاف أنواعها، فان هذا المبدأ يفرض خضوع الإدارة للقانون، ولا يعد انتهاكا لهذا المبدأ أن تحظى الإدارة بأحكام متميزة غير معروفة في مجال القانون الخاص كما لا يعد مساسا بمبدأ المساواة أمام القضاء أن تحظى الإدارة بقضاء مستقل لأن الدولة أو بعبارة أخرى أدق السلطة العامة تختلف من حيث طبيعتها عن الأفراد. و تبعا للمفهوم الضيّق و الفني للقانون الإداري فان هذا الفرع من القانون يعتني بالجهاز الإداري للدولة فيحكم المسائل التالية:
1- تنظيم السلطة الإدارية: يتكفّل القانون الإداري بتنظيم السلطة الإدارية و تحديد طبيعتها هل هي سلطة مركزية تربط موظفي الأقاليم بتوجيهات وأوامر رؤسائهم الإداريين (تركيز السلطة) أم أنّها سلطة موزعة تباشر كل هيئة مهامها تحت إشراف الجهة الوصية ورقابتها (لامركزية السلطة).
2- نشاط الإدارة: ويتجلى في صورتين:
– الضبط الإداري.
– المرفق العام.
3- أساليب الإدارة: وتظهر في:
– إصدار القرارات الإدارية (نظرية القرار)
– إبرام الصفقات (نظرية العقود).
4- وسائل الإدارة: وتنحصر في الوسيلة البشرية و الوسيلة المادية.
– نظرية الموظف العام.
– نظرية المال العام.
– منازعات الإدارة: وتشتمل الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات ذات الطابع الإداري وكذلك الجوانب الإجرائية الواجبة الإتباع.
المطلب الثالث موقف المشرع الجزائري
سبق القول أنّ القانون الإداري بالمفهوم الفنّي يتضمّن مجموعة قواعد استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص تخضع لها الإدارة العامة، وهذه القواعد نشأت عبر مراحل وفرضتها أسباب موضوعية، كما سنوضح ذلك لاحقا.
ومن هنا يطرح السؤال: هل تحققت هذه القواعد الاستثنائية في النظام القانوني الجزائري وما هي صورها؟
لقد تبنى المشرّع الجزائري تدريجيا وبموجب نصوص عديدة فكرة القانون الإداري بالمفهوم الفرنسي كما تأثّر بها القضاء الجزائري، وفيما يلي بيان مظاهر هذا التأثر بإيجاز:
أولا:من حيث النظام القانوني.
إنّ مظاهر تأثر المشرّع الجزائري بنظرية القانون الإداري بالمفهوم الضيق تبرز خاصة من خلال إقراره لنظام تعاقدي خاص يحكم عقود الإدارة العامة شمله قانون الصفقات العمومية.كما تتجلى من خلال تخصيصه فئة الموظفين العموميين بنظام قانوني خاص. وهو ما تجلى في دول عربية كثيرة كمصر وتونس والمغرب والعراق ولبنان وسوريا.
أ- في مجال العقود الإدارية أو الصفقات العمومية
تأثر المشرّع الجزائري منذ فجر الاستقلال بنظرية العقد الإداري الّتي أرسى مبادئها القضاء الإداري الفرنسي ممثلا في مجلس الدولة.
ويتجلى هذا التأثر في إصداره لتقنين خاص يحكم عقود الإدارة العامة تضمنه الأمر 67 – 90 المؤرخ في 17 / 06/ 1967 ومختلف التعديلات الواردة عليه. ولو رفض المشرّع الجزائري نظرية العقد الإداري لأخضع عقود الإدارة للقانون الخاص (المدني والتجاري). أما والحال أنّه خصّها بنص خاص هو أمر 67 – 90 فهذا دليل تأثره بنظرية العقد الإداري. وعدل وتمم بموجب النصوص التالية:
– أمر رقم 69 – 32 المؤرخ في 22 ماي 1969.
– أمر 70 – 57 المؤرخ في 6 أوت 1970.
– أمر 71 – 84 المؤرخ في 29 ديسمبر 1971.
– أمر 72 – 12 المؤرخ في 18 أفريل 1972.
– أمر 74 – 9 المؤرخ في 30 جانفي 1974.
أمر 76 – 11 المؤرخ في 20 فبراير 1976.
ولقد خضعت الصفقات العمومية لنظام قانوني جديد حمله المرسوم رقم 82– 145 المؤرخ ي 10 أفريل 1982 المتضمن صفقات المتعامل العمومي.خاصة وأنّ أمر 67- 90 وصف على أنّ ملامح التأثر بالنّظام الفرنسي بدت فيه واضحة جلية مع اختلاف النظام السياسي و تبنى الجزائر الفكر الاشتراكي في هذه المرحلة وهو ما فرض إصدار مرسوم 82 – 145 لتكريس التوجه الإيديولوجي للدولة.
وبعد المصادقة على دستور الجديد للبلاد لسنة 1989 كان لزاما إعادة النّظر في تنظيم الصفقات العمومية وفعلا تمّ ذلك بموجب المرسوم التنفيذي 91- 434
المؤرخ في 9 نوفمبر 1991 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية.
وما إن عدل دستور 1989 سنة 1996 حتىّ تغيّر تنظيم الصفقات العمومية وهذا بموجب المرسوم الرئاسي 02-250 المؤرّخ في 24 جويلية 2002 المعدل و المتمّم بموجب المرسوم الرئاسي 03-301 المؤرخ في 11 سبتمبر 2003. وهو النّص الجاري به العمل حتى الآن (2008).
وإنّ سلسلة هذه النصوص الصادرة في مراحل سياسية واقتصادية مختلفة، إن دلّت على شيء، فإنما تدل على استيعاب المشرّع الجزائري لفكرة القانون الإداري باعتباره مجموعة قواعد غير مألوفة في مجال القانون الخاص تحكم بالأساس نشاط الإدارة وما يثيره من منازعات.
وبالرجوع لتنظيم الصفقات العمومية الجاري به العمل (المرسوم الرئاسي 02 -250 المذكور) نجد المشرّع قد خصص قواعد خاصة ومميّزة للعقد الإداري، فألزم الإدارة كأصل عام بإشهار رغبتها في التعاقد عن طريق إعلان المناقصة. كما أخضع الصفقة العمومية لإجراءات إبرام طويلة ولنظام رقابي خاص (رقابة داخلية وأخرى خارجية) ولنظام منازعات خاصوهو ما جعلها في النّهاية تختلف اختلافا كبيرا عن العقد المدني و العقد التجاري سيّما وأن الصفقة العمومية تعطي للإدارة المتعاقدة أحقية تعديل الصفقة بصفة منفردة كما تعطيها سلطة لا نجدها مثيلا في مجال القانون الخاص كسلطة الفسخ وتوقيع الجزاء بما يؤكد الطابع الاستثنائي و الخاص و المميّز و الغير مألوف للقانون الإداري باعتباره فرعا من فروع القانون العام.
ب- في مجال الوظيفة العامة:
تأثّر المشرّع الجزائري عند صياغته للأمر رقم 66- 133 المؤرخ في 12 جوان 1966 المتضمّن القانون الأساسي للوظيفة العامة بقانون الوظيفة العامة الفرنسي لسنة 1959 خاصة فيما يتعلّق بالشروط الواجب توافرها لاعتبار الشخص موظفا عاما وبإجراءات التوظيف
واستبدل المشرّع هذا الإطار القانوني الخاص بالوظيفة العامة بإطار قانوني جديد حمله مرسوم 85- 59 المؤرخ في 23 مارس 1985 المتضمّن القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات و الإدارات العمومية.
وعزّز المرسوم الجديد بسلسلة من النّصوص تضمنها مراسيم كثيرة أهمها المرسوم التنفيذي رقم 89 – 224 مؤرخ في 5 ديسمبر 1989 يتضمن القانون الأساسي الخاص المطبق على العمال المنتمين إلى الأسلاك المشتركة للمؤسسات و الإدارات العمومية. وعدل وتمم بمراسيم تنفيذية أخرى سنة 1990 و 1991 و 1994.
وبتغير المعطيات الداخلية وكذلك النظام السياسي خاصة بعد ظهور التعديل الدستوري لسنة 1996 كان لزاما على المشرّع أن يعمل على إرساء قواعد جديدة للوظيفة العامة تلائم المحيط السياسي و القانوني الجديد و تستجيب لتطلّعات و طموحات فئة واسعة في المجتمع الجزائري هي فئة الموظفين العموميين.
وهو ما طالب به نواب المجلس الشعبي الوطني ومختلف النقابات التي تنشط في مجال الوظيفة العامة. وفعلا حدث ذلك بموجب الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمّن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية المنشور بالجريدة الرسمية العدد رقم 46 لسنة 2006.
وقد حددت المادة الثانية منه مجال تطبيقه فشمل المؤسسات العمومية والإدارات المركزية في الدولة و المصالح غير الممركزة التابعة لها و الجماعات الإقليمية (الولاية و البلدية) و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، والمؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي و الثقافي و المهني و المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي، وإنّ تخصيص تشريع متميّز يحكم فئة الموظفين العموميين دون سواهم وعدم إخضاع هؤلاء لقواعد قانون العمل يحمل دلالة واضحة أن المشرع الجزائري تبنى نظرية القانون الإداري فخص فئة الموظفين بتشريع خاص يبين سبل الالتحاق بالوظيفة العامة و شروطها ويحدد حقوق و واجبات الموظف العام ويعلن عن هياكل التسيير و الوصاية في مجال الوظيفة العامة وينظم المسار المهني و الوضعيات القانونية للموظف
ج- على مستوى الممارسة القضائية:
تتميّز نظرية القرار الإداري بأنها نظرية من منشأ قضائي صاغ أحكامها ومبادئها مجلس الدولة الفرنسي. فهي نظرية غير قابلة كأصل عام للتقنين والحصر بحكم طبيعتها. ورغم الجهود المبذولة في مختلف الأنظمة القانونية، إلا أنّ الفكر القانوني لم يتوصل إلى اليوم إلى تقنين نظرية القرار الإداري في منظومة خاصة تماثل قانون الصفقات العمومية
وطالما كانت نظرية القرار الإداري غير قابلة بطبيعتها للحصر و التقنين، فإنّ إرساء معالم القرار الإداري وأحكامه يعود للقضاء الإداري ممثلا في الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا سابقا و مجلس الدولة حاليا.
ورجوعا لاجتهادات الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا نجدها تبنّت فكرة أعمال السيادة ذات المنشأ القضائي الفرنسي رغم عدم تبني المشرّع الجزائري لهذه الفكرة. ويتجلى ذلك في قرارها الصادر بتاريخ 07 /01 /1984 إذ اعتبرت الغرفة الإدارية سحب عملة من التداول بمثابة قرار حكومي لا يقبل الطعن فيه قضائيا.كما تأثر مجلس الدولة الجزائري بمجلس الدولة الفرنسي في صياغته للكثير من أحكام القرار الإداري من ذلك قراره الخاص بتبليغ القرارات الإدارية إذ رفض المجلس المذكور التبليغ بواسطة البريد الموصي عليه. وقراراته الخاصة بحالات تجاوز السلطة وقراراته الخاصة بتبني نظرية العلم اليقيني.
إنّ تأثّر القضاء الجزائري بالمصدر التاريخي المتمثّل في القضاء الفرنسي نجم عنه نقل أحكام ومبادئ القانون الإداريمن فرنسا إلى الجزائر ليس في مجال القرار الإداريبل في مجالات أخرى كثيرة كالمسؤولية الإدارية والضبط الإداري والمرفق العام وامتيازات السلطة العامة وهو ماساهم إيجابا في تكوين أحكام القانون الإداري الجزائري.
ثانيا:من حيث طبيعة النّظام القضائي.
مرّ نظام المنازعات الإدارية في الجزائر بمراحل كثيرة مختلفة من حيث طبيعة القواعد ومن حيث النظام القانوني المطبق على المنازعة الإدارية.
ففي المرحلة الأولى (1962 إلى 1965) تمّ الإبقاء على المحاكم الإدارية الابتدائية الّتي أنشأتها فرنسا أثناء العهدة الاستعمارية في كل من وهران و الجزائر و قسنطينة. بما يعني أنّ المشرّع الجزائري في هذه المرحلة تبنّى نظام الازدواجية القضائية على مستوى البنية القضائية القاعدية ففصل عضويا بين المحاكم الإدارية و المحاكم العادية أو محاكم القضاء العادي أو العدلي كما يطلق عليه. ولو لم يكن في الحقيقة خيارا إراديا واستيعاب فكرة الازدواجية بقدر ما كان مجرد حل لفترة مؤقتة أو انتقالية ريثما يتم التفكير في إنشاء نظام قضائي جديد يلائم فلسفة الدولة وطبيعة نظامها السياسي. وإذا كان المشرّع في هذه المرحلة أبقى على المحاكم الإدارية الثلاث تطبيقا للقانون 62-157 والّذي قضت أحكامه بالاستمرار في تطبيق القوانين الفرنسية فيما عدا ما يتنافى و السيادة الوطنية، إلا أنّه من جهة أخرى وعلى مستوى جهة القضاء العالي نجده قد أعلن عن إنشاء المجلس القضائي الأعلى بموجب الأمر رقم 63 – 218 المؤرخ في18 جوان 1963 ليعهد إليه المهمة المنوطة بمحكمة النقض الفرنسية (في المجال القضاء العادي) ومهمة مجلس الدولة (في مجال القضاء الإداري).
وبهذا الإصلاح الجزئي جعل المشرّع الجهة القضائية العليا واحدة بالنسبة لمنازعات القضاء العادي و الإداري[ فتحققت الازدواجية القضائية على مستوى البنية القاعدية حيث تمّ الفصل بين المحاكم الإدارية والمحاكم العادية. وتمّ التوحيد على مستوى جهة القضاء العالي. وهكذا بدى المشرّع الجزائري متأثرا بفكرة خصوصية المنازعة الإدارية فأنشأ لها هيكلا خاصا على مستوى المجلس القضائي هو الغرفة الإدارية. هذه الأخيرة التي عرفت توسعا وامتدادا بين مرحلة وأخرى حيث تم رفعها إلى 20 غرفة سنة 1986 ثمّ إلى 31 غرفة سنة 1990 ثمّ ارتفعت إلى 35 غرفة إدارية وهو العدد الحالي قبل تنصيب المحاكم الإدارية.
وقد حدثت النقلة النوعية سنة 1996 بمناسبة التعديل الدستوري حيث أعلن المؤسس الدستوري عن إنشاء مجلس للدولة وهذا بموجب المادة 152 من الدستور والتي جاء فيها:
“…يؤسس مجلس دولة كهيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية…”.
وتكريسا وتطبيقا لهذا النص الدستوري صدر القانون العضوي 98 – 01 المؤرّخ في 30 ماي 1998 المتضمّن اختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله كما صدر القانون 98 -02 بنفس التاريخ المتضمن المحاكم الإدارية. وتوّج هذا الإصلاح الإداري بالإعلان عن إنشاء محكمة تنازع الاختصاص وهذا بموجب القانون العضوي 98- 03 المؤرخ في 3 جوان98.
وبهذا الإصلاح على مستوى الهياكل القضائية حدث الفصل العضوي بين الجهات القضاء العادي ممثلة في المحاكم و المجالس القضائية و المحكمة العليا وجهات القضاء الإداري ممثلة في المحاكم الإدارية ومجلس الدولة.
واقتضى هذا الإصلاح القضائي إصدار مجموعة من النصوص التنظيمية نذكر منها خاصة:
1-المرسوم الرئاسي 98- 187 المؤرخ في 30 ماي1998 المتضمن تعيين أعضاء مجلس الدولة (الجريدة الرسمية رقم 44 لسنة1998).
2-المرسوم التنفيذي رقم 98- 261 المؤرخ في 29 أوت1998 المحدد لأشكال الإجراءات وكيفياتها في المجال الاستشاري.
3-المرسوم التنفيذي رقم 98- 322 المؤرخ 13 أكتوبر 1998 المحدد لتصنيف وظيفة الأمين العام لمجلس الدولة.
4-المرسوم التنفيذي 98-323 المؤرخ في 13 أكتوبر1998 المتضمن نوع البدلات الخاصة بقضاة مجلس الدولة.
5-المرسوم التنفيذي 98- 356 المؤرخ في 14 نوفمبر 1998 المتضمن كيفيات تطبيق القانون 98- 02.
اترك تعليقاً