ما بين الديموقراطية الدكتاتورية والدكتاتورية القمعية
كرهت قراءة الجرائد ومشاهدة الأخبار وفضائح بعض الأنظمة العربية في عالم الانترنت،الذي أصبح يعري الحقيقة للجميع رغم أية محاولات لإخفائها. يكفيك أن تكتب كلمة ” مظاهرات في الدول العربية” في محرك البحث وتأتيك الفضائح التي تشمئز لها الروح ويقشعر لها البدن، لشعوب تتظاهر ضد بعض الأنظمة العربية الغارقة في السبات والتغاضي عن حقوق شعبها، مديرة ظهرها عن قصد أو غير قصد عن ظلم جائر يرتكب والمظلوم هو المعاقب والمحاسب.
شعارات مازالت ترفع يوميا لأسباب قطع كهرباء أوماء أو غلاء في المواد الغدائية أو الحرمان من أبسط حقوق يطلبها الشعب في بلاده. في أمتنا العربية المجزئة إلى دويلات والمتفرقة عن بعضها……وإن ظلت على هذا المسار ستصبح مجزئة إلى مساحات صغيرة على شكل درات لا يمكن للعين المجردة أن تراها إلا بمجهر خاص بخريطة العالم. تعبت الشعوب من الظلم والقهر وتعبت من الحرمان والغلاء والمريض الفقير ليس له مكان في المستشفى إلا الأغنياء ومن لهم يد طائلة في المجتمع أو الوساطة أما الفقراء فهم عبارة عن حثالات زائدة موتها أو بقاءها سواء. لا حول لهم ولا قوة إلا أن يتخبطوا في يومهم الحافل بحثا عن قوت يسدون به رمقهم بطريقة شريفة أو غير شريفة، بزور بسرقة بتحايل بجريمة ليس مهما، المهم أن يعيش كيفما كانت الوسيلة، مادام محروما من حياة معيشية كريمة. شعارات مازالت ترفع يوميا في دولنا العربية تهتف، وبين الهروب من موت إلى موت في زوارق مطاطية نحو غياهب أمواج البحر الأبيض المتوسط أو مصافحة موت في الوطن بهراوات حديدية وغازات مسيلة للدموع. لك أن تختار أيها المواطن العربي. ألم يقل شاعرنا أبا فراس الحمداني: ” فقلت هما أمران أحلاهما مر” فأي الأمرين حلو…؟ أموت في البحر أو تحت أقدام مطاطية تركلك على الرأس حتى يتوقف دماغك عن التفكير في الحق. إنه زمن السكوت عن الحق وزمن الظلم العادل والكذب الصادق. زمن الإرهاب الديموقراطي والعدالة الدكتاتورية. زمن حرية التعبير التي تتلاقفها أقدام قذرة، تدعس عليها لكي تنطفي.
فيا قوم لا تتكلموا
إن الكلام محرموا
ناموا ولا تستيقظوا
ما فاز إلا النومو
مازلت أنتقل من موقع إلى آخر في شبكة الأنترنيت فلا أرى إلا أرهاب ظلامي أعمى يسفر يوميا على العشرات من إصابات خطيرة من تهشيم جماجم رؤوس الطلبة ذووا الشهادات الأكاديمية العليا وتكسير عظامهم وتصويب الركل على أعضائهم التناسلية. قوات الأمن التي وظيفتها السهر على حفاظ أمن الشعب، حافظت فعلا وبكل نزاهة وشرف على فض بكارات الطالبات بشكل انتقامي وهستيري مركزين بالضرب بعصيهم الحديدية المستوردة من الخارج. العصي تقوم بعملها وأقدام رجال الأمن تصوب على بطون وحوض الطالبات صاحبات الشهادات العليا المناضلات لحقوقهن في الوطن. تعرضت طالبات كثيرات لنزيف دموي، وحتى لا يضيع عليهن حق آخر وينتهين بنوع آخر من الموت، أسرعن إلى المستشفى للتأكد من سلامة عذريتهن. العنف يتوزع بطريقة عادلة لا يفرق بين رجل وامرأة ولا بين طالب وطالبة الكل يلكم ويكسر في قمة من المساوات الإنسانية والعدل.
فليحيا هذا العدل العربي!
عدل تكسير الجماجم وكسر الأنوف والأيدي والأرجل والصفع والسب والشتم الذي يخرج من أفواه تخزن كل الرذائل والكلمات البذيئة التي تقتل كلمة الحق إن نطقت. ولا من معين، نتفرج على ما يحصل لبعضنا عبر قنوات التلفاز وكأننا نشاهد فيلما لرعاة البقر، ولا يخرج منا إلا التحسر والتأفف. فيا عرب لا تتفقوا، إن التضامن محرم. تفرقوا وتشتتوا، ما فاز إلا التشرد وتشبتوا في ظلمكم وتثبتوا في جهلكم. فجمجموا وثرثروا، لبعضكم فحاربوا ولا تتأخروا وبعدها تحمدوا وتشكروا. أينك أيها الرصافي لأقول لك صدقت، فلا يستحق كرامة إلا الأصم الأبكم.
وتستمر حرب القمع على جماعة شباب الغد الذين يحملون الشهادات العليا.
ألا تحتاج أوطننا العربية لهؤلاء العقول لتحسين الوطن في كل ميادينه؟ ألسنا بحاجة ماسة لعقول درست وتعلمت لتساهم في تعزيز الدولة وتقويم الكثير من الفوضى والجهل؟ لماذا ندرس ونتعلم؟ أندرس لكي نصير بطالة في المجتمع وليست لنا فرص العمل التي من حقنا ومن أجل وطننا؟ أليس لنا حق على وطننا؟ لماذا ندرس ونتعلم ولماذا الدراسة إجبارية إلى سنوات معينة في حياتنا؟ أليس من الأفضل أن نجلس في بيوتنا من غير علم حتى لا نرى بالعين المتعلمة الفواحش التي تؤلم أرواحنا وتجرحها جروحا لا تشفى؟ إن لم تجد الدول العربية حلا لهؤلاء الطلبة على الأقل، عوض أن تستورد عصيا مطاطية حديدية لقمعهم، الأجدر أن تستورد بدلها قوارب مطاطية ولتهدي لهم موتا أفضل من ذلك الذي تقدمه لهم حتى الآن.
أمتنا العربية وطن كبير جميل، غني بثرواته التي يسطوا عليها فقط أصحاب البطون التي لا تشبع. أين خيرات هذه البلدان من شعبها؟ بلداننا تتمتع العين البرجوازية بها والعين السياحية أما الشعب فعينه جاحظة فقط تبحث عن لقمة العيش والإستقرار. أين عصا رجال الأمن لأصحاب الدعارة في هذا الوطن الكبير ؟ دعارة بشتى أنواعها وألإعتداء جنسيا على أطفال أعمارهم تتراوح بين السبع سنوات والثالثة عشر سنة. أين العصا لمن يمسكون الرشاوي ومن يعطون الرشاوي للتغطية على جريمة وظلم؟ أين العصا لمن يتعامل في المخدرات؟ أين العصا لمن يسنّ القانون في البلد ويمارس النقيض؟
ونحن في عصر العولمة والقنوات الفضائية، ألا ترى عين دولنا العربية الدول الغربية الديموقراطية وكيف تعيش شعوبها حياة هنية راضية؟ كيف لأوطاننا ألا تحذوا حذو هذه الدول؟ ماذا ينقص دولنا؟ أليست عندنا عقول وأدمغة في مستوى الفكر والتفكير لأجل التحسين، لكنها تقمع بالضرب على الجمامجم بالعصي المستوردة من الخارج حتى تتبلد تلك العقول؟
فهنيئا لأوطاننا العربية على ديموقراطيتها الدكتاتورية، وهنيئا لها على تقدمها للوراء. ومزيدا من الهمجية والوحشية وقمع الشعب وقمع حرية التعبير.
اترك تعليقاً